التأثيرات الاجتماعية المحتملة لتآكل قيمة الدعم

قبل اغتصاب الجنرال عبدالفتاح السيسي للسلطة بانقلاب عسكري في يوليو 2013م، كان المواطن المصري المسجل في منظومة الدعم[[1]] يحصل على دعم عيني عبارة عن (1.5 كجم زيت + 2 كجم أرز + 2 كجم سكر) في مقابل عشرة جنيهات فقط؛ حيث كان سعر عبوة الزيت (1 كجم) ثلاثة جنيهات، وسعر(1 كجم) من الأرز (1.5) جنيها، وسعر (1 كجم) من السكر جنيها وربع الجنيه.

هذا  بخلاف الخبز المدعوم؛ حين شرع وزير التموين الأسبق الدكتور باسم عودة الشهير بوزير الغلابة في تطبيق منظومة الخبز الجديدة في يناير 2013م بربط نصيب المواطن من الخبز على بطاقة التموين بما يسمى بفارق نقاط الخبز والتي تسمح للمواطن إما صرف الخبز(5 أرغفة وزن 130 جراما كل يوم) أو صرف الدقيق أو صرف سلع بديلة للخبز أو بما تبقى له من حقه في الخبز المدعوم.

وتم البدء بتطبيق المنظومة بدءا من محافظة بورسعيد لتقييمها ودراستها جيدا وتلافي ما يظهر بها من عيوب قبل تعميمها على باقي محافظات الجمهورية لاحقا؛ ولأول مرة يرى المصريون رغيف الخبز زنة (130) جراما؛ وهي الخطوة التي تضمن وصول الدعم إلى مستحقيه؛ وحققت المنظومة نجاحا كبيرا في تطبيقها ببورسعيد وقوبلت ترحيب واسع من الجماهير؛ حيث ساهمت هذه الخطوة في تقليل حجم الفساد كثيرا وضمنت للمواطن الحصول على  كثير من حقه المنهوب في منظومة الدعم من جانب مافيا الدولة العميقة.

وفي مايو 2013م، فتحت حكومة الدكتور هشام قنديل الباب أمام الفقراء والمساكين من محدودي الدخل إضافة أبنائهم إلى بطاقة التموين، وقد كان نظام مبارك قد أوقف ذلك منذ سنة 1988م لأسباب أرجعتها إلى عجز في موازنة الدولة.

كما كان استخراج بطاقة تموين قبل ثورة يناير أمرا بالغ الصعوبة وقد وضعت وزارة التموين في أغسطس 2008 شروطا تعجيزية لاستخراج بطاقة تموين لكن الرئيس محمد مرسي رفع هذه الشروط في مايو 2013، وأصبح الحصول على البطاقة التموينية مرتبطاً بدخل الفرد الذي يشترط ألّا يتجاوز 1500 جنيه للراتب الشهري و1200 جنيه للمعاش، حينها كان الحد الأدنى للأجور 1200 جنيه.

وسُهّلت الإجراءات واقتصرت على: صورة من بطاقة الرقم القومي لرب الأسرة ومفردات مرتّبه مختومة من جهة عمله أو “بحث حالة اجتماعية” من مكتب الشؤون الاجتماعية وصورة من بطاقة الرقم القومي لزوجته وصور كمبيوتر من شهادات ميلاد الأولاد ووصل غاز أو كهرباء وحوالة بريدية بقيمة 10 جنيهات. وبدأت الإجراءات الفعلية لإضافة مواليد ما بعد 2005 وحتى نهاية 2011 على البطاقات التموينية، الأمر الذي شكّل انفراجة حقيقية للمواطنين.[[2]]

لكن انقلاب الجيش في يوليو 2013م، عصف بالتجربة والمسار الديمقراطي كله؛ ولم يتمكن الرئيس مرسي وحكومته من استكمال تنفيذ برنامجه رغم العراقيل والعقبات التي وضعتها الدولة العميقة لإفشاله ثم الانقلاب عليه.

لاحقا فرض السيسي منظومة دعم جديدة بالتحول من الدعم العيني إلى النظام الخليط (العيني النقدي) في يوليو 2014م،  بتحديد قيمة نقدية ثابتة للفرد في بطاقات التموين (15 جنيها لكل فرد)، ثم تبنى في منتصف 2015 (منظومة الخبز الجديدة التي بدأها باسم عودة)؛ وهي الخطوة التي رحب بها كثيرون وقتها رغم تحذيرات كثير من الخبراء والمتخصصين من عيوب هذه المنظومة واحتمال تآكل قيمة مخصصات الدعم لاحقا بفعل التضخم والغلاء؛ لكن ضم فارق نقاط الخبز إلى بطاقات التموين وتعميم تجربة باسم عودة جعلت المواطنين يرحبون بالمنظومة لأنها حققت لهم وقتها مكاسب حيث باتوا يحصلون على كمية أكبر من السلع بسبب نقاط الخبز.

ومع إخفاق الدولة في السيطرة على ارتفاع الأسعار خلال السنوات التالية رفعت قيمة الدعم النقدي إلى 18، ثم إلى 21 جنيها، ثم إلى 50 جنيها لكل فرد بمعدل اربعة افراد فقط في كل بطاقة، وما زاد عن ذلك يحصل كل فرد على (25 جنيها فقط).

وفعلا صدقت توقعات الخبراء والمحللين؛ فقد ألحقت هذه المنظومة (منظومة الدعم النقدي للسلع) ضررا واسعا بفكرة الدعم ودور الدولة في حماية الفقراء والمساكين الذين يقدرون بعشرات الملايين، ورغم بقاء الدعم العيني في ملف الخبز إلا النظام تحايل على هذه المنظومة بتخفيض وزن الخبز مرتين الأولى في 2017 بتخفيض وزنه من 130 جراما إلى 110 جرامات، والثانية في 2020 بتخفيضه إلى 90جراما فقط؛ وبذلك فقد رغيف الخبز أكثر من 30% من قيمته ووزنه.

وبدلا من حصول المصري يوميا على 650 جراما من الخبز(5 ارغفة زنة 130جراما) بات يحصل يوميا على  450 جراما فقط (5 أرغفة زنة 90 جراما).

وفي أعقاب اتفاق السيسي مع صندوق النقد الدولي في نوفمبر 2016م؛ تآكلت قيمة الدعم بشدة؛ بفعل تراجع قيمة الجنيه إلى نصف قيمته  أمام الدولار وباقي العملات الأخرى من جهة، وارتفاع أسعار السلع الغذائية من جهة أخرى؛ حيث انخفضت قيمة الجنيه من 8 جنيهات إلى 18 جنيها في منتصف 2017م، إضافة إلى ذلك فإن مصر تستورد أكثر من 65% من غذائها من الخارج.

وفي 2022 قام نظام السيسي يتعويم الجنيه مرتين الأولى في مارس والثانية في أكتوبر؛ وتراجعت قيمة الجنيه مجددا  وانخفض خلال هذه السنة الكبيسة من 15.7 قرشا في بدايتها ليصل إلى 24.3 قرشا بمنتصف نوفمبر؛ وبذلك فقد الجنيه أكثر من 50% من قيمته مجددا؛ وهو ما ينعكس بشكل مباشر على منظومة الدعم التي تآكلت بعنف، ولم تعد تستر ملايين الفقراء والمساكين كما كانت في السابق.

وخلال هذه السنة (2022)، يواصل نظام السيسي إصراره على سحق الفقراء والمساكين بتقليص مخصصات الدعم باستمرار؛ فقد قرر وزير التموين الخميس (29 سبتمبر 2022م) برفع أسعار “8” سلع أساسية على بطاقات التموين اعتبارا من السبت غرة أكتوبر 2022م، وحسب قرار الوزارة فقد تقرر رفع أسعار زيت الطعام على بطاقات التموين المدعومة من 23 إلى 25 جنيهاً للعبوة (0.8 لتر)، والسمن الصناعي من 24 إلى 30 جنيهاً للعبوة، والعدس من 11 إلى 12 جنيهاً للكيلو، وصلصة الطعام من 4.75 إلى 6 جنيهات للعبوة.

كذلك ارتفع سعر عبوة الخل من 4.25 إلى 5 جنيهات، وعبوة الجبن (0.25 كيلو) من 7 إلى 7.5 جنيهات، وعبوة الجبن (0.50 كيلو) من 13 إلى 14 جنيهاً، ومسحوق الغسيل من 18 إلى 20 جنيهاً للعبوة، وصابون اليد من 5.5 إلى 6.5 جنيهات للقطعة، هذه هي المرة الرابعة التي تقوم فيها الحكومة برفع أسعار سلع التموين خلال هذه  السنة الكئيبة “2022”.

وكانت الحكومة قد رفعت أسعار 7 سلع تموينية على مرتين في 1 يناير و1 مارس الماضيين”2022″، كما رفعت أسعار 25 سلعة على بطاقات التموين من أصل 32 سلعة متاحة بنسب بين 5 إلى 15% في إبريل الماضي 2022م.

بهذه الزيادات الأربعة حتى الآن في سنة 2022م تكون أسعار السلع التموينية قد ارتفعت بنسبة 50% عما كانت عليه في “2021”، مع ثبات مخصصات الدعم للأفراد عند 50 جنيهاً لأول 4 أفراد مقيدين على البطاقة، و25 جنيهاً لما زاد عن ذلك.[[3]]

إزاء ذلك؛ إلى أين وصل الدعم اليوم مقارنة بما كان عليه قبل انقلاب يوليو 2013م؟ وكيف تآكلت قيمته؟ ولماذا يصر السيسي على تهميش دور الدولة في حماية الفقراء والمساكين رغم التدهور الحاد في مستويات المعيشة جراء السياسات المالية التي أرهقت البلاد وزعزعت استقرارها؟! وهل لهذه التحولات الضخمة تأثير على الوضع الاجتماعي؟ وما مدى وحجم هذا التأثير؟

 

نصيب الفرد من الدعم

حتى ندرك الفارق الضخم في تآكل قيمة الدعم اليوم في نهايات 2022 عما كانت عليه قبل انقلاب يوليو 2013؛ فإن الفرد في بطاقة التموين كان يحصل على دعم عيني عبارة عن (1.5 كجم زيت + 2 كجم أرز + 2 كجم سكر) في مقابل عشرة جنيهات فقط.

فإذا أراد أن يحصل على نفس الكمية فسوف يدفع (122 جنيها) وفقا لأسعار وزارة التموين للسلع المدعومة في نوفمبر 2022م؛ فزجاجة الزيت سعة 800م  بـ25 جنيها، والواحد كجم الأرز بـ(10.5 جنيهات)، والواحد كجم السكر بـ(10.5 جنيهات)؛ معنى ذلك أن هذا المواطن المسكين سوف يكتفي بعبوتي زيت فقط (1600 مل) بالخمسين جنيها المخصصة له.

أما الأرز والسكر فلن يحق له الحصول عليهما بأسعار الدعم وسيضطر لشرائها بالسعر الحر؛ فسعر الواحد كجم الأرز  بـ18 جنيها على الأقل ومرشح للزيادة بسبب الاحتكار. وسعر الواحد كجم السكر بنفس السعر (18 جنيها) أيضا في ظل شح المعروض.

وهكذا يتضح التآكل الضخم والهائل في منظومة الدعم النقدي؛ فالكمية التي كان يحصل عليها المواطن قبل الانقلاب بعشرة جنيهات فقط ؛ يتعين عليه الحصول عليها بنحو “122” جنيها  اليوم!! ولكي يتمكن النظام من توفير ذات كمية السلع في منظومة الدعم القديمة (1.5 كجم من الزيت + 2 كجم من الأرز + 2 كجم من السكر)؛ فإنه يتعين عليه اتخاذ ثلاثة إجراءات عاجلة:

  • الأول، السماح لكل فرد في منظومة الدعم السلعي بالحصول على ذات الكمية القديمة.
  • الثاني، زيادة مخصصات الدعم لكل فرد من خمسين جينها إلى 90 جنيها.
  • الثالث، عدم التفريق بين أفراد بطاقات الدعم إذا زادت عن أربعة أفراد؛ فيحصل الجميع على قيمة دعم متساوية؛ لأن التفريق في هذه الحالة يخالف القواعد الدستورية في ضرورة المساواة، ما دام الجميع ضمن فئة مستحقي الدعم.

وأمام هذه الحقائق والأرقام فإن مخصصات الدعم الاستثنائي التي قررتها الحكومة بمعدل 100 ج لبطاقات تموين تضم أسرة واحدة و200 ج لكل بطاقة تضم أسرتين، و300 جنيه لبطاقات تضم ثلاثة أسر، فإنها  قليلة مقارنة بقيمة تآكل الدعم ومؤقتة بمدة بتسعة شهور فقط، بدأت في سبتمبر 2022 وتنتهي في يونيو 2023، وهي من جهة ثالثة قاصرة على عدد محدود من المستحقين للدعم ولم تشمل كل المستحقين.

والأرقام المعلنة من الحكومة بهذا الشأن بأن عدد المستفيدين منها يصل إلى 34  مليونا هي أرقام مشكوك فيها لعدم وجود ما يؤكد صحتها في ظل انعدام الشفافية وغياب الرقابة الحقيقية على الحكومة.[[4]]

 

نموذج حالة

لمزيد من التوضيح لفهم أبعاد الصورة حاليا؛ يمكن ضرب نموذج حالة لأسرة مكونة من سبعة أفراد كلهم مقيدون في منظومة الدعم التمويني؛ فهذه الأسرة قبل انقلاب السيسي كانت تحصل على (14 كجم من الزيت + 14 كجم من الأرز + 14 كجم من السكر) وتدفع مقابل ذلك سبعين جنيها (70 جنيها).

فكم تدفع هذه الأسرة اليوم في نهايات سنة 2022م في مقابل الحصول على نفس الكمية؟

هذه الأسرة سوف تحصل على سلع بقيمة ما هو مخصص لها في بطاقة التموين (200 جنيها لأول أربعة أفراد + 75 جنيها للأفراد الثلاثة المتبقين بمعدل 25 جنيها لكل فرد من الثلاثة =  275 جنيها)، فكم يشتري هذا المبلغ اليوم  من سلع التموين وفق أسعار وزارة التموين في شهر نوفمبر 2022م؟

سوف تحصل هذه الأسرة على (11 عبوة زيت (800 مل) فقط) (11 عبوة × 25 جنيها سعر العبوة = 275 جنيها)! ويتعين على هذه الأسرة المسكينة أن تحصل على باقي الكمية من السلع كالتي كانت تحصل عليها قبل الانقلاب بالسعر الحر؛ وهذا يحتاج إلى توضيح وشرح مدعوم بالأرقام حتى نفهم الصورة على نحو كامل من كافة الأبعاد والزوايا.

أولا، تحصل هذه الأسرة حاليا  على 11 عبوة زيت سعة 800 مل وهي كمية تساوي نحو (8800 مل من الزيت). وللحصول على نفس الكمية السابقة من الزيت (14 عبوة سعة كجم = 14000 مل) تحتاج إلى أن تشتري بالسعر الحر 5 عبوات زيت سعة واحد ليتر، وهي تصل في المتوسط إلى نحو (40 جينها للعبوة الواحدة اليوم) بمعنى أن هذه الأسرة المسكينة سوف تدفع نحو 200 جنيه لكي تحصل على باقي كمية الزيت (14 عبوة سعة 1 ليتر).

ثانيا، لكي تحصل هذه الأسرة على 14 كجم من الأرز  فعليها أن تشتري هذه الكمية بالسعر  الحر؛ وسعر الأرز اليوم نحو 18 إلى 20 جنيها؛ وبذلك سوف تدفع الأسرة 250 جنيها.

ثالثا، لتحصل هذه الأسرة على 14 كجم من السكر بالسعر الحر أيضا؛ فيتعين عليها دفع نحو 250 جنيها أخرى؛  فسعر السكر في السوق الحر كسعر الأرز تقريبا بعدما شحت كلتا السلعتين بسبب الممارسات الاحتكارية ورغم أن مصر تحقق نحو 80% من الاكتفاء الذاتي من السلعتين!

معنى ذلك أن هذه الأسرة المسكينة لكي تحصل على نفس كمية السلع التموينية التي كانت تحصل عليها قبل انقلاب السيسي سوف تدفع نحو 700 جنيه تقريبا فوق مخصصات الدعم الخاصة بها(200 لباقي كمية الزيت + 250 جنيها مقابل 14 كجم من الأرز + 250 جنيها مقابل 14 كجم من السكر = 700 جنيه)!!

 

حقيقة أرقام الدعم في الموازنة

أولا، الأرقام تؤكد أن حجم الدعم (90 مليارا لدعم الخبز والغذاء) يمثل 2.9% فقط من حجم إنفاق الموازنة المصرية والبالغ ثلاثة تريليونات و66 مليار جنيه؛ فقد جاءت مخصصات الدعم التمويني بالموازنة الحالية (2022/2023) مماثلة إلى حد كبير لما كانت عليه في العام الماضي بزيادة 2.8 مليار جنيه، والتي تتضمن دعم الخبز، والسلع الغذائية التي يتم توزيعها على البطاقات التموينية والتي يستفيد منها 63.3 مليون مواطن، مقابل 103 ملايين هم مجمل السكان.

ثانيا، هذا الرقم المخصص لدعم الخبز والسلع التموينية (90 مليار جنيه)  يمثل نسبة 25 في المائة من مجمل مخصصات الدعم في الموازنة الجديدة والبالغ 356 مليار جنيه.

وحتى ندرك الحجم الضئيل لمخصصات الدعم فإن نمخصصات فائدة الدين الحكومي في الموازنة الجديدة 690 مليار جنيه، أي ثمانية أضعاف قيمة الدعم الغذائي (90 مليارا فقط)، في ضوء وجود ثلث السكان تحت خط الفقر حسب البيانات الرسمية الملعوب فيها، إلى جانب 965.5 مليار جنيه لأقساط الدين الحكومي خلال العام المالي الجديد، لتصل تكلفة الدين من فوائد وأقساط في عام واحد إلى تريليون و656 مليار جنيه، وهو ما يفوق جميع إيرادات الدولة المتوقعة في الموازنة والتي تصل إلى 1.55 تريليون جنيه.

ثالثا، حجم الدعم في الموازنة تم تضخيمه على نحو مضلل ومخادع؛ ذلك أنه يتضمن 127 مليار جنيه تمثل جزءا من قسط سنوي لمديونية هيئة التأمينات الاجتماعية لدى الخزانة العامة، ولهذا كان يجب أن يكون مكان القسط في الباب الثامن بالإنفاق والمتعلق بأقساط الديون على الحكومة.

كما يتضمن أيضا نوعيات عديدة غريبة من الدعم مثل دعم الصادرات والتي يحصل عليها رجال الأعمال، ودعم الإنتاج الحربي الذي تحصل عليه شركات الإنتاج الحربي، والمعونات المقدمة من مصر إلى دول حوض النيل، والمنح التي تحصل عليها الأندية الاجتماعية للعاملين في وزارات المالية والعدل والداخلية.

فقد بلغ نصيب وزارتي الداخلية والعدل من الدعم في الموازنة الجديدة 1.2 مليار جنيه، وكذلك لمباني وزارة الخارجية في الخارج وصندوق تطوير الطيران المدني، وجهازي الرياضة والشباب، إلى جانب عدد من الجهات التابعة لوزارة الثقافة على رأسها دار الأوبرا المصرية.

رابعا،يضا  بيانات أداء الشهور التسعة الأولى من العام المالي (2021-2022) تشير إلى انخفاض قيمة المنصرف على الدعم التمويني، بالمقارنة بما تم إعلانه من مستهدفات بنسبة 24 في المائة خلال تلك الشهور التسعة.

وكان الحساب الختامى للعام المالي السابق (2020-2021) قد أشار إلى انخفاض الإنفاق على إجمالي الدعم بنسبة 19 في المائة بالحساب الختامي عما تم إعلانه من مستهدفات.

وهي الظاهرة التي تكررت أيضا في العام المالي 2019-2020، بنسبة 31 في المائة لمجمل الدعم وبنسبة 10 في المائة للدعم التمويني. لكن الحساب الختامي الذي يمثل الواقع الفعلي للإنفاق، لا يجد اهتماما إعلاميا في ظل إعلام الصوت الواحد وغياب الدور الرقابي للبرلمان.[[5]]

 

التأثيرات الاجتماعية المحتملة

أولا، ارتفاع معدلات الفقر وتآكل الطبقة الوسطى، من المتوقع أن تفضي سياسات النظام بتقليص مخصصات الدعم من خلال تثبيت قيمة الدعم النقدي وتحريك الأسعار إلى أعلى باستمرار إلى تآكل قيمة الدعم؛ بما يفضي إلى زيادة أعداد الفقراء وانكشاف فئات كثيرة من الطبقة الوسطى؛ وسقوطها تحت خط الفقر.

ووفقا لآخر بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، حول معدلات الفقر في مصر، فقد تراجعت من 32.5% في 2018، إلى 29.7% في 2020، (نحو 30.6 مليون فقير)، وأرجع الجهاز ذلك إلى ما تسمى بالمشروعات القومية التي زادت معدلات التشغيل إلى جانب إجراءات الحماية الاجتماعية التي تقدمها الدولة، ومنها برامج “فرصة ومستورة وسكن كريم” وغيرها من المبادرات.

لكن هذه الأرقام تناولت الفترة من أكتوبر 2019 حتى مارس 2020؛ وبالتالي لم تتناول مطلقا تداعيات تفشي جائحة كورونا ثم تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، ثم قراري التعويم في مارس 2022م ثم التعويم الثاني في أكتوبر 2022؛ ومنذ ذلك الحين لم يصدر المركزي للتعبئة والإحصاء تقريرا جديدا بشأن معدلات الفقر في مصر؛ بما يعني ضمنيا أن المعدلات ارتفعت كثيرا بصورة تحرج النظام؛ فامتنع الجهاز عن إصدار بيانات جديدة بهذا الشأن.

وخلال سنة 2022 وحدها فقد الجنيه المصري أكثر من نصف قيمته بسبب التضخم والتعويم؛ وهو ما ينعكس تلقائيا على معدلات الفقر بالزيادة؛ لكن عدم الشفافية تجعل معرفة المعدلات الحقيقية للفقر في مصر أمرا عسيرا؛ رغم أن تقديرات البنك الدولي في 2019 وصلت بنسبة الفقر في مصر إلى 60%، وذلك كله قبل كورونا والغزو الروسي والتعويمين الجديدين! [[6]]

عزز من اقتراب تقديرات البنك الدولي من النسب الصحيحة للفقر، أن الجائحة قد تكفلت بانخفاض دخول نحو 91%  من القوة العاملة بمصر؛ وفقا لأحدث دراسات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في يناير 2022، حيث أوضحت الدراسة أن انتشار فيروس كورونا أثر على دخل الأفراد المشتغلين بنسبة 91.3% في حين أن 0.5% فقط زادت دخولهم بسبب الوباء.[[7]]

وكانت دراسة أعدها الجهـاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي، صدرت في 20 يونيو 2020م، قد كشف أن (73.5%) من المصريين انخفض دخلهم، بينما أفاد حوالي “25% أن دخولهم ثابتة، وأقل من 1% أفادوا أن دخولهم ارتفعت.

وأن 26.2 % باتوا عاطلين عن العمل، و55.7% باتوا يعملون بشكل أقل من المعتاد، و18.1% باتوا يعملون بشكل متقطع.[[8]]

من جانب آخر فإن زيادة معدلات الفقر يعني  تلقائيا تآكل الطبقة الوسطى وهي الطبقة الأهم في أي مجتمع؛ فتركيبة المجتمع المصري قبل ثورة يناير 2011م، كان الأثرياء يمثلون نحو 10% بينهم من 1 إلى 2% يتمتعون بثراء فاحش، و30% فقراء، ونحو 60% كانوا يمثلون الطبقة الوسطى التي تمثل العمود الفقري في المجتمع، فهي الطبقة التي تضم غالبية الأطباء والمهندسين والمعلمين والصحافيين والتجار والمهنيين والحرفيين المهرة وهم الطبقة المثقفة في المجتمع والتي يمكن أن تنهض بالمجتمع، وهم الذين أشعلوا ثورة يناير وهي أيضا الطبقة التي يخشاها المستبدون والطغاة.

اليوم هذه الطبقة مهددة بالتآكل؛ وهناك تفسيرات ترى أن السيسي والنظام العسكري في مصر يستهدف هذه الطبقة ويريد تهميش دورها وإضعافها؛ لأن هذه الطبقة هي القادرة على القيام بأي ثورة  تستهدف النظام.

ثانيا، تزايد معدلات الجريمة، من التداعيات الناتجة عن الغلاء تزايد معدلات الجريمة؛ حيث تحتل مصر المركز الثالث عربيا والـ24 عالميا في جرائم القتل، بحسب تصنيف “ناميبو” لقياس معدلات الجرائم بين الدول.

وكشفت دراسة صادرة عن جامعة عين شمس، أن نسبة 92% من الجرائم تُرتكب بدافع العرض والشرف، فضلا عن العوامل الاقتصادية التي أصبحت من بين أبرز أسباب تضاعف معدلات القتل العائلي.[[9]]

وآخر تقارير الوزارة كان في يناير 2019م، حيث كشفت الوزارة معدلات الجريمة في البلاد وأسباب ارتفاعها، التي أرجعها إلى انتشار الأسلحة النارية، والإفراج عن عدد كبير من العناصر الإجرامية، وشيوع ظاهرة العنف الاجتماعي، والتأثيرات الناجمة عن الأعمال الفنية من الأفلام والمسلسلات، وانعكاسها على تقليد المواطنين لها، والظروف الاقتصادية والمتغيرات المحيطة بالدولة.

ويؤكد التقرير أن وراء زيادة معدل الجرائم، ظهور أنماط جديدة للجريمة، وتكوين تشكيلات عصابية جديدة من الشباب العاطلين، وسهولة تنفيذ البعض لجرائم السرقات بسبب قصور المواطنين في وسائل تأمين ممتلكاتهم، وغياب الوعي الاجتماعي والثقافي، بينما يعزو خبراء في علم النفس والاجتماع أسباب ارتفاع معدلات الجرائم مؤخرا إلى الفقر والبطالة والإدمان.[[10]]

وبحسب مؤشر الجريمة العالمي “نامبيو” سنة 2018، فإن هناك نحو 92 ألف بلطجي في مصر، كما ارتفع عدد المسجلين خطر بنسبة 55% حسب إحصائية رسمية صادرة عن وزارة الداخلية سنة 2017م.[[11]]

بينما تذهب تقديرات أخرى إلى أن عدد البلطجية في مصر وأرباب السوابق في مصر يصل إلى نحو 500 ألف بلطجي في سنة 2018م.[[12]]

ويتفق الخبراء والمحللون على أن زيادة معدلات الفقر والغلاء وتفشي البطالة سوف  تدفع بقطاعات واسعة إلى عالم الجريمة؛ بما يهدد تماسك المجتمع ويشيع الفوضى بين الناس ويضعف قبضة السلطة بشكل تدريجي على البلاد.

ثالثا،ارتفاع معدلات الانتحار، ارتفاع معدلات الفقر  وتقليص معدلات الدعم وتخل الدولة عن دورها في حماية الطبقات الفقيرة في المجتمع سوف يفضي أيضا إلى تزايد معدلات الانتحار.

وانتهى تقرير «مؤشر السعادة العالمي» لعام 2022م الصادر عن شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة، والمدعوم ببيانات “جالوب” للإحصاءات، إلى أن مصر تأتي بالمركز 129 عالميا في مستوى سعادة الشعوب، ضمن قائمة احتوت على 148 دولة.

كما احتلت مصر المرتبة الأولى عربيا من ناحية معدلات الانتحار، بحسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية، متفوقة في ذلك على دول تشهد نزاعات مسلحة وحروبا أهلية، حيث شهد عام 2019 وحده انتحار 3022 شخصا. [[13]]

وفي سبيل إخفاء معدلات الانتحار الحقيقية في مصر، لا تتعامل الحكومة بشفافية تجاه هذه الظاهرة، فلا تصدر وزارة الصحة أو الداخلية (الجهتان المنوطتان بتسجيل حالات الوفاة) إحصاءات واضحة بعدد حالات الانتحار، وأنها عادة ما تقصر دورها على نفي صحة الأرقام المتداولة عن معدلات الانتحار أو مقارنتها بمعدلات الانتحار عالميًا، لتؤكد انخفاض تلك المعدلات في مصر، الأمر الذي يدل على عدم الجدية في معالجة الظاهرة من ناحية، ويفتح الباب من ناحية أخرى أمام اجتهادات المنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني في تقدير حالات الانتحار.

رابعا، ارتفاع معدلات الطلاق والتفكك الأسرى، وخلال السنتين الأخيرتين ارتفعت معدلات الطلاق في مصر على نحو ملحوظ؛ وأعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، ارتفاع عدد حالات الطلاق إلى 255004 حالات عام 2021 مقارنة بعام 2020، حيث كان 222036 حالة بنسبة زيادة 15%، وبلغت مساهمة المرأة في قوة العمل 15.2% من إجمالي قوة العمل فقط، كما بلغ معدل البطالة للإناث 16%.[[14]]

خامسا، تكريس الطبقية، تسببت موجات الغلاء المتتابعة في تكريس الطبقية في مصر على نحو كبير؛ وقد ساهمت السياسات النيوليبرالية التي يتبناها النظام في العصف بعشرات الملايين من المصريين تحت خط الفقر، في الوقت الذي تتمتع فيه قلة قليلة بمعظم المكاسب والعوائد الاقتصادية؛ ترتب على ذلك وجود أغلبية ساحقة من الفقراء وقلة من الأثرياء بل فاحشي الثراء.

وقد كشفت بيانات النشرة الشهرية للبنك المركزي الصادرة في بداية مارس 2022م، أن نحو 80% من ودائع البنوك مملوكة لنحو 2.5% فقط من المجتمع.

وبحسب بيانات «المركزي» فقد استحوذ القطاع العائلي (الأشخاص الطبيعين) على نحو  80% من إجمالي الودائع غير الحكومية، ما يقدر بـ4.1 تريليون جنيه (بالعملتين المحلية والأجنبية)، نهاية نوفمبر (2021).

وهو ما يؤكد تركز الادخار في شريحة معينة من المجتمع، كما يعكس ذلك تركز الثروة في يد شريحة قليلة من المصريين؛ بما يبرهن على انعدام العدالة في توزيع الثروة وتكريس سياسة اللا مساواة.[[15]]

سادسا، انتشار ظاهرة التسول، ترتب على الغلاء الفاحش وارتفاع الأسعار زيادة معدلات التسول وأعداد المتسولين مع سقوط ملايين المصريين تحت خط الفقر وعدم قدرتهم على الوفاء باحتياجاتهم الأساسية من الطعام والملبس والمأوى؛

وتقدر دراسة صادرة عن المركز القومي للبحوث الجنائية عدد المتسولين بحوالي 41 ألفا  بينما يصل عدد الأطفال الذين يتم استخدامهم في عمليات التسول حوالي “1.5” مليون طفل بحسب إحصائية كشفها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بحسب موقع “دوت مصر” التابع لجهاز المخابرات العامة سنة 2017.[[16]]

لكن “بوابة الأهرام” نشرت نتائج دراسة أخرى في يوليو 2017، أجراها قسم بحوث الجريمة، بالمركز القومي للبحوث الجنائية، عن أطفال التسول في شوارع مصر، ينزل بالرقم إلى 21 ألفاً و650 طفلاً متسولاً،[[17]]

كانت هذه الأرقام سنة 2017 و 2018، أما اليوم وفي ظل موجات الغلاء الفاحش حيث تراجعت دخول نحو 91% من المصريين بحسب الجهاز المركزي للإحصاء[[18]]

فإن مؤسسات الدولة أحجمت عن إصدار البيانات الرسمية الكاشفة عن معدلات الجريمة والتسول بتوجيهات أمنية صارمة خوفا من افتضاح الأوضاع ومدى تدهورها.

سابعا، الانفجار الاجتماعي، فتزايد معدلات الفقر والحرمان والجوع سوف تضغط على الطبقات الفقيرة التي تتزايد أعدادها بشدة؛ وفي ظل هذه الأوضاع المتدهور فإن حجم الضغوط قد تصل إلى مرحلة الانفجار وهو انفجار فجائي وتلقائي بعيدا عن الترتيبات السياسية كما جرى في الدعوة لمظاهرات 11/11/ 2022 والتي فشلت في حشد الجماهير بسبب القبضة الأمنية؛ لكن هذه القبضة لن تبقى على الدوام والضغوط كثيرة تحاصر النظام من كل جانب؛ وسقوطه حتمي حتى مع فشل الدعوة لمظاهرات 11/11.

وقد خرجت تقديرات موقف من مراكز بحث وتحليل تحذر بالفعل من انفجارات اجتماعية في الدولة الهشة كمصر وعدد من الدول العربية؛ وكان على رأس المحذرين البنك الدولي، الذي توقع اندلاع احتجاجات مشابهة لأحداث الربيع العربي بسبب التضخم وارتفاع الأسعار.[[19]]

وتؤكد صحيفة “التلجراف” البريطانية،  أن مصر ستواجه أزمة غذاء كبرى، وتنقل الصحيفة البريطانية عن البروفيسور “تيموثي لانج” الأستاذ الفخري المتخصص في سياسة الغذاء، تحذيراته مؤكدا أن «مصر صندوق بارود ينتظر الانفجار».[[20]]

ووفقا لتقديرات موقع «جيوبوليتيكال فيوتشرز»، فإن الاحتجاجات الجماهيرية تكاد تكون حتمية في مصر وشمال إفريقيا إذا ارتفت أسعار الغذاء إلى مستويات جديدة تفوق قدرة ملايين الفقراء. [[21]]

واستنادا إلى مؤلفات جاك غولدستون عالم الاجتماع السياسي الأميركي والأستاذ بجامعة جورج مايسون، فإن هناك احتمالات قوية لحدوث تمرد وانفجار اجتماعي جراء ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع أسعار الغذاء.

بينما الحرمان النسبي قد يدفع إلى قيام الثورة وحدوث التغيير، فالشعور بعدم المساواة وانعدام الفرص -سواء في الدول الغنية أو الدول متوسطة الدخل- هو الذي يدفع باتجاه التفكير في الثورة، وذلك من أجل تغيير موازين القوى السياسية وتحقيق العدالة الاجتماعية، ويصبح الأمر أكثر إلحاحا عندما يدرك المواطنون أولا أن فقرهم ليس قدرا حتميا لأن بلادهم فقيرة ولكن نتيجة للسياسات الحكومية الفاشلة والفاسدة، وثانيا لأن هناك فئات وطبقات أخرى لا تعاني الفقر، بل تحتكر الثروات والموارد على حساب بقية المجتمع، وبكلمات أخرى، فإن فقرهم هو بفعل فاعل وليس أمرا قدَريا.[[22]]

خلاصة الأمر، تآكل مخصصات الدعم وتخلي الدولة عن دورها في حماية الطبقات  الفقير يحمل تهديدا مباشرا لاستقرار الدولة؛ ويزعزع أمنها  بشكل دائم ومستمر؛ أما أخطر التداعيات الاجتماعية فهي زيادة معدلات الفقر، وأمام الجوع يتجه الناس إما إلى الثورة والاحتجاج أو الجور على حقوق الآخرين وبالتالي تزاد معدلات الجريمة ويتفكك المجتمع في ظل انشغال الأجهزة الأمنية بأمن النظام على حساب أمن الوطن والمواطن، ومع تفشي اليأس والإحباط ترتفع معدلات الانتحار والطلاق والتفكك الأسرى والتسول، وهو ما تؤكده الأرقام الرسمية والبحوث والدراسات المتخصصة.

بينما يقف النظام عاجزا عن وضع حلول جذرية لهذا الأمراض والأزمات المزمنة، فمصر ــ تحت حكم الجيش ــ تغرق والجنرالات يتشبثون بالسلطة والمجتمع يتفكك وينهار، والتحولات الدولية تعصف بالجميع دون توقف ولن يسلم من هذه العواصف إلا الأمم والشعوب الحرة المتماسكة التي تحكمها نظم رشيدة اختارتها الشعوب فاستعدت لهذه الأوضاع الشديدة فحققت اكتفاءها من الطعام وبنت اقتصادها على أسس قوية وعادلة وصحيحة.

من جانب آخر فإن النظام يتجاهل دور الدعم في تحقيق الأمن والاستقرار الاجتماعي؛ ذلك أن الدعم إنما يحقق شيئا من العدالة المالية المفقودة داخل المجتمع، ويعتبر جدار حماية للمجتمع من الفوضى والانزلاق نحو صراع أهلي بين الفقراء المحرومين من كل شيء والأثرياء الذين يتمتعون بكل شيء.

وقد برهنت على ذلك دراسة عن سياسات الدعم الحكومي في مصر وأثرها على الاستقرار السياسي والاجتماعي، بعنوان « سياسات الدعم الحكومي في مصر وأثرها على الاستقرار السياسي والاجتماعي»، أعدها الباحثان محمد مصطفى عبدالباسط ونوير عبدالسلام، ونشرت سنة 2018م بمجلة كلية التجارة للبحوث العلمية بجامعة أسيوط.[[23]]

وكشفت الدراسة عن أثر سياسات الدعم الحكومي على حالة الاستقرار السياسي والاجتماعي، و«تبين وجود علاقة وطيدة بين الاستقرار السياسي وسياسات الدعم الحكومي، فكلما كانت سياسات الدعم أكثر انضباطاً ومناسبة للفئات المستحقة له كلما تمتع النظام السياسي بالاستقرار السياسي.

واختتمت الدراسة مؤكدة على إنه ليس من البديهي في ظل حالة من ارتفاع الأسعار أن تقوم الحكومة بوضع سياسة دعم تهدف إلى تخفيض عدد السلع المدعومة أو تقليل أعداد المستفيدين من الدعم، ففي هذه الفترة وفي ظل ارتفاع أسعار السلع الأساسية ستكون هذه السياسة أو هذا القرار عنيفا وقاتلاً لفئة عريضة من الفقراء ومحدودي الدخل، لذا يجب على متخذ القرار أن يبدأ البداية المناسبة حتى يجد صدي إيجابيا للقرار أو السياسة التي قام باتخاذها».

لكن السيسي ونظامه وأجهزته يناقضون كل هذه التحذيرات ويصر على تجويع ملايين المصريين من خلال تخفيض مخصصات الدعم؛ الأمر الذي يمكن أن يفضي إلى فوضى عارمة قد لا يتمكن النظام من احتوائها أو السيطرة عليها.

ولعل هذه المخاوف هي التي تدفع النظام نحو تشديد القبضة الأمنية من جهة، وتأجيل رفع أسعار الخبز المدعوم من جهة أخرى.

 

 

 

 

—————————-

[1] تعالج هذه الورقة منظومة الدعم السلعي على بطاقات التموين (الخبز ــ الزيت ــ الأرز ـ السكر) والتي يستفيد منها نحو 64 مليون مواطن دون غيره  من أشكال الدعم الأخرى التي جرى تحريرها  وبات المصريون يحصلون عليها بالسعر العالمي كالوقود والغاز وتعريفة الركوب في المترو والقطارات والمواصلات العامة والكهرباء والمياه.. كذلك لا تعالج الورقة صور دعم أخرى تعاني من الإهمال الجسيم حتى فقدت معناها ودورها كدعم الصحة (المستشفيات الحكومية) والتعليم (المدارس والجامعات الحكومية).

[2] انظر محمود عبد الرحمن/ الدّعم التمويني بعد 25 يناير: عقد من الحذف والإضافة/ المفكرة القانونية ــ 19 فبراير 2021م

 

[3] بعد شهر من صرف الدعم الاستثنائي..  بنسب تصل لـ26% «التموين» تعلن رفع أسعار 8 سلع تموينية/ مدى مصر ــ السبت غرة أكتوبر 2022م// حكومة مصر تسترد دعم التموين برفع أسعار 8 سلع على البطاقات/ العربي الجديد ــ 29 سبتمبر 2022

 

[4] رنا حمدي/ قيمة دعم التموين «الاستثنائي» لـ«الفرد والأسرة» خلال نوفمبر..  100 جنيها للأسرة الواحدة في قيمة الدعم الاستثنائي للتموين/ المصري اليوم ــ الجمعة  04 نوفمبر 2022م

[5] ممدوح الولي/ دعم السلع التموينية يمثل نسبة 3 في المائة من إنفاق الموازنة المصرية/ “عربي 21” ــ الأحد، 15 مايو 2022

[6] انظر: ممدوح الولي/ خط الفقر لا يكفي ساندويتشات الفول والطعمية.. كيف خلقت الحكومة المصرية “شعباً من الفقراء”؟/ عربي بوست ــ 16 مارس 2022م//طارق الشال/ هل تراجع معدل الفقر في مصر فعلاً كما تقول الحكومة؟ هذا ما يقوله الخبراء/ عربي بوست ــ 23 ديسمبر 2020م

[7] دعاء عبد اللطيف/ مصر.. انخفاض دخل 91% من العاملين بسبب تداعيات كورونا/ الجزيرة نت ــ31  يناير 2022م

[8] سمر السيد/«الإحصاء» يصدر دراسة عن آثار «كورونا» على الأسر المصرية وكيفية مواجهتها/ المال نيوز السبت 20 يونيو 2020

[9] منال الوراقي/ مصر تسجل ارتفاعا في معدلات الجريمة.. ما الذي يقف خلف تلك الزيادة؟/ بوابة الشروق ــ الأحد 15 أغسطس 2021

[10] المرجع السابق

[11] هايدي حمدي/ احتلت المرتبة الثالثة عربيًا.. سر ارتفاع معدلات الجريمة في مصر/ الدستور  السبت 0/يوليه 2019  (تابعة للمخابرات)//بسنت الشرقاوي / جرائم الأسباب «التافهة».. ما الدوافع النفسية وراء ذلك؟! / بوابة الشروق  الخميس 31 أكتوبر 2019

[12] الجريمة في مصر… أرقام مقلقة (إنفوغراف)/ “عربي “21” الخميس، 30 أغسطس 2018

[13] “تعاسة وانتحار”.. تقارير دولية توثق تزايد الاكتئاب في مصر/ “عربي 21” ــ السبت، 19 مارس 2022م// مصر الأولى عربيا في حالات الانتحار بـ2021.. ما هي الدوافع؟/ “عربي 21” ــ الثلاثاء، 04 يناير 2022م

[14] أميرة صالح/ الاحصاء : 48.5 مليون نسمة من السكان«إناث»/ المصري اليوم ــ الثلاثاء 08 مارس 2022م// حقوقيات مصريات يكشفن حقيقة وضع المرأة في عهد السيسي/ “عربي 21” ــ الثلاثاء، 08 مارس 2022

[15] أميمة إسماعيل/ ماذا يعني ارتفاع حجم الودائع البنكية 88% خلال 4 سنوات؟/مدى مصر ــ الثلاثاء غرة مارس 2022م// محمد عبدالله/ ماذا وراء القفزة في ودائع المصريين لدى البنوك؟/ الجزيرة نت ــ 07 مارس 2022م

[16] بالأرقام| 1.5 مليون «لله يا محسنين».. تسول الأطفال مسؤولية مين؟/ دوت مصر ـ الإثنين، 16 أكتوبر 2017

 

[17] إسراء أحمد عبدالفتاح/بالفيديو.. “بوابة الأهرام” تكشف بيزنس التسول بالأطفال.. إيجار “الأصم” 200 جنيه و 20 ألف قنبلة موقوتة بالشوارعبوابة الأهرام ــ  27 يوليو 2017

[18] دعاء عبد اللطيف/ مصر.. انخفاض دخل 91% من العاملين بسبب تداعيات كورونا/ الجزيرة نت ــ31  يناير 2022م

[19] احتجاجات وأعمال شغب.. البنك الدولي يحذر من “ربيع عربي” جديد/ الحرة نقلا عن رويترز ــ الخميس 10 مارس 2022م

[20] المصدر: روسيا وأوكرانيا: الجوع الشديد “يهدد” عائلات في الشرق الأوسط بسبب الأزمة بين البلدين – التلغراف/ بي بي سي عربي ــ 21 فبراير 2022

[21] جيوبوليتكال: أزمة الغذاء تهدد باشتعال موجات احتجاجية واسعة بالشرق الأوسط/ الخليج الجديد ــ  السبت 12 مارس 2022م (المصدر | أليسون فيديركا | جيوبوليتيكال فيوتشرز)

[22] خليل العناني/ هل يثور الفقراء؟!/ الجزيرة نت ــ 15 فبراير 2022م

[23] محمد، مصطفى عبدالباسط حسن (معد) ونوير، عبدالسلام (م. مشارك)/ سياسات الدعم الحكومي في مصر وأثرها على الاستقرار السياسي والاجتماعي/ مجلة كلية التجارة للبحوث العلمية بكلية التجارة جامعة أسيوط ــ سنة 2018م

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022