اختتمت أعمال القمة الإفريقية لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي والتي استمرت خلال يومي 18-19 فبراير 2023، هذه القمة هي السادسة والثلاثون للاتحاد الذي يضم 55 دولة. وكانت الحكومة الإثيوبية قد أعلنت إن 35 رئيس دولة وأربعة رؤساء حكومات على الأقل يشاركون فيها.
كما تبع القمة مباشرةً صدور قرار دولة جزر القمر، يوم السبت 25 فبراير 2023، بحظر 69 كيانًا حول العالم بصفتهم جماعات وتنظيمات إرهابية، ومن بينهم جماعة الإخوان المسلمين.
فما هي الظروف التي جاءت فيها القمة؟
وما هي أهم الملفات والقرارات التي ناقشتها؟
وماذا كانت أهم الأحداث التي جرت خلالها وبعدها؟
وكيف يُمكن قراءة قرار حظر جزر القمر لجماعة الإخوان المسلمين؟
تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عنها خلال هذا التقرير..
أولًا: قمة الاتحاد الإفريقي السادسة والثلاثون..
جاءت القمة تحت عنوان “نحو تسريع مسار تفعيل اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية”، وناقشت سُبُل تفعيل وتسريع اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية وإزالة المعوقات التي تعتري عملها.
- خلفيات القمة وما يواجه القارة الإفريقية من تحديات: تأتي القمة هذا العام في فترة حساسة لإفريقيا، حيث عملية السلام الحديثة في إثيوبيا والنزاعات في جمهورية الكونغو الديمقراطية ومنطقة الساحل ودولة جنوب السودان وحركات تمرد جهادية في الصومال وموزمبيق.[1] وتعصف بالقارة في تلك الأثناء العديد من التحديات الأمنية والنزاعات المسلحة وخاصةً في منطقتي الساحل والقرن الإفريقيين، وكذلك تنامى الانقلابات العسكرية بصورة تؤثر على استقرار دول القارة وتوفير سبل التنمية المستدامة لشعوبها، بالإضافة إلى آثار موجات الجفاف والفيضانات نتيجة للتغيرات المناخية والتي أدَّت إلى تنامى ظاهرة النزوح؛ حيث ارتفع عدد النازحين في إفريقيا جنوب الصحراء بنسبة أكثر من 15% خلال العام الماضي ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة فإن عدد النازحين قد تزايد من 38.3 مليون إلى 44 مليون نازح خلال عام 2022. وفى ذات السياق، تواجه القارة تحديات أخرى مثل تنامى ظاهرة الإرهاب، حيث شهد العام المُنصرم تصاعد نفوذ الجماعات الارهابية في شرق إفريقيا، في الصومال ومنطقة القرن الإفريقي وصولًا إلى شمال موزمبيق رغم الجهود الدولية والاقليمية لمواجهته، كما زادت هجمات الجماعات الموالية لتنظيم داعش على منطقة غرب إفريقيا وعلى الساحل وصولًا لدول حوض بحيرة تشاد. هذا فضلًا عن تصاعد أزمة الغذاء التي تواجه القارة نتيجة لتداعيات جائحة كورونا والتغيرات المناخية والحرب الروسية -الأوكرانية، وهو ما يُهدِّد حياة أكثر من 15مليون شخص في منطقة القرن الإفريقي، وتُقدِّر اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن نحو 346 مليون شخص في إفريقيا يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وهو ما يعني أن ربع سكان القارة ليس لديهم ما يكفى من الطعام، ويعاني قرابة 38 مليون شخص من الجوع، وذلك نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة تتراوح بين 40% و50% في بعض الدول الإفريقية وتراجع القوة الشرائية بنسبة 40% مما أثر على القطاعات الاكثر فقرًا ووضعهم في أوضاع صحية حرجة.[2]
- افتتاح القمة: أُقيم حفل الافتتاح الرسمي للقمة في قاعة مانديلا بمركز مؤتمرات الاتحاد الإفريقي، وكان أبرز المتحدثين الرئيسيين، موسى فقي محمد، رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، وأبي أحمد، رئيس وزراء جمهورية إثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية، والأمين العام لجامعة الدول العربية، وأنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس وزراء فلسطين السيد محمد إشتية، ورئيس الاتحاد المنتهية ولايته، الرئيس ماكي سال، رئيس جمهورية السنغال. وفي خطابه أمام المؤتمر، ذكر موسى فقي محمد أن القمة السادسة والثلاثين للاتحاد الإفريقي تنعقد في وقت يتسم فيه السياق الدولي بشكوك مقلقة، تغذيها الصراعات الجيوسياسية، والحوكمة الاقتصادية المجزأة، مع عواقب لا يُمكن التنبؤ بها على إفريقيا، وأكَّد أنه على الدول الإفريقية الأعضاء أن تُقرِّر خياراتها الاقتصادية والإنمائية في ظل ما تعيشه من أزمات اقتصادية. ودعا إلى الحاجة إلى الوحدة الإفريقية الشاملة للدول الأعضاء، مشيرًا في هذا الإطار إلى ملف الإرهاب. كما أكَّد على الحاجة إلى الإسراع بعزم في مشروع التكامل الاقتصادي، من خلال تفعيل منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية. وأعرب الرئيس موسى فقي عن أسفه لعودة التغييرات غير الدستورية للحكومات مؤخرًا، مما زاد من عدم الاستقرار السياسي وإضعاف الدول. وذكر أن ذلك أدى إلى التطرف العنيف والإرهاب والصراع المتأصل في العمليات الانتخابية والصراعات بين المجتمعات وتغير المناخ. أما آبي أحمد، رئيس وزراء إثيوبيا، فقد رحَّب بنظرائه في أديس أبابا، وشكر الدول الإفريقية على دعمها المستمر ومساهمتها في المساعدة في إيجاد حل دائم لجهود السلام في إثيوبيا. وشدَّد على مبدأ الحل الإفريقي للمشاكل الإفريقية داعيًا الدول الأعضاء إلى إظهار التضامن مع بعضها البعض في أوقات الأزمات. وطالب خلال كلمته بأن يتم الاعتراف بإفريقيا بمقعد دائم على الأقل في مجلس الأمن التابع للجمعية العامة للأمم المتحدة، نظرًا لأن إفريقيا تقود الآن كلاعب رئيسي في المشهد الدولي. الرئيس ماكي سال، رئيس الاتحاد المنتهية ولايته، قدَّم لنظرائه بعض الإنجازات خلال فترة ولايته كرئيس للاتحاد الإفريقي لعام 2022. وسلَّط الضوء على بعض التحديات التي يتعين على إفريقيا التغلب عليها مثل آثار الاحترار العالمي وتغير المناخ والأزمة الصحية غير المسبوقة والإرهاب في القارة واستمرار الصراعات القديمة أو الجديدة وعودة الانقلابات.[3]
- أهم القضايا المُثارة خلال القمة: خلال الاجتماع، شدَّد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على أن “إفريقيا بحاجة إلى العمل من أجل السلام”، مشيرًا خصوصًا إلى الوضع في منطقة الساحل وشرق جمهورية الكونغو الديموقراطية. وقبل القمة جرت مناقشات حول الوضع في شرق الكونغو الديموقراطية حيث تنتشر مجموعات مسلحة لاسيما في المنطقة الحدودية مع رواندا، بحضور رئيس الدولة الكونغولي فيليكس تشيسكيدي ونظيره الرواندي بول كاغامي. في هذا الاجتماع، دعا رؤساء دول مجموعة شرق إفريقيا التي تضم سبعة بلدان إلى “انسحاب جميع المجموعات المسلحة” بحلول 30 مارس. القضية الأخرى على جدول الأعمال كانت منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية التي يُفترض أن تضم 1,3 مليار شخص وتصبح أكبر سوق في العالم في عدد السكان. وركَّز قادة الدول على تسريع إنجاز المنطقة الحرة التي تهدف إلى تعزيز التجارة داخل القارة وجذب المستثمرين. تشكل التجارة بين الدول الإفريقية حاليًا 15% فقط من إجمالي تجارة القارة. ويرى البنك الدولي أن الاتفاق سيسمح باستحداث 18 مليون وظيفة إضافية بحلول 2035 و “يُمكن أن يساعد في انتشال ما يصل إلى خمسين مليون شخص من الفقر المدقع”. وتفيد أرقام الأمم المتحدة بان مجموع إجمالي الناتج الخام لهذه المنطقة سيبلغ 3,4 تريليونات دولار. لكن دول القارة لم تتوصَّل إلى الاتفاق بشأن جدول خفض الرسوم الجمركية بعد الاتفاق الذي وقَّعته كل دول الاتحاد الإفريقي باستثناء إريتريا. وقد تولَّى غزالي عثماني رئيس جزر القمر الأرخبيل الصغير الواقع في المحيط الهندي ويبلغ عدد سكانه حوالي 850 ألف نسمة، الرئاسة الدورية للاتحاد الإفريقي، خلفًا للرئيس السنغالي ماكي سال. ودعا عثماني إلى “إلغاء كامل” للديون الإفريقية. وحول ملف مالي وبوركينا فاسو وغينيا التي يقود كل منها عسكريون تولوا السلطة على إثر انقلابات وعُلِّقت عضويتها في الاتحاد الإفريقي، أرسلت الدول الثلاث وفودًا إلى أديس أبابا للمطالبة برفع هذا التعليق. وقال موسى فقي محمد رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي إن مجلس السلم والامن التابع للاتحاد سيجتمع في موعد غير محدد لاتخاذ قرار بشأن رفع محتمل للحظر عن هذه الدول الثلاث.[4]
- أهم التقارير التي ناقشتها القمة: على مدى يومين، نظرت القمة، من بين أمور أخرى، في تقرير الحالة الاستراتيجية لدورتها مثل تقرير الإصلاحات المؤسسية للاتحاد الإفريقي الذي قدَّمه الرئيس بول كاغامي، رئيس جمهورية رواندا، والتقرير المُتعلِّق بأنشطة مجلس السلم والأمن وحالة السلام والأمن في إفريقيا، التقرير المُتعلِّق بإدارة السياسات السياسية والمالية وسياسات الطاقة العالمية، الذي قدَّمه الرئيس ماكي سال، رئيس جمهورية السنغال، والتقرير المُتعلِّق بأزمة الغذاء العالمية. وتنظر القمة أيضًا في تقارير رؤساء الدول واللجان الحكومية التابعة للمؤتمر، ولاسيما تقارير رؤساء الدول والحكومات المشاركين في منتدى الآلية الإفريقية لاستعراض الأقران من قِبل جوليوس مادا بيو، رئيس جمهورية سيراليون ورئيس الآلية الإفريقية لاستعراض الأقران، وتقرير اللجنة التوجيهية لرؤساء الدول والحكومات للوكالة الإفريقية للتنمية– الشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا، وتقرير لجنة الاتحاد الإفريقي المكونة من عشرة رؤساء دول وحكومات حول إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وتمَّ خلال القمة أيضًا مناقشة تقارير القادة حول قضايا مواضيعية مُحدَّدة مثل التقرير السنوي لرئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي بما في ذلك تقارير الأبطال، وتقرير استجابة الاتحاد الإفريقي لجائحة فيروس كورونا المستجد في إفريقيا، من قِبل ماتاميلا سيريل رامافوزا، رئيس جمهورية جنوب إفريقيا وبطل الاتحاد الإفريقي للاستجابة لجائحة فيروس كورونا المستجد، وتقرير عن تقييم خطة التنفيذ العشرية الأولى من قِبل الحسن واتارا، رئيس جمهورية كوت ديفوار، وتقرير عن منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية من قِبل محمدو إيسوفو، الرئيس السابق لجمهورية النيجر وبطل منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، وتقرير لجنة رؤساء الدول والحكومات الإفريقية بشأن تغير المناخ، قبل الاختتام باعتماد موعد ومكان انعقاد الدورة العادية السابعة والثلاثين لمؤتمر الاتحاد الإفريقي وتاريخ ومكان انعقاد الاجتماع التنسيقي نصف السنوي الخامس.[5]
- أهم الأحداث خلال القمة: تعرضت دبلوماسية صهيونية للطرد في اليوم الأول لقمة الاتحاد الإفريقي المُخصص لأعمال العنف الدامية في منطقة الساحل وفي جمهورية الكونغو الديموقراطية والتي تثير قلقًا عميقًا لدى الأمم المتحدة. وندَّد الكيان الصهيوني بإخراج مبعوثته من اجتماع القمة المُنعقد في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، مُتَّهمًا إيران بتدبير ذلك بمساعدة الجزائر وجنوب إفريقيا. وأظهر مقطع فيديو جرى تداوله على الشبكات الاجتماعية حراسًا يرافقون نائبة الشؤون الإفريقية في وزارة الخارجية الصهيونية شارون بار لي خارج القمة. وقالت ايبا كالوندو، المتحدثة باسم رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي إنه “طُلب منها مغادرة المقر لأنها لم تتلق دعوة باسمها لحضور هذا الاجتماع”. وأوضحت أن الاتحاد الإفريقي وجَّه دعوة لسفير الكيان الصهيوني لدى الاتحاد أليلي أدماسو، وهذه الدعوة لا يُمكن أن يستخدمها أي شخص آخر. وأضافت كالوندو “من المؤسف أن الشخص المعني أساء استخدام هذه البادرة”.[6] وأوضحت أن “وضع إسرائيل كمراقب للمراجعة من قِبل لجنة رؤساء الدول، وفقًا لقرار الجمعية، حتى يحين وقت البت في الأمر”، ونفت كلوندو تقارير صحافية نُشرت في مواقع صهيونية، كانت قد زعمت أن 46 دولة وافقت على منح الكيان الصهيوني صفة ملاحظ في الاتحاد، من مجموع 55 دولة، وأكَّدت أن ذلك “خبر غير صحيح”. وكان الوفد الصهيوني قد حاول استغلال ظروف التنظيم التي تطبع في الغالب افتتاح هذا النوع من القمم لتسجيل حضوره. وفي الوقت الذي كان يجلس فيه رئيس وزراء فلسطين محمد اشتية على المنصة الرئيسية، ويُستقبل بحفاوة من قِبل القادة الأفارقة ويلقي كلمة دولة فلسطين في الجلسة الافتتاحية، كان أمن الاتحاد الإفريقي يقوم بطرد الوفد الصهيوني الذي تسلَّل خلسة إلى داخل قاعة القمة. وبحسب موقع والاه الذي نقل عن المتحدث باسم الخارجية الصهيونية، ليئور هايات، قوله: “إسرائيل تأخذ على محمل الجد الحادث الذي تم فيه طرد نائبة المدير لشؤون إفريقيا، شارون بار لي، من القاعة التي عُقد فيها اجتماع الاتحاد الإفريقي، على الرغم من أن إسرائيل تتمتع بمكانة مراقب وتحوز الحق في حضور اجتماعات المجلس”.[7] وأضاف “من المُحزن رؤية الاتحاد الإفريقي رهين عدد صغير من الدول المتطرفة مثل الجزائر وجنوب إفريقيا التي تحركها الكراهية وتتحكَّم بها إيران”. وردَّ فينسينت ماغوينيا، المُتحدِّث باسم رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا، أن “على إسرائيل تقديم إثباتات على اتهاماتها”.[8]
- أحداث لاحقة للقمة: قرَّرت دولة جزر القمر، يوم السبت 25 فبراير 2023، حظر 69 كيانًا حول العالم بصفتهم جماعات وتنظيمات إرهابية. وأصدر وزير الداخلية القمري فخر الدين محمود، قائمة تضم ما اعتبرها منظمات إرهابية يُحظر أي نشاط لها على أراضي جزر القمر، كلها أو غالبيتها لم تعرف عنها أي نشاط في البلاد. وجاء في مرسوم صادر عن وزارة الداخلية أنه “وفقًا لأحكام المادتين 1 و27 من القانون AU 004-21 المؤرخ في 29 يونيو 2021 المُتعلِّقة بمكافحة الإرهاب وتمويله، ومكافحة تبييض الأموال والمنظمات الإرهابية وكافة الجماعات التي تغطي هذه الحركات، سواء كانت تتحرك بأوامرها أو بالمشاركة معها، تُحظر أهدافها ووسائلها في الهياكل المذكورة”. تضم القائمة جماعة الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية في مصر والمنظمات الشيعية بما فيها جماعة الحوثي وحزب الله، وأيضًا تنظيم القاعدة والشباب المجاهدين في الصومال وكذلك بوكو حرام في نيجيريا. وذكرت صحيفة الوطن القمرية أنه جرى تنظيم ورشة عمل حول التطبيق السريع للقانون المُتعلِّق بمكافحة الإرهاب وغسيل الأموال، في أحد فنادق موروني، والتي ترأسها وزير الداخلية مؤخرًا. ونقلت الصحيفة عن مصدر مسؤول بوزارة الداخلية، قوله إن إعلان قائمة هذه الجماعات والمنظمات الإرهابية الدولية وحظر جميع أنشطتها في الأراضي القمرية يعكس رغبة جزر القمر في أن تتماشى مع توجيهات المنظمات الإقليمية والدولية، والاتحاد الإفريقي، والأمم المتحدة، وكذا الشركاء الذين يكافحون الأنشطة غير المشروعة لهذه الجماعات الإرهابية. وأضاف: “أنها رسالة موجهة إلى هذه الهياكل والتنظيمات، وإلى جميع مشجعيها ومؤيديها، بأنه سيوجد تسامح في حالة الإبلاغ أو اكتشاف أنشطة مشبوهة في الأراضي القمرية لهذه الجماعات”. يأتي ذلك بعد إعلان الرئيس عثمان غزالي الذي تسلم الرئاسة الدورية للاتحاد الإفريقي والذي وعد بالعمل مع الشركاء للمكافحة ضد الإرهاب.[9]
ثانيًا: قراءة في قرار حظر الإخوان المسلمين..
للوقوف على حقيقة دوافع هذا القرار لاسيما بحق جماعة الإخوان المسلمين التي يُمكن أن تكون الوحيدة من بين كل التنظيمات المُعلنة لم يثبت تورطها في أعمال عنف في إفريقيا؛ ننطلق في ذلك من عدة جهات..
- من هو غزالي عثمان؟ هو رئيس دولة جزر القمر المعروف عنه حب السلطة والذي لم يتردَّد في إلقاء خصومه في السجن أو تغيير القانون للبقاء في القصر الرئاسي. وظهر رئيس أركان الجيش السابق الكولونيل غزالي عثماني على الساحة السياسية في 1999 بعد واحد من الانقلابات الكثيرة التي هزت الأرخبيل الصغير الواقع في المحيط الهندي منذ استقلاله عن فرنسا في 1975.وهو يُقدِّم نفسه على أنه “ديمقراطي بعمق”، موضحًا في ذلك الوقت أنه استولى على السلطة فقط لتجنب الحرب الأهلية في أوج أزمة انفصالية مع إحدى جزر هذا البلد الفقير الذي يبلغ عدد سكانه حوالي 900 ألف نسمة. لكنه أعجب بالسلطة وترشَّح في 2002. ولم يتخل عن الرئاسة للمدنيين قبل 2006 وعلى مضض بموجب دستور نصَّ على تناوب جزر الاتحاد الثلاث (القمر الكبرى مسقط رأسه وأنجوان وموهيلي) على الرئاسة. وفي 2016 ترشح مجددًا وفاز في انتخابات سادتها الفوضى وبقيت موضع خلاف، وبعد عودته إلى الرئاسة وخلال أشهر؛ حل المحكمة الدستورية وعدَّل الدستور لتكون الرئاسة الدورية لولايتين، وأجرى انتخابات مبكرة في 2019. وفي طريقه إلى السلطة، اعتقل خصومه الرئيسيين بمن فيهم الرئيس السابق أحمد عبد الله سامبي بتهمة الفساد. وبقي سامبي موقوفًا قيد التحقيق أكثر من أربع سنوات ثم حُكم عليه في نوفمبر الماضي بالسجن المؤبد بتهمة الخيانة العظمى بعد محاكمة اعتُبرت غير عادلة.[10]
- أسباب القرار من وجهة نظر الإخوان: في هذا الإطار؛ رأى موقع الحرية والعدالة الذراع السياسي للإخوان المسلمين في مصر في تعليقه على هذا الإعلان كان ثمن وصول الانقلابي -على حد تعبيرهم- غزالي عثمان إلى رئاسة الاتحاد الإفريقي. وأشار الموقع في هذا الإطار إلى اللقاء الذي تمَّ في 18 فبراير، بين نائب مسؤول الأمن الإقليمي في سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في مدغشقر وجزر القمر، ديفيد إرنست وقيادات في الشرطة القمرية، لمناقشة فرص بناء القدرات التي توفرها الأكاديمية الدولية لإنفاذ القانون (ILEA) في غابورون بدولة بوتسوانا. وتوفر الأكاديمية، بتمويل من حكومة أمريكا بالشراكة مع حكومة بوتسوانا، تدريبًا عالي الجودة لبناء مؤسسات لمكافحة الجريمة العابرة للحدود ويعزز التعاون بين مؤسسات إنفاذ القانون في البلدان الإفريقية ونظيراتها في الولايات المتحدة وتعاون دولي لمكافحة الجريمة العابرة للحدود. كما يشير الموقع أيضًا إلى أنه بالمصادفة مع قرار داخلية جزر القمر، ناقش الاجتماع الثاني من سلسلة اجتماعات النداء من أجل الساحل الإفريقي الذي انطلق في الجزائر، الأحد، 26 فبراير واستمر على مدى يومين، مخاطر ظاهرة انتشار الإرهاب في المنطقة وآليات المواجهة. ويأتي الاجتماع بحسب الحكومة الجزائرية “في ظل تهديدات عدة تشهدها القارة الإفريقية، خاصة منطقة الساحل والصحراء، نظرًا لتغلغل الجماعات الإرهابية وزيادة وتيرة التجنيد وعودة المقاتلين من منطقة الشرق الأوسط”.[11]
- أسباب القرار من وجهة نظر معارضي الإخوان: أعاد قرار جمهورية جزر القمر باعتبار جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية هناك إلى الأذهان تصريحات سابقة للقيادي في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين يوسف ندا، حول أن عناصر التنظيم موجودون في جزر القمر، حيث كان ندا قد قال في حوار سابق مع صحيفة “المصري اليوم” أجراه في سويسرا عام 2008: “إن عناصر التنظيم موجودون في القارات الخمس، حتى في جزر القمر التي لا يعرف البعض أين هي”. وقد تداول بعض المعارضين للإخوان في هذا الإطار معلومات تتعلَّق باستثمارات الإخوان في دول إفريقيا بشكلٍ عام، وفي جزر القمر بشكل خاص، مؤكدين أن خطورة الجماعة تكاد تكون أكبر بكثير من خطورة التنظيمات الإرهابية الأخرى؛ لأنها تتغلغل بالمجتمعات باسم الدين، وتعتمد على الوفرة المالية التي بحوزتها، وعلى المشاريع التي تقيمها والتي تدفع الآلاف في تلك الدول الفقيرة للتقرب منها، ومحاولتها التأثير على المشهد السياسي في البلاد.[12]
- قراءة في القرار: منطقة المحيط الهندي تواجه زيادة في عمليات القرصنة، وتهريب الأسلحة، والأعمال غير المشروعة المرتبطة بالجماعات الإرهابية، كما أشارت تقارير صادرة عن المركز الإقليمي لتكامل المعلومات البحرية. ومرسوم جزر القمر أشار إلى إمكانية مصادرة الممتلكات الخاصة بتلك الكيانات الإرهابية، وحظر أنشطتها وأذرعها، ومكافحة تجنيد المؤيدين لهذه الجماعات، أو “توفير الموارد البشرية والمادية والمالية، أو تنظيم الدعاية لها”. ويرى البعض أن اللافت في المرسوم هو وجود المنظمات والكيانات الشيعية الموالية لإيران، في دلالة على قطع ذراع نظام الملالي، الذي عاثت فسادًا قبل أعوام في الجمهورية القمرية. ويرى هؤلاء أن جزر القمر باتت تشهد حالة من تطور الخطاب السياسي، بعد أن عانت فترة طويلة من تدخلات الحركات المتشددة، وبعد أن شهدت نوعًا من التمدُّد الأصولي، وربما كان خير دليل على ذلك فاضل عبد الله محمد، أحد قيادات تنظيم القاعدة، من مواليد العاصمة موروني. وبالتالي فإن هذه الخطوة قد تكون فاعلة إلى حدٍّ كبير في مواجهة التطرف والإرهاب في البلاد، خاصةً بعد تواتر أنباء تشير إلى وجود عدد كبير من أبناء جزر القمر ضمن صفوف تنظيمي داعش والقاعدة. أما عن جماعة الإخوان المسلمين؛ فيرى البعض الآخر أن جزر القمر كانت أحد الملاذات الآمنة التي سعى بعض أعضاء الإخوان لاستيطانها بعد 2013، وسط تقارير تشير إلى وجود عناصر هاربة من أبناء الفرع المصري في جزر القمر، وأن تلك العناصر حصلت بالفعل على جوازات سفر هناك. ويرى هؤلاء أن القرار وضع جملة من العقبات أمام مسارات الأوعية المالية الإخوانية، والتي كانت تتخذ من جزر القمر بابًا لإعادة تدوير أموالها، وإغلاق هذه الباب جاء لتوجيه ضربة لاقتصاديات الإخوان.[13] ربما برعاية مصر التي تجمعها بجزر القمر علاقات جيدة، والتي على الرغم من تواضعها؛ إلا أنها شهدت في العامين الأخيرين نشاطًا ديبلوماسيًا وثقافيًا (منح من الأزهر)، وحتى دعم طبي بعد جائحة كورونا.
الخُلاصة؛ على الرغم مما يحيط القارة الإفريقية من تحديات كبيرة وفي مقدمتها الإرهاب وتغلغله في القارة وسيطرته على مناطق عديدة منها رغم الجهود الإقليمية والدولية لمواجهته، بالإضافة إلى ما يضرب القارة من أزمة في الغذاء تُهدِّد ملايين الأشخاص في كافة أرجائها، إلا أن العديد من الآمال تنعقد على ما قد تسفر عنه تلك القمة السادسة والثلاثين للاتحاد من وسائل فاعلة لمواجهة تلك العقبات التي تحول دون إحداث تنمية حقيقة للقارة وتعظيم التبادل التجاري الداخلي بين دولها واستغلال موارد القارة أفضل استغلال يعود بالنفع على أبنائها ومواجهة محاولات السيطرة على مقدرات القارة الغنية بمواردها والتي تتكالب عليها القوى الدولية والإقليمية لتعظيم منافعهم من مواردها دون سكانها الذين هم في أمس الحاجة لتجاوز ما يعانون منه من صعاب.
وبالنسبة لقرار جزر القمر؛ فكان من اللافت للنظر أن جزر القمر التي لم تكن في يوم من الأيام محل استهداف من نشاط إرهابي داخل أراضيها، تعلن الحرب على منظمات لم تعرف لها حتى الآن وجود على أراضيها. فمن ناحية طموح الرجل البالغ من العمر 64 عامًا والذي يجد في نفسه مستقبل هذا البلد والذي يريد أن يثبت وجوده على المستوى الإقليمي والقاري أيضًا، ومن ناحية أخرى بروز جماعة الإخوان في الداخل القمري والخوف من تمكُّنهم من التأثير في الوضع السياسي والاقتصادي الداخلي هناك، ومن ناحية ثالثة علاقات النظام القمري بالدول التي تعتبر الإخوان عدوهم الأول وعلى رأسها مصر، كل هذا صبَّ في الأخير في ظهور مثل هذا القرار.
وبالرغم من أنه ربما يكون الهدف الأساسي من تحريك تلك الدولة الصغيرة لاتخاذ مثل هذا القرار لاسيما في حق جماعة الإخوان التي لم يثبت تورطها في أعمال إرهابية في القارة حتى اليوم؛ هو دفع بعض الدول الإفريقية الأخرى لحذو نفس النهج؛ إلا أنه لم يثبت حتى الآن نية أية دولة أخرى للخروج بمثل هذا القرار.
ويظل السؤال هل تكون دولة صغيرة مثل جزر القمر التي لا يتخطى سكانها المليون نسمة قادرة على التأثير في دول أخرى لاتخاذ مثل هذا القرار الذي قد يكون مفصليًا بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين لاسيما في مصر، بعد أن اتخذ الكثير من كوادرها من الدول الإفريقية ملاذات آمنة بعد أحداث انقلاب 2013، ومطاردة النظام المصري لهم والتنكيل بهم في مصر؟ وربما تساعد الأيام القليلة القادمة في الإجابة على هذا السؤال بصورة أوضح..
[1] “هذه أجندة القمة السنوية للاتحاد الإفريقي”، هسبريس، 16/2/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/rynoA
[2] د. محمد فؤاد رشوان، “قمة الاتحاد الإفريقي الـــ36.. قمة عادية في إطار استثنائي”، قراءات إفريقية، 21/2/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/SWpA2
[3] “القمة السادسة والثلاثين للاتحاد الإفريقي تحث الدول الأعضاء على مضاعفة روح الوحدة الإفريقية الشاملة والتضامن والاخوة عبر تعجيل تشغيل منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية”، African Union، 18/2/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/ZUT6O
[4] “بعد تسلله خلسة واستخدامه بطاقات شخصية مزورة.. شاهد إهانة وطرد الوفد الإسرائيلي من قمة الاتحاد الإفريقي…. واسرائيل تندد وتتهم الجزائر وجنوب إفريقيا بالوقوف وراء الحادث (فيديو)”، رأي اليوم، 18/2/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/zCu7j
[5] “القمة السادسة والثلاثين للاتحاد الإفريقي تحث الدول الأعضاء على مضاعفة روح الوحدة الإفريقية الشاملة والتضامن والاخوة عبر تعجيل تشغيل منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية”، مرجع سبق ذكره.
[6] “بعد تسلله خلسة واستخدامه بطاقات شخصية مزورة.. شاهد إهانة وطرد الوفد الإسرائيلي من قمة الاتحاد الإفريقي…. واسرائيل تندد وتتهم الجزائر وجنوب إفريقيا بالوقوف وراء الحادث (فيديو)”، مرجع سبق ذكره.
[7] عثمان لحياني، “الاتحاد الإفريقي مُعلقًا على طرد الوفد الإسرائيلي: لم نوجه له دعوة”، العربي الجديد، 19/2/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/2Ra7m
[8] “بعد تسلله خلسة واستخدامه بطاقات شخصية مزورة.. شاهد إهانة وطرد الوفد الإسرائيلي من قمة الاتحاد الإفريقي…. واسرائيل تندد وتتهم الجزائر وجنوب إفريقيا بالوقوف وراء الحادث (فيديو)”، مرجع سبق ذكره.
[9] شيرين صبحي، “رغم خلوها من الحوادث الإرهابية.. جزر القمر تحظر 69 كيانًا بينها الإخوان والحوثيون”، رؤية الإخبارية، 26/2/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/YYYQE
[10] “غزالي عثماني رئيس جزر القمر المثير للجدل يتولى رئاسة الاتحاد الإفريقي.. ماذا نعرف عنه؟”، Euronews، 18/2/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/g1p0W
[11] ““الإخوان” على قوائم “الكيانات”.. ثمن وصول انقلابي جزر القمر لرئاسة “الاتحاد الإفريقي””، بوابة الحرية والعدالة، 28/2/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/VHNHp
[12] “مطالبات بكشف نشاطات الإخوان في جزر القمر”، حفريات، 1/3/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/SYbm8
[13] حسن خليل، “لماذا أصبحت جماعة الإخوان المسلمين محظورة في جزر القمر؟”، حفريات، 2/3/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/BWFSe