تحمل تحركات الجنرال عبدالفتاح السيسي مؤخرا في شمال سيناء كثيرا من الغموض الذي يحتاج إلى تفكيك لمعرفة دوافع هذا الاهتمام الملحوظ مؤخرا؛ لا سيما وأنه يأتي في أعقاب عودة حزب الليكود اليميني المتطرف إلى صدارة المشهد السياسي في دولة الاحتلال الإسرائيلي وعودة بنيامين نتنياهو على رأس حكومة الاحتلال منذ نوفمبر الماضي “2022م”.
من أهم هذه التحولات الاهتمام الرسمي بمخططات تنمية سيناء وتنظيم فعالية استعراضية بهذا الشأن، والزعم بأن فاتورة ما تم إنفاقه في سيناء تصل إلى (40 إلى 50 مليار دولار) بينما يؤكد مصطفى مدبولي رئيس الحكومة أن فاتورة التنمية في سيناء منذ 2014 حتى 2023 تصل إلى (610 مليار جنيه).
ثم وتأكيد السيسي أن النظام قد نجح في القضاء على الإرهاب، وأنه لم يعد هناك عذر لاستئناف مخططات التنمية بعد سحق عناصر تنظيم “ولاية سيناء” في مناطق تمركزهم؛ وذلك بعدما تمكن النظام من تجنيد قيادات بالتنظيم على صلة قرابة ببعض شيوخ القبائل المساندة للجيش بعدما تم إغراؤهم بالحماية والعفو عنهم ومنحهم حياة جديدة خارج سيناء مقابل دعم النظام وأجهزته الأمنية؛ الأمر الذي مكن النظام من الحصول على معلومات ذهبية شديدة الأهمية والخطورة بشأن تمركز عناصر التنظيم وفلسفة تحركاتهم.[[1]]
هذا بخلاف تحركات أخرى أهمها الحملة الأمنية على منطقة “البرث” إحدى مناطق نفوذ إتحاد القبائل المساند للجيش؛ وهي الحملة التي استهدفت زراعات وتهريبها والتي يقف وراءها قيادات رفيعة باتحاد قبائل سيناء الظهير الشعبي المساند للنظام في حربه ضد تنظيم «ولاية سيناء» التابع لتنظيم “داعش”.
فما أهم هذه التحركات والتصريحات؟ ولماذا هذا الفارق الضخم في كلفة فاتورة التنمية المزعومة بين رقم السيسي ورقم رئيس الحكومة؟ وأين ذهب هذا الفارق الضخم؟ وما علاقة ذلك كله بعودة نتنياهو إلى راس السلطة في حكومة الاحتلال؟ و ما سر الاهتمام الملحوظ من جانب السيسي بسيناء بعد التحولات السياسية في المشهد السياسي الإسرائيلي؟ وهل لذلك علاقة بمخططات صفقة القرن أم أنها تعبر عن مزيد من المخاوف بعد عودة الليكود؟
عسكر ومدبولي في سيناء
أولى التحركات التي تحتاج إلى تفسير وقراءة متأنية، جرت في يناير2023م؛ حيث شهد شمال سيناء زيارات لكبار القادة والمسئولين بالجيش والحكومة، حيث ترأس الفريق أسامة عسكر رئيس أركان القوات المسلح وفدا عسكريا رفيع المستوى وقام بجولة في شمال سيناء (الخميس 12 يناير2023م)، وهي الزيارة التي سبقها إزالة كافة الكمائن العسكرية داخل مدن العريش والشيخ زويد، وتنظيف الطرقات من السواتر الرملية الضخمة والجدران الإسمنتية التي تحيط بالمواقع والمراكز الحيوية لتجنب الهجمات الخاطفة لتنظيم “ولاية سيناء”.
عسكر قام بجولة ميدانية للعريش والشيخ زويد ورفح الجديدة، بحضور عدد من شيوخ سيناء، الذين شاركوا في تأسيس اتحاد قبائل سيناء المساند للجيش، حيث تعهد عسكر بتحسين ظروف الحياة خلال الفترة المقبلة، مؤكدا أن سيناء ستكون على موعد مع مزيد من الزيارات لقيادات ومسؤولين مصريين رفيعي المستوى، من الجيش والحكومة ومجلس النواب وغيرهم.
وكشف أن سيناء على موعد مع تنفيذ مشروعات كبرى سيجري البدء فيها على أرض المحافظة خلال العام الحالي، بما يشمل تشغيل مطار وميناء العريش، لتنشيط حركة التنقل والتجارة، وكذلك تشغيل الطريق الدولي الجديد الذي يربط بين منفذ رفح البري ورفح الجديدة، وصولاً إلى طريق القنطرة المؤدي إلى قناة السويس، بما يخفف من معاناة المواطنين في المنطقة.[[2]]
بعد جولة عسكر بيومين، نظم رئيس الحكومة مصطفى مدبولي جولة (السبت 14 يناير2023م) في مدن شمال سيناء، وعقد مؤتمرا صحفيا مدعيا أن جولته نتيجة الأمان الذي تحقق وأن الدولة المصرية بكل أجهزتها بذلت جهدا هائلا لتطهير سيناء من الإرهاب ونزع جذوره، والعمل فى نفس الوقت على إقامة مشروعات تنموية. قال مدبولي إنها تدعو للفخر!
التنمية كغطاء
وسط أنباء تشير إلى أن زيارات عسكر ومدبولي هل من أجل التمهيد لزيارة السيسي لسيناء؛ اكتفى السيسي بتنظيم استعراض عسكري (الأحد 26 فبراير 2023) باصطفاف معدات تابعة للجيش تشارك في مشروعات التنمية في سيناء. وهو الاستعراض الذي تابعه السيسي تلفزيونيا وأجرى مداخلة مع كبار القادة المشرفين عليه.
خطاب السيسي وتصريحاته خلال المداخلة ركزت على التأكيد على نجاح الدولة في القضاء على الإرهاب بسيناء، بل يذهب السيسي إلى أبعد من ذلك بالزعم أن الدولة لم تنجح فقط في القضاء على الإرهاب بل نجحت أيضا في تحقيق التنمية! يقول السيسي: «إن التنمية فى سيناء تحققت بفضل الله والجيش والشرطة وأهالي سيناء بعد دحر الإرهاب، الذى كان يعيق التنمية وحياة المواطنين».
الملاحظة الأولى على هذا الاستعراض بمعدات الجيش المشاركة في مشروعات سيناء أنه جرى في إحدى الثكنات العسكرية التابعة للجيش الثاني في محافظة الإسماعيلية على بعد نحو (200) كم عن بؤرة التوتر في شمال سيناء.
الملاحظة الثانية، أن هذا الاستعراض لم يحظ برضا كثير من أهالي سيناء الذين تساورهم الكثير من الشكوك حول وعود السيسي وأجهزته بشأن هذه المشروعات التي لا يستفيد منها السيناوية شيئا، فالسيسي وعد في مداخلته بالعمل من أجل تحسين البيئة الأمنية وضرورة عودة انتشار الشرطة بكثافة، وتحسين خدمات التعليم والصحة، رابطاً غياب إنشاء مشاريع لخدمة أهالي بالمنطقة بـ”وجود الإرهاب” فيها.
كذلك جرى تكريم عدد من أبناء سيناء، العاملين في القطاعات الحكومية المختلفة، إضافة إلى تكريم أصحاب شركات اقتصادية عملت تحت مظلة الهيئة الهندسية لتنفيذ مشروعات سيناء خلال الأعوام الماضية. في حين لم تشمل المناسبة تكريم أي من مشايخ أو قادة أو أفراد المجموعات القبلية المساندة للجيش، ولا عوائل قتلى المجموعات أو المصابين منهم، وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات سلبية على خطاب السيسي حول الوضع في سيناء، ومستقبل المنطقة.
الملاحظة الثالثة أن السيسي أهمل كذلك الدور الذي قام به اتحاد قبائل سيناء في مساندة الجيش عسكريا في المواجهات ضد عناصر تنظيم “ولاية سيناء”، يقول أحد مشايخ سيناء، الذين شاركوا في الاحتفالية[[3]]: “توقعنا برنامجاً مغايراً لهذه الاحتفالية، بأن يتم تقديم أبناء سيناء في واجهة الاحتفال، وتكريم المشاركين منهم، وكذلك توجيه دعم معنوي ومادي ذي قيمة لعوائل شهداء سيناء الذين قدّموا أرواحهم على طريق تحريرها من تنظيم داعش”.
ويضيف مستنكرا: «شعرنا وكأننا في ندوة اقتصادية يتصدّرها رجال الأعمال والقيادات الحكومية والعسكرية، بينما جلس عشرات المشايخ من أبناء قبائل سيناء في مؤخرة الصفوف، من دون إعطائهم أي فرصة للحديث عن هموم ومشاكل المواطنين في المحافظة، وهذا تجاهل ما كان ينبغي أن يتم، فإن كان أبناء سيناء لم يحصلوا على فرصة للحديث بعد الإنجاز العظيم الذي حققوه، فمتى سيحصلون على تلك الفرصة؟!»، فالاحتفال خلا من أي فقرات تظهر الدور الكبير لأبناء سيناء برفقة القوات المسلحة في ملاحقة تنظيم داعش، وكذلك عدم الحديث عن مستقبل أبناء سيناء وأراضيهم”.
الملاحظة الرابعة، هي الفروق الضخمة والهائلة بين تصريحات السيسي ومدبولي بشأن فاتورة التنمية في سيناء؛ فالسيسي يدعي أن تكلفة التنمية تراوحت ما بين 40 و50 مليار دولار خلال السنوات الماضية! وهو رقم مهول للغاية، (1200 مليار جنيه مصري أو 1500 مليارا بسعر الدولار اليوم)،
فلماذا يستخدم السيسي لغة غير مؤكدة وهو المسئول الأول في الدولة؛ أليست لديه الأرقام الحقيقية والفعلية لكلفة التنمية؟ فلماذا لم يذكرها بشكل صحيح ودقيق كرجل دولة؟! ولماذا هناك فارق نحو (300 مليار جنيه في كلامه)؟! العجيب في الأمر أن رئيس الحكومة مصطفى مدبولي تحدث عن رقم مختلف كليا بشأن كلفة فاتورة التنمية في سيناء؛ فمدبولي في نفس اليوم ونفس الاحتفال الاستعراضي، تحدث عن محاور التنمية في سيناء تحت عنوان «سيناء.. العبور الجديد»، ويؤكد أن فاتورة التكلفة في سيناء منذ 2014 حتى 2023م بلغت (610 مليار جنيه)، وهو رقم أقل بكثير من الرقم الذي ذكره السيسي، وصحيفة الأهرام الحكومية وكل صحف النظام وفضائياته تناولت هذه التصريحات المتناقضة كليا.[[4]]
ورغم هذه الفاتورة الباهظة يصرح السيسي أن سيناء لم تشهد تنمية كبيرة؛ معللا ذلك بأن حجم التكلفة لعمل بنية أساسية فى مساحتها البالغة 60 ألف كيلو متر مربع كشبكات الطرق ومحطات الكهرباء وغيرها مرتفعة جدا، مما أعاق التنمية فيها خلال تلك الفترة». فأين تم إنفاق كل هذه الأموال الضخمة؟! ولماذا لم يظهر أثرها في مستويات معيشة المواطنين؟ ولماذا تدهور مستويات المعيشة رغم إنفاق كل هذه الأموال الهائلة؟!
الملاحظة الخامسة، أن السيسي تحدث عن مستقبل سيناء مع هذه المشروعات؛ حيث تحدث عن مساعي الدولة نحو زيادة المساحة المأهولة بالسكان إلى 12% من خلال إنشاء المدن الجديدة. مشيرا إلى أن مساحة سيناء تبلغ حوالى 60 ألف كيلو متر مربع وهى تعادل المساحة التى يعيش عليها سكان مصر.
وحول خطط المستقبل يضيف السيسي: «خلال الفترة القادمة سنتحرك بخطة كبيرة، ونحن بحاجة إلى جهودكم فيها ومعدلات عمل وتنفيذ تشعر أهالينا فى سيناء أن الدولة المصرية تعمل بهمة لأنه ليس هناك عذر لنا أو لهم، وليس هناك عذر فى ألا تتواجد الشرطة وأجهزة الدولة بكثافة أكبر مما كانت عليه من قبل لتحقيق الأمن والاستقرار، لأن الإعاقة التى كانت موجودة سابقا نتيجة الإرهاب والعمليات والتى كان من إحدى نتائجها نقل مقر المحكمة إلى الإسماعيلية قد انتهت».
مشيرا إلى أن خطط التنمية في سيناء ستمتد في المستقبل لنحو 25 سنة قادمة: «خطة التنمية التي نتحدث عنها في شبه جزيرة سيناء ليست متواضعة، وسوف تليق بأبناء سيناء والدولة المصرية.
ومن المستهدف تجهيز 600 ألف فدان للزراعة في سيناء مع نهاية العام الجاري، وتوفير المياه لها من محطة مياه مصرف المحسمة في مدينة الإسماعيلية، أو محطة معالجة مياه مصرف بحر البقر».
الملاحظة السادسة، أن الكثيرين من أهالي سيناء لا يزالون مشككين في جدوى هذه المشروعات رغم ضخامة الإنفاق عليها؛ فهم لا يعرفون حقيقة الدوافع وراء توسيع ميناء العريش ومطاري العريش والبردويل والمحاور الرئيسية وكذلك محطات الكهرباء والماء، والأنفاق الخمسة أسفل قناة السويس، لا سيما في ظل استمرار الظروف الحياتية الصعبة التي تهيمن على أوضاع المواطنين في سيناء، على كافة الأصعدة ، والتي تم تنفيذ مشاريع تخصها، إلا أنها ما زالت مغلقة في وجه أبناء سيناء”.
وخطاب السيسي لم يتطرق إلى الاستفادة من هذه المشاريع، ولم يكشف عن مشاريع ستخدم المواطنين، في حين تشير التوقعات من السمة التي غلبت على الاحتفالية إلى أن المشاريع في غالبيتها ستكون تجارية واقتصادية واستراتيجية تخدم منظومة الاقتصاد الحكومية والتابعة للقوات المسلحة فقط”.
الملاحظة السابعة أن بعض أهالي سيناء ينظرون إلى هذه المشروعات بوصفها ترجمة حرفية لبنود «صفقة القرن» التي أطلقها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب؛ وحسب أبو ياسر السواركة؛ فإن أهالي سيناء لم يستفيدوا من هذه المشروعات شيئا رغم الانتهاء من معظمها لا سيما مشروعات النقل والمياه والكهرباء والإسكان، كما لم يستفد أبناء سيناء من فرص العمل في هذه المشروعات.
ويعتبر السواركة أن إمكانية استفادة الفلسطينيين من المشاريع تبدو أكثر واقعية من استفادة المصريين أنفسهم، في ظلّ حالة التهميش من قبل الدولة المصرية لأي مواطن مصري في سيناء، وعدم وجود مساواة بتاتاً في المعاملة بين المصري القاطن في المحافظات المصرية الأخرى مع أبناء محافظات سيناء”.
ويتخوف السواركة من كون هذه المشروعات تشكل جزءاً أساسياً من الحديث عن حالة التطبيع الاقتصادي القائمة مع الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة، لا سيما أن مصر ركن أساسي في تنفيذ أي خطط تتعلق بالتطبيع والتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي، في ظل الجغرافية السياسية التي تربطها بقطاع غزة، بحسب تفسيره.[[5]]
ويعزز التفسير السائد بين أهالي سيناء أنه يجري حاليا إنشاء طريق خاص للفلسطينيين من غزة إلى سيناء عبر منفذ رفح البري، وهذا الطريق مغلق بجدار إسمنتي، لا يمكن للمسافرين تجاوزه للوصول إلى المطار أو إكمال الطريق إلى قناة السويس ومنها إلى المحافظات المصرية غرب القناة.
ويعزز هذا التفسير أيضا تصريحات الأمين العام لحركة “الجهاد الإسلامي” زياد النخالة الذي كان قد كشف في مقابلة تلفزيونية في نهاية نوفمبر 2021، نقلاً عن مسؤولين مِصريين التقاهم أثناء زيارته للقاهرة، أن القيادة المصرية تريد تحويل قطاع غزة إلى “دبي ثانية”.
وأفاد بأن المرحلة المقبلة ستشهد تدفّق المِليارات لإنجاز هذا الهدف، وتطبيقه عملياً على الأرض، بالإضافة إلى تقديم تسهيلات لأبنائه بما في ذلك حرية السفر، ووقف إجراءات التفتيش المهينة على الحواجز الأمنية المصرية في معبر رفح وفي سيناء، علاوةً على المطارات المصرية.
ولفت النخالة إلى وجود قرار مصري بإقامة مدينة ترفيهية ضخمة قبالة مدينة رفح على حدود القطاع مع سيناء، تكون مفتوحة لأبناء القطاع، ولا يتطلّب دخولها أي تصاريح أو إجراءات دخول، وتحتوي على فنادق خمس نجوم، وملاه ودور سينما ومنشآت ترفيهية أخرى.
حملة أمنية على القبائل المساندة!
قبل احتفالية السيسي (الأحد 26 فبراير23م)، شنت وزارة الداخلية حملة أمنية موسعة بمشاركة قوات من حرس الحدود على منطقة “البرث” جنوب رفح بشمال سيناء، وهي المنطقة التي تعد أبرز معاقل «إتحاد قبائل سيناء» المساند للجيش في مواجهة تنظيم “ولاية سيناء”، وهو الإتحاد الذي أسسه رجل الأعمال المقرب من السلطة إبراهيم العرجاني.
شارك في الحملة التي امتدت عدة أيام عشرات الآليات المصفحة وكثير من الضباط والجنود وعناصر الشرطة من العاملين بإدارة مكافحة المخدرات. وكان دور قوات حرس الحدود هو العمل كدليل في المنطقة وحماية قوات الداخلية من أي مواجهات محتملة مع زراعي المخدرات وأفراد اتحاد القبائل الذين لا يزالون يحملون السلاح حتى اليوم.
هذا الإجراء الأول من نوعه منذ عشر سنوات يمثل تحولا مهما وخطيرا في تعامل السلطة مع عناصر المجموعات القبلية الموالية لها.
وتفسير ذلك أن القرار لا بد أن يكون قد صدر من مستويات أمنية عالية بهدف السيطرة على منطقة “البرث” ومصادرة بعض الأسلحة، وملاحقة زراعة المخدرات وترويجها، وقطع طرق التهريب من مصر إلى سيناء، وبالعكس.
ورغم انتشار زراعة المخدرات من جانب قيادات باتحاد القبائل خلال السنوات الماضية إلا أن السلطة فضلت التغاضي عن ذلك مقابل مساندة هذه المجموعات القبلية للنظام في حربه ضد تنظيم ولاية سيناء.
وبالتالي فالحملة تبعث رسالة واضحة بأن السلطة استخدمت المجموعات القبلية كورقة دعم ضد مسلحين ولاية سيناء، فلما شعر النظام بحسم المعركة ضد المسلحين لم يعد للمجموعات القبلية حاجة؛ وبالتالي يتجه النظام حاليا إلى مواجهة هؤلاء الذين استخدمهم من قبل؛ وراح يلاحق انشطتهم غير المشروعة والتي يعلم النظام عنها كثيرا كزراعة المخدرات والتجارة فيها وتجارة السلاح والتهريب وغير ذلك.
تداعيات محتملة
أولا، قد تظهر تداعيات هذه الحملة الأمنية على منطقة البرث في صورة اعتقال بعض عناصر المجموعات القبلية، واغتيال من يتمرد منهم، وتحجيم أنشطتهم إلا إذا عاد تنظيم ولاية سيناء إلى اصطياد عناصر الجيش والشرطة ففي هذه الحالة سيتم تأجيل المواجهة مع المجموعات القبلية المتورطة في زراعة المخدرات وتهريبها، والتي استغلت علاقتها بالأجهزة الأمنية وغياب دور السلطة في مناطق سيطرتها وقامت بزراعة المخدرات بشكل علني تحت سمع وبصر النظام.[[6]]
ثانيا، قد تكون هذه الحملة ترجمة للضغوط الإسرائيلية حيث تشكو حكومة الاحتلال باستمرار من عمليات تهريب المخدرات من وإلى سيناء. بخلاف انتشار تجارة المخدرات على نحو واسع بين الأهالي في شمال سيناء، واستغلال تلاميذ مدارس في عمليات التهريب والترويج.[[7]]
وقد برهن النظام على حرصه على تأمين الحدود مع إسرائيل ومنع تهريب المخدرات إليها؛ حيث شن حملات موسعة ضد مافيا التهريب في سيناء؛ وقد أصدر المتحدث العسكري باسم القوات المسلحة الأربعاء غرة مارس 2023م، بيانا كشف فيه عن مقتل ضابط وإصابة ضابط آخر وجندي، خلال اشتباكات وقعت بين قوات حرس الحدود ومهربي مخدرات في جنوب سيناء؛ مؤكدًا أن القوات نجحت في إحباط محاولة تهريب كمية من المخدرات، بعدما اشتبهت إحدى الدوريات، التي تنفذ مهام تمشيط عدد من المحاور والطرق، في إحدى السيارات، وعند الاقتراب منها جرى إطلاق النيران. ولفت البيان إلى أن القوات تمكنت من قتل أحد المهربين.[[8]]
ثالثا، احتمال آخر يستبعد حدوث أي مواجهة بين السلطة والمجموعات القبلية لاعتبارين: الأول، أن هذه المجموعات نشأت على الخضوع للسلطة على الدوام ولا تقدر على التمرد على النظام، هم فقط يجيدون أعمال التجسس والتخابر على بعضهم أو على عناصر ولاية سيناء أو الحركات المعارضة للنظام، فهذه العناصر تستمد نفوذها من علاقتها بالجيش والمخابرات والشرطة.
الثاني، أن هذه العناصر قد تم احتواؤهم مسبقا في أنشطة أخرى تدر عليهم أرباحا طائلة بعيدا عن زراعة المخدرات والتهريب، وإبراهيم العرجاني، رجال الأعمال صاحب النفوذ الواسع في سيناء وغيره من شيوخ القبائل المساندة للنظام يتولون حاليا أعمال مقاولات من الباطن تابعة للجيش في عدد من المشروعات؛ لذلك فإن حرب السلطة على زراعة المخدرات ليس حرصا منها على شباب مصر بقدر ما هو ترجمة أمينة للضغوط الإسرائيلية؛ فالنظام على الدوام لا ينسى أن دوره الوظيفي في مصر والمنطقة هو تأمين حدود الاحتلال وضمان دمجه في المنطقة على نحو طبيعي تحت مظلة “التطبيع”.
والبرهان على ذلك أن المخدرات تتنشر في كل شوارع مصر على نحو مرعب تحت بصر وأعين السلطة دون أي تحرك يذكر لمواجهات هذه المافيا التي يعتقد أن وراءها قيادات نافذة بالدولة تتربح من هذه التجارة الحرام على حساب مصر وملايين الشباب الذين يتم تدميرهم بالمخدرات.
وقد برهن السيسي على ذلك بتصريحات غريبة مؤخرا يؤكد فيها حرصه على تأمين حدود دولة الاحتلال؛ إذ صرَّح خلال كلمته بالندوة التثقيفية للقوات المسلحة (الخميس 09 مارس 2023م)، إنه «كان متخوفاً من حدوث عمليات (إرهابية) في شبه جزيرة سيناء ضد إسرائيل خلال أحداث 2011»، مضيفاً أنه أبلغ عن تلك المخاوف إلى وزير الدفاع الراحل حسين طنطاوي، “بسبب سيطرة المسلحين على شمال سيناء، وإمكانية قيامهم بعمليات على الحدود ضد إسرائيل».
مضيفا أن «حدوث مثل تلك العمليات كان سيتسبب في أزمة مع الإسرائيليين». معترفا بأنه حال دون ذلك بــ« تواصله مع الجانب الإسرائيلي أثناء الأحداث (ثورة 25 يناير 2011)، من أجل إدخال قوات من الجيش المصري إلى مناطق في شمال سيناء للسيطرة عليها، وكان الرد إيجابياً بعد تقديم إخطار بعدد القوات، والتنسيق المستمر بشأنها مع إسرائيل».
فهذه التصريحات تبرهن بأن تحركات السيسي على الدوام تستهدف ضمان أمن الاحتلال؛ فإدخال قوات في سيناء أثناء الثورة لم بهدف حماية الأراضي المصرية ولا أهالي سيناء بل من أجل تأمين حدود الاحتلال!![[9]]
الخلاصة، تسويق النظام إعلاميا بأنه نجح في القضاء على عناصر تنظيم ولاية سيناء لا يمكن التسليم بصحته؛ فقد أعلن النظام مرات عديدة قبل ذلك القضاء على التنظيم واتضح أن ذلك لم يكن صحيحا.
من جهة ثانية فإن الحديث عن التنمية هو حديث شائك من جانبين: الأول أن الأرقام المذكورة بخلاف أنها ضخمة وهائلة فإنها أيضا متفاوتة حسب تصريحات كبار المسولين بالنظام؛ فالسيسي يصل بفاتورة التنمية خلال السنوات الماضية إلى ما بين (40 إلى50 مليار دولار)، بينما يصل بها رئيس الحكومة مصطفى مدبولي إلى نحو (20 مليار دولار فقط) أي نحو “610 مليارات جنيه حسب نص تصريحاته”؛ الأمر الذي يفتح أبواب التساؤل حول أسباب هذا التفاوت ومدة وحجم الفساد في هذه المشروعات.
الجانب الثاني، هو ما يتعلق بتوظيف لافتة التنمية كغطاء لتحركات يستهدف بها النظام في المقام الأول تصميم سيناء على مقاس مخططات صفقة القرن التي تبتها حكومة الاحتلال بعدما أطلقها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وهي محور كل التحركات الجارية في سيناء بهدف استغلال سيناء لحل أزمة قطاع غزة عبر مشروعات ضخمة تستهدف تحويل شمال سيناء إلى بوابة تواصل القطاع مع العالم الخارجي وربطه بسيناء عبر مشروعات مستدامة؛ بما يمكن النظام العسكري في القاهرة في نهاية المطاف من تعزيز نفوذه وسلطانه على القطاع وحركات المقاومة من خلال تكوين ظهير شعبي مؤثر داخل القطاع بتوظيف أعداد كبيرة من فلسطيني القطاع في هذه المشروعات بما يجعل القاهرة المتحكم في اقتصاد القطاع خلال المرحلة المقبلة، وبما يسمح خلال عدة سنوات بالتحكم في حركات المقاومة وإخضاعها للحلول الإقليمية المفروضة من إسرائيل والنظام الإقليمي والدولي وفق المخططات الأمريكية.
——————-
[1] كيف استفاد الجيش المصري من “الدواعش التائبين”؟/ العربي الجديد ــ 17 مارس 2023
[2] رئيس أركان الجيش المصري بسيناء: تمهيد لزيارة السيسي؟/ العربي الجديد ــ 14 يناير 2023
[3] انظر : محمود خليل/ مصر: شكوك بالوعود الرسمية لأهالي سيناء/ العربي الجديد ـــ الأربعاء 01 مارس 2023
[4] انظر: شادى عبدالله زلطة/ حريصون على تحقيق الأمن والأمان فى «أرض الفيروز».. السيسى خلال تفقده اصطفاف المعدات المشاركة فى تنمية وإعمار سيناء/ الأهرام اليومي ــ الأثنين 7 من شعبان 1444 هــ 27 فبراير 2023 السنة 147 العدد 49756… انظر أيضا: إسلام أحمد فرحات/ رئيس الوزراء: أنفقنا 610 مليارات جنيه لتنمية شبه جزيرة سيناء منذ 2014/ الأهرام اليومي ــ الأثنين 7 من شعبان 1444 هــ 27 فبراير 2023 السنة 147 العدد 49756
[5] محمود خليل/ مشاريع مصرية استراتيجية في سيناء تشغيلها مؤجل/ العربي الجديد ــ الثلاثاء 14 فبراير 2023
[6] حملة أمنية نادرة في معاقل اتحاد قبائل سيناء/ العربي الجديد ــ الأربعاء 22 فبراير 2023
[7] محمود خليل/ تلاميذ المخدرات… ورطة سيناء الجديدة بعد الإرهاب/ العربي الجديد ــ الأحد 26 فبراير 2023
[8] المتحدث العسكري: مقتل ضابط في اشتباك مع مهربين جنوب سيناء/ مدى مصر ــ الأربعاء غرة مارس 23م
[9] إسماعيل جمعة/ مصر بأمان ولن نسمح بتكرار الخراب/ الأهرام اليومي ــ الجمعة 18 من شعبان 1444 هــ 10 مارس 2023 السنة 147 العدد 49767// السيسي: كنت متخوفاً من حدوث عمليات في سيناء ضد إسرائيل/ العربي الجديد ـ 09 مارس 2023