خريطة الإعلام المصري في ظل سيطرة الأجهزة الأمنية

خريطة الإعلام المصري  في ظل سيطرة الأجهزة الأمنية

 

في مايو "2016"  كتب الإعلامي عماد الدين حسين، رئيس تحرير صحيفة الشروق، مقالا بعنوان «سوق الإعلام تنكمش»  تعليقا على استحواذ رجل الأعمال أحمد أبوهشيمة على كامل أسهم قناة «أون تى فى» من مالكها المهندس نجيب ساويرس مؤكدا أن الصفقة ستكون لها تأثيرات كثيرة على شكل ومضمون سوق الإعلام فى الفترة المقبلة. وذكر في مقاله أن "هناك مؤشرات رئيسية تقول إن كل الإعلاميين الكبار الذين دخلوا في حالة تحدٍ مع الحكومة وأجهزتها من المحتمل أن يجدوا أنفسهم في حال تجميد قريبًا، لن يكون ذلك معلنًا بالطبع أو عبر قرار منشور، لكن سوف يشعر بها الجميع، وستكون رسالة لكل من يفكر في التمرد والتحدي"[1].

 

ومؤخرا، وبعد عامين من مقال رئيس تحرير الشروق،  تم استبعاد الصف الأول من الإعلاميين الذين استخدمهم النظام في تكريس انقلابه ضد المسار الديمقراطي والرئيس المنتخب محمد مرسي وشن حملات الدعاية السوداء ضد ثورة يناير وكل الحركات والأحزاب المشاركة فيها وعلى رأسهم "الإخوان المسلمون"، وبات بعض هؤلاء لا يجدون عملا وبعضهم لا يزال يحتفظ بوظيفته الأساسية كصحفي وعلى رأسهم  عمرو أديب وعماد الدين أديب و إبراهيم عيسى وتامر عبدالمنعم وأماني الخياط، وقبلهم عمرو الليثي، وتامر أمين، ويوسف الحسيني، وخالد أبوبكر، ومعتز عبدالفتاح، ولبنى عسل، وخالد صلاح وغيرهم.

 

خلاصة مقال حسين ما يلي:

أولا سوق الإعلام تتجه للانكماش لأسباب اقتصادية تتعلق بتراجع سوق الإعلانات وسياسية تتعلق بضيق النظام من حرية التعبير.

ثانيا، الدولة في إشارة إلى الأجهزة تريد أن تحتوي سوق الإعلام بأكملها.

ثالثا، سوف تتراجع أسعار ومرتبات كبار الإعلاميين إلى النصف تقريبا. وصغار الصحفيين والإعلاميين سيتعرضون إما للتسريح أو تخفيض المرتبات.

رابعا، سيتم التخلص من الإعلاميين الذين أبدوا تحديا للنظام في بعض المواقف

 

فهل كان عماد الدين حسين محللا عبقريا إلى هذا الحد الدقيق؟

 

هو نفسه لا يقول ذلك عن نفسه، لأنه ببساطة لم يكن يحلل  المشهد الإعلامي بقدر ما كان ينقل عن مصدر أمني رفيع توجهات النظام في إعادة رسم خريطة الإعلام المقروء والمرئي والسوشيال ميديا لضبط البوصلة على توجيهات النظام وتكريس قبضة الأجهزة الأمنية على مفاصل الإعلام المصري تلبية لرغبة الجنرال عبدالفتاح السيسي الذي أبدى إعجابه الشديد بتجربة عبدالناصر الإعلامية في ستينات القرن الماضي، رئيس تحرير الشروق  نفسه وصف هذا المصدر الأمني بـ«خبير مطلع على السوق الإعلامي يثق هو نفسه "حسين" في رؤيته» بنص ما ورد في المقال.

 

وبحسب مصادر مطلعة بنظام العسكر، يبقى اللواء عباس كامل  هو المُمسك الفعلي بخيوط الأجهزة الأمنية ويتولى الإشراف الفعلي عليها، وانتقاله لمقر جهاز الاستخبارات العامة في كوبري القبة، وتولي اللواء محسن عبد النبي منصب رئيس مكتب رئيس الجمهورية، لا يعني انتقال صلاحيات كامل لخليفته بمؤسسة الرئاسة.  بل إن كامل، قبل تأديته اليمين كرئيس للاستخبارات العامة، انتهى خلال الأشهر الخمسة الماضية، بدءا من تكليفه بالإشراف على الجهاز كقائم بالأعمال في أعقاب الإطاحة باللواء خالد فوزي في يناير الماضي، من تأسيس جهاز أمني جديد بهيكل منفصل داخل مؤسسة الرئاسة، ضم إليه ضباطاً من جهاز الاستخبارات الحربية، والاستخبارات العامة، والأمن الوطني والرقابة الإدارية ووزارة الداخلية، يتبعون كامل مباشرة، ويتولى إعداد تقارير عن أداء كافة الأجهزة السيادية والجهات الرقابية. كما يشرف الهيكل بشكل مباشر على كافة وسائل الإعلام المطبوعة والمسموعة والمرئية، وتقارير  هذا الجهاز ــ  بحسب مصادر مطلعة ـــ لا يطلع عليها سوى كامل وعبد الفتاح السيسي[2].

 

وتسيطر أجهزة السيسي حالياً على المستويين المالي والإداري في معظم شبكات القنوات الفضائية المصرية؛ وهي "أون"، "دي إم سي"، "سي بي سي"، "النهار"، "الحياة"، "العاصمة"، مع بقاء شبكة "دريم" مملوكةً لرجل الأعمال المديون للدولة والمتعثر أحمد بهجت، وقناة "القاهرة والناس" المملوكة لرجل الدعاية الموالي للنظام، طارق نور.  كذلك تصعّد أجهزة السيسي ضغوطها على مختلف وسائل الإعلام لإحكام السيطرة عليها، وآخرها كان الاستحواذ على حصة رجل الأعمال نجيب ساويرس المقدرة بثلث إجمالي أسهم صحيفة "المصري اليوم" ثم فرض تغيير رئيس تحريرها، على خلفية نشر الصحيفة عنواناً عن حشد الدولة للناخبين للمشاركة في مسرحية الرئاسة الأخيرة.

 

 

إذا هيمنة المخابرات على الفضائيات والصحف والمواقع أصبحت معروفة وموثقة فشركة (دي ميديا) التي أطلقت قنوات (دي إم سي) هي ملك للمخابرات الحربية ويظهر بعقد التأسيس اسم اللواء عباس كامل مدير مكتب السيسي ومدير المخابرات الحالي". و"شركة (إيجل كابيتال) تابعة للمخابرات وهي التي تملكت مؤخرا شركة (إعلام المصريين) بكل ما تتملكه هذه الأخيرة من قنوات وصحف وشركات إعلامية (17 شركة وقناة) عَلى رأسها شبكتا (أون) و(سي بي سي)، كما أن شركة (فالكون) للخدمات والأمن التي يرأسها ضابط المخابرات الحربية اللواء شريف خالد، تتبعها شركتان إعلاميتان هما (تواصل) و(هوم ميديا) واللتين تتملكان قنوات (الحياة) و(العاصمة) وراديو (دي أر إن)"[3].

 

تغيرات دراماتيكية

 

وشهدت الشهور الأخيرة عدة تحولات سريعة في خريطة ملاك الفضائيات ترتب عليها سيطرة الأجهزة السيادية وعلى رأسها المخابرات العامة والحربية والأمن الوطني على مفاصل الإعلام تحت رعاية هذا الجهاز الأمني الجديد الذي يشرف عليه اللواء عباس كامل بنفسه ، وهو من رسم توجهات جديدة للبرامج بخلاف ما كانت عليه خلال السنوات الماضية، إضافة إلى تقليل النفقات وما أفضى إليه ذلك من تسريح عدد كبير من كبار الإعلاميين والآلاف من صغار  المعدين والموظفين وغلق قنوات ووقف برامج شهيرة في معظم الفضائيات.

 

أولا، في شبكة "on"، منذ أكتوبر 2016، أقالت الشبكة المذيعة رانيا بدوي بعد حلقة واحدة شاركت فيها في برنامج "كل يوم" إلى جانب مقدّمه عمرو أديب، وذلك بعدما هاجمت الدكتورة داليا خورشيد، وزيرة الاستثمار آنذاك، ووصفتها بأنها أسوأ وزيرة في مصر. وفي  مارس وأبريل 2018 تم  الإطاحة بثلاثة إعلاميين كبار، وهم الدكتور معتز بالله عبد الفتاح، ولبنى عسل، وشافكي المنيري. وفي مايو 2018 أعلن عمرو أديب استقالته على الهواء، ثم تراجعه عقبها بفترة ليُقدّم برنامجه "كل يوم" في شهر رمضان، ثم اختفاؤه و تعاقده مع قنوات MBC، وكان إبراهيم عيسى يُقدّم برنامج "حوش عيسى" على ON E منذ مطلع العام 2018 ، ومنذ رمضان اختفى عن الظهور، ومنذ مايو الماضي، قررت شركة إعلام المصريين، إيقاف برنامج "نقطة تماس" ليوسف الحسيني[4]، وبذلك توقف عن الظهور على قناة ON LIVE، كما شمل قرار "إعلام المصريين" في مايو أيضًا، إيقاف برنامج "بين السطور" الذي كانت تقدمه أماني الخياط، وذلك بعد سلسلة من الأزمات كانت الإعلامية سببًا فيها، من بينها إساءتها للشعب العُماني، حينما وصفت بلاده بـ"إمارة صغيرة"، وهجومها على المسيحيين الأرثوذكس، ونعتها الشعب المغربي بأن اقتصاده يرتكز على الدعارة، وغيرها من المواقف.وذلك قبل أن تُقرر الشركة إغلاق القناة بنهاية يوليو الماضي، وإطلاق القناة الرياضية ON SPORT 2. كما تم ترحيل عمالة كثيقة من المجموعة منذ بداية العام وهي تقوم بعملية فصل لعدد كبير من العاملين بها، وزاد ذلك بالطبع مع إغلاق إحدى قنواتها[5].  وبذلك تكون شبكة "on" قد تخلصت من عمرو أديب ويوسف الحسيني وإبراهيم عيسى والمعتز بالله عبدالفتاح وأماني الخياط ولبني عسل وشافكي المنيري ورانيا بدوي وغيرهم!

 

ثانيا، في شبكة «DMC»،شهد سبتمبر 2016 بداية ظهور مجموعة قنوات DMC من خلال قناتها الرياضية DMC SPORT. ، وفي  يناير 2017تم انطلاق القناة العامة لشبكة DMC. وفي سبتمبر 2017تم إعلان DMC استعداداتها لإطلاق قناتين جديدتين، الأولى إخبارية والثانية للطفل.  وكانت أنباء ترددت في أواخر عام 2016، عن اتحاد مجموعتي إعلام المصريين، المالكة لمجموعة ON، وDmedia، المالكة لمجموعة DMC، في إطار سعيهما نحو تكوين كيان إعلامي مصري، قادر على المنافسة فقد تم البدء في دمج المجموعتين لإنشاء كيان إعلامي قوي يستطيع استعادة لما يسمى بالدور الريادي للإعلام المصري إقليميًا ودوليًا.، وفي مايو 2017 ترددت أنباء عن دمج DMC وON في كيان واحد، وذلك لإيقاف نزيف خسائر الشبكتين.. ولكن  DMC  نفت ذلك. وسرعان ما جرى عليها الانكماش بعد طموحات كبيرة حيث تم الإعلان في  يوليو 2018 إيقاف بث DMC SPORT. ON و DMC.

 

ثالثا، شبكة تلفزيون الحياة، في أكتوبر 2017 أعلن السيد البدوي مالك مجموعة قنوات "الحياة"، بيعها بصفة نهائية لشركة "تواصل"، مقابل مليار و400 مليون جنيه. – مايو 2017: إعلان إعلام المصريين، استحواذها على شبكة تليفزيون الحياة. وفي نوفمبر 2017: تم الحجز على أرصدة قناة "الحياة" بالبنوك لسداد ديون MBC.  وشهدت الشبكة حالة من الارتباك بسبب أزمة رواتب العاملين بها مما أدى إلى الاستغناء عن عدد كبير منهم. حيث استقال كل من عماد الدين أديب وهالة سرحان وجيهان منصور وغيرهم من العاملين بالقناة والمسئوولين. وتم تسريح 106 من العاملين والاستغناء كذلك عن عمرو الليثي، كما أوقفت الإدارة الجديدة برئاسة ضابط المخابرات ياسر سليم، برنامج "الحياة اليوم" لتامر أمين والمحامي خالد أبو بكر منذ مايو الماضي لأجل غير مسمى.

 

رابعا، شبكة قنوات العاصمة، في ديسمبر 2016 أعلن رجل الأعمال إيهاب طلعت رئيس مجلس إدارة شركة "شيري ميديا"، شراء شبكة قنوات "العاصمة" من مالكها سعيد حساسين، ثم التراجع في الصفقة بعد أشهر قليلة. وفي أغسطس 2017 أعلن  سعيد حساسين إتمامه صفقة بيع "العاصمة 1 و2" لصالح شركة "هوم ميديا" التابعة لمجموعة "فالكون" الأمنية الشهيرة. وشهدت الشبكة في يونيو 2018 عودة توفيق عكاشة للظهور من خلال "العاصمة" و"الحياة" بفضل ياسر سليم، نائب رئيس مجلس إدارة مجموعة إعلام المصريين، ورئيس مجلس إدارة قنوات "الحياة" و"العاصمة". بعد أن أوقفت الشبكة برنامج عزمي مجاهد، بفضائية "العاصمة" في يوليو الماضي.

 

خامسا، شبكتي  النهار وCBC  في مايو 2016: قرر مسئولو شبكتي تليفزيون "النهار" وقنوات CBC، الدخول في شراكة باندماجهما في كيان اقتصادي واحد. لكن في مايو 2017، أعلنت مجموعة شركات المستقبل المالكة لـ"فيوتشرميديا" ووكالة الأخبار العربية ANA، انفصال قنوات CBC وشركاتها نهائيًا وتمامًا عن قنوات "النهار" وشركاتها، موضحة أن السبب اختلاف في الرؤى وسياسات إدارة القنوات، بعد اندماج لم يدم أكثر من عام.  وفي يناير 2018ترددت أنباء عن بيع رجل الأعمال علاء الكحكي لـ"النهار" لـ"إيجل كابيتال".. والقناة تنفي. وفي أبريل 2018: تم الإعلان عن تعيين المنتج طارق صيام في منصب رئيسًا لمجلس الإدارة، ومحمد عبد الوهاب مديرًا تنفيذيًا لشبكة تليفزيون "النهار".  وفي مايو 2018 ترددت أنباء عن بيع CBC.. ومالكها رجل الأعمال محمد الأمين ينفي صحة هذه الأنباء! لكن الشبكة تتجه نحو غلق قناتها العامة والاكتفاء بسي بي سي اكسترا نيوز. ومنذ أن أعلنت شبكة "النهار" تجديد تعاقدها مع خالد صلاح، رئيس تحرير اليوم السابع، في يناير الماضي، وهو لا يظهر على شاشاتها. وكان قد تم التعاقد مع صلاح على تقديم برنامج جديد يحمل اسم "رئيس التحرير"، وليس على استمراره في تقديم بعض حلقات برنامج "آخر النهار"، إلا أن ذلك لم يحدث حتى الآن. وتم الاستغناء عن محمد مصطفى شردي بعد أن قدّم موسمًا واحدًا من برنامجه السابق "يوم بيوم"، مع الإعلامية ريهام السهلي، على شاشة قناة "النهار اليوم"، من فبراير حتى ديسمبر 2016، ولكنه توقف بعد عملية الدمج، التي جمعت "النهار اليوم" و"CBC إكسترا"، في قناة إخبارية واحدة وهي "إكسترا نيوز".

 

فلسفة النظام

 

ويمكن عزو هذه التحولات إلى عدة أسباب تحدد وتفسر مغزى عمليات الغربلة وإعادة الهيكلة التي تمضي بوتيرة متسارعة،

 

أولها  شعار "وداعا للسياسة"، حيث  تتجه فلسفة النظام نحو تقليص شديد في برامج التوك شو السياسية وتكثيف البرامج الفنية والرياضية، وبالفعل بدأت الدائرة الاستخباراتيّة – الرقابيّة، الخاصة بالسيسي، مرحلةً جديدةً في إطار خطّتها لإعادة هيكلة الإعلام، عبر إلغاء البرامج والقنوات ذات الطبيعة السياسيّة في المؤسسات الإعلاميّة الخاسرة التي تستحوذ عليها المخابرات العامّة ووزارة الداخليّة بشكل أساسي، وبدء اعتماد سياسة برامجيّة جديدة تقوم على توجيه الأموال للمحتوى الترفيهي والاجتماعي، وبالتالي الابتعاد عن نمط "التوك شو السياسي" الذي ساد جميع الفضائيات المصريّة منذ ثورة 25 يناير2011. ويُمكن وصف المرحلة الجديدة من خطّة إعادة الهيكلة بـ"وداعاً للسياسة".

 

يعزز ذلك أن مصادر  من داخل قنوات "سي بي سي"، "أون تي في"، و"العاصمة"، المملوكة جميعها لـ"أجهزة سياديّة" بواسطة شركات استثماريّة خاصة، صدرت التعليمات بإلغاء جميع البرامج ذات الطبيعة السياسيّة والجادّة، الأمر الذي استدعى البدء في وضع خريطة برامجيّة جديدة تتسق مع هذه الفلسفة الجديدة[6].

 

وتكشف مصادر أنّ السبب الرئيسي وراء اتّجاه النظام لإلغاء السياسة، حتى في القنوات المؤيّدة له؛ هو أنّ السيسي ضاق ذرعاً بفتح مساحات بدأت تتحوّل تدريجياً إلى منصات لانتقادات يوجهّها الإعلاميون أو ضيوفهم لسياسات الوزارات والقطاعات المختلفة، حتى وإن لم يتطرقوا إلى اسم السيسي أو مدير مخابراته عباس كامل شخصياً. إذ يعتقد السيسي أنّ فتح المجال لهذه المعارضة بحدودها الدُّنيا والضعيفة سيمهّد الطريق لإعادة فتح المجال العام مرة أخرى، الأمر الذي لا يرغب فيه إطلاقاً.

 

يؤكد ذلك أيضا، أنه لم يتبق من برامج التوك شو بثلاثة عشر فضائية خاصة إلا 4 برامج تعمل بانتظام، الأول "على مسئوليتي"،  لأحمد موسى بفضائية "صدى البلد"، والثاني "العاشرة مساء"  ويقدمه وائل الإبراشي بـ "دريم"، والثالث "90 دقيقة" ويقدمه محمد الباز بـ"المحور"،  والرابع "مساء DMC" ويُقدّمه أسامة كمال وإيمان الحصري عبر قناة DMC. يضاف إليها برنامج توك شو وحيد بالتلفزيون الرسمي ويقدمه خيري رمضان. أما برنامج "هنا العاصمة" الذي كانت تقدمه لميس الحديدي على قناة "CBC" فلا يزال متوقفا عن الظهور لقضاء فترة الإجازة الصيفية التي طالت كثيرا هذا العام عن كل السنوات السابقة في ظل أنباء تؤكد تغيير فلسفته من برنامج سياسي إلى برنامج شبابي اجتماعي[7]. وتوقعات بعدم عودتها للقناة مرة أخرى ما لم تضمن اتفاقا يرضيها خصوصا وأنها تحظى بتقدير خاص من جانب اللواء عباس كامل رئيس جهاز المخابرات العامة لدورها الكبير في الانقلاب على المسار الديمقراطي الذي كان يهدد  سيطرة الجيش على الحكم في ظل صعود الإخوان بعد ثورة 25يناير عبر الأدوات الديمقراطية والفوز بثقة الشعب مرات عديدة.

 

ثانيا، تقليل النفقات، هناك تفسير آخر لهذه التحولات الكبرى في خريطة الإعلام تتعلق بتوفير النفقات في ظل الخسائر الكبيرة التي منيت بها هذه الشبكات، فعمليات إعادة الهيكلة التي يشهدها جهاز الاستخبارات العامة وعدد من الأجهزة السيادية، صاحَبها عمليات إعادة هيكلة داخل المؤسسات الإعلامية التابعة لتلك الأجهزة من صحف وقنوات فضائية، إذ ستنتقل بموجب تلك التعديلات ملكية قناة "الحياة" من جهاز الأمن الوطني إلى جهاز الاستخبارات، عبْر نقل ملكيتها لمجموعة "إعلام المصريين"، التي تتولى الإشراف عليها وزيرة الاستثمار السابقة والمستشار الاقتصادي للجهاز، الدكتورة داليا خورشد. كما تم إعداد تصور كامل بشأن عدد من الوسائل الإعلامية التابعة لتلك الأجهزة، لدمج عدد كبير منها توفيراً للنفقات بعد خسائر فادحة، إذ حققت المجموعة التابعة إلى "إعلام المصريين" خسائر قدرت بنحو 800 مليون جنيه (نحو 45 مليون دولار) خلال فترة إشراف رجل الأعمال أحمد أبوهشيمة، والصحافي خالد صلاح عليها، وهو ما أدى إلى تهميش دورهما خلال الفترة الماضية[8].

 

ثالثا، فشل إعلام السلطة،  ويعزو  آخرون أسباب هذه التحولات وإعادة الهيكلة إلى فشل منظومة الإعلام التابعة للنظام في تحقيق أهدافها بالدفاع عن سياسات وتوجهات النظام، خصوصا بعد أن كشفت إحدى شركات تحديد نسب المشاهدة عن تراجع حاد في متابعة المصريين لهذه القنوات في الوقت الذي حققت فيه فضائيات الثورة التي تبث من خارج مصر على نسب مشاهدة عالية ما أغضب النظام  وربما يكون ذلك أحد أسباب هذه التحولات الكبيرة. يضاف إلى ذلك  أن هؤلاء الإعلاميين المطرودين من جنة النظام العسكري صاروا "أوراقا محروقة، و "لم يعد عندهم ما يقدمون، ولم تعد الناس تبالي بما يقولون"، ورحيلهم يعني استنفاد الهدف من بقائهم"، لأنهم باتوا عالة على النظام فقرر التخلص منهم، فهم "كانوا ظاهرة عابرة وانتهت".

 

رابعا، إفساح المجال أمام الهيمنة السعودية على الإعلام المصري، حيث كشفت مصادر إعلامية مطلعة داخل قنوات "أون إي" و"دي إم سي"، المملوكتين من وراء الستار للاستخبارات المصرية، عن وجود مخطط لإغلاق مزيد من القنوات التابعة لها خلال العام الحالي، بذريعة الخسائر التي تتكبدها تلك الفضائيات، وذلك لإفساح المجال الإعلامي لشبكة القنوات المملوكة لرئيس هيئة الرياضة السعودية، تركي آل شيخ[9].

 

فالمستجدات الطارئة في خارطة الإعلام المصري تعكس الاتجاهات الجديدة للنظام بالتخفف من الأعباء المالية للقنوات الفضائية الخاسرة، بعد استحواذ الأجهزة الاستخباراتية والأمنية عليها، مقابل فتح السوق لمشروعات التنسيق المصري السعودي التي يديرها آل شيخ، المقرب من ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان.  فتزامن إعلان شركة "إعلام المصريين"، المملوكة بالكامل للشركة الاستخباراتية "إيغل كابيتال"، عن إغلاق قناة "أون لايف" الإخبارية التي اشترتها الشركة قبل عامين فقط من مؤسسها السابق، الملياردير نجيب ساويرس، لم يكن وليد الصدفة مع إطلاق الإعلان الترويجي الأول لقناة نادي "بيراميدز" الرياضية الجديدة. كذلك، قررت مجموعة قنوات "دي إم سي" وقف إذاعة أي برامج على الهواء مباشرة في قناة "دي إم سي سبورت"، والاكتفاء بعرض البرامج المسجلة، تمهيداً لإغلاق القناة، وهو ما يصب في صالح الفضائية السعودية الجديدة التي استقطبت الغالبية الساحقة من نجوم التعليق والتحليل الرياضي في القناتين المصريتين.

 

 

خلاصة القول

 

 النظام يتجه نحو إعلام "الصوت الواحد" وبدأت ظاهرة فضائيات رجال الأعمال الموالين للنظام تتواري لحساب الجهات  السيادية والأمنية التي كشفت عن وجه سافر في الهيمنة على جميع وسائل الإعلام، ورسم خريطة جديدة تخلصت الأجهزة بمتقتضاها من أذرعها الإعلامية الشهيرة بعد أن صارت كروتا محروقة لا يثق الشعب فيها، وذلك لحساب الاستثمار السعودي في الإعلام المصري ما يفضي إلى هيمنة الصوت الواحد من جهة وتبعية الإعلام للنفوذ السعودي الخليجي من جهة ثانية.

هذه التحولات ستبوء بالفشل، كما فشلت المنظومة الإعلامية للنظام من قبل، ما يفتح الباب واسعا أمام هيمنة فضائيات الثورة على التوك السياسي الذي يعبر عن نبض الجماهير بينما تواجه فضائيات الأجهزة عزوفا جماهيريا لأنه تعبر عن نبض السلطة لا آلام الشعب  أو آماله وأحلامه.

 

 


[1] عماد الدين حسين/ سوق الإعلام تنكمش/ الشروق الإثنين 16 مايو 2016

[2] مصر: عمليات إعادة هيكلة واسعة داخل الأجهزة الأمنية/ العربي الجديد 16 يوليو 2018

[3] ما سر استغناء السيسي عن أذرعه الإعلامية.. ودور المخابرات؟/ "عربي 21" الخميس، 03 مايو 2018

[4] عبدالفتاح العجمي/أوضاع مقدمي برامج السياسة بعد تغير خريطة ملاك القنوات.. قاعدين في البيت/ التحرير 12 أغسطس 2018

[5] عبدالفتاح العجمي/إغلاق قنوات وتسريح عاملين.. ماذا يحدث داخل مدينة الإنتاج الإعلامي؟/ التحرير 06 أغسطس 2018

[6] المرحلة الثانية من إعادة هيكلة "إعلام السيسي"… وداعاً للسياسة/  العربي الجديد  06  أغسطس 2018

[7] السيسي يهمش أذرعه الإعلامية.. هل يتحولون للمعارضة؟/ "عربي 21" الثلاثاء، 14 أغسطس 2018

[8] مصر: عمليات إعادة هيكلة واسعة داخل الأجهزة الأمنية/ العربي الجديد 16 يوليو 2018

[9] نجوم إعلام السيسي إلى "المشروع السعودي"/العربي الجديد 29 يوليو 2018

 

 

 

adminu

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022