وضع الإخوان على قوائم الإرهاب.. الدوافع والنتائج

منذ أكتوبر 2022م فقط أصدرت دوائر الإرهاب بالمحاكم المصرية خلال هذه الشهور السبعة فقط (أكتوبر22 حتى إبريل23م)، ثلاثة قرارات (مسيسة) تقضي بمد  إدراج جماعة الإخوان المسلمين على قائمة الكيانات الإرهابية، لمدة 5 سنوات أخرى، كما قضت في عدة أحكام أخرى بوضع المئات من قيادات وعناصر الجماعة والمقربين منها على قوائم الإرهاب.

الحكم أو القرار الثالث والأخير، نشرته صحيفة الوقائع المصرية قبل يومين الخميس الماضي 27 إبريل 2023م، حيث تشير الصحيفة الرسمية إلى أن الحكم صدر في 19 إبريل (2023) عن محكمة جنايات القاهرة الدائرة (13 جنوب) المنعقدة في غرفة المشورة برئاسة ياسر أحمد الأحمداوي، وعضوية محمود يوسف محمود، وسامح السيد حسين. ووفقاً للحكم، فإنه صدر بشأن الطلب رقم 1 لسنة 2023، إدراج كيانات إرهابية ورقم 5 لسنة 2023، قرارات إدراج إرهابيين، والصادر في القضية رقم 590 لسنة 2021 حصر أمن الدولة العليا. نص الحكم على أمرين: أولاً، مد إدراج جماعة الإخوان المسلمين على قائمة الكيانات الإرهابية. وثانياً، إدراج 82 مصرياً على قائمة الإرهاب، على أن يكون قرار مد الإدراج والإدراج لمدة 5 سنوات جديدة تبدأ من نهاية القرار السابق، والإدراج بدءاً من صدور الحكم. وأمرت المحكمة بنشر قرار مد الإدراج في الوقائع المصرية، مع ما يترتب بقوة القانون على النشر، وطوال مدته من آثار قانونية. وضم قرار الإدراج معظم الإعلايين المحسوبين على المعارضة بالخارج (معتز مطر ـ محمد ناصر ـ حمزة زوبع ـ أسامة جاويش ـ يوسف حسين “جوشو” وغيرهم.

القرار  الثاني، نشرته صحيفة “الوقائع المصرية” الخميس 16 مارس 2023م، وينص على مدّ إدراج جماعة الإخوان المسلمين  لمدة “5” سنوات على قائمة (الكيانات الإرهابية) رقم 4 لسنة 2018 في شأن القضية رقم 444 لسنة 2018 حصر أمن الدولة العليا، على أن تبدأ من نهاية مدة الإدراج السابقة، وفقاً لمنطوق الحكم. صدر الحكم، بحسب جريدة الوقائع المصرية، يوم 7 مارس/آذار “2023”، من محكمة جنايات القاهرة الدائرة الأولى (جنائي بدر)، وصدر برئاسة المستشار محمد السعيد الشربيني وعضوية المستشارين غريب عزت ومحمود محمد زيدان. كما تضمن القرار أيضا مد إدراج 20 مصريا على قوائم قائمة الإرهابيين لمدة 5 سنوات أخرى تبدأ من تاريخ نهاية مدة الإدراج السابقة. وحسب عضو بهيئة الدفاع  فإنهم لم يخطروا بالحكم ولم يحضروا الجلسة ولم يعلموا عنها شيئا.[[1]]

القرار الأول صدر  من جنايات القاهرة في أكتوبر 2022م حيث أدرجت جماعة الإخوان المسلمين على قائمة الكيانات الإرهابية لمدة خمس سنوات، كما أدرجت “277” من قيادات الجماعة على قوائم الإرهاب لمدة “3” سنوات في القضية رقم 316 لسنة 2017 (حصر أمن الدولة) تحت مزاعم اتهامهم بـ”تشكيل جناح عسكري للجماعة، وتمويل أعمال العنف، واستهداف الشرطة والجيش والقضاة”. ضمت القائمة وقتها العلامة الراحل الدكتور يوسف القرضاوي رغم وفاته قبل ذلك بشهر. كما ضمت القائمة الدكتور محمود عزت والدكتور محمود حسين والأستاذ إبراهيم منير، ومحمد عبدالرحمن المرسي وجمال حشمت وعلي بطيخ وأمير بسام وحلمي الجزار والسيد نزيلي غيرهم.[[2]]

خلفية هذه الأحكام

هذه القرارات الثلاثة تخص الجماعة، بخلاف صدور عدة أحكام أخرى بالتوازي تقضي بضم المئات من قيادات وعناصر الجماعة إلى قوائم الإرهاب ضمت عددا من شهداء الجماعة وموتاها.

الملاحظة الأولى أنه برصد وتحليل هذه الأحكام نجد أن معظمها صدر عن محكمة جنايات القاهرة الدائرة الأولى (جنائي بدر) إرهاب، التي يرأسها المستشار محمد السعيد الشربيني وعضوية المستشارين غريب عزت ومحمود محمد زيدان. لذلك فإن هذه الأحكام ـ حسب المستشار محمد سليمان نجل وزير العدل بحكومة الدكتور هشام قنديل المستشار أحمد سليمان ــ “مسيسة ولا تمت للقانون والقضاء المصري بصلة”.  ويؤيد رأيه بأن الأحكام الصادرة تحديداً من دوائر الإرهاب تكون صادرة عن قضاة مختارين لإصدار مثل هذه الأحكام ضد أشخاص وكيانات بعينها، لأغراض محددة لا علاقة لها بالقانون وإجراءات التقاضي الطبيعية السليمة”.[[3]]

الملاحظة الثانية، وهي تؤكد مخالفة هذه الأحكام لنصوص الدستور ومواده؛ حيث يتم اعتبار كل حكم منها على حدة، أي أن الأحكام الثلاثة يتم جمعها كل على حدة بحيث يصبح مجموع الأحكام الصادرة في الأحكام الثلاثة لمدة 15 سنة”. وحسب ـ المستشار محمد سليمان ـ حول كيفية احتساب مدة هذه الأحكام، يوضح أنه “يتم احتساب هذه الأحكام بداية من الحكم الصادر أولاً ويتم تنفيذه حتى نهايته، ثم يليه في التطبيق الحكم التالي الأقدم، ثم الأحدث، وصولاً للحكم الأخير، واحتساب الحكم يبدأ من نهاية الحكم السابق له مباشرة”. ويؤكد أن “هذا الأمر غير قانوني وغير سليم بالمرة، فلا يجوز صدور الحكم نفسه عن الاتهامات ذاتها في وقائع مزعوم حدوثها في التوقيت ذاته، وهي المبادئ القانونية الرئيسية التي أرستها محكمة النقض”. وأكد سليمان أن “الغرض من هذه الأحكام وضع جماعة الإخوان المسلمين في دائرة ممتدة مفرغة، وضعها النظام لإبقاء الجماعة مدرجة على قوائم الكيانات الإرهابية لعشرات السنين لأغراض سياسية، وعدم تمكينها من مباشرة أي دور في المجتمع وإبقائها جماعة إرهابية محظورة”.

الملاحظة الثالثة،  أن قرارات الإدراج على هذه القوائم الإرهابية، تتم وفقًا لقانون صدر في فبراير/ شباط 2015م، والتذي تحوم الكثير من الشبهات حول دستوريته، وتصدر من محكمة الجنايات بناء على طلب من النائب العام يستند إلى بعض التحريات التي يجريها قطاع الأمن الوطني في وزارة الداخلية، ثم تقدر المحكمة مدى جدية الطلب وتصدر قرارها إما بالموافقة أو الرفض، دون أن تتاح الفرصة أمام المدرجين على هذه القوائم للدفاع عن أنفسهم. ويرتب الإدراج على هذه القوائم عدة آثار منها التحفظ على أموال المدرجين ومنعهم من السفر، وفصلهم من أعمالهم إذا كانوا موظفين حكوميين، وإسقاط العضوية في النقابات المهنية.  وفي 3 مارس 2020 أقر رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي تعديلات جديدة على “قانون الكيانات الإرهابية”، تضمنت التوسع في مصادرة وتجميد أصول وأموال وممتلكات المدرجين على قوائم الإرهاب والإرهابيين، حتى ولو لم يثبت استخدامها في أي نشاط إرهابي.  وقال محامون منهم المحامي أسامة بيومي، الذي اعتقل لاحقا لفضحه هذه التعديلات، عبر حسابه على فيسبوك حينئذ، إن “الهدف من ذلك السماح بمصادرة هذه الأموال وتجاوز اعتراضات محكمة النقض على ذلك”. وأضاف: “باعتبار أن غالبية المطلوب مصادرة أموالهم ليسوا إرهابيين ولم يصدر ضدهم أحكام بهذا الصدد، مثل أسرة الرئيس مرسي”. حيث جاء تعديل السيسي ليسمح بالمصادرة حتى ولو لم يثبت استخدام الأموال والأملاك في أي نشاط إرهابي. ووصف المحامي نجاد البرعي التعديلات لموقع “مدى مصر” حينئذ، بأنها “تعبر عن رغبة الدولة في إنهاء ملف أموال الإخوان وضمها لخزينة الدولة في أسرع وقت”.

الملاحظة الرابعة،  تتعلق بالسياق السياسي والاقتصادي في البلاد؛ فهذه الأحكام تتزامن مع دعوات نظام السيسي لانطلاق ما يسمى بالحوار الوطني، بداية من 3 مايو المقبل (2023م)، والذي يستهدف به النظام لم شمل تحالف 3 يوليو وجميع الأحزاب والقوى العلمانية والعسكرية التي أيدت الانقلاب على المسار الديمقراطي. النظام يستهدف كذلك تصميم مشهد الانتخابات الرئاسية المقبلة منتصف 2024م، ليمنح هذه المسرحية المقبلة شيئا من المصداقية بدلا من فضيحة مسرحية 2018م حين اعتقل السيسي كل منافسيه المحتملين واضطر النظام إلى المجيء بكومبارس من أتباعه (موسى مصطفى موسى رئيس حزب الغد الذي كان قد أعلن دعمه للسيسي) ليرشح نفسه ضد السيسي. لكن مؤسسات التمويل الدولية وعلى رأسها صندوق النقد تضغط على النظام من أجل إقامة انتحابات شبه نزيهة خوفا على أموال الصندوق ومحاولة لتحميل المجتمع المسئولية عن هذه الأموال التي أهدرها السيسي ونظامه حتى يكون المجتمع كله مسئولا عن سداد هذه الأموال.

الملاحظة الخامسة، أن هذه القرارات تؤكد على إصرار النظام على إقصاء جماعة الإخوان رغم أنها الفصيل الشعبي الأكبر والأكثر تأثيرا في المجتمع والتي حازت على ثقة الشعب المصري حين انتزع  حقه في الاختيار عبر صناديق الانتخابات خلال سنتين ونصف فقط بعد ثورة 25 يناير (2011 ــ منتصف 2013م). كما يبرهن تزامن هذه القرارات مع تزايد منسوب الانتهاكات بحق قيادات وعناصر الجماعة في السجون والمعتقلات على أن النظام يعاني في ظل المخاوف من انفلات الأوضاع الداخلية في ظل تآكل الظهير الشعبي للنظام وتحالف 3 يوليو في ظل استمراره في الحكم وفشله الدائم في ممارسة السلطة وتزايد معدلات الفقر والجوع. وكان مركز “شفافية للأبحاث والتوثيق”، قد رصد في 12 فبراير/ شباط الماضي(2023)، 4546 حالة تدوير لمعتقلين سياسيين مصريين من قضية لأخرى، لاستمرار حبسهم احتياطياً أكثر من عامين، خلال الفترة من 2016 وحتى 2023. ووثّق المركز البحثي ومقره القاهرة، خلال الفترة من يناير 2016 وحتى 1 يناير 2023، تعرض 2914 ضحية لتلك الممارسة بإجمالي 4546 واقعة تدوير. كم تم استهداف قيادات الجماعة في سجن بدر 3  وغيره بمزيد من أدوات التنكيل والانتقام والحرمان من أبسط الحقوق الإنسانية.  هذه  الحملة تأتي في أعقاب السجال الدائر  قبل سنة حول الحوار الوطني وما أثير بشأن إمكانية مشاركة ممثلين عن الإخوان فيه؛ وما أثير بشأن احتمال وجود تسوية للأزمة؛ ونستنتج من تصعيد الحملة في هذا التوقيت أن الوساطات التي جرت خلال الشهور الماضية قد فشلت في التوصل لحل، وأن قيادات الجماعة رفضوا شروط الإذعان والتسليم بالأمر الواقع؛ وبالتالي فإن النظام الذي يجد نفسه في موقف شديد الضعف لأسباب اقتصادية في معظمها مدفوعا بمخاوف من احتمال خروج الأمر عن السيطرة يواصل المزيد من الضغوط على قيادات الجماعة بالسجون من أجل إجبارهم على التسليم متجاهلا  أن الجماعة قد دفعت بالفعل أثمانا باهظة خلال السنوات الماضية؛ وبالتالي فإن إجبارهم على التسليم بالانقلاب اليوم بعد كل هذه التضحيات هو سلوك عبثي بامتياز ولن يأتي بأي نتائج على الإطلاق. يعزز موقف الرفض لدى قيادات الجماعة أن النظام نفسه ليس أهلا هلللثقة فقد  عاينه الجميع غدارا سفاكا للدماء، لا يتورع عن فعل أبشع الجرائم من اجل التشبث بالسلطة حتى النهاية.

الخلاصة أن الحملة الأخيرة على الإخوان سواء بالأحكام التي تمد وضع الجماعة على قوائم الكيانات الإرهابية لعشرات السنين، أو وضع المئات من قياداتها وعناصرها على قوائم الإرهاب، والتنكيل المستمر بحق قيادات الجماعة وعناصرها في السجون والمعتقلات وخاصة سجن بدر 3، إنما تأتي كرد فعل غاضب من جانب السيسي وأجهزته الأمنية بعدما استفزهم ثبات الجماعة وعدم خضوع قيادتها في السجون لشروط التسوية المجحفة التي توسطت فيها عواصم خليجية ذات تأثير على الطرفين. لكن الأيام المقبلة قد تحمل كثيرا من المفاجآت؛ بفعل الضغط المستمر للأزمة الاقتصادية على النظام من جهة، واليقين الكامل لدى  معظم أجهزة الدولة أن السيسي قد استنفد كل رصيده ولم يعد له بين الناس أنصارا من جهة أخرى. والمشكلة حاليا لدى قطاعات نافذة بالدولة هي كيفية إخراج الجنرال من المشهد بصورة لاتسبب المزيد من المتاعب الاقتصادية في ظل بؤس الأوضاع الحالية وتدهورها باستمرار ودون توقف. فهل تتحرك أجنحة داخل الدولة لوقف النزيف القائم بالتخلص من السيسي وتغيير هذه السياسات؟ أم تنفجر الأوضاع الشعبية احتجاجا على سوء الأوضاع الاقتصادية وتزايد معدلات الفقر والجوع؟ أم تنزلق مصر نحو المزيد من النزيف والمزيد من بيع أصول الدولة المربحة حتى تصل إلى مرحلة الانهيار الكامل في ظل تآكل معنى السيادة بتدخلات أجهزة التمويل الدولية وعلى رأسها صندوق النقد في رسم السياسيات الاقتصادية للدولة؟!


[1] طارق نجم الدين/ مصر: مد إدراج “الإخوان المسلمين” على قوائم الإرهاب لمدة 5 سنوات/ العربي الجديد ـ 16 مارس 2023

[2] بعد وفاته.. السلطات المصرية تدرج العلّامة الراحل يوسف القرضاوي وآخرين على قوائم الإرهاب/ الجزيرة مباشر ــ 17 أكتوبر 2022م

[3] طارق نجم الدين/ مصر: 3 أحكام بمد إدراج جماعة الإخوان على قوائم الإرهاب/ العربي الجديد ــ 29 ابريل 2023

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022