العدوان الإسرائيلي على جنين.. الدوافع والتداعيات

بدأت إسرائيل، في 3 يوليو الجاري (2023)، عملية عسكرية واسعة تحت مسمي “بيت وحديقة” تستهدف – حسب البيانات الرسمية – تفكيك ما تسميه بـ”البؤر الإرهابية” في الضفة الغربية، خاصة في مدينة جنين. وتعتبر هذه العملية الأكبر منذ اجتياح الضفة الغربية في عملية السور الواقي خلال الانتفاضة الثانية عام 2002.

وقد أثارت هذه العملية العديد من التساؤلات المتعلقة بالدوافع الإسرائيلية لإطلاق هذه العملية في هذا التوقيت، ودور الفصائل الفلسطينية المقاومة في الضفة الغربية بصفة عامة وفي مخيم جنين بصفة خاصة، ومستقبل التهدئة والتصعيد ليس في جنين والضفة الغربية فقط، ولكن في غزة والإقليم.

أولًا: تفاصيل العدوان الإسرائيلي علي جنين:

أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي، في 3 يوليو الحالي، عدوانًا جديدًا على مخيم جنين الذي يقطنه من 14 إلى 17 ألف فلسطيني، وصف بأنه أكبر اجتياح إسرائيلي للمخيم، منذ الاجتياح الكبير لها عام 2002، والذي أطلقت عليه تل أبيب وقتها، اسم “السور الواقي” إبان انتفاضة الأقصى.

وبدأت إسرائيل عمليتها بغارة جوية بالمسيرات، قالت إنها استهدفت مركز القيادة المشتركة لكتيبة جنين المسلحة، والتي تم تكوينها بمشاركة طيف واسع من الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية “حماس”. وبعد ذلك تقدمت حشود من الجنود الإسرائيليين إلى داخل المخيم، واقتحمته من عدة محاور، قبل أن تشتبك مع المسلحين الفلسطينيين، وتأخذ منحنى شديد العنف[1].

ويتضح من سير المعركة على الأرض أن إسرائيل استهدفت بشكل مكثف قطاعات مدنية، كشبكتي الماء والكهرباء، وهدم عدداً من المنازل، بهدف التأثير في الحاضنة الشعبية للمقاومة في جنين، وإضعاف قدرة المقاومين على الكر والفر، وتقويض أسلوب حرب العصابات الذي تتبعه المقاومة بما يتناسب مع بيئتها في المخيم.

كما لجأت إلى تدمير الطرقات وتجريفها عبر جرافات عسكرية مجنزرة من طراز “D9″، وتدمير المنازل (أكثر من 80% من الوحدات السكنية البالغ عددها ألف وحدة)، بذريعة التخلص من العبوات الناسفة التي زرعتها المقاومة في إطار دفاعها عن المخيم من العدوان المتكرر عليه[2].

كما منعت مركبات الإسعاف من دخول المخيم لنقل المصابين لتلقي العلاج، وذلك وسط تحليق مكثف لطائرات عسكرية وطائرات استطلاع في سماء المدينة[3]

وقد شارك في العملية ما يقرب من 2000 جندي، وهو رقم كبير نسبيًا مقارنة بعشرات أو مئات الجنود الذين يشاركون ‏يوميًا في اقتحام المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية.

واستعان جيش الاحتلال في العملية بالجرافات المجنزرة العملاقة “دي 9″، وهي آليات ثقيلة لم يستخدمها ‏في تجريف المناطق الفلسطينية منذ الانتفاضة الثانية، وأحدثت تلك الآليات دمارًا كبيرًا غير معهود منذ ‏سنوات. ذلك بالإضافة إلى نحو 150 آلية عسكرية اقتحمت المخيم والمدينة. وللمرة الأولى، شاركت 6 طائرات مسيرة في قصف أهداف في المخيم[4].

في المقابل، فقد نفذت عناصر الفصائل الفلسطينية الموجودة داخل جنين، سواء عناصر عرين الأسود أو كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس أو حتى العناصر التابعة لكتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح وكتائب المجاهدين، عدة كمائن للقوات الإسرائيلية المتقدمة داخل حي “الدمج”، مستغلين في ذلك صعوبة تقديم الغطاء الجوي لهذه القوات داخل المخيم، وتمكنوا من تحقيق عدة إصابات في صفوف وحدة “لوتر إيلات” ووحدة “ماجلان”، ووحدة “إيجوز”، بجانب إسقاط أربع طائرات مسيرة استطلاعية خلال اشتباكات اليوم الأول[5].

وقد نشرت “كتيبة جنين” بيانًا، قالت فيه إنها تمكنت من تنفيذ “العديد من الضربات والعمليات الهجومية والكمائن وتفجير العبوات، وأوقعت قتلى وجرحى”.

وذكرت أنها افتتحت المعركة بكمين مسجد الأنصار على محور الدمج، وتصدت لقوات الاحتلال على محور (الدمج -الحواشين)، وأفشلت توغل القوات داخل المخيم.

وأشارت إلى أن مقاوميها فجروا عددًا كبيرًا من العبوات الناسفة في آليات الاحتلال وأعطبوا العشرات منها، وألحقوا أضرارًا جسيمة بعدد آخر. ولفتت إلى أنها أدخلت عبوات جديدة للخدمة منها عبوة “طارق 1” تيمنًا بالشهيد طارق الدمج.

وأمام هذا الهجوم، تفاعلت الضفة الغربية سريعًا مع مجريات الاجتياح الإسرائيلي لمدينة ومخيم جنين. ومع بدء الهجوم الإسرائيلي على المخيم، شهدت مختلف المحافظات وقفات دعم وإسناد لمدينة جنين، شارك فيها مئات الفلسطينيين من مختلف القوى والفصائل.

إلى ذلك، شل الإضراب مختلف القطاعات الخاصة والحكومية في محافظات الضفة الغربية، كما أغلقت المحلات التجارية أبوابها، حدادًا على أرواح الشهداء[6].

وقد أسفرت هذه العملية عن إخلاء نحو 3000 فلسطيني من جنين بعد تهديد الجيش الإسرائيلي بقصف المخيم وفقًا لما ذكره الهلال الأحمر الفلسطيني‎.[7]

كما أسفرت العملية عن مقتل أحد جنود الجيش الإسرائيلي، مقابل استشهاد 12 فلسطينيًا أغلبهم من المدنيين، وإصابة 117 آخرين بجراح بينهم 20 في حالة حرجة، فضلًا عن اعتقال 300 شخص.

وأكدت وزارة الصحة الفلسطينية، مقتل 3 أطفال، اثنان بسن 17 عامًا، والثالث بسن 16 عامًا، كانوا بين ضحايا العمليات العسكرية الإسرائيلية[8].

ثانيًا: دوافع العدوان الإسرائيلي علي جنين:

يمكن الإشارة إلي مجموعة من الدوافع التي تقف خلف قيام الاحتلال الإسرائيلي بشن هذا العدوان الغاشم علي مدينة جنين، تتمثل أبرزها في:

1- تصاعد المقاومة في الضفة الغربية: يعتبر هذا العامل هو الدافع الأبرز والأهم لقيام إسرائيل بشن هذا العدوان علي مدينة جنين.

وقد انعكس ذلك في تصريحات قائد الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، آفي بلوت، الذي أكد علي إن العملية العسكرية في جنين ‏تهدف إلى إحداث تغيير في الوضع هناك‎‎، مشيرًا إلى أن مدينة جنين، وتحديدًا المخيم، تعد معقلًا ‏للإرهاب وأساس تصدير الإرهاب إلى الضفة الغربية بأسرها وإلى الداخل الإسرائيلي أيضًا.

وحسبما أعلن قائد الجيش الإسرائيلي، فإن أهداف العملية تتلخص في بسط السيطرة العملياتية‎ وتحييد الإرهابيين واعتقالهم، بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية للمسلحين ومصادرة الوسائل القتالية.

فيما أعلن قائد القيادة المركزية، اللواء يهودا فوكس، أن الهدف من العملية هو ضرب البنية التحتية للمقاومة في جنين وزيادة الحرية العملياتية للجيش الإسرائيلي في مناطق الضفة الغربية، وضرب بنية إنتاج المتفجرات والعبوات الناسفة وضرب المسلحين[9].

فقد لاحظ المخطط الأمني الإسرائيلي منذ فترة التحولات النوعية التي طرأت على التواجد المسلح لفصائل المقاومة الفلسطينية في معظم مدن الضفة الغربية، وعلى رأسها مدينتي نابلس وجنين، حيث تصاعدت أنشطة عدة فصائل فلسطينية مسلحة غير نمطية خلال الفترات الماضية، مثل “عرين الأسود”، بجانب لجوء فصائل المقاومة الفلسطينية الأساسية، التي كان نشاطها ينحصر بشكل شبه كامل في قطاع غزة، إلى تأسيس كتيبة خاصة بكل مدينة كبيرة من مدن الضفة الغربية، فأسست كتائب شهداء الأقصى – الذراع العسكرية لحركة فتح – لواء “العامودي”، ليعمل في نطاق مدينة نابلس ومحيطها، في حين أسست سرايا القدس – الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي – كتيبة “جنين”، وكانت ألوية الناصر صلاح الدين – الذراع العسكرية للجان المقاومة الشعبية – أحدث الفصائل التي شكلت كتيبة خاصة لمدينة جنين، وذلك في مايو الماضي.

وعلى الرغم من أن هذه المشاهد قد بدأت عمليًا أواخر عام 2013، إلا أن نتائجها وثمارها قد ظهرت بشكل أوضح منذ بدايات العام الماضي، ومثلت بالنسبة للحكومة الإسرائيلية عامل ضغط متواصل، نظرًا لأن ظهور المجموعات المسلحة غير النمطية، والتي لا ينتمي بعضها -على الأقل تنظيميًا- لفصائل المقاومة الفلسطينية الأساسية، كان مؤشرًا على فشل الاستراتيجية الإسرائيلية التي كانت متبعة سابقًا، والتي من خلالها عملت القوات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، على الاستهداف المستمر والممنهج لقادة الفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية، سواء بالاعتقال أو القتل بشكل تدريجي دقيق يراعي القضاء على القيادات الميدانية الأكثر قدرة وخبرة، وبالتالي التقليل قدر الإمكان من إمكانية قيام هجمات مسلحة تستهدف المستوطنات والحواجز الإسرائيلية في الضفة الغربية. هذه الاستراتيجية بدا أنها كانت ناجحة خلال مرحلة سابقة، لكن باتت الآن شبه عقيمة بحكم الواقع الجديد الذي فرضه الظهور غير النمطي للمجموعات المسلحة في الضفة.

نشوء هذه المجموعات وإعادة تشكيل فصائل المقاومة الفلسطينية لكتائب تابعة لها في المدن الأساسية للضفة، ساعد بشكل واضح على تحول أية أنشطة مسلحة فردية كانت تتم بين الفينة والأخرى في الضفة الغربية، إلى حالة عامة متعددة التوجهات والاتجاهات، وهو ما أدى إلى سلسلة من عمليات الدهس والطعن والهجمات بالأسلحة النارية كانت معظمها تنطلق من جنين، جعلت عام 2022 هو الأكثر دموية بالنسبة لإسرائيل منذ عام 2015، حيث سقط لها جراء هذه العمليات نحو 33 قتيلًا وهذا الوضع استمر خلال العام الجاري، الذي سقط في النصف الأول منه فقط 27 قتيلًا إسرائيليًا جراء سلسلة العمليات التي تم تنفيذها خلال الفترة الماضية في الضفة الغربية، وكان آخرها عملية مستوطنة “عيلي” شمال مدينة نابلس، التي تبنتها – وهو أمر لافت – حركة حماس بشكل رسمي، وتم تنفيذها عبر هجوم مباشر بالأسلحة النارية، وهو الأمر الذي لم تواجهه القوات الإسرائيلية المنتشرة في الضفة إلا في مرات محدودة سابقًا.

وقد أظهرت عملية “عيلي”، التي أسفرت عن مقتل 4 مستوطنين، أن الأسلحة المستخدمة فيها – وهي أمريكية الصنع – من نوع “إم-16″، كانت مزودة بملحقات ومناظير اشتباك، وفرت للمهاجمين القدرة على استهداف أكبر عدد من الأفراد، بجانب حقيقة أن عمليات تفجير العبوات الناسفة ضد الدوريات العسكرية الإسرائيلية المقتحمة لمدن الضفة، خاصة جنين، باتت تشكل تهديدًا حقيقيًا على العربات المدرعة الإسرائيلية، وهو ما ظهر بشكل كبير خلال اقتحام مدينة جنين منتصف الشهر الماضي (19 يونيو 2023)، والذي خسرت فيه القوات الإسرائيلية ناقلتي جند مدرعتين من نوع “بانثر”.

بالنظر لما تقدم، والاشتباكات التي دارت مؤخرًا بين المستوطنين والسكان الفلسطينيين في عدة مناطق بالضفة، كان من المتوقع أن تلجأ القوات الإسرائيلية إلى بدء عملية عسكرية في مدينة جنين تستهدف إنهاء “الحالة الأمنية الحالية” في مخيم ومدينة جنين، ومنع تحول جنين ونابلس ومناطق أخرى في الضفة الغربية إلى “قطاعات غزة”[10].

2- توسيع الاستيطان والقضاء علي إمكانية قيام دولة فلسطينية: أطلق الاحتلال على عمليته اسم “البيت والحديقة”. ما يُفهم من هذه التسمية للعملية، أن دولة الكيان هي البيت، وأن الضفة الغربية حديقة هذا الكيان، أي هي بحسب التسمية جزء من الامتداد الطبيعي للبيت، وداخلة في حيز البيت، بيد أن تسميتها بالحديقة له دلالات أخرى إضافية، مفادها كلها أن هذه المساحة، كأي حديقة، ليست تابعة فحسب، وإنما وفوق ذلك ينبغي أن تكون مريحة، وفرصة متاحة باستمرار للتمدد.

فالضفة الغربية بالنسبة للاحتلال مجال حيوي، وعمق استراتيجي، وضرورة أمنية، ومتنفس استيطاني، وحل للتناقضات الداخلية بتخصيصها لمجتمعات استيطانية من مشارب اجتماعية وفكرية مختلفة عن المجتمع الاستيطاني في “تل أبيب”، وفوق ذلك، فهي حسب الدعاية الصهيونية “يهودا والسامرة”، والفضاء الطبيعي لـ”أورشليم”، وبعد ذلك تطوي على ثروات مائية وزراعية، وتتوفر على إمكانات اقتصادية وتنموية[11].

في ضوء ذلك، فقد أعادت العملية العسكرية في جنين، وتهجير ٤ آلاف فلسطيني تقريباً من سكان المخيم من قبل الجيش الإسرائيلي خلالها، وما ارتبط بها من سياسات استهداف للبنية التحتية مع التهجير، الحديث فلسطينيًا عن أن ما يحدث في المخيم هو جزء من سياسة إسرائيلية أكبر تهدف إلى تفريغ مناطق في الضفة من الوجود الفلسطيني بشكل يصب بدوره في القضاء على فرص وجود دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة وعاصمتها القدس الشرقية. وساهم في تلك الرؤية السياق السابق على الهجوم الإسرائيلي على مخيم جنين، وخاصة الإعلان عن مخططات استيطانية جديدة، وتعديلات تختصر الخطوات المطلوبة فيما يتعلق بالاستيطان، وتصريحات نتنياهو عن الدولة الفلسطينية.

وفيما يتعلق بالمخططات الاستيطانية، وافقت إسرائيل في 26 يونيو الفائت (2023) على بناء أكثر من 5 آلاف وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية، وهي المخططات التي أُعلن عنها بعد أيام من تسهيل الموافقة على الاستيطان من خلال قرار مجلس الوزراء الإسرائيلي الصادر في 18 يونيو الفائت، والذي منح وزير المالية اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش صلاحية التخطيط للبناء في مستوطنات الضفة الغربية بما يساهم في تسهيل وتسريع عملية توسيع المستوطنات، وإضفاء الشرعية على بعض البؤر الاستيطانية بأثر رجعي.

من جانب آخر، ساهم نشر الإعلام الإسرائيلي لما جاء في حديث نتنياهو خلال جلسة مغلقة للجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست في 26 يونيو الفائت عن الدولة الفلسطينية في تأزيم الوضع الفلسطيني، والحديث عن وجود مخططات أبعد في السياسات الإسرائيلية القائمة تتجاوز الحديث عن تحقيق الأمن إلى تغيير الأوضاع على الأرض بما يمس بشكل كبير فرص التوصل إلى دولة فلسطينية مستقلة. وفي حديثه، أكد نتنياهو أنه يجب العمل على “اجتثاث فكرة إقامة الدولة الفلسطينية، وقطع الطريق على تطلعات الفلسطينيين لإقامة دولة مستقلة لهم”.

وبهذا، ساهمت التطورات المباشرة، والسياسات المتبعة من حكومة نتنياهو، وما قبلها، على صعيد الاستيطان وعمليات الاغتيال والاعتقال، واستهداف المنازل الفلسطينية في القدس الشرقية، وعمليات الاقتحام والتهويد في المسجد الأقصى، في ربط الهجوم الإسرائيلي على مخيم جنين، والحديث عن وجود مخططات لتنفيذ عمليات مماثلة في الضفة الغربية باسم “محاربة الإرهاب”، في تقديم كل ما يحدث بوصفه جزء من سياسة كبرى تتمثل في القضاء على فرص الدولة الفلسطينية، والسيطرة الإسرائيلية على الأراضي المخصصة لإقامة تلك الدولة في الضفة الغربية، وترسيخ فكرة المستوطنات القابلة للحياة والدولة الفلسطينية غير القابلة للتحقق[12].

3- تهدئة التوترات داخل الائتلاف الحاكم الذي يقوده نتنياهو: فللمرة الأولى في تاريخ الائتلافات الحكومية الإسرائيلية تحتل أحزاب الحريديم (المتشددة دينيًا) والأحزاب الصهيونية -الدينية (أحزاب المستوطنين) نصف مقاعد نواب الائتلاف في الكنيست (32 مقعدًا)، وتشتبك هذه الأحزاب مع الليكود وزعيمه نتنياهو في قضيتين شائكتين هما:

أ- قضية التعديلات القضائية والتي تصر تلك الأحزاب على المضي في تمريرها داخل الكنيست دون الالتفات إلى التظاهرات المستمرة ضدها في الشوارع الإسرائيلية منذ يناير الماضي.

ب- ضرورة ردع الفلسطينيين ومنعهم من تهديد المستوطنين وحركة بناء المستوطنات، ورفض الضغوط الخارجية من جانب الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية على نتنياهو لتجميد بناء المستوطنات.

في ضوء ذلك، يبدو أن نتنياهو اضطر لإبطاء عملية تمرير التشريعات الخاصة بالتعديلات القضائية لتخفيف الاحتقان الداخلي، وتقليل الضغوط الغربية المعارضة لتمرير هذه التشريعات بدون توافق واسع بين القوى السياسية الإسرائيلية. وعلى جانب آخر، شعر نتنياهو بخطورة توجه المستوطنين نحو تطبيق سياسة الردع التي يطالبون بها بأنفسهم بدلاً من انتظار قيام الحكومة الإسرائيلية بالمهمة، وهو ما تبدى في اقتحام المستوطنين المتكرر لبعض القرى الفلسطينية وإحراق المنازل والممتلكات الخاصة بسكانها.

كان على نتنياهو إذن أن يتفادى إمكانية قيام أحزاب الصهيونية-الدينية وأحزاب الحريديم بتنفيذ تهديدهم بالخروج من الائتلاف وإسقاط الحكومة بسبب القضيتين السابقتين، ومن ثم فقد اختار أن يقوم بالعملية العسكرية الجارية حاليًا في جنين استجابة لدواعي أمنية أولًا، ولإرضاء شركائه في الائتلاف ثانيًا، ومحاولة إقناعهم ثالثًا بتخفيف الاندفاع نحو إجراء التعديلات القضائية، إلى ما بعد انتهاء مهمة القضاء على الأخطار القادمة من الضفة الغربية بواسطة حركتي حماس والجهاد[13].

في السياق ذاته، فمن الواضح أن حكومة نتنياهو تسعى بكل الوسائل إلى تصدير أزمة التعديلات القضائية التي تواجهها في الداخل والتي تهدد مصير تلك الحكومة ومستقبل إسرائيل ككل، وبالتالي أصبح لا مفر من لجوء نتنياهو إلى افتعال الأزمات الخارجية المتتالية محاولًا الخروج من تلك الأزمة. ويمكن القول إن عملية جنين تأتي في هذا السياق، خاصة وأنها سبقت الاحتجاج الكبير الذي كانت المعارضة في إسرائيل تنوي تنظيمه في مطار “بن غوريون”؛ رفضًا لمساعي نتنياهو وحلفائه الدفع قدمًا بالتعديلات القضائية التي جرى وقفها قبل أشهر تحت ضغط الاحتجاجات. وبالفعل، حدثت احتجاجات في مطار “بن غوريون” لكن الأنظار تحولت إلى ما يحدث في مخيم جنين، وظهر ذلك ‏من تقديم وسائل الإعلام لأحداث جنين وإبرازها مقارنة بمنح احتجاجات المطار مساحة أقل‎[14].‎

4- المواجهة مع إيران: إذا ما افترضنا صحة التقارير الإسرائيلية التي تؤكد علي أن قرار إطلاق العملية قد تحدد قبل عشرة أيام (أي في حدود 23 يونيو الماضي)، فإن لقاء زياد النخالة زعيم حركة الجهاد بالمرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي خامنئي في طهران في 14 من الشهر نفسه (أي قبل أسبوع واحد من بدء تنفيذ العملية الجارية) كان عاملًا حاسمًا في تصديق نتنياهو على العملية. ففي هذا اللقاء، قال المرشد: “إن الضفة الغربية هي ساحة المعركة الرئيسية للفصائل الفلسطينية ضد إسرائيل”.

تصريح خامنئي أوجب ردًا سريعًا من جانب إسرائيل، التي تضع في صدر أولوياتها منع أذرع إيران في المنطقة من إقامة مراكز لتصنيع الأسلحة والتدريب على تنفيذ عمليات عسكرية في عمق أراضي إسرائيل، وهي السياسة التي تنفذها في سوريا منذ سنوات عبر ضربات جوية مستمرة للقضاء على هذه المراكز مبكرًا هناك، وبطبيعة الحال فإن ظهور هذه المراكز في الضفة الغربية يعتبر خطرًا أكبر من تلك التي تمثلها المحاولات نفسها داخل سوريا بالنسبة للدولة العبرية[15].

وسبق أن أشارت تقارير إسرائيلية إلي أن “حماس” و”الجهاد الإسلامي” – بتمويل سخي ومشورة من “فيلق القدس” التابع لـ “الحرس الثوري الإسلامي” الإيراني وتعاون وثيق مع “حزب الله” – تستثمر بشكل كبير في الجهود المبذولة لإنشاء ورش عمل سرية في “الضفة الغربية” لتركيب صواريخ من الأنواع التي تصنع في قطاع غزة. وأنه في أوائل شهر يونيو الماضي، اكتشفت إسرائيل أول محاولة لإطلاق مثل هذا الصاروخ، وعلى الرغم من فشل عملية الإطلاق، إلا أن نقل الخبرة الفنية المكتسبة من هذه المحاولة سيستمر على المدى الطويل، ولا يمكن استبعاد تهريب هذه الصواريخ الخفيفة عبر نهر الأردن. وحتى الصواريخ قصيرة المدى، إن وضعت في بلدات متاخمة “للخط الأخضر” (على سبيل المثال، طولكرم)، قد تشكل تهديداً مباشراً للمنطقة الوسطى المكتظة بالسكان في إسرائيل[16].

ثالثًا: تداعيات العدوان الإسرائيلي علي جنين:

كشفت العدوان الإسرائيلي علي جنين وما صاحبه من ردود أفعال عن مجموعة من النتائج والتداعيات علي المستويين الفلسطيني والإسرائيلي والدولي، وهو ما يمكن توضيحه كما يلي:

1- علي المستوي الإسرائيلي: حرصت إسرائيل على تأكيد تحقق أهداف العملية العسكرية في جنين، وخاصة على صعيد استهداف ما تعتبره “البنية التحتية للإرهاب”، وكذلك استهداف عناصر المقاومة، والتصدي لفرصة تحول المخيم إلى بؤرة للعمليات التي تستهدفها[17].

وقدتركزت هذه العملية بالأساس علي شن عملية عسكرية سريعة ومحدودة النطاق لا تتجاوز يومًا أو يومين على الأكثر من أجل أن تتمكن القوات الإسرائيلية في المستقبل من تنفيذ عمليات اقتحام واعتقال أخف تكلفة من الناحية العسكرية على قواتها وجنودها[18].

وقد ظهر أن هناك حرص إسرائيلي علي عدم إطالة أمد الهجمات في جنين؛ لعدة أسباب، أبرزها:

أ- عدم وجود قناعة حقيقية، لا سيما لدى الأوساط العسكرية والأمنية، بأن مثل هذه العملية كفيلة بوقف تمدد المقاومة في الضفة الغربية.

ب- التخوف الإسرائيلي المتزايد من إمكانية أن تسفر هذه العملية عن وقوع المزيد من الخسائر البشرية في صفوف الجنود والمستوطنين، بدلاً من وضع حد لها، في ضوء ما باتت تحوزه المقاومة من عمليات من إمكانيات تسليحية وقدرات عسكرية متقدمة ومتطورة، لا سيما في الأسلحة النوعية كبنادق الـ”إم16″ والعبوات الناسفة، والقناصة، مما يجعل مسألة وقوع قتلى وجرحى إسرائيليين مسألة مرجحة جداً، الأمر الذي من شأنه إثارة الرأي العام ضد الحكومة، التي لا ينقصها مزيد من الاحتجاجات المضادة لها، بجانب ما تواجهه من مظاهرات رافضة لانقلابها القضائي.

ت- وجود احتمال إسرائيلي بإمكانية انضمام جبهات فلسطينية أخرى رافضة للانفراد بالضفة الغربية، لا سيما المقاومة في غزة، وفي هذه الحالة قد يعاد سيناريو معركة “سيف القدس” التي جسدت قاعدة “وحدة الجبهات”، مما يعني تشتيت قوات الاحتلال، واضطرارها للقتال على أكثر من جبهة، وهو السيناريو الذي تسعى لتجنبه قدر الإمكان، بالإضافة إلى إمكانية انضمام جبهات أخرى، لا سيما جنوب لبنان.

ث- التقديرات الإسرائيلية السائدة بأن مثل هذه العملية، بما قد تشمله من سقوط ضحايا وشهداء فلسطينيين، وبأعداد كبيرة، قد تثير الرأي العام الدولي على الاحتلال، لا سيما زيادة التوتر مع الإدارة الأمريكية التي حذرته أكثر من مرة بعدم التدهور لعدوان واسع على الضفة الغربية، بالإضافة إلى إمكانية تراجع مسار التطبيع الجاري مع الدول العربية والاسلامية.

ج- بدا لافتًا أن التحذير من الاستجابة لضغوط اليمين بتنفيذ عملية عسكرية في الضفة الغربية، تزامن مع إمكانية أن تسفر عن مزيد من ضعف السلطة الفلسطينية، وتصدّع وجودها، علمًا بأنها تشهد غياباً شبه كامل عن بؤر المقاومة المتصاعدة في شمال الضفة، وتتزايد المخاوف الإسرائيلية، لا سيما الأمنية والعسكرية، من التبعات المتوقعة لهذه العملية على وضعية السلطة المتردية أصلًا، والتخوف أن تستثمر قوى المقاومة، لا سيما حماس، التراجع الجاري في مكانة السلطة الفلسطينية وفق كل استطلاعات الرأي، للإحلال بدلًا منها، ومد نفوذها على مناطق واسعة في الضفة الغربية[19].

2- علي المستوي الفلسطيني: اعتبرت المقاومة الفلسطينية، وخاصة “كتيبة جنين” التابعة لسرايا القدس- الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، أن الصمود في مواجهة الهجمات الإسرائيلية، وخاصة في ظل حجم القوات والآليات المشاركة في الهجوم، وتغييب قيمة عنصر المفاجأة، ومحدودية التوغل الإسرائيلي داخل المخيم، والدعم الشعبي للمقاومة، و “وحدة الساحات” التي تحققت عبر مشاركة العديد من الفصائل في التصدي للهجوم الإسرائيلي، وضعف حجم الخسائر في الأرواح التي وصلت إلي 12 شهيدًا مقابل مقتل جندي صهيوني، تمثل عوامل انتصار للمقاومة وخيار المقاومة، في مواجهة إسرائيل وخيار التسوية السياسية[20].

من جانب آخر، فقد طرحت العديد من التساؤلات خلال الهجمات الإسرائيلية في المخيم عن تفعيل قواعد الاشتباك القائمة ودخول غزة على خط الأحداث. وتربط قواعد الاشتباك الأساسية، التي تم وضعها خلال الأحداث السابقة على حرب غزة الرابعة في مايو ٢٠٢١، بين الأوضاع في القدس والمسجد الأقصى من جانب وقطاع غزة من جانب آخر، وتؤكد أن التصعيد الإسرائيلي في القدس والمسجد الأقصى يرتب الرد من غزة. وتطورت القاعدة الأساسية عبر الوقت، وشملت ضمن أسباب الرد من القطاع كلًا من استهداف مخيم جنين واغتيال الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.

ورغم القواعد القائمة التي تؤهل لدخول غزة على خط التطورات لما يحدث في مخيم جنين، ورغم استهداف المخيم والأضرار التي حدثت على المستوى الإنساني والمادي، وترحيل المواطنين، ظلت جبهة غزة هادئة خلال الأحداث، مع استمرار انعقاد غرفة العمليات المشتركة للفصائل، والتأكيد على الاستعداد للرد وفقًا للتطورات.

ورغم التساؤلات التي طرحت عن غياب غزة، وحماس تحديدًا، وعدم تفعيل قواعد الاشتباك، فإن ما حدث يتسق مع التطورات السابقة، حيث لا تتجه الفصائل لتفعيل قواعد الاشتباك مباشرة، وتحتفظ لنفسها بتفسير الأحداث وتوقيت تفعيل قواعد الاشتباك. وضمن العديد من الاعتبارات، تدرك الفصائل أن الإعلان عن تفعيل قواعد الاشتباك من شأنه استهداف القطاع من إسرائيل، والدخول في جولة جديدة من التصعيد سواء تم في صورة تصعيد مقيد أو حرب مفتوحة.

وفي حين ظلت غزة هادئة خلال العملية الإسرائيلية في المخيم، فقد دخل القطاع جزئيًا على تطورات الأحداث وسط عملية الانسحاب الإسرائيلي من المخيم عبر مجموعة من الصواريخ التي أطلقت من القطاع تجاه مستوطنات غلاف غزة، وتفعيل القبة الحديدية، واستهداف بعض المواقع التابعة لحركة المقاومة الإسلامية- حماس من قبل الجيش الإسرائيلي. وتطرح الصواريخ التي أطلقت من القطاع والرد الإسرائيلي المحدود المتبع في الحالات المماثلة، احتمال عدم التصعيد بما يتجاوز تلك الجولة السريعة.

بالمقابل، في حين تم انتقاد حماس لعدم الرد من غزة، طرح وجود حماس في ساحة الضفة الغربية وتل أبيب تساؤلات أكبر حول وجود قواعد اشتباك جديدة، وحضور مختلف للحركة في مرحلة جنين وما بعدها. فقد تبنت حماس عملية تل أبيب[21]، التي حدثت في 4 يوليو الجاري، وأكدت في تصريحاتها أن العملية “رد أولي” على ما حدث في جنين. وأدت تلك الأوضاع إلى بروز أصوات في إسرائيل عن قاعدة اشتباك جديدة من قبل حماس تتمثل في “الرد على الدم بالدم”، أو الرد على التصعيد في جنين بالتصعيد في تل أبيب[22].

وفيما يتعلق بالسلطة الفلسطينية، فقد خرج رئيس السلطة محمود عباس ببيان يدين فيه عدوان الاحتلال الإسرائيلي على جنين، ويستنكر إعدام الفلسطينيين، مجددًا مطالبه بتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني.

وفي فعل بروتوكولي معتاد، أعلنت السلطة قطع جميع الاتصالات مع الاحتلال ووقف التنسيق الأمني، وتقنين التواصل مع الإدارة الأمريكية في محاولة لرفع العتب عنها.

وتوحي ردة فعل السلطة الخجولة بدور خفي ربما لعبته أجهزتها الأمنية في اجتياح الاحتلال لجنين ومخيمها. فوفقًا لوكالة شهاب على التليغرام، أفصحت  وسائل إعلام عبرية قائلة إن “السلطة الفلسطينية كانت على علم مسبق بالاجتياح، وتم إبلاغ حسين الشيخ “أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير” بذلك خلال لقائه مؤخرًا مع وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت”.

وفي رده علي إعلان السلطة تعليق التنسيق الأمني مع الاحتلال، فقد أكد المتحدث باسم جيش الاحتلال أن التنسيق الأمني بين الطرفين لا يزال قائمًا.

وبالتزامن مع انسحاب القوات الإسرائيلية من جنين، فقد خرجت عناصر الأجهزة الأمنية الفلسطينية من مراكزها التي اختبأت بها طيلة فترة اقتحام المخيم؛ لمطاردة المحتفلين من أهالي جنين بانسحاب قوات الجيش الصهيوني منه. وفي مشهد استفزازي آخر، أنكرت ضمنيًا وكالة “وفا” التابعة للسلطة الفلسطينية على الشعب الفلسطيني عملية “تل أبيب” المزدوجة والتي أصيب بها 10 مستوطنين من بينهم 5 بحالة خطيرة، مدعية أن السيارة انحرفت عن مسارها بالخطأ![23].

3– علي المستوي الدولي: لم تجد الإدانات طريقها إلى أسماع سلطات الاحتلال الإسرائيلي على خلفية عدوانها ضد جنين ومخميها. سلطات الاحتلال استبقت المواقف الدولية بالحديث عن إبلاغ أوروبا والولايات المتحدة مسبقًا بالعملية، وهو ما ظهر في خفوت حدة الانتقادات الغربية والدولية بوجه عام للعدوان. وقد أسفرت ردود الأفعال الدولية علي العدوان الإسرائيلي لمخيم جنين عن مجموعة من الدلالات، تتمثل في:

أ- الانحياز لأمن إسرائيل: فقد حافظت الولايات المتحدة على تأييد شبه مطلق لإسرائيل فيما تتخذه من إجراءات تحت بند “حق إسرائيل الحفاظ على أمنها”، وهو ما جدده بيان المتحدث باسم البيت الأبيض، في 3 يوليو 2023، مؤكدًا “دعم أمن إسرائيل وحقها في الدفاع عن شعبها” ضد من أسماهم بـ”الجماعات الإرهابية”. كما دعت وزارة الخارجية الألمانية، إسرائيل، لاحترام مبدأ التناسب في الرد المنصوص عليه في القانون الدولي، بالتوازي مع حقها في الدفاع عن نفسها ضد ما أسمته بـ”الإرهاب”.

الموقف ذاته صدر عن ريشي سوناك، رئيس الوزراء البريطاني، الذي دعم في تصريحاته، 4 يوليو، “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” مع أهمية ضبط النفس وحماية المدنيين.

ب- احترام البعد الإنساني: تناول مسؤولو الأمم المتحدة ووكالاتها أهمية احترام البعد الإنساني في العمليات، وتجنب استهداف المدنيين والبنية التحتية المدنية في المخيم، حسب تصريحات فرحان حق، نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، 3 يوليو الجاري، مشيرًا إلى احترام القانون الدولي الإنساني في العمليات الجارية بجنين.

كما حث تور وينسلاند، منسق عملية السلام في الشرق الأوسط، “الجميع” على ضمان حماية المدنيين. وتجنب مسؤولو الأمم المتحدة في اليوم الأول، إدانة جيش الاحتلال وعمليته العسكرية، إلا إن نزوح 3 آلاف فلسطيني من المخيم في أعقاب “الضربات الجوية المميتة”، حسب تعبيرات فولكر تورك، مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، دفعت المسؤول الأممي لإدانة استخدام الضربات الجوية في عمليات إنفاذ القانون في مناطق مدنية، واعتبرها ترقى إلى “القتل العمد” في ظل تضرر المباني والمرافق الصحية وشبكة إمداد المياه.

وكان لافتًا أن الاتحاد الأوروبي لم يصدر بيانًا حول أحداث جنين عبر أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية، أو جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية والأمنية، أو لويس بوينو، المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وبدلًا من ذلك أدان جانيز لينارتشيتش، مفوض الاتحاد لإدارة الازمات والمساعدات الإنسانية، استخدام القوة في المخيم والتسبب في خسائر بشرية وتدمير للبنية التحتية.

ت- صمت صيني-روسي: رغم الاهتمام الصيني المتصاعد بقضايا الشرق الأوسط، إلا إنها لم تعقب على أحداث جنين منذ انطلاق العدوان، فيما يؤشر على رغبة صينية في إعادة بناء رؤية شاملة لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والبناء على ما تحقق من تواصل الرئيس شي جين بينج ونظيره الفلسطيني أبو مازن، خلال زيارة الدولة التي أجراها أبو مازن لبكين، لمدة 4 أيام، منتصف يونيو الماضي، فضلًا عن دعوة الرئيس شي، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لزيارة الصين.

وقبيل أحداث العدوان الأخيرة، دعا تشانج جون، المندوب الصيني الدائم، 27 يونيو 2023، لكسر دائرة العنف في الأراضي الفلسطينية ووقف الأعمال الأحادية التي تهدف لتغيير الوضع القائم.

روسيًا، لم يتطرق بيان رسمي روسي لأحداث جنين بصورة مباشرة على الرغم من العلاقات الطيبة التي تجمع السلطات الروسية بالسلطة والفصائل الفلسطينية، بينما أعرب ميخائيل بوجدانوف، المبعوث الخاص للرئيس الروسي للشرق الأوسط، 4 يوليو 2023، (خلال اتصال هاتفي مع عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق) استعداد موسكو للعمل مع جامعة الدول العربية لـ”تهدئة التوترات” وإيجاد تسوية عادلة للقضية الفلسطينية على أساس الشرعية الدولية، في إشارة إلى حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمة القدس الشرقية[24].

ختامًا؛ لا يبدو أن العدوان الإسرائيلي علي جنين سيكون الأخير، فمن المتوقع أن تكون هناك عمليات قادمة قد تكون أكبر مما سبقتها، لاسيما مع ما يبدو من أن العملية الأخيرة لم تتمكن من القضاء علي البنية التحتية للمقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية (جنين ونابلس)، فضلًا عن استمرار تطرف الحكومة الإسرائيلية الحالية وتمسكها باستخدام القوة المفرطة لإخماد أي مقاومة فلسطينية وتوسيع عمليات الاستيطان، ناهيك عن حالة التخاذل العربي التي لا تتعدي مرحلة الإدانة دون سلوك حقيقي علي أرض الواقع بل إن هذه الإدانة تتناقض تمامًا مع الممارسات الفعلية من قبل الدول العربية التي تتجه نحو التطبيع مع الاحتلال، وليس أخيرًا، حالة الدعم الغربي لإسرائيل بدعوى الدفاع عن نفسها في مواجهة المقاومة الفلسطينية التي تصفها بـ”الإرهاب”.


[1] “عملية جنين العسكرية تخلف دمارا هائلا وفشلا إسرائيليا وصمودا أكبر للمقاومة (محصلة)”، الخليج الجديد، 5/7/2023، الرابط: https://cutt.us/mMf0O

[2] “العدوان على جنين.. الدوافع والانعكاسات”، الميادين نت، 5/7/2023، الرابط: https://cutt.us/OFMV0

[3] “عملية جنين العسكرية تخلف دمارا هائلا وفشلا إسرائيليا وصمودا أكبر للمقاومة (محصلة)”، مرجع سابق.

[4] “العدوان الإسرائيلي على جنين.. الدوافع والمآلات”، المرصد المصري، 4/7/2023، الرابط: https://cutt.us/xtwF3

[5] “تعديل المعادلات.. ماذا بعد “بأس جنين” و”المنزل والحديقة””، المرصد المصري، 5/7/2023، الرابط: https://cutt.us/aRlt1

[6] “عملية جنين العسكرية تخلف دمارا هائلا وفشلا إسرائيليا وصمودا أكبر للمقاومة (محصلة)”، مرجع سابق.

[7] “العدوان الإسرائيلي على جنين.. الدوافع والمآلات”، مرجع سابق.

[8] “عملية جنين العسكرية تخلف دمارا هائلا وفشلا إسرائيليا وصمودا أكبر للمقاومة (محصلة)”، مرجع سابق.

[9] “العدوان الإسرائيلي على جنين.. الدوافع والمآلات”، مرجع سابق.

[10] “تعديل المعادلات.. ماذا بعد “بأس جنين” و”المنزل والحديقة””، مرجع سابق.

[11] “العملية العسكرية في جنين.. عن مشكلة “البيت والحديقة”!”، عربي21، 4/7/2023، الرابط: https://cutt.us/Mrzdu

[12] “ما بعد جنين.. قواعد الاشتباك ومستقبل الدولة الفلسطينية”، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 5/7/2023، الرابط: https://cutt.us/fqiXk 

[13] “عملية جنين: الخلفيات والتوقعات”، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 4/7/2023، الرابط: https://cutt.us/ExKZr

[14] “العدوان الإسرائيلي على جنين.. الدوافع والمآلات”، مرجع سابق.

[15] “عملية جنين: الخلفيات والتوقعات”، مرجع سابق.

[16] “خطر التصعيد العنيف الذي تواجهه “الضفة الغربية””، معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني، 23/6/2023، الرابط: https://cutt.us/nkQdF  

[17] “ما بعد جنين.. قواعد الاشتباك ومستقبل الدولة الفلسطينية”، مرجع سابق.

[18] “اجتياح جنين: إلى أين تتجه تطورات عملية الاحتلال العسكرية؟”، نون بوست، 3/7/2023، الرابط: https://cutt.us/LIDpy

[19] “احتمالات قيام الاحتلال الإسرائيلي بعملية اجتياح واسعة في الضفة الغربية”، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 26/6/2023، الرابط: https://cutt.us/CBbrA

[20] “ما بعد جنين.. قواعد الاشتباك ومستقبل الدولة الفلسطينية”، مرجع سابق.

[21] “7 جرحى في عملية دهس في تل أبيب.. وحماس تعتبرها “الرد الأولي” على جرائم الاحتلال في جنين- (صور وفيديو)”، القدس العربي، 4/7/2023، الرابط: https://cutt.us/WZIMV

[22] “ما بعد جنين.. قواعد الاشتباك ومستقبل الدولة الفلسطينية”، مرجع سابق.

[23] ” بعد صمود جنين.. ماذا فعلت السلطة الفلسطينية تجاه الاعتداء على عش الدبابير؟”، عربي بوست، 5/7/2023، الرابط: https://cutt.us/Zc1gD

[24] “إدارة الصراع.. ماذا تعكس المواقف الدولية من أحداث جنين؟”، القاهرة الإخبارية، 5/7/2023، الرابط: https://cutt.us/sfBwS

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022