استضافت مدينة العلمين المصرية، في 14 أغسطس الحالي، قمة ثلاثية بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بن الحسين؛ لبحث مستجدات القضية الفلسطينية في ضوء التطورات الاقليمية والدولية المرتبطة بها[1].
وتسعي هذه الورقة إلي محاولة الوقوف علي الأهداف والدوافع التي تقف خلف انعقاد هذه القمة الثلاثية، والتي تتمثل فيما يلي:
1- دعم السلطة الفلسطينية: لعل أبرز مظهر من مظاهر ضعف السلطة الفلسطينية في المرحلة الحالية هي الأزمة المالية التي تعاني منها منذ شهر نوفمبر 2021، إذ بدأت السلطة الفلسطينية بصرف رواتب منقوصة لموظفيها بنسبة 80% بشكل عام، غير أن هذه الأزمة ليست منفصلة عما قبلها؛ فالسلطة الفلسطينية تعيش أزمات متعاقبة منذ عام 2019 على خلفية قرار حكومة الاحتلال اقتطاع مبلغ من أموال المقاصة يوازي ما تدفعه السلطة الفلسطينية لعوائل الأسرى والشهداء، وحسب بيانات الحكومة الفلسطينية يصل حجم الاقتطاع من أموال المقاصة، تحت بنود مختلفة، إلى أكثر من مليار دولار سنويًا.
كما يقف خلف هذه الأزمة المستمرة بشكل أساسي تحكم إسرائيل بعوائد الضرائب الفلسطينية واستخدامها لفرض العقوبات على السلطة الفلسطينية.
وبجانب ذلك، فهناك تدني نسبة المساعدات الخارجية الغربية والعربية لميزانية السلطة الفلسطينية، وهي في تراجع مستمر.
إلى ذلك، فالسبب الأعمق للأزمات المالية والاقتصادية التي تعاني منها السلطة والشعب الفلسطيني هو تدمير الاحتلال للاقتصاد الفلسطيني، وحرمانه من موارده نتيجة الاستيطان والسيطرة الفعلية على معظم الضفة الغربية، فحسب تقرير لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) بلغت خسائر فلسطين نحو 50 مليار دولار بين عامي 2000 و2020 بسبب الاستيطان وتقيد التنمية الاقتصادية في مختلف المناطق الفلسطينية.
بعيدًا عن الوضع المالي للسلطة الفلسطينية وأزمة الاقتصاد الفلسطيني العميقة، فإن موطن الضعف الأهم الذي تعاني منه السلطة الفلسطينية يأتي من القتل الإسرائيلي لأي إمكانية لتطبيق حل الدولتين، فقد نشأت السلطة الفلسطينية على أنها مؤسسة انتقالية لحين التوصل إلى تسوية شاملة ضمن حل الدولتين، تتحول بموجبها السلطة إلى دولة ذات سيادة كاملة على حدود الرابع من يونيو 1967، حيث انهار هذا الطرح مع توقف المفاوضات مع الاحتلال نهائيًا منذ عام 2014.
وقد عمل الاحتلال طوال السنوات الماضية، سواء في ظل التزامه بالمفاوضات أو بعد توقفه عنها، على إحداث تغييرات جوهرية على الأرض، خلقت واقعًا جديدًا بات من شبه المستحيل في ظله التوصل لأي تسوية سياسية، فالاستيطان قد ابتلع الضفة الغربية التي أغرقت بالمستوطنين، وتحولت إلى معازل منفصلة عن بعضها بالاستيطان والبنية التحتية الاستيطانية والحواجز العسكرية، كما أن الاحتلال عزز سيطرته على مناطق (ب) و (ج)، وحصر السلطة الفلسطينية في مناطق (أ)، كما لا يتوقف الاحتلال عن اقتحام مناطق (أ)، التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية، وهذا ما يعني حرمان السلطة من أي سيطرة فعلية على الأرض، حتى ضمن المناطق الضيقة التي تركها لها الاحتلال[2].
وتواجه السلطة الفلسطينية اليوم الحكومة الإسرائيلية الأكثر تطرفًا، والأكثر إيمانًا بضرورة تجريد الفلسطينيين من أي كيان سياسي سيادي على الأراضي التي تعتبرها إسرائيل ضمن حدودها الجغرافية.
بل تعمل هذه الحكومة جاهدة لمحو أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية، فبعد نجاح نتنياهو في تشكيل حكومته، شرعت في الإعلان عن خطط استيطانية تشمل بناء آلاف الوحدات الاستيطانية، وإعادة شرعنة بعض المستوطنات التي تم الانسحاب منها بعد انتفاضة الأقصى عام 2000.
يأتي هذا مصحوبًا بعجرفة إسرائيلية واستباحة لمناطق السلطة الفلسطينية، وارتكاب مجازر بحق الفلسطينيين، كالمجزرة الأخيرة في يناير 2023 في مخيم جنين، والتي راح ضحيتها تسعة شهداء فلسطينيين، والاجتياح لذات المخيم في شهر يوليو 2023 أيضًا، والذي تسبب في استشهاد ما يقارب العشرة من المواطنين الفلسطينيين، وتدمير البنية التحتية والعديد من المنازل في المخيم.
وبحسب تقارير إعلامية وتصريحات رسمية فلسطينية وإسرائيلية، فقد يتسبب كل ذلك في إمكانية بل وحتمية انهيار السلطة الفلسطينية[3].
وفي ضوء ذلك، فقد تصاعدت الأحاديث مؤخرًا عن ضرورة تقديم دعم مالي وسياسي للسلطة الفلسطينية لمنع انهيارها.
وفي هذا السياق؛ فقد أشار تقرير صحيفة “يديعوت أحرنوت” في عددها الصادر في 9 أغسطس الحالي إلي مجمل التسهيلات للسلطة الفلسطينية التي تجمع عليها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية؛ وذلك انطلاقًا من أن تعزيز السلطة يعود بالنتائج الإيجابية على الأمن وتعزيز الاستقرار والهدوء وسحب فتيل التوتر المتصاعد في الآونة الأخيرة في المناطق الفلسطينية، خاصة وأن ضعف السلطة الفلسطينية، أوجد فراغًا في الضفة الغربية سارعت حركتي حماس والجهاد الإسلامي لملئه بالسلاح والمتفجرات.
علاوة على ذلك فإن تسهيلات كهذه من شأنها أن تصب في نهاية المطاف في الجهود الامريكية والإسرائيلية الرامية إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، في الوقت الذي تشترط السعودية تقديم تسهيلات ملموسة للفلسطينيين قبل الدخول في مفاوضات تطبيع العلاقات بين البلدين.
ووفقًا لتقرير الصحيفة، فالأجهزة الأمنية الإسرائيلية ترى أن على الحكومة أن تصادق على عدة تسهيلات للفلسطينيين منها:
– الإفراج عن عدد من الأسرى الأمنيين الفلسطينيين ممن لم “تتلطخ أيديهم بدماء إسرائيليين”، وكذلك لا ينتمون لتنظيمات مسلحة، ولا سيما كبار السن منهم وأولئك الذين شارفت محكومياتهم على الانتهاء.
– تقليل إغلاق المعابر بين الضفة الغربية وإسرائيل قدر الإمكان والسماح بدخول وخروج الشاحنات المحملة بالبضائع من إسرائيل إلى مناطق السلطة الفلسطينية والعودة، وغيرها من الإجراءات التخفيفية.
– مواصلة السماح للفلسطينيين باستخدام مطار “رامون” في الجنوب للسفر إلى الخارج، والتي بدأت الصيف الماضي.
– الحد من الاجتياحات الإسرائيلية للمناطق المصنفة “أ” بالضفة الغربية والتي تقع تحت السيطرة الفلسطينية الكاملة، وإتاحة الفرصة لأجهزة الأمن الفلسطينية للقيام بدور السلطة التي تدير شؤون مناطق “أ”.
– وقف هدم المنازل وتقييد البناء الفلسطيني في المنطقة “ج” التي تشكل 60 بالمئة من مساحة الضفة الغربية.
– لجم الاعمال العدائية التي يقوم بها المستوطنون كالتي وقعت في بلدة حوارة وكذلك في بلدة ترمسعيا وغيرهما من أعمال حرق لمركبات وممتلكات فلسطينية.
– تطوير حقل غاز مارين قبالة سواحل غزة بالتعاون مع مصر.
ولكن هذه التسهيلات المذكورة تواجه معارضة الأطراف المتشددة في الائتلاف الحكومي مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ومن المحتمل ألا تتم المصادقة عليها جميعًا.
ولكن أعضاء الحكومة يدركون جيدًا أن الإدارة الأمريكية في انتظار الإجراءات الإسرائيلية التي من شأنها المساهمة في دفع عملية تطبيع العلاقات بين العربية السعودية و”إسرائيل”، ولهذا فمن المحتمل أن تتم الموافقة على قسم كبير منها، خاصة وأن هذه التسهيلات تأتي بدعم من وزير الدفاع يوآف غالانت، ورئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي[4].
وعليه، فمن المتوقع أن تكون هذه القمة قد ناقشت الخطوات الفعلية لتقديم الدعم الاقتصادي والسياسي للسلطة الفلسطينية، والمقابل الذي قد تقدمه السلطة نظير ذلك.
حيث يشترط الاحتلال على السلطة الفلسطينية حتى ينفذ هذه التسهيلات، أن توقف نشاطها السياسي والقانوني ضد إسرائيل في الساحة الدولية، والامتناع عن التحريض في منظومتها الإعلامية والتعليمية، والتوقف عن دفع الرواتب لعوائل الأسرى والشهداء، ووقف البناء الفلسطيني في مناطق (ج)، وهي الشروط التي ترفضها السلطة[5].
ناهيك بالطبع عن قيام السلطة بمهامها الأمنية في ملاحقة المقاومين في الضفة الغربية خاصة في نابلس وجنين.
وفي هذا السياق؛ فقد نقلت صحيفة “الأخبار” عن مصادر فلسطينية، بأن عباس قدم خلال هذه القمة “تقييمًا للجهود التي تقوم بها السلطة لمواجهة تصاعد عمليات المقاومة في الضفة الغربية”، إضافة إلى المتطلبات التي تحتاجها لتعزيز قبضتها، لاسيما الأمنية هناك، بما في ذلك بدء تدريب فعلي للقوات الأمنية الفلسطينية، خلال الفترة المقبلة، في مصر والأردن.
ويأتي هذا بينما يحضر عباس ورقة، بدعم من مصر والأردن، ليقدمها في وقت لاحق إلى الإدارة الأمريكية، تتناول الملفّين السياسي والأمني، وتهدف إلى التأكيد علي “أن السلطة حاليًا جاهزة من الناحية الأمنية، وتعمل على تغيير الأوضاع التي تشهدها الضفة”.
أيضًا، تطالب الورقة واشنطن “بالضغط على تل أبيب، لدفعها إلى الدخول في مفاوضات، تأمل رام الله في أن تعيد إليها مكانتها السياسية”.
ويبدو أبو مازن، في كل ما تقدم، مدفوعًا بجرعة قوة، بعدما خرج بالصورة التي يريدها من اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، في مدينة العلمين في 30 يوليو الماضي، حيث جرى تثبيت صورته ومنظمة التحرير الفلسطينية بوصفهما الممثلين الوحيدين للفلسطينيين في الفترة الحالية[6].
وفي سياق متصل، فقد كانت أحد اشتراطات المانحين الغربيين لإعادة المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية تتمثل في ضرورة إجراء تغيير سياسي في السلطة الفلسطينية.
وربما ذلك ما يفسر الإعلان المفاجئ من قبل الرئيس عباس، في 10 أغسطس الحالي، بإقالة غالبية المحافظين في السلطة الفلسطينية (12 محافظ).
وتنقسم السلطة الفلسطينية إداريًا إلى ست عشرة محافظة، تتوزع خمس منها في قطاع غزة وإحدى عشرة في الضفة الغربية (بما في ذلك القدس).
إلا أن القرار الجديد عزل جميع محافظي غزة الأربعة الفاعلين (المنصب الخامس شاغر منذ وفاة آخر محافظ في عام 2020)، بينما لم يتبق في الضفة الغربية سوى محافظي القدس ورام الله وسلفيت[7].
2- خلافة الرئيس عباس: يسيطر علي حركة فتح كفصيل مسيطر على السلطة، حالة من الارتباك والغموض حول خلافة الرئيس عباس.
حيث يوجد عدد كبير نسبيًا من قيادات فتح والسلطة يمكن أن يتنافسوا على الخلافة، ما يجعل الأمر في ظل عدم وجود آلية قانونية متفق عليها، مفتوحًا على احتمالات عدة، بما في ذلك الدخول في الفوضى والصدام المسلح.
المرشحون لوراثة عباس كلهم إنتاج فتحاوي خالص، بعضهم يطرح اسمه باعتباره خيارًا شعبيًا فلسطينيًا خالصًا، وآخرون يقدمون في التقارير الدبلوماسية والإعلامية على أنهم الأكثر قبولًا إسرائيليًا ودوليًا وعربيًا.
أكثر الأسماء تداولًا هو حسين الشيخ رئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية، والذي أصبح أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ويسود اعتقاد لدى كثيرين أنه يتقدم على منافسيه الذين ربما يحظون بشعبية أكثر في الشارع، وفي أوساط حركة فتح؛ لأنه الأكثر قبولًا إسرائيليًا وأمريكيًا.
ومحمود العالول الذي يتقلد موقع نائب رئيس حركة فتح، ويراه أبناء فتح أكثر حضورًا داخل الحركة، وأكثر تعبيرًا عن مواقفها، وخطها النضالي، ويُنافسه على شرعية حركة فتح جبريل الرجوب أمين سر الحركة والشخصية الحاضرة بقوة في الملف الأمني نظرًا لتاريخه في قيادة جهاز الأمن الوقائي .
ولا يغيب عن ساحة التنافس ناصر القدوة الذي شغل موقع ممثل فلسطين في الأمم المتحدة وعضو اللجنة المركزية لفتح، ورغم اقصائه من صفوف الحركة مؤخرًا إلا أن ذلك لا يقلل من حظوظه في المنافسة.
وهناك القيادي محمد دحلان الذي فصلته حركة فتح وحوكم.
ورغم ذلك ظل لاعبًا رئيسيًا في الخارج خاصة الإمارات، وقويًا وله تيار يناصره خاصة في قطاع غزة وبعض معاقل فتح في الضفة الغربية.
وأخيرًا، الأسير مروان البرغوثي الغائب الحاضر، ولا أحد يستطيع التشكيك بشعبيته الجارفة في الشارع الفلسطيني، وبين قواعد فتح، وفي الانتخابات التي تأجلت كان اسمه الأكثر منافسة للرئيس أبو مازن.
وهناك ثلاثة سيناريوهات في التعامل مع خلافة الرئيس أولها، وأفضلها العودة للقواعد، وإجراء إنتخابات رئاسية وبرلمانية، بما يضمن إعادة الشرعية، وتفعيل المؤسسات، في حين أن السيناريو الثاني هو توفر توافق وطني داخلي في صفوف فتح أولًا وبين فتح وحماس ثانيًا، ويمكن اللجوء إلى منظمة التحرير المرجعية السياسية للسلطة لملء الفراغ، وتستطيع اختيار رئيس مؤقت للسلطة من أعضاء اللجنة التنفيذية أو من خارجها إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية.
وهناك سيناريو ثالث يقوم علي فكرة تجد بعض القبول داخل حركة فتح تقوم على توزيع مناصب الرئيس على عدد من الأشخاص، بحيث يكون هناك رئيس لحركة فتح، وآخر للسلطة، وثالث لمنظمة التحرير.
وأخر سيناريو، والأسوأ انهيار السلطة بعد رحيل أبو مازن، والدخول في دوامة العنف، والصراع[8].
في هذا السياق؛ يرى البعض أن القمة الثلاثية ستتولى دفع أو دعم خطة الرئيس عباس لهندسة موضوع خلافته قبل مغادرته المشهد، وفي ظل تصورات متسارعة الآن، وبصرف النظر عن التفاصيل والاشخاص، وعلى أساس توفير ضمانات بألا يحصل صراعًا حصريًا في حركة فتح إذا ما غادر الرئيس عباس المشهد لأي سبب.
ولم يُعرف بعد إلى أي مدى أو سقف يمكن أن تصل هذه النقاشات مع القيادة الفلسطينية لكن عمان والقاهرة تحت انطباع بأن الإدارة الأمريكية نفسها ومن بعض الدول الأوروبية مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا كلها تنشط بإتجاه إقناع الرئاسة الفلسطينية بأن تعمل على هندسة تركيبة القيادة في هيكل السلطة الفلسطينية قبل مغادرة أو رحيل الرئيس عباس وعبره شخصيًا وبإشرافه الشخصي استثمارًا لثقله ولوضعه الحالي في قيادة حركة فتح ولجان منظمة التحرير حتى لا تنفلت الأمور وتحصل صراعات حادة في أوساط حركة فتح.
وحتى لا تحصل فراغات يمكن أن تستثمر فيها إما فصائل المقاومة الفلسطينية ذات الأجندة المرتبطة بإيران أو إيران أو أطراف أخرى في الإقليم والمنطقة[9].
وفي سياق متصل، فأن بعض التحليلات تشير إلي أن قرار الرئيس عباس بإقالة 12 محافظًا في الضفة الغربية وقطاع غزة يأتي في سياق الصراع حول خلافة عباس.
حيث أن حسين الشيخ وماجد فرج المقربين من الرئيس، هما من أقنعا أبو مازن بالقرارات، كون عدد من محافظي الضفة مقربًا من جبريل الرجوب، أحد الأقطاب الطامحة لخلافة عباس.
وأن الدافع الأول لتمرير قرار كهذا، هو رئيس جهاز المخابرات الفلسطيني، ماجد فرج، الذي سيضع كل ثقله في تنسيب محافظين جدد، يدينون بالولاء لجهاز المخابرات العامة الذي يترأسه شخصيًا[10].
جدير بالذكر هنا، أن خطوة رئيس السلطة بإقالة المحافظين لن تفضي إلى تحسين مكانته السياسية والشعبية، أو استعادة شرعية السلطة التي تآكلت على المستويات كافة، لأن أزمة السلطة أبعد من كونها أزمة شخصيات غير مقبولة شعبيًا، بل هي أزمة سياسية نتيجة تمسك رئيسها بخياراته التي ثبت فشلها، ورفضه القاطع لخيار المقاومة بأشكالها كافة، الأمر الذي يجب أن تتداركه حركة فتح على مختلف مستوياتها، فالبحث عن المخرج من أزمة السلطة يجب أن يبدأ من إعادة تغيير وظيفة السلطة وألا تقتصر علي الوظيفة الأمنية لخدمة الاحتلال، واستعادة اللعب بالأوراق والخيارات في مواجهة الاحتلال وحكومته الفاشية[11].
3- مناقشة المصالحة الفلسطينية: تأتي القمة الثلاثية بعد نحو أسبوعين من اجتماعات الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، في 30 يوليو الماضي، بدعوة من الرئيس عباس، في مدينة العلمين أيضًا، والتي شارك فيها ممثلو 14 فصيلاً في مقدمتهم حركتا “فتح” و”حماس” والجبهتان الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب وبقية الفصائل المنضوية تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية، فيما أعلنت حركة “الجهاد الإسلامي” عدم مشاركتها[12].
وقد بحث الاجتماع سبل إنهاء الملفات العالقة في الحوار الفلسطيني، وتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة بين الفصائل الفلسطينية المختلفة، واتفقت الفصائل الفلسطينية على تشكيل لجنة لهذا الغرض، بهدف حل “الملفات الخلافية”، تمهيدًا لعقد لقاء آخر قريبًا على أرض مصر، لإعلان “انهاء الانقسام واستعادة الوحدة الفلسطينية”، طبقًا لما جاء في البيان الختامي لاجتماع الفصائل[13].
ورغم عدم ظهور أي تفاصيل عن طبيعة المناقشات والتوافقات التي تطرقت إليها القمة الثلاثية في هذا الملف، إلا أن المؤكد هو أن قيادة فتح ستقوم بتفريغ أي توافقات في هذا الشأن، من خلال اشتراطات لا يمكن تنفيذها كالتزام “حماس” بـ”الشرعية الدولية” وشروط الرباعية أو الالتزام بالاتفاقات التي وقعتها قيادة المنظمة (اتفاقات أوسلو)، أو تسليم سلاح المقاومة في غزة.
وبغض النظر عن اتفاقات المصالحة المعقودة، والدعوات المتجددة للقاءات؛ فإن قيادة “فتح” لا ترى مصلحة مستحقة في دخول حماس منظمة التحرير وفق حجمها الحقيقي؛ إذ ترى فيه من ناحية أولى إضعافًا كبيرًا لمكانتها وهيمنتها على الساحة. ومن ناحية ثانية إضرارًا ماديًا ومعنويًا بالمكانة الإدارية والقيادية للكثير من كوادرها، وبمصادر دخلها، وبشبكة علاقاتها من خلال البعثات التمثيلية والسفارات وغيرها.
وهي ترى من ناحية ثالثة أن دخول “حماس” والقوى الإسلامية وقوى المقاومة، تعطيل لمسار التسوية الذي التزمت به قيادة المنظمة، وهو ما سيؤدي في حالة إعادة الاعتبار إلى خيار المقاومة، وإسقاط اتفاق أوسلو، إلى تعرض المكانة الدولية لمنظمة التحرير إلى هزة كبيرة تؤدي لسحب الاعتراف بها من كثير من الدول، مع احتمال قوي لتصنيفها “منظمة إرهابية”، بناء على القرار الأمريكي والأوروبي بتصنيف حماس حركة إرهابية، وهو ما سيتسبب برأي فتح بضرر فادح على قضية فلسطين في المحافل الدولية.
وترى من ناحية رابعة أن كل ذلك سيؤدي إلى تعطل فرص إنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة، وسيبرر للإسرائيلي استمرار احتلاله وعدوانه، واستمرار حصاره وتدميره للبنى التحتية للضفة والقطاع[14].
4– تحجيم الانتهاكات الإسرائيلية: بدون العودة إلي سرد تفصيلي للانتهاكات الإسرائيلية المتصاعدة ضد الفلسطينيين منذ تشكيل الحكومة اليمينية المتطرفة برئاسة بنيامين نتنياهو، يمكن الإشارة إلي بعض هذه الانتهاكات التي تجلت مؤخرًا، والتي تمثلت أبرزها في العملية العسكرية الإسرائيلية في مدينة جنين ومخيمها شمالي الضفة الغربية المحتلة، والتي استخدمت فيها مروحيات وطائرات مسيرة وقوات برية بداعي ملاحقة مسلحين.
وأسفرت العملية التي اعتبرت الأكبر منذ أكثر من 20 عامًا، عن مقتل 12 فلسطينيًا وإصابة نحو 140 آخرين، إضافة إلى دمار هائل طال نحو 80 بالمئة من المباني والمنازل والبنية التحتية بالمخيم.[15]
كما أن “التعديلات القضائية” داخل إسرائيل التي تعني أن القضاء سيصبح تابعًا للسياسة، ما يعني أن مسألة إعلان ضم المنطقة “ج” أصبحت مسألة وقت، من دون أن يكون للمحكمة العليا رأي مخالف، على فرض أنها ستخالف أصلًا هذا القرار. إذًا التوجه الإسرائيلي المقبل قائم على أساس الاستيلاء على كل الأرض الفلسطينية وإغلاق ملف الحل السياسي وعدم إعطاء أي نوع من الحقوق للفلسطينيين[16].
ناهيك عن تصاعدت الأخطار التي باتت تهدد المسجد الأقصى، خلال الأشهر الأخيرة، والتي تمثلت في تكثيف المستوطنين، بدعم من الحكومة الإسرائيلية وبمشاركة وزراء وأعضاء كنيست، اقتحاماتهم وبأعداد كبيرة للمسجد الأقصى خلال الأعياد اليهودية في يوليو الماضي، وقيام الجماعات المتطرفة للهيكل المزعوم بأداء طقوسها التلمودية والتوراتية في ساحاته، تمهيدًا لاستكمال كل الطقوس المتعلقة بإحياء الهيكل المعنوي، تمهيدًا لبناء الهيكل الفعلي بهدم مسجد قبة الصخرة والشروع ببناء الهيكل الثالث مكانه، حيث تستمر الحفريات الإسرائيلية أسفل المسجد وفي محيطه، وإقامة منشآت استيطانية سياحية على تخومه.
ولتحقيق بناء “الهيكل الثالث” فقد تم شراء خمس بقرات حمراء من ولاية تكساس الأمريكية من قبل مجموعات يهودية متطرفة، بدعم ومشاركة من وزارتي الاستيطان والتعليم، عبر تمويل شرائها ونقلها ووضعها في مستودعات سرية، تمهيدًا لذبحها وإحراقها في المسجد الأقصى واستخدام رمادها في طقوس يقولون إنها ستمهد لإقامة “الهيكل” وبنائه على أنقاض المسجد[17].
تصاعد هذه الأعمال الاستفزازية والممارسات العدوانية وغير الشرعية بالأراضي الفلسطينية المحتلة، يقوض جميع الجهود والضغوط التي تمارس في الإطارين الإقليمي والدولي على الحكومة الإسرائيلية، وهو ما ظهر في عدم التزام حكومة نتنياهو بالتفاهمات التي توصلت إليها اجتماعات الصيغة الخماسية (مصر والأردن والولايات المتحدة وإسرائيل وفلسطين) في العقبة فبراير 2023 وشرم الشيخ مارس 2023، لبحث التهدئة والسعي لإحياء عملية السلام المجمدة منذ 2014[18].
وقد تمثلت أبرز هذه التفاهمات في:
- ضرورة تحقيق التهدئة على الأرض والحيلولة دون وقوع مزيد من العنف.
- التزام حكومة إسرائيل والسلطة الفلسطينية بالتحرك فورًا لإنهاء الإجراءات الأحادية لفترة من 3 إلى 6 أشهر.
- التزام إسرائيل بوقف مناقشة أي وحدات استيطانية جديدة لمدة 4 أشهر، ووقف إصدار تراخيص لأي نقاط استيطانية لمدة 6 أشهر.
- التزام إسرائيل بالحق القانوني للسلطة الفلسطينية في الاضطلاع بالمسؤوليات الأمنية في المنطقة (أ) بالضفة الغربية، والعمل معًا من أجل تحقيق هذا الهدف.
- اتفاق فلسطين وإسرائيل على استحداث آلية للحد من والتصدي للعنف والتصريحات والتحركات التي قد تتسبب في اشتعال الموقف (..)، وآلية أخرى لتحسين الأوضاع الاقتصادية للشعب الفلسطيني.
- تأكيد الالتزام بعدم المساس بالوضعية التاريخية القائمة للأماكن المقدسة في القدس فعلاً وقولاً وأهمية الوصاية الهاشمية الأردنية.
- التطلع للتعاون بهدف وضع أساس لإجراء مفاوضات مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين للتوصل إلى سلام شامل وعادل ودائم[19].
في هذا السياق؛ فقد أكد البيان الختامي للقمة، علي تمسك القادة بوجوب تنفيذ إسرائيل التزاماتها وتعهداتها وفقًا للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والاتفاقات والتفاهمات الدولية السابقة، بما فيها تلك المبرمة مع الجانب الفلسطيني، وكذلك الالتزامات السابقة المتعددة بما في ذلك ما جاء في مخرجات اجتماعي العقبة وشرم الشيخ[20].
جدير بالذكر هنا، أن هناك تخوفات مصرية وأردنية كبيرة من أن يدفع التوسع الإسرائيلي الكبير في الاستيطان في القدس والضفة الغربية المحتلة إلي تفريغ الضفة من سكانها، والضغط عليهم للاتجاه نحو الأردن ومصر حيث محافظة شمال سيناء، وهنا يأتي دور التفاهم حول هذه الموضوعات[21].
5- اقتراب التطبيع الإسرائيلي- السعودي: إذا كانت المطالب السعودية من واشنطن باتت معروفة، وهي مفاعل نووي سلمي متقدم، والحصول على أسلحة أميركية متقدمة، وتوفير شبكة أمان من خلال تعهد الإدارة الأميركية بالتعامل مع أي هجوم معاد على السعودية مثلما تتعامل مع هجوم مماثل على دولة عضو في حلف الناتو، ويقال إن هناك تقدمًا في التفاوض حول هذه المطالب كما أشار بايدن بنفسه.
أما المطالب السعودية بخصوص القضية الفلسطينية، فهناك غموض بشأنها، فمن جهة هناك الموقف الرسمي التقليدي السعودي، الذي جوهره لا تطبيع قبل قبول إسرائيل بمبادرة السلام العربية، التي تتضمن قيام دولة فلسطينية.
ومن جهة أخرى، لا تفصح السعودية للقيادة الفلسطينية حول ما الموقف بخصوص الشق الفلسطيني، مع تطمينها بأن القضية الفلسطينية حاضرة، وهناك ما كتبه توماس فريدمان بعد لقائه بالرئيس الأميركي بأن السعودية يمكن أن تقبل بأقل من المعلن، وحدد معالم ما يمكن أن يحدث بمطالبة إسرائيل الموافقة على عدم ضم الضفة الغربية، وتحديدًا مناطق (ج)، وتجميد الاستيطان من خلال عدم إقامة بؤر ومستوطنات جديدة، وعدم شرعنة البؤر الاستيطانية القائمة، والحفاظ على إمكانية قيام دولة فلسطينية، والحفاظ أيضًا على السلطة ومنع انهيارها، والاستعداد لتقديم دعم مالي سعودي سخي لها[22].
في هذا السياق؛ فقد أشارت تقارير إعلامية إلي أن هذه القمة قد ناقشت تداعيات ملف التطبيع الذي يتم التجهيز له في سرية تامة بين السعودية وإسرائيل، بوساطة أميركية، ومدى تأثير الخطوة على بعض التفاعلات الإقليمية، وفي القلب منها القضية الفلسطينية.
خاصة وأن التطبيع السعودي – الإسرائيلي قد يفقد مركزية الدولتين في التعامل مع إسرائيل، باعتبار أن مصر والأردن كانت أول من وقع على اتفاقيات سلام مع إسرائيل، ومن غير المستبعد أن يؤدي توسع إسرائيل في منهج التطبيع مع عدة دول عربية إلى تقويض أدوار الدولتين في المنطقة، وبموجب ذلك ربما يفقدون المزايا النوعية التي حصلوا عليها نتيجة رعايتهم وانخراطهم المستمر في مفاصل القضية الفلسطينية منذ عقود.
حيث أن ذلك قد يؤثر بالسلب علي الدور المصري في ملف التهدئة بين فصائل المقاومة وإسرائيل أو ملف المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، كما يمكن أن يحدث تغييرًا في الإشراف الأردني على الأماكن المقدسة في القدس ونقلها للسعودية[23].
وفي ضوء ذلك، يمكن تفهم تأكيد البيان الختامي للقمة الثلاثية علي أن إدارة وتنظيم شؤون المسجد الأقصى/ الحرم القدسي اختصاص حصري لإدارة أوقاف القدس وشؤون المسجد الأقصى المبارك، والتي تتبع وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية بالمملكة الأردنية الهاشمية.
كما أكد البيان الختامي أكد علي أهمية دور مصر في توحيد الصف الفلسطيني وإنهاء الانقسام، وأكدوا على ضرورة البناء على اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية الذي استضافته مصر مؤخرًا، بدعوة من الرئيس محمود عباس، للم الشمل الفلسطيني، بمدينة العلمين يوم ٣٠ يوليو ۲۰۲۳[24].
ومن جملة القضايا الأخرى التي بحثها الأطراف الثلاثة خلال القمة، المكاسب التي تحتاجها السلطة الفلسطينية من التطبيع السعودي – الإسرائيلي. حيث يسعي الرئيس عباس إلى صياغة موقف محدد، ليحمله معه، في وقت لاحق، إلى السعودية، حيث سيبحث مع المسؤولين هناك الملف الفلسطيني، ويتطلع إلى الطلب إليهم وضع مسألة المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين على طاولة المباحثات بين المملكة وإسرائيل، وعدها جزءًا من مخرجاتها المطلوب الوصول إليها [25].
وذلك بالطبع بجانب المطالبة بعودة الدعم المالي السعودي للسلطة الفلسطينية.
وفي تطور لافت في العلاقات السعودية- الفلسطينية، فقد أعلنت المملكة العربية السعودية ولأول مرة تعيين سفير لها في فلسطين، وهو نايف بن بندر السديري الذي تسلم أوراق اعتماده سفيرًا فوق العادة مفوضًا غير مقيم وقنصلًا عامًا بمدينة القدس، وهو ما يعد إشارة قوية إلى أن المملكة تنوي العمل على تقوية السلطة.
حيث سيكون السفير السعودي بمثابة همزة وصل مباشرة بين القيادة السياسية بالمملكة والقيادة الفلسطينية، ما سيوصل وجهة النظر الفلسطينية والمطالب السياسية الفلسطينية بشكل مباشر للأمير محمد بن سلمان دون الحاجة إلي وساطات بيروقراطية، كما أن تعيين سفير سعودي يدل على رغبة السعودية بتقديم مساعدات إنسانية ودعم مالي مباشر للسلطة الفلسطينية[26].
6- إعادة الزخم الدولي للقضية الفلسطينية: فقد تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية عالميًا، بعد اشتعال الحرب الروسية ــ الأوكرانية، وتوجيه اهتمام العالم كله صوب تلك الأزمة المشتعلة التى تهدد بنشوب حرب عالمية ثالثة، مما أسهم فى تراجع الاهتمام الدولى بالقضية الفلسطينية فى جدول أولويات القضايا الدولية[27].
وربما تسعي هذه القمة الثلاثية إلي إعادة الزخم مرة أخري للقضية الفلسطينية خلال انعقاد أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل، وربما تكون هناك فرصة لهذه الدول الثلاث لعمل سياسي ودبلوماسي في الشهر المقبل في الجمعية العامة للأمم المتحدة للتقدم والنجاح في الحصول على قرار اعتبار فلسطين دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة[28].
وربما تسعي الدول الثلاث إلي استغلال حالة الخلاف الحالية بين رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي جو بايدن، حيث تواجه العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية راهنًا توترًا لم تشهده منذ عقود، علي خلفية قضايا خلافية متأزمة بين البلدين، والتي يتمثل أبرزها فيما يلي:
– رفض إدارة بايدن اقتراح حكومة نتنياهو التي تضم أحزبًا يمينية ودينية متشددة، للحد من صلاحيات المحكمة العليا، التي تثير انقسامًا حادًا واحتجاجات غير معهودة في إسرائيل، تحت ذريعة أن التغييرات ضرورية لضمان توازن أفضل للسلطات، بينما يرى المعارضون الإسرائيليون لها أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الملاحق قضائيًا في تهم فساد يسعى لإقرار تلك الإصلاحات بهدف إلغاء أحكام محتملة ضده.
– تثير خطة الحكومة الإسرائيلية، التي تضم أعضاء قوميين متطرفين، لتوسيع المستوطنات الإسرائيلية في جميع أنحاء الضفة الغربية، وتغيير الوضع الراهن في الأماكن المقدسة، في وقت يتصاعد فيه العنف الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، غضب الإدارة الديمقراطية، لكونها تشكل عائقًا أمام حل الدولتين الذي تتبناه الإدارة لحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
وفي مؤشر على الغضب الأمريكي من التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، أخطرت الإدارة الأمريكية إسرائيل في أواخر يونيو الماضي بأنها ستعيد فرض حظر، رفعته إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في عام 2020، على استخدام تمويل دافعي الضرائب الأمريكيين في أي مشاريع بحث وتطوير أو تعاون علمي تُجرى في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، والقدس الشرقية، ومرتفعات الجولان.
وفي ظل تعدد القضايا الخلافية بين الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية اليمينية، أضحت زيارة نتنياهو للبيت الأبيض إحدى القضايا الخلافية، فعلى عكس الإدارات الأمريكية الديمقراطية والجمهورية السابقة التي كانت تُقدم لرؤساء الحكومات الإسرائيلية الجديدة حيال انتخابها دعوة لزيارة البيت الأبيض؛ للتعبير عن دفء وعمق العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية، تأخر الرئيس جو بايدن في توجيه الدعوة لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، لزيارة واشنطن.
فبعد أكثر من سبعة أشهر على تشكيلها في ديسمبر من العام الماضي، وجه بايدن الدعوة لنتنياهو لزيارة الولايات المتحدة في 17 يوليو 2023 خلال اتصال هاتفي.
ويتوقع بعض المراقبين الأمريكيين أن الرئيس الأمريكي قد لا يقابل نتنياهو في البيت الأبيض، ولكن قد يكون اللقاء على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة السنوية في سبتمبر القادم، وهو ما لا يمثل إنجازًا لرئيس الوزراء الإسرائيلي، ولكنه يحمل نوعًا من عدم التقدير الأمريكي للحكومة الإسرائيلية الحالية ورئيسها[29].
وقد أشارت تقارير إعلامية إلي أن العاهل الأردني سيقوم بزيارة إلى واشنطن قريبَا وسيلتقي الرئيس الأميركي جو بايدن، حاملًا معه رسالة القمة الثلاثية المتعلقة بالحفاظ على ثوابت القضية الفلسطينية ورفض ما تتبناه الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل من تصورات تهدم الكثير من أسس القضية، وأهمية ألا يُنسي التطبيع واشنطن الحيوية التي لا تزال تحتفظ بها هذه القضية في أمن واستقرار المنطقة[30].
وكان الرئيس الفلسطيني بحث مع العاهل الأردني، في 8 أغسطس الحالي، مقترحًا أمريكيًا لعقد اجتماع خماسي يضم السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي والأردن ومصر إلى جانب ممثلين عن الإدارة الأمريكية، دون تحديد الموعد والمكان المقترحين. ويستهدف المقترح الأمريكي إعادة الاتصالات الثنائية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وضمان تدخل أطراف اقليمية لتعزيز التعاون للحد من التوتر الحاصل في الأراضي الفلسطينية.
ولم تقدم السلطة الفلسطينية جوابًا نهائيًا بشأن المقترح الأمريكي، حيث أنها تريد التشاور بشأن ذلك مع الجانبين الأردني والمصري، في ظل إصرارها على ضمانات بشأن التزام الاحتلال بمخرجات مثل هذا الاجتماع[31].
ولكن رغم ذلك، فأن افتراض وجود ضغط أمريكي علي حكومة نتنياهو لإحداث تقدم في الملف الفلسطيني يتداخل وقد يتعارض مع ضغوط أمريكية عليه لوقف التعديلات القضائية وهي مسألة ذات أهمية أكبر بالنسبة لإدارة بايدن الديمقراطية التي ترى في التعديلات ما تعتبره مساسًا بالطابع الديمقراطي لإسرائيل. وبالتالي فاحتمال تقديم إدارة بايدن لتنازلات لنتنياهو سوف يكون أكثر في الملف الفلسطيني، من الملف القضائي الذي هو أولوية لها[32].
كما أن جوهر سياسة الإدارة الأميركية في التعامل مع الملف الفلسطيني قائمة على إدارة الصراع من دون السعي إلى إيجاد حلول له.
ويترجم ذلك حاليًا بالاشتغال على تعزيز قنوات التواصل بين الفلسطينيين وحكومة الاحتلال اليمينية، بما يهدف بالدرجة الأولى إلى تلبية المتطلبات الأمنية الإسرائيلية، وتحديدًا لناحية اضطلاع السلطة الفلسطينية بمهمة مواجهة حالة المقاومة في الضفة الغربية، وتحقيق التهدئة ووقف التصعيد.
وهكذا، فإن الوظيفة المحددة للسلطة بوصفها وكيلًا أمنيًا لا يتجاوز التعامل الأميركي – الإسرائيلي معها ذلك الإطار، فيما يجري تغييب أي خطة سياسية ولو صورية تتعلق بحل الدولتين، فضلًا عن تجاهل الوعود التي قطعتها إدارة جو بايدن للجانب الفلسطيني قبل دخولها البيت الأبيض، كإعادة افتتاح قنصليتها في شرق القدس، ومكتب منظمة التحرير في واشنطن.
تجاهل يقابله الاستنفار والتحرك المستعجل عقب كل تصعيد في الأراضي الفلسطينية من أجل احتوائه سريعًا، وهو ما دل عليه بوضوح أول اتصال أجراه بايدن بالرئيس محمود عباس خلال معركة “سيف القدس”[33].
ناهيك عن صعوبة الاستفادة من إجماع دولي في الوقت الراهن لدعم القضية الفلسطينية على وقع الاستقطاب الدولي الذي صاحب الحرب الروسية الأوكرانية[34].
[1] “انعكاسات قمة العلمين الثلاثية على القضية الفلسطينية”، القاهرة الإخبارية، 15/8/2023، الرابط: https://cutt.us/9xQUO
[2] “هل يسعى الاحتلال حقا لتقوية السلطة الفلسطينية؟”، مركز رؤية للتنمية السياسية، 18/7/2023، الرابط: https://cutt.us/mKtmO
[3] “ماذا لو حدث الانهيار؟ سيناريوهات ما بعد السلطة الفلسطينية”، مركز رؤية للتنمية السياسية، 24/7/2023، الرابط: https://cutt.us/9UAh9
[4] “ما هي التسهيلات التي ستمنحها إسرائيل للسلطة الفلسطينية؟”، حضارات للدراسات السياسية والاستراتيجية، 9/8/2023، الرابط: https://cutt.us/NREye
[5] “هل يسعى الاحتلال حقا لتقوية السلطة الفلسطينية؟”، مرجع سابق.
[6] “قمّة العلمين الثلاثية: عباس يحضّر «أوراقه»… لواشنطن والرياض”، الأخبار، 14/8/2023، الرابط: https://cutt.us/xV3ie
[7] “إقالة حكام “السلطة الفلسطينية”: بادرة للتغيير أو تلاعب من داخل السلطة؟”، معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني، 10/8/2023، الرابط: https://cutt.us/AR4WM
[8] “خلافة محمود عباس”، مركز القدس، 18/6/2023، الرابط: https://cutt.us/JWwuR
[9] “تذكيرٌ بما فعله الراحل عرفات.. “القمّة الثلاثيّة” مُنتجٌ جديد لتبديل قواعد الاشتباك والإمارات تُكمل الرباعي: مِلف ما بعد عبّاس وأهم الأهداف بعد تجديد الغِطاء العربي- الدولي توحيد حركة فتح وتجنّب الصّراع”، رأي اليوم، 15/8/2023، الرابط: https://cutt.us/b8pA7
[10] “«مجزرة» المحافظين: السلطة تبدّل جلدها”، الأخبار، 12/8/2023، الرابط: https://cutt.us/g1fAk
[11] ” عباس يقيل المحافظين.. الدوافع والسياقات”، الميادين نت، 13/8/2023، الرابط: https://cutt.us/nHOj5
[12] “قمة العلمين الثلاثية: حراك لدعم السلطة الفلسطينية”، العربي الجديد، 15/8/2023، الرابط: https://cutt.us/o9sA1
[13] “رسالة «العلمين» فى مواجهة التطرف الإسرائيلى”، مجلة السياسة الدولية، 6/8/2023، الرابط: https://cutt.us/XJGOC
[14] “السلوك القيادي الفتحاوي تجاه المصالحة الفلسطينية”، عربي21، 4/8/2023، الرابط: https://cutt.us/j6ZWQ
[15] “ماذا ستطرح الفصائل على طاولة “الحوار” في القاهرة؟ (تقرير)”، الأناضول، 25/7/2023، الرابط: https://cutt.us/tf5zE
[16] “حول لقاء الأمناء العامين… كم مرة يلدغ المؤمن من الجحر نفسه؟”، القدس العربي، 27/7/2023، الرابط: https://cutt.us/6V80v
[17] ” لماذا تهدد “البقرات الخمس” المسجد الأقصى؟”، العربي الجديد، 11/8/2023، الرابط: https://cutt.us/pDDbi
[18] “انعكاسات قمة العلمين الثلاثية على القضية الفلسطينية”، مرجع سابق.
[19] “اجتماع شرم الشيخ.. 10 التزامات بالتهدئة في فلسطين (إطار)”، الأناضول، 20/3/2023، الرابط: https://cutt.us/k7utJ
[20] “البيان الختامي للقمة الثلاثية المصرية الأردنية الفلسطينية بالعلمين”، المرصد المصري، 14/8/2023، الرابط: https://cutt.us/gNAZk
[21] “قمة العلمين الثلاثية: حراك لدعم السلطة الفلسطينية”، مرجع سابق.
[22] “فلسطين وصفقة التطبيع بين السعودية وإسرائيل “، المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية، 15/8/2023، الرابط: https://cutt.us/T2NF0
[23] “قمة العلمين: غياب موقف من التطبيع بين السعودية وإسرائيل لا يبدّد القلق”، العرب، 15/8/2023، الرابط: https://cutt.us/Ti1QX
[24] “البيان الختامي للقمة الثلاثية المصرية الأردنية الفلسطينية بالعلمين”، مرجع سابق.
[25] “قمّة العلمين الثلاثية: عباس يحضّر «أوراقه»… لواشنطن والرياض”، مرجع سابق.
[26] “تمهيدًا للتطبيع مع “إسرائيل”.. السعودية تعيّن سفيرًا لها في فلسطين”، نون بوست، 16/8/2023، الرابط: https://cutt.us/LMhb0
[27] “رسالة «العلمين» فى مواجهة التطرف الإسرائيلى”، مرجع سابق.
[28] “قمة العلمين الثلاثية: حراك لدعم السلطة الفلسطينية”، مرجع سابق.
[29] “الخلاف الأمريكي-الإسرائيلي المتصاعد.. الأسباب والتداعيات”، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 31/7/2023، الرابط: https://cutt.us/QbGZS
[30] “قمة العلمين: غياب موقف من التطبيع بين السعودية وإسرائيل لا يبدّد القلق”، مرجع سابق.
[31] “قمة ثلاثية بين مصر والأردن وفلسطين في “العلمين””، عربي21، 12/8/2023، الرابط: https://cutt.us/8QWS5
[32] “اجتماع شرم الشيخ يحاول تخفيف التوتر الفلسطيني الإسرائيلي، ولكن هذا ما يخطط له بن غفير في رمضان”، عربي بوست، 21/3/2023، الرابط: https://cutt.us/DKXkz
[33] “السلطة مستسلمةٌ للوصفة الأميركية | «شرم الشيخ» لا تعني المقاومة: الاشتباك باقٍ”، الأخبار، 21/3/2023، الرابط: https://cutt.us/ltu45
[34] “انعكاسات قمة العلمين الثلاثية على القضية الفلسطينية”، مرجع سابق.