هل تشهد مصر انتخابات رئاسية حقيقية؟!

     في 2014، كان هناك مرشحين على كرسي الرئاسة، هما الرئيس المصري الحالي، ومنافسه حمدين صباحي[1]، اليساري الناصري مؤسس حزب الكرامة والتيار الشعبي[2].

وفي انتخابات 2018، كان هناك أيضًا مرشحين فقط على كرسي الرئاسة، هما الرئيس المصري الحالي، ومنافسه رئيس حزب الغد موسى مصطفى موسى[3].

والملفت أن في كلا المرتين كانت نسبة الأصوات الباطلة أعلى من نسبة الأصوات التي يحصل عليه المرشح المنافس للسيسي[4].

فهل نشهد تكرار لهذا السيناريو في الانتخابات الرئاسية القادمة، أم نشهد انتخابات تنافسية حقيقية.

تكرار سيناريو الانتخابات الرئاسية السابقة تجربة محفوفة بالمخاطر:

يحتاج النظام الحاكم إلى انتخابات رئاسة حقيقية، تنافسية، تلتزم خلالها مؤسسات الدولة الحياد بين المرشحين، ويتعامل الإعلام بموضوعية وعدم تحيز، ويفرد بشكل عادل نفس المساحة أمام كل المتنافسين على المنصب ليكشفوا برامجهم ويطرحوا رؤاهم أمام الناس، ولا يخشى من قرر خوض المنافسة على المقعد من الملاحقات الأمنية على نفسه أو على مؤيديه، ويتحرك في الشارع بدون خوف أو تضييق أو تعنت.

حيث يرى عمار على حسن أن التعديلات الدستورية التي أجريت في فبراير 2014، ومكنت الرئيس من البقاء في منصبه أكثر من فترتين رئاسيتين، أوحت للناس بأن الرئيس يريد البقاء في منصبه، كما أن تراجع شعبية الرئيس جراء تأزم الأوضاع الاقتصادية، وفتور الشارع حيال انتخابات الرئاسة ما يعني مشاركة شعبية ضعيفة؛ جراء اعتقاد كثيرين أن الانتخابات محسومة، كل هذه السياقات ستدفع النظام الحاكم للسماح بوجود “مرشح يأخذه الناس على محمل الجد”، حتى تكون انتخابات الرئاسة وسيلة لتجديد شرعية الرئيس وشعبيته. وهو ما يعني أن النظام المصري معنيًا بانتخابات الرئاسة طريقًا لتجديد شرعيته وشعبيته لدى المجتمع[5].

في نفس الاتجاه، جاء تعليق عمرو بدر، الذي أكد “أن مصر لا تحتمل انتخابات على غرار 2014 و 2018، فالظرف السياسي الذي جرت فيه الانتخابات السابقة تغير، والرهان على فرض نفس القواعد رغم عدم تشابه الظروف السياسية، والاقتصادية، هي مغامرة ليست مضمونة العواقب”؛ فالرئيس فقد جزء كبير من الظهير الشعبي الذي كان يسانده، ويدعم بقائه في السلطة، ومنسوب الغضب الشعبي من الأوضاع الاقتصادية وصل مستويات غير مسبوقة، كما أن الدعم الإقليمي والدولي للنظام المصري قد تراجع إلى حد بعيد، وهناك رغبة ملحة لدى الشارع في حدوث تغيير حقيقي في الوجوه والسياسات، ومع حصار كل القنوات الدستورية للتعبير والتنفيس عن الغضب؛ كل هذه العوامل تجعل من محاولة استنساخ تجربتي انتخابات 2014 و2018 في الانتخابات الرئاسية القادمة مسألة محفوفة بالمخاطر، بل لم تعد ممكنة[6].    

بالتالي فالرأي الأول، الذي طرحه عمار علي حسن، يفترض أن تنظيم انتخابات حقيقية يعد ضروريًا لتجديد شرعية النظام وترميم شعبيته؛ فالنظام نفسه بحسب هذا الرأي يحتاج لتنظيم انتخابات رئاسية حقيقية.

أما الرأي الثاني، الذي قدمه عمرو بدر، يتأسس على أن الانتخابات الرئاسية الحقيقية ضرورية للإبقاء على حالة الاستقرار الهش القائمة، وأن حدوث انتخابات غير مقنعة للناس قد يقود الوضع للانفجار، فالسياقات التي كانت قائمة في 2014 وفي 2018 قد تغيرت، وبالتالي لم يعد ممكنًا استنساخ تجربة الانتخابات التي شهدتها البلاد في هذه المواقيت، بل نحتاج إلى انتخابات تنافسية، تجدد أمال الناس في إمكانية حدوث تغيير في الوجوه الحاكمة، وفي السياسات المتبعة.

خلجنة مصر.. عقد اجتماعي جديد بين الدولة والمجتمع:

ثمة تصور ثالث، يمكن أن نستخدمه في استكشاف رؤية النظام الحاكم للانتخابات الرئاسية، بحسب هذا التصور الذي يقدمه محمد نعيم[7]، فإن الطبقة الحاكمة في مصر مبهورة بالنموذج الخليجي/ دبي، ومن ثم تقوم بمحاولة لما أسماه كاتب المقالة “خلجنة مصر”، والخلجنة شكل من أشكال الحكم السياسي يقوم على توافر مصدر دخل ريعي، توزع السلطة عوائده بشكل أبوي، حيث تحصل المجموعة الحاكمة على حصة الأسد، ويحصل المواطنين وهم أقلية على ما يكفيهم ويشتري صمتهم على الحكم الاستبدادي القائم، مع توزيع ما بقي من فتات على العمالة الوافدة التي تشكل في كثير من الأحيان الأغلبية في هذه المجتمعات.

وخلجنة مصر تعني أن يستمد الحكم شرعيته من نفسه لا من الشعب، وأن تصبح الدولة بأجهزتها وسلطاتها هي المواطنين بألف لام التعريف، بينما ينظر للمجتمع المصري والمصريين العاديين باعتبارهم هم العمالة الوافدة التي يلقى إليها بالفتات.

وفق هذا النموذج فإن السلطة ليست في حاجة إلى انتخابات تجدد بها شعبيتها وشرعيتها، فالنظام يستمد شرعيته من نفسه، وليس في حاجة إلى شعبية.

يرى الكاتب أن الخلجنة من الناحية الاقتصادية غير ممكنة في مصر؛ فهي لا تملك وفورات ريعية متراكمة، تضمن للنخبة الحاكمة “البهرجة والإبهار والاستهلاك”، وتوفر لرجال الدولة/المواطنين ما يكفيهم ويضمن ولائهم، ويبقى منه فتات يلقى للمجتمع المصري الذي ينظر إليه باعتباره عمالة وافدة ليس له حقوق.

ومن الناحية الاجتماعية، فإن خلجنة مصر يعني استبعاد وإقصاء واستعباد معظم المصريين؛ وهو ما “سيعني تحميل أجهزة الشرطة والأمن مسؤولية قهر القطاع الأوسع من السكان الفقراء إلى حدود لا يمكن تصورها أو تخيلها (…) أمر يشبه وكأنك تحول أغلبية المصريين إلى أقلية سوداء في أمريكا”.

بصرف النظر عن إمكانية استنساخ نموذج الاجتماع الخليجي في مصر، فإن تبني النظام الحاكم في القاهرة لهذا النموذج، ومحاولة ومحاكاته، يعني أن السلطة هنا لا تهتم حقيقة بتجديد شرعيتها عبر الانتخابات، ولا تعنى بترميم شعبيتها، إنما تنظم انتخابات صورية لمخادعة حلفائه في واشنطن وفي عواصم أوروبا، وفي حال أعرب الناس عن سخطهم وأظهروا رفضهم، تواجههم الأجهزة الأمنية بكل عنف؛ بما يضمن صمتهم، ويحقق “خلجنتهم”.

ولعل ما يدعم مقولة أن النظام الحاكم غير مغرم بالانتخابات كأداة لتجديد الشرعية، ما ذكره مراقبون، من أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في أعقاب أحداث الثالث من يوليو 2013، كان يفكر -أو أن هناك من اقترح عليه- في عدم اللجوء إلى سيناريو الانتخابات في 2014، وإنما تولي الحكم دون انتخابات لمدة 10 سنوات، يثبت خلالها أركان الدولة التي اهتزت في أعقاب انتفاضة الشعب في يناير 2011، إلا أن مقترح “عشرية من الحكم الرشيد”، استبعد لأن السياق العالمي لم يسمح بتمريره[8].

ولعل ما يدعمه أيضًا، ما حدث من استبعاد وتنكيل بكل المرشحين الجادين خلال انتخابات 2018؛ فـ “سامي عنان” جرى استبعاده من اللجنة الوطنية للانتخابات؛ بحجة أنه “لا يزال محتفظا بصفته العسكرية”، التي تحول دون ممارسة الترشح والانتخاب، ثم تم استدعاؤه للتحقيق من جانب المؤسسة العسكرية، بل وتم سجنه لاحقًا.

وأحمد شفيق الذي أعلن، في 29 نوفمبر 2017 اعتزامه الترشح لانتخابات الرئاسة، عاد وتراجع في 7 يناير 2018 عن قرار الترشح، بعد ضغوط من الإمارات حيث كان يقيم، ثم ترحيله إلى القاهرة ووضعه فيما يشبه إقامة جبرية بأحد فنادق القاهرة، بل وبحسب “نيويورك تايمز”، نقلًا عن أحد محاميه، فإن شفيق تعرض لضغوط شديدة من الحكومة المصرية، وصلت حد تهديده بالتحقيق في اتهامات سابقة بالفساد ضده.

أما أحمد قنصوة، العقيد في الجيش، الذي أعلن في ديسمبر 2017 ترشحه للانتخابات الرئاسية، فقد صدر قرار بسجنه ست سنوات مع الشغل والنفاذ، من محكمة شمال القاهرة العسكرية، في 19 ديسمبر 2017[9].

الخاتمة:

يبدو واقعيًا الرأي الذي يفترض أصحابه، أن عدم تنظيم انتخابات رئاسة حقيقية وتنافسية يمثل خطر حقيقي على النظام القائم؛ كونه لن يمكنه من تجديد شرعيته وترميم شعبيته، وكونه يهدد بتقويض الاستقرار الهش الذي تشهده البلاد، خاصة مع وجود سياقات ليست مواتية، من قبيل اقتصاد مأزوم، ومجتمع يعاني من أوضاع معيشية قاسية، وتحالفات إقليمية ودولية ليست في أفضل حالاتها.

في المقابل، يبدو واقعيًا أيضًا القول، أن تنظيم انتخابات رئاسية حقيقية يتهدد أيضًا بقاء النظام الحاكم؛ فإن انتخابات رئاسية حقيقية قد تطيح بنخبة الحكم القائمة.

بالتالي فإن تنظيم انتخابات حقيقية يمثل خطورة على النظام، كما أن تنظيم انتخابات صورية يمثل أيضًا خطورة على النظام وعلى استقرار المجتمع.

لذلك فإن النظام المصري يحتاج إلى هندسة انتخابات رئاسية تنافسية، لكنها تقود في النهاية إلى نتيجة محددة سلفا؛ تغذي أمال الناس في التغيير ما يدفعهم للخروج والمشاركة، لكنها تحفظ للنخبة الحاكمة بقائها، انتخابات تقنع حلفاء النظام في واشنطن والعواصم الأوروبية، وتعفيه من استيائهم، وفي الوقت نفسه لا تمثل خطر حقيقي على استمراره.

قد يكون النظام لا يحب الانتخابات، ويتبنى فكرة خلجنة مصر، لكنه مضطر إلى تنظيم انتخابات رئاسية، في ظل سياقات، على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي، غير مواتية.

وهنا يكمن التحدي، في تحقيق التوازن بين تنظيم مشهد انتخابي يبدو واعدا ومبشرا، وبين إبقاء الوجوه الحاكمة بدون تغيير.


[1] CNN بالعربية، النتيجة النهائية.. السيسي رئيساً لمصر بـ96.91 % مقابل 3.09 % لصباحي، 3 يونيو 2014، شوهد في: 18 اغسطس 2023، في: https://tinyurl.com/yhpj7nov

[2] BBC عربي، حمدين صباحي: المرشح الرئاسي في مصر، 22 مايو 2014، شوهد في: 18 أغسطس 2023، في: https://tinyurl.com/2bqjsty8

[3] BBC عربي، انتخابات الرئاسة المصرية 2018 في أرقام، 12 مارس 2018، شوهد في: 18 أغسطس 2023، في: https://tinyurl.com/2agshztk

[4] عن نتائج انتخابات 2014 أنظر: CNN بالعربية، النتيجة النهائية.. السيسي رئيساً لمصر بـ96.91 % مقابل 3.09 % لصباحي، 3 يونيو 2014، شوهد في: 18 أغسطس 2023، في: https://tinyurl.com/yhpj7nov     عن نتائج انتخابات 2014 أنظر: BBC عربي، فوز كاسح للسيسي برئاسة مصر في انتخابات “شهدت أكبر نسبة أصوات باطلة في تاريخ البلاد”، 2 أبريل 2018، شوهد في: 18 أغسطس 2023، في: https://tinyurl.com/2alndldl

[5] عمار علي حسن، مرشح رئاسة لا يملى له أو عليه، المنصة،

[6] عمرو بدر، قصة الانتخابات الرئاسية في السنوات العشر العجاف، المنصة، 15 مايو 2023، في: https://tinyurl.com/24n5vzva

[7] محمد نعيم، خلجنة مصر وبنغلة الأفندية، المنصة، 27 يوليو 2023، في: https://tinyurl.com/27jkrtqq

[8] عمار علي حسن، مرشح رئاسة لا يملى له أو عليه، المنصة، 8 يوليو 2023، في: https://tinyurl.com/28w78lht

[9] الجزيرة نت، مرشحون للرئاسة أقصتهم ضغوط السيسي، 24 يناير 2018، في: https://tinyurl.com/279d9q6k

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022