الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا.. الأهداف والتحديات والآثار المتوقعة علي مصر

وقعت الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والهند وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي، على هامش قمة العشرين التي عقدت في نيودلهي في 9 – 10 سبتمبر 2023، مذكرة تفاهم لإنشاء ممر اقتصادي يربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا، المعروف اختصارًا بـ IMEC، ويشمل الممر بناء خطوط للسكك الحديدية وأنابيب لنقل الطاقة، وكابلات لنقل البيانات[1].

واتفقت الدول المعنية على التوصل إلى خطة عمل خلال ستين يومًا، وسيلتزم جميع الموقعين بالتمويل، وتشير تقديرات هندية إلى أن تكلفة المشروع ستبلغ نحو 20 مليار دولار[2].

وقد أثار الإعلان عن هذا المشروع الاقتصادي العديد من التساؤلات حول أهدافه، وإمكانية تنفيذه، فضلًا عن تأثيراته المتوقعة علي مصر. وهي التساؤلات التي سنحاول الإجابة عليها في هذا التقرير، كما يلي:

أولًا: تفاصيل وخلفيات مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا:

تتمحور فكرة المشروع الذي تدعمه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حول ربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط، بما يخفض التكاليف اللوجستية للنقل (تكاليف الشحن واستهلاك الوقود)، بنحو 40%[3]، سواء تعلق الأمر بنقل موارد الطاقة (البترول والغاز الطبيعي) عبر خطوط أنابيب، أو نقل الكهرباء المتجددة والهيدروجين النظيف عبر كابلات، أو النقل الرقمي للبيانات من خلال كابلات الألياف البصرية، أو نقل السلع والبضائع الأخري عبر السفن والقطارات.

ويتكون المشروع من ممرين: الممر الشرقي الذي يربط الهند بالخليج العربي عبر بحر العرب، والممر الشمالي الذي يربط الخليج العربي بأوروبا، عبر إسرائيل والأردن وساحل البحر الأبيض المتوسط.

كما متصور، ستنطلق السفن البحرية من شواطئ الهند نحو الإمارات، ثم عبر خط مطول من السكك الحديدية يمر بالسعودية، ومنها إلى الأردن، ثم ينتقل إلى إسرائيل، حيث تتحرك السفن البحرية من شواطئ البحر المتوسط إلى اليونان وإيطاليا؛ لتستكمل البضائع رحلتها إلى باقي الدول الأوروبية، عبر الخطوط البرية.

وفي التفاصيل، سيربط الممر الشرقي ميناء موندرا على الساحل الغربي للهند بميناء الفجيرة أو جبل علي في دبي في الإمارات، ثم يستخدم خط السكة الحديد، عبر السعودية والأردن؛ لنقل البضائع؛ عبر حاويات موحدة إلى ميناء حيفا الإسرائيلي[4]على ساحل المتوسط، حيث يعاد شحنها بحريًا إلى ميناء بيرايوس في اليونان أو الموانئ الإيطالية الرئيسية من تارانتو إلى تريستا أو ميناء مارسيليا في فرنسا[5].

ويمكن القول أن هذا المشروع يستمد قوته من أربعة منابع رئيسية:

المنبع الأول، هو “اتفاقيات إبراهيم للسلام”، التي رعتها إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، والتي أطلقت في سبتمبر 2020 عملية تطبيع العلاقات بين الإمارات والبحرين من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، ين انضمت لهما المغرب والسودان لاحقًا. وتقوم هذه الاتفاقيات على مبدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “السلام مقابل السلام” وترفض المبدأ الذي قامت عليه اتفاقيات التطبيع السابقة “الأرض مقابل السلام”.

الهدف الرئيسي لاتفاقيات إبراهيم هو دمج إسرائيل في المنطقة اقتصاديًا وعسكريًا، وتخطي القضية الفلسطينية، واعتبارها شأنًا “عربيًا – إسرائيليًا” يمكن التعاون لتسويته لمصلحة الطرفين، وألا يكون عائقًا في وجه تطوير عملية التطبيع ودمج إسرائيل إقليميًا.

المنبع الثاني، هو التجمع الاقتصادي – الاستراتيجي الرباعي، الذي يضم الولايات المتحدة والهند والإمارات وإسرائيل (I2U2) الذي تأسس في عام 2021، أي في العام التالي لتوقيع اتفاقيات إبراهيم.

هذا التجمع هو جزء من استراتيجية أمريكية لبناء مجموعة من التحالفات الاقليمية الجديدة حول العالم لضمان استمرار الهيمنة الأمريكية، وبناء حوائط صد قوية أو مناطق عازلة حول الصين، لمنع توسعها خارجيًا.

ومن الملاحظ أن الهند والولايات المتحدة تشتركان معًا في تجمع رباعي آخر يضم أستراليا واليابان هو تجمع “كواد للمحيط الهادئ”.

المنبع الثالث، هو مبادرة “الشراكة من أجل البنية التحتية والاستثمار العالميين”  (PGII)، باستثمارات كلية تصل إلى 600 مليار دولار، وهي المبادرة الأمريكية التي تبنتها قمة الدول السبع الصناعية الرئيسية، التي انعقدت في كورنويل – بريطانيا في يونيو 2021، وتمثل الرد الغربي على مبادرة “الطوق والطريق”، التي أطلقتها الصين عام 2013 في شأن تنمية البنية الأساسية التي تربطها بالعالم.

وكان الاتحاد الأوروبي خصص ما يصل إلى 300 مليار يورو للإنفاق على استثمارات البنية التحتية في الخارج بين عامي 2021 و2027، من خلال مشروع “البوابة العالمية”، الذي تم إطلاقه لمنافسة مبادرة “الطوق والطريق” الصينية.

المنبع الرابع، هو تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، الذي يمثل من وجهة النظر الإسرائيلية الشرط الرئيسي لتحقيق اندماجها الكامل في الشرق الأوسط، على أساس معادلة الزواج الشرعي بين التكنولوجيا الإسرائيلية، ورؤوس الأموال الخليجية، والانطلاق من قاعدة هذا الزواج إلى آفاق عالمية رحبة في مجالات التكنولوجيا الرقمية، والطاقة الجديدة والمتجددة، والحلول التكنولوجية لقضايا الأمن الغذائي والزراعة والمياه وغيرها.

وقد لاحظنا في الأشهر الأخيرة أن عجلة الدبلوماسية الأمريكية في الشرق الأوسط دارت بأقصى سرعتها، في تنسيق قريب جدًا مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية والقيادة السعودية، من أجل وضع أسس جيدة لتطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية. وخلال الأشهر الثمانية الأخيرة، قد حدث تقدمًا كبيرًا على طريق بناء تفاهم شامل بشأن القضايا الثلاث الرئيسية المتصلة بالتطبيع الإسرائيلي- السعودي، الاتفاق الأمني والعسكري، والتعاون النووي السلمي، والمسألة الفلسطينية.

ولم يكن من الملائم أبدًا، ولا من الممكن إعلان اتفاق الممر الاقتصادي قبل التوصل إلى خطوط عامة للتفاهم في القضايا الثلاث[6].

جدير بالذكر هنا؛ أن مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا هو واحد من عدة مشروعات متنافسة لربط آسيا مع أوروبا، وهو مؤشر حاسم على حدة التنافس الدولي، والسعي لتنويع سلاسل التوريد عقب أزمة جائحة كوفيد-19، فضلًا عن سعي القوى الإقليمية في الشرق الأوسط لتعزيز موقعها الجيوسياسي، وحيازة المزيد من الاعتبار على المستوى الدولي. وهذه المشروعات هي:

– مبادرة الحزام والطريق الصينية: التي أطلقتها الصين عام 2013، تهدف إلى ربط الصين بالعالم عبر استثمار مئات المليارات من الدولارات في البنية التحتية على طول طريق الحرير الذي يربطها بالقارة الأوروبية، ويشمل ذلك بناء موانئ وطرقات وسكك حديدية ومناطق صناعية، تشارك فيه 123 دولة، تريد الصين من خلاله تسريع وصول منتجاتها إلى الأسواق العالمية، بما في ذلك آسيا وأوروبا، وأفريقيا.

وقد أدى ذلك إلى توسيع نفوذ الصين الاقتصادي والسياسي بشكل كبير، مما دفع الولايات المتحدة لتبني مبادرات منافسة.

ويتكون الشق البحري من المبادرة من سلسلة من الموانئ بنتها الصين، تمتد من ميانمار وبنغلاديش على الجانب الشرقي للهند، وسريلانكا على الجانب الجنوبي للهند، وفي باكستان على الجانب الغربي، ثم يمر عبر قناة السويس إلى أوروبا[7].

– ممر العبور الدولي بين الشمال والجنوب: يربط ممر “شمال جنوب” الهند بإيران وروسيا وأوروبا، يتكون من شبكة طرق برية وبحرية وسكك حديد يمتد من ميناء مومباي الهندي إلي ميناء تشابهار الإيراني، ومن ثم العبور برًا من هذا الميناء الأخير عبر إيران وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان، مرورًا ببحر قزوين إلي مدينة سان بطرسبرغ الروسية على بحر البلطيق حتى وسط القارة الأوروبية[8].

لكن المشروع عانى نكسات جيوسياسية واقتصادية، كما أن تمركزه حول إيران وروسيا الخاضعتين للعقوبات الغربية أصبح متعارضًا مع شراكة نيودلهي وواشنطن، وبالتالي يتوقع أن يحد من فاعليته كممر بري بين الهند وأوروبا.

– طريق التنمية (القناة الجافة) بين العراق وتركيا: يبدأ من ميناء “الفاو الكبير” بمدينة البصرة العراقية على مياه الخليج العربي عبر خط سكك حديد فائق السرعة لنقل ملايين الحاويات بين شمال الخليج العربي والموانئ التركية، ومنها إلى أوروبا. ويشمل الدول المدعوة للاستثمار في المشروع كل من السعودية والإمارات وقطر والكويت وسلطنة عمان والأردن وسوريا.

وتبلغ تقديرات الميزانية الاستثمارية لمشروع “طريق التنمية” 17 مليار دولار، تشمل بناء عدة مدن صناعية وسكنية في العراق على جانبي الطريق. ويتكون الجدول الزمني للمشروع من ثلاث مراحل، تنتهي الأولى عام 2028 والثانية 2033 والثالثة 2050. وتم حتى الآن إنجاز 40% من المرحلة الأولى. لكن المشروع يواجه تحديات داخلية، في مقدمتها صعوبة الحفاظ على الاستقرار الأمني، والانقسام السياسي، فضلًا عن الخلافات المحتملة مع حكومة إقليم كردستان التي تعتقد أن مخطط المشروع تعمد إقصاء الإقليم من مساره البري. كما أن انزعاج إيران من المشروع يمكن أن يدفع حلفائها العراقيين إلى تعطيل بناء الممر.

– ممر الشارقة – بندر عباس – مرسين: يوفر مسارًا جديدًا للشحنات القادمة من شبه الجزيرة العربية والمتجه إلى أوروبا غير المسار التقليدي المار بالبحر الأحمر وقناة السويس؛ حيث تنقل شاحنات البضائع من ميناء الشارقة في الإمارات بحرًا إلى ميناء “بندر عباس” في إيران، ثم تأخذ الشاحنات طريقها بريًا إلى الحدود التركية ثم تتوجه إلى ميناء “مرسين”. ويقدم هذا المسار حلولًا أقل تكلفة وأسرع لنقل البضائع بين الخليج العربي والبحر المتوسط.

وخلال الأشهر التسعة الأولى لتشغيله (افتتح في أكتوبر 2021)، استخدمت أكثر من ألف شاحنة الخط لنقل البضائع بين تركيا والإمارات، كما تستفيد باكستان ودول جنوب آسيا منه لاستقبال ونقل البضائع من وإلى أوروبا.

ولا تتوقف الاستفادة الإيرانية من الخط البري على المكاسب الاقتصادية، إذ يساهم الخط الإيراني، ضمن مجموعة من العوامل، في جهود تطبيع علاقات إيران في المنطقة، ويساهم في تعزيز الروابط التجارية بين تركيا والإمارات[9].

ثانيًا: أهداف مشروع الممر الاقتصادي:

علي ضوء ما سبق؛ يمكن القول أن طرح المشروع بلغة اقتصادية لا يكفي لفهم منطلقاته وأهدافه، فثمة أهداف أخرى استراتيجية أساسية، منها:

1- تثبيت النفوذ الأميركي في المنطقةوقطع الطريق على مساعي الصين لاستقطاب دول الخليج العربي، عبر تقديم بديل اقتصادي ينافس مشروع الحزام والطريق، والذي يتعرض لانتقادات واسعة، لكونه يفتقر إلى الشفافية، ويدفع الدول المشاركة إلى الوقوع في فخ الديون.

خاصة بعدما سبب التنامي المطرد في العلاقات بين الصين ودول الخليج العربية (السعودية والإمارات تحديدًا) قلقًا كبيرًا في واشنطن، خصوصًا بعد أن أخذ التعاون بين الطرفين يتجاوز حدود العلاقات التجارية إلى التعاون في مجالات الدفاع والأمن، جزئيًا بسبب التعقيدات التشريعية والإجرائية الأميركية في هذا المجال، وعدم وجود شروط صينية مرتبطة بمبيعات الأسلحة، خصوصًا منها المتعلقة بحقوق الانسان، فضلًا عن توجه دول الخليج العربية نحو تنويع شراكاتها الدولية بسبب اتساع فجوة الثقة بالتزام الولايات المتحدة بأمن المنطقة انطلاقًا من تصور تقول واشنطن إنه غير دقيق بشأن تراجع اهتمامها ومصالحها فيها.

2- زيادة قدرة الهند على المنافسة مع الصين؛ ذلك أن وجود بنية تحتية للنقل بهذا الحجم سيعزز كثيرًا قدرتها التنافسية على المستوى العالمي، فالاستثمار في المشروع التحويلي سيعزز الأنشطة الاقتصادية للهند إلى حد بعيد، ويخلق فرص عمل.

والأهم من ذلك أن الممر المقترح سيجعل سلسلة التوريد العالمية أكثر مرونة أمام السلع والبضائع الهندية مما يسهم في تقليل الاعتماد على البضائع الصينية وبالتالي يحد من نفوذ بكين دوليًا؛ فالمشروع يخفض، في حال تنفيذه، تكاليف النقل بين الهند وأوروبا، ويجعل حركة التجارة بينهما أسرع بنسبة 40%، ويسهم بذلك في صعود الهند الاقتصادي العالمي لتشكل قوة موازية للصين. ويعزز المشروع كذلك العلاقات التجارية بين شركاء الولايات المتحدة في الخليج مع الهند، بدلًا من الصين، في ظل تنامي العلاقات التجارية مع دول الخليج العربية.

3- تأكيد التزام واشنطن بالشراكة الاستراتيجية مع حلفائها، ومحاولة ردم فجوة الثقة التي تصاعدت في المنطقة تجاهها، بعد أن اعتبره بعض حلفائها تخليًا عن حليفها الرئيس المصري حسني مبارك عام 2011، والهجمات التي تعرضت لها ناقلات ومنشآت نفطية خليجية بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي مع إيران، وخلال الحرب في اليمن، من دون أن تقدم لها واشنطن حماية تذكر. وبرعايتها مشروع الممر الاقتصادي، أرادت إدارة بايدن القول إن الولايات المتحدة “لن تنسحب وتترك فراغًا تملؤه الصين أو روسيا أو إيران”، وإنها لن تترك منطقة الشرق الأوسط لأهميتها الكبيرة فيما يخص ممراتها المائية الضرورية للتجارة العالمية وسلاسل التوريد وموارد الطاقة.

4- دمج إسرائيل في المنطقة، وهو أمر تسعى إدارة بايدن إلى تحقيقه بشغف كبير؛ فبعد توقيع “اتفاقات أبراهام” بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، انصرف التركيز الأميركي خلال عام 2023 إلى محاولة تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل. ويعد الممر الاقتصادي خطوة كبيرة في هذا الاتجاه، رحب بها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووصفه بأنه “أكبر مشروع تعاون في تاريخنا” من شأنه أن “يغير وجه الشرق الأوسط وإسرائيل وأوروبا وسيؤثر في العالم أجمع”[10].

ويدعم الممر المخطط له المرور، عبر إسرائيل جهود إدارة بايدن؛ للبناء على التطبيع الأخير للعلاقات بين إسرائيل والعديد من الدول العربية؛ لتدفع السعودية إلى أن تحذو حذوها، وإضفاء الطابع الرسمي على العلاقات، والدفع باتجاه اعتراف دبلوماسي أوسع بإسرائيل، من خلال الباب الخلفي للتكامل الاقتصادي والاتصال[11].

4- عزل إيران من خلال تعزيز الشراكة بين الهند ودول الخليج وإسرائيل؛ فمن خلال إنشاء تحالف اقتصادي بين هذه الأطراف، تعمد الولايات المتحدة إلى قطع الطريق على أي محاولات إيرانية للتقارب مع الهند، بما في ذلك إبعاد الأخيرة عن الاستثمار في ميناء تشابهار الإيراني على بحر العرب، والذي يمثّل محورًا رئيسًا في مشروع إيران الطموح إلى إنشاء ممر جنوب- شمال بين الهند وأوروبا.

والواقع أن ممر الهند- الشرق الأوسط- أوروبا يعني عمليًا القضاء على فكرة المشروع الإيراني الذي كانت تطمح من خلاله طهران إلى التحول إلى نقطة عبور رئيسة على خط التجارة العالمية بين آسيا وأوروبا[12].

ثالثًا: تحديات تنفيذ مشروع الممر الاقتصادي:

بالرغم من الإمكانات التي يتمتع بها مشروع الهند ـ الشرق الأوسط – أوروبا من الناحية النظرية، إلا أن تنفيذه ينطوي على العديد من التحديات الهائلة التي تجعل البعض يعتقد أن الإعلان عنه هو مجرد دعاية إعلامية حيث سينتهي به المطاف لأن يكون مجرد حبر على ورق.

أولى العقبات وأكثرها دقة وحساسية انخراط دول مشاركة في الاتفاق الجديد في تكتلات اقتصادية متعارضة ومتصارعة، فالولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا أعضاء في مجموعة السبع، والهند والسعودية والإمارات في مجموعة البريكس، التي تضم الصين وروسيا، وتنخرط في صراع كسر عظم مع مجموعة السبع. ما سيعني توظيف الممر الجديد في خدمة تكتل مجموعة السبع وتشكيله تحديًا وعقبة أمام نمو الممرات الأخرى وتطورها، ممر “الحزام والطريق” على وجه الخصوص، فحجم التجارة في المنطقة غير كاف لتحمل مشروعين، الغربي والصيني، في الوقت نفسه، وهذا سيضع تلك الدول في حرج مع الصين، خصوصًا إذا نظرت بكين إلى المشروع الجديد أنه محاولة من دول الغرب لتقويض قدرتها على المنافسة عالميًا، وإفشال مشروعها الذي تعول عليه في صعودها الدولي. وسيدفع الدول المشاركة في التكتلين والممرين في مواجهة الاختيار بين أحدهما[13].

وتكشف المقارنة الموضوعية بين مشروع “الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا” ومشروع “الحزام والطريق” الصيني عن خلل كبير في بنية المشروع الذي تسعى الولايات المتحدة لتسويقه حاليًا. فمشروع “الحزام والطريق” يتمحور حول دولة مركزية واحدة هي الصين، التي ينطلق منها، رؤية وتخطيطًا وتنفيذًا وتمويلًا. أما المشروع الجديد فيعتمد تنفيذه على إرادة أطراف دولية عديدة قد لا يكون من السهل تحقيق التوافق بينها في كل الأوقات.

فإذا أضفنا إلى ما تقدم أنه يبدو، في بعض جوانبه على الأقل، وكأنه محاولة التفافية لدفع عملية تطبيع العلاقات بين السعودية و”إسرائيل”، وهي مسألة لا تزال تكتنفها صعوبات هائلة لم تحسم بعد، لتبين لنا مدي صعوبة تنفيذ هذا المشروع[14].

ناهيك عن أن هذا المشروع لا يتعدى كونه مشروعاً للنقل وليس لتوطين الصناعات، على غرار مشروع “الحزام والطريق” [15].

وثاني العقبات الهند نفسها ومدى النجاح الذي ستحققه في الحلول محل الصين في سلاسل التوريد، فالاقتصاد الصيني أكبر من الهندي بخمسة أضعاف. وهي (الهند) تعاني من ضعف في التنمية البشرية، يحتاج عدد سكان الهند المتنامي لكي يكون رصيدًا اقتصاديًا وليس عائقًا محتملاً، إلى التدريب، في ظل المعاناة من انتشار الفقر على نطاق واسع، ومن معدلات بطالة مرتفعة، ومن نسبة أمية بين النساء والفتيات تتجاوز الثلث، فردم الفجوة بين الدولتين تحتاج إلى ما بين 15 و20 عامًا في ظروف مواتية، فالهند لا تستطيع تحقيق التوازن مع الصين وحدها؛ فهي تحتاج لدعم كبير وشامل[16].

وثالث العقبات الجانب العملي المرتبط بحلقات مفقودة في البنى التحتية التي يجب إتمامها قبل أن يصبح المشروع جاهزًا للانطلاق. فهناك “حلقات مفقودة” في أنظمة السكك الحديدية في منطقة الخليج. وبالتالي، فمن إجمالي طول السكك الحديدية البالغ 2915 كيلومترًا والممتدة من ميناء الفجيرة في الإمارات العربية المتحدة إلى ميناء حيفا الإسرائيلي، هناك أجزاء مفقودة يبلغ طولها نحو 1100 كيلومتر أي ما يساوي ثلث خط السكة الحديد، عدا عن الحاجة إلى تأهيل أجزاء متقادمة من خط السكة الحديد حيث يعود بعضها إلى الحرب العالمية الأولى قبل أكثر من مئة عام[17]

ورابع العقبات الكلفة المالية، صحيح أن الشركاء في الممر التجاري الجديد، باستثناء الأردن، التي تحتاج بناها التحتية إلى تطوير عميق، خصوصًا بالنظر إلى الاقتصاد الضعيف، والذي يثقل كاهله استضافة أكثر من مليون لاجئ سوري، دول غنية وقادرة على تمويل المشروع وتوظيفه في توجهاتها التنموية. ولكن من المحتمل أن تكون كلفة المشروع مرهقة، ويبدأ الخلاف على تقاسمها بين الشركاء[18].

وخامس العقبات اشتمال المشروع على محطات نقل مختلفة (سكك حديدية وموانئ) للبضائع سيشكل كابوسًا لوجستيًا، وبخلاف ما يروج له البعض، فإن ذلك سيؤخر على الأرجح من عملية نقل البضائع ويعرقلها ويزيد من تكلفتها ومن الزمن اللازم لها للوصول إلى الوجهة النهائية[19].

وسادس العقبات استفزاز المشروع أطرافًا إقليمية وازنة، تركيا وإيران ومصر، عبر تجاهل مصالحها وعدم إشراكها في المشروع. قال الرئيس التركي أردوغان إن لا ممر من دون مشاركة بلاده. واعتبر مسؤولون إيرانيون المشروع خطرًا على الموانئ الإيرانية وعلى ممر “شمال جنوب”، الذي يجمعها مع روسيا والهند، وأن البحث عن طرق بديلة “غير مبرر على الإطلاق”.

وسعت روسيا إلى إثارة مخاوف الصين، عندما اعتبر المشروع موجهًا ضد ممر “الحزام والطريق” الصيني تحديدًا. ومصر التي ستتضرر بسبب تراجع عائدات قناة السويس، أكبر مصدر عملة صعبة للبلاد بلغت هذا العام تسعة مليارات دولار، لن تسكت عما سيحصل عليها، وستسعى إلى الحصول على تعويض ما[20].

وبالتالي؛ ففي ظل أن المشروع يمر عبر مضيق هرمز، فإن ذلك سيعطي لإيران القدرة علي تهديد الممر وشل حركته بشكل شبه كامل. كما أنه يمر في البحر المتوسط حيث النفوذ التركي البحري المتزايد والذي سيكون من الصعب تجاوزه خاصة إذا ما تبين أن للمشروع أهدافا سياسية وأيديولوجية، وأن استبعاد بعض الدول من المشروع أو محاولة عزلها إنما تم بناءً على هذه الخلفية بالذات وليس بناءً على أي معطيات أخرى[21].

كذلك، فإن هذا المشروع يواجه تحدي تصاعد المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، والتي يمكن أن تهدد فرص “المرور الآمن” للبضائع عبر الضفة الغربية إلى ميناء حيفا[22].

وفي ضوء تضرر الدول الثلاثة (مصر وتركيا وإيران) من هذا الممر، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تعاون بينهم لإجهاضه، خصوصًا إذا أخذنا بالاعتبار التقارب الأخير بين مصر وتركيا، وتزايد احتمالات كسر الجمود في العلاقات بين طهران والقاهرة.

ويمكن أن يمثل موقف موسكو وبكين دعمًا بهذا التوجه، فالصين تعتبر نفسها مستهدفة مباشرة من المشروع، أما روسيا، فرغم أنها لا تتضرر مباشرة من المعبر الهندي، إلا أنها، هي الأخرى، قد تجد فيه تهديدًا، نظرًا إلى أنه يضع الهند كليًا في المعسكر الأميركي. كذلك روسيا لديها هي الأخرى مشاريعها لإنشاء ممرات بديلة تربط آسيا وأوروبا مثل الممر البحري الشمالي الذي يربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ عبر منطقة القطب الشمالي[23].

رابعًا: تأثير مشروع الممر الاقتصادي علي مصر:

بمجرد الإعلان عن الممر الاقتصادي الجديد الذي يربط الهند بمنطقة الشرق الأوسط وأوروبا، سادت حالة من الجدل والنقاش حول مدي تأثير هذا الممر علي قناة السويس المصرية. وقد انقسمت الآراء بين من ينفي وجود أية اضرار متوقعة علي القناة من هذا الممر، وبين من يؤكد خطورته علي القناة وإيراداتها.

فقد أكد مستشار رئيس الجمهورية ورئيس هيئة قناة السويس السابق، الفريق مهاب مميش، علي أنه “لا بديل عن قناة السويس، أسرع طريق للنقل البحري”.

وخلال تصريحات تلفزيونية، شدد مميش على أنه “لا مجال للمقارنة بين مشروع متعدد الوسائط ومجرى قناة السويس أسرع طريق ملاحي في العالم”. كما نفى احتمالية وجود أي تأثيرات أو تداعيات على القناة مستقبلاً جراء ذلك، قائلاً إن “عملية النقل به ستكون مكلفة ومضيعة للوقت، وضد اقتصاديات النقل البحري”.

وأوضح مميش أن المشروع “يمر بالبحر ثم يفرغ الحمولة ويسير على سكة حديد ثم عربات نقل بري ويفرغ على البر”، مضيفًا أن هذه “عملية مكلفة للغاية ولا يوجد مقارنة مع قناة السويس”.

وبين أن قناة السويس “قادرة ومستعدة للتنافس إذ إنها أسرع وأعمق وأكثر قناة أماناً في العالم، ففي غضون 11 ساعة نصل البحر الأبيض بالأحمر ونصل آسيا وأوروبا وكل موانئ العالم”[24].

كما أكد الفريق أسامة ربيع رئيس هيئة قناة السويس، خلال لقائه ببرنامج “صالة التحرير” بقناة “صدى البلد”، علي أن “الممر الاقتصادي الدولي بروسيا الذي يتم الحديث عنه لن يؤثر في قناة السويس، ولن يكون بدلًا للقناة”، وأوضح أن “الممر الخاص بروسيا لا يعمل سوى 4 شهور في العام وخلال فصل الشتاء الثلوج تغلق الطريق، وفي الصيف يستخدم كاسحة الجليد لفتح الطريق أمام كل سفينة تعبر الممر، وبالتالي الخطورة تكون مرتفعة والتكلفة كبيرة جدًا وحمولة الحاويات قليلة والغاطس لا يتعدى 9 أمتار بينما يصل الغاطس في قناة السويس إلى 18.5 متر”.

وعن ممر الهند- الشرق الأوسط- أوروبا قال: “الطريق الآخر الذي يمر بأكثر من دولة ومن بينها الإمارات والسعودية وصولًا إلى إسرائيل جزء منه بحري وآخر سكة حديد، وهذا يجعله ملتزمًا بحمولة محددة والقطار لن يستطيع نقل حاويات ضخمة مثلما هي الحال بالسفن العابرة من قناة السويس، وأخطار انتقال الحمولة من المركب إلى السكك الحديدية مرتفعة والتكلفة عالية وهناك تعطيل، لذلك لن يكون بديلًا لقناة السويس”[25].

في هذا السياق، فقد أشارت بعض التحليلات إلي أن الممر لن يكون منافسًا لقناة السويس، حيث أن حمولة السفينة تصل إلى 15 ألف حاوية، فيما أقصى قدرة شد للقطار حوالي 150 حاوية فقط[26].

بجانب انخفاض كلفة النقل البحري عن البري لأن النقل البحري لا يتسبب في نسب هدر من البضائع مثل الطرق البرية أثناء عمليات الشحن والتفريغ[27].

ناهيك عن أنه يمر بالقناة حوالي 12% من حجم التجارة العالمية، وحوالي 30% من إجمالي حركة الحاويات العالمية. وتنقل القناة ما بين 7 إلى 10% من النفط العالمي، و8% من الغاز الطبيعي المسال[28].

وفي المقابل، تشير أغلب التحليلات إلي أن هذا الممر سيؤثر سلبًا بصورة كبيرة علي قناة السويس، وسيهدد مسار نقل البضائع عبر القناة؛ حيث يوفر هذه الممر الوقت ويخفض تكاليف شحن البضائع بين آسيا وأوروبا.

فبينما لن يؤثر “ممر الهند الشرق الأوسط أوروبا” على نقل النفط، لكنه سيوفر ميزة لوجستية لنقل البضائع وطريقًا بديلاً لقناة السويس. لذلك؛ ستكون مصر، ضمن المتضررين من المشروع على المدى الطويل، خاصة وأنه يشير لاتجاه أوروبي لتقليل واردات الصين في المدى الطويل، وهي واردات مازالت تشحن عبر قناة السويس، مقابل زيادة الاعتماد على واردات الهند التي ستمر عبر هذا الممر بعيدًا عن قناة السويس؛ فالمعبر الهندي يوفر 40% من نفقات الشحن وزمن العبور مقارنة بقناة السويس.

وبالمثل؛ فمن المتوقع أن يستغرق نقل البضائع بين آسيا وأوروبا عبر طريق التنمية بين العراق وتركيا نصف الوقت مقارنة مع المسار التقليدي عبر قناة السويس، حيث يمكن أن يستغرق شحن البضائع من ميناء شنغهاي في الصين إلى ميناء روتردام في هولندا عبر القناة الجافة نحو أسبوعين فقط بدلاً من حوالي شهر باستخدام قناة السويس.

نتيجة إلى ذلك فإن القناة الجافة ستكون بمثابة طريقًا بديلًا لقناة السويس يوفر مرونة أكبر لشركات الشحن العالمية، مما يمكن أن يؤدي إلى تقليل المرور عبر قناة السويس.

ومما يزيد خسائر مصر الجيوسياسية والاقتصادية أيضًا في المدى الطويل، بدء تشغيل ممر العبور الشمال الجنوب، المصمم لنقل البضائع لمسافة حوالي 7200 كيلومتر من موسكو، عبر إيران إلى مومباي، والذي يختصر مدة النقل من روسيا إلى الهند إلى نحو عشرة أيام، من 30 إلى 45 يومًا عبر قناة السويس.

ولا يقتصر الأمر على ذلك، فقبل نحو أسبوعين، عبر قطار شحن يضم نحو 36 حاوية من روسيا إلى إيران في طريقه إلى السعودية، وشقت طريقها إلى ميناء بندر عباس في مضيق هرمز، حيث يتم شحن الحمولة على متن سفينة وجهتها جدة، بدلًا من الطريق البحري الطويل المار عبر قناة السويس.

وتشير التقديرات إلى أن مسارات ممر العبور الشمالي الجنوبي عموما أرخص 30% وأقصر 40% من المسار التقليدي عبر قناة السويس. كما أن ممر الشارقة- بندر عباس- مرسين، يختصر شحن البضائع من الشارقة إلي مرسين إلي (6-8) أيام بدلًا من 21 يومًا عبر قناة السويس [29].

كذلك، فقد كانت التجربة الأولى لمشروع “الحزام والطريق” الصيني قد نُفذت بإرسال قطار حاويات من الصين إلى المملكة المتحدة حيث قطع المسافة بـ14 يومًا، بينما تحتاج ناقلة حاويات بحرية إلى 33 يومًا للوصول من الصين إلى أوروبا مرورًا بقناة السويس[30].

وفي ظل تخفيض هذه الممرات لوقت وتكلفة مرور البضائع مقارنة بقناة السويس، فإن ذلك قد يدفع القائمين علي إدارة القناة بتقديم أسعار تنافسية؛ أي تقليل رسوم المرور عبر القناة، ما يعني تقليل حجم المكاسب، خاصة وأن هيئة قناة السويس كانت رفعت رسوم مرور السفن العابرة في المجرى الملاحي مرتين، الأولى في شهر مارس 2022، وبنسبة 10% على ناقلات الغاز المسال، وناقلات الكيماويات، وناقلات المواد السائلة الأخرى. وفي سبتمبر 2022، رفعت القناة رسوم مرور السفن مرة أخرى بنسب تتراوح بين 10 إلى 15% على جميع سفن النقل سواء البضائع السائبة أو السياحية أو ناقلات الغاز والنفط، على أن يبدأ العمل بداية من عام 2023[31].

ورغم اختلاف التحليلات حول مدي تأثير مشروع ممر الهند- الشرق الأوسط- أوروبا علي قناة السويس، إلا أن ما هو واضح بصورة كبيرة هو أن هذا المشروع يمثل اخفاقًا فادحًا لنظام السيسي، الذي كان في نيو دلهي وقد مرت العملية من تحت أنفه على ما يبدو، بدل أن يبذل مساعي حثيثة من أجل إقناع الإمارات والمملكة السعودية باشتراط إشراك مصر في المشروع. ما دفع البعض إلي وصف المشروع بأنه “مؤامرة علنية من السعودية والإمارات على مصر”.

كما أنه نتيجة الضغط الأمريكي من أجل المضي قدمًا في التطبيع السعودي مع الدولة الصهيونية، جرى تفضيل المرور من المملكة السعودية عبر الأردن إلى ميناء حيفا الإسرائيلي على المرور عبر المملكة وسيناء إلى أحد المينائين المصريين في العريش وبورسعيد.

وهذا ممكن بفضل مشروع “الجسر البري بين مصر والسعودية” القائم بين البلدين منذ عام 2016[32]. ناهيك عن أن هذا المشروع ما كان له أن يمر بدولة الاحتلال عبر “مضيق تيران” الذي أصبح ممرًا دوليًا بعد تنازل مصر عن جزيرتي “تيران” و”صنافير” للسعودية عام 2016.

ناهيك عن إخفاق نظام السيسي في تطوير قناة السويس، التي أصبحت تواجه حوادث متكررة مع جنوح السفن وتوقف محركاتها، ما يعطل الملاحة الدولية، كما حدث إثر جنوح السفينة “إيفرجيفن” 23 مارس 2021 وغلق القناة 6 أيام، الأمر الذي تكرر بالعام الحالي (2023) ست مرات. وبرغم إنفاق السيسي، نحو 8 مليارات دولار على حفر تفريعة قناة السويس وافتتاحها عام 2015، إلا أن مشروع السيسي، لم يحقق التطوير المطلوب، ولم تحقق القناة الإيرادات التي تم الإعلان عنها وقت الحفر والتي قيل إنها ستصل نحو 100 مليار دولار سنويًا.

وفي السياق، أعرب معارضون عن مخاوفهم من تفريط حكومة السيسي بقناة السويس، استيفاء لديون خارجية بلغت نحو 165 مليار دولار، وذلك عقب إنشاء شركة “قناة السويس القابضة للصناعات البحرية والاستثمار” في يونيو 2023، ومهمتها طرح بعض شركات القناة للبيع. وكذلك وسط دعوات خبراء للحكومة المصرية لطرح سندات دولية بضمان إيرادات قناة السويس لتوفير 60 مليار دولار، تزعمها الخبير الاقتصادي الدكتور هاني توفيق، في يناير 2023[33].

ختامًا؛ يمكن القول أن الهدف الأساسي لمشروع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا هو محاصرة الصين وإضعاف إيران واستعادة السعودية إلى حظيرة النفوذ الأمريكي[34]، وإحداث خرق في العلاقات السعودية الإسرائيلية[35] التي يسعى الرئيس الأمريكي إلى استكمالها قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقرر إجراؤها في نوفمبر 2024، ليستغلها الحزب الديمقراطي في الحملات الإنتخابية[36].

ولكن يكمن التحدي الرئيسي لمشروع الممر في عدم التطابق بين رؤية الدول الغربية ودول الخليج، ففي حين يعتقد الغرب أنه لا يزال بإمكانه تعزيز نفوذه الإقليمي على حساب الصين من خلال إطلاق مشروع الممر، مما يوفر بديلاً لمبادرة “الحزام والطريق” التي أطلقتها بكين.

لكن الدول الخليجية ترى هذا الاتفاق ضمن سياق نظام عالمي جديد يمكنهم من خلاله موازنة العلاقات مع كل من الصين والغرب لتحقيق أقصى قدر من مكاسبهم.

وبهذا المعنى، ترى دول الخليج أن “الممر الاقتصادي” لأوروبا يمكن أن يتحالف مع مبادرة “الحزام والطريق” الصينية بدلاً من التنافس معها. على هذا النحو، ليس من المستغرب أن يتم توقيع هذه الاتفاقية بعد أيام قليلة من انضمام السعودية والإمارات، رسميًا إلى مجموعة “بريكس”[37].

وبينما رجحت التحليلات أن مشروع الممر لن يكون منافسًا قويًا لقناة السويس، على الأقل خلال الوقت القريب[38]، خاصة وأنه مازال مجرد خططًا طموحة قد يطول أمد تنفيذه أو حتى يتعثر، في ظل السجل الضعيف لإنجاز مشاريع البنية التحتية العابرة للحدود في الشرق الأوسط. إلا أنهم أشاروا إلى أنه سيهدد مسار نقل البضائع عبر قناة السويس علي المدي المتوسط؛ حيث يوفر الوقت ويخفض تكاليف شحن البضائع بين آسيا وأوروبا[39].

وستزداد خطورته علي المدي البعيد في حال إتمام إنشاء خطوط أنابيب لنقل البترول والغاز بين الخليج العربي وأوروبا، لاسيما وأن ناقلات النفط والغاز تمثل نسبة كبيرة من السفن العابرة للقناة[40].

ولذلك يجب على القائمين على أمر إدارة القناة المصرية تفعيل مشروع تطوير محور قناة السويس، وتحويل منطقة القناة من المرور والعبور إلى منطقة لوجستيات ومناطق صناعية حرة تستفيد منها الاستثمارات الأجنبية المباشرة. وفي إطار هذا التطوير يمكن إيجاد فرص عمل كثيرة، وتحقيق قيمة مضافة في الاقتصاد المصري بشكل عام وللقناة بشكل خاص[41].


[1] “ممرّ الهند- الشرق الأوسط- أوروبا … مشروع أميركي لمواجهة الصين وللتطبيع بين العرب وإسرائيل”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 16/9/2023، الرابط: https://cutt.us/EIqAB

[2] ““ممر الهند أوروبا” و”طريق التنمية”… كيف ستغير مشروعات النقل خريطة الشرق الأوسط؟”، أسباب، 9/2023، الرابط: https://cutt.us/A6FQp

[3] “ممرّ الهند- الشرق الأوسط- أوروبا … مشروع أميركي لمواجهة الصين وللتطبيع بين العرب وإسرائيل”، مرجع سابق.

[4] ““الممر الاقتصادي”.. حول الرؤى الاقتصادية والجيو سياسية لتشكلات دولية جديدة.. وموقف قناة السويس”، مصر360، 16/9/2023، الرابط: https://cutt.us/slBwW

[5] ““ممر الهند أوروبا” و”طريق التنمية”… كيف ستغير مشروعات النقل خريطة الشرق الأوسط؟”، مرجع سابق.

[6] “المنابع الأربعة الرئيسية لمشروع الممر الاقتصادي بين آسيا وأوروبا عبر الشرق الأوسط”، القدس العربي، 12/9/2023، الرابط: https://cutt.us/kQROu

[7] ““ممر الهند أوروبا” و”طريق التنمية”… كيف ستغير مشروعات النقل خريطة الشرق الأوسط؟”، مرجع سابق.

[8] “الممرّات… سباق حواجز دولي”، العربي الجديد، 20/9/2023، الرابط: https://cutt.us/Hbk7Y

[9] ““ممر الهند أوروبا” و”طريق التنمية”… كيف ستغير مشروعات النقل خريطة الشرق الأوسط؟”، مرجع سابق.

[10] “ممرّ الهند- الشرق الأوسط- أوروبا … مشروع أميركي لمواجهة الصين وللتطبيع بين العرب وإسرائيل”، مرجع سابق.

[11] ““الممر الاقتصادي”.. حول الرؤى الاقتصادية والجيو سياسية لتشكلات دولية جديدة.. وموقف قناة السويس”، مرجع سابق.

[12] “ممرّ الهند- الشرق الأوسط- أوروبا … مشروع أميركي لمواجهة الصين وللتطبيع بين العرب وإسرائيل”، مرجع سابق.

[13] “الممرّات… سباق حواجز دولي”، مرجع سابق.

[14] “ملاحظات حول مشروع الممر الهندي-الخليجي-الأوروبي”، الميادين نت، 21/9/2023، الرابط: https://cutt.us/KCJTR

[15] “”الممر الهندي”.. مشروع اقتصادي أم مؤامرة سياسية؟”، الميادين نت، 14/9/2023، الرابط: https://cutt.us/eVYCf

[16] “الممرّات… سباق حواجز دولي”، مرجع سابق.

[17] “الممر الهندي الشرق أوسطي الأوروبي: نظام إقليمي بقيادة “إسرائيل” وتابع لواشنطن”، الميادين نت، 24/9/2023، الرابط: https://cutt.us/ZT28q

[18] “الممرّات… سباق حواجز دولي”، مرجع سابق.

[19] “الممر الهندي-الأوروبي.. مشروع اقتصادي أم سياسي؟”، عربي21، 16/9/2023، الرابط: https://cutt.us/AnY6g

[20] “الممرّات… سباق حواجز دولي”، مرجع سابق.

[21] “الممر الهندي-الأوروبي.. مشروع اقتصادي أم سياسي؟”، مرجع سابق.

[22] “الممر الهندي الشرق أوسطي الأوروبي: نظام إقليمي بقيادة “إسرائيل” وتابع لواشنطن”، مرجع سابق.

[23] “حرب ممرّات”، العربي الجديد، 27/9/2023، الرابط: https://cutt.us/yHLwA

[24] “”لا بديل عن قناة السويس”.. مصر تعلق على مشروع الممر بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا”، الميادين نت، 12/9/2023، الرابط: https://cutt.us/LepUf

[25] “رد مصري قوي على موجة الممرات البديلة لقناة السويس عبر السعودية وإسرائيل والإمارات: البديل خطير ولا يصلح للحمولات”، رأي اليوم، 24/9/2023، الرابط: https://cutt.us/WjnBR

[26] “الممر الهندي الأوروبي ليس بديلاً عن قناة السويس.. إلا إذا حاز “الغاز””، المنصة، 12/9/2023، الرابط: https://cutt.us/THYnz

[27] “هل يؤثر الممر الاقتصادي الجديد في عائدات قناة السويس؟”، إندبندنت عربية، 13/9/2023، الرابط: https://cutt.us/ZTdrd

[28] “الممر الهندي الأوروبي ليس بديلاً عن قناة السويس.. إلا إذا حاز “الغاز””، مرجع سابق.

[29] ““ممر الهند أوروبا” و”طريق التنمية”… كيف ستغير مشروعات النقل خريطة الشرق الأوسط؟”، مرجع سابق.

[30] “الممرّات… سباق حواجز دولي”، مرجع سابق.

[31] “الممر الهندي الأوروبي ليس بديلاً عن قناة السويس.. إلا إذا حاز “الغاز””، مرجع سابق.

[32] “مشروع الممر الدولي الجديد: مصر هي الخاسرة الكبرى”، القدس العربي، 12/9/2023، الرابط: https://cutt.us/4Yifk

[33] “”ممر بايدن” يهدد قناة السويس.. لماذا يلتزم السيسي الصمت؟”، عربي21، 11/9/2023، الرابط: https://cutt.us/PSZqb

[34] “ملاحظات حول مشروع الممر الهندي-الخليجي-الأوروبي”، الميادين نت، 21/9/2023، الرابط: https://cutt.us/KCJTR

[35] “الممرّات… سباق حواجز دولي”، مرجع سابق.

[36] “”ممر بايدن”.. سبب آخر لتسريع التقارب التركي المصري”، عربي21، 13/9/2023، الرابط: https://cutt.us/kkZE5

[37] “الممر الاقتصادي.. الخليج لا يراه منافسا للصين ونفوذ الغرب لن يكون مطلقا”، الخليج الجديد (مترجم)، 16/9/2023، الرابط: https://cutt.us/xzJ4u

[38] “الممر الهندي الأوروبي ليس بديلاً عن قناة السويس.. إلا إذا حاز “الغاز””، مرجع سابق.

[39] ““ممر الهند أوروبا” و”طريق التنمية”… كيف ستغير مشروعات النقل خريطة الشرق الأوسط؟”، مرجع سابق.

[40] “الممر الهندي الأوروبي ليس بديلاً عن قناة السويس.. إلا إذا حاز “الغاز””، مرجع سابق.

[41] “”ممر بايدن” يهدد قناة السويس.. لماذا يلتزم السيسي الصمت؟”، مرجع سابق.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022