14/12/2023
بدا التدخل الأمريكي في الحرب الإسرائيلية على غزة غريبًا، ليس من حيث التدخل نفسه، ولكن من حيث درجته ومستواه الذي بلغ حد الانخراط المباشر[1]. ففي الحرب الروسية الأوكرانية، دعمت الولايات المتحدة أوكرانيا بالسلاح والمال، ولكنها لم تحرك أسطولها البحري إلى سواحل أوكرانيا، مع علمنا الفرق بين إمكانية ردع دولة كروسيا أو ردع حزب الله وإيران. وشمل الدعم الأميركي لإسرائيل مجالات عديدة: الدعم السياسي والدبلوماسي، والدعم العسكري، وتبنى السردية الإسرائيلية. بيد أن الدور الأميركي لم يقتصر على الدعم بل تعداه إلى الشراكة في وضع أهداف الحرب السياسية، والتي لا توليها إسرائيل أي اهتمام بسبب نزعتها للانتقام عسكريًا من حركة حماس وقطاع غزة، واقتصار رؤيتها على هذا الأمر فقط[2]. الأمر الذي جعل السؤال أكثر إلحاحًا عن دوافع الإدارة الأمريكية التي سحبت القوات الأمريكية من أفغانستان، والتي تعد استمرارًا لإدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما التي يفترض أنها امتلكت رؤية تصحيحية للأخطاء الكارثية لإدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش، وتضاف إلى ذلك التحديات الاستراتيجية التي تواجه مصالح الولايات المتحدة في العالم، بحيث يصير الدعم اللامحدود لعدوان الإبادة الإسرائيلي على غزة متعارضًا بدرجة ما مع ضرورات تلك التحديات ومتطلباتها[3].
ومؤخرًا بدأت بعض التيارات المعارضة للدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل في الظهور سواء داخل الحزب الديمقراطي أو الجمهوري، وهو ما يعتبر حدث أول وفريد من نوعه، حيث إن سياسة الدعم المطلق لإسرائيل تعتبر واحدة من السياسات النادرة التي يتفق عليها كل من الحزبين الجمهوري والديمقراطي؛ لأهمية إسرائيل للولايات المتحدة وما تمثله كحليف قوي والأكثر إخلاصًا في منطقة الشرق الأوسط. لكن مع الأزمة الحالية والقصف المستمر لقطاع غزة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي لمدة تفوق الشهر، دون تحقيق أي تقدم في الهدف المعلن للحكومة الإسرائيلية وهو القضاء على حركة حماس، وزيادة أعداد الداعمين للقضية الفلسطينية من الشعب الأمريكي، واقتراب انتخابات رئاسية مشتعلة، بدأت تعلو أصوات تطالب بتخفيف الدعم المادي لإسرائيل للعديد من الحسابات الداخلية والخارجية[4]، وهو ما أدي إلي قيام واشنطن بتقييد دعمها المطلق لإسرائيل. وعليه تسعي هذه الورقة إلي الوقوف علي أبعاد هذا الدعم الأمريكي اللامحدود لإسرائيل في عدوانها علي غزة، ودوافعه، وحدوده.
أولًا: أبعاد الدعم الأمريكي لإسرائيل في عدوانها علي غزة:
تتمثل أبعاد الدعم الأمريكي لإسرائيل في عدوانها علي غزة في:
1- الدعم السياسي والدبلوماسي:
تركزت تحركات الولايات المتحدة الدبلوماسية في:
المحور الأول: التضامن الدبلوماسي الثنائي: خرج الرئيس الأمريكي جو بايدن، في 7 أكتوبر 2023، بخطاب سياسي كشف فيه عن فحوى الاتصالات التي أجراها مع القادة الإسرائيليين والذي عبر فيها عن التزام أمريكي راسخ بأمن إسرائيل، وتأييده لحقها في الدفاع عن نفسها، ووصم المقاومة الفلسطينية وفصائلها بـ”الإرهاب”، كما كشف عن عملية سيتم من خلالها تنسيق أمريكي إسرائيلي كامل على كافة المستويات حيث تم توجيه أركان إدارته على مستوى مستشاري الأمن القومي والجيش والاستخبارات للتنسيق مع نظرائهم في الجانب الإسرائيلي لتقديم الدعم المطلوب لإسرائيل والاتفاق على الأهداف المقبلة، وكذلك استراتيجية إنهاء هذا التصعيد وكيفية الاستفادة منه لصالح الموقف الاستراتيجي لإسرائيل[5].
وفي خطاب ألقاه الرئيس الأمريكي جو بايدن، في 10 أكتوبر 2023، وضع حركة حماس على قدم المساواة مع تنظيمي “القاعدة” و”الدولة الإسلامية” (داعش)، ووصفها بـ “الشر المطلق”. في المقابل، أشاد بإسرائيل وبعلاقته الوطيدة بها، التي تمتد أكثر من خمسين عامًا، في حين لم تنل معاناة الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي الواسع على قطاع غزة نصيبًا في خطابه، وأشار إلى أن “حماس لا تدافع عن حق الشعب الفلسطيني في الكرامة وتقرير المصير”.
وذهب بايدن أبعد من ذلك في تأييده سياسات إسرائيل؛ فقد قال إنه أخبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مكالمة هاتفية أنه لو واجهت الولايات المتحدة مثل هذا الهجوم، فإن رده سيكون “سريعًا وحاسمًا وساحقًا”، وهو ما يعني إعطاء ضوء أخضر لإسرائيل للاستمرار في الجرائم التي تصل حد الإبادة ضد أكثر من 2.3 مليون من سكان قطاع غزة. وقد أكدت مذكرة داخلية مسربة من وزارة الخارجية الأميركية هذا التوجه، تضمنت توجيهًا للدبلوماسيين الأميركيين بأن يتجنبوا استخدام عبارات مثل “وقف التصعيد/ وقف إطلاق النار”، و”إنهاء العنف/ إراقة الدماء”، و”استعادة الهدوء”. وعوض ذلك، جعلت إدارة بايدن “القضاء” على حماس هدفًا أساسيًا لها، وهو الهدف الذي أعلنته إسرائيل.
ورغم بدء بايدن وأركان إدارته، منذ الثالث عشر من أكتوبر 2023، في الإشارة إلى ضرورة أن تحترم إسرائيل القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، إلا أن هذه الإدارة لا تزال ترفض الاعتراف بأن عمليات القصف الوحشي التي تشنها إسرائيل ضد القطاع، والتي أوقعت آلاف الضحايا، أغلبهم من الأطفال والنساء، وهجرت مئات الآلاف من المدنيين، ودمرت البنى التحتية، تعد جرائم حرب. وتتذرع بأنه لا يمكن الجزم بحقيقة ما يجري في قطاع غزة بسبب “ضباب الحرب”[6].
ومنذ 7 أكتوبر 2023، تتواصل الولايات المتحدة بشكل مستمر مع الجانب الإسرائيلي سواء عبر الاتصالات التليفونية أو الزيارات المتكررة للمسئولين الأمريكيين إلي تل أبيب بدءًا من وزير الخارجية أنتوني بلينكن، مرورًا بوزير الدفاع لويد أوستين، وصولًا إلي الرئيس الأمريكي جو بايدن. وجاءت زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، في 18 أكتوبر 2023، إلى إسرائيل في زمن الحرب، وهي المرة الأولى التي يزور فيها رئيس للولايات المتحدة إسرائيل وهي في حالة حرب، وهي سابقة لم يفعلها رئيس أمريكي، حتى في حرب أكتوبر 1973[7]. ولعل صور الرئيس الأمريكي وهو يحضر مجلس الحرب الإسرائيلي، في 18 أكتوبر، خير شاهد على تحول واشنطن من دعم إسرائيل في هذه الحرب إلي المشاركة الفعلية فيها[8].
وقد تكررت في المؤتمرات الصحفية المشتركة للمسئولين الأمريكيين مع نظرائهم الإسرائيليين في تل أبيب مقولات تقليدية، مثل: “أمن إسرائيل جزء من أمن الولايات المتحدة”، و “أن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل ثابت كالصخر”، و “أن واشنطن تدين بشكل لا لبس فيه هذا الهجوم المروع ضد إسرائيل من قبل إرهابي حماس”، و “أن واشنطن مستعدة لتقديم جميع وسائل الدعم المناسبة لحكومة وشعب إسرائيل”، مع إظهار التعاطف العميق مع ضحايا الأحداث[9].
ولا تزال التصريحات الأمريكية الرسمية، ترفض “وقف إطلاق النار” لوقف الحرب الإسرائيلية علي غزة، وترى أن لدى إسرائيل “حق مطلق في الدفاع عن النفس”[10]، ولا تزال واشنطن تؤكد علي دعمها الصارم لإسرائيل لحقها في الدفاع عن نفسها، متغاضية عن تجاوز إسرائيل لهذا الحق بشكل سافر أقل ما يوصف أنه جريمة حرب، وإبادة جماعية[11].
وفي هذا الإطار، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، جون كيربي، في ٢٣ أكتوبر 2023، لشبكة “سي إن إن”: “لا نعتقد أن هذا هو الوقت المناسب لوقف إطلاق النار.. لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، وما زال أمامها عمل يتعين عليها القيام به لملاحقة قيادة حماس”[12]. وجدد البيت الأبيض، في 24 أكتوبر، رفضه الهدنة، معتبرًا إعلان وقف إطلاق نار في غزة “سيفيد حماس فقط”، داعيًا إلى النظر في فترات “تعليق” للقصف لإتاحة إيصال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، وذلك في أعقاب رفض سابق من بايدن للحديث عن أي هدنة قبل إطلاق المحتجزين لدي حماس[13].
ثم عاد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي، وصرح في 30 نوفمبر 2023: “ما زلنا نعتقد أن لإسرائيل الحق والمسؤولية في ملاحقة حماس. لقد قالوا بكل وضوح أنه عندما تنتهي فترات التوقف هذه، فإنهم يعتزمون العودة إلى ملاحقة حماس. وبينما يتخذون هذا القرار، سيستمرون في الحصول على الدعم من الولايات المتحدة فيما يتعلق بالأدوات والقدرات وأنظمة التسليح التي يحتاجون إليها، بالإضافة إلى المشورة ووجهات النظر التي يمكننا تقديمها فيما يتعلق بحرب المدن”[14].
وكان تقرير نشره موقع “هاف بوست” الأمريكي أشار إلى تعليمات داخلية وُجهت إلى موظفي وزارة الخارجية تطالبهم بعدم التطرق لثلاث عبارات محددة، وهي “خفض التصعيد/وقف إطلاق النار”، و”إنهاء العنف/إراقة الدماء”، و”استعادة الهدوء”[15].
ومن جانب آخر؛ تركزت التصريحات الصادرة عن الخارجية والبنتاجون علي تحذير أطراف بعينها من التدخل في الحرب وشن هجمات معادية على إسرائيل؛ وعلى رأسهم حزب الله اللبناني وإيران[16].
المحور الثاني: الدبلوماسية الجماعية (حشد الدعم الدولي لإسرائيل): في هذا الإطار بدا واضحًا أن الولايات المتحدة تتحرك صوب كافة الأطراف الدولية لتسويغ وشرعنة الرد الإسرائيلي، وتوجيه إدانة حاسمة لحماس، وتحميلها مسؤولية تبعات ما جري. ويمكن توضيح هذه التحركات كما يلي:
أ- مشاركة الولايات المتحدة في البيان الخماسي مع كل من فرنسا، وألمانيا، وبريطانيا، وإيطاليا، في 9 أكتوبر 2023، الذين أعربوا فيه عن “دعمهم الثابت والموحد لدولة إسرائيل، وحقها في الدفاع عن نفسها، وإدانتهم القاطعة لحركة حماس، وتأكيدهم على ضرورة ألا تستغل أي جھة معادیة لإسرائیل هذه الفترة لتحقيق مكاسب، مشددين على بقائهم متحدين كحلفاء وأصدقاء مشتركین لإسرائيل؛ وذلك لضمان أن تتمتع إسرائيل بقدرة الدفاع عن نفسها”[17]. وجدد قادة الولايات المتحدة وكندا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا في 23 أكتوبر 2023، دعمهم لإسرائيل واستمرار التنسيق لضمان “قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها”، مطالبين بحماية المدنيين والالتزام بالقانون الدولي[18].
ب- دعوة الولايات المتحدة إلى عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن، في 10 أكتوبر 2023؛ للحصول على إدانة عالمية حازمة لما قامت به حماس؛ إذ أشار مساعد السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة “أن الولايات المتحدة تأمل إدانة جميع أعضاء مجلس الأمن بحزم الأفعال الإرهابية المشينة التي ارتكبتها حماس بحق الشعب الإسرائيلي وحكومته”[19]. وخلال الجلسة، ركزت الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا وفرنسا وسويسرا ومالطا على التنديد بهجوم حماس[20].
وفي المقابل؛ تعطي الولايات المتحدة الغطاء الدولي للعمليات العسكرية الإسرائيلية من خلال حق النقض (الفيتو) على القرارات المطالبة بوقف إطلاق النار، حتى من أجل إدخال المساعدات الإنسانية للسكان المدنيين[21]. وعندما اجتمع مجلس الأمن الدولي، في 18 أكتوبر 2023، للنظر في مشروع قرار يدين الحرب في غزة، قدمته البرازيل التي تتولى الرئاسة الدورية للمجلس. ونص المشروع على تطبيق هدنات إنسانية، وإلزام جميع الأطراف بواجبات القانون الدولي ولاسيما الحقوق الإنسانية الدولية، بما في ذلك خلال الأعمال الحربية، والتأكيد على أهمية إمداد السكان المدنيين في غزة بالحاجات الأساسية بصورة متواصلة وبلا عراقيل، مثل الكهرباء والمياه والوقود والطعام والأدوية، طبقًا للقانون الدولي الإنساني. وبالرغم من موافقة 12 عضوًا من أصل 15 أعضاء المجلس، فإن استخدام الولايات المتحدة لحق النقض “الفيتو” الخاص بها بصفتها عضو دائم في المجلس أدى إلى إسقاط المشروع وعدم تطبيقه. وبررت الولايات المتحدة موقفها هذا بانه بسبب عدم وجود بند يذكر حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها طبقًا للقانون الدولي، كما أنه تجنب توجيه اتهامات لـ”حماس” بارتكاب تصرفات وحشية، وتحميلها مسئولية ما حدث في 7 أكتوبر.
وقدمت الولايات المتحدة مشروع آخر لحل الأزمة في جلسة مجلس الأمن، في 25 أكتوبر. وكان ينص المشروع على “الإدانة الواضحة والقاطعة للهجمات الإرهابية الشنيعة التي شنتها حماس والجماعات الإرهابية الأخرى في إسرائيل، وكذلك أخذ وقتل الرهائن والقتل والتعذيب والاغتصاب والعنف الجنسي واستمرار الإطلاق العشوائي للصواريخ”، وأكد أيضًا على “الحق الأصيل لجميع الدول في الدفاع الفردي والجماعي عن النفس”، وعلى “ضرورة امتثال الدول الأعضاء- لدى الرد على الهجمات الإرهابية – لجميع التزاماتها بموجب القانون الدولي”، بالإضافة إلى الدعوة إلى “اتخاذ جميع التدابير اللازمة التي تشمل على وجه التحديد الهدن الإنسانية، للسماح بالوصول الكامل والسريع والآمن ودون عوائق للمساعدات الإنسانية إلى غزة”. ولكن تم رفض المشروع بعد استخدام كلًا من روسيا والصين لحق النقض (الفيتو) الخاص بهما كعضوين دائمين في مجلس الأمن، بالإضافة إلى اعتراض الإمارات وامتناع دولتين من الأعضاء عن التصويت. وتم الرفض بصورة رئيسية لهذا المشروع لأنه لا يدعو صراحة لوقف إطلاق النار، ويُحمل حماس فقط مسئولية التصعيد الحالي[22].
وبشكل عام، تتلاقى الأولويات الأمريكية (والغربية) مع مطالب المندوب الإسرائيلي لدى مجلس الأمن، عندما حدد إطارها في أربعة محاور لأية مناقشات مستقبلية، أولها؛ مساواة حماس بتنظيمي داعش والقاعدة بوصفهم جماعات إرهابية، وتحميلها مسؤولية ما يحدث في قطاع غزة، وتوفير الدعم الكامل لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وأخيرًا، مطالبة حماس بإطلاق سراح جميع الرهائن المختطفين على الفور وبدون شروط[23].
وبعد أن أخفق مجلس الأمن الدولي أربع مرات في اتخاذ إجراء باعتباره الجهاز المنوط به حفظ السلم والأمن الدوليين، حيث أعلنت الأمم المتحدة في 25 أكتوبر 2023 أن مجلس الأمن الدولي فشل في تمرير مشروعي قرارين أحدهما روسي والأخر أمريكي بشأن حرب غزة. فقد تقدم الأردن نيابة عن المجموعة العربية بالأمم المتحدة، في 27 أكتوبر 2023، بمشروع قرار بشأن هدنة إنسانية فورية دائمة في غزة ومستدامة تفضي إلى وقف الأعمال العدائية، وتوفير السلع والخدمات الأساسية للمدنيين في شتى أنحاء غزة فورًا وبدون عوائق. وقد أيد القرار 121 دولة، وعارضته 14 دولة (منها الولايات المتحدة)، فيما امتنعت 44 دولة عن التصويت، وذلك من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة[24].
واعتمد مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، في 15 نوفمبر 2023، قرارًا يدعو إلى “إقامة هدن وممرات إنسانية عاجلة في جميع أنحاء قطاع غزة والإفراج الفوري عن جميع الرهائن”. وصدر القرار بتأييد 12 عضوًا وامتناع الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والمملكة المتحدة عن التصويت. وصاغ القرار مالطا التي ترأس مجموعة عمل مجلس الأمن حول الأطفال والصراعات المسلحة. وكانت هذه هي المحاولة الخامسة في المجلس لاعتماد مشروع قرار حول التصعيد في غزة منذ السابع من أكتوبر، ولم يتمكن المجلس في المرات السابقة من اعتماد أي من مشاريع القرارات التي طرحت عليه إما لاستخدام الفيتو أو عدم الحصول على العدد الكافي من الأصوات.
ووفقًا للأمم المتحدة، اقترح السفير الروسي لدى الأمم المتحدة قبل التصويت إضافة تعديل شفهي لمشروع القرار يدعو إلى “هدنة إنسانية فورية ودائمة ومستدامة تؤدي إلى وقف الاعمال العدائية”. وطرح رئيس مجلس الأمن للشهر الحالي، السفير الصيني، التعديل للتصويت، وأيد التعديل 5 أعضاء واعترضت عليه الولايات المتحدة الأمريكية وامتنع 9 أعضاء عن التصويت، وبذلك لم يعتمد التعديل لعدم حصوله على العدد الكافي من الأصوات[25].
ولا تزال واشنطن ترفض وقف إطلاق النار وإنهاء العدوان الإسرائيلي علي قطاع غزة. ففي حين تطالب المقترحات المقدمة من روسيا والبرازيل لمجلس الأمن بوقف إنساني فوري ودائم لإطلاق النار من أجل إدخال المساعدات الغذائية والطبية، لكن الولايات المتحدة تدعو إلى فترات وقف مؤقتة فحسب لإطلاق النار بهدف السماح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة[26].
ومؤخرًا؛ استخدمت الولايات المتحدة، في 8 ديسمبر 2023، “الفيتو” ضد القرار الصادر عن الجمعية العامة بناءً علي دعوة غير مسبوقة وجهها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش إلى مجلس الأمن الدولي عبر رسالة أرسلها بموجب المادة 99 من ميثاق المنظمة للتعبير عن خشيته من “انهيار كامل ووشيك للنظام العام” في قطاع غزة. ونص القرار علي “وقف إطلاق نار إنساني فوري” وإلى حماية المدنيين وإتاحة وصول المساعدات الإنسانية و”الإفراج الفوري وغير المشروط” عن كل الرهائن[27]. وقال نائب المندوبة الأميركية روبرت وود: “في حين تدعم الولايات المتحدة بشدة السلام المستدام الذي يتيح للإسرائيليين والفلسطينيين العيش بأمن وسلام، لا ندعم الدعوات إلى وقف فوري لإطلاق النار”. ورأى أن ذلك “سيؤدي فقط إلى زرع بذور الحرب المقبلة، لأنه لا رغبة لحماس برؤية سلام مستدام أو حل الدولتين”[28].
وهو ما دفع دول عربية للمطالبة باجتماع خاص للجمعية العامة للأمم المتحدة، وتم الاجتماع بالفعل، وتبنت الجمعية العامة بأغلبية ساحقة ، في 12 ديسمبر 2023، قرارًا غير ملزم يدعو إلى “وقف إطلاق نار إنساني فوري” في غزة. وصوتت الهيئة التي تضم جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وعددها 193، بأغلبية 153 صوتًا لصالح القرار، أي أكثر من عدد الدول التي تؤيد عادة القرارات التي تدين روسيا بسبب غزوها أوكرانيا (نحو 140 دولة). وصوتت عشر دول من بينها الولايات المتحدة وإسرائيل ضد القرار، بينما امتنعت 23 دولة عن التصويت.
وعلى غرار النص الذي تبنته الجمعية العامة في نهاية أكتوبر الماضي ودعا يومئذ إلى “هدنة إنسانية فورية ودائمة ومستدامة تؤدي إلى وقف الأعمال القتالية”، لا يدين مشروع القرار الحالي حركة حماس، وهو بند تنتقده إسرائيل والولايات المتحدة بشكل منهجي. وتساءلت السفيرة الأمريكية ليندا توماس-جرينفيلد “لم من الصعب القول من دون مواربة إن قتل الرضع وتصفية الأهالي على مرأى من أطفالهم أمر رهيب؟”، بحد زعمها. وكان الأمريكيون طلبوا تعديل مشروع القرار لتضمينه إدانة ما وصفته بـ”الهجمات الإرهابية البغيضة التي شنتها حماس” في 7 أكتوبر، لكن طلبهم رُفض[29].
في هذا السياق؛ فرغم إعلان المحكمة الجنائية الدولية، في 18 نوفمبر 2023، تقدم 5 دول بطلب للتحقيق في جرائم العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وهم دول أطراف في ميثاق روما التأسيسي للمحكمة (جنوب أفريقيا، وبنجلادش، وبوليفيا، وجزر القمر، وجيبوتي). فمن المؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية ستقوم بعرقلة التحقيق في جرائم العدوان والإبادة الجماعية التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي[30].
ج- بعد هجمات السابع من أكتوبر 2023 وإعلان إسرائيل الحرب، بدأت الولايات المتحدة بتحركاتها الدبلوماسية في المنطقة العربية، وقد بدأت هذه التحركات من خلال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الذي زار بداية إسرائيل، في 12 أكتوبر 2023، ومن ثم انطلق في جولة إقليمية شملت الأردن، والسعودية، وقطر، والإمارات، ومصر، مع لقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الأردن، وعاد بعدها إلى إسرائيل. ويمكن القول إن جولة بلينكن كانت تهدف إلى تحقيق الأهداف التالية:
- التأكيد على أن الولايات المتحدة تقف إلى جانب إسرائيل في حربها علي غزة.
- العمل على تأمين إطلاق سراح الرهائن لدي حماس، ومن بينهم 12 أو 15 أسيرًا أمريكيًا.
- معالجة الأزمة الإنسانية الموجودة في غزة عبر إدخال المساعدات عبر معبر رفح المصري[31]. علمًا أن إدارة بايدن اشترطت عدم حصول حماس على أي من تلك المساعدات[32].
- استقبال بعض الدول العربية (مصر بالأساس) اللاجئين الفلسطينيين من قطاع غزة “بشكل مؤقت””. وهذا من شأنه أن يحقق عدة أهداف لإسرائيل وأمريكا. إذ أن تفريغ القطاع من سكانه أو تقليل عددهم سيسهل الحرب الإسرائيلية عملياتيًا، وبالتالي ستقل مدة الحرب، ويقل عدد الضحايا المدنيين، الأمر الذي سيخفف الضغط على كليهما في نهاية المطاف. هذا فضلًا عن أن تهجير سكان غزة يمكن إسرائيل من تقليل أعداد مجمل الفلسطينيين الموجودين على أرض فلسطين التاريخية، ما يعد حلًا لديها لمشكلتها الديموغرافية[33].
- بناء تحالف عربي داعم للحرب على قطاع غزة، وهو أمر فشل بلينكن في تحقيقه.
- العمل على عدم توسيع المواجهة في المنطقة وحصرها في قطاع غزة[34]. وفي هذا السياق تواصلت واشنطن مع الدول التي لها تأثير على الجماعات والدول المعادية لإسرائيل، مثل قطر، لحثهم على عدم التدخل وشن هجمات معادية على إسرائيل[35].
- محاولة إنقاذ مسار التطبيع في المنطقة، خاصة مع المملكة السعودية، والتي ذكرت مصادر مختلفة أنه توقف بعد أحداث غزة.
- التوصل إلى معادلة إقليمية متفق عليها بشأن الأفق السياسي في غزة بعد انتهاء الحرب، وهو أمر لم ينجح فيه بلينكن بسبب عدم وضوح الأفق السياسي للحرب فيما يتعدى الأهداف العسكرية الانتقامية[36].
2- الدعم العسكري:
ما إن انتشر خبر عملية “طوفان الأقصى” حتى أمر بايدن بإرسال مساعدات عسكرية طارئة لإسرائيل، شملت ذخيرة وصواريخ اعتراضية خاصة بنظام القبة الحديدية. وقرر نشر حاملتي طائرات نوويتين مع مجموعتيهما القتالية في المنطقة، الأولى، هي يو إس إس جيرالد ر. فورد، وهي الأكثر تطورًا في الأسطول الأميركي والأكبر في العالم، وتحمل مع مجموعتها المقاتلة أكثر من 5000 من مشاة البحرية، وتضم قوات خاصة أميركية إضافية، ومعدات لجمع المعلومات الاستخبارية، وطائرات هجومية، وهي ترسو شرق البحر الأبيض المتوسط. والثانية، هي يو إس إس دوايت دي أيزنهاور، التي نُشرت في الخليج العربي، وذلك بهدف توجيه رسالة ردع لإيران، بعد أن كانت الأوامر الأولية صدرت بإبحارها نحو شرق البحر الأبيض المتوسط.
وتمنح حاملتا الطائرات الولايات المتحدة “قوة ضاربة” في المنطقة، إذ توفران معًا نحو 80 طائرة ذات قدرات هجومية، فضلًا عن طرادات ومدمرات وغواصات مجهزة بصواريخ توماهوك. ويمكنهما، أيضًا، مساعدة إسرائيل في صد هجمات الصواريخ الباليستية الإيرانية متوسطة المدى المحتملة. وتقول واشنطن إن وضع تلك الأصول العسكرية في المنطقة يأتي بهدف منع أي طرف آخر من استغلال فرصة خوض إسرائيل صراعًا في قطاع غزة، ومن ثم فتح جبهات إقليمية جديدة ضدها، في إشارة إلى إيران وحلفائها في المنطقة، وتحديدًا حزب الله اللبناني.
إضافة إلى ذلك، وضع 2000 عنصر من وحدة مشاة البحرية السادسة والعشرين في حالة تأهب قصوى. وتعد هذه الوحدة قوة رد سريع قادرة على القيام بعمليات خاصة، في حال صدور أوامر لها لدعم عملية إجلاء واسعة النطاق لمواطنين أو أسرى أميركيين لدى الفصائل الفلسطينية. وستنضم مجموعة أخرى من مشاة البحرية يبلغ عدد عناصرها أكثر من 4000 إلى الأسطول الأميركي قبالة سواحل فلسطين المحتلة. وتنفي إدارة بايدن وجود نية لنشر هذه القوات في أرض المعركة[37]. كما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية في أواخر أكتوبر الماضي أن الولايات المتحدة سترسل 300 جندي إضافيين إلى منطقة الشرق الأوسط، وستكون مهمتهم الأساسية تقديم الدعم في مجالات منها تفكيك العبوات الناسفة والاتصالات[38].
كما عملت الولايات المتحدة على أن تمتلك إسرائيل أنواع الأسلحة التي تحتاجها في عمليتها ضد قطاع غزة، إذ ذكر موقع “ذا انترسبت” الأميركي أن البيت الأبيض تحرك لإزالة القيود المفروضة على جميع فئات الأسلحة والذخائر التي يُسمح لإسرائيل بالوصول إليها من مخزونات الأسلحة الأميركية المخزنة في إسرائيل نفسها. وبحسب موقع “أكسيوس” الأمريكي، فإن الولايات المتحدة زودت دولة الاحتلال الإسرائيلي بما لا يقل عن 16 نوعًا من الأسلحة، خلال هذا العام، بما في ذلك الصواريخ والطائرات. كما أوضحت وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية أن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) زادت مساعداتها العسكرية لإسرائيل، خاصة الصواريخ الموجهة بالليزر لأسطول طائرات أباتشي الحربية، وقذائف 155 ملم، وأجهزة رؤية ليلية، وذخائر خارقة للتحصينات، ومركبات عسكرية جديدة[39]. وطلبت وزارة الدفاع الأمريكية تجهيز طائرات حربية إضافية لدعم أسراب طائرات “إيه-10″ و”إف-15″ و”إف-16” الموجودة في الشرق الأوسط لمساعدة إسرائيل إذا لزم الأمر[40].
وأشار تقرير صدر يوم 30 نوفمبر 2023، عن خدمة أبحاث الكونغرس، وهو الجهة البحثية التي تمد أعضاء مجلسي النواب والشيوخ بما يحتاجون من دراسات ووثائق، إلى تسريع إدارة بايدن شحنات الأسلحة الأميركية لإسرائيل منذ 7 أكتوبر الماضي. ومن أهم ما وصل إسرائيل:
- قنابل صغيرة القطر (250 رطلًا).
- صواريخ اعتراضية لتجديد القبة الحديدية الإسرائيلية (نظام قصير المدى مضاد للصواريخ وقذائف الهاون والمدفعية تدعمه الولايات المتحدة).
- ذخائر الهجوم المباشر المشترك (JDAMs) – مجموعة تحول الأسلحة غير الموجهة إلى قنابل موجهة.
- قذائف مدفعية عيار 155 مليمترًا.
- 2000 صاروخ هيلفاير موجه بالليزر لطائرات الهليكوبتر الهجومية الإسرائيلية من طراز أباتشي، إلى جانب 36000 طلقة من الذخيرة عيار 30 مليمترًا لإطلاقها بواسطة مدفع الأباتشي.
ويشير التقرير نفسه إلى طلب إسرائيلي من الولايات المتحدة الحصول على:
- 57000 قذيفة مدفعية شديدة الانفجار عيار 155 مليمترًا.
- 20000 بندقية من نوع (M4A1).
- 5000 جهاز رؤية ليلية.
- 3000 ذخيرة من طراز (M141).
- 400 قذيفة هاون عيار 120 مليمترًا.
- 75 مركبة تكتيكية خفيفة مشتركة تابعة للجيش ومشاة البحرية[41].
كذلك، فقد وافق الكونجرس الأمريكي على طلب إمداد إسرائيل بقنابل دقيقة التوجيه بقيمة 320 مليون دولار، وقبلها كان مجلس النواب اعتمد الدفعة الإضافية لدعم إسرائيل بقيمة 14.3 مليار دولار، في 2 نوفمبر 2023، لدعم اقتصادها وإمدادها بمعدات عسكرية إضافية[42]. إضافة إلى ما تحصل عليه سنويًا؛ فهي تتلقى ما قيمته 3.8 مليارات دولار من المساعدات العسكرية الأميركية، على الأقل. وعلى مدى عقود، حصلت إسرائيل على أكثر من 154 مليار دولار مساعدات عسكرية من الولايات المتحدة. وإذا أخذنا في الاعتبار نسب التضخم، فإن مجموع ما تلقته إسرائيل من الولايات المتحدة في الفترة 1946–2022، يصل إلى 245 مليار دولار أميركي تقريبًا[43].
كما استخدمت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن صلاحيات الطوارئ بموجب قانون مراقبة تصدير الأسلحة لبيع نحو 14 ألفًا من قذائف الدبابات لإسرائيل بدون مراجعة الكونغرس. وأشارت وزارة الخارجية الأميركية، في 8 ديسمبر 2023، إلى أنها أبلغت الكونغرس ببيع 13 ألفًا و981 طلقة دبابة عيار 120 مليمترًا ومعدات ذات صلة بقيمة 106.5 ملايين دولار. ولفتت وزارة الخارجية إلى أنها خلصت إلى “وجود حالة طارئة تستدعي بيع حكومة إسرائيل فورًا” الأسلحة، وبالتالي الإعفاء من مقتضيات المراجعة الاعتيادية في الكونغرس. وشددت الوزارة على أن الأسلحة المنصوص عليها في صفقة البيع سيتم تسليمها من مخزون الجيش الأميركي، وستستخدمها إسرائيل “لردع تهديدات إقليمية ولتعزيز دفاعاتها” ولن “تغير التوازن العسكري الأساسي في المنطقة”. وقد وافقت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) علي هذا الأمر، وأكدت في بيانها، أن “إسرائيل ستستخدم هذه القدرة المعززة كرادع للتهديدات في المنطقة ولتعزيز دفاعها الداخلي”، معتبرة أنه لن يكون هناك أي تأثير سلبي على الجاهزية الدفاعية الأميركية نتيجة للبيع.
وهذه القذائف جزء من عملية بيع أكبر، وفق ما كشفت وكالة “رويترز” في تقرير، في 8 ديسمبر 2023، حيث قالت إن قيمة الحزمة التي تطلب إدارة بايدن من الكونغرس الموافقة عليها تتجاوز 500 مليون دولار وتشمل 45 ألف قذيفة لدبابات ميركافا الإسرائيلية التي تستخدمها إسرائيل في عدوانها على غزة الذي أدى لاستشهاد آلاف المدنيين[44].
وفي مقابل هذا الدعم العسكري الأمريكي اللامحدود لإسرائيل، فإن واشنطن تعمل علي استهداف أنشطة حماس المالية ومصادر تمويلها. حيث أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، في 27 أكتوبر 2023، عن حزمة ثانية من العقوبات ضد أشخاص ومنظمات مرتبطة بحركة حماس. وأضافت أن العقوبات الجديدة تسلط الضوء على دور إيران في تقديم الدعم المالي واللوجستي والعملياتي للحركة. وشملت العقوبات شركات في السودان وإسبانيا ومساهمين مقيمين في تركيا في شركة تم تصنيفها في السابق على أنها جزء من المحفظة الاستثمارية لحماس.
ويأتي إعلان هذه العقوبات في الوقت الذي سافر فيه نائب وزير الخزانة الأمريكي والي أدييمو، إلى العاصمة لندن، لحشد الدعم من بريطانيا، لحملة تقليص التمويل لحركة حماس، التي يعتبرها كلا البلدين “منظمة إرهابية”. وقال أدييمو في البيان، إن هذا الإجراء “يؤكد التزام الولايات المتحدة بتفكيك شبكات تمويل حماس من خلال نشر سلطاتنا المعنية بعقوبات مكافحة الإرهاب، والعمل مع شركائنا العالميين لحرمان حماس من القدرة على استغلال النظام المالي الدولي”. وأضاف: “لن نتردد في اتخاذ إجراءات من شأنها إضعاف قدرة حماس على ارتكاب هجمات إرهابية مروعة من خلال استهداف أنشطتها المالية ومصادر تمويلها بلا هوادة”. وقال أدييمو، إنه يسعى إلى تشكيل “تحالف دولي” لمكافحة “شبكة تمويل” حركة حماس.
وكانت واشنطن قد فرضت عقوبات على عشرة من أعضاء حماس ومقدمي التسهيلات المالية للحركة، في 18 أكتوبر 2023، على وقع الحرب الذي أعقبت هجوم حماس المباغت على إسرائيل. واستهدفت العقوبات السابقة شخصيات متواجدة في غزة وغيرها، بما في ذلك السودان وتركيا والجزائر وقطر[45].
كما نقلت وكالة “بلومبرج” عن مصادر أمريكية، بأن الولايات المتحدة الأمريكية دعت دول الخليج العربية إلى المساعدة في قمع الزيادة المشتبه بها في جمع التبرعات لحركة حماس في أعقاب هجومها على إسرائيل في 7 أكتوبر. وذكرت المصادر أن اجتماع مركز مكافحة تمويل الإرهاب بالرياض، الذي كان مقررًا في نوفمبر جرى تقديمه إلى يوم 23 أكتوبر، وفيه حث وكيل وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، بريان نيلسون، دول مجلس التعاون الخليجي على تبادل المعلومات الاستخبارية التي يمكن استخدامها لفرض عقوبات أحادية أو مشتركة ضد الأفراد والكيانات المرتبطة بحماس. وأضافت أن الهدف هو وقف أي محاولة من قبل حماس للاستفادة من هجومها في 7 أكتوبر لجمع التبرعات. وتحدثت المصادر عن أن إدارة بايدن تطلب من حلفائها العرب في الخليج النظر عن كثب في عمليات الجمعيات الخيرية والكيانات المرتبطة بحماس. وتطرقت المحادثات مع دول الخليج أيضًا إلى مؤسساتها المصرفية، لأنها قد تكون عرضة لعقوبات ثانوية إذا انتقلت أي أموال من حماس عبرها[46].
وقالت وزارة الخزانة الأمريكية، في 13 ديسمبر 2023، إن الولايات المتحدة وبريطانيا فرضتا مزيدًا من العقوبات على مسؤولين ووسطاء في حركة حماس والجهاد. وأضافت الوزارة أن العقوبات تستهدف أفرادًا يعملون على استمرارية نشاط حماس، من خلال تمثيل مصالح الحركة في الخارج، وإدارة شؤونها المالية. وبذلك، تكون الولايات المتحدة وبريطانيا فرضت أربع حزم من العقوبات على حركة حماس منذ 7 أكتوبر الماضي.
وتأتي القرارات الأمريكية والبريطانية، بالتزامن مع اجتماع دولي، في 13 ديسمبر 2023، تستضيفه باريس، يهدف للبحث عن كيفية الحد من تمويل حركة حماس الفلسطينية، وأنشطتها على الإنترنت. ويشارك في الاجتماع الدولي، مسؤولون من أكثر من 20 دولة، من بينها إسرائيل، دون أي دولة عربية[47].
3- تبني الرواية الإسرائيلية:
ساهم الرئيس الأمريكي جو بايدن في دعم وترويج الرواية الإسرائيلية حول فظائع حماس وقطع رؤوس الأطفال في مؤتمره الصحفي في 11 أكتوبر 2023، والذي تحدث فيه عن الهجوم الذي تعرضت له إسرائيل، مشيرًا إلى أنه شاهد “صور أطفال مقطوعة الرأس”، قبل أن يتراجع البيت الأبيض عن تلك التصريحات ويؤكد أن بايدن، أو غيره من الأعضاء في الإدارة الأمريكية، لم يشاهد ما يثبت ذلك. قبل أن يعود جون كيربي منسق الاتصالات في البيت الأبيض، في 12 أكتوبر، للتأكيد علي أن مكتب نتنياهو عرض لقطات على وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، بالمخالفة لنفي البيت الأبيض. واعتبر في تعليقه على اللقطات التي نشرها مكتب نتنياهو للأطفال القتلى أنه ليس من شأنه التحقق من صحة تلك المنشورات، مضيفًا: “ليس لدينا أي سبب للشك في الصور الواردة من رئاسة الوزراء الإسرائيلية”.
كما ساهم بايدن بدوره في التشكيك في الرواية الخاصة بمسئولية إسرائيل حول قصف المستشفى الأهلي العربي، والمعروف إعلاميًا باسم المستشفى المعمداني، في 17 أكتوبر 2023، بما أدى إلى سقوط 471 فلسطينيًا وإصابة أكثر من 314 وفقًا لما جاء في بيان المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية في غزة أشرف القدرة في 18 أكتوبر. وقال خلال زيارته، في 18 أكتوبر 2023، إلى تل أبيب واللقاء مع نتنياهو: “يبدو كما لو أنه نفذ على يد الطرف الآخر، وليس أنتم”، رغم رفض عدد من التحليلات الغربية للرواية الإسرائيلية وحديثها عن مسئولية تل أبيب عن القصف [48]. وتبنى الرئيس الأميركي مجددًا، في 15 نوفمبر 2023، الرواية الإسرائيلية بشأن مستشفى الشفاء في قطاع غزة، مكررًا اتهامات الاحتلال لحماس باستخدام المستشفيات مقرات عسكرية[49].
وتشير التصريحات السابقة إلى التناقض القائم في التعاطي الأمريكي مع حرب غزة، وقبول وتبني وترويج كل ما يتم الإعلان عنه ضمن السردية الإسرائيلية، والتجاوز عن والتشكيك في كل ما يخالف تلك السردية. بما في ذلك تشكيك الرئيس الأمريكي جو بايدن في مصداقية تقارير وزارة الصحة في غزة عن عدد الشهداء والجرحى خلال القصف الإسرائيلي الهمجي المستمر على قطاع غزة، زاعمًا أن وزارة الصحة تديرها حماس. قال الرئيس الأمريكي: “لا أعتقد أن الفلسطينيين يقولون الحقيقة حول عدد القتلى. أنا متأكد من أن هناك أبرياء قُتلوا، وهذا هو ثمن شن حرب. لكن ليست لدي ثقة في العدد الذي يعتمده الفلسطينيون”. وفي خطوة لتجنب مزاعم التلفيق، أصدرت وزارة الصحة في غزة قائمة مكونة من 212 صفحة بأسماء وأرقام هوية كل فلسطيني استشهد في القصف الإسرائيلي المستمر[50].
ومن جانب آخر، تقيم الدعاية الأمريكية، تماثلًا بين هجوم حركة حماس على المستوطنات والثكنات العسكرية، في 7 أكتوبر 2023، وهجوم تنظيم القاعدة على الولايات المتحدة، في 11 سبتمبر 2001. وتحاول هذه الدعاية تسويق ما تعتبره “جرائم” حركة حماس ضد المدنيين وسط الرأي العام الدولي/الغربي، وإثارة حالة نفسية أو خلق مزاج سياسي شعبي في المجتمعات الغربية للتفاعل الإيجابي مع محتوى الدعاية الإسرائيلية التي تشيطن حماس، وتنزع عنها أي صفة تربطها بحركات التحرير الوطني التي واجهت الاستعمار والاحتلال عبر التاريخ، وتصبح المشكلة في الذات الفلسطينية المحتلة وليست في الذات الإسرائيلية/الاحتلال. وهو ما يشرعن لأي سياسة مجنونة قد يقدم عليها الاحتلال الإسرائيلي ولو تطلب ذلك “حرق قطاع غزة” بأكمله. كما تحاول هذه الدعاية تصوير حماس كـ”حركة عميلة” ذات أجندات خارجية تتلقى الدعم والتمويل والسلاح من دول إقليمية، وتربط هجومها على إسرائيل بالدعم الذي تلقته من إيران خلال السنوات الماضية. كما تحاول هذه الدعاية استصحاب السياقات التي دفعت إدارة الرئيس، جورج بوش الابن، في ذلك الوقت إلى تشكيل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة من أجل ما تسميه “الحرب على الإرهاب”[51].
ثانيًا: دوافع الدعم الأمريكي لإسرائيل في عدوانها علي غزة:
يمكن الإشارة إلي مجموعة من الدوافع التي تقف خلف الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل في حربها علي غزة، تتمثل أبرزها في:
1- الدوافع السياسية: فاقتراب الانتخابات الرئاسية، نوفمبر 2024، يمثل فرصة لبايدن وللديمقراطيين لتقديم أنفسهم باعتبارهم داعمين أقوياء لإسرائيل وأمنها، خاصة وأن استطلاعات الرأي تُظهر تراجع دعم الديمقراطيين لإسرائيل، وتحديدًا في صفوف الجناح التقدمي في الحزب، واستغلال الجمهوريين ذلك لاتهامهم بالتخلي عن إسرائيل، خصوصًا في ظل مساعي إدارة بايدن لإحياء الاتفاق النووي مع إيران.
وكانت علاقات بايدن قد شابها توتر كبير مع نتنياهو وحكومته اليمينية، هذا العام تحديدًا، على خلفية إصرار حكومة الأخير على تمرير حزمة قوانين “الإصلاح القضائي”، التي تسببت في انقسام إسرائيلي حاد. ويزعم الجمهوريون أن صفقة تبادل السجناء بين إيران والولايات المتحدة، في سبتمبر الماضي، وما تضمنته من إفراج مشروط عن ستة مليارات دولار مجمدة تعود لإيران، ساهمت في تمويل عملية حماس، رغم أن إيران لم تستلمها حتى الآن[52].
2- الدوافع الاستراتيجية: كان لافتًا تصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن أنه “لو لم تكن هناك إسرائيل، لكان علينا أن نخترع إسرائيل”[53]. يكشف هذا التصريح مدي قوة التحالف الوثيق بين أمريكا وإسرائيل، ومدي ما تمثله الأخيرة من أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة لواشنطن.
ويقدم كلينتون فريندايز، ضابط الاستخبارات الأسترالي السابق، والذي يعمل حاليًا أستاذًا للدراسات الدولية والسياسية في جامعة نيو ساوث ويلز؛ أطروحة مختلفة لتفسير سياسات الولايات المتحدة وحلفائها، في كتابه “القوة الإمبراطورية الفرعية: أستراليا على الساحة الدولية”، تقوم على كون الدول الأكثر قربًا من مركز السياسة الأمريكية في العالم، كالمملكة المتحدة وأستراليا وكندا وإسرائيل، امتدادات بالوكالة للمركز الإمبراطوري، أو قوى فرعية للإمبراطورية، لديها مساحة فعل وهيمنة واسعة في مجالها الحيوي. فمثلًا إذا كنا نتحدث عن إسرائيل، فهي جزء من الإمبراطورية الأمريكية، وهي بهذا الاعتبار ليست دولة عميلة، بقدر ما هي وكيل إمبراطوري بصلاحيات واسعة في مجال حيوي ضخم، والحالة هذه، المنطقة المسماة في الخطاب الاستعماري الغربي “الشرق الأوسط”، وبهذا فإن الاستفادة متبادلة، من جهة تحفظ فيها الإمبراطورية هيمنتها في هذا المجال الحيوي، ومن جهة أخرى يعظم فيها الوكيل الإمبراطوري (إسرائيل في هذه الحالة) مكاسبه من المركز الإمبراطوري.
قد يُقال، إن هذا التخادم يصلح لتفسير علاقات التابع المحض، أو العميل المطلق، لأي مركز قوة آخر، فما الذي يجعل علاقة الولايات المتحدة مختلفة مع هذه الدول دون غيرها؟. بقطع النظر عن أي اعتبارات أيديولوجية، متصلة برؤية الذات البيضاء الواحدة، أو بالجذور الثقافية والدينية، أو بالمسار الاستعماري التاريخي الغربي، فإنه يمكن القول إن الهرم الإمبراطوري لا بد له من مركز، ثم تراتبية تالية في المركز، بحيث لا تتساوى دول من مثل اليابان وكوريا الجنوبية بدول من مثل أستراليا وبريطانيا وإسرائيل بل تأتي في مرتبة تالية بعدها، ومن ثم فإن دولًا مهما ارتبطت بمصالح عميقة مع الولايات المتحدة، كدول الخليج العربي مثلًا أو مصر، فإنها بالضرورة دون إسرائيل في مراتب الهرم الإمبراطوري. وهذا الفارق في الرتبة، هو الفرق بين الوكيل الإمبراطوري (أو القوة الإمبراطورية الفرعية) وبين التابع المطلق، بحيث لا بد من ضمان هيمنة الوكيل الإمبراطوري على مجاله الحيوي، بضمان تفوقه.
وهذا، على أية حال، فيما تعلق بإسرائيل معلن في الخطابين الأمريكي والإسرائيلي تجاه سياسات التسلح في المنطقة، إذ إن شرطها الجوهري هو عدم الإخلال بالتوازن، الذي يقصد به التميز العسكري النوعي لإسرائيل، ولم يكن التلكؤ الأمريكي الواضح في إنفاذ صفقة طائرات F35 مع الإمارات إلا في هذا السياق، مما يعني أنه لا يمكن استنساخ إسرائيل أخرى من خلال وكيل إمبراطوري إضافي في المجال الحيوي نفسه، فكل وكيل جديد في المجال نفسه هو في مرتبة دنيا من إسرائيل، وهذا في جانب ما يفسر الحالة العربية المزرية إزاء العدوان الإسرائيلي على غزة، لأن الأمر هو محض مراتب، بين تابع ووكيل إمبراطوري.
فالدول التابعة، والتي هي في الرتبة دون الوكيل الإمبراطوري؛ قد تحظى بحماية المركز الإمبراطوري، لكنها دائمًا في موضع الاستغلال والابتزاز، والفائدة المرجوة من تبعيتها للمركز الإمبراطوري مقتصرة على نخبها الحاكمة، بينما تدفع الثمن من مجتمعاتها وعلى حساب استقلالها في تطوير سياسات خاصة ببلادها وتنمية مواردها. وفي المنطقة العربية؛ لا بد وأن يدفع الثمن أيضًا من الكيس الفلسطيني، ومن ثم فأحسن تفسير لسياسات الدول العربية بخصوص فلسطين؛ هو موقعها من هذا الهرم الإمبراطوري الذي تأتي فيه في آخر الذيل، وفي مرتبة تابعة للوكيل الإمبراطوري، والذي هو، وللمفارقة، عدو الأمة.
في سياق الهيبة، تحدث رأس الإمبراطورية بايدن؛ عن كون ضربة حماس استهدفت درة تاج المشروع التطبيعي الممثل في الصفقة السعودية/ الإسرائيلية بتدبير من المركز الإمبراطوري، أي تطبيع وظيفة الوكيل الإمبراطوري الذي يتسم بطبيعة خاصة من جهة افتقاده للكيانية الطبيعية في بيئة معادية، واستهدفت (أي ضربة حماس) بحسب بايدن؛ مشروع الخط التجاري الذي يبدأ بالهند ويمر بالإمارات والسعودية والأردن وينتهي بريًا بالوكيل الإمبراطوري إسرائيل قبل أن تنطلق السفن من موانئه إلى أوروبا، وقد صار من نافلة القول إنه مشروع أمريكي، يضم في جملة أهدافه حصار الصين اقتصاديًا وجيوسياسيًا، وتثبيت الهيمنة الأمريكية في “الشرق الأوسط” من خلال الوكيل الإمبراطوري “إسرائيل”، في بيئة أكثر قبولًا وتبعية لهذا الوكيل من قبل، وبنحو يؤبد هذه التبعية، وبما يقتضي تصفية القضية الفلسطينية.
لكن لا ينبغي في ختام هذه الرؤية، أن نغفل عن كون الهيبة الإمبراطورية لم يكن لها إلا أن تنتفض بهذا النحو الهائج بعد ضربة حماس لإسرائيل، بعدما تهشمت الهيبة الإمبراطورية بانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان على يد هذه الإدارة نفسها، وتعثرها في مواجهة روسيا في الحرب الأوكرانية. وعليه فبدرجة ما، لم يكن تدخل المركز إسنادًا للوكيل الإمبراطوري المترنح فحسب، ولكن أيضًا دفاعًا عن الهيبة الآخذة في التآكل[54]. ومن جانب آخر، فإن العقبة الأساسية التي برزت أمام أمن وسلامة مشروع الممر الاقتصادي هو الجزء المرتبط بالأراضي المحتلة حتي ميناء حيفا، ولذلك فربما وجدت إدارة بايدن في اندلاع “طوفان الأقصى” ردًا على الاستفزازات الإسرائيلية فرصة لإزالة هذه العقبة نهائيًا[55].
3- الدوافع الدينية: ويمكن توضيح مدى تأثير البعد الديني في الإدارة الأمريكية الحالية، من خلال الخطابات الأخيرة للرئيس الأمريكي بايدن، فهو لا يفتأ يعيد تصريحًا أطلقه منذ عقود يتباهى فيه بصهيونيته، “لا تحتاج أن تكون يهوديًا حتى تكون صهيونيًا”، وحديثه عن العناية الإلهية للصهاينة، وادعائه أخلاقية الجيش الإسرائيلي في الحرب، وتأكيد التزامه كمسيحي في استئصال سرطان كراهية اليهود. كذلك كانت معظم لقاءات وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، مع الإسرائيليين، ذات دلالات دينية عميقة، إذ قال خلال زيارته لإسرائيل بعد “طوفان الأقصى”: “جئت إلى إسرائيل كمواطن يهودي أولًا قبل أن أكون وزير خارجية، لقد فر جدي موريس بلينكن من المذابح في روسيا، ونجا زوج والدتي صامويل بيسار من معسكرات الاعتقال في أوشفيتز وداخاو ومايدانيك”.
استعلاء البعد الديني والهوياتي في الصراع والحجج الدينية الجياشة ظهرت بشكل فج في الكونغرس، على سبيل المثال يتبنى مايك جونسون، رئيس مجلس النواب الأمريكي الحالي، موقف المسيحيين الصهاينة من القضية الفلسطينية، ويتمسك بالتفسير الديني للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. فعند حديث جونسون عن الصراع الدائر بين حماس وإسرائيل عقب “طوفان الأقصى”، لم يعتبر فقط أن حماية إسرائيل من أول أولويات الكونغرس الأخلاقية، بل ذهب إلى أن الحرب ضد حماس نوع من حرب مقدسة تشنها اليهودية بالتحالف مع المسيحية ضد البربرية، ويجب أن تستمر الحرب حتى نهاية التاريخ. ويلخص جونسون موقفه من إسرائيل في ترديد جملة لا تفارقه، فيقول: “بصفتي مسيحي مؤمن بالكتاب المقدس، الإنجيل يوجهنا بوضوح إلى الوقوف بجانب إسرائيل، ويخبرنا أن الله يبارك الأمة التي تساند إسرائيل”.
ومن اللافت حقيقة أن وقت اشتعال الصراع الأخير بين حماس والكيان الصهيوني، رشح الرئيس جو بايدن سفيرًا للولايات المتحدة في إسرائيل يدعى جاك ليو، وبالفعل صدق مجلس الشيوخ الأمريكي في 1 نوفمبر 2023 على تعيينه. جاك ليو يهودي متدين، وفي غاية التعصب تجاه الفلسطينيين، ومشهور بتاريخه الطويل في دعم الجماعات الصهيونية بالولايات المتحدة، ويعتبر جاك ليو نفسه من خلال منصبه الجديد أنه يخوض معركة ضد حماس دونما اعتبار لمصير الفلسطينيين بغزة، لحد قوله في جلسته الأخيرة بمجلس الشيوخ: “لا أتذكر وقتًا في حياتي لم تكن فيه إسرائيل في صدارة ذهني”. وحين ذهب جاك ليو إلى إسرائيل كسفير للولايات المتحدة، كان أول شيء قام به زيارة حائط المبكى، وصلى مع حاخام حائط المبكى شموئيل رابينوفيتش.
هذا إضافة إلى ظهور سيل الأدبيات الغربية والجمعيات الثقافية والإنجيلية المتشددة، التي تؤمن أن الله سيغضب على الإدارة الأمريكية إذا تخلت عن إسرائيل في هذا الوقت. وما زالت هذه المنظمات التي لها تأثير كبير على الأمور المتعلقة بفلسطين، تمارس نفوذًا على صانع القرار الأمريكي، وتؤثر في الرأي العام للوقوف خلف إسرائيل، وبالتالي إن موقف العداء الأمريكي تجاه حماس لا يستهدفها فقط كحركة مقاومة مسلحة بقدر ما يستهدف مرجعيتها، فالإدارة الأمريكية الحالية اتبعت سياسات انطوت صراحة على بعد أيديولوجي متطرف[56].
وبالتالي، لا يمكن فهم دوافع الولايات المتحدة لاتخاذ مثل هذه الموقف من دون العودة للعامل الديني الذي يعد حجر الأساس الأهم في مصادر الدعم لإسرائيل داخل الولايات المتحدة. فجماعات المسيحيين اليمينيين “البروتستانت الإنجيليين” في أمريكا، تدفع للتعجيل بسيطرة إسرائيل الكاملة على كل أرض فلسطين المقدسة، إيمانًا منها بأن هذا يسرع عودة المسيح الثانية. فعقيدة البروتستانت الإنجيليين مفادھا أنه قبل نھاية العالم سیرجع المسیح، ويمكث في الأرض ألف سنة مع المسیحیین المؤمنین، وبعد ذلك تنتھي الدنیا. ولكن المسیح – وفق ھذه العقیدة – لن يرجع إلى الأرض قبل أن يرجع جمیع الیھود إلى فلسطین. وتأثرت العقيدة البروتستانتية كثيرًا باليهودية، ونتج عن هذا التأثر تعايش يشبه التحالف المقدس بين البروتستانتية واليهودية بصورة عامة، وخلقت علاقة أكثر خصوصية بين الصهيونية اليهودية والبروتستانتية الأصولية.
ولهذه الحركة ما يقرب من 80 مليون تابع داخل الولايات المتحدة. ويشهد الإعلام الأمريكي حضورًا متزايدًا لهذه التيار، إذ إن هناك ما يقرب من 100 محطة تلفزيونية، إضافة إلى أكثر من ألف محطة إذاعية، ويعمل في مجال التبشير به ما يقرب من 80 ألف قسيس.
تترجم حركة المسيحية الصهيونية أفكارها إلى سياسات داعمة لإسرائيل، وتطلب ذلك خلق منظمات ومؤسسات تعمل بجد نحو تحقيق هذا الهدف. لذا، قامت حركة المسيحية الصهيونية بإنشاء عديد من المؤسسات مثل “اللجنة المسيحية الإسرائيلية للعلاقات العامة”، و”مؤسسة الائتلاف الوحدوي الوطني من أجل إسرائيل”، ومن أهداف هذه المؤسسات دعم إسرائيل لدى المؤسسات الأمريكية المختلفة، السياسي منها وغير السياسي. وخلال السنوات الأخيرة، أصبحت منظمة “مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل”، التي يرأسها القس جو هاجي، من أهم هذه المؤسسات ذات النفوذ الطاغي في السياسة الأمريكية[57].
ورغم وجود جماعات ضغط ذات مصالح خاصة داخل الولايات المتحدة، إلا أنها لم تتمكن من التأثير في مسار السياسة الأمريكية بقدر تأثير اللوبي الصهيوني الذي أصبحت لديه قدرة على توجيه السياسة الأمريكية لخدمة مصالح إسرائيل. وتعتبر لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية “إيباك” من أبرز منظمات اللوبي التي تعمل مباشرة لصالح الكيان الصهيوني، لدرجة أن مشاركة الرؤساء الأمريكيين وكبار رجال الدولة في الاجتماع السنوي لها أصبح أمرًا روتينيًا[58]. ومن الصعب أن ينجح أي مرشح أمريكي للرئاسة أو للمناصب العامة من دون دعم من هذا اللوبي، فعلى سبيل المثال فإن نحو 60% من تمويلات الحملات الانتخابية في الحزب الديمقراطي ونحو 30% في الحزب الجمهوري تأتي من متبرعين يهود؛ رغم أن نسبة اليهود في الولايات المتحدة لا تزيد على 2% فقط[59]. وفي الوقت الذي يصوت فيه اليهود الأميركيون بنسبة كبيرة للمرشحين الديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية، يصوت المسيحيون المتصهينون بنسبة كبيرة جدا للمرشحين الجمهوريين. وحصد الرئيس السابق دونالد ترامب في انتخابات 2016 و2020 على نحو 80% من أصوات هذه الكتلة التصويتية[60].
وفي مقابل هذا التحالف المقدس بين البروتستانتية واليهودية، فإن ارتباط المقاومة الفلسطينية بالإسلام ساهم في زيادة العداء الأمريكي لها. فبعد انهيار الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي عمومًا في نهايات الثمانينيات من القرن الماضي، كان الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، بحاجة إلى الانشغال بمقارعة عدو جديد، ولأسباب مختلفة اختير الإسلام ليكون هذا العدو. فتمت شيطنة الإسلام وأهله، وتحويل أتباعه بشكل تلقائي إلى إرهابيين يثيرون الرعب ولا يمكن الثقة بهم. والمؤسف أن بعض الحركات المنحرفة التي رفعت راية الإسلام قد أسهمت في تعزيز الصور النمطية الخاطئة والمجحفة عن الإسلام والمسلمين، ومنحت الغرب الفرصة لتعميم تلك الصور على كل من يرتبط اسمه بالإسلام. وبما أن المقاومة الإسلامية في فلسطين هي التي تتصدر ساحة المقاومة مند سنوات، وبلا منازع، في غياب شبه كلي لحركات المقاومة العلمانية، التي انقلبت على أعقابها أو انزوت أو حتى خضعت للكيان الصهيوني وأصبحت تلعب دور كلب الحراسة له، فقد تم وسم المقاومة الإسلامية بكل التهم الممكنة، ووصفها بالإرهاب، ووضعها في سلة واحدة مع بعض الحركات التي أجمع العالم على وجوب حربها، مثل داعش. ومن هنا يمكن أن نفهم سهولة انجراف العالم لدعم الكيان الصهيوني في مواجهة حركة حماس، التي تمثل في مخيال الكثيرين من أبناء الغرب حركة إسلامية إرهابية لا بد من إبادتها[61].
5- الدوافع الفكرية: منذ إنشائه عنوة على حساب فلسطين وأهلها، ورغم الجرائم الفظيعة التي لم يتوقف يومًا عن ارتكابها ضد كل ما هو إنساني وأخلاقي وشرعي ونبيل، حرص إعلام الدول المتآمرة التي أقامت الكيان الصهيوني على فبركة وترويج صورة خادعة وزائفة لذلك الكيان، بتصويره واحة للديمقراطية والحرية والعلم والتحضر والازدهار، وكأنه قطعة من الغرب، وسط صحراء مقفرة تهيمن عليها دول قمعية متخلفة، تتأبط شرًا وتتحرق شوقًا لتدمير ذلك الكيان ورمي أبنائه “الأبرياء المساكين” في البحر. وعلى الرغم من الصحة الجزئية لتلك الصورة، وخاصة فيما يتصل بتخلف المحيط العربي وافتقاره تمامًا للحرية والديمقراطية، ورفضه التام للكيان الدخيل المتطفل الذي أُقحم على العالم العربي بالقوة، إلا أنها تظل صورة كاذبة ملفقة بكل تأكيد، فالكيان الصهيوني هو كيان عنصري بامتياز، يطبق نسخة مشوهة وهشة وشكلية من الديمقراطية، بينما ينقضها بما لا حصر له من الإجراءات المريعة، التي تعصف بقيم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، ضد العرب، وبدرجة أقل ضد اليهود الشرقيين. على كل حال، نتيجة لفرض تلك الصورة المختلقة على العالم من جانب وسائل الإعلام العالمية الكبرى التي يسيطر اليهود على كثير منها، استقر في وعي الكثير من الغربيين أن الاعتداء على الكيان الصهيوني، أو تهديده يشكل اعتداء لا يمكن القبول به على قيم الحرية والديمقراطية التي ينادون بها، ولو كذبًا[62].
6- الدوافع التاريخية: تعد “عقدة الهولوكوست” والشعور بالذنب الغربي عما حدث من مذابح في حق اليهود، خصوصًا على يد ألمانيا النازية، في الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، والنظر إلى المستوطنين الصهاينة في فلسطين بوصفهم فارين من الاضطهاد، و”عائدين لأرضهم” من أبرز الأسباب التي تدفع نحو تجاهل المجازر الفظيعة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في حق الشعب الفلسطيني، بل تبرئته منها. في الوقت نفسه، تمكنت إسرائيل من تعميق هذه العقدة في الوجدان الغربي، واستخدمت سلاح الاتهام بـ”العداء للسامية” لإسكات أي شخصية سياسية أو عامة تعارضها. لذلك، انتشر على نطاق واسع الخوف من توجيه أي اتهامات بحقها، مهما كان سلوكها عدوانيًا. وفي الوقت نفسه، يُنظر إلى الفلسطينيين على أنهم معادون للسامية، ويريدون طرد اليهود من “ملجئهم الوحيد والأخير”[63].
ثالثًا: حدود الدعم الأمريكي لإسرائيل في عدوانها علي غزة:
رغم أن الولايات المتحدة حتى الآن لا تتخذ موقفًا علنيًا يطالب بوقف دائم لإطلاق النار، إلا أنها تمارس ضغوطًا على الحكومة الإسرائيلية في عدة نقاط، تتمثل في التالي:
1- تكتيكات التوغل البري: قبل شن إسرائيل لعملياتها البرية ضد قطاع غزة، أبدت الولايات المتحدة اعتراضها على التكتيكات التي سيتبعها جيش الاحتلال الإسرائيلي في الحرب. ففي حين رأت إسرائيل شن هجوم بري واسع، كانت الولايات المتحدة تطرح تكتيكًا آخر، يتمثل في استخدام الطائرات لتنفيذ غارات دقيقة على البنية التحتية لحركة حماس، مع استخدام القوات الخاصة ضد أهداف محددة على الأرض، بدلًا من شن هجوم بري واسع النطاق[64].
وفي هذا السياق؛ أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، في 16 أكتوبر 2023، أن إسرائيل سترتكب خطأ إذا احتلت غزة بريًا[65]. كما قال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، لشبكة “إيه بس سي”، في 25 أكتوبر 2023، أن: “أول شيء يجب أن يعرفه الجميع، وأعتقد أن الجميع يعرفه، هو أن القتال داخل المدن صعب للغاية”.
فيما ذكر مسؤولون أمريكيون لصحيفة “نيويورك تايمز”، أن إسرائيل عليها أن تختار بين أسلوبين خلال محاولتها القضاء على حركة “حماس”. وأوضحوا أن الأسلوب الأول “استخدام الضربات الجوية المحددة جنبًا إلى جنب مع الغارات التي تحددها قوات العمليات الخاصة، كما فعلت الطائرات الحربية الأمريكية والقوات العراقية والكردية لتخليص الموصل من مقاتلي “الدولة الإسلامية” (داعش). وأشاروا إلى أن الأسلوب الثاني هو “التوغل في غزة بالدبابات والمشاة، كما فعل مشاة البحرية الأميركية والجنود، إلى جانب القوات العراقية والبريطانية، في الفلوجة عام 2004”. وقال المسؤولون إن “كلا التكتيكين سيؤدي إلى خسائر فادحة، لكن العملية البرية قد تكون أكثر دموية للقوات والمدنيين”. وذكرت الصحيفة أن العديد من المسؤولين في “البنتاجون” يعتقدون أن “عملية الموصل في العراق، والتي جرت بعد أكثر من عقد من الحرب في الفلوجة، هي نموذج أفضل لحرب المدن”[66].
ومؤخرًا، أفصح نتنياهو عن الموقف الأمريكي صراحة، حين أخبر نوابًا في الكنيست أن “الأمريكيين لم يرغبوا في أن ندخل في عملية برية.. ولم يرغبوا بأن ندخل إلى مجمع الشفاء، لكننا قمنا بهذا وبذاك أيضًا”[67].
ومؤخرًا، نقلت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية عن مسؤولون أمريكيون قولهم أنه لا تزال لدى إسرائيل ما وصفوها بـ”أهداف عسكرية مشروعة” في جنوب غزة، تبرر هجومها المستمر حول خان يونس وغيرها من المناطق التي يُعتقد أن كبار نشطاء حركة حماس يتواجدون فيها، إلا أن واشنطن تتوقع تحولًا في التكتيكات بعيدًا عن الهجوم البري الكامل، نحو غارات متلاحقة لملاحقة كبار قادة حماس وأهداف أخرى عالية القيمة، مع وجود عدد أقل من القوات على الأرض[68].
2- السعي لوجود هدنات إنسانية: سعت الإدارة الأمريكية إلى التوصل لهدنة مؤقتة للحرب، تصل خلالها المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. فخلال اتصال هاتفي مع نتنياهو، في 6 نوفمبر 2023، أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن علي دعمه الثابت لإسرائيل، مع التشديد على “حماية المدنيين الفلسطينيين، وتقليل الأضرار التي تلحق بهم أثناء العمليات العسكرية، كما ناقش إمكانية عمل فترات توقف تكتيكية لتوفير فرص للمدنيين للخروج بأمان من مناطق القتال المستمر، ولضمان وصول المساعدة إلى المدنيين المحتاجين، ولتمكين إطلاق سراح الرهائن المحتمل”. في المقابل، كانت التعليقات الصحفية من قبل نتنياهو ترفض المقترحات الأمريكية بشأن الهدنة الإنسانية[69].
ومع الضغط الأمريكي المتواصل علي إسرائيل للوصول إلي هذه الهدنة، فقد نجحت الوساطة القطرية في التوصل لهدنة إنسانية في 24 نوفمبر 2023. ثم عملت واشنطن على تمديد هذه الهدنة. حيث أشار وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إلى أن الإدارة الأمريكية تريد استمرار الهدنة؛ لأنها أتاحت إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة، واستمرارها يعني إطلاق سراح المزيد، هذا بجانب دخول المساعدات للقطاع. وفي هذا السياق، جاء اجتماع رؤساء أجهزة المخابرات الأميركية والمصرية والإسرائيلية في الدوحة، في 28 نوفمبر 2023[70]. لكن إسرائيل كسرت الهدنة واستأنفت عدوانها على القطاع في 1 ديسمبر 2023. والتقى بايدن، في 12 ديسمبر 2023، للمرة الأولى بعائلات الأسرى الأمريكيين ووعد بالعمل على إعادتهم سالمين. وإذا ما استمر العدوان الإسرائيلي كما يحدث الآن ربما لا يتمكن بايدن من تحقيق هذا الوعد[71]. خاصة بعدما فشلت محاولات الاحتلال المتكررة لتحرير الأسرى بالقوة وتسببها بمقتلهم بدل تحريرهم، وهو خلاف قائم بين واشنطن وتل أبيب منذ بداية الحرب، إذ كان إخراج حملة الجنسية الأميركية على رأس أولويات بايدن[72].
3- وضع قيود على الهجوم البري جنوبًا: تسعى الإدارة الأمريكية إلى تجنب وقوع المزيد من الضحايا المدنيين، أو النزوح الجماعي كما حدث قبل الهدنة الإنسانية. ولذلك، أشارت تقارير أمريكية استنادًا إلى تصريحات لكبار المسئولين الأمريكيين، إلى أن إدارة الرئيس جو بايدن أبلغت إسرائيل بأنه يجب عليها العمل على تجنب المزيد من التهجير الكبير للمدنيين الفلسطينيين في جنوب غزة إذا جددت حملتها البرية التي تهدف، في رؤية إسرائيل، إلى القضاء على حركة حماس بعد انقضاء الهدنة الإنسانية، فضلًا عن تجنب الهجوم على البنية التحتية مثل محطات الكهرباء، والمياه، والمستشفيات في جنوب ووسط غزة[73]. ويأتي الموقف الأمريكي في ظل التخوف من تفاقم الكارثة الإنسانية في غزة، إذ أن معظم سكان القطاع موجودون في الجنوب بما فيهم النازحون من الشمال. كما أن الهجوم البري جنوبًا قد يتسبب في مشكلات لواشنطن مع القاهرة، التي ترفض خطة التهجير حتى الآن. ما يعني أن تهجير الفلسطينيين قسرًا من غزة إلى مصر – كما يطالب به بعض الباحثين الإسرائيليين – من شأنه أن يصعد الأزمة إقليميًا، الأمر الذي ترغب الولايات المتحدة في تجنبه.
وفي هذا السياق؛ أكد منسق اتصالات البيت الأبيض، جون كيربي، أن واشنطن “لا تدعم إسرائيل في شنها عمليات في جنوب غزة، في غياب خطة متماسكة لحماية المدنيين”[74]. فيما قال وزير الدفاع لويد أوستن، في 3 ديسمبر 2023، إنه من المهم أن تقوم إسرائيل بحماية المدنيين في غزة. وأضاف: “إذا دفعتهم إلى أحضان العدو، فإنك تستبدل النصر التكتيكي بهزيمة استراتيجية. لذلك أوضحت مرارًا لقادة إسرائيل أن حماية المدنيين في غزة هي مسؤولية أخلاقية وضرورة استراتيجية، على حد سواء”[75].
ووجه وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، في 7 ديسمبر 2023، انتقادات مباشرة لإسرائيل بقوله إن هناك فجوة بين نواياها المعلنة لحماية المدنيين وبين عدد القتلى المدنيين بالفعل، وأضاف بلينكن في مؤتمر صحفي عقب اجتماعه مع وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون في واشنطن: “بينما نقف هنا بعد مرور ما يقرب من أسبوع على هذه الحملة في الجنوب… يظل من الضروري أن تولي إسرائيل أهمية لحماية المدنيين. لا تزال هناك فجوة بين النية لحماية المدنيين والنتائج الفعلية التي نراها على الأرض”، وأن “الخسائر في صفوف المدنيين لا تزال مرتفعة للغاية، وأنه يجب على إسرائيل تكثيف جهودها لتقليلها”. كما دعا بلينكن إسرائيل إلى زيادة تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة[76].
وفي المقابل؛ لا يبدو أن نتنياهو يلتزم بهذه القيود الأمريكية، فبمجرد انتهاء للهدنة واستئناف إسرائيل عدوانها على القطاع، في 1 ديسمبر 2023، فقد قصفت الطائرات والمدافع والبوارج الحربية جميع أنحاء غزة، واستهدفت مدارس ومباني سكنية في شمال ووسط وجنوب القطاع بكثافة ربما تزيد عما كانت تفعله قبل الهدنة[77].
4- توجيه ضربة لحزب الله: تعمل بعض الأصوات داخل الحكومة الإسرائيلية على الدفع لتوجيه ضربة استباقية قوية لحزب الله اللبناني، الأمر الذي يقلق الإدارة الأمريكية خشية توسع الصراع. وقد أشارت صحيفة “نيويورك تايمز” إلى أن مسؤولين أميركيين أعربوا عن قلقهم من تأييد وزير الحرب الإسرائيلي، يوآف غالانت، وعدد من المسؤولين العسكريين لتوجيه ضربة استباقية لحزب الله. ونقلت الصحيفة أن المسؤولين الأمريكيين حثوا نظراءهم الإسرائيليين على ضرورة التحلي بالحذر، والتأكد من أن تصرفاتهم في الشمال ضد حزب الله وفي الجنوب في غزة لا توفر ذريعة لحزب الله لدخول الحرب[78].
5- تحديد مدى زمني للحرب: انطلاقًا من خلاف إدارة بايدن مع إسرائيل على مسألة الاجتياح البري الواسع من حيث الأصل، فإن واشنطن ترغب في تحديد وقت للعملية الإسرائيلية[79]. فمؤخرًا، صرح بايدن، في 29 نوفمبر 2023، أن “استمرار الحرب يعطي حماس ما تريد ولا يجب فعل ذلك”، مدعيًا أن هجوم حماس كان “هجومًا إرهابيًا”، وأن ما تسعى إليه هو استمرار العنف والقتل، وأن ما تخشاه حماس هو العيش في سلام بين الفلسطينيين وإسرائيل[80].
وفي هذا السياق؛ نقل موقع “بوليتيكو” الأمريكي عن ثلاثة مسؤولين إسرائيليين قولهم إن إدارة الرئيس الأميركي أمهلت إسرائيل حتى نهاية العام الحالي (2023) لإنهاء حربها على حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وأن بلينكن شدد على هذا الموعد النهائي خلال زيارته إلى تل أبيب في 30 نوفمبر الماضي. من ناحية أخرى، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن بلينكن أفاد في اجتماع مع المجلس الوزاري الحربي الإسرائيلي بأن “الهجمات يجب أن تنتهي في غضون أسابيع، وليس أشهر”. وذلك قبل أن يعود وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في 10 ديسمبر 2023، ليؤكد بأن إسرائيل هي من ستقرر متى ستنتهي الحرب في غزة[81].
وما يمكن استنتاجه من هذه التصريحات السابقة، أن الولايات المتحدة وإن كانت لا تمنح إسرائيل إطارًا زمنيًا واضحًا لاستكمال العملية العسكرية في غزة، لكنها تشير إلى أن الوقت محدود ومن الضروري إنهاء الأعمال العدائية في أسرع وقت ممكن[82]. وأنه إذا كانت إسرائيل ستواصل حملتها لمدة طويلة، فسيكون عليها أن تتعامل مع حقيقتين: الأولى ألا يهاجموا أي مواقع بها كثافة سكانية مرتفعة، والثانية عليهم أن يسمحوا بتدفق المساعدات الإنسانية للقطاع[83].
في المقابل، فإن نتنياهو يريد أن تستمر هذه الحرب لأطول وقت ممكن، أو أن تتواصل على الأقل حتى الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر 2024؛ لأنه في اليوم الذي تنتهي فيه الحرب، لن تلبث أن تجتاح إسرائيل موجة من الاحتجاجات التي لم يشهد الكيان مثلها من قبل، وربما لن يتأخر بعدها انهيار ائتلافه الحاكم؛ ما يعني تقديمه للمساءلة وانتهاء مسيرته السياسية[84].
ومؤخرًا؛ قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في 13 ديسمبر 2023، إن حكومته “ستستمر حتى النهاية، حتى النصر، حتى تدمير (حماس). لا شك في هذا”. وأضاف نتنياهو في زيارة لمعسكر قوات المدرعات بالمنطقة الجنوبية: “لن توقفنا الضغوط الدولية”. جاءت تصريحات نتنياهو بعد قليل من تصريحات لوزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، أكد فيها أن حكومته لن توقف النار في غزة في هذه المرحلة لأن ذلك سيكون خطأ، وأن إسرائيل ستواصل حربها حتى دون دعم دولي. وأضاف كوهين: “ستواصل إسرائيل الحرب على (حماس) سواء بالدعم الدولي أو دونه. وقف إطلاق النار في المرحلة الحالية سيكون هدية لمنظمة (حماس) وسيسمح لها بتهديد سكان إسرائيل مرة أخري”[85].
وهناك قلق لدى المسؤولين الإسرائيليين من طرح مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان موعدًا نهائيًا لإنهاء العملية العسكرية خلال زيارته لإسرائيل في 12 ديسمبر 2023[86]. وذكرت “القناة 12” الإسرائيلية أن إسرائيل ستعرض على سوليفان خلال زيارته ما قالت إنه جدول زمني للحرب على قطاع غزة. ووفقًا للجدول الزمني الإسرائيلي فإن من المتوقع أن تُنهي إسرائيل مرحلة القتال العنيف بحلول نهاية يناير المقبل. وأشارت إلى أن الأميركيين كانوا يهدفون في البداية إلى الانتهاء من ذلك بحلول عيد الميلاد، أي بداية يناير 2024، ولكن في ظل الوضع الحالي، لا ترى إسرائيل ذلك ممكنًا. وأضافت أن إسرائيل ستكون بحاجة إلى بضعة أسابيع أخرى بعد انتهاء القتال، لاستكمال انسحاب القوات من قلب غزة ونشرها في الخطوط الدفاعية، بعضها داخل القطاع وبعضها خارجه. وبحسب القناة، فإن التقديرات في إسرائيل تفيد بأن مرحلة استكمال القضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ستمتد على مدى عام 2024، وتشمل تدمير قدرتها العسكرية عبر عمليات وغارات للجيش الإسرائيلي. وأوضحت أن الأهم لإسرائيل هو استمرار السيطرة الأمنية (على غزة) في المستقبل المنظور[87].
6- معاقبة المستوطنين الذين يهاجمون الفلسطينيين: مع إدراك الإدارة الأمريكية أن الحكومة اليمينية الإسرائيلية لا تحاول بجدية وقف عنف المستوطنين الإسرائيليين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة ومنعه، أعلن الرئيس الأمريكي لأول مرة، في ١٨ نوفمبر 2023، أن الولايات المتحدة مستعدة لفرض عقوبات على المستوطنين الإسرائيليين المتورطين في هجمات ضد الفلسطينيين. وقد ذكر بايدن، في مقال بصحيفة “واشنطن بوست”، أنه دعا خلال لقاءاته بالمسئولين الإسرائيليين إلى وقف “العنف المتطرف” ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، وضرورة خضوع أولئك الذين يرتكبون أعمال العنف للمساءلة. وقد أعلن في المقال عن استعداد الولايات المتحدة لإصدار حظر على تأشيرات الدخول ضد المتطرفين الذين يهاجمون المدنيين في الضفة الغربية[88]. وذكرت صحيفة “بوليتيكو” الأمريكية أن بايدن كلف وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ووزيرة الخزانة جانيت يلين “بتجهيز قيود في مجال التأشيرات وكذلك عقوبات ضد المستوطنين الإسرائيليين المتطرفين الذين يهاجمون الفلسطينيين ويطردونهم في الضفة الغربية”[89].
7– الخلاف حول مرحلة ما بعد الحرب: ففي حين يصر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو علي أن إسرائيل ستحتفظ بوجود أمني مفتوح في غزة. ويتحدث المسؤولون الإسرائيليون عن فرض منطقة عازلة لإبعاد الفلسطينيين عن الحدود الإسرائيلية. ويستبعدون أي دور للسلطة الفلسطينية في مستقبل حكم غزة.
في المقابل، طرحت الولايات المتحدة رؤية مختلفة كثيرًا. وقال مسؤولون كبار إنهم لن يسمحوا لإسرائيل بإعادة احتلال غزة أو تقليص أراضيها الصغيرة بالفعل. وقد دعوا مرارًا إلى ضرورة أن تلعب السلطة الفلسطينية “المعاد تنشيطها” دورًا في غزة ما بعد الحرب، وإن إسرائيل يجب أن تسعى إلى حل الدولتين بمشاركة السلطة الفلسطينية.
وقد طرحت نائبة الرئيس كامالا هاريس، ربما أوضح رؤية أمريكية خلال خطاب ألقته في مؤتمر صحفي خلال قمة المناخ COP28 في دبي مؤخرًا، في 3 ديسمبر 2023، وقالت: “هناك خمسة مبادئ توجه نهجنا تجاه غزة ما بعد الصراع: لا تهجير قسريًا، لا إعادة احتلال، لا حصار، لا تقليص في الأراضي، لا استخدام غزة كمنصة للإرهاب”. وأضافت: “نريد أن نرى غزة والضفة الغربية موحدة تحت قيادة السلطة الفلسطينية، ويجب أن تكون الأصوات والتطلعات الفلسطينية في قلب هذا العمل”[90].
ومؤخرًا؛ أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن، أمام المانحين الديمقراطيين في واشنطن في 12 ديسمبر 2023، أنه على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يتخذ قرارًا صعبًا، وهو تغيير تلك الحكومة الأكثر تشددًا في تاريخ إسرائيل، والتي لا تريد حل الدولتين، وذلك إذا أراد إيجاد حل نهائي طويل الأمد للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. كما أشار إلي أن “إسرائيل بدأت تفقد الدعم الدولي بسبب القصف العشوائي”. وأضاف أن “نتنياهو صديق جيد لكنني أعتقد أنه يجب أن يتغير، لا يمكن أن يرفض إقامة دولة فلسطينية في المستقبل”.
وكان بايدن قد أقر، في 11 ديسمبر 2023، خلال حفل استقبال في البيت الأبيض بمناسبة عيد الأنوار اليهودية (حانوكا)، بأن إسرائيل كانت في “موقف صعب”، عقب هجوم حماس في 7 أكتوبر والحرب اللاحقة في غزة، وألمح إلى وجود خلافات مع نتنياهو وسط القتال الدائر. وفي حفل الاستقبال، قال بايدن إنه أهدى نتنياهو ذات مرة صورة وكتب في أعلاها: “أنا أحبك ولكني لا أتفق مع أي شيء كان عليك قوله”. وقال بايدن: “الأمر نفسه تقريبًا اليوم”، مضيفًا إنه “كانت لدي خلافاتي مع بعض القادة الإسرائيليين”.
وقبل ساعات من تصريحات بايدن، أقر نتنياهو، في 12 ديسمبر 2023، بوجود خلاف مع الرئيس الأمريكي حول “اليوم التالي” للحرب في غزة ومرحلة “ما بعد حماس”. وقال: “إنني أقدر بشدة الدعم الأمريكي لتدمير حماس وإعادة رهائننا”. وأضاف: “بعد حوار مكثف مع الرئيس بايدن وفريقه، حصلنا على الدعم الكامل للتوغل البري وصد الضغوط الدولية لوقف الحرب”. وتابع: “نعم هناك خلاف حول اليوم التالي لحماس، وآمل أن نتوصل إلى اتفاق حول هذا أيضًا”، مشددًا على “أنه لن يسمح لإسرائيل أن تكرر خطأ أوسلو”. وقال: “بعد التضحيات الكبيرة التي قدمها مدنيونا وجنودنا، لن أسمح بدخول غزة لأولئك الذين يقومون بتعليم الإرهاب ودعم الإرهاب وتمويل الإرهاب”، وهي اتهامات وجهها بالسابق إلى السلطة الفلسطينية[91].
وهناك عدة عوامل تضافرت لتدفع الولايات المتحدة إلى هذا التغير الجزئي في موقفها من الحرب على غزة. ويمكن حصر هذه الأسباب في الآتي:
– صعوبة القضاء على المقاومة: إن إدارة بايدن وعبر دعمها المبكر للمجهود الحربي الإسرائيلي في غزة، كانت تنطلق بالأساس من فكرة أن تقديم دعم عسكري مطلق لإسرائيل، من شأنه أن يسمح لها أن تحقق نصرًا عسكريًا ساحقًا في غزة، وإنهاء البنية التحتية لحركة حماس، وبالتالي إنهاء هذه الحرب بأقل التكاليف[92]. ولكن رغم هذا الدعم الأمريكي اللامحدود لإسرائيل، إلا إن ذلك لم يغير شيئًا من مجريات الحرب، فرغم استمرار الحرب لنحو شهر ونصف، لم تستطع دولة الاحتلال الإسرائيلي بعد السيطرة على شمال قطاع غزة. ورغم محاولاتها فصل شمال القطاع، ثم التوجه نحو الجنوب، لا تزال المعارك تدور في الشمال، هذا فضلًا عن أن مد الحرب للجنوب سيأتي مصحوبًا بتحديات ميدانية أكبر، نظرًا لوجود أعداد أكبر من المدنيين النازحين[93]. فضلًا عن نجاح المقاومة في إيقاع العديد من الخسائر العسكرية في صفوف القوات الإسرائيلية المتقدمة، وتحديدًا على مستوى الدبابات والمدرعات[94].
– وجود رهائن أمريكيين لدي حماس: حيث تسعي واشنطن إليتأمين إطلاق سراح الرهائن الأمريكيين الذين تحتجزهم حماس، والذين يقدر عددهم بـ 13 مواطنًا أمريكيًا، وضمان سلامة المواطنين الأمريكيين المحاصرين في غزة والذي يبلغ عددهم حوالي 600 مواطن أمريكي، وهي أهداف ذات أولوية وأهمية خاصة للإدارة الأمريكية، وفي هذا الإطار تحاول واشنطن إلى حد ما حث إسرائيل على ضبط النفس والحد من الخسائر في صفوف المدنيين[95].
وحساسية هذا الملف هي ما دفعت إلي المشاركة العسكرية الأمريكية على الأرض لإطلاق سراح هؤلاء الأسرى. فالبيت الأبيض يرفض أي مشاركة برية مع إسرائيل في المعارك، لكنه يستثني تحرير الرهائن الأمريكيين من هذا الرفض.
ويخشى الحزب الديمقراطي من تعرض الأسرى لأي مكروه قد يؤدي إلى أزمة تشبه أزمة الرهائن الأمريكيين في طهران عام 1979، التي استمرت 444 يومًا، وقادت في النهاية إلى خسارة الرئيس الديمقراطي آنذاك، جيمي كارتر، للولاية الثانية أمام المرشح الجمهوري حينها، رونالد ريغان. وتُعد حساسية هذا الملف ربما السبب في طلب واشنطن في وقت سابق من تل أبيب أن تؤجل هجومها البري على القطاع حتى لا يُقتل الرهائن الأمريكيين[96]. كما أن هذا الملف كان أحد الأسباب الرئيسية في التوصل إلي الهدنة الإنسانية وفتح معبر رفح المصري لخروج هؤلاء الرهائن. وهو أيضَا أحد الدوافع الهامة لدعوات واشنطن لعودة الهدن الإنسانية لإطلاق مزيد من هؤلاء الرهائن اللذين لاتزال تحتفظ بهم حماس.
– تزايد استهداف الوجود الأمريكي في المنطقة: مع ارتفاع التكلفة الإنسانية للحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، تتصاعد الهجمات التي تُنسب إلى ميليشيات موالية لإيران ضد القوات الأمريكية في العراق وسوريا؛ وقد أكد المتحدث الرسمي باسم البنتاجون باتريك رايدر، في 13 ديسمبر 2023، أن القواعد الأمريكية في سوريا والعراق، تعرضت منذ 17 أكتوبر الماضي لـ92 هجومًا بطائرات مسيرة وقصف صاروخي، من قبل مجموعات مدعومة من إيران[97]. وقد سبق أن ذكر المتحدث باسم وزارة الدفاع بات رايدر، أن 21 موظفًا أمريكيًا قد أصيبوا في اثنتين من تلك الهجمات عندما استهدفت الطائرات بدون طيار قاعدة الأسد الجوية في العراق، وقاعدة التنف في سوريا[98].
ويمثل ما تتعرض له القواعد العسكرية الأمريكية في عين الأسد وحرير في العراق، والتنف في سوريا، نموذجًا لما يمكن أن يتعرض له نحو 2500 جندي أمريكي في العراق، ونحو 900 جندي في سوريا. وفي ظل وجود ما يزيد عن 40 ألف جندي أمريكي في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، فربما يكون هؤلاء الجنود والقواعد العسكرية الأمريكية في مرمى استهداف محور المقاومة[99].
وقد كشف تقرير لوكالة “رويترز”، في ٢٤ أكتوبر 2023، عن اتخاذ الجيش الأمريكي خطوات جديدة لحماية قواته في الشرق الأوسط مع تزايد المخاوف من هجمات تشنها مليشيات مدعومة من إيران. وتشمل تلك الإجراءات زيادة الدوريات العسكرية الأمريكية، وتقييد الوصول إلى مرافق القواعد الأمريكية، وزيادة جمع المعلومات الاستخبارية، من خلال الطائرات من دون طيار وعمليات المراقبة الأخرى. بجانب تعزيز المراقبة من أبراج الحراسة على المنشآت العسكرية الأمريكية، والإجراءات الأمنية عند نقاط الوصول إلى القواعد، وزيادة العمليات لمواجهة الطائرات من دون طيار والصواريخ والقذائف المحتملة ضد القواعد الأمريكية. وذكر التقرير أن الجيش الأمريكي يترك الباب مفتوحًا أمام إمكانية إجلاء عائلات العسكريين الأمريكيين إذا لزم الأمر[100].
وهناك تخوف لدى الإدارة الأمريكية، ولدى العديد من المحللين الأمريكيين، من أن ارتفاع التكلفة الإنسانية للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، وارتفاع نسب المعارضة العربية للولايات المتحدة لدعمها اللامتناهي لإسرائيل قد يحدث تحولًا في نهج الميليشيات المسلحة الموالية لإيران في المنطقة من استهداف القواعد العسكرية الأمريكية إلى أخذ جنود أمريكيين رهائن، وكذلك محاولات قتل جنود أو دبلوماسيين أمريكيين بعدد من الدول العربية التي تنشط بها.
وربما ذلك ما يفسر طلب وزارة الخارجية الأمريكية المواطنين الأمريكيين بعدم السفر إلى العراق لأسباب أمنية، وقد سبق أن أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تحذيرًا أمنيًا تنصح فيه الأمريكيين في الخارج بتوخي مزيد من الحذر بسبب احتمال وقوع أعمال عنف وزيادة التوترات في مواقع مختلفة حول العالم. وبالفعل طلبت وزارة الخارجية الأمريكية من بعض الدبلوماسيين الأمريكيين غير الأساسيين في سفارة بغداد وقنصلية أربيل مغادرة العراق بسبب التهديدات الأمنية المتزايدة، وكذلك حثت مواطنيها الراغبين في مغادرة لبنان على سرعة القيام بذلك الآن[101].
هذا فضلًا عن التخوف الأمريكي من أن يدفع الغزو البري الإسرائيلي الشامل لقطاع غزة إلى حرب إقليمية في منطقة الشرق الأوسط ينخرط فيها وكلاء إيران المسلحين في المنطقة. هذا التخوف يمكن تلمسه في حرص الرئيس جو بايدن، إلى جانب بعض المؤسسات الأمريكية، على غرار وزارتى الدفاع والخارجية، على نفى وجود مؤشرات توحي بأن إيران طرف رئيسي في المواجهة الحالية، بعد أن أشار تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال”، في 9 أكتوبر 2023، إلى أن الضوء الأخضر للعملية العسكرية مٌنح خلال اجتماع بين قادة في الحرس الثوري وحركة حماس في بيروت، في 2 من الشهر نفسه، وأن التخطيط للعملية بدأ منذ نحو شهرين[102].
وقد تزايد هذا التخوف الأمريكي بعد الضربات التي ينفذها حزب الله اللبناني ردًا على الضربات الإسرائيلية الموجهة للأراضي اللبنانية، هذا بجانب إعلان الحوثيين “أنصار الله” في اليمن في نهاية أكتوبر الماضي أنها دخلت الحرب ضد إسرائيل، وبدأت في إطلاق رشقات صاروخية مستهدفة إسرائيل، لدعم حركة حماس. وهو أمر في حال تفاقم سيجر المنطقة بالفعل لحرب إقليمية، خاصة أن الصواريخ التي يطلقها الحوثيون تمر عبر البحر الأحمر؛ مما يهدد الممرات الملاحية ولا سيما منطقة مضيق باب المندب[103].
ومؤخرًا؛ ارتفعت مخاطر الكلفة الاقتصادية العالية للعدوان الإسرائيلي بالفعل، بعد تكثيف الحوثيين هجماتهم على السفن التجارية الإسرائيلية أو المتجهة صوب إسرائيل في البحر الأحمر، مما يهدد بأزمة كبيرة ستؤثر على حركة النقل الدولي، والاقتصاد العالمي. فمنذ أن استولى الحوثيون على سفينة “غالاكسي ليدر”، يتجنب كثير من السفن المرتبطة بإسرائيل المرور في البحر الأحمر، وتضطر هذه السفن إلى الدوران حول أفريقيا، مما يعني ارتفاع تكاليف النقل والتأمين. هذا في ظل الشكوك بشأن تشكيل تحالف إقليمي لمواجهة تلك التهديدات، مع تسارع التحركات السعودية خلال الأيام الماضية؛ لاستكمال مباحثات السلام في اليمن[104].
– الأولويات الاستراتيجية الأمريكية: ليس لدى واشنطن استعداد في الوقت الراهن لخوض صراع طويل في الشرق الأوسط ولا الانشغال به، إذ ترغب في التوصل لحل سريع للأزمة، وذلك لأن تركيزها الاستراتيجي منصب في الأساس على منطقة شرق آسيا. ففي عام 2011، أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، استراتيجيتها المسماة “التوجه نحو آسيا”؛ لهدف رئيسي وهو احتواء الصعود الصيني. واستمرت هذه السياسة في عهد الرئيس دونالد ترامب، ثم خلفه جو بايدن، حيث نصت استراتيجية الأمن القومي الأمريكي لعام 2022، على أن “الصين هي المنافس الوحيد الذي تجتمع لديه النية لإعادة تشكيل النظام الدولي، مع القوة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية المتزايدة للقيام بذلك”. وعلى هذا، كان الملف الرئيسي الذي تركز عليه واشنطن قبل تاريخ 7 أكتوبر، هو حربها الاقتصادية مع الصين؛ بهدف منعها من حيازة التكنولوجيا التي تمكنها من إنتاج أشباه الموصلات، والذكاء الاصطناعي، وغيرها من مجالات التكنولوجيا الفائقة.
وبموازاة ذلك، عملت الولايات المتحدة على ما سُمي بـ”اتفاقات أبراهام”، حيث سعى ترامب ومن بعده بايدن إلى تطبيع علاقات دولة الاحتلال الإسرائيلي مع المحيط العربي والإسلامي. وكان آخر ذلك جهود الإدارة الأمريكية الحالية لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية.
لكن “طوفان الأقصى” جاءت في اتجاه معاكس للرغبة الأمريكية، ولذلك لا تريد الولايات المتحدة أن تتورط في المنطقة في الوقت الراهن، لأن ذلك يخالف استراتيجيتها الكبرى في احتواء الصين. وبالتالي فإن احتواء الحرب الجارية جغرافيًا بحيث تكون محصورة في غزة، وزمانيًا بحيث لا تكون صراعًا ممتدًا هو أحد الأهداف الأمريكية[105]. خاصة وأن هناك قلق لدى مسؤولي الدفاع الأمريكيين من أن إطالة أمد الحرب أو اتساع نطاقها ليشمل الجبهة الشمالية ضد حزب الله، قد يؤثر على إمدادات الأسلحة الأمريكية إلى أوكرانيا، حيث تستخدم كل من القوات الإسرائيلية والأوكرانية قذيفة مدفعية عيار 155 ملم أمريكية الصنع[106].
كما تخشى الولايات المتحدة أن يؤدي الصراع والفوضى في الشرق الأوسط إلى التأثير في إمدادات الطاقة العالمية خاصة الغاز والنفط من الخليج وشرق المتوسط، وهو ما سيؤدي إلى العودة بطرق خلفية للغاز والنفط الروسي، ورفع أسعار الطاقة. وتراقب واشنطن بقلق التقديرات التي تقول إن سعر برميل النفط قد يصل إلى 150 دولارًا حال توسع الصراع أو إطالة أمده[107].
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، ولكن تمتد آثار الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل إلى إضعاف قدرة واشنطن على حشد الدعم لمواقفها بشأن قضايا متعددة، من بينها الحرب الأوكرانية ضد روسيا، وربما تايوان ضد الصين فيما بعد. لاسيما وأن روسيا والصين اتخذتا منذ بدء الحرب في غزة منحى مختلف أكثر دعمًا للفلسطينيين، يستهدف تعزيز نفوذهما الشعبي والرسمي في منطقة الشرق الأوسط والجنوب العالمي في إطار منافستهما المتصاعدة مع واشنطن وحلفائها الغربيين[108]. وقد لاقت دعوات روسيا والصين المتعددة لوقف إطلاق النار، وضرورة إيصال المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين في قطاع غزة، واستخدامهما حق النقض “الفيتو” ضد مشروع القرار الأمريكي في مجلس الأمن الدولي لإدانة حماس ودعم إسرائيل، ترحيبًا كبيرًا من الدول والشعوب العربية[109].
– تصاعد الضغوط الدولية: تسبب الموقف الأمريكي الداعم بشكل مطلق لإسرائيل وعدوانها الغاشم على قطاع غزة في الإضرار بمصداقية الولايات المتحدة كقوة عظمى ترفع شعارات احترام القانون الدولي في العلاقات بين الدول. إذ إن الهجمات الإسرائيلية تنتهك القانون الإنساني الدولي، وتتسبب في مقتل آلاف المدنيين والأطفال والنساء. كما أن إسرائيل تمنع تدفقات المساعدات الإنسانية اللازمة والضرورية للقطاع[110].
الموقف الأمريكي الداعم لإسرائيل جاء أيضًا مناقضًا بشكل صارخ لموقفها من الهجوم الروسي على أوكرانيا، والذي تصفه موسكو بأنه “عملية عسكرية خاصة تهدف إلى حماية الأمن القومي الروسي” بينما يصفه الغرب بأنه “غزو عدواني غير مبرر”. ففي الوقت الذي حشدت فيه إدارة بايدن دعمًا غربيًا كاسحًا لأوكرانيا في وجه ما تصفه بأنه “احتلال” روسي لأوكرانيا، وفرت الإدارة نفسها وحلفائها جميع سبل الدعم المادي والعسكري واللوجستي والسياسي والإعلامي للاحتلال الإسرائيلي في عدوانه على غزة.
تسبب هذا التناقض في الموقف الأمريكي من العدوان الإسرائيلي على فقدان الموقف الأمريكي الدعم الدولي، خاصة من الجنوب العالمي بصورة غير مسبوقة، وتجلى ذلك في التصويت لوقف الحرب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي جاء في المرة الأولى بأغلبية 121 صوتًا، لكنه جاء في المرة الثانية، 12 ديسمبر 2023، بأغلبية 151 صوتًا، في مؤشر لافت على عزلة إسرائيل الدبلوماسية عالميًا، وهو ما ينعكس بالضرورة على الموقف الدبلوماسي الأمريكي كذلك[111].
وكانت بريطانيا – الضلع الثاني الداعم لإسرائيل – قد امتنعت عن التصويت على مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي، في 9 ديسمبر 2023، يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، بعد أن استخدمت حق النقض “الفيتو”؛ لإفشال مشروع قرار مماثل تقدمت به روسيا إلى مجلس الأمن في أكتوبر الماضي.
ومن اللافت أيضًا صدور بيان مشترك لكل من كندا وأستراليا ونيوزيلندا، في 13 ديسمبر 2023، أكد على دعم هذه الدول “للجهود الدولية العاجلة لتحقيق وقف دائم لإطلاق النار في غزة”. معبرين عن شعورهم بالقلق “إزاء تقلص المساحة الآمنة للمدنيين في غزة”، حيث أشاروا إلى أنه “لا يمكن أن تكون المعاناة المستمرة لجميع المدنيين الفلسطينيين هي ثمن هزيمة حماس”.
يلاحظ أن تغير موقف الدول الأربعة المشار إليها أعلاه، تجتمع معًا في مجموعة دول “العيون الخمس”؛ هي: الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وكندا، وأستراليا، ونيوزيلندا، تم إنشاؤه بعد الحرب العالمية الثانية؛ لتنسيق الجهود الاستخباراتية. هذا التجمع “الأنغلوساكسوني” يعد بمثابة “صفوة الصفوة” الذي يضم الحلفاء الأشد قربًا من الولايات المتحدة. لذا، عندما تتحرك هذه الدول تحركًا جماعيًا، فإن ذلك يدل على أن تنسيقًا مسبقًا سبق هذا التحرك. من هنا فإن الرئيس الأميركي، جو بايدن، فضل أن يقود الانعطافة المهمة تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة، بالتنسيق مع دول “العيون الخمس”، وليس منفردًا؛ ويقصد بهذه الانعطافة كلمته خلال فعالية جمع تبرعات لحملته الانتخابية بواشنطن، إن “الإسرائيليين بدؤوا يفقدون الدعم الدولي”.
ويحاول بايدن من خلف هذه الانعطافة استنقاذ سمعة الولايات المتحدة بعد التورط الفج في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة؛ مما أدى إلى تصاعد الاحتجاجات ليس ضد إسرائيل فقط، بل وضد الولايات المتحدة بصفة خاصة. وهو الأمر الذي دفع بايدن إلى القول: إن “هناك مخاوف حقيقية في مختلف أنحاء العالم من أن تفقد أميركا مركزها الأخلاقي؛ بسبب دعمنا إسرائيل”[112].
– الضغوط داخل مؤسسات الدولة الأمريكية: ظهرت خلافات داخل المؤسسات الأمريكية إزاء الموقف الأمريكي الأولي من الحرب، حيث نقلت صحيفة “فايننشال تايمز” الأمريكية أن نائبة مدير وكالة المخابرات المركزية للتحليل، أبدت تعاطفها مع الفلسطينيين، عبر تغيير صورة غلاف حسابها على موقع “فيسبوك” إلى صورة رجل يلوح بالعلم الفلسطيني. واعتبرت الصحيفة أن نشر صورة سياسية علنية على منصة عامة تعد خطوة غير عادية للغاية بالنسبة لمسؤول استخباراتي كبير. وكرد على ذلك، نشرت وكالة المخابرات المركزية بيانًا، قالت فيه: “إن ضباط وكالة المخابرات المركزية ملتزمون بالموضوعية التحليلية، التي هي جوهر ما نقوم به كوكالة. وقد يكون لدى ضباط وكالة المخابرات المركزية وجهات نظر شخصية، ولكن هذا لا يقلل من التزامهم – أو التزام وكالة المخابرات المركزية – بالتحليل غير المتحيز”. لكن أشفعت الاستخبارات الأمريكية هذا البيان برسالة بريدية إلى الموظفين العاملين في الوكالة، تذكرهم فيها بـ”سياسة الوكالة الحالية”. وفي رسالتها هذه، حذرت موظفيها من مشاركة منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تحمل رسائل سياسية.
هذه الآراء المعارضة امتدت إلى مؤسسات أخرى، كالبيت الأبيض، حيث نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرًا أشار إلى أن “البيت الأبيض شهد اضطرابًا غير مسبوق بين مجموعة من الموظفين، تحديدًا من الشباب وكبار مستشاري بايدن، جراء تداعيات الحرب في غزة”. هذا الخلاف داخل الإدارة دفع مسؤولين أمريكيين للقول بأن “النطاق الاستثنائي للمعارضة داخل الحكومة – بما في ذلك الرسائل المفتوحة من موظفي الحكومة – يتجاوز أي شيء شوهد في الإدارات السابقة منذ الثمانينات، بما في ذلك خلال حرب العراق، والقيود التي فرضها الرئيس دونالد ترامب على السفر من الدول ذات الأغلبية المسلمة”، وفق ما نقلت شبكة “إن بي سي نيوز” الأمريكية.
وتشهد وزارة الخارجية الأمريكية بعض الخلافات أيضًا، حيث كشفت شبكة “سي إن إن” أن وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، اعترف في رسالة إلكترونية إلى الموظفين، بوجود خلافات داخل وزارته بشأن مقاربتها من الحرب. وربما كانت الإشارة الأبرز على هذه الخلافات هي تقديم مدير مكتب شؤون الكونغرس والشؤون العامة في مكتب الشؤون السياسية والعسكرية بالخارجية الأميركية، جوش بول، لاستقالته. وأرجع المسؤول الأمريكي، الذي ظل في منصبه 11 عامًا، قراره إلى أنه “لا يستطيع دعم المزيد من المساعدة العسكرية الأميركية لإسرائيل”، واصفًا موقف واشنطن بأنه “رد فعل اندفاعي” قائم على “الإفلاس الفكري”. أضف إلى ذلك، وقع أكثر من 100 موظف في وزارة الخارجية الأمريكية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وثيقة تطالب بإعادة تقييم الموقف الأمريكي من الحرب ووقف إطلاق النار في غزة، وفق ما نشره موقع “أكسيوس” في 13 نوفمبر 2023. وأيضًا أورد موقع “هاف بوست” الأمريكي، نقلًا عن مسؤول في الخارجية الأمريكية، أن عاملين في الوزارة قدموا إلى وزير الخارجية ما لا يقل عن ستة خطابات معارضة رسمية بشأن سياسة بايدن في غزة[113]، وتطالب هذه الخطابات الحكومة الأمريكية بالكثير من الإجراءات من أهمها؛ النداء بوقف إطلاق نار فوري، وانتقاد ورفض انتهاكات القانون الدولي وحقوق الإنسان التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي بشكل علني؛ لأن هذا ما يتوافق مع القيم التي لطالما نادت بها الولايات المتحدة، وأن القيام بغير ذلك يضع واشنطن في موقف حرج أمام المجتمع الدولي، بسبب عدم التزامها بالمعايير الدولية والإنسانية التي تنادي بها وتحميها.
ولكن يجب الإشارة إلي أن هذا الموقف لا يتوافق عليه جميع الدبلوماسيين والسياسيين الأمريكيين؛ انطلاقًا من أن كبار السياسيين الأمريكيين في المناصب القيادية ما زالوا يتبعون سياسة الدعم الكامل لإسرائيل، وهو ما يعد السبب الأساسي لعدم تغير الخطاب الأمريكي الرسمي إلى الآن في هذا الشأن، مما يشكل انقسامًا داخليًا واضحًا بين الدبلوماسيين والسياسيين في واشنطن، ومن المرجح أيضًا أن يزداد هذا الانقسام مع مرور الوقت، وهو ما سيكون له تأثير واضح بدون شك على قوة الموقف الأمريكي أو اتجاهه[114].
– الضغط داخل الكونغرس: فهناك ضغط من قبل بعض أعضاء الكونغرس الوازنين، الذين يرفضون الدعم الأمريكي المفتوح لإسرائيل. وظهر ذلك في دعوة السيناتور الديمقراطي، كريس ميرفي، إلى ربط المساعدات الأمريكية القادمة لإسرائيل بامتثالها للقانون الإنساني الدولي. كما ظهر أيضًا في مطالبة السيناتور بيرني ساندرز، بوضع حد لـ”نهج الشيكات على بياض” لتمويل أمن إسرائيل، حيث أوضح أن هذا الدعم يجب أن يكون مشروطًا بوقف القصف وعنف المستوطنين في الضفة الغربية، والالتزام بعدم احتلال إسرائيل لقطاع غزة[115].
ورفض مجلس الشيوخ الأميركي، في 6 ديسمبر 2023، طلبًا قدمه البيت الأبيض لإقرار حزمة مساعدات طارئة بقيمة 106 مليارات دولار، تستفيد منه بالدرجة الأولى أوكرانيا وإسرائيل، حيث ستحصل إسرائيل علي 14 مليار دولار. وفي التصويت التمهيدي الذي أجري في مجلس الشيوخ لتحديد ما إذا كان ينبغي لهم طرح طلب الميزانية المعني للتصويت، صوت السيناتور المستقل بيرني ساندرز، بالإضافة إلى العديد من الجمهوريين، بـ”لا”. وبينما كان مطلوبًا 60 صوتًا لطرح مشروع القانون للتصويت، صوت 49 عضوًا بـ “لا” و51 عضوًا بـ “نعم”[116].
– ضغوط قواعد الحزب الديمقراطي: يعد تصاعد صوت الجناح المعارض للدعم المطلق لإسرائيل في الحزب الديمقراطي أحد أسباب تغير موقف الإدارة الأمريكية أيضًا. فقواعد الحزب الديمقراطي على وجه الخصوص تتخذ موقفًا سلبيًا متصاعدًا من دولة الاحتلال الإسرائيلي، وحتى من قبل الحرب الجارية. ففي أبريل 2023، أجرت جامعة ميريلاند الأميركية استطلاعًا للرأي أوضح أن 44 بالمئة من الديمقراطيين يرون إسرائيل كدولة فصل عنصري، بينما يرى 34 بالمئة أنها “دولة ديمقراطية معيبة”. ويتوافق هذا مع ما استطلاع آخر أجرته مؤسسة “غالوب”، في مارس 2022، أظهر أن 49 بالمئة من الديمقراطيين الذين شملهم الاستطلاع يتعاطفون مع الفلسطينيين، مقارنة بـ 38 بالمئة يتعاطفون مع الإسرائيليين.
ومع اشتداد حدة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، كثف الجناح التقدمي داخل الحزب الديمقراطي من جهوده لإيقاف الحرب، حيث نقلت صحيفة “بوليتيكو” الأمريكية عن سيناتور ديمقراطي في مجلس الشيوخ قوله إن “التقدميين لا يبدو أنهم سيتراجعون عن أولوياتهم بشأن إسرائيل وغزة”، مشيرًا إلى أن عددًا من نواب هذا التيار ينسبون الفضل إلى جهودهم وضغوطهم في التوصل لاتفاق الهدنة الإنسانية. وهذا ما أكدته النائبة الديمقراطية، أيانا بريسلي، التي أشارت إلى أهمية الاستمرار في الضغط حتى التوصل إلى وقف كامل لإطلاق النار.
هذه الخلافات داخل الحزب الديمقراطي تنذر أيضًا بضعف حملته الانتخابية المنتظرة. وربما ظهر شيء من ذلك في إرسال موظفي الحملة الانتخابية السابقة للرئيس بايدن، رسالة إليه يطالبونه فيها بالدعوة إلى وقف إطلاق النار. وكانت غوين شرودر، التي عملت في فريق بايدن الرقمي خلال انتخابات 2020، واحدة من الموقعين على الرسالة، إذ قالت: “أنا لا أشعر بالخجل لانتخاب بايدن، لكنني أعيش صراعًا كل يوم؛ أهذه هي الإدارة التي حاربت بشدة في سبيلها؟”[117].
– أصوات العرب والمسلمين في أمريكا: يعد قرب الانتخابات الأمريكية عاملًا آخر يدفع الإدارة الأمريكية إلى إعادة الحسابات ومحاولة إظهار قدر من التوازن في الموقف من الحرب الجارية. فالحزب الديمقراطي – الذي يسعى للفوز بالانتخابات المقبلة – يعتمد على أوساط اليسار والأفارقة واللاتينيين والأقليات بشكل عام، لكن موقف هذه الفئات – في غالبها – رافض للحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة. ومثلت هذه الفئات – التي يعتمد عليها الحزب الديمقراطي – نسبة كبيرة من المشاركين في التظاهرات الرافضة للحرب.
وبجانب أصوات جناح من اليساريين والأقليات، فالمسلمون والعرب باتوا يمثلون كتل انتخابية مهمة في بعض الولايات الأمريكية. وخلال الأسابيع الأخيرة، تعالت الأصوات المسلمة والعربية المعارضة لبايدن بسبب موقفه من الحرب على غزة، هذا بالرغم من أنهم صوتوا لصالحه في انتخابات عام 2020. ورغم أن هذه الكتلة المسلمة والعربية لا تشكل سوى نسبة قليلة من مجموع الناخبين الأمريكيين، إلا أن هذه النسبة قد تكون كافية لهزيمة بايدن في بعض الولايات التي تحتدم فيها المنافسة مثل ميشيغان وفرجينيا وجورجيا وأريزونا. فعلى سبيل المثال، فإن ولاية ميشيغان – التي تضم حوالي 240 ألف مسلم – فاز فيها ترامب عام 2016 بفارق 10 آلاف صوت فقط، بينما فاز فيها بايدن في انتخابات 2020 بفارق 150 ألف صوت. وفي الوقت الذي تُظهر فيه بعض استطلاعات الرأي الأمريكية تقدم ترامب – الذي يسعى لإعادة الترشح عن الحزب الجمهوري – على بايدن في ولايات حاسمة، ومنها “ميشيغان”، فإن أهمية الناخبين المسلمين والعرب تزداد، الأمر الذي يضغط على الإدارة الأمريكية لتغيير موقفها من الحرب[118].
– ضغط الرأي العام الأمريكي: بدا ذلك في المظاهرات التي خرجت في عدة مدن أمريكية، والتي وُصفت بأنها الأكبر منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003[119]، ونددت هذه المظاهرات بالسياسات الداعمة لإسرائيل، وبدور الرئيس بايدن الذي وصفه المتظاهرون بأنه “شريك في الإبادة”. ولوح المتظاهرون بالأعلام الفلسطينية، ورددوا هتافات من بينها “بايدن، بايدن لا يمكنك الاختباء، لقد اشتركت في الإبادة”، كما تعهد بعضهم بألا يؤيد مساعي بايدن للفوز بفترة رئاسية ثانية العام المقبل، ولا حملات ديمقراطيين آخرين، واصفين إياهم بالليبراليين “ذوي الوجهين”[120]. فيما اقتحمت مجموعة من المتظاهرين مبنى الكونجرس الأمريكى، في 18 أكتوبر 2023، وطالبت بفرض وقف إطلاق النار فى قطاع غزة[121].
كما شهدت العديد من الجامعات الأمريكية مظاهرات حاشدة دعمًا لغزة، ومنها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة كولومبيا، كما ظهر حشد للمتظاهرين وهم يسيرون هاتفين “من البحر إلى النهر فلسطين ستكون حرة”، وتجمعوا أمام منزل الرئيس الأمريكي مطالبين بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، وهتفوا “وقف إطلاق نار الآن”[122].
وفي سياق متصل، أظهر استطلاع للرأي – أجرته قناة أميركية – معارضة نسبة كبيرة من الأميركيين طريقة تعامل الرئيس جو بايدن مع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. وفي الاستطلاع الذي أجرته شبكة “سي بي إس نيوز” أعرب 61% ممن شملهم الاستطلاع عن معارضتهم لأسلوب تعامل إدارة بايدن مع هذا العدوان، وعبر 34% عن اعتقادهم بأن تصرفاتها لا تخدم السلام. بينما قال 20% إنهم يعتقدون أنها جعلت الأمر أقرب إلى الحل السلمي، ورأى 46% أن تصرفات إدارة الرئيس ليس لها أي تأثير. يذكر أن الاستطلاع شمل 2144 شخصًا، وأُجري في الفترة من السادس إلى الثامن من ديسمبر 2023[123]. وأظهر استطلاع للرأي، أجراه مركز “بيو” للأبحاث، ونُشر في 8 ديسمبر 2023، أن ثلث الأمريكيين فقط يوافقون على السياسة التي ينتهجها الرئيس الأمريكي جو بايدن تجاه الحرب التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة[124].
– تأثر الشركات الأمريكية بدعوات المقاطعة الاقتصادية: تعرضت أسهم الشركات بالبورصة الأمريكية لضربات عنيفة منذ تنامي دعوات المقاطعة العربية لها احتجاجًا على دعم واشنطن غير المسبوق لإسرائيل في حربها على قطاع غزة. ومنذ تنامي دعوات المقاطعة التي بدأت يوم العاشر من أكتوبر المنصرم وحتي نهاية الشهر ذاته، تتراجع أسهم الشركات الأمريكية النشطة في السوق المحلية، خاصة في قطاع الأغذية والمشروبات. ومن أبرز هذه الشركات؛ شركة بيبسي، وستاربكس، وماكدونالدز، وكنتاكي فرايد تشيكن، ومنصة فيس بوك. وتُقدر الخسائر التي قد تتعرض لها التكتلات سابقة الذكر بتريليوني دولار في ظل ما يقرب من ملياري مسلم يمكنهم مقاطعة منتجات وشركات الدول الداعمة لإسرائيل[125].
الخلاصات والاستنتاجات:
1- تجاوز الدعم الأميركي لإسرائيل مسألة وقوف حليف مع حليفه في وقت الحرب، بل تعدى ذلك إلى أخذ دور فاعل في الحرب؛ فالولايات المتحدة هي جزء من اتخاذ القرارات العسكرية والسياسية للحرب[126].
2- تتمثل أبرز الدوافع الأمريكية من خلف دعمها لإسرائيل في كونها الحليفة الأولى لواشنطن من خارج الناتو، وهي ذراعها ووكيلها في المنطقة، وهزيمتها هزيمة مباشرة للهيمنة الأميركية في المنطقة. لذا تعزز الولايات المتحدة بدعمها إسرائيل من قدرتها على الردع العالمي، خصوصًا وأنه قد تآكل قليلًا بعد فشل الهجوم الأوكراني المضاد، ونجاح الروس في تأمين مناطق سيطرتهم في أوكرانيا. ولا يشمل الردع العالمي روسيا فحسب، وإنما الصين أيضًا التي لا تنفك أمريكا تحذرها من غزو تايوان، وأنه إن فشلت أمريكا في تدعيم إسرائيل في مواجهة خصومها، فذلك قد يكون بمثابة إذن للصين بضم تايوان، وإسقاط حكومة هونغ كونغ الذاتية[127].
3- يبدو أن الإدارة الأمريكية لديها خيارات محدودة تجاه الحرب على غزة. فمن جهة، تعتقد واشنطن أن القضاء على حماس هدف مهم للحفاظ على أمن إسرائيل، ولضمان عدم تكرار ما حدث في 7 أكتوبر، ولاستعادة معادلة الردع في المنطقة. لكن من جهة أخرى، فإن هذا الهدف من الصعب إنجازه في وقت قصير، كما هو ثابت من مجريات المعارك حتى الآن، ما يعني أن الحرب ستطول في سبيل تحقيق هذا الهدف، وهو ما لا تريده الإدارة الأمريكية[128]؛ خشية تحول الحرب الحالية لصراع إقليمي – في حالة تدخل إيران وحلفائها – تتورط فيه الولايات المتحدة على حساب أولوياتها المتمثلة في الحرب الأوكرانية والتنافس مع الصين[129].
ومع انتهاء الهدنة، في 1 ديسمبر 2023، عاد الجيش الإسرائيلي لقصف غزة، واستكمال العملية البرية، الأمر الذي يزيد الضغط على بايدن. فمن جهة، إذا لم يتخذ بايدن موقفًا أقوى في اتجاه وقف الحرب فإنه سيخسر أصوات جزء كبير من الناخبين الأمريكيين بجانب الأمريكيين العرب والمسلمين، ما قد يكلفه منصبه كرئيس في الانتخابات المقبلة. ومن جهة أخرى، إذا اتخذ موقفًا لصالح وقف الحرب فإنه أيضًا قد يكلفه منصبه كرئيس؛ بسبب قوة اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة وقدرته على التأثير في الانتخابات.
4- على هذا، يبدو أن الإدارة الأمريكية ستحاول التجاوب مع الضغوطات التي تتعرض لها، عبر الدعوة لهدن إنسانية من حين لآخر ولإدخال المساعدات. لكن من الصعب القول إنها ستدعو علنًا خلال الأسابيع المقبلة إلى وقف الحرب أو ستتخذ خطوات لإجبار دولة الاحتلال الإسرائيلي على ذلك، إلا إذا تأكد بايدن أن إعادة انتخابه باتت على المحك[130]. أي أن الحرب وأن كانت لن تنتهي علي الفور، ولكن أمدها لن يكون طويلًا، وأنها تبدو في مراحلها الأخيرة، إذ لا يستطيع نتنياهو أن يستمر فيها طويلًا بهذا الشكل بدون إنجازات ميدانية، ولا دعم دولي، وخصوصًا الأميركي، وفي ظل انتقادات داخلية[131].
5- تحمل العلاقات الأميركية الإسرائيلية في هذه الفترة تحولات قد تكون مفصلية على الرغم من الدعم الأميركي لإسرائيل. ففي مقابل الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة، فسيكون لذلك ثمن سياسي قد تطلبه الولايات المتحدة من الحكومة الإسرائيلية فيما يتعلق بالموضوع الفلسطيني، وخاصة إن استمرت الإدارة الأميركية الحالية لفترة رئاسية جديدة، وقد صرح بايدن في هذا الصدد بأن الوضع القائم بالنسبة للإسرائيليين والفلسطينيين لا يمكن أن يعود إلى ما كان قبل السابع من أكتوبر، وأن الهدف سيكون الذهاب إلى حل الدولتين. وقد يكون الثمن السياسي أيضًا اتخاذ إسرائيل موقفًا أكثر وضوحًا من الأزمة الأوكرانية.
كما أن الخارطة الإقليمية التي حاولت الولايات المتحدة رسمها، والتي تتمركز في بناء تحالف إقليمي تكون إسرائيل ركنًا أساسيًا فيه، سوف تتراجع، حيث تبين للدول الإقليمية أن إسرائيل لا تغني عن الولايات المتحدة الأميركية، وأنها عرضة للهجوم، وردعها ليس مؤثرًا، وهذا الأمر سيعيد التفكير في دور الولايات المتحدة في المنطقة، وهشاشة التحالفات الإقليمية مع إسرائيل كعامل لاستقرار المنطقة[132].
6- لابد من التفرقة بين موقف إدارة بايدن من نتنياهو وحكومته وموقفه من دولة الاحتلال والحرب على غزة بصفة عامة، فانتقاده لرئيس الحكومة الإسرائيلية لا يعني بطبيعة الحال تخليه عن الكيان المحتل ولا تغير موقفه الداعم له في تلك المعركة، فهناك بون شاسع بين امتعاضه من سياسات نتنياهو التي تعرضه للانتقادات ومن ثم تقلل من شعبيته وحظوظ حزبه السياسية، وبين دعمه اللامحدود لدولة الاحتلال، وهو التعهد الذي قطعته كل الأحزاب والكيانات والهيئات في الداخل الأمريكي أيًا كانت هوية من يجلس في البيت الأبيض[133].
7- هناك عدة طرق يمكن للولايات المتحدة من خلالها دفع إسرائيل باتجاه وقف إطلاق النار بدون أن تتأثر المعالم الأساسية للأمن القومي لإسرائيل، تتمثل أبرزها في:
- تقدم الولايات المتحدة دعم عسكري لإسرائيل بأكثر من 3.8 مليار دولار. وهناك مساحة ضمن القوانين والسياسات الأمريكية تمنع نقل الأسلحة الأمريكية لوحدات متورطة بشكل صارخ في انتهاكات حقوق الإنسان، أو لاستخدامها من أجل التسبب بوفيات كبيرة بين المدنيين.
- كمزود رئيسي للسلاح إلى إسرائيل، يمكن للولايات المتحدة تقنين تدفق الأسلحة التي تستخدمها إسرائيل حاليًا بكميات كبيرة من خلال القنابل الجوية والقصف المدفعي. ويمكنها الحد من قدرة تل أبيب على استخدام الاحتياطي الأمريكي من الأسلحة في إسرائيل. وتستطيع الولايات المتحدة تعليق الموافقة أو تأخير شحن الأسلحة التي طلبتها إسرائيل من خلال إجراءات شراء منظمة أو صفقات أجنبية، والتي توافق عليها عادة وزارة الخارجية، وهو ما فعلته إدارة بايدن في 2021 مع السعودية حيث علقت تسليم الأسلحة بسبب الحرب في اليمن واشترطت “وقف الحرب”. كما يمكن أن تقوم واشنطن بتأجيل أو إلغاء برامج تعاون مثل المناورات المشتركة[134]. وبالفعل علقت إدارة بايدن، تراخيص بيع أكثر من 20 ألف بندقية أمريكية الصنع لإسرائيل، بسبب مخاوف بشأن هجمات المستوطنين الإسرائيليين المتطرفين ضد المدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية، بحسب ما كشفه موقع “إكسيوس” نقلًا عن مسؤولين أمريكيين، في 14 ديسمبر 2023[135].
- توقف الولايات المتحدة عن استخدام الفيتو في الأمم المتحدة والامتناع عن التصويت، وهو ما قد يقنع إسرائيل بالتحرك نحو وقف إطلاق النار، وأن الغطاء الدبلوماسي قد اختفى من خلال تكرار الامتناع عن التصويت.
- هناك خطوات دبلوماسية أخرى يمكن للولايات المتحدة استخدامها للضغط على إسرائيل كي توافق على وقف إطلاق النار، من خلال إلغاء البرنامج الذي يسمح للإسرائيليين بالدخول إلى أمريكا بدون تأشيرة. وبدأت الإدارة الأمريكية العمل بالبرنامج في سبتمبر الماضي[136].
8- لا يعني كل ما سبق أن الحرب ستنتهي بالكامل مع وقف إطلاق النار، حين يُعلن، وإنما ستنتقل إلى مرحلة جديدة، حيث ستبدأ مرحلة التفاوض على الأسرى وإعادة الإعمار. وهي معركة جديدة لا تقل ضراوة عن المواجهة العسكرية المباشرة، حيث ستتعرض المقاومة لضغوط غير مسبوقة على هذا الصعيد، ومن مختلف الأطراف لمحاولة تحديد مكاسبها ودفعها لتقديم تنازلات سياسية لا تتوافق مع أدائها الميداني المتميز في سبيل ضمان إعادة الإعمار، ما يؤكد على ضرورة استمرار المواقف والضغوط على كل الأطراف لضمان أفضل النتائج والحلول لغزة[137].
[1] “لماذا أعلنت الولايات المتحدة الحرب على غزة؟”، عربي21، 28/11/2023، الرابط: https://cutt.us/C9ePT
[2] “الدور الأميركي في الحرب الإسرائيلية على غزة: من الدعم إلى المشاركة المباشرة!”، المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، 28/10/2023، الرابط: https://cutt.us/cJIgj
[3] “لماذا أعلنت الولايات المتحدة الحرب على غزة؟”، مرجع سابق.
[4] “سياسة الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل وارتفاع أصوات معارضيها”، المرصد المصري، 6/11/2023، الرابط: https://cutt.us/hw4Oi
[5] “تطورات التصعيد في الأراضي الفلسطينية في ضوء تبعات عملية طوفان الأقصى”، مركز السلام للدراسات الاستراتيجية، 7/10/2023، الرابط: https://cutt.us/apzFH
[6] “موقف إدارة بايدن من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة: خلفيات الانحياز وحساباته”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 24/10/2023، الرابط: https://cutt.us/11ptH
[7] “الدور الأميركي في الحرب الإسرائيلية على غزة: من الدعم إلى المشاركة المباشرة!”، مرجع سابق.
[8] “عشر معادلات أمريكية في حسابات حرب غزة”، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 6/11/2023، الرابط: https://cutt.us/ZBGXP
[9] “طوفان الأقصى: مواقف رسمية أمريكية وأوروبية”، مركز الحضارة للدراسات والبحوث، 16/10/2023، الرابط: https://cutt.us/tKbER
[10] “عشر معادلات أمريكية في حسابات حرب غزة”، مرجع سابق.
[11] “الموقف الأمريكي من التصعيد في غزة بين هوس دعم إسرائيل وازدواجية المعايير”، المرصد المصري، 16/10/2023، الرابط: https://cutt.us/O1y3q
[12] “خطوات استباقية: تحركات أمريكية لمواجهة تداعيات استمرار الحرب في غزة”، الحائط العربي، 25/10/2023، الرابط: https://cutt.us/Yghrc
[13] ” بايدن ينفي طلبه من إسرائيل تأجيل هجومها البري”، الجزيرة نت، 25/10/2023، الرابط: https://cutt.us/f5ffC
[14] تطورات المواقف الأمريكية والأوروبية من الحرب على غزة.. السياقات والدوافع”، مركز المسار للدراسات الإنسانية، 30/11/2023، الرابط: https://cutt.us/Pfezj
[15] “لماذا لم يطالب بايدن بوقف إطلاق النار في غزة؟”، الجزيرة نت، 14/10/2023، الرابط: https://cutt.us/2EWYe
[16] “طوفان الأقصى: مواقف رسمية أمريكية وأوروبية”، مرجع سابق.
[17] المرجع السابق.
[18] “أمن دولي ـ كيف يتعامل المجتمع الدولي مع التصعيد في غزة؟”، المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، 11/11/2023، الرابط: https://cutt.us/zoonQ
[19] “طوفان الأقصى: مواقف رسمية أمريكية وأوروبية”، مرجع سابق.
[20] “أمن دولي ـ كيف يتعامل المجتمع الدولي مع التصعيد في غزة؟”، مرجع سابق.
[21] “الدور الأميركي في الحرب الإسرائيلية على غزة: من الدعم إلى المشاركة المباشرة!”، مرجع سابق.
[22] “ماذا يتوقع من الجلسة الاستثنائية الطارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن التطورات في غزة؟”، المرصد المصري، 26/10/2023، الرابط: https://cutt.us/HeUDo
[23] ” حرب غزّة وتهافت مجلس الأمن”، العربي الجديد، 27/10/2023، الرابط: https://cutt.us/E57L7
[24] “دلالات اتجاهات التصويت على القرار العربي بالأمم المتحدة حول غزة”، القاهرة الإخبارية، 31/10/2023، الرابط: https://cutt.us/RIy80
[25] ” مجلس الأمن يعتمد قرارا يدعو إلى هدن إنسانية في غزة وإطلاق سراح الرهائن”، سي إن إن عربية، 15/11/2023، الرابط: https://cutt.us/F5GwX
[26] “تطورات المواقف الدولية بشأن غزة: دعوات لهدنة إنسانية”، العربي الجديد، 25/10/2023، الرابط: https://cutt.us/Jgedt
[27] ” قرار أممي غير ملزم يدعو لوقف إطلاق نار إنساني في غزة”، الخليج الجديد، 13/12/2023، الرابط: https://cutt.us/GFTB1
[28] “واشنطن تبلغ مجلس الأمن معارضتها وقف إطلاق النار في غزة”، الشرق الأوسط صحيفة العرب الأولي، 8/12/2023،الرابط: https://cutt.us/2QbGZ
[29] ” قرار أممي غير ملزم يدعو لوقف إطلاق نار إنساني في غزة”، مرجع سابق.
[30] “هل يمكن للمحكمة الجنائية الدولية التحقيق بشأن جرائم الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة؟”، المرصد المصري، 20/11/2023، الرابط: https://cutt.us/VP3yB
[31] “الدور الأميركي في الحرب الإسرائيلية على غزة: من الدعم إلى المشاركة المباشرة!”، مرجع سابق.
[32] “موقف إدارة بايدن من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة: خلفيات الانحياز وحساباته”، مرجع سابق.
[33] “تطورات المواقف الأمريكية والأوروبية من الحرب على غزة.. السياقات والدوافع”، مرجع سابق.
[34] “الدور الأميركي في الحرب الإسرائيلية على غزة: من الدعم إلى المشاركة المباشرة!”، مرجع سابق.
[35] “طوفان الأقصى: مواقف رسمية أمريكية وأوروبية”، مرجع سابق.
[36] “الدور الأميركي في الحرب الإسرائيلية على غزة: من الدعم إلى المشاركة المباشرة!”، مرجع سابق.
[37] “موقف إدارة بايدن من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة: خلفيات الانحياز وحساباته”، مرجع سابق.
[38] “دائرة المخاطر: تداعيات الحرب الإسرائيلية في غزة على المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط”، إنترريجونال للدراسات الاستراتيجية، 6/11/2023، الرابط: https://cutt.us/HPwgT
[39] “تطورات المواقف الأمريكية والأوروبية من الحرب على غزة.. السياقات والدوافع”، مرجع سابق.
[40] “دائرة المخاطر: تداعيات الحرب الإسرائيلية في غزة على المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط”، مرجع سابق.
[41] “”مقايضة الأخلاق بالمصالح”.. كانت الحرب ستستغرق أياما لو لم يجدد بايدن ترسانة إسرائيل”، الجزيرة نت، 10/12/2023، الرابط: https://cutt.us/bLc3m
[42] ” حصاد شهر من المواقف الغربية والأوروبية تجاه الحرب على غزة”، مركز الحضارة للدراسات والبحوث، 15/11/2023، الرابط: https://cutt.us/d5aVH
[43] “موقف إدارة بايدن من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة: خلفيات الانحياز وحساباته”، مرجع سابق.
[44] “إدارة بايدن تستخدم صلاحيات الطوارئ لتزويد إسرائيل بقذائف لدباباتها”، الجزيرة نت، 10/12/2023، الرابط: https://cutt.us/JcV3I
[45] ” للمرة الثانية منذ طوفان الأقصى.. عقوبات أمريكية على حماس والحرس الثوري”، الخليج الجديد، 27/10/2023، الرابط: https://cutt.us/jvEjq
[46] “بلومبرج: هكذا تضغط الولايات المتحدة على دول الخليج لوقف جمع التبرعات لحماس”، الخليج الجديد (مترجم)، 26/10/2023، الرابط: https://cutt.us/eNIqf
[47] “عقوبات أمريكية بريطانية جديدة على قادة حماس والجهاد”، الخليج الجديد، 13/12/2023، الرابط: https://cutt.us/zfw4c
[48] “السردية الإسرائيلية حول حرب غزة الخامسة: محاولة للتفكيك”، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 13/10/2023، الرابط: https://cutt.us/bscXW
[49] “بايدن يتمسك بالرواية الاسرائيلية:حماس تستخدم المستشفيات مقرات عسكرية”، المدن، 16/11/2023، الرابط: https://cutt.us/5VOps
[50] ” رداً على “تشكيك” بايدن.. كيف توثّق وزارة الصحة الفلسطينية أعداد الضحايا في غزة؟”، عربي بوست، 27/10/2023، الرابط: https://cutt.us/se2Lq
[51] “الإعلام الغربي وتسويق الدعاية الإسرائيلية لتجريم المقاومة الفلسطينية”، مركز الجزيرة للدراسات، 11/10/2023، الرابط: https://cutt.us/ljVdp
[52] “موقف إدارة بايدن من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة: خلفيات الانحياز وحساباته”، مرجع سابق.
[53] ” بايدن من تل أبيب: لو لم تكن هناك إسرائيل لعملنا على إقامتها”، الجزيرة نت، 18/10/2023، الرابط: https://cutt.us/HXhXz
[54] “لماذا أعلنت الولايات المتحدة الحرب على غزة؟”، عربي21، 28/11/2023، الرابط: https://cutt.us/C9ePT
[55] “ممرّ بايدن وعَلاقته بتصفية القضية الفلسطينية”، الجزيرة نت، 19/10/2023، الرابط: https://cutt.us/MZWam
[56] “ثلاثة أبعاد تشكّل موقف إدارة بايدن تجاه “طوفان الأقصى””، نون بوست، 15/11/2023، الرابط: https://cutt.us/ZsH8w
[57] “دعم واشنطن لإسرائيل وأسس المسيحية الصهيونية”، الجزيرة نت، 15/10/2023، الرابط: https://cutt.us/Y7pDO
[58] “ثلاثة أبعاد تشكّل موقف إدارة بايدن تجاه “طوفان الأقصى””، مرجع سابق.
[59] “لماذا يجنح السياسيون الغربيون لتجاهل المجازر الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني؟”، تي أر تي عربي، 3/11/2023، الرابط: https://cutt.us/cPQpq
[60] “دعم واشنطن لإسرائيل وأسس المسيحية الصهيونية”، مرجع سابق.
[61] “لماذا يدعم الغرب الكيان الصهيوني؟”، القدس العربي، 27/10/2023، الرابط: https://cutt.us/ogtHB
[62] المرجع السابق.
[63] “لماذا يجنح السياسيون الغربيون لتجاهل المجازر الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني؟”، مرجع سابق.
[64] “تطورات المواقف الأمريكية والأوروبية من الحرب على غزة.. السياقات والدوافع”، مرجع سابق.
[65] “الموقف الأمريكي من التصعيد في غزة بين هوس دعم إسرائيل وازدواجية المعايير”، مرجع سابق.
[66] “أكسيوس يكشف 5 مخاوف أمريكية من الاجتياح البري الإسرائيلي لغزة”، الخليج الجديد (مترجم)، 25/10/2023، الرابط: https://cutt.us/IKolp
[67] “تطورات المواقف الأمريكية والأوروبية من الحرب على غزة.. السياقات والدوافع”، مرجع سابق.
[68] “”فاينانشال تايمز”: الولايات المتحدة تتوقع تغيير إسرائيل تكتيكاتها في غزة بحلول يناير المقبل”، أر تي عربي، 12/12/2023، الرابط: https://cutt.us/Z9R6h
[69] ” حصاد شهر من المواقف الغربية والأوروبية تجاه الحرب على غزة”، مرجع سابق.
[70] “تطورات المواقف الأمريكية والأوروبية من الحرب على غزة.. السياقات والدوافع”، مرجع سابق.
[71] “ما أسباب الخلاف بين أمريكا وإسرائيل، ولماذا أخرجها بايدن “الآن” للعلن؟”، عربي بوست، 13/12/2023، الرابط: https://cutt.us/eHhPz
[72] “تصريحات بايدن.. لماذا يتراجع الدعم الدولي للاحتلال؟”، الجزيرة نت، 14/12/2023، الرابط: https://cutt.us/PTYeX
[73] “استيعاب الضغوط: دوافع تغير الموقف الأمريكي إزاء التصعيد الإسرائيلي في غزة”، الحائط العربي، 29/11/2023، الرابط: https://cutt.us/dzrkp
[74] “تطورات المواقف الأمريكية والأوروبية من الحرب على غزة.. السياقات والدوافع”، مرجع سابق.
[75] “في 3 نقاط.. كيف تتسع الخلافات بين إسرائيل وأمريكا حول الحرب على غزة ومرحلة ما بعد الحرب؟”، عربي بوست، 9/12/2023، الرابط: https://cutt.us/lXYMU
[76] “صدام وشيك بين “شريكَي” العدوان على غزة.. ماذا يعني انقلاب نتنياهو “القريب” على بايدن؟”، عربي بوست، 8/12/2023، الرابط: https://cutt.us/udul3
[77] ” هل يوجد “خلاف حقيقي” بين أمريكا وإسرائيل بشأن العدوان على غزة؟ إليكم وجهتَي النظر”، عربي بوست، 1/12/2023، الرابط: https://cutt.us/z9Qg6
[78] “تطورات المواقف الأمريكية والأوروبية من الحرب على غزة.. السياقات والدوافع”، مرجع سابق.
[79] المرجع السابق.
[80] ” بايدن: استمرار الحرب سيعطي حماس ما تريده.. لن نفعل ذلك”، سكاي نيوز عربية، 29/11/2023، الرابط: https://cutt.us/gp7i7
[81] “بلينكن: إسرائيل صاحبة قرار إنهاء الحرب في غزة”، الخليج الجديد، 11/12/2023، الرابط: https://cutt.us/b8iLS
[82] “واشنطن تضغط لإنهاء الحرب على غزة قبل نهاية العام”، عربي21، 11/12/2023، الرابط: https://cutt.us/9JINv
[83] ” هل يوجد “خلاف حقيقي” بين أمريكا وإسرائيل بشأن العدوان على غزة؟ إليكم وجهتَي النظر”، مرجع سابق.
[84] “صدام وشيك بين “شريكَي” العدوان على غزة.. ماذا يعني انقلاب نتنياهو “القريب” على بايدن؟”، مرجع سابق.
[85] ” إسرائيل تتعهد بمواصلة القتال حتى دون دعم دولي”، الشرق الأوسط صحيفة العرب الأولي، 13/12/2023، الرابط: https://cutt.us/NS719
[86] ” قلق إسرائيلي من تحديد واشنطن موعدا نهائيا للحرب بغزة”، الجزيرة نت، 13/12/2023، الرابط: https://cutt.us/LrxE8
[87] ” سوليفان في إسرائيل ووسائل إعلام تكشف الجدول الزمني للحرب على غزة”، الجزيرة نت، 14/12/2023، الرابط: https://cutt.us/uKdoO
[88] “استيعاب الضغوط: دوافع تغير الموقف الأمريكي إزاء التصعيد الإسرائيلي في غزة”، مرجع سابق.
[89] “تطورات المواقف الأمريكية والأوروبية من الحرب على غزة.. السياقات والدوافع”، مرجع سابق.
[90] “في 3 نقاط.. كيف تتسع الخلافات بين إسرائيل وأمريكا حول الحرب على غزة ومرحلة ما بعد الحرب؟”، مرجع سابق.
[91] “بايدن يدعو نتنياهو لتغيير حكومته ويحذر: الإسرائيليون يفقدون الدعم”، الخليج الجديد، 12/12/2023، الرابط: https://cutt.us/YEGvM
[92] “3 أسباب تكسر تصلُّب الموقف الأمريكي من العدوان على غزة”، مرجع سابق.
[93] “تطورات المواقف الأمريكية والأوروبية من الحرب على غزة.. السياقات والدوافع”، مرجع سابق.
[94] “3 أسباب تكسر تصلُّب الموقف الأمريكي من العدوان على غزة”، مرجع سابق.
[95] ” الموقف الأمريكي بين الردع والدبلوماسية في حرب غزة”، أسباب، 11/2023، الرابط: https://cutt.us/zLmgO
[96] “عشر معادلات أمريكية في حسابات حرب غزة”، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 6/11/2023، الرابط: https://cutt.us/ZBGXP
[97] ” البنتاجون: إسرائيل ملزمة بحماية المدنيين في غزة لضرورة استراتيجية”، الخليج الجديد، 13/12/2023، الرابط: https://cutt.us/g0WOi
[98] “دائرة المخاطر: تداعيات الحرب الإسرائيلية في غزة على المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط”، مرجع سابق.
[99] “عشر معادلات أمريكية في حسابات حرب غزة”، مرجع سابق.
[100] “خطوات استباقية: تحركات أمريكية لمواجهة تداعيات استمرار الحرب في غزة”، الحائط العربي، 25/10/2023، الرابط: https://cutt.us/Yghrc
[101] “دائرة المخاطر: تداعيات الحرب الإسرائيلية في غزة على المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط”، مرجع سابق.
[102] “طوفان الأقصى: واشنطن تُلوِّح بالقوة لتجنب استخدامها”، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 11/10/2023، الرابط: https://cutt.us/sizce
[103] “ضبابية الرؤية: ما أسباب الضغوط الأمريكية على إسرائيل لعدم الانجرار إلى حرب برية واسعة النطاق في قطاع غزة؟”، الحائط العربي، 2/11/2023، الرابط: https://cutt.us/ckLtU
[104] ” ماذا بعد تصريح «بايدن» وموقف مجموعة «العيون الخمس».. هل تنتهي الحرب؟!”، الجزيرة نت، 13/12/2023، الرابط: https://cutt.us/HVoFt
[105] “تطورات المواقف الأمريكية والأوروبية من الحرب على غزة.. السياقات والدوافع”، مرجع سابق.
[106] ” الموقف الأمريكي بين الردع والدبلوماسية في حرب غزة”، مرجع سابق.
[107] “عشر معادلات أمريكية في حسابات حرب غزة”، مرجع سابق.
[108] ” الموقف الأمريكي بين الردع والدبلوماسية في حرب غزة”، مرجع سابق.
[109] “عشر معادلات أمريكية في حسابات حرب غزة”، مرجع سابق.
[110] ” الموقف الأمريكي بين الردع والدبلوماسية في حرب غزة”، مرجع سابق.
[111] ” ما أسباب الخلاف بين أمريكا وإسرائيل، ولماذا أخرجها بايدن “الآن” للعلن؟”، عربي بوست، 13/12/2023، الرابط: https://cutt.us/u7IWx
[112] ” ماذا بعد تصريح «بايدن» وموقف مجموعة «العيون الخمس».. هل تنتهي الحرب؟!”، مرجع سابق.
[113] “تطورات المواقف الأمريكية والأوروبية من الحرب على غزة.. السياقات والدوافع”، مرجع سابق.
[114] “سياسة الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل وارتفاع أصوات معارضيها”، مرجع سابق.
[115] “استيعاب الضغوط: دوافع تغير الموقف الأمريكي إزاء التصعيد الإسرائيلي في غزة”، مرجع سابق.
[116] “الكونغرس يعرقل مشروع قانون لمساعدة أوكرانيا وإسرائيل”، الجزيرة نت، 7/12/2023، الرابط: https://cutt.us/F5ANe
[117] “تطورات المواقف الأمريكية والأوروبية من الحرب على غزة.. السياقات والدوافع”، مرجع سابق.
[118] “تطورات المواقف الأمريكية والأوروبية من الحرب على غزة.. السياقات والدوافع”، مرجع سابق.
[119] المرجع السابق.
[120] “3 أسباب تكسر تصلُّب الموقف الأمريكي من العدوان على غزة”، مرجع سابق.
[121] “أبعاد وارتدادات التحولات الاستراتيجية لـ”طوفان الأقصى””، مجلة السياسة الدولية، 11/10/2023، الرابط: https://cutt.us/eqGi6
[122] “3 أسباب تكسر تصلُّب الموقف الأمريكي من العدوان على غزة”، مرجع سابق.
[123] “أغلبية بأميركا تعارض سياسة بايدن إزاء حرب غزة”، الجزيرة نت، 11/12/2023، الرابط: https://cutt.us/1nLd6
[124] “في 3 نقاط.. كيف تتسع الخلافات بين إسرائيل وأمريكا حول الحرب على غزة ومرحلة ما بعد الحرب؟”، مرجع سابق.
[125] “الحرب على غزة: كيف تأثرت الشركات الأمريكية بدعوات المقاطعة الاقتصادية؟”، مصر360، 1/11/2023، الرابط: https://cutt.us/p42ca
[126] “الدور الأميركي في الحرب الإسرائيلية على غزة: من الدعم إلى المشاركة المباشرة!”، مرجع سابق.
[127] “المعنيّون بطوفان الأقصى… دوافع وإشكالات”، العربي الجديد، 6/11/2023، الرابط: https://cutt.us/x0W2h
[128] “تطورات المواقف الأمريكية والأوروبية من الحرب على غزة.. السياقات والدوافع”، مرجع سابق.
[129] “عملية “طوفان الأقصى” تفرض معادلة جديدة في الصراع العربي- الإسرائيلي”، أسباب، 10/2023، الرابط: https://cutt.us/jbkAj
[130] “تطورات المواقف الأمريكية والأوروبية من الحرب على غزة.. السياقات والدوافع”، مرجع سابق.
[131] “تصريحات بايدن.. لماذا يتراجع الدعم الدولي للاحتلال؟”، مرجع سابق.
[132] “الدور الأميركي في الحرب الإسرائيلية على غزة: من الدعم إلى المشاركة المباشرة!”، مرجع سابق.
[133] “الخطاب الأمريكي تجاه الاحتلال.. نتنياهو أصبح عبئًا على بايدن”، نون بوست، 14/12/2023، الرابط: https://cutt.us/0ntYf
[134] ” مسؤول أمريكي استقال احتجاجاً: 7 أدوات تملكها واشنطن لوقف الحرب الإسرائيلية على غزة”، القدس العربي، 29/11/2023، الرابط: https://cutt.us/qmOkl
[135] “إدارة بايدن تعلق صفقة بيع 20 ألف بندقية لإسرائيل.. “أكسيوس”: هذا ما تخشاه واشنطن”، عربي بوست، 13/12/2023، الرابط: https://cutt.us/bnXDO
[136] ” مسؤول أمريكي استقال احتجاجاً: 7 أدوات تملكها واشنطن لوقف الحرب الإسرائيلية على غزة”، مرجع سابق.
[137] “تصريحات بايدن.. لماذا يتراجع الدعم الدولي للاحتلال؟”، مرجع سابق.