“استراتيجية “السيسي” في التعامل مع حرب غزة: مصالح النظام ومخاطر الأمن القومي المصري”

امتدت تأثيرات العدوان الصهيوني على قطاع غزة،  على العديد من المناطق والدول، سواء على الصعيد الاقليمي او الدولي وغيره، وفي مقدمة الدول التي وقعت عليها التأثيرات والارتدادات الاستراتيجية  للحرب، مصر، بوصفها الجار الأقرب الأكبر لمصر،  وذلك لأسباب عدة ، من بينها الموقع الجغرافي وحدودها المشتركة مع القطاع التي حولت القاهرة رغمًا عنها إلى طرف أساسي في الصراع، فضلًا عن الدور المنوط بها القيام به بصفتها قوة إقليمية لها ثقلها، حتى إن تراجع في الآونة الأخيرة.

وعلى الرغم من الارتباك الشديد الذي أصاب النظام المصري،  إثر حجم الضربات التي وجهتها المقاومة الفلسطينية لاسرائيل، إلا أنه حاول ركوب الموجة، والاستفادة من الحدث، بأشكال شتى ووسائل متعددة…

فمنذ قبل العملية الجهادية لحماس “طوفان الأقصى” تداولت تقارير اسرائيلية العديد من الانتقادات لحكومة نتانياهو، مشيرة إلى أن المخابرات المصرية، كانت قد نقلت بشكل عاجل وسري  معلومات استخباراتية عن أن عمل كبيرا سيقع في قطاع غزة، إلا أن المخابرات الاسرائيلية لم تعبأ للتحذير المصري، وتعاملت مع الأمر بهدوء..

أولا: المواقف المصرية بين الارتباك والتماهي مع المصالح الإسرائيلية:

1-تصريحات متناقضة مع السياسات المصرية:

وبدأ الموقف المصري مثيرا للجدل، حيث صدرت السلطات ودوائرها الإعلامية والسياسية سلسلة من التصريحات الرسمية الرافضة للعدوان الإسرائيلي على غزة، رافضة تصفية القضية الفلسطينية، مؤكدة انحيازها للقضية الفلسطينية المطلق، وأنه على اسرائيل التوقف فورا عن اطلاق النار، والعمل على دعم حل الدولتين، وصولا لسلام دائم بالمنطقة…

ومع تصاعد المواقف العسكرية الاسرائيلية، و اتجاه اسرائيل عبر وسائل اعلامها، لتهديد كل دول المنطقة بالاستهداف العسكري، بدأت المواقف المصرية أكثر ليونة و تماهيا مع المواقف الإسرائيلية…

بل اتجه السيسي ونظامه وأدواته الاعلامية، نحو  الاستفادة من الحدث لخدمة  سياساته السلطوية، فيما يخص القضايا الداخلية والخارجية…

2-التخبط بين المصالح الإسرائيلية والحقوق الفلسطينية:

وبالنظر إلى موقفها الضعيف نسبياً تجاه إسرائيل، واعتمادها على الدعم الأمريكي، فضلاً عن مواجهة الضغوط المحلية والإقليمية لتقديم موقف متعاطف تجاه الفلسطينيين وتجاه غزة على وجه الخصوص، فقد تبنت مصر موقفاً “أقل من المتوقع”، وفق تقديرات سياسية. فقد كان رفض مصر قبول اللاجئين على أراضيها مصحوباً بأحجامها عن الحد من حرية الحركة عبر معبر رفح، وهو القرار الذي كان متفقاً إلى حد كبير مع سياسة القاهرة القائمة منذ فترة طويلة فيما يتعلق بالحصار المفروض على غزة.

وبعد أسابيع من المفاوضات حول تقديم المساعدات الإنسانية لشعب غزة، سُمح بمرور مئات الشاحنات عبر معبر رفح، على الرغم من أن هذا العدد لا يقترب بأي حال من الأحوال من تغطية الاحتياجات المعلنة القطاع وسكانه.

وسمحت مصر أيضًا بخروج عدد من مزدوجي الجنسية والأجانب من غزة، وبنقل عدد صغير من الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدة طبية،  لم يتجاوز عددهم العشرات.

وإضافة لذلك، لعبت مصر دوراً هاماً في التوصل إلى وقف القتال في غزة لمدة 7 أيام والذي شهد إطلاق سراح حوالي 50  سجين إسرائيلي، و150فلسطيني، كما أعلنت أن نية إسرائيل للقضاء على حركة حماس في غزة هي ببساطة غير واقعية وأنها لن تلعب دورا بعد الحرب في إدارة الأمن في القطاع.

 كما تعارض مصر، إلى جانب دول عربية أخرى، خطة إسرائيلية لإنشاء منطقة أمنية عازلة داخل قطاع غزة على طول حدودها مع القطاع.

ومن المؤكد أن مصر لا تقبل بإسناد دور أمني لها في غزة، وهو الدور الذي من شأنه أن يلبي مطالب إسرائيل بإخضاع القطاع لسلطة أمنية قاهرة لأية أعمال مقاومة ضد إسرائيل. بالقيام بأي دور من هذا القبيل من شأنه أن يعيد مصر إلى مركز المداولات والمفاوضات والترتيبات المتعلقة بمستقبل قضية فلسطين، وهو ما أرادت مصر الانفصال عنه منذ عقود بسبب الأعباء الأمنية والسياسية والاقتصادية المرتبطة به.

وبدلاً من ذلك، فما يمكن لمصر فعله هو اتباع مسار المهام المخصصة، مثل التفاوض على هدنة قصيرة المدى وإدارة معبر رفح، دون تقديم مبادرات كبرى. وإزاء ذلك، من المتوقع أن مصر ستستمر، بالمستقبل المنظور، في حالة من التخبط بطريقة “تحمي مصالح نظامها العسكري، وكذلك مصالح رؤسائه”..

3-تعاطي مخزي للسيسي مع معبر رفح ينتقص السيادة المصرية:

وبعد ساعات من بدء عملية طوفان الأقصى، فرضت إسرائيل على قطاع غزة “حصارًا كاملًا” إضافيًا على الحصار المفروض عليه منذ 16 سنة، وحرمت سكانه من الغذاء والمياه والدواء. ورغم مطالبة أمين عام الأمم المتحدة ومسؤولو المنظمات الأممية العاملة في قطاع غزة والعديد من رؤساء الدول بفتح معبر رفح، شريان الحياة والنافذة الوحيدة للقطاع على العالم الخارجي عبر الأراضي المصرية، لدخول المساعدات الإنسانية وخروج المرضى، لم يفتح المعبر إلا بعد مرور أسبوعين كاملين من بداية العدوان، ذلك أن النظام المصري، الذي يملك السيادة الكاملة على معبر رفح، نفى مسؤوليته عن إغلاق المعبر!.

يشار إلى أنه وفق قرار الأمم المتحدة رقم 96 لسنة 1946، تعتبر الإبادة الجماعية جريمة بمقتضى القانون الدولي، ويمكن التقاضي بشأنها أمام المحكمة الجنائية الدولية.

ورغم السماح بدخول بعض المساعدات الشحيحة، ما زال معبر رفح شبه مفتوح وشبه مغلق في آن واحد. وقد أعلن المكتب الإعلامي الحكومي بغزة أن ما دخل إلى القطاع من شاحنات المساعدات خلال الفترة السابقة لا يعادل ما كان يدخل في يومين قبل العدوان. ولا يسمح بمرور أكثر من 20% من الوقود اللازم لتشغيل المستشفيات ومحطات المياه والمخابز وسيارات الإسعاف، وكلها مرافق حيوية لإنعاش حياة السكان في القطاع.

وتطرح تلك الحالة من الإغلاق القسري والتحكم في معبر رفح من قبل إسرائيل العديد من التساؤلات، حول السيادة المصرية، ولماذا تنازلت مصر عن جزء من صلاحياتها وسيادتها…

فبعدما سيطرت حماس على قطاع غزة في بداية سنة 2006، قالت محكمة العدل العليا في إسرائيل، وهي أعلى سلطة قضائية في الكيان المحتل، في مذكرة رفعت ضد وزير الأمن، إنه ليس لإسرائيل أي سيطرة فعلية على معبر رفح الذي يقع تحت سيطرة حماس من جانب والسلطات المصرية من الجانب الثاني.

ورغم الادعاء بأنها دولة تحترم القانون وتقدس أحكام القضاء، رد رئيس الطاقم السياسي الأمني عاموس جلعاد على المحكمة في منتصف سنة 2006 بأنه “إذا لم يُطلق سراح جلعاد شاليط فإن معبر رفح لن يُفتح”. وهو اعتراف بسيطرة إسرائيل، وليس مصر، على معبر رفح للبت في إغلاقه أو فتحه.

وفي سنة 2008، عادت المحكمة العليا فقالت إنه “يُمكن أن تكون لدولة إسرائيل في الوقت الراهن مصلحة بإبقاء معبر رفح مغلقاً كجزء من السياسة العامة تجاه حماس المسيطرة في القطاع..

ووفق دوائر سياسية، فقد، طلبت إسرائيل من مصر إبقاء المعبر في وضعية الإغلاق إلى حين عودة شاليط، وقد استجابت مصر لذلك.

بحكم معاهدة جنيف، فإن إسرائيل ملزمة بالسماح للسكان بالانتقال إلى قطاع غزة ومنه، وأن تضمن لهم تزويداً مناسباً بالمواد الغذائية والأدوية، بالامتناع عن تقييد تنقل سكان غزة كعقاب جماعي لعموم السكان بسبب أعمال لم يرتكبونها هم.

وبحسب  وزارة الخارجية المصرية في منتصف 2008، في مذكرة رسمية لجمعية “مسك” الاسرائيلية لحقوق الانسان، حول سلطات مصر عن معبر رفح، “هو أن مصر لا تستطيع فتح معبر رفح للتنقل المنتظم منذ سيطرة حماس على القطاع في يونيو 2007، لأنه يمثل خرقا لاتفاق المعابر الذي يتطلب حضور السلطة الفلسطينية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في الجانب الفلسطيني للحدود.

وعن سؤال “مسلك”، لماذا تُطلب موافقة إسرائيل على فتح معبر رفح على الجانب المصري منه، أجاب ممثل مصر الرسمي أن لإسرائيل ومصر علاقات جيدة متبادلة و تعاونا أمنيا بحيث إن كليهما معنيان بالاستقرار. وأبلغت مصادر مصرية أخرى جمعية مسلك بأن للعلاقة مع إسرائيل تأثيرا على سياسة مصر بالنسبة لمعبر رفح، بحيث أن مصر ترى في نفسها ملزمة بالامتناع عن خطوات من شأنها أن تهدد إسرائيل، مثل فتح معبر رفح مقابل حماس.

 وأبلغ جمعية مسلك مصدر مقرب من وزارة الخارجية المصرية بأن مصر ليست معنية بتقوية حركة حماس بواسطة فتح المعبر بسبب علاقتها بحركة الإخوان المسلمين في مصر.

إلا أنه من منظور الأمن القومي المصري، على مصر مساعدة قطاع غزة في مقابل عدو استراتيجي خاض ثلاث حروب ضد مصر واحتل سيناء لمدة 15 سنة. ومن منظور الأمن القومي العربي الذي يعبر عنه ميثاق جامعة الدول العربية، وقد انضمت إليها فلسطين في سنة 1976، على مصر وجميع الدول العربية حفظ سيادة ومصالح سكان قطاع غزة وفلسطين.

كما أنه وفق معاهدة جنيف المختصة بحماية المدنيين في وقت الحرب، تقع مسؤولية إنسانية عامة تقضي بمنع إسرائيل من انتهاك أنظمة المعاهدة، ومنها تلك التي تضمن الحق في العبور والحركة والسفر والتزود بالغذاء والأدوية.

أكثر من ذلك، يُحظر على مصر مساعدة إسرائيل على انتهاك أنظمة المعاهدة، ومن ضمنها حظر العقاب الجماعي، والحفاظ على كرامة الناس المحميين وواجب ضمان الحياة السوية، وواجب التزويد بالمواد الغذائية والأدوية.

ومصر، التي تتحكم في المعبر الوحيد من قطاع غزة الذي لا تسيطر عليه إسرائيل، ملزمة باحترام حق سكان القطاع في المرور عبر أراضيها، في ضوء منع إسرائيل لكل إمكانية أخرى للخروج من القطاع. بالحظر الذي فرضته إسرائيل على التنقل بحراً وجواً، وإغلاقها الحدود البرية بينها وبين القطاع، حوّل قطاع غزة إلى منطقة مغلقة وزاد تبعية سكان غزة لمعبر رفح.

وهكذا، ولّدت إسرائيل واجبا على مصر بفتح المعبر. وبحكم واجبات مصر، عليها أن تتيح المرور لسكان قطاع غزة المغلق، وأن تمتنع عن التعاون مع إسرائيل في انتهاك اتفاقية جنيف وتسهيل مرور المساعدات الإنسانية.

وعلى الرغم من ذلك ، يصر السيسي على التقيد بالاجندة الاسرائيلية في فتح المعبر وغلقه، وفرض الرقابة على المساعدات الإنسانية التي تمر للقطاع، من خلال مراقبين إسرائيليين…بالمخالفة للقانون الدولي..

يشار الى أن معبر رفح الحدودي يقع تحت السيادة المصرية، بيد أن القاهرة لا تجد هذه السيادة مفيدة بشكل خاص طالما أن إسرائيل تقرر متى ومن سيمر وعدد الشاحنات والأشخاص الذين يمكنهم المرور عبره يوميا.

كانت مصر، في الماضي، تنسق مع إسرائيل بشأن أوقات فتح وإغلاق المعبر، وسبق أن أغلقته بناء على طلب من إسرائيل، لفترات طويلة أحيانا، مما ساعد على تطبيق حصار على غزة.

ثانيا: أسباب انحياز السيسي  وخضوعه لإسرائيل:

ويمكن تفسير الموقف السيسي الذي يبديه النظام المصري حاليا، في ضوء عدة أسباب…منها:

1-تلويح امريكي بربط المساعدات  بقبول  لاجئين فلسطينيين:

وخلال نوفمبر الماضي، دارت في أروقة الكونجرس الأمريكي مبادرة جديدة تدعو إلى جعل المساعدات الأمريكية للدول العربية مشروطة بموافقة هذه الدول على استقبال لاجئين من غزة، إذ قالت صحيفة Israel Hayom الإسرائيلية إن الاقتراح عُرض على كبار نواب مجلسي النواب والشيوخ من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وحظي بتأييدهم.

وكان السيناتور الجمهوري جو ويلسون أول من جهر بتأييد الاقتراح، وبدأ ترويجه، إلا أن بقية المشاركين في صياغة الاقتراح آثروا الابتعاد عن العلانية في هذه المرحلة، على أساس أن الشهرة الإعلامية قد تؤدي إلى تشويه الاقتراح.

وزعم أصحاب المبادرة أن “إسرائيل تسعى إلى تجنب إيذاء المدنيين، لكن مصر لا توافق على فتح حدودها”، و”الحل الأخلاقي الوحيد هو أن تفتح مصر حدودها، وتسمح بفرار اللاجئين”، “لا سيما أن مصر تتلقى مليار دولار من المساعدات الخارجية الأمريكية، ويمكن تخصيص هذه الأموال للاجئين من غزة الذين سيسمح لهم بدخول مصر”، على حد قولهم.

وأضافت الوثيقة الخاصة بالمبادرة: “لقد أُغلقت الحدود المجاورة لقطاع غزة مدة طويلة، وقد بات من الواضح الآن أن تحرير سكان غزة والسماح لهم بالعيش من دون حرب وإراقة دماء، يقتضي من إسرائيل أن تحثَّ المجتمع الدولي على إتاحة السبل السديدة والأخلاقية والإنسانية لنقل سكان غزة”.

فيما يطالب واضعو الخطة الحكومةَ الأمريكية بتخصيص هذه المساعدات المالية لمصر والعراق واليمن وتركيا، على أن تكون مشروطة باستقبال عدد معين من اللاجئين.

ولا تكتفي المبادرة بذلك، بل تحدد عدد سكان غزة الذين يفترض أن تستقبلهم كل دولة: مليون في مصر (أي 0.9% من السكان هناك)، ونصف مليون في تركيا (0.6% من الأتراك)، و250 ألفاً في العراق (0.6% من سكان العراق)، و250 ألفاً إلى اليمن (0.75% من سكان اليمن). ومع ذلك، تعارض المبادرة الإبعاد القسري لسكان غزة من القطاع، لكنها توافق على الهجرة الطوعية للراغبين في ذلك.

وأشار أصحاب المبادرة إلى أن “هذه لن تكون المرة الأولى التي تستقبل فيها دول أخرى لاجئين. فعلى سبيل المثال، تشير قاعدة بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن أكثر من 6 ملايين أوكراني فرّوا من بلادهم منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، وقد استقبلت بولندا ما يقرب من 1.2 مليون أوكراني، واستقبلت ألمانيا ما يقرب من مليون لاجئ أوكراني. ومنذ عام 2011 وبداية الحرب السورية، فرّ 6.7 مليون سوري من سوريا إلى جميع البلدان المحيطة، وهُجِّر 3.2 مليون لاجئ سوري إلى تركيا، ولجأ 789 ألف سوري إلى لبنان، و653 ألفاً إلى الأردن، و150 ألفاً إلى مصر، واستقبلت بلدان أخرى في الشرق الأوسط وأوروبا مئات الآلاف من السوريين”.

2-تفاقم الأزمة الاقتصادية المصرية:

ولعل تفاقم الأزمة الاقتصادية يدفع نظام السيسي نحو الكثير من السياسات الكارثية على صعيد الأمن القومي المصري..

وقد تأثُر الاقتصاد في مصر بالحرب الدائرة في قطاع غزة، دفع صندوق النقد الدولي للحديث عن احتمالية أن يزيد قروض القاهرة، ضمن برنامج الإنقاذ المصري، بحسب مجلة “فورين بوليسي”. وهذه القروض، بالإضافة إلى الحديث عن مساعدات أوروبية أخرى لمصر،

وقد عاشت مصر مرحلة طويلة من التعطش للعملة الصعبة..ﻻومؤخرا، كشف تقرير لوكالة “بلومبرغ”، عن “خطة أوروبية لدعم مصر بقيمة 9 مليارات يورو (نحو 10 مليارات دولار)، مع إجراء محادثات حول الديون”، وهو ما فسره مراقبون بأنها قد تكون جزءاً من “حزمة إغراءات ستقدّم إلى مصر، لضمان دعمها لأي تصور غربي لحل الأزمة في قطاع غزة بعد انتهاء الحرب”.

وخفضت وكالة فيتش التصنيف الائتماني لمصر بالعملات الأجنبية على المدى الطويل إلى “بي” (B-) هبوطا من “بي -” (B)، مشيرة إلى زيادة المخاطر على التمويل الخارجي، وفقا لوكالة “رويترز”.

وعدّلت وكالة التصنيف الائتماني أيضا نظرتها المستقبلية لمصر من “مستقرة” إلى “سلبية”.

وأفادت الوكالة أن خفض التصنيف “يعكس زيادة المخاطر على التمويل الخارجي لمصر، واستقرار الاقتصاد الكلي ومسار الديون الحكومية المرتفعة بالفعل”.

وأضافت أن قرب مصر من الصراع بين إسرائيل وحماس والتدفق المحتمل للاجئين، يزيد من المخاطر الأمنية خاصة في منطقة سيناء.

وتابعت الوكالة أن الحرب بين إسرائيل وحماس “تشكل مخاطر سلبية كبيرة على السياحة في مصر”.

وكانت مصر تأمل في توسيع قطاع السياحة لديها سنويا بنسبة 30 في المئة، لكنها تشهد إلغاءات بنحو 10 في المئة من إجمالي الحجوزات.

وفي أكتوبر الماضي، خفضت وكالة التصنيف العالمية “ستاندرد آند بورز” التصنيف السيادي طويل الأجل لمصر  من “بي” (B) إلى “بي -” (B-)، مشيرة إلى تزايد ضغوط التمويل على البلاد.

وعكس هذا التخفيض التأخير المتكرر في تنفيذ الإصلاحات النقدية والهيكلية في البلاد.

وخلال أكتوبر الماضي أيضا، خفضت وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية، التصنيف الائتماني لمصر من “بي 3” (B 3) إلى “سي إيه إيه 1” (Caa1) وأرجع هذا إلى تدهور قدرة البلد على تحمل الديون.

ووفقا لـ”فورين بوليسي”، فإن مصر هي ثاني أكبر مدينة لصندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين. وارتفع حجم الدين الخارجي لمصر إلى 164.7 مليار دولار بنهاية العام المالي 2022-2023، تتضمن ديوناً قصيرة الأجل بنحو 28.15 مليار دولار، وودائع وقروضاً وتسهيلات بقيمة 9.4 مليارات دولار، تتطلب سداد 83.7 مليار دولار منها خلال السنوات الثلاث المقبلة.

وأصبح الاقتصاد المصري، بحسب المجلة، يعتمد بشكل كبير على الاستثمارات الأجنبية قصيرة الأجل، لكنها (مصر) كانت بطيئة في تنفيذ الإصلاحات المالية الضرورية.

وارتفع معدل التضخم إلى ما يقرب من 40 في المئة، في سبتمبر، وهو مستوى قياسي، قبل أن ينخفض نقطتين مئويتين، في أكتوبر الماضي. وطالب صندوق النقد الدولي السلطات المصرية بتعويم العملة، التي تم تخفيض قيمتها 3 مرات منذ مارس عام 2022، مما أدى إلى خسارة 50 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار، ورفع تكاليف الغذاء على السكان.

ومع ذلك، لم يقم صندوق النقد الدولي بعد بإجراء مراجعة مقررات البرنامج من شأنها أن تطلق حوالي 700 مليون دولار من شرائح القروض المتأخرة، وتؤدي إلى انخفاض رابع متوقع في قيمة الجنيه المصري.

3-تبعية مصرية مقيتة للغرب:

كما أن رهن السيسي القرار المصري للأجندات الغربية والأمريكية، فأقمت الانصياع المصري للمصالح الإسرائيلية والمطالب الغربية، فيما يخص الحرب على غزة..

كما تجلى تلاعب الغرب وخبثه السياسي والاقتصادي للضغط على مصر، و جرجرتها نحو مربع المصالح الإسرائيلية، عبر الوعود المالية لمصر…

في الأزمات الخانقة والمتلاحقة التي يتخبَّط فيها الاقتصاد المصري ليست من قبيل الصدفة، فلا يدع التعامل الغربي المتحيِّز للعدوان الإسرائيلي على غزة مجالاً للظن أنّ معاناة اقتصاد مصر ومواطنيها ليست صدفة عشوائية ارتجالية، وإنّما هي نتاج تخطيط القوى الغربية وتضافر جهودها بشكل منظَّم وفعّال متكامل يحول دون علوّ صوت عربي مؤيِّد للقضية الفلسطينية يمكن أن يجرّ تأييد أصوات عربية أخرى.

وسبق مديرة صندوق النقد الدولي أن وصفت تدخُّل البنك المركزي المصري لدعم الجنيه المصري المسبِّب لاستنزاف دعم احتياطيات مصر من العملات الأجنبية بأنّه “أشبه بسكب الماء في وعاء مثقوب”.

وأشارت إلى أنّ تعويم الجنيه هو الترياق لوضع مصر المتأزِّم، متناسية أنّه في الواقع سمّ يؤدِّي إلى موجة غير مسبوقة من غلاء الأسعار التي ستطلق شرارة الاحتجاجات والتظاهرات الرافضة لغلاء المعيشة، بينما لم تطلق هذا الوصف على استخدام مصر قروض الصندوق في خدمة أعباء الديون وسداد الالتزامات الخارجية.

ولم تكتف مديرة صندوق النقد  عن التشديد على فكرة انعدام الخيارات المتاحة أمام مصر وضرورة تطبيقها وصفة الصندوق بحذافيرها، وكان من المفترض أن تجرى المراجعة الأولى لمدى التزام مصر بتنفيذ الشروط المتّفَق عليها في إطار برنامج القرض المصري في شهر مارس 2023.

لكنها أُجِّلت إلى شهر سبتمبر الماضي، ثم رُحِّلت إلى أجل آخر غير مسمى، وتأخير المراجعة الأولى يعني بالضرورة تأخير الإفراج عن الشريحتين الثانية والثالثة من القرض بإجمالي 700 مليون دولار، الأمر الذي يرسم صورة قاتمة للاقتصاد المصري ويثبِّط عزيمة الدائنين والمستثمرين.

من دون الاضطرار إلى استخدام حجج تدحض الدليل على اقتران سياسات الصندوق بمصالح القوى الغربية، تجاوز الأسباب التقنية التي تسبَّبت بتأخير المراجعة، أو إحراز مصر تقدّماً كافياً في تنفيذ البرنامج، أكَّدت جورجيفا جدية الصندوق في دراسة احتمال زيادة برنامج القروض لمصر البالغ 3 مليارات دولار بسبب تداعيات الحرب الإسرائيلية الدائرة في غزة.

الأمر الذي يؤكِّد بدوره مدى جدية الصندوق وعدم تهاونه أو تقاعسه عندما يتعلَّق الأمر بأمن إسرائيل وبقائها في منطقة الشرق الأوسط ذات الموقع الجيوستراتيجي الحيوي، والغنية بالثروات الطبيعية التي يفتقر إليها الغرب.

ولعل سياسات صندوق النقد الدولي، التي ساهمت بشكل أو بآخر في مفاقمة ديون مصر، ما هي إلاّ خطّة غربية محنَّكة لصناعة التبعية، واحتجاز مصر في متاهة الأزمات المتلاحقة والحاجة المستمرّة لنجدة الصندوق، الذي يقدِّم وصفات بناءً على مصالح الغرب.

ثالثا: مكاسب تحققت للسيسي:

1- تعديل أولويات واهتمامات الشارع المصري من همومه الداخلية إلى مأساة غزة:

وكان لمأساة الفلسطينيين في غزة، أثر كبير جدا على المشهد المصري، الذي كان يقف على أعتاب غضب متنام، من سوء الأوضاع الداخلية، خاصة مع اتجاه كثير من الدوائر الشعبية  لاستغلال الاستحقاق الرئاسي، لتصعيد المطالب والاستحقاقات الاقتصادية لتخفيف الأعباء عنهم.. وسط ضغوط اقتصادية واجتماعية  وانسانية تكاد تنفجر في وجه نظام السيسي، إلا أن طغيان حادث الحرب كان أكبر وأشد، ألهى المضربين عن قضاياهم الداخلية..

ومرّ النظام الحاليّ خلال الفترة التي سبقت عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر الماضي بواحدة من أكثر محطاته حرجًا وضعفًا، فيما كانت الأجواء سوداوية بشكل كبير وذلك وفق حزمة مسببات أبرزها:

أ– تصاعد الاحتقان الشعبي بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية التي أوصلت الأحوال المعيشية للمواطنين إلى أدنى مستوياتها، حيث ارتفاع جنوني في حجم الدين ومعدلات البطالة والتضخم، وجنون غير مسبوق في أسعار السلع والخدمات، وانتكاسة كبيرة في مستوى الفقر، رأسيًا وأفقيًا.

ب– انسداد الأفق السياسي، فبعدما كان البعض يؤمل نفسه بمشهد سياسي أكثر مرونة، يُسمح فيه ببصيص أمل من المنافسة والتعددية، إذ بالوضع ينقلب رأسًا على عقب، فقد أفشل المرشح الرئاسي المحتمل والبرلماني المعارض أحمد الطنطاوي في استيفاء أوراق ترشحه للانتخابات، وذلك لتعنت السلطة واستهدافها له بشكل شخصي ومباشر.

ج– استمرار الوضعية الحقوقية المتردية، حيث رفض كل المناشدات التي طالبت انفراجة في ملف حقوق الإنسان، والاستمرار في الانتهاكات والتصعيد ضد الأصوات التي تغرد خارج السرب، وهو ما زاد من وتيرة الاحتقان بعدما تجاوز أعداد المعتقلين بسبب آرائهم أو مواقفهم السياسية عشرات الآلاف وفق تقديرات حقوقية..

د-انصراف المزاج الشعبي نحو فلسطين:

ومع الأيام الأولى للحرب البرية التي شنها الاحتلال ضد القطاع عقب عملية الطوفان، تزايدت وتيرة الاحتقان الشعبي المصري بسبب الموقف الرسمي المتخاذل إزاء نصرة سكان القطاع، و الاكتفاء ببيانات الإدانة والشجب والاستنكار دون أي تحرك ميداني ينقذ الموقف.

ومما زاد من حالة الغضب التصريحات الصادرة عن السيسي والخاصة بتصفية المقاومة الفلسطينية وتهجير سكان القطاع إلى صحراء النقب، بجانب الحديث عن دولة فلسطينية منزوعة السلاح، وهو الخطاب الذي يتماهى مع الخطاب الإسرائيلي الأمريكي بشكل كبير.

وبعد عدة أيام من الحرب وانتشار مقاطع التنكيل والانتهاكات وقتل الأطفال وتدمير آلاف البنايات وتهجير سكان الشمال، أصيب المزاج المصري بصدمة مدوية، أفقدته اتزانه بشكل كبير، وساهمت في تغيير بوصلته شكلًا ومضمونًا.

وبدلًا من الحديث عن انسداد الأفق السياسي والوضع الاقتصادي المتردي والانتخابات الرئاسية وطلاسمها وخذلان الموقف الرسمي المصري، لم يعد هناك صوت يعلو فوق صوت غزة، تعاطفًا مع أهلها، ودعمًا للمقاومة.

وهكذا تبدلت أولويات الشارع المصري لينسى مؤقتًا واقعه المتردي اقتصاديًا وسياسيًا، وآماله في التغيير عبر صناديق الاقتراع التي باتت على الأبواب، وتغيرت دفة اهتماماته صوب غزة التي سحبت الأضواء والاهتمام من كل القضايا والملفات الداخلية.

2-الإلهاء عن  استحقاقات الانتخابات الرئاسية:

و ترافقت حرب غزة مع أجواء الانتخابات الرئاسية ، إذ ألقت حرب غزة بظلالها على المشهد الانتخابي بصورة كبيرة، حيث تحولت إلى ورقة دعائية والنهائية في ذات الوقت، لخدمة أهداف انتخابية مباشرة، صبت في نهاية المطاف في مصلحة عبد الفتاح السيسي معززة حظوظه في الفوز بولاية ثالثة محسومة أساسا، كما أن الأحداث المأساوية في غزة وسعي الاحتلال الصهيوني لدفع الفلسطينيين للنزوح القسري نحو سيناء المصرية، يؤثر بشكل كبير على المشهد المصري برمته….وعلى الرغم من أن نتائج الانتخابات كانت محسومة ابتداءً، إلا أن الأحداق في غزة، أراحت السيسي ونظامه،  من تساؤلات وتوقعات وانشغالات المواطنين باستحقاقات كانوا ينتظرونها، بل إن السيسي كمرشح لم يعقد مؤتمرا واحدا او يصدر برنامجا انتخابيا، أو يحضر حتى المناظرة التلفزيونية الوحيدة التي ادارتها إحدى القنوات التلفزيونية، وأناب عنه أحد مساعديه، عماد خليل…

3-استغلال مخطط التهجير الصهيوني لسكان غزة نحو مصر للابتزاز المالي:

ومع تراخي الموقف المصري إزاء الجرائم الاسرائيلية، التي طالت المدنيين في غزة، ووصول شظايا نيران الصهاينة للحدود المصرية ومدن نويبع وشرم الشيخ، بجنوب سيناء،  معبر رفح، وبدأت المكاسب السياسية التي حاول السيسي اقتناصها من الأزمة..

وظهرت مخططات صهيونية، تتعلق بمصر وسيناء، وهنا جاءت فرصة أخرى للسيسي، سعى اقتناصها بشكل  مهين لمصر موقعها وامكاناتها…

ففي نهاية أكتوبر الماضي، اعترفت المخابرات الإسرائيلية بوجود خطة لتهجير الفلسطينيين ، وردت في وثيقة مؤرخة في 13 أكتوبر، لنقل 2.3 مليون فلسطيني من قطاع غزة إلى مخيمات للاجئين في شمال سيناء، يمكن أن تصبح فيما بعد مدناً.

وفي حين نفى مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن تكون الخطة سياسة مقصودة، واصفا الوثيقة بأنها “ورقة مفاهيمية”، يبدو أن المقترحات الرامية إلى تهجير سكان غزة إلى سيناء تحت ستار إجراء “مؤقت” في زمن الحرب تحظى بدعم واسع النطاق في أوساط المؤسسة الإسرائيلية، حتى أن تقارير إعلامية كشفت أن إسرائيل أثارت مع العديد من الحكومات الأجنبية فكرة نقل سكان غزة إلى مصر “خلال مدة الحرب”.

ولعل تصعيد اسرائيل قصفها للمدن الفلسطينية، موقعة الإصابات والقتل بأعداد تجاوزت المعقولية، حيث قارب عدد الشهداء الفلسطينيين نحو 20 ألف فلسطيني وأكثر من 60 ألف مصاب وآلاف المفقودين تحت الأنقاض، علاوة على التجويع ومنع مرور المساعدات الانسانية للقطاع، ما ضاعف المجاعة والجوع ونشر الكثير من الأوبئة والأمراض بين سكان غزة، وهو ما عزز من مقترح إسرائيل لدى دوائر نظام السيسي، تحت ستار الأزمة الانسانية  الكبيرة، كمبرر للقبول بنزوح فلسطيني ، لكن بعيدا عن سيناء..

ولكن دان المسؤولون المصريون والفلسطينيون مثل هذا الاقتراح باعتباره استمرارًا لسياسة إسرائيل التاريخية المتمثلة في تجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم على حساب جيرانها. إلا أن التطورات التي حدثت منذ ذلك الحين، وتهجير نحو 1.8 مليون من سكان شمال غزة داخل القطاع منذ 7 اكتوبر الماضي ، لا يمكن فصلها عن خطط إسرائيل المحتملة للطرد إلى شمال سيناء.

ووفق تقديرات استراتيجية، فأن معارضة خطط التهجير الإسرائيلية الواضحة، والمخاوف من موافقة الولايات المتحدة والحكومات الغربية الأخرى عليها، دفعت السيسي، خلال مؤتمر صحفي عقده في 18 أكتوبر الماضي مع المستشار الألماني الزائر أولاف شولتز، إلى إدانة أي حديث عن توطين اللاجئين في مصر.

وبعبارات “غير حكيمة وغير تاريخية”، حذر السيسي من أن هذا الاحتمال “قد يؤدي إلى زيادة الإرهاب ضد إسرائيل، مقترحا نقل اللاجئين إلى صحراء النقب الإسرائيلية”، فمن خلال السماح لنفسه باتهام الفلسطينيين بالإرهاب المحتمل ضد إسرائيل، أطلق السيسي خطاباً إسرائيلياً نموذجياً في الوقت الذي كان فيه جيش الاحتلال يرتكب فظائع ضد المدنيين الأبرياء.

وبدا أيضًا أن السيسي يقبل احتمال تجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم مرة أخرى، وينسى حقيقة أساسية حول طرد الفلسطينيين، وهي أن إسرائيل التي رفضت السماح للاجئي عام 1948 بالعودة إلى فلسطين التاريخية، ستمنع الفارين من غزة من العودة إليها.

والقيام باستقبال لاجئين فلسطينيين من شأنه أيضاً أن يسبب كابوساً لوجستياً ومالياً هائلاً لمصر، بالنظر إلى الاحتياجات الإنسانية الواسعة لهم، في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد المصري بالفعل من أزمة كبرى، تتسم بتضخم قياسي، وصل إلى ما يقرب من 40% في أغسطس ، وانخفاض قيمة العملة بعدما فقد الجنيه 50% من قيمته على مدى الأشهر الـ 18 الماضية، ودين عام ضخم يمثل 93% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، ودين خارجي يبلغ 163 مليار دولار.

وفي حين يمكن للمساعدات الدولية أن تساعد في إعادة توطين اللاجئين، ستكون هناك دائما تكاليف خفية لن تتمكن مصر من تغطيتها..

وهو المنطلق الأبرز للسيسي للتواصل والتفاهم مع الغرب ، لقبول فكرة التهجير، مع تنسيق طريقته وإعداده، مقابل مساعدات مالية ضخمة، تحدثت عنها دوائر اسرائيلية بوضوح، تضمنت إسقاط ديون مصر التي تفوق 167 مليار دولار، مع مساعدات مالية ، كشف عنها الاتحاد الاوروبي على استعداد لضخ استثمارات بمصر تصل لأكثر من 10 مليار دولار، وحديث رئيسة صندوق النقد عن بدء  مباحثات مع مصر لرفع قرض الـ3 مليار دولار إلى 5 مليار دولار، في وقت عطلت فيه لشهور ضخ باقي شرائح القرض الماضي، لعدم التزام مصر باشتراطات صندوق النقد الدولي..بجانب تعهد إسرائيل بضخ كميات أكبر من الغاز الإسرائيلي إلى مصر، لمساعدتها في تجاوز أزمة الطاقة والكهرباء، التي استدعت لجوء الحكومة المصرية للقطع المبرمج للتيار الكهربائي…

ومع تطورات العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد غزة،  عقب نهاية الهدن الإنسانية، وتطور الهجمات إلى جنوب غزة، تسارعت موجات النزوح نحو رفح الفلسطينية، بالقرب من الحدود المصرية، كشفت صحيفة “الأخبار” اللبنانية، عن قبول مصري بصفقة التهجير الناعم، لملايين الفلسطينيين،   داخل مصر، في المدن الجديدة..

وعلى الرغم من موقف مصر المعلن الرافض لتهجير سكان قطاع غزة إلى سيناء، والذي جرى التعبير عنه رسمياً غير مرة، آخرها على لسان وزير الخارجية، سامح شكري، خلال زياراته المتعددة لواشنطن، ورئيس الهيئة العامة للاستعلامات، ضياء رشوان، الذي أصدر بياناً يجدّد فيه الموقف نفسه، إلا أن المسؤولين المصريين بدأوا يتحضّرون، بالفعل، لسيناريو كهذا.

وكشفت مصادر دبلوماسية لجريدة “الأخبار” اللبنانية، أن دوائر سياسية سيادية مصرية، بدأت حالياً، دراسة آلية للتعامل مع عملية تهجير يسود تقدير بأنها قد تبدأ بالفعل في الربع الأول من عام 2024، مشيرة إلى أنّ القاهرة تحرص على عدم تحمّل تبعات هذه العملية «بمفردها»، وتبحث إمكانية استضافة دول عدة للفلسطينيين النازحين، الذين سيُسمح لهم بالخروج من معبر رفح «بشكل رسمي». والحال هذه، وطبقاً للمصادر نفسها، فإنّ مصر تشترط أن يكون عبور السكان منظّماً، وأهداف محددة في الخارج، الدراسة أو الهجرة، بموجب موافقة مسبقة وتأشيرات تصدر قبل دخولهم البلاد. وإذ يُتوقّع، وفقاً للسيناريو المذكور، أن تستقبل مصر مئات الآلاف من سكان غزة، من مختلف الأعمار، مع عائلاتهم، فسيتمّ وضع معايير عدة للموافقة على دخولهم، على غرار الأوضاع الصحية التي تستدعي العلاج، والدوافع الإنسانية الأخرى، جنباً إلى جنب متابعة تحصيلهم العلمي، شريطة ألا يجري توطين المهاجرين في سيناء، «وأن يتم نشرهم، بدلاً من ذلك، في أماكن أخرى خارجها»، مع استحداث «وضع خاص» لهم. والتغيّر في موقف القاهرة، مدفوع، بحسب المصادر، باقتناع بدأ يتكون لدى الأخيرة، بأنّ إسرائيل ستواصل عملية تدمير قطاع غزة وتجريفه، ثمّ العمل على خنقها اقتصادياً، حتى بعد انتهاء الحرب، وعرقلة جميع محاولات إعادة الإعمار فيه، وحصرها بتقديم بعض المساعدات الإنسانية، ما يعيق جميع فرص العمل أو سبل الحياة في داخله. ولذا، بدأت مصر تبحث في «حصص» المهاجرين التي تستقبلها دول عربية أخرى، سواء في الخليج أو شمال أفريقيا، توازياً مع مطالبتها بـ«دعم اقتصادي كبير»، لا فقط من أوروبا والولايات المتحدة، وإنّما من دول الخليج، بالإضافة إلى إمكانية استفادة عدد من الطلاب الفلسطينيين من منح دراسية في أوروبا وتركيا والولايات المتحدة، ما سيتيح لهم السفر مع عائلاتهم إليها.

ويأتي هذا في وقت تصرّ فيه مصر على موقفها الداعي إلى تسهيل إدخال مساعدات تكفي جميع سكان القطاع، وتضغط في اتجاه تسهيل إدخالها، ومنع إسرائيل من عرقلتها، عبر استهداف المناطق المحيطة بالمعبر، وتأخير إجراءات التنسيق المرتبطة بها. بيد أنّ اقتصار هذه المساعدات، حتى الآن، على كميات لا تؤمن احتياجات السكان اليومية، جعل صنّاع السياسة المصريين يتوقعون أنّ الوضع سيزداد صعوبة في الأسابيع المقبلة، ويحاولون استباق «انفجاره» في أي لحظة، ولا سيما مع بداية موجات البرد. ويشمل الحراك السياسي المصري في هذا الاتجاه توجيه تحذير إلى الولايات المتحدة من الضغط الجاري لتسريع وتيرة التهجير، بشكل يهدد أمن مصر، ويخاطر «بتحويل سيناء إلى ساحة لمهاجمة إسرائيل مجدداً» – وفق ما يحاجج به  نظام السيسي ، ومطالبات بـ«تنظيم واضح لعملية خروج الوافدين من قطاع غزة، وتأمين دعم مالي كبير لمصر من أجل تحمّل أعباء هؤلاء، مع ضمان استدامة التمويل، وفق محددات وآليات واضحة».

4-تجاوز الانهيار السياسي لنظام السيسي:

يشار إلى أنه كان الحديث قبل شهرين فقط منصباً على احتمال تعرض مصر انهيار مالي، لكن اليوم أصبح العالم أكثر استعداداً لتقديم المساعدات لها، وذلك لطبيعة الدور الذي باتت تضطلع به مصر في ملف حرب غزة، سواء عبر التحكم في معبر رفح ، و افتئات الجانب الاسرائيلي على السيادة المصرية، بالتدخلات غير الدبلوماسية في إدارة المعبر ومنع  دخول ما تشاء أو السماح لبعض المساعدات دون بعضها، عبر فرض رقابة كاملة على المعبر، بجانب التحكم في تصاريح دخول المصابين إلى مصر لتلقي العلاج، وكذا المخططات الصهيو امريكية، والتي يدعمها الغرب، بتهجير ملايين الفلسطينيين إلى سيناء او الى المدن المصرية، ومن ثم تعددت الزيارات الى مصر وبات السيسي محطة مهمة ، في العلاقات الدبلوماسية بالمنطقة، نظرا لطبيعة الموقع الجيو سياسي  الملاصق لقطاع غزة، وذلك بعد سنوات من العلاقات الباردة بين المسؤولين الغربيين والسيسي..

ولعل خشية أوروبا من انهيار مصر اقتصاديا ومن ثم سياسيا، أثر ازماتها الاقتصادية المتعددة والتي تفاقمت مع حرب اسرائيل على غزة، حيث تراجعت أعداد السياح الى مصر وكذا التجارة بقناة السويس، وهو ما قدرته أوروبا بأنه يمثل خطرا حالا بأوروبا، إذ أن انهيار مصر قد يدفع نحو  هجرة غير شرعية ، عبر شواطئ مصر إلى أوروبا، فمن ثم  تسارعت الجهود السياسية والاقتصادية الأوروبية لتعويم السيسي ، حفاظا على الأمن الأوروبي…وذلك وفقا لوكالة Bloomberg الأمريكية في تحليل مطول لها بعنوان، “مصر تحتاج المال وحرب غزة تمنح العالم أسباباً جديدة لمساعدتها”..

وبحسب بلومبيرغ، جاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة يضع مصر في صدارة المشهد، حيث تُعَدُّ المنفذ الوحيد لوصول المساعدات إلى غزة، والمنفذ الوحيد للفرار الفلسطينيين المحاصرين. كما كانت مصر طرفاً، مع قطر والولايات المتحدة، في الوساطة بشأن صفقة تبادل الأسرى التي سمحت بالتوصل إلى هدنة بعد ستة أسابيع من العدوان. وصار عبد الفتاح السيسي فجأةً من الزعماء الذين يجب على قادة العالم زيارتهم.

وهو ما منح السيسي  نفوذا لم تتمتع به مصر منذ عقود، رغم كونها أكثر دول الشرق الأوسط اكتظاظاً بالسكان، واستقرارها مهم كونها تتحكم في واحد من أكثر شرايين التجارة العالمية ازدحاماً. علاوةً على أن اقتصادها لم يكن في هذه الحاجة الماسة للمساعدة إلا نادراً، بحسب تقرير الوكالة الأمريكية.

5-دعم مالي واقتصادي لمصر:

وفجأة، وبلا أية مقدمات، وعلى عكس الانصراف الممتد للمؤسسات المالية عن مد يد العون للسيسي، الذي أدمن الاقتراض، وأهدار مليارات الدولارات على مشاريع غير ذات جدوى،  تتالت إعلانات المؤسسات المالية الدولية عن منح ومساعدات مالية واقتصادية لمصر..

فقالت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغيفا، إن الصندوق يدرس بجدية زيادة محتملة لبرنامج القرض المقدم لمصر، والذي تبلغ قيمته ثلاثة مليارات دولار، وذلك بسبب الصعوبات الاقتصادية الناجمة عن التصعيد في غزة.

وأضافت جورجيفا في تصريحات نشرتها وكالة “رويترز”، على هامش قمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي، أن الحرب في غزة تدمر سكان القطاع واقتصاده، وأن للتصعيد في غزة “آثار خطيرة” على اقتصاد الضفة الغربية، ويشكل أيضا صعوبات للدول المجاورة وهي مصر ولبنان والأردن، من خسائر محتملة تتكبدها الدول في إيرادات السياحة وارتفاع تكاليف الطاقة.

وتأثُر الاقتصاد في مصر بالحرب الدائرة في قطاع غزة، دفع صندوق النقد الدولي للحديث عن احتمالية أن يزيد قروض القاهرة، ضمن برنامج الإنقاذ المصري،  إلى 5 مليار  دولار، بحسب مجلة “فورين بوليسي”.

وهذه القروض، بالإضافة إلى الحديث عن مساعدات أوروبية أخرى لمصر،   حيث تعهد البنك الأوروبي  بتقديم قروض تصل إلى 9 مليار  يورو لمصر، كاستثمارات..وأثارت تلك القروض والوعود تساؤلات حول أهدافها، بسبب تزامنها مع الحديث عن “خطط توطين الفلسطينيين في سيناء” المجاورة لغزة..

يشار إلى أنه في أكتوبر الماضي، أجرت مصر محادثات مع صندوق النقد الدولي بشأن زيادة محتملة في قرضها البالغ 3 مليارات دولار، إلى أكثر من 5 مليارات دولار.

وكشف تقرير لوكالة “بلومبيرج”، عن “خطة أوروبية لدعم مصر بقيمة 9 مليارات يورو (نحو 10 مليارات دولار)، مع إجراء محادثات حول الديون”، وهو ما فسره مراقبون بأنها قد تكون جزءاً من “حزمة إغراءات ستقدّم إلى مصر، لضمان دعمها لأي تصور غربي لحل الأزمة في قطاع غزة بعد انتهاء الحرب”.

وتثير هذه القروض جدلا واضحا، إذ أنها محفوفة بالمخاطر السياسية، خاصة بسبب تمسك صندوق النقد خلال الشهور الماضية بحزمة من القرارات الاقتصادية التي لم تلتزم مصر بها وفقا للاتفاق المبرم بين الطرفين، لذلك فإن هذا التغيير الكبير في الموقف يبدو أن له أهدافا أخرى قد تكون سياسية في المقام الأول..

وكان صندوق النقد طالب مصر بخصخصة الشركات التي يسيطر عليها الجيش وكذلك بتعويم العملة، فيما نفذت القاهرة جزئيا شرط الخصخصة، إلا أنها تلكأت في تخفيض الجنيه، مما أثار حفيظة صندوق النقد، وظهر هذا خلال تصريحات المسؤولين وقرار تأجيل مراجعات الدفعات اللاحقة من القرض الذي اتفقت عليه مصر..

ووفق تقديرات اقتصادية، فإنه في الحالات الطبيعية، كان من المتوقع أن تتوقف قروض الصندوق لمصر، لكن من الواضح أن الحرب على غزة غيّرت هذه السياسة، خاصة مع زيادة الحديث عن خطط تهجير الفلسطينيين إلى سيناء..

وعلى ما يبدو فمن المتوقع، أن يحدث مع مصر صفقة شبيهة بالاتفاق الأوروبي مع تركيا وتونس فيما يخص المهاجرين”، إذ أن الدول الأوروبية تخشى من زيادة المهاجرين الفلسطينيين إليها بعد حرب غزة، لذك ترغب بأن تكون مصر هي حائط الصد لمثل هذه الأزمة..

إذ تعرض الدول الأوروبية والمفوضية الأوروبية على تونس مساعدات وقروض مقابل أن تصبح تونس حامية لأوروبا من النازحين، وتمنح القروض بصورة جزئية على شكل قروض صغيرة يمنح كل منها مقابل كل مهمة مطلوبة تنفذها تونس..

ولعل ما  يشير إلى قرب تدفق القروض  إلى مصر، أنها تعيش  في مأزق اقتصادي ، بسبب التدهور الكبير في اقتصادها، الذي قد يجبرها على قبول شروط قد لا ترضى عنها كليا، لأنها قد تضر بالنظام والأمن القومي أو سيقابل برفض شعبي واسع…

وفي حالة التوصل إلى اتفاق، فإن مثل هذه الخطوة من شأنها ضخ المزيد من الأموال إلى الاقتصاد الذي يعاني من أعمق أزمة منذ عقود.

6-تعويم اقتصادي  للأزمة المالية المصرية من قبل الدوائر الاقتصادية العالمية:

ورغم استمرار الأزمة الاقتصادية المصرية،  إلا أن الدوائر الاقتصادية الأوروبية والأمريكية بدأت تغير من تقاريرها حول الاقتصاد المصري، كمقدم لصفقة اقتصادية أوروبية وأمريكية مع مصر..

إذ تجاوز معدل التضخم حاجز الـ35%، بينما أصبح سعر صرف العملة الأجنبية في السوق السوداء بأعلى من سعرها الرسمي بما يزيد عن 60% (سعر صرف الدولار مقابل الجنيه رسمياً أقل من 31 جنيهاً للدولار الواحد بينما في السوق السوداء تخطى حاجز 50 جنيهاً)، فيما هربت رؤوس الأموال الأجنبية إلى الخارج لتترك مصر متعطشةً للدولارات.

كما إن من المتوقع أن تتخلف مصر عن سداد ديونها الخارجية المقدرة بـ 167 مليار دولار، ما يعني أن مصر لم تعد على خريطة المستثمرين فعلياً بعد أن جذبتهم في الماضي بفضل عائدات كانت من بين الأعلى في العالم.

ولفترة من الوقت، اعتمدت مصر على الأموال الساخنة من مستثمري المحافظ لملء الفجوة. اسعار الفائدة أعلى بكثير من التضخم ، إلى جانب العملة المربوطة ، جعلتها محبوبة في السوق. انهارت الاستراتيجية عندما غزت روسيا أوكرانيا في فبراير 2022، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية. وتعرضت مصر، التي تحتاج إلى النفط المستورد وهي واحدة من أكبر مشتري القمح، للصدمة.

وفي وقت لاحق، خرج نحو 20 مليار دولار من النقد الأجنبي من البلاد مع ارتفاع أسعار الفائدة العالمية، مما أدى إلى ثلاثة تخفيضات في قيمة الجنيه أدت إلى خفض قيمة الجنيه إلى النصف. أصبحت مصر واحدة من النقاط الساخنة في العالم لتضخم أسعار الغذاء.

ورغم ذلك، وبعد سلسلة الوعود الأوروبية والغربية لدعم اقتصاد مصر، بدأ عمالقة وول ستريت في التنبؤ بانحسار خطر أزمة الديون الفورية، بدايةً بـ”بنك أمريكا” ووصولاً إلى “غولدمان ساكس”، على الرغم من أن الوضع الاقتصادي لمصر لم يشهد بوادر تحسن، بل ربما يكون العكس هو الصحيح.

7-ترميم شعبية السيسي المتهالكة:

وقد أشارت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، إلى أن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، عبد الفتاح السيسي فرصة أخرى سمحت بتصوير نفسه بأنه “بطل للقضية الفلسطينية” في الداخل، زعيم إقليمي لا غنى عنه في الخارج.

ولفتت الصحيفة إلى أن ذلك حصل بسبب طغيان العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي، على أن الانتخابات الرئاسية المصرية التي تحل في ظل أزمة اقتصادية أطاحت بشعبية السيسي، لاسيما بعد تعمقها في الأشهر الأخيرة وتسببها في انهيار اقتصادي بطيء.

وكان اهتمام الشارع المصري، انصب بشكل كبير خلال الأسابيع الأخير على جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وسط انتشار دعوات مقاطعة الشركات الغربية الداعمة للاحتلال أو المرتبطة به.

وكان مراقبون أشاروا إلى أن الانتخابات الرئاسية التي تم تبكير موعدها تحت وطأة الأزمة الاقتصادية، ستسفر عن فوز جديد للسيسي بعد حملة قمع استمرت عشر سنوات على المع

ويمنح الفوز السيسي فترة ولاية مدتها ست سنوات، تتمثل الأولويات العاجلة خلالها في ترويض التضخم شبه القياسي وإدارة النقص المزمن في العملة الأجنبية، ومنع امتداد الصراع بين الاحتلال وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية “حماس” في غزة.

8-مزيد من الغاز الصهيوني لتعويم السيسي داخليا:

وعلى الرغم من أن اسرائيل بعد أيام من اندلاع حربها على غزة، أوقفت إمدادات الغاز المصدر لمصر،  بداعي المشكلات الفنية والمخاوف الأمنية التي ألجأت شركة شيفرون الأمريكية التي تستخرج الغاز المصدر لمصر من حقل تمار بوقف الإنتاج..إلا أنه فجأة وعلى ما يبدو أنه مع ترتيبات وتنسيق ما تم مع مصر، بشأن مواقفها الاستراتيجية السرية مع إسرائيل، أعادت إمدادات الغاز لمصر ، بل  زادت كميات مصر…

إذ قالت وزارة الطاقة الإسرائيلية، الخميس 13 ديسمبر الجاري، ، إنّ الشركاء في حقل تمار البحري يمكنهم تصدير ما يصل إلى 500 مليون متر مكعب إضافية من الغاز الإسرائيلي سنوياً إلى مصر. ولم يتم الإعلان عن ذلك، وفقاً لما أورده موقع “كالكاليست” الإسرائيلي، وإنما تم اكتشاف ذلك من خلال تقارير الشركات في البورصة.

قبل أسبوعين من انتقاله إلى وزارة الخارجية، وافق وزير الطاقة الإسرائيلي يسرائيل كاتس على زيادة حصة التصدير السنوية من الغاز الإسرائيلي من حقل تمار إلى مصر. وفي أغسطس الماضي، تم توسيع الحصة بحوالي 3.5 مليارات متر مكعب سنوياً اعتباراً من عام 2026؛ أي بزيادة قدرها 60% عن الحصة السابقة، واليوم تمت زيادتها مرة أخرى بمقدار 0.5 مليار متر مكعب سنوياً.

وشرح الموقع الإسرائيلي أنه تم منح وزير الطاقة خيار الموافقة على زيادة الصادرات من الغاز الإسرائيلي بمقدار 0.5 مليار متر مكعب إضافية سنوياً، وهو البند الذي وافق عليه..

وخلافاً لما حدث في المرة السابقة، فإنّ الموافقة على توسيع الصادرات من الخزان تمت دون تحديث وإبلاغ الجمهور، بل من خلال تقارير الشركات المالكة لخزان تمار إلى البورصة. وتمدد الموافقة الحالية التصريح الإضافي الذي يمكن تحويله من 38.7 مليار متر مكعب من الغاز الإسرائيلي لمدة 11 عاماً، إلى حوالي 43 مليار متر مكعب.

ولعل الميزة الأهم في سياق التصدير في الفترة الحالية هي علاقات إسرائيل الجيوسياسية مع دول المنطقة، مع التركيز على مصر في ظل الحرب في غزة، فـ”القدرة على تصدير الغاز إلى مصر تمكّن من تعزيز العلاقات مع القاهرة”، بحسب “كالكاليست”.

وذكرت وزارة الطاقة الإسرائيلية، اليوم الخميس، أنه “وافق معتمد النفط في وزارة الطاقة والبنية التحتية لشركة تمار على تصدير إضافي للغاز الطبيعي بما يصل إلى نصف مليار متر مكعب سنوياً. وجاءت الموافقة بعد أن تأكد المعتمد من أنّ هذا ممكن مع ضمان إمدادات كاملة ومستمرة من الغاز الطبيعي للاقتصاد الإسرائيلي كمكمل لموافقة التصدير الممنوحة في أغسطس من هذا العام”.

وتقدم صادرات الغاز الإسرائيلي لمصر، عوائد اقتصادية كبيرة ، لتعويض عجز الموازنة الكبير أثر الحرب في غزة…

كما أن الغاز الاسرائيلي لمصر، والذي كان قد توقف في بداية حرب اسرائيل على غزة، بزعم تأثيرات لوجستية ومخاوف لدى شركات التنقيب، يعود اليوم وبزيادة سرية، كمحاولة لتشجيع النظام المصري، على المضي قدما في  سيناريوهات تهجير الفلسطينيين إلى سيناء أو ال مدن مصرية، وفق الاجندة الاسرائيلية لاخلاء القطاع من سكانه و خلخلة البنية الديمغرافية لغزة، لضمان مزيد من التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، وخلق مناطق عازلة في شمال غزة، وصولا لحل دولة غزة الكبرى، التي تريدها إسرائيل، لإفراغ الداخل الفلسطيني المحتل والضفة الغربية منة الفلسطينيين..

ثالثا: كيف وظف نظام السيسي المشهد لصالحه:

وبدأت مرحلة التوظيف السيسي للمشهد لصالح النظام، حيث  حاول أنصار السيسي تحديدًا توظيف هذا المشهد الداكن لتحقيق هدفين أساسيين:

 أولهما -تعزيز شعبية السيسي المتراجعة بسبب فشله السياسي والاقتصادي والحقوقي، فضلًا عن موقفه إزاء الحرب في غزة..

ثانيهما -استغلال تلك الأجواء لتوفير غطاء من الدعاية الانتخابية للسيسي..

وسعت السلطة لتحقيق الهدفين، من خلال آليات عديدة، هي:

1– التظاهرات الشعبية الداعمة لغزة استجابة لدعوة السيسي لها، وهي التظاهرات التي تحولت إلى دعم ورعاية السيسي ومنحه تفويضًا شعبيًا لما هو قادم، لكنها لم تؤت ثمارها بالشكل الكامل بعدما أجهضها بعض المتظاهرين بدخول ميدان التحرير والتأكيد على أن “المظاهرة بجد مش تفويض لحد”..

ومثل معظم دول العالم العربي، شهدت مصر نصيبها من الغضب الشعبي بشأن الحرب الإسرائيلية على غزة، لكن المعارضة الشعبية يتم التعبير عنها في الغالب من خلال منصات وسائل التواصل الاجتماعي.

قانون التظاهر الصارم في مصر، والذي صدر عام 2013 في أعقاب الانقلاب العسكري ضد الرئيس  محمد مرسي، يحد بشدة من قدرة المصريين على التجمع السلمي، وخاصة في ميدان التحرير، رمز الثورة المصرية عام 2011.

ومع ذلك، تجرأ المواطنون على تنظيم احتجاج شعبي نادر، وفي ميدان التحرير، بعد أسبوعين تقريبًا من بدء الحرب، ومع معاناة غزة من وطأة الهجوم الإسرائيلي الكامل، وجدت السلطات المصرية صعوبة في قمع هذا التعبير عن التضامن العام مع الفلسطينيين.

فيما نظم السيسي مظاهرات الخاصة التي كانت مخصصة لدعم السيسي أكثر من التعبير عن رفض سلوك إسرائيل، كما لو كان السيسي يحتاج ذلك قبل الانتخابات الرئاسية التي أجريت  في الفترة من 10 إلى 12 ديسمبر ، بلا منافسة حقيقية للسيسي..

وهكذا عانت التعبيرات العامة عن التضامن مع غزة في مصر من قمع النظام، حيث تم اعتقال وإخفاء العشرات من الناشطين في العديد من مدن البلاد.

وفي 29 أكتوبر ، حجبت السلطات المصرية موقع “مدى مصر” الإلكتروني المستقل لمدة 6 أشهر، بزعم “نشر أخبار كاذبة دون التحقق من مصادرها”، وذلك بعد أن نشر الموقع تقارير تفيد بأن مصر تستعد لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين حال طردتهم إسرائيل من غزة.

وفي بداية ديسمبر ، اعتقلت السلطات المصرية 4 نشطاء أجانب في القاهرة لتنظيمهم احتجاجًا لدعم غزة أمام وزارة الخارجية.

2– وما إن فشلت إستراتيجية التظاهر التي خشى النظام أن تخرج عن النص وتتحول إلى تظاهرة ضد السيسي والحكومة بشكل كامل، وإعادة المشهد الثوري مرة أخرى، حاول البحث عن آلية أخرى لتحقيق الأهداف ذاتها، فكانت إستراتيجية الدعم والمساعدات المصرية هي البديل.

تصدرت مصر قائمة الدول الأكثر مساعدة لقطاع غزة وفق الأرقام المعلنة من الهلال الأحمر المصري، وهو ما تم توظيفه دعائيًا، حيث تحولت تلك المساعدات إلى ساحات لدعم السيسي لفترة رئاسية جديدة، وهو ما تؤكده حملات الدعم التي قام بها حزب “مستقبل وطن” الظهير السياسي للسيسي، كذلك مهرجان ستاد القاهرة الذي فقد بوصلته من مهرجان لدعم غزة إلى مسرح كبير للدعاية للسيسي.

3– وبالتوازي مع ذلك تم توظيف الهدنة المؤقتة بين حماس وحكومة الاحتلال، لإبراز الجهود الدبلوماسية التي تبذلها السلطات الحاليّة لوقف الحرب، في محاولة لطمس خذلان الموقف الرسمي، المصري والعربي والإسلامي على حد سواء للفلسطينيين.

4- لا صوت يعلو فوق صوت الحرب:

ومع دخول الحرب مراحلها المتقدمة تفاقمت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في مصر بصورة أكبر مما كانت عليه قبل الحرب، حيث كسر سعر الدولار في السوق السوداء حاجز الـ50 جنيهًا، وما تلا ذلك من قفزات جنونية في أسعار السلع الضرورية، ومنها السكر الذي قفز من 27 جنيهًا إلى 55 جنيهًا في أقل من أسبوع واحد فقط، القياس ذاته على بقية السلع التي تحركت أسعارها بمستويات غير متوقعة.

وفي تلك الأجواء الملبدة بغيوم الارتباك والفوضى يرفع الخطاب الإعلامي المناصر للنظام شعار “لا صوت يعلو فوق صوت الحرب” فلا حديث عن أسعار سلع وخدمات، أو نقص المستلزمات الحياتية، أو أفق سياسي مغلق، أو حقوق إنسان وخلافه، إذ إن أمن الوطن هو الأهم، فالوضع أكبر من أي خيال بحسب تعبير الإعلامي المقرب من السلطة أحمد موسى. وصدرت الأجهزة الأمنية والاعلامية مقولات “احنا أحسن من غزة”، “مفيش سكر ولا صواريخ تنزل على بيوتنا تدمرها”…الخ!!!!

رابعا: مخاطر التماهي المصري مع الأجندة الإسرائيلية:

ولعل عدم الحسم السياسي المصري تجاه الجرائم والانتهاكات الصهيونية للحقوق الفلسطينية والتجاوز على الحدود والثوابت المصرية، سواء بفتح الطريق أمام مخططات التهجير مقابل الأموال، أو عدم الاصرار على ادخال  المساعدات بشكل ملائم لاغاثة الفلسطينيين، أو الحفاظ على الحدود المصرية من التعديات الاسرائيلية، فإن  الكثير من المخاطر العديدة تهدد الأمن القومي المصري…ومنها:

1-دفع ملايين الفلسطينيين إلى مصر وفق معادلة “التهجير مقابل الأموال”:

إذ أن الضربات الإسرائيلية للفلسطينيين تبدو مهندسة، نحو إخلاء شمال غزة، والدفع بأكثر من مليون فلسطيني نحو جنوب غزة، كمرحلة أولية، نحو دفع ملايين الفلسطينيين نحو  مصر، وتوطينهم بسيناء ، أو داخل المدن المصرية،   ضمن مخططات إسرائيل، وهو ما يمثل تهديدا كبيرا للأمن القومي المصري، علاوة على ما يمثله ذلك من تصفية للقضية الفلسطينية، وتثبيت واقع مفروض على الفلسطينيين وعلى مصر، التي  تتفاقم أزماتها السياسية والاقتصادية والأمنية..

وكان موقع “مدى مصر” المستقل قد أكد  في 14 أكتوبر، نقلا عن ستة مصادر إن هناك ميلا داخل دوائر صناعة القرار السياسي في مصر لقبول عرض أميركي بقبول توطين فلسطينيي غزة في مساحة من سيناء مقابل حوافز مالية وغيرها.

لكن، الموقع، الذي نقل عن المصادر احتمال قبول مصر 100 ألف فلسطيني في سيناء، اضطر لحذف التقرير الذي نشره بعدما أعلن “المجلس الأعلى للإعلام” (بمثابة وزارة الإعلام) استدعاء مسؤولين للتحقيق معهم وإبلاغ النيابة المصرية أيضا لمعاقبتهم!

وفي اليوم التالي 15 أكتوبر 2023، أكدت صحيفة “وول ستريت جورنال” نفس المعلومة حول أن مصر تتعرض لضغوط شديدة لاستقبال لاجئين من غزة، وأن دولا خليجية أغرتها ماليا، لكن السيسي يتخوف من رد الفعل الداخلي.

وأكدت “وول ستريت جورنال” أن المسؤولين المصريين ناقشوا مقترح توطين 100 ألف فلسطيني من سكان غزة في سيناء فقط (من 300 ألف محتمل نزوحهم)، وأنه تجري الاستعدادات حاليا لنصب الخيام لهم في مدينتي رفح والشيخ زويد.

2-تضارب المواقف المصرية مع المقاومة الفلسطينية يهدد الأمن القومي المصري:

وهو ما عبر عنه، تقلبات الإعلاميين والصحفيين الموالين للنظام المصري..

وهو بدوره ما يؤكد أن الموقف الأخير الداعم للمقاومة، على غير العادة، هو موقف المضطر تجنباً لإذكاء الغضب الشعبي، غير أن “ما في القلب في القلب”، انعكاساً للموقف السياسي الرسمي، وما في القلب كشف عنه هؤلاء خلال السنوات العشر الماضية.

ومن المعروف أن معظم وسائل الإعلام المصرية خاضعة للسلطة أو رجالها في عالم الأعمال والإعلام، ما يعني أن مواقف المذيعين تعكس موقف السلطة وما تريد إيصاله من رسائل غير مباشرة.

وقد برزت محاولات مستترة لنقد المقاومة عامة، وحركة حماس خاصة، بعد إبرام حماس هدنة للتهدئة والإفراج المتبادل عن الأسرى. ولم يقتصر الأمر على انتقادات المذيعين، بل امتد إلى الأذرع الإلكترونية.

وبرزت الفجاجة الكاملة، كما في حالة إبراهيم عيسى، الذي وصف عمليات المقاومة بـ”الإرهاب”، في تماه مع الخطاب السائد في وسائل الإعلام الأميركية، ومنها قناة الحرة حيث يعمل مذيعاً. كما حضر الانتقاد الناعم المستتر بشيء من الذكاء، كما لدى عمرو أديب، الذي نقل الانتقادات على ألسنة معارضي المقاومة. وجه أديب تساؤلات لعدد من ضيوفه، ناقلاً إياها عن آخرين، وأبرزها: هل تحرير 150 طفلاً وامرأة فلسطينيين كان يستحق استشهاد 15 ألف فلسطيني وتدمير قطاع غزة، وتعرض المنشآت المدنية والمستشفيات لهذا الدمار؟ نقل أديب عن المنتقدين قولهم إن الفلسطينيين، بحسابات المكسب والخسارة، خرجوا مهزومين من هذه المواجهة.

واعتبر مستشار مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في مؤسسة الأهرام عماد جاد، بعد صفقة تبادل الأسرى، أن “من يصف ما قامت به حماس في السابع من أكتوبر وما بعدها بالبطولة واهم”، في إشارة إلى عملية طوفان الأقصى التي نفذها مقاومون “القسّام”، الجناح العسكري لحركة حماس، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 1200 إسرائيلي. ولم يتردد جاد في القول إن الحركة “ارتكبت مجازر في قطاع غزة”، مضيفاً في تصريحات تلفزيونية أنها “لم تكن تدرك أن رد الفعل الإسرائيلي على هجومها سيكون على هذه الشاكلة”، مطالباً بـ”إدارة دولية لغزة”.

بدورها، وصفت اللجان الإلكترونية حركة حماس بأنها “تغامر باستقرار المنطقة، ولم تستشر أحداً قبل عملية طوفان الأقصى، ولا تخدم المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني بقدر ما هي أسيرة للنفوذ الإيراني”، مدللين على ذلك بتوجيه الشكر من قبل قادة الحركة لكل من إيران وحزب الله والحوثيين. وأكثر من ذلك، زعموا أن الحركة “تحاول جر مصر إلى مواجهة مع الاحتلال، وتغامر بمستقبل 110 ملايين مصري”.

واعتبر أن تبني شبكات التلفزيون والإذاعة الصهيونية هذه الاتهامات واحتفائها بها “يكفي كي نعرف من أين ولصالح من يردد هؤلاء الاتهامات بحق حركة مقاومة قدمت درساً عسكرياً واستراتيجياً واستخباراتياً سيخلده التاريخ”.

ولعل التصريحات الرسمية للنظام، والتي تتنافى مع التصريحات الإعلامية للمقربين للنظام والتي غالبا ما تكون هي المعبر الحقيقي عما يريده النظام ولكن لا يستطيع البوح بها، لاعتبارات إقليمية وتقديرات سياسية، نكهى التصريحات الرسمية مع  حقوق الشعب الفلسطيني  وضرورة وقف الاعتداءات الإسرائيلية، إلا أنه في الخفاء يجري حديث آخر، كشفت عنه صحف عبرية بأن أنظمة عربية عدة تتحدث مع اسرائيل سرا، بطريقة تختلف تماما  عما  هو معلن، وأن بعض النظم العربية تطالب اسرائيل بالاسراع بالقضاء على المقاومة الفلسطينية، في أسرع وقت، لرفع الحرج عن النظم العربية…

وتقود الطريقة التي تدير بها مصر مواقفها تجاه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، إلى الكثير من الأزمات لمصر، ليس أقلها انتهاك الحدود المصرية ، بل وعرض اسرائيل يوم الخميس 14 ديسمبر الجاري، لنشر قوات أمنية داخل الحدود المصرية على معبر رفح، لضمان عدم دخول الفلسطينيين بشكل قسري داخل سيناء، في وقت تتصاعد فيه هجمات الطيران الاسرائيلي على النازحين في مدينة رفح، وعلى منطقة فيلادلفيا بمحاذاة الشريط الحدودي  بين مصر وغزة ، بالمخالفة لمعاهدة السلام بين البلدين…

3-عرض السيسي مقترح “دولة  فلسطينية منزوعة السلاح”..الاضطلاع بأدوار تخدم اسرائيل على حساب الثوابت الفلسطينية:

وجاء اقتراح السيسي،  خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، ورئيس الوزراء البلجيكي، ألكسندر دي كرو، 2 نوفمبر الماضي،  بإمكانية أن تكون الدولة الفلسطينية المستقبلية “منزوعة السلاح مع وجود قوات أمن دولية مؤقتة لتحقيق الأمن لها ولإسرائيل”.

وهو أمر مستغرب، إذ يتوافق و يتماهى مع مقترح رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق ارييل شارون قبل سنوات..

وفي انحياز للمشاريع الصهيونية المؤسسة للكيان الصهيوني، الذي يريد كيانات منزوعة السلاح والفعالية والقرار من أساسه، قال السيسي “إننا مستعدون أن تكون هذه الدولة منزوعة السلاح، وأيضاً هناك ضمانات بقوات سواء هذه القوات من الناتو (حلف شمال الأطلسي) أو قوات من الأمم المتحدة أو قوات عربية أو أميركية مثل ما ترونه مناسباً، حتى نحقق الأمن لكلتا الدولتين، الدولة الفلسطينية الوليدة والدولة الإسرائيلية”. لكن الرد الإسرائيلي الرافض لهذا المقترح لم يتأخر، إذ أعلن المتحدث باسم وزارة خارجية الاحتلال، ليور حياة، في تصريحات صحفية، عقب يوم واحد من تصريحات السيسي، أن “سياسة حكومة إسرائيل لا توافق على قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح”.

وقال المتحدث الإسرائيلي: “هذا حقيقي أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تحدث خلال عامي 2009 و2010 عن حل الدولتين بوجود دولة فلسطينية منزوعة السلاح لكن هذه ليست سياسة الحكومة..ولفت إلى أن “سنة 2009 كانت منذ 14 عاماً… لقد تغيرت الكثير من الأمور منذ ذلك الحين”. واعتبر أنه “الآن أذكركم أن قطاع غزة كان يفترض أن يكون منزوع السلاح، لكن الحقيقة أن حماس هرّبت الأسلحة للقطاع”، مشيراً إلى أن “الوضع ليس نفسه”.

كما جاءت ردود المقاومة الفلسطينية على مقترح السيسي سريعة، مؤكدة أنه ليس من حق أي رئيس عربي، أن يحدد مصير الفلسطينيين، دون مشورتهم اولا، وهذا قرار الشعب الفلسطيني نفسه، ودور دول العالم الوحيد، هو دعم حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره..إذ أن المقترح ، إسرائيلي بالأساس، وهو غير مقبول بأي شكل من الأشكال..

يشار إلى أن اسرائيل ترفض رفضاً باتاً، انتشار أي قوة تابعة لمنظمة الأمم المتحدة على الإقليم الإسرائيلي أو أيضاً على الأراضي المحتلة، والبرهان الساطع على ذلك، حين انتشرت قوة الطوارئ الدولية الأولى للأمم المتحدة في عام 1956، على خلفية العدوان الثلاثي (فرنسا وبريطانيا وإسرائيل) على مصر، في بورسعيد وسيناء في مصر، وعلى الرغم من أن ولاية القوة كانت تتضمن انتشارها وعملها في صحراء النقب المحتلة، لكن إسرائيل رفضت رفضاً باتاً وجود القوة في إسرائيل..ووفق خبراء القانون الدولي، فإنه “حتى المبادرات الأوروبية الكثيرة المتواترة لنشر مراقبين عسكريين مسلحين أو غير مسلحين من دول الاتحاد الأوروبي في قطاع غزة تحديداً، رفضتها إسرائيل رفضاً قاطعاً”.

ولعل الاستثناء الوحيد من ذلك، هو قبول إسرائيل على استحياء بعثة المراقبين متعددي الجنسيات التي انتشرت في مدينة الخليل بعد مذبحة الخليل الشهيرة (مجزرة الحرم الإبراهيمي في 25 فبراير 1994) لتهدئة الأوضاع ومراقبتها بين المستوطنين الإسرائيليين والسكان الفلسطينيين، غير أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، قرر عدم تمديد تفويض بعثتها في عام 2019، مبرراً قراره بأنه لن يسمح لجهة وصفها بالمعادية لإسرائيل بالبقاء في المدينة المحتلة بالضفة الغربية..

4-حاجة إسرائيل لدور مصر لموازنة قوة التأثير السياسي لقطر وإيران وتركيا على حركات المقاومة الفلسطينية:

كما أنه بانحياز السيسي للمخططات الصهيونية فيما يخص القضاء على المقاومة الفلسطينية، التي  بدأت مصر مؤخرا اتهامات لها بانتمائها لـ جماعات ارهابية ، كجماعة الإخوان المسلمين -بحد وصفها- يخدم المشروع الاسرائيلي التوسعي، على حساب العرب ومصر أيضا.. ولعل مساعي إسرائيل وواشنطن لتقوية الدور المصري، في الوقت الراهن، يهدف  لما هو أبعد من الواقع، بمواجهة وموازنة الدور التركي والقطري في قطاع غزة،  وهو ما بدا واضحا في اتفاق الهدنة الانسانية المؤقتة، والتي امتدت لـ 7 أيام،  حيث أصرت القاهرة على  تمرير الأسرى الإسرائيليين  عبر الأراضي المصرية أولا، قبل تسليمهم لاسرائيل، ففي إجراء غير ذي أهمية، ولكن لإسباغ دور لمصر في القضية الفلسطينية..

ولعل إصرار واشنطن ودول أوروبية على دعم مصر اقتصاديا،  خشية انهيارها، هدفه خدمة الجانب الاسرائيلي، الذي يراهن على  دور السيسي ومؤسسة الرئاسة المصرية نفسها في مواجهة الغضب الشعبي والتململ العسكري في أوساط الجيش المصري..

إذ أن انهيار مصر اقتصاديا يعقد الحرب على غزة وفي المنطقة ككل و سيغير موازين القوى، كما يقوض أي جهود للوساطة و الحلول، وهو ما تبحث عنه واشنطن وأوروبا بالتحديد ، لانقاذ اسرائيل في حال نجاح المقاومة في توجيه الضربات للإسرائيليين  على صعيد الحرب البرية الدائرة حاليا…

ولعل ما يفاقم المخاطر التي تتعرض لها مصر حاليا في ظل العدوان الإسرائيلي على غزة،  تضاعف المخاطر الجيوسياسية التي تتصاعد في دول جوار مصر، سواء في غرب مصر في ليبيا، أو جنوبها في السودان، أو في شرقها في فلسطين، علاوة على الصراعات التركية اليونانية بالشمال..

وكانت عدة دوائر اسرائيلية اشتكت من صعوبة التعامل مع الوسيط القطري، الذي بدا أكثر مراعاة للمصالح الفلسطينية في مواجهة المواقف الإسرائيلية، على عكس الطرف المصري الذي يوازن بين الطرفين في وساطته، ولا ينطلق  إلا بتنسيق مع الدوائر الاسرائيلية سرا وعلانية..

كما أن الرئيس التركي يوجه انتقادات لاذعة لاسرائيل بصورة متواصلة، ويمارس ضغوطا على واشنطن وأطراف أوروبية لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، كما يحرك الكثير من سفن الاغاثة نحو غزة، مهددا باستهداف اسرائيل عسكريا، رغم العلاقات الرسمية السياسية بين تل أبيب وأنقرة..

ويبقى الخطر ماثلا على الموقف المصري، في حال الاستفراد الإسرائيلي بمصر، وكذا  الانصياع المصري الرسمي للسردية الإسرائيلية للأحداث..

5-تعريض الداخل المصري لأزمات طاقة وكهرباء إثر التلاعب الإسرائيلي بإمدادات الغاز الاسرائيلي:

و فاقمت الحرب أيضا الأزمة الاقتصادية باستغلال الاحتلال التبعية في مجال الطاقة، والتي أحدثها النظام الحالي بترويج اتفاقيات استيراد الغاز المُسال من إسرائيل، بحجّة إعادة تصديره، فأهملت المنشآت المصرية الرئيسية، وتم التركيز على التصدير، حتى وصلنا إلى انقطاعات للكهرباء بسبب الغاز الإسرائيلي الذي استيقظ المصريون فجأة على أنهم يستهلكون فيما كان النظام يوهم الجميع بتصدير أرقام قياسية للغاز، واستطاعت إسرائيل قطع الغاز عن مصر من دون سبب حقيقي، سوى الابتزاز السياسي لاستخدامه سلاحا ضد مصر وضد نظامها السياسي، بزيادة ساعات انقطاع الكهرباء والمدّة اللازمة لحل هذه المشكلة، بعدما كان الفخر الرئيسي للنظام الحالي أنه ضاعف إنتاج الكهرباء وزاد استكشافات الغاز وصادراته، ليصبح أكثر تبعية لإسرائيل من أي وقت مضى، عبر ما وقّعه من اتفاقات في مجال الغاز، ليصبح مركزا إقليميا للطاقة، فيما يعاني كل المصريين من انقطاعات الكهرباء بشكل منتظم في أزمةٍ لم تحل منذ عدّة أشهر.

6-ترتيبات  اسرائيلية لما بعد حرب غزة تهدد الأمن القومي المصري:

وقد تداولت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، وثيقة، يوم 13 أكتوبر  الماضي، أي بعد 6 أيام على بدء الحرب. تضمنت الوثيقة 3 بدائل حول مستقبل غزة، وهي “بقاء السكان في غزة وعودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع، أو بقاء السكان في غزة وظهور حكم عربي محلي، أو إجلاء السكان من غزة إلى سيناء”.

وفي وقت لاحق، وصفت السلطات الإسرائيلية الوثيقة بأنها “ورقة مفاهيم” افتراضية وليست خطة ملموسة. ونددت القاهرة بشدة بهذه الخطة، رافضة أي شكل من أشكال ترحيل الفلسطينيين إلى سيناء. وفق بيانات وتصريحات رسمية، فيما أكدت دول عربية  الرفض التام لأي محاولات لتهجير أهالي القطاع داخل أو خارج غزة.

وخلال قمة الاتحاد من أجل التنمية، التي  عقدت في برشلونة الإسبانية، نهاية نوفمبر الماضي، تحدثت دوائر أوروبية عن طرح يقضي بإمكانية حدوث موجات “نزوح مؤقت” للفلسطينيين إلى الجنوب من قطاع غزة، وتحديداً في سيناء المصرية، إذا استمرت إسرائيل، في حربها على قطاع غزة، بالشكل الذي كانت عليه قبل تطبيق الهدنة الإنسانية المؤقتة.

وأشارت إلى أن هذا الطرح جرى تقديمه إلى الإدارة المصرية، وأن الفكرة الأساسية في هذا الطرح تتلخص في إنشاء معسكرات إيواء مؤقتة لهؤلاء النازحين داخل سيناء، استباقاً لتقديرات بأن معاودة الحرب ربما تتركز مستقبلاً في مناطق جنوب قطاع غزة.

ولفت المصدر إلى أن “هناك العديد من الأفكار التي طرحت على الإدارة المصرية في هذا السياق، منها إنشاء معسكرات إيواء في الشريط الحدودي المحاذي للحدود مع قطاع غزة، داخل سيناء، بعمق لا يتجاوز 10 كيلومترات، وأيضاً فكرة استيعاب المرحلين الفلسطينيين المحتملين، داخل المحافظات المصرية المختلفة. لكن كل هذه الأفكار، لقيت رفضاً قاطعاً داخل الأجهزة السيادية، وعلى رأسها المخابرات العامة، والمؤسسة العسكرية، وهو ما تم نقله بشكل واضح إلى مؤسسة الرئاسة”.

وأوضح المصدر أن “رفض الأجهزة المصرية لأي من هذه الأفكار، يتأسس على هواجس أمنية بالأساس، منها ما هو داخلي، -لأن تواجد أعداد كبيرة من الفلسطينيين في سيناء، يشكل عبئاً على الأمن المصري، ويهدد بإطلاق عمليات ضد الاحتلال الإسرائيلي من داخل الأراضي المصرية، وهو ما يهدد معاهدة السلام الموقعة مع إسرائيل ــ ومنها ما هو خارجي، لأن إخلاء قطاع غزة من سكانها، يشكل خطورة على الأمن القومي المصري، وهو ما أكدته كل التقديرات التي وضعتها الأجهزة السيادية المصرية”.

وأضاف أن “الولايات المتحدة الأميركية هي أكثر طرف مشغول بهذا الأمر، وهي من طرحت عدة تصورات على مصر ودول المنطقة والاحتلال، لكنها كلها إما تفترض هزيمة حماس وخروجها من المعادلة، أو تشير ضمناً إلى أن الجهة التي تحكم القطاع، هي من تتولى مواصلة هدف القضاء على حماس. ولذلك مصر رفضت بشكل قاطع مناقشة هذه المقترحات، كما رفضت تولي أي مسؤولية أمنية مستقبلاً، لأنها تعني ضمناً أن تواصل هي ما عجزت عنه الحملة العسكرية الإسرائيلية”.

ومازال الحديث عن مستقبل غزة غامضا ويثير الكثير من التكهنات حول الدور المصري، سواء قضت اسرائيل على حماس والمقاومة الفلسطينية، والذي بلا شك يخصم من قوة مصر  ومكانتها الاستراتيجية بالمنطقة، وقد تجد القاهرة نفسها مرغمة على القيام بأدوار لا ترغب بها في الملف الفلسطيني ما يفاقم أزماتها  الجيوسياسية..

حاتمة:

مع الصمت المصري الرسمي تجاه الانتهاكات الإسرائيلية حقوق الفلسطينيين وحدود السيادة المصرية تتفاقم تحديات الأمن القومي المصري، في ظل التمادي الصهيوني الذي قصف الحدود المصرية، وخطط لتهجير  الملايين الفلسطينيين إلى  سيناء أو إلى داخل المدن المصرية،  بل والطلب بتبجح بنشر قوات اسرائيلية على معبر رفح داخل الأراضي المصرية لمراقبة حركة الدخول والخروج إليه.

ووسط التراخي المصري، زادت المخاطر على مصر كدولة، إلا أن السيسي ونظامه العسكري، حصر الأمر في تحقيق  مصالحه الضيقة، بابتزاز الغرب لتقديم مساعدات مالية واقتصادية، وترميم شعبية نظام السيسي وتجاوز المواجهة الشعبية الناجم عن الغضب الجماهيري من الأزمات السياسية والاقتصادية بالداخل المصري.

مراجع:

سهام معط الله، مصر وسخاء صندوق النقد الدولي المفاجئ، العربي الجديد، 27 نوفمبر 2023

الخليج الجديد، الخوف من التغيير.. كيف ستساعد حرب غزة السيسي في الفوز بالولاية الثالثة؟، 8 ديسمبر 2023

العدسة، بين رفض التهجير ومواصلة الحصار.. مصر عالقة في “التخبط” إزاء حرب غزة، 7 ديسمبر 2023

رصد، “بلومبرج”: حرب غزة تعطي ذريعة للعالم لمساعدة السيسي، 5 ديسمبر 2023

عربي بوست، كيف منح عدوان غزة مصر قدرة على التفاوض مع المؤسسات الاقتصادية؟ الغرب بات أكثر استعداداً “للمساعدة”، 2023/12/08

عبد الباري عطوان، أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟، رأي اليوم، 3 ديسمبر، 2023

مونت كارلو الدولية، “إن لم تطرح إسرائيل حلا إنسانيا في غزة فإن مصر ستفعل ذلك” ، 9 نوفمبر، 2023

الحرة، قروض جديدة وأزمات.. كيف تأثر اقتصاد مصر في ظل حرب غزة؟،23 نوفمبر 2023

نون بوست، كيف وظّف السيسي الحرب على غزة لصالحه؟، 28 نوفمبر ,2023

الحرة، مصر تدعو لوقف إطلاق نار “دائم وغير مشروط” في قطاع غزة، 29 نوفمبر 2023

عربي 21، اقتراح أمريكي جديد لتهجير أهالي غزة إلى 4 دول.. بينها مصر 29 نوفمبر، 2023

العربي الجديد، مذيعون مصريون يعودون إلى مواقعهم: هجوم على المقاومة الفلسطينية، 29 نوفمبر 2023

العربي الجديد، الدولة الفلسطينية “منزوعة السلاح”… حتى إسرائيل لم تعد تقبل بها، 28 نوفمبر 2023

عربي بوست، صحيفة إسرائيلية: مبادرة أمريكية في الكونغرس تدعو لجعل المساعدات لدول الشرق الأوسط مشروطة باستقبال لاجئين من غزة2023/11/29

سكاي نيوز عربية، صندوق النقد الدولي: قد نحتاج إلى زيادة قيمة برنامجنا لمصر18 نوفمبر 2023

سكاي نيوز عربية، بلومبرغ: مصر تسعى لرفع قرض صندوق النقد فوق 5 مليارات دولار،  13 أكتوبر 2023

العربية TV، لهذه الأسباب.. حاجة مصر “ماسّة” لإبرام اتفاق جديد مع صندوق النقد،  19 أكتوبر 2023

الحرة، قروض جديدة وأزمات.. كيف تأثر اقتصاد مصر في ظل حرب غزة؟،23 نوفمبر 2023

عمر سمير ،، مصر وسياستها الخارجية وأزمتها الاقتصادية وجدل المقاطعة،  العربي الجديد، 30 نوفمبر 2023

العربي الجديد، عودة مقترح إنشاء معسكرات نزوح مؤقتة للغزيين في سيناء، 30 نوفمبر 2023

محمد سعد عبدالحفيظ ، هل ينقذ العرب أنفسهم من “النكبة الجديدة”؟، العربي الجديد،  12-11-2023

العرب ، من يحمل مفاتيح معبر رفح؟!، 24 نوفمبر 2023

عربي 21، NT: حرب غزة منحت السيسي فرصة لتصوير نفسه “بطلا” بعد تراجع شعبيته، 11 ديسمبر 2023

العربي الجديد، الغاز الإسرائيلي إلى مصر: السماح سراً بـ500 مليون متر مكعب إضافية، 14 ديسمبر 2023

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022