ضمن مسلسل من تجذر القمع والاستبداد في مصر، عبر آليات الاستقواء العسكري والخداع الاعلامي والحشد والتعبئة ، باستخدام لقمة العيش وتحريك المخاوف الشعبية من البديل، جاءت نتائج انتخابات ما يعرف بالرئاسة المصرية، لتزيد من التدحرج السياسي المتسارع، نحو مستقبل مجهول، تحكمه المخاوف وتلونه الأزمات المجتمعية الشاملة، اقتصاديا وأمنيا وسياسيا…
وقد أعلنت نتائج الانتخابات الرئاسية فوز عبد الفتاح السيسى بفترة ثالثة في انتخابات، كانت نتائجها محددة سلفا، ولكن أشاد بها أنصاره باعتبارها تفويضا واضحا لست سنوات أخرى من الحكم، بقبضة حديدية، حتى في الوقت الذي تواجه فيه البلاد اقتصادا منهارا، وحربا مستعرة في البلد المجاور، بحسب ما ذكرت صحيفة “واشنطن بوست“…
وقد أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر، الاثنين 18 ديسمبر الجاري، فوز عبد الفتاح السيسي بفترة رئاسية ثالثة مدتها ست سنوات، إثر حصوله على نسبة 89.6% من الأصوات الصحيحة للناخبين، في الانتخابات التي جرت أيام 10 و11 و12 ديسمبر الجاري، ونافسه – بشكل صوري- ثلاثة من رؤساء الأحزاب المؤيدة له.
وحصل السيسي على 39 مليوناً و702 ألف و451 صوتاً، من أصل 44 مليوناً و288 ألفاً و361 صوتاً صحيحاً، مقابل مليون و986 ألفاً و352 صوتاً لرئيس حزب “الشعب الجمهوري” حازم عمر، بنسبة 4.5% من الأصوات الصحيحة، ومليون و767 ألفاً و952 صوتاً لرئيس حزب “المصري الديمقراطي” فريد زهران بنسبة 4%، و822 ألفاً و606 أصوات لرئيس حزب “الوفد الجديد” عبد السند يمامة بنسبة 1.9%.
وبلغت نسبة المشاركين في الانتخابات في الداخل والخارج 66.8% من قاعدة بيانات المواطنين الذين يحق لهم التصويت، البالغ عددهم 67 مليوناً تقريباً، بنسبة أصوات صحيحة بلغت 98.9%، مقابل 1.1% للأصوات الباطلة، وذلك وفق الأرقام المعلنة من هيئة الانتخابات، التي شكلها السيسي .
أولا: دلالات النتائج:
-عقدة مرسي:
ويأتي اعلان نسبة المشاركة عند نحو 67% ، بشكل متعمد، لتكون أعلى بنحو 20% من الانتخابات الحرة والنزيهة الوحيدة والأخيرة والتي عقدت عام 2012. وقد يبدو هذا الأمر غير متصور، مع أن الحكومة فعلت ما بوسعها لنقل موظفي الخدمة المدنية وتوزيع سلات الأرز والمكرونة والأغذية وغير ذلك من الضروريات عند مراكز الاقتراع.
-رغبة من السيسي لتأكيد تفويضا شعبيا لسياسته الكارثية:
ومنحت النتائج السيسي فرصة للزعم بأنه حصل على تفويض واسع لمواصلة ما ينظر إليها على أنها سياسات غير شعبية. وهو بحاجة إليها…
وفاز السيسي بولايته الأولى بنسبة 96.9% عام 2014، وبنسبة 97% في ولايته الثانية عام 2018، بعد قمع وسجن المرشحين الجادين الذين أعلنوا رغبتهم في الترشح لمنافسته، وهو ما تكرر في الانتخابات المنقضية باستبعاد البرلماني السابق أحمد الطنطاوي من السباق الرئاسي، بعدما مُنع وحملته من استكمال التوكيلات الشعبية اللازمة للترشح.
ويسعى السيسي ، الذي لم يقدم برنامجا، أو يتحدث للمصريين أو يتعهد بوعود انتخابية، لفرض الامر الواقع المزري على المصريين، حيث حرص على زيادة اعداد ونسب التصويت والمشاركة، كي يبجو وأن الشعب راض على سياساته، ونهجه، وهو ما سيمكنه ويمنحه أريحية في اتخاذ مزيد من السياسات الضاغطة عل الشعب ، معتمدا على ما يسميه واعلامه، بـ”التفويض”…
-هندسة سلطوية للانتخابات:
وشهدت الانتخابات انتهاكات واسعة على أبواب اللجان، منها شراء أصوات الناخبين لمصلحة السيسي مقابل 200 جنيه للصوت، من قبل أنصار حزب “مستقبل وطن” الحائز للأغلبية في البرلمان، وحشْد الموظفين في القطاعين العام والخاص، وطلاب الجامعات، في أتوبيسات جماعية للإدلاء بأصواتهم رغماً عن إرادتهم، فضلاً عن إجبار المستفيدين من معاش “تكافل وكرامة” المخصص للفقراء من وزارة التضامن الاجتماعي على التصويت للسيسي، حتى يمكنهم صرف المعاش..
وكانت هيئة الانتخابات، التي عيّن السيسي رئيسها القاضي حازم بدوي في 4 أكتوبر الماضي، قد ادعت عدم تلقيها أية طعون من المرشحين في الانتخابات الرئاسية أو وكلائهم، في القرارات الصادرة عن اللجان العامة بشأن عملية الاقتراع خلال الموعد المحدد لهذا الإجراء، وهو 14 ديسمبر الحالي.
وأشارت الهيئة إلى عدم تلقي اللجان العامة في المحافظات أية تظلمات من المرشحين أو وكلائهم، في ما يخص كافة المسائل المتعلقة بعملية التصويت في الانتخابات، منذ بداية أيام الاقتراع وحتى انتهاء أعمال الفرز، وإعلان الحصر العددي للأصوات الصحيحة الحاصل عليها كل مرشح في كل لجنة عامة.
-اغراءات مالية كبيرة للمشرفين على الانتخابات:
وخصصت هيئة الانتخابات مكافأة مالية قيمتها 45 ألف جنية، لكل قاضٍ مشارك في الإشراف على انتخابات الرئاسة، بواقع 15 ألف جنيه عن كل يوم عمل في الانتخابات، فيما بلغت جملة المكافآت المخصصة للقضاة 680 مليون جنيه، لإجمالي 15 ألف قاضٍ تقريباً.
وخصصت وزارة المالية مبلغ 3 مليارات و900 مليون جنيه من أموال الموازنة العامة للدولة لتغطية مصاريف الانتخابات الرئاسية، بما يعادل نحو 1.3 مليار جنيه عن كل يوم من أيامها الثلاثة، لتغطية بنود مثل مكافآت القضاة والموظفين الحكوميين المعاونين لهم، وبدلات ضباط وأفراد الجيش والشرطة المشاركين في تأمين الانتخابات، وتجهيز مراكز الاقتراع في المدارس ومراكز الشباب في 27 محافظة.
ثانيا: عوامل أثرت بالمشهد الانتخابي:
-الجغرافيا السياسية ودعم لوجستي للسيسي:
ووفقا لصجيفة “نيويورك تايمز” الامريكية، لم يشكك أحد في النتيجة، بالنظر إلى كل مزايا قبضة السيسي الاستبدادية على البلاد. وجاءت ميزة إضافية من الحرب في غزة المجاورة، والتي سمحت للسيسي بتقديم نفسه كزعيم قوي في الداخل والخارج، تماما كما فعل بعد الصراعات في ليبيا والسودان وسوريا وغيرها.
وتشتعل الخريطة المضطربة التي تمثل الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط، ، بحريق متعدد الجبهات من خمسة إنذارات جعل السيسي، بطريقته العنيدة، يبدو وكأنه صخرة استقرار.
فإلى الغرب من مصر يوجد الصراع الذي لا ينتهي في ليبيا، وإلى الجنوب منها سفك الدماء الداخلي في السودان. فيما تتكشف الهجمات الإسرائيلية على غزة عبر الحدود الشرقية لمصر. الشمال هو البحر الأبيض المتوسط، وأبعد من ذلك مباشرة أوروبا، التي يشعر قادتها بالذعر من احتمال حدوث موجة جديدة من المهاجرين.
كما تسيطر مصر على قناة السويس، أحد أكثر ممرات الشحن حيوية في العالم.
ووفق تقدير سياسي للدكتورة رباب المهدي، أستاذة السياسة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة “يحصل السيسي على استراحة كبيرة بسبب هذه البلد ، فقط بحكم الموقع”!!
وعلى الرغم من أن إدارة أوباما علقت المساعدات العسكرية لمصر بسبب استيلاء السيسي على السلطة في عام 2013، إلا أنه بحلول عام 2015، أقنع عدم الاستقرار المتزايد في المنطقة الولايات المتحدة بإعادة مصر إلى وضعها القديم كثاني أكبر متلق للمساعدات العسكرية الأمريكية في العالم.
لقد تعلم السيسي بالفعل عدم الاعتماد على الصداقة الأمريكية وحدها، اذ نوع مصادر مشتريات أسلحته من فرنسا وروسيا وغيرهما. كما أن تقاربه مع موسكو، على وجه الخصوص، جعل الولايات المتحدة ، تبقي القاهرة قريبة منها لمواجهة النفوذ الروسي.
الرئيس دونالد ترامب، الذي قيل إنه وصف السيسي بأنه “ديكتاتوري المفضل”، لم يكن لديه سوى القليل من الهواجس بشأن العلاقة. لكن الرئيس بايدن قال إنه فعل ذلك، داعيا خلال حملته الرئاسية الأولى إلى “عدم وجود شيكات على بياض” من شأنها أن تمكن السيسي من ارتكاب انتهاكات حقوقية.
ثم، خلال حرب الاحتلال على غزة في مايو 2021، استفادت مصر من اتصالاتها مع حماس، التي تسيطر على القطاع، للمساعدة في التفاوض على وقف إطلاق النار، مما أثبت مرة أخرى فائدته. وبدا أن أي عزم أمريكي بشأن إبقاء مصر على مسافة بعيدة ينهار.
كما كانت مصر تعمل على تحسين صورتها، حيث أطلقت سراح بعض المعارضين البارزين (بينما اعتقلت أكثر من ذلك بكثير) ، كما أن المحادثات مع المعارضةجاء كمحاولة للترويج لنظام السيسي في الدوائر الغربية…
هذه المرة، تتصدر مصر عناوين الصحف باعتبارها حارس بوابة غزة الوحيدة إلى العالم الخارجي، والمعبر الحدودي الوحيد حيث يمكن للمساعدات الإنسانية أن تدخل غزة ،وحيث يتزايد الضغط من أجل السماح لسكان غزة اليائسين بالمغادرة إلى مصر.
كما شاركت القاهرة بعمق في التوسط في وقف إطلاق النار المؤقت الأخير. ومع ذلك، كان لقطر، أهمية مساوية أو أكبر في المفاوضات، مما يؤكد كيف أن صعود دول الخليج الغنية والمشاكل الداخلية في مصر قد قلصت دورها التقليدي كمنارة سياسية وثقافية للشرق الأوسط.
ووفقا لوكالة بلومبيرج الأمريكية، فإن، الصراع في غزة يمنح السيسي يدا أقوى للمساومة على التفاصيل، على الرغم من أنه قد يضيف أيضا بعض الضغوط المالية الجديدة على مصر مثل خنق السياحة، وهي مصدر رئيسي للعملة الأجنبية.
إلا أن السيسي لم يستططع تعميق نفوذه او الاستفادة من موقع مصر وامكاناتها، كما كان الرؤوساء السابقين، جمال عبد الناصر وأنور السادات، بل اقتصر دوره على تقديم المبادرات فقط.
ولم تغب مركزية مصر – وعواقب الانهيار المالي في بلد يبلغ عدد سكانه 106 ملايين نسمة – عن الشركاء الدوليين. وقال صندوق النقد الدولي مؤخرا إنه يجري محادثات مع مصر لزيادة القرض الذي قدمه العام الماضي والبالغ 3 مليارات دولار. ويسرع الاتحاد الأوروبي نحو 10 مليارات دولار من التمويل لمصر.
ونجحت خطة إنقاذ صندوق النقد الدولي في عام 2016 في تجنب انهيار مالي يلوح في الأفق، لكنها فشلت في إجبار مصر على مواجهة مشاكل هيكلية. وكان اتفاق العام الماضي أكثر صرامة، حيث تطلب من مصر اتخاذ خطوات بما في ذلك تخفيف قبضة الجيش الخانقة على الاقتصاد لتحفيز نمو القطاع الخاص.
لكن مصر ماطلت في تلبية أي من هذه الشروط، على الأرجح لأن السيسي، كما يقول المحللون، غير راغب أو غير قادر على الحد من الامتيازات المربحة للجيش.
وقبل 7 أكتوبر، كانت الإحباطات الاقتصادية مرتفعة لدرجة أن بعض المحللين والنشطاء توقعوا أن السيسي كان في حالة حساب مع جهة ما.
بل تساءل البعض عما إذا كان المصريون سيثورون كما فعلوا في عام 2011. وتكهن آخرون بأن المؤسسة العسكرية والأمنية التي تدعم حكمه ستتحرك لتحل محله. إلى أن وقعت احداث غزة، والتي أبرزت السيسي منقكة ارتماز غربية تثق فيها اسرائيل، في مواجهتها مع المقاومة الفلسطينية…
-منافسة ديكورية:
وكشفت الانتخابات، التي يطلق عليها البعض “مسرحية”، أو “فنكوش” عن تجذر ظاهرة “الكومبارس” بالسياسة المصرية، واتي تكررت ثلاث مرات خلال عهد السيسي، بدءا من السياسي المعارض حمدين صباحي في انتخابات 2014، حيث حصل على المركز الثالث، في انتخابات لم يخضها سوى اثنان فقط، وتصدرت الاصوات الباطلة المرتبة الثانية، وفي انتخابات 2018، حيث جرى تصعيد ريس “حزب الغد” موسى مصطفى موسى، قبل ساعات من اغلاق باب الترشح، ليؤكد عبر لقاءات تلفزيونية أنه يؤيد السيسي، بل انه صوت له!!!
وفي الانتخابات الاخيرة، حاول السيسي تطوير ادائه، باختيار ثلاثة منافسين على مقاسه، مانعا مرشح جاد من الترشح، بعدما حقق انتعاشة سياسية في الاوساط السياسية المصرية، التي راهنت على البرلماني احمد طنطاوي، الا ان السيسي منعه من التقدم للترشح، بعرقلة ادارية افشلت جهوده للحصول على التوكيلات اللازمة للترشح..
ومنذ اللحظة الاولى للعملية الانتخابية، ظهر السيسي وكأنه ينافس السيسي ، بل عمل هؤلاء المنافسون وهم عبد السند يمامة وحازم عمر وفريد زهران، على تجميل الصورة أكثر من السيسي وحزبه “مستقبل وطن” من خلال الادلاء بتصريحات والزعم بأن الانتخابات تشهد إقبالا كبيرا والادعاء بأنه لم يتم رصد مخالفات أو خروقات، رغم الرشاوى الانتخابية من عبوات المواد الغذائية والمبالغ المالية التي كانت المحليات وأعضاء برلمان السيسي ومديرو المصالح والشركات والهيئات الحكومية، يعملون على توزيعها على الفقراء والمعوزين والعمال..من أجل التصويت في الانتخابات..
-اهانة المنافسين:
ولم يتمكن الخصم الجدي الوحيد للسيسي، النائب السابق أحمد طنطاوي، من الحصول على حقه بالترشح، بعد منع أنصاره من تأييده. وألقي القبض على أفراد أسرة الطنطاوي وموظفو حملته الانتخابية أو تعرضوا للمضايقة ووجهت إليه اتهامات، وصفتها جماعات حقوقية بأنها ذات دوافع سياسية.
وروجت وسائل الإعلام المصرية، التابعة للنظام ، لإنجازات السيسي بينما أعطت القليل من الوقت على الهواء لمنافسيه الثلاثة. معظم الناخبين الذين تمت مقابلتهم في جميع أنحاء العاصمة القاهرة خلال فترة التصويت، لم يسمعوا أبدا عن المرشحين الآخرين.
وظهرت لوحات إعلانية تحمل وجهه إلى جانب شعاري “كلنا معاك” و”حبيب المصريين” فوق متاهة الطرق السريعة في القاهرة قبل التصويت. اصطفت لافتات حملته في معظم الشوارع الرئيسية.
-مخالفات انتخابية بالجملة:
وجاءت الانتخابات في ظل عدوان إسرائيلي على قطاع غزة، وهو ما ألقى بظلاله على الانتخابات التي فقدت اهتمام قطاع عريض من المصريين ، المهتمين بالأحداث الجارية في الأراضي الفلسطينية المحتلة وغزة، وهو ما دفع بعض القنوات التلفزيونية المقربة من الأجهزة الأمنية والعسكرية ، للربط بين الانتخابات والحرب على غزة، لحث الناخبين على النزول والتصويت في الانتخابات.
ورصدت العديد من المنظمات الحقوقية، التي راقبت الانتخابات، أن نسبة التصويت في اليوم الثالث لم تتجاوز 2.5%، فيما لم تتجاوز 7% خلال الأيام الثلاثة للانتخابات.
وخلال اليوم الثاني من الانتخابات، فأشارت غرفة عمليات المنظمة المصرية لحقوق الإنسان برئاسة عصام شيحة إلى أن اليوم شهد (١٢) مخالفة أمام وداخل عدد من اللجان الانتخابية في محافظات القاهرة – الجيزة – الأقصر – أسوان ، أبرزها:
– تأخر فتح اللجان الانتخابية لمدة تتراوح ما بين نصف الساعة والساعة.
– تكدس الناخبين أمام عدد من اللجان وعدم التنظيم من قبل أفراد الأمن.
– إجراء دعاية انتخابية أمام مقرات الاقتراع بالمخالفة لقرار الصمت الانتخابي.
– توزيع كوبونات للمواد الغذائية وأرقام سحب على الأجهزة الكهربائية لبعض المواطنين مقابل التصويت للسيسي…وغيرها من المالفات التي رفعتها للهيئة الوطنية للانتخابات ، بلا أي مردود أو قرار..
بينما قالت المفوضية المصرية للحقوق والحريات: إنها رصدت شهادات عدد من المواطنين على حساباتهم الشخصية ومواقع إلكترونية، مسار اليوم الأول للتصويت في الانتخابات، إضافة إلى ما رصدته حملات المرشحين وأصدرته في تقاريرها للمتابعة، لافتة إلى أن أبرز المخالفات التي جرى رصدها رفع صور السيسي أمام اللجان ووضع لافتات تحمل اسمه وصورته وتوجيه الناخب للتصويت له”.
وكشفت عن تنوع أشكال مخالفة العملية الانتخابية وقرارات الهيئة العليا للانتخابات، موضحة أن أبرز هذه المخالفات رفع صور السيسي أمام اللجان ووضع لافتات تحمل اسمه وصورته وتوجيه الناخب للتصويت له.
بجانب عمليات توزيع أموال لصالح التصويت للسيسي،
وأيضا توزيع مواد غذائية “أرز وسكر” لصالح التصويت للسيسي..
وأضاقت: في بعض المحافظات لاحظ ناخبون حشد حزب النور لأنصاره ونقلهم في سيارات بشكل جماعي لتحفيز المواطنين على التصويت لصالح السيسي، لافتة إلى رصد واقعة تصويت الفنانة لبلبة في الانتخابات مرتين، الأولى في السعودية أثناء عملية تصويت المصريين بالخارج، والثانية داخل مصر خلال اليوم الأول.
بينما قالت نقابة الصحفيين: إن “غرفة عمليات النقابة تابعت أداء الصحفيين لمهام عملهم أثناء تغطية الانتخابات منذ فتح باب الاقتراع، بحضور خالد البلشي، نقيب الصحفيين، وجمال عبد الرحيم، سكرتير عام النقابة، ومحمود كامل وكيل النقابة، ومحمد الجارحي عضو مجلس النقابة”.. وأكدت غرقة العمليات في بيان لها أنه رغم انتظام سير العملية الانتخابية، تلقت الغرفة شكوى تتضمن منع الصحفيين حاملي التصاريح من التغطية ، والتصوير بلجنة مدرسة الشهيد أحمد عبد الرحيم السرسي في شبين الكوم بمحافظة المنوفية .
وأضافت: تلقت الغرفة شكوى تفيد بامتناع أحد رؤساء اللجان بلجنة مركز شباب منشية التحرير بحلمية الزيتون عن تقديم أي معلومات حول سير عمل اللجنة. بجانب شكوى تفيد بمنع الصحفيين حاملي التصاريح من التغطية، والتصوير بلجنة مدرسة السيدة زينب الابتدائية بمحافظة القاهرة.
وكانت منصة “صحيح مصر”، نشرت ما قالت إنه قائمة محظورات تغطية الانتخابات، وأرسلتها إلى إدارات القنوات التلفزيونية والمواقع الإلكترونية التابعة لها وشملت المحظورات، منع بث أي مواد تُظهر أشكال التعبئة أو الحشد للمواطنين للتوجه إلى التصويت، ومنع تصوير أو بث أي لقطات لتوزيع المواد الغذائية على المواطنين قبل أو بعد التصويت أو أي لقطات لأتوبيسات تنقل المواطنين إلى أماكن الاقتراع.
كما تضمنت القائمة منع بث أي مواد تُظهر عزوف المواطنين عن المشاركة في التصويت والفراغ داخل اللجان، أو أي مواد تُظهر إصدار التعليمات للمواطنين وتوجيههم للتصويت لمرشح بعينه، أو أي دعاية للمرشحين داخل اللجان، أو أي صورة تعبر عن مشاكل التنظيم الجيد، كما نصت قائمة المحظورات على منع تصوير مشاهد الاحتفال أمام اللجان.
وأعلنت حملة المرشح الرئاسي فريد زهران، أن غرفة عملياتها لمتابعة سير العملية الانتخابية في يومها الأول، كشفت عن وجود عدد من المخالفات والخروقات الانتخابية أمام عدد من اللجان، تمثلت في تدخل بعض موظفي السلطة التنفيذية وأجهزتها في عملية الاقتراع على نحو يخل بالمساواة ويؤثر على إرادة الناخب.
فيما أطلق ممثلو أحزاب حماة وطن ومستقبل وطن، ميكرفونات المساجد في قرى المنصورة وكفر الشيخ والشرقية والبحيرة، لحث المواطنين على الذهاب للجان الانتخابية، تخويفا بغرامات 500 جنيها، كما أعدت الأحزاب عددا كبيرا من الباصات وسيارات النقل والتكاتك لنقل الأهالي إلى اللجان الانتخابية بشكل جماعي ، وسط أغاني مخصصة للانتخابات، كـ”تسلم الأيادي” “عندك خروجة” وانتشرت لقطات الرقص وتوزيع الأموال على الناخبين.
كما كان لافتا دور النواب بالبرلمان القائم، في حشد الناخبين وتوزيع الرشاوى الانتخابية في دوائرهم الانتخابية، كالنائب محمد أو العينيين، وأبو بكر غريب بالجيزة، وغيرهم بالمحافظات…
-انحياز اعلامي للسيسي:
وروجت وسائل الإعلام المصرية، التابعة بالكامل تقريبا للدولة، لإنجازات السيسي بينما أعطت القليل من الوقت على الهواء لمنافسيه الثلاثة. معظم الناخبين الذين تمت مقابلتهم في جميع أنحاء العاصمة المصرية خلال فترة التصويت التي استمرت ثلاثة أيام الأسبوع الماضي لم يسمعوا أبدا عن المرشحين الآخرين.
بالنسبة للسيسي ومؤيديه، كان الأمر كله يتعلق بالعرض.
وظهرت لوحات إعلانية تحمل وجهه إلى جانب شعاري “كلنا معاك” و”حبيب المصريين” فوق متاهة الطرق السريعة في القاهرة قبل التصويت. اصطفت لافتات حملته في معظم الشوارع الرئيسية.
ثالثا: تحديات ما بعد الانتخابات:
ومع نهاية العملية الانتخابية، التي تكاد تجمع وسائل الاعلام الخارجية على أنها شكلية، بعد حملة قمع استمرت 10 سنوات على المعارضة، بينما وصفتها الهيئة العامة للاستعلامات، وهي الهيئة الإعلامية الحكومية، بأنها خطوة نحو التعددية السياسية. وقد منح الفوز السيسي ولاية مدتها 6 سنوات تتمثل الأولويات العاجلة خلالها في ترويض التضخم شبه القياسي ومعالجة النقص المزمن في العملة الأجنبية، ومنع اتساع رقعة الصراع في غزة بين إسرائيل وحركة حماس.
تتصدر المشكلة الاقتصادية الاهتمامات في بلد يواجه أكبر أزمة اقتصادية في تاريخه، مع معدل تضخم يلامس 40%، وعملة محلية فقدت 50%، من قيمتها ما أدى إلى انفلات الأسعار.
ولكن إذا كان الفوز هو الجزء السهل، فإن السيسي يواجه مجموعة من التحديات الرهيبة المقبلة.
وقال محللون إن هناك أولوية فورية تتمثل في إبقاء مصر خارج حرب غزة والحفاظ على معاهدة السلام الموقعة عام 1979 مع دولة الاحتلال، كل ذلك في الوقت الذي تحاول فيه تهدئة الألم العام بشأن معاناة الفلسطينيين.
أولا: التحديات الاقتصادية:
-تفاقم الأزمة الاقتصادية:
وصل الاقتصاد، الذي يعتمد بشكل كبير على السياحة والواردات، إلى أدنى مستوياته منذ عقود، علاوة على مشاكل هيكلية خطيرة، مقترنة بالإنفاق الحكومي المتهور.
واقترضت حكومة السيسي بكثافة لتمويل مشاريع ضخمة للبنية التحتية والبناء، بما في ذلك رأس مال جديد بقيمة 58 مليار دولار في الصحراء خارج القاهرة. ويستفيد الجيش، المنخرط بشكل كبير في الاقتصاد في عهد السيسي، من العديد من هذه المشاريع.
ووصل الين الخارجي للبلاد إلى ما يقرب من 165 مليار دولار – 40% من الناتج المحلي الإجمالي.
وشكلت مدفوعات الفائدة 60 % من الإنفاق الحكومي للأشهر الثلاثة الأولى من السنة المالية 2023.
وتواجه مصر مواعيد نهائية تلوح في الأفق لسداد ما لا يقل عن 42 مليار دولار للمقرضين العام المقبل. إنها ثاني أكثر الدول احتمالا في العالم للتخلف عن سداد ديونها ، بعد أوكرانيا ، وفقا لتصنيف بلومبرج الأخير.
وقال تيموثي كالداس، نائب مدير معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط “في الأساس كانت فترة رئاسة السيسي بأكملها عبارة عن سلسلة مستوطنة من الأزمات الاقتصادية – وهي ليست مجرد صعوبات اقتصادية، إنها إذلال، وبينما يحدث كل هذا، يراقب المصريون النظام يثري نفسه“.
ويبلغ معدل التضخم 34.6%، بالنسبة للمنتجات الغذائية ، فهي تقارب الضعف. وسط أزمة العملة الصعبة، يقوم المصريون بتخزين الدولارات أو بيعها في السوق السوداء.
وارتفعت أسعار السلع الأساسية إلى عنان السماء، والفقر آخذ في الارتفاع. وفي حين تقدم برامج الرعاية الاجتماعية الدعم الأساسي للفقراء، فإن الطبقة المتوسطة يجري تفريغها. في شوارع القاهرة وفي البرامج الحوارية الشعبية، تهيمن تكلفة البصل و”أزمة السكر” المستمرة منذ أشهر على المحادثات.
ويخشى كثير من المصريين من خفض مرتقب لقيمة الجنيه يطالب به المقرضون الدوليون.
وفي ظل الأزمة الاقتصادية الشاملة التي تضرب مصر، وقال بنك “مورجان ستانلي” الاستثماري الأميركي: إن “مصر تتجه إلى إعادة جدولة ديونها بمجرد انتهاء الانتخابات الرئاسية، مع الارتفاع الكبير في تكاليف الاقتراض الخارجي، بينما أشارت تحليلات أخرى إلى توقعات بتعويم جديد للجنيه المصري استجابة لشروط صندوق النقد الدولي ودائنين إقليميين..
-الاتجاه نحو هيكلة الديون الخارجية إثر العجز عن السداد:
وأشارت مذكرة للبنك مورجان ستانلي، نشرتها وكالة “بلومبيرج” يوم الثلاثاء 19 ديسمبر الجاري، ونشرة “إنتربرايز” الاقتصادية المحلية، عقب ساعات من إغلاق باب التصويت، إلى أنه بالنظر إلى الاحتياطيات غير الكافية لخدمة التزامات الديون الخارجية المقبلة في عام 2024، فمن المرجح أن تكون أي إعادة هيكلة وقائية بطبيعتها.
ويعني هيكلة أو جدولة الديون أنه بدلا من التخلف عن السداد، يمكن تمديد فترة السداد، أو خفض سعر الفائدة على أصل الدين، أو إسقاط جزء منه كما جرى في العام 1991 عقب حرب الخليج الأولى.
وهو الأمر الذي يثير الشكوك حول المقابل الذي ستدفعه مصر إزاء تلك الخطوة، وهل سيكون القبول بتهجير فلسطيني غزة إلى مصر هو الثمن أم ماذا؟.
وتتطلب إعادة هيكلة الديون تنفيذ متطلبات مالية من الدولة مثل، رفع كفاءة الإنفاق وتقييده، وإلغاء بعض أنظمة الدعم سواء عن الوقود والكهرباء وغيره من السلع، وإلغاء الإعفاءات الضريبية، وتوسيع القاعدة الضريبية، وكلها سياسات تنعكس سلبا على المواطن المصري، الذي يعاني الفقر والبطالة والجوع ونقص الأدوية والسلع.
كما تتطلب الهيكلة أيضا، وفقا للبنك الدولي ما يسمى شفافية الديون، أي الكشف عن الحجم الحقيقي للديون، بما فيها ديون الشركات المملوكة للدولة، وأشباه الديون المضمونة بضمانات إضافية، وانعدام الشفافية بشأن خطوط تبادل العملات واستخداماتها.
كما تتعلق أيضا، بالكشف عن الفجوة بين إجمالي احتياطيات الدولة من النقد الأجنبي من جهة، وإجمالي احتياطياتها القابلة للاستخدام، وكذا صافي الاحتياطيات لدى البنك المركزي المصري.
وكان الدين الخارجي وصل في نهاية يونيو الماضي نحو 164.7 مليار دولار.
كما أن مصر ملزمة بجدول سداد مدفوعات الديون الخارجية ثقيل، وهناك 42.26 مليار دولار تستحق في عام 2024 وحده، منها 4.89 مليارات لصندوق النقد الدولي.
وتستهدف الموازنة للعام المالي 2023/ 2024، خفض معدلات الدين العام من 96% من إجمالي الناتج القومي إلى 93%، نهاية عام 2024.
وأضاف مورجان ستانلي أن “النسبة المرتفعة نسبيا لمصروفات الفائدة إلى الإيرادات حتى عام 2025 قد تجبر السلطات على تحمل الآلام مقدما بعد الانتخابات بفترة وجيزة وإعادة الهيكلة”..
-مزيد من الاقتراض والاستدانة:
ولن يتوقف النظام عند الحد المرتفع من الديون وفوائده، بل انه لا يجد امامه سوى الاستمرار في التوسع في الاقتراض والاستدانة من مصادر جديدة، وفي مقدمتها اصدار السندات واذون الخزانة الجديدة…
وكان بنك “مورجان ستانلي” توقع أن تعود الأسواق الناشئة، ومنها مصر إلى اللجوء لإصدار سندات محلية بالعملات الأجنبية العام المقبل، مقابل تراجع الإصدارات بالعملة المحلية، وهو ما يعيد المستثمرين مرة أخرى لأسواقها المحلية مقابل تراجع الإقبال على السندات الدولية في ظل ارتفاع عائد سندات الخزينة الأميركية.
وعرضت مصر منذ فترة طويلة بعضا من أعلى أسعار الفائدة الحقيقية في العالم من أجل جذب النقد الأجنبي والأموال الساخنة اللازمة لسد العجز، لكن ذلك ترك البلاد تحت عبء ديون مرهق، حيث تتحمل الحكومة المصرية عبء ديون أعلى من معظم نظيراتها في الأسواق الناشئة.
وحلال الفترة الاخيرة، تزايدت التوقعات بشأن مستقبل الاقتصاد المصري في ظل ارتفاع تكاليف الديون الخارجية والضغوط على المالية العامة، وسط توقعات باتجاه مصر لسياسات اقتصادية تخفف من تداعيات الأزمة التي تمر بها مستفيدة في ذلك من موقعها الجيوسياسي في ضوء الحرب الإسرائيلية على غزة حاليا، أي أن مصر في طريقها لتقديم تنازلات سياسية واستراتيجية، قد تصل للتنازل عن اجزاء من سيادتها، تتراهن عليها أمريكا وإسرائيل، لتهجير نحو مليون ونيف فلسطيني إلى سيناء أو إلى داخل المدن المصرية.
-انهيار التصنيفات المالية لمصر بالأسواق الدولية:
وكانت وكالتا “فيتش” و”موديز” للتصنيف الائتماني خفضتا التصنيف الائتماني لمصر في الأشهر الأخيرة، بسبب النقص المستمر في العملات الأجنبية والديون الباهظة التكلفة.
وعلى مدى العقد الماضي، اضطرت مصر إلى تخصيص أكثر من نصف دخلها الضريبي لدفع الفوائد على ديونها، وفي الفترة من يوليو حتى نهاية سبتمبر 2023 ، أي الربع الأول من السنة المالية الجارية، من هذا العام، بلغت تكاليف الفائدة أكثر من 1.5 مرة ما تم جمعه من الضرائب، وفقا لبيانات من وزارة المالية.
وأشارت وكالة بلومبرج الأمريكية إلى أنه رغم المخاطر التي تواجه الاقتصاد المصري وارتفاع احتمالات التخلف عن سداد الديون بعد أن وصل العائد على السندات إلى نحو 15% وهو ما يعتبر مؤشرا على التعثر، إلا أن حرب غزة أعادت الأمل مرة أخرى للقائمين على الأمور انطلاقا من أن الحلفاء باتوا يدركون مرة أخرى أن مصر أكبر من أن تفشل، أو لن يتركوها تفشل.
ويضغط التصغيف المتراجع للائتمان المصري، على قدرات مصر الاقتصادية في الاستدانة والاقتراض، وتضع الكثير من المحاذير حول الاستثمارات التي يمكن أن تدخل مصر…
ثانيا: تحديات سياسية واقليمية::
-عدم استقرار الأوضاع في الدول المجاورة.. غزة وليبيا والسودان:
في ظل أزمة اقتصادية طاحنة تعيشها مصر، جاءت حرب غزة لتضيف تحدياً إقليمياً للبلاد. وأصبحت مصر، التي تشارك قطاع غزة وإسرائيل حدوداً، تقف في وسط حرب إقليمية.
إذ قالت صحف غربية ومن بينها صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية إن إسرائيل حشدت دعماً دولياً في بداية الحرب، للضغط على مصر “بهدوء” لاستقبال أعداد كبيرة من مئات الآلاف من المدنيين من غزة إلى مصر..
وأضافت الصحيفة، أن هذا المقترح قُوبل بالرفض، وخاصة من الولايات المتحدة وبريطانيا، خوفاً من أن يكون هذا بمثابة “نزوح جماعي دائم“.
كما تعددت الاحتكاكات الاسرائيلية بالحدود المصرية، بقصف معبر رفح واسقاط صواريخ ومسيرات مهاجمة لاسرائيل على مدن مصرية وتجمعت مدنية، بالاضافة لطلب ادخال قوات اسرائيلية داخل الحدود المصرية واحتلال محور فيلاديفيا الموازي لخط الحدود المصرية مع غزة…
وليست حرب غزة وحدها التي تشكل تحدياً إقليمياً لمصر، إذ يقول الخبير الاستراتيجي المصري، العميد سمير راغب، “إن جميع الجبهات (الحدودية) مشتعلة حول مصر، فليبيا غير مستقرة بسبب وجود ميليشيات وصراع على السلطة، والسودان يشهد حالة من الاحتراب غيرمسبوقة بين مكونين في الأصل عسكريين وهما الجيش السوداني وقوات الدعم السريع“.
وكلما زاد عدم الاستقرار، تزداد فرصة التكدس على الحدود، وهو ما يضع مصر بشكل دائم في مواجهة النزوح والتهجير القسري، وخصوصاً أن مصر استضافت أعداداً كبيرةً من اللاجئين من السودان وسوريا واليمن والعراق..
وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أصبحت الجنسية السودانية هي الأكثر عدداً من حيث النزوح في مصر، تليها الجنسية السورية، ثم بنسب أقل من مواطني جنوب السودان وإريتريا وإثيوبيا، واليمن، والصومال، والعراق، بحسب إحصاء المفوضية حتى أكتوبر من عام 2023.
-تهديدات الملاحة في البحر الأحمر:
ومع تنامي التصعيد في غزة، بدأت جماعة أنصار الله الحوثية في اليمن باستهداف سفن متجهة إلى إسرائيل في مضيق باب المندب، قبالة السواحل اليمنية في البحرالأحمر.
وبحسب قناة القاهرة الإخبارية المصرية – شبه الرسمية – فإن الدفاعات الجوية المصرية تعاملت مع “جسم غريب” دخل إلى الأجواء المصرية، حيث تم إسقاطه قبالة مدينة دهب السياحية الواقعة على ساحل البحرالأحمر.
وفي شهر أكتوبر الماضي سقطت طائراتان مسيرتان في البحر الأحمر في مدينة طابا السياحية بسيناء، بالقرب من الحدود مع إسرائيل وقطاع غزة.
ومما لا شك فيه أن تهديدات الملاحة في باب المندب تؤثر بشكل مباشر على أحد مصادر الدخل القومي المصري، وهو قناة السويس..
وعلى الرغم من أن الحوثيين يستهدفون إسرائيل، إلا أن ذلك يؤثر على الملاحة العالمية وعلى مصر، حيث إن المسيرات التي يطلقها الحوثيون تمر في نقاط سياحية مصرية.
وكانت الطائرات المسيرة التي استقطها الدفاع الجوي المصري، كانت على بعد 1.5 كيلومتر داخل المياه الإقليمية المصرية في مدينة من أكبر المدن السياحية، بينما السفن التي تتجه إلى ميناء إيلات (جنوب إسرائيل) لا تمر بقناة السويس.
واتجهت شركات التأمين لرفع رسوم التأمين على السفن بعد هذه الحوادث، الأمر الذي دفع العديد من السفن إلى تغيير مسارها.
وكان رئيس هيئة قناة السويس، الفريق أسامة ربيع قد أعلن ، مؤخرا، عن “تحول 55 سفينة للعبور عبر طريق رأس الرجاء الصالح خلال الفترة من 19 نوفمبر، وهي نسبة ضئيلة مقارنة بعبور 2128 سفينة خلال تلك الفترة“.
وأضاف ربيع أن حركة الملاحة بالقناة منتظمة، وأن المسؤلين بقناة السويس يتابعون عن كثب التوترات الجارية في البحر الأحمر.
رابعا: تداعيات المشهد الانتخابي:
تكاد تجمع الدوائر السياسية، على أن الطريقة التي اختار بها النظام المصري، أن تجرى بها الانتخابات الرئاسية، تدل على صيغة الحكم للفترة الرئاسية الجديدة التي تمتد إلى ٢٠٣٠، وربما بعدها.
فقد كان أمام النظام صيغتان- برغم تأكد فوز السيسي فيهما- لإدارة العملية الانتخابية: الأولى، تقوم على تحقيق حد أدنى من التنافس مع واحد على الأقل من المنافسين الحقيقيين، بما يضمن إمكانية تقديم بديل مدني لصيغة الحكم القائمة، ومقترحات بسياسات مختلفة عن المطبقة، وصرف جزء من الغضب الشعبي نحو تغيير سلمي تدريجي وآمن، وحافز لقطاع من الجماهير للمشاركة والتفاعل.
فاختار النظام الصيغة الثانية، التي تقوم على منافسين، يستكمل بهم الشكل لا أكثر. صرح اثنان من المرشحين، أنهما يدعمان السيسي الذي ينافسهما، أما الثالث- وإن حسب على المعارضة المدنية- فقد تم ترويضه، قبل أن يعلن ترشحه.
وعندما اختار النظام استيفاء الشكل الدستوري على بناء الشرعية السياسية؛ فإنه بذلك يعلن ثلاثة أشياء في نفس واحد:
١– لا تغيير في السياسات الاقتصادية التي طبقت على مدار العقد الماضي.
٢– دفن السياسة بعد تمويتها لعشر سنين.
٣– استمرار صيغة الحكم التي أنتجت مأزقنا الوطني الحالي.
فالانتخابات التنافسية، كانت فرصة: إما للتغيير الآمن، وإما التغيير طويل المدى، وإما الإصلاح الشامل، وإما المشاركة المؤثرة. ولعله من ضمن التداعيات المترتبة على الانتخابات الأخيرة…
-اضطراب السياسات الاقتصادية:
لم يعد هدف الانتخابات الرئاسية إلا توفير الشروط السياسية؛ لاستمرار السياسات الاقتصادية التي أفقرت المصريين. بمجرد انتهاء التصويت، سيراقب المحللون الماليون عن كثب الإجراءات التقشفية التي يعتقدون، أنها تم تأجيلها لما بعد الانتخابات. يتنازع المصريون في أيام الانتخابات الوقوف في طابور السكر أمام المجمعات الاستهلاكية، أو الوقوف في طابور الانتخابات الذي ربما يتحصلون منه على بعض الفوائد المادية. قالت ستاندرد آند بورز- وكالة التصنيف الائتماني الشهيرة- إنها تعتقد، “أن الانتخابات- المقررة في وقت أبكر مما كان متوقعًا في الأصل- يمكن أن تخلق مساحة سياسية للإصلاحات؛ لاستكمال السياسات الاقتصادية، بما في ذلك تخفيض قيمة العملة إلى ما يقرب من سعر السوق الموازية”.
تسببت سنوات من الاقتراض الهائل من الخارج في تراكم ديون خارجية ثقيلة على مصر، تبلغ ما يزيد 165 مليار دولار، ونقص في العملة الصعبة اللازمة؛ لشراء السلع الأساسية. تبلغ أقساط الديون المستحقة في عام 2024 على الأقل 42.26 مليار دولار- أعلى مستوى لها على الإطلاق، وفقًا لبيانات البنك المركزي.
-معاناة اجتماعية أكبر:
وتوقعت وكالة رويترز في تقرير لها، أن أي تخفيض لقيمة العملة قد يؤدي إلى مزيد من التضخم الذي سيتراوح بين 34 و35 % حتى نهاية العام، ومع بداية الربع الأول من العام المقبل سنعود إلى نطاق 40 %؛ بسبب انخفاض قيمة العملة وتأثيراته العابرة.
ويكافح أغلب المصريين، وسط ارتفاع معدلات التضخم؛ لتوفير الحد الأدنى من الحياة الكريمة لهم ولأولادهم. يواجه ما يقرب من ثلث السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر، (يكسبون أقل من 3.80 دولارًا في اليوم) صعوبة أكبر في تغطية نفقاتهم، كما تضررت الطبقات الوسطى بشدة.
وبرغم تزايد الأنباء- بعد الحرب على غزة- عن وجود حزم جديدة من المساعدات والاستثمارات من أطراف عدة؛ إلا أن الكامن وراءها-كما ورد في تصريحات المانحين- هو الخوف من انزلاق الأوضاع إلى عدم الاستقرار. اذ تحولت مصر، إلى أن تكون عبئا، يخشى من تداعيات فشله على مجمل الإقليم؛ في تأكيد لمقولة، “إنها أكبر من أن تفشل”..
-دفن السياسة وتعمق القبضة الأمنية:
وبالطبع لم تكن للانتخابات أن تغير استمرار طابعه السلطوي؛ لكن السماح بقدر من التنافس الحر، من شأنه أن يفتح الباب تدريجيا لبناء مجال سياسي تعددي. بات من المتوقع استمرار هيمنة الرؤية الأمنية التي ترفض الاستعانة بالحياة السياسية المقيدة، كأداة لإدارة المسرح السياسي، ولتقويض المعارضة وتحجيمها، وترى في الحل الأمني طريقا آمنا، وأقل تهديدا للنظام، وحفاظا لمصالحها. اختيار الشكل الثاني في الانتخابات يعني: أن النظام متمسك بالمسار الرئيسي للسياسات السابقة، مع تعديلات طفيفة، لا تمس جوهرها، ومتمسك بسمات السياسة، كما أنتجها في العقد الماضي. استهدف جزءا معتبرا من الخطاب الرسمي نزع السياسة من خلال شجب أي أصوات بديلة أو مختلفة باعتبارها: غير عقلانية أو غير أخلاقية أو غير مسئولة أو حتى إرهابية، لأنها تتحدى الفهم الواجب للدولة وطريقة عملها، والإجماع المهيمن وحقائقه الموضوعية المفترضة.
وكانت الانتخابات الرئاسية تتويجا لمسار طويل، بدأ بإعلان استراتيجية حقوق الإنسان في الربع الأخير من العام قبل الماضي، وعدد من المبادرات التي كان آخرها انعقاد جلسات الحوار الوطني. لم تنته هذه المبادرات جميعا لشيء. كان غرضها استهلاك الوقت على رغم ما يبدو عند إطلاقها من بريق.
وفي الربع الأخير من عام ٢٠٢١- سبتمبر تحديدا- صدرت الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وفي أعقابها، تم مباشرة اعتبار عام ٢٠٢٢ عاما للمجتمع المدني في مصر، ثم كان إعلان السيسي في إبريل من نفس العام عن الدعوة لحوار سياسي، ينظر في أولويات العمل الوطني في المرحلة الراهنة. صاحب إعلان الحوار السياسي إعادة تشكيل لجنة للعفو الرئاسي؛ وهي لجنة تكونت؛ لتقديم أسماء من المعتقلين السياسيين؛ لتنظر الأجهزة الأمنية في إطلاق سراحهم.
لم ينته العام حتى جرت الدعوة للمؤتمر الاقتصادي (أكتوبر ٢٠٢٠)؛ لمناقشة أولويات الإنفاق العام، ومراجعة السياسات الاقتصادية المطبقة على مدار السنوات الثماني الماضية. سبق المؤتمر دعوة الحكومة لحوار حول وثيقة سياسة ملكية الدولة، وهي وثيقة تعيد رسم دور الدولة في الاقتصاد، بما يسمح للقطاع الخاص، أن يحتل وزنا أكبر في الاقتصاد المصري، بعد أن تمدد فيه ما يطلق عليه المؤسسات السيادية.
ما أنتج هذه المبادرات جميعا، ليس استراتيجية واضحة؛ وإنما إجراءات لا رابط بينها، تتعامل مع سياق مأزوم وبالقطعة: ضغط دولي، نعلن استراتيجية حقوق الانسان. الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، يقتضي تدشين سياسة ملكية الدولة. أزمة اقتصادية، نشرع في الحوار الاقتصادي… وهكذا مبادرات غرضها الإشغال، ويحكمها منطق “اضحك تطلع الصورة حلوة”. هي تنجح في تحقيق غرضها المباشر: التقاط الصورة، لكنها لا تقدم فيلما محكم السيناريو والإخراج، يمكن أن تستمتع بالفرجة عليه.
-تراجع الضغوط الدولية على النظام نحو الديمقراطية:
الجديد وبتأثير مشهد النكبة الجديدة للفلسطينيين، هو أنه لا ضغوط دولية؛ لتحقيق بعض الإجراءات السياسية التي تساعد في غسيل السمعة للحكومات الغربية. انتفى تماما-ولو لحين- هذه الضغوط، وبرزت المساندة للتعامل مع المأزق الاقتصادي-كما قدمت. أصبح النظام متحررا من الضغوط الغربية، فيما يخص قضايا الديموقراطية وحقوق الانسان، ومن ملامح الجديد أيضا وبتأثير الموقف من الانتخابات، أن بقايا المعارضة خرجت منها منقسمة على ذاتها وأكثر هشاشة من قبل. أخرجتنا الانتخابات بلا بديل سياسي، يمكن أن ينافس السلطة، ومعارضة أشد انقساما.
-تهديد الأمن القومي المصري:
بقراءة ثاقبة للمشهد العام في مصر، لا يمكن تجاهل حقيقة أن الأمن القومي مهدد من كل جانب. هناك حربان مشتعلتان على حدودنا الجنوبية والشرقية، وأخرى قابلة للانفجار في أي وقت في جوارنا الغربي. إثيوبيا فرضت رؤيتها؛ لإدارة تدفق نهر النيل، وتحكمت في جريانه إلينا. أظهرت حرب غزة تقزما استراتيجيا غير مسبوق، وتهديدا إسرائيليا بالتهجير القسري لسيناء.
وباتت مصر رجل المنطقة المريض الذي يخشى الجميع من انزلاقه إلى عدم الاستقرار..
إن انتشار الفساد والمحسوبية في مؤسسات الدولة، وسيطرة ما يطلق عليه المؤسسات السيادية المتزايدة على الاقتصاد والمجال العام، وتآكل الفضاء المدني، واعتماد الدولة المفرط على الحلول الأمنية؛ لمعالجة التوترات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية… كلها عوامل ستساهم في عدم الاستقرار في البلاد.
ويعاني المواطن من ضغوط الحياة التي تزداد وطأة يوما بعد آخر، وسوء الخدمات العامة، وتآكل مؤسسات الدولة، ونخب تجاوزها الزمن، واستقطاب سياسي وثقافي ومجتمعي، يجري تغذيته باستمرار، وعنف مجتمعي مرشح للتصاعد… هذه الأوضاع تتطلب تغييرا نوعيا في التعامل معها؛ لا تحسينا للسياسات المطبقة.
وأمام تلك المعطيات، فعلى ما يبدو فإن الانتخابات أرسلت الرسالة الخطأ في الوقت الضائع.
ففي غياب تصحيح كبير للمسار؛ من الصعب تخيل تغير الوضع للأفضل.
-تعويم جديد للجنية يزيد الأوضاع سوءا:
ويضع التدهور المستمر للاقتصاد مصر تحت ضغوط لاتخاذ إجراءات طال انتظارها، عقب الانتخابات الرئاسية المصرية، وفي مقدمتها تخفيض قيمة العملة ورفع أسعار الفائدة، إلى جانب تسريع مبيعات الأصول الحكومية.
من جانبها، الحكومة كانت قد أرجأت الخطوات المؤلمة إلى ما بعد فوز السيسي بولاية ثالثة مدتها ست سنوات..
اذ يتحول التركيز الآن إلى كيفية التعامل مع العملة المحلية المبالغ في تقدير قيمتها، والتضخم شبه القياسي، والديون الهائلة المحلية والأجنبية على حد سواء.
وقال سايمون وليامز الخبير لدى مصرف إتش.إس.بي.سي “هناك كثير من الخيارات الكبيرة التي يتعين على الحكومة الإقدام عليها، لكن عملة موثوقا بها هي المفتاح لتحقيق انتعاش اقتصادي حقيقي“.
وكان الدولار يبلغ 29 جنيها مصريا في السوق السوداء قبل عام، ويُباع الآن بأكثر من 50 جنيها، مقارنة بالسعر الرسمي البالغ 30.85 جنيها.
وتتوقع أسعار صرف العملات الأجنبية الآجلة، التي تتنبأ بمكانة الجنيه في أواخر يناير ، أن يسجل 35 جنيها للدولار، بينما تلك التي تنظر إلى العام المقبل تضعه عند ما يقرب من 50 جنيها.
ودفعت حالة عدم اليقين بشأن أسعار الصرف المصريين في الخارج إلى الإحجام عن إرسال ما يجنونه إلى الوطن، مما عصف بمصدر رئيسي للنقد الأجنبي. وانخفضت التحويلات بنحو 10 مليارات دولار إلى 22 مليار دولار خلال 12 شهرا حتى نهاية يونيو 2023.
وقال وليامز “التحويلات تتعلق بالشعور وليس المستوى. يجب إقناع المصريين بأن العملة مستقرة الآن. يجب أن تكون لديهم ثقة في قيمتها. وإذا حدث ذلك فمن الممكن أن تعود التحويلات بسرعة نسبيا“.
ونفذت السلطات ثلاثة تخفيضات حادة لقيمة العملة منذ أوائل عام 2022، لكنها عادت في كل مرة إلى تثبيت السعر على الرغم من التعهدات المقدمة لصندوق النقد الدولي بالتحول إلى نظام مرن بشكل دائم.
وقال قسم الأبحاث في مصرف مورغان ستانلي الاستثماري الأميركي في مذكرة “نعتقد أن تعديلا على الخطوات هو الأرجح على المدى القصير، بدلا من الانتقال إلى ترتيب تعويم“.
-تضعضع موقف مصر في التعاطي مع صندوق النقد الدولي:
ووفق “أرقام كابيتال” الاماراتية، فإن السوق تتوقع دعم صندوق النقد الدولي ودول مجلس التعاون الخليجي، وربما حتى دعمًا أمريكيًا وأوروبيًا، حسب كيفية تطور المأساة في غزة“.
وذكر موقع بلومبرج الشرق، أن صندوق النقد الدولي يدرس إضافة المزيد من التمويل إلى حزمة مساعداته لمصر، ما قد يؤدي لزيادة برنامجه إلى أكثر من 5 مليارات دولار من الـ3 مليارات دولار المخطط لها.
وتعد مصر بالفعل ثاني أكبر مقترض من صندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين المتخلفة عن السداد.
وتتزايد التكهنات بأن مصر سوف تحصل على المزيد من الأموال من الحلفاء العرب في مجلس التعاون الخليجي، وحتى الغرب، حيث تصبح البلاد بوابة حاسمة للمساعدات للوصول إلى غزة التي تشهد حربا منذ أكثر من شهرين.
وأكد تقرير بلومبيرغ، أن الشرط الأكثر أهمية لإطلاق العنان لجزء من رأس المال هذا يتوقف على تخفيف الضوابط المفروضة على سوق الصرف الأجنبي، إن لم يكن التحرير الكامل له.
وتعثرت حزمة مالية بقيمة ثلاثة مليارات دولار تم التوصل إليها مع صندوق النقد الدولي قبل عام بسبب عدم سماح مصر بتعويم عملتها أو إحرازها تقدما في ملف بيع أصول الدولة. وأرجأ الصندوق صرف نحو 700 مليون دولار مستحقة في 2023.
غير أن الصندوق قال هذا الشهر إنه يجري محادثات لتوسيع الحزمة بسبب المخاطر الاقتصادية الناجمة عن الصراع بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، ويبدو أنه حوّل تركيزه من سعر الصرف إلى استهداف التضخم.
وقالت كريستالينا جورجيفا مديرة صندوق النقد الدولي لشبكة سكاي نيوز هذا الشهر “ينصب تركيزنا على جعل الاقتصاد يعمل بأفضل شكل ممكن. وبهذا المعنى، نعم، نعطي الأولوية لمكافحة التضخم ومن ثم بالطبع سننظر إلى سعر الصرف في هذا السياق“.
وقالت المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي جولي كوزاك في وقت لاحق إن برنامج مصر يتضمن الحاجة إلى تشديد السياسة النقدية والمالية، إلى جانب نظام مرن لسعر الصرف، “للانتقال تدريجيا إلى نظام استهداف التضخم“.
وتحتاج مصر إلى الدولار لسداد ديونها الخارجية العامة متوسطة وطويلة الأجل والتي وصلت في الأول من يوليو إلى نحو 165 مليار دولار. ومن المقرر سداد ما لا يقل عن 42.26 مليار دولار من الديون الخارجية في عام 2024.
وقدر صندوق النقد الدولي في يناير العجز التمويلي لمصر على مدى 46 شهرا بنحو 17 مليار دولار.
وتحتاج مصر أيضا إلى الإفراج عن بضائع متراكمة في الموانئ ودفع متأخرات لشركات النفط الأجنبية والسماح للشركات بإرسال الأموال المستحقة لمكاتبها في الخارج، فضلا عن تلبية الطلب المتزايد على الواردات.
واعتمدت مصر في السابق على حلفائها الخليجيين الأثرياء للحصول على الدعم، لكن لم يعلن أي منهم تقديم أي مساعدات كبيرة لها خلال الأشهر الماضية.
ولتعويض ذلك لجأت الحكومة إلى منظمات التمويل متعددة الأطراف، ومجموعة واسعة من الدول الصديقة، لتجمع الأموال هذا العام من اليابان والصين والهند والإمارات.
كما تعتمد مصر على جمع السيولة من حصيلة بيع أصولها الحكومية الذي تعثر كثيرا في السنوات الماضية، لكن بعض المحللين يرون الآن تحولا.
ووفقا لمصرف مورغان ستانلي، “حققت مصر تقدما كبيرا في مبيعات الأصول المملوكة للدولة، واجتذبت مستويات عالية تاريخيا من صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، وحققت أهدافها المالية في 2022/2023، على الرغم من ارتفاع الإنفاق الحكومي بسبب نمو التضخم وتكاليف الاقتراض“.
-رهانات صعبة على جذب الاستثمارات للسوق المصري:
ولكن السندات الخارجية للبلاد أشارت إلى ضائقة خلال السنة الماضية، مما يرجح مزيدا من التخفيضات في قيمة الجنيه المحلي، كما تدور أسئلة أيضًا حول أهمية مصر الاستراتيجية مع احتدام الحرب في قطاع غزة المجاور.
ويتوقع تشارلز روبرتسون، رئيس الإستراتيجية الكلية في “إف آي إم بارتنرز”، خفض قيمة العملة بنسبة 20% بعد فوز السيسي، ثم الحصول على تمويل أكبر من صندوق النقد الدولي، الأمر الذي قد يكون إيجابيا بالنسبة للسندات المصرية بالدولار إذا اعتبر انخفاض قيمة الجنيه كافيا لتسوية تراكم العملات الأجنبية.
ووفق وكالة بلومبرج، هناك إدمانا في قلب المستنقع المالي الحالي في مصر على ما يسمى بالأموال الساخنة، حيث تتدفق السندات المتغيرة إلى الأسهم والسندات التي يمكن أن تذهب بالسرعة التي تأتي بها.
وقد عرضت مصر منذ فترة طويلة بعضا من أعلى أسعار الفائدة الحقيقية في العالم من أجل جذب النقد الأجنبي اللازم لسد العجز، لكن ذلك ترك البلاد تحت عبء ديون مرهق.
وأوضحت الوكالة، أن مصر اضطرت على مدار العقد الماضي إلى تخصيص أكثر من نصف دخلها الضريبي لدفع فوائد ديونها، وفي الفترة من يوليو إلى سبتمبر من هذا العام، بلغت تكاليف الفائدة أكثر من 1.5 مرة ما تم تحصيلها من الضرائب، وذلك وفقا لبيانات وزارة المالية.
وكانت هذه الإستراتيجية مستدامة فقط طالما استمر رأس المال في التدفق، ولكن عندما غزت روسيا أوكرانيا، لم تتوقف الأموال الساخنة فحسب، بل انعكست مع ارتفاع التضخم على الواردات من السلع الأساسية، وانخفض صافي تدفقات استثمارات السندات إلى 3.8 مليارات دولار في السنة المالية 2022-2023، من 21 مليار دولار في الفترة السابقة.
وأكدت الوكالة أن مصر تحاول منذ ذلك الحين إعادة اقتصادها إلى المسار الصحيح وجذب المستثمرين مرة أخرى إلى البلاد، لكن كلاً من وكالة فيتش للتصنيف الائتماني ووكالة موديز لخدمات المستثمرين خفضت التصنيف الائتماني للبلاد في الأشهر الأخيرة بسبب النقص المستمر في العملات الأجنبية والديون الباهظة.
وقد حرمت هذه المخاطر مع ارتفاع أسعار الفائدة العالمية مصر من الدولارات التي تحتاجها لدفع ثمن السلع الأساسية المستوردة وأجبرتها على تخفيض قيمة العملة.
-تعثر محاولات الاصلاح السياسي:
ووفق رئيس حزب الاصلاح والتنمية، في بيانه أصدره الحززب، عقب اعلان نتيجة الانتخابات، في 20 ديسمبر الجاري، فقد طالب بإعادة النظر في الأولويات خاصة ما يخص المشروعات القومية العملاقة، وكذلك «التوقف نهائيًا عن كل أنواع الاقتراض الذي أنهك مصر»، وإعادة التفاوض مع صندوق النقد ومؤسسات التمويل «لسداد التزامات مصر الخارجية خلال السنوات المقبلة بانتظام، والتفاوض مع الدول الصديقة وشركاء التنمية لإسقاط بعض من الديون الخارجية، فضلًا عن اتخاذ خطوات عاجلة فى طريق تحسين وضع الجنيه المصري، ووضع خطة لمواجهة التحديات الاقتصادية.
إلى جانب اصلاحات سياسية، تبدو مستحقة تتعلق بدعم الحياة الحزبية، والتوقف عن هندسة حياة حزبية وفق أهواء النظام وأجهزته، و«تحرير الإعلام المصرى من تبعية الأجهزة والحكومة»، وكذلك إلى حتمية حدوث «إنفراجة سياسية.. بما يستلزم إلغاء مبدأ الحبس أو الاعتقال بسبب الرأي وإطلاق سراح سجناء الرأي الذين لم يقدموا إلى المحاكمة أو تصدر ضدهم أحكام قضائية…
مؤكدًا أن الحوار بين مختلف الأطياف السياسية في المجتمع يعد مكونًا جوهريًا لتطور المجتمع..
وعلة نفس الوتيرة، طالب رجل الاعمال الأغنى بمصر، نجيب ساويرس، إلى اطلاق الحريات بمصر والافراج عن كل المعتقلين السياسيين ، ووقف حملات القمع لحريات التعبير، لضمان تدفق الاستثمارات الخارجية وتحسن الأداء الاقتصادي…
تلك المطالبات وغيرها يواجهها السيسي بكثير من التهميش والعمل ضدها، وهو ما يزيد من اغلاق المجال العام، وزيادة الاحتقان السياسي، والاستمرار في سياسات تدوير المعتقلين السياسيين واغلاق الصحف وتأميم الخطاب الاعلامي، ووقف مسارات الحوار الوطني، التي اتضح أنها كانت صورية لتجميل صورته بالخارج فقط..
خامسا: سياسات متوقعة في ولاية السيسي الثالثة:
ومن خلال الواقع المعاش حاليا، فن السهل توقع شكل السياسات التي سيتبعها السيسي في الفترة المقبلة، بل وقراراته التي تبدو مرجخة، ومنها:
زيادة اسعار الكهرباء والوقود:
وتعددت تأكيدات الدوائر الحكومية، حول اتجاه الحكومة لوضع خطة لرفع الدعم عن الكهرباء مع بداية العام الجديد، و لك على الرغم من أنه كان مقررا أن تكون الزيادة خلال الأشهر الستة الأولى من 2024 على أقصى تقدير، لكن ما سيجعل الزيادة خلال الشهر المقبل واردة بقوة، هو تقارير تحدثت عن أن الاتجاه نحو رفع شرائح أسعار الكهرباء مع دخول فصل الصيف الذي يتزايد فيه استهلاك المواطنين وكذلك ترتفع فيه معدلات انقطاع الكهرباء، يؤدي إلى حالة من الغضب الشعبي، ومن الضروري أن يضع النظام السياسي ذلك نصب عينيه.
وعكفت وزارة الكهرباء على خطة ستقدمها لصناع القرار لزيادات الشرائح المختلفة..فيما تبقى الإشكالية في ارتباط زيادة أسعار شرائح الكهرباء بمدى قدرة الحكومة على توفير الغاز الطبيعي اللازم لتشغيل محطات الكهرباء بما يضمن عدم تكرار الانقطاعات لساعات طويلة خلال الأشهر المقبلة…
وفي شهر يونيو الماضي، قررت الحكومة المصرية تأجيل خطة رفع الدعم عن الكهرباء حتى يناير 2024، وفقاً للأسعار المعلنة في يوليو 2022، وأرجعت ذلك إلى “رفع المعاناة عن المواطن، خاصة من محدودي الدخل رغم تحمُّل الدولة أعباء اقتصادية ومالية ضخمة لتنفيذ هذا القرار، وذلك حتى نهاية العام الجاري، بتكلفة تتجاوز الـ12 مليار جنيه“.
-ارتفاعات متوقعة بأسعار النقل والمواصلات والشحن وججميع السلع والخدمات:
وفيما يتعلق بأسعار الوقود، من المقرر أيضاً أن تنعقد لجنة تسعير المشتقات البترولية، الشهر المقبل، اذ من المقرر أن أسعار الوقود وضمنها البنزين والسولار والغاز الطبيعي، ستشهد ارتفاعات جديدة مع زيادة أسعار خام النفط، إلى جانب تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار في السوق السوداء.
وقررت لجنة تسعير المواد البترولية بمصر، في 3 نوفمبر الماضي، رفع أسعار البنزين بأنواعه كافة، ونشرت الجريدة الرسمية قراراً يتضمن زيادة أسعار البنزين 80 إلى 10 جنيهات (من 8.75 جنيه، والبنزين 92 إلى 11.5 جنيه من 10.25 جنيه، والبنزين 95 إلى 12.5 جنيه من 11.25 جنيه. وذكرت قنوات إخبارية محلية أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، رفض طلباً للحكومة بزيادة سعر السولار، مكتفياً برفع سعر البنزين؛ حرصاً على محدودي الدخل، ووجّه بترشيد إنفاق الحكومة من الوقود بنسبة 50%.
-تحميل الحكومة فاتورة الفشل المالي:
ومن المتوقع أن تتجه الحكومة لمزيد من القرارات التي تتعلق بتعزيز موارد الدولار، بينها استعادة معدلات تحويلات المصريين من الخارج، وكذلك فرض رسوم على الأجانب الموجودين على أراضيها، وتقديم مزيد من الامتيازات لإنجاح خطط “تصدير العقارات” أي بيعها للأجانب بالدولار، إلى جانب اتخاذ قرارات على مستوى تحصيل موارد مالية من المصريين من خلال تفعيل قانون التصالح في مخالفات البناء الذي يضمن حصول الحكومة على عشرات المليارات.
وانخفضت تحويلات المصريين بالخارج في 2022-2023 بنسبة 30% إلى 22 مليار دولار؛ مع نأي العاملين في الخارج عن التحويل بسعر الصرف الرسمي المبالغ في تقديره، وأدى ارتفاع أسعار الفائدة وضعف العملة إلى زيادة تكلفة خدمة الديون. وتفيد بيانات وزارة المالية بأن مدفوعات الفائدة ابتلعت أكثر من 45% من إجمالي الإيرادات في العام المنتهي في آخر يونيو/حزيران الماضي.
ومن المتوقع أن يتحمل المصريون الجزء الأكبر من مشقة التعامل مع الأزمات الراهنة، وليس من السهل أن تسدد الدولة ديوناً مقدارها 42.26 مليار دولار مستحقة عليها العام المقبل، وهو ما يجعل جميع الإجراءات المستقبلية صعبة، عكس فترات سابقة كانت تشهد حالة من الهدوء على مستوى القرارات التي تمس الحياة المعيشية للمصريين عند انتخاب رئيس جديد.
كما أن من المرجح أن الجزء الأكبر من القرارات الصعبة ستتحمله الحكومة الحالية التي يرأسها مصطفى مدبولي، قبل تغييرها مع تأدية عبد الفتاح السيسي اليمين الدستورية أمام البرلمان في مطلع أبريل المقبل وهو موعد انتهاء فترته الانتخابية الحالية، وأن القيادة السياسية تستهدف أن تتحمل الحكومة الجزء الأكبر من الغضب المتوقع من جانب المصريين ليكون تغييرها بمثابة تهدئة لهم بعد أن تسببت في مضاعفة المشكلات المعيشية.
-استمرار تحميل الفقراء الفاتورة:
وتواجه مصر مواعيد نهائية وشيكة لسداد ما لا يقل عن 42 مليار دولار إلى المقرضين بحلول العام القادم. وفقاً لتصنيفات وكالة Bloomberg الصادرة مؤخراً، تعد مصر ثاني البلاد حول العالم التي يُرجح أن تعلن تخلفها عن سداد مدفوعات الدين، ولا يسبقها في هذه التصنيفات إلا أوكرانيا.
وقال تيموثي كالداس، نائب مدير معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط: “في الأساس كانت المدة الكاملة للسيسي، عبارة عن سلسلة متوطنة من الأزمات الاقتصادية، وإنها ليست مصاعب اقتصادية وحسب، بل إهانة. وبينما يحدث كل هذا، يشاهد المصريون النظام وهو يحقق ثراءً لنفسه”، حسب تعبيره.
ويبلغ مستوى التضخم 34.6%. بل يصل إلى الضعف تقريباً بالنسبة للمنتجات الغذائية. في خضم أزمة عملة طاحنة، يكتنز المصريون الدولارات أو يبيعونها في السوق السوداء.
وارتفعت أسعار السلع الأساسية بشدة، وترتفع معها مستويات الفقر. في حين أن برامج الرفاه تقدم الدعم الأساسي إلى الفقراء، فإن الطبقة المتوسطة تتعرض للتجريف. في شوارع القاهرة وفي البرامج الحوارية الشهيرة، هيمنت أسعار البصل و”أزمة السكر” التي استمرت لأشهر، على مجال الحديث.
-احتمالية القبول بصيغ معدلة لتهجير الفلسطينيين إلى مصر:
وذلك مع زيادة حدة القصف العشوائي ضد الفلسطينيين، وتكدس مئات الالاف في مدينة رفح المجاورة للحدود المصرية، مع استمرر الضغوط الغربية والاسرائيلية على مصر، بجانب الاغراءات المالية الكبيرة، التي تحدثت عنها دوائر اسرائيلية وامريكية، تتعلق باسقاط ديون مصر، وتقديم مزيد من الدعم المالي للتظام القائم، من قبل الاتحاد الأوربي الذي تعهد بنحو 10 مليار دولار لمصر، وصندوق النقد الذي كشف عن طلب مصر قرضا بـ12 مليار دولار جديدة، علاوة على تلميحات خليجية بتمديد الودائع وتقديم المزيد من الاموال والاستثمارات…
وكانت اسرائيل تحدثت عن سيناريو مهذب لتهجير نحو مليون فلسطيني، يجري تسكينهم في المدن داخل مصر بعيدا عن سيناء، في السادس من اكتوبر ، والعاشر من رمضان، والعلمين.
على أن يجري التهجير عبر تأشيرات رسمية لنحو 50 ألف طالب لاستكمال دراستهم، والحاق اسرهم بهم، ما يصل لنحو 250 ألف فلسطيني، و50 ألأف أخرين من المرضى والجرحي، يدخلون للمستشفيات على أن تلحق بهم أسرهم ، بما اجماليه اكثر من 400 ألأف اخرين، بجانب نحو 300 ألف من الحالات الاستثنائية والانسانية الأخرى…
وهو ما قد يجري التسويق له في الفترة المقبلة، مع تفاقم الازمة الاقتصادية المصرية من جهة، وتصاعد العدوان الاسرائيلي من جهة أخرى…
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
سادسا: سيناريوهات المستقبل:
1-انفراجة سياسية:
ومع ضغوط الغرب والأطراف الدولية على النظام المصري، نحو تهدئة مجتمعية ، وتفكيك الاحتقان السياسي ، وتفكيك الازمة الاقتصاجية، قد يتخذ السيسي بعض الاجراءات لتهدئة الأوضاع السياسية ، تجاه بعض المعارضين، من التيار المدني، مع الابقاء على نفس النهج القمعي مع الاسلاميين ورافضي الانقلاب العسكري..
ولعل حاجة الغرب وامريكا واسرائيل للدور المصري، في المرحلة الراهنة، قد تدفع الغرب بمنظماته واعلامه للتغاضي عن الانتهاكات التي يرتكبها النظام العسكري تجاه معارضيه او عامة الشعبب المصري، وهو ما سيعرقل الانفراجة السياسية المتوقعة…
يشار إلى أن السيسي كان قد تعهد بعد اعلان نتيجة الانتخابات، بالاستمرار في جولات الحوار الوطني، والتي لم تسفر عن حلحلو حقيقية للأزمات المصرية…
وكان مجلس أمناء «الحوار الوطني»، قد أعلن في سبتمبر الماضي، تعليق جلساته التي بدأت في مايو الماضي ، بدعوة من السيسي، لحين انتهاء الانتخابات الرئاسية. وقال المجلس، في بيان له حينها، إن ذلك جاء «حرصاً على توفير المناخ (الإيجابي الملائم) لكل الأطياف التي شاركت في (الحوار الوطني) للمساهمة بـ(حرية كاملة) في العملية الانتخابية، من دون تأثير عليهم…
2-استمرار القع الأمني والسلطوي مع احتمالات تعديل دستوري يفتح مدد الرئاسة:
وعلى النقيض من السيناريو الأول، يتزايد فرص تحقق السيناريو الثاني، والمستمر منذ سنوات الانقلاب العسكري، فمع استمرار القمع السلطوي الممارس بمصر، في ظل سيطرة سياسية للسيسي ونظامه على مفاصل الحياة ..
اذ تهيمن الأحزاب المؤيدة للسيسي بأغلبية ساحقة على مجلسي النواب والشيوخ، وتوافق على القرارات الحكومية دون تدقيق.
ومن النماذج على ماسبق التعديلات الدستورية لعام 2019 التي عززت سلطة السيسي عبر السماح له بالترشح لفترة إضافية واحدة، بالإضافة إلى الفترتين السابقتين، ومددت أيضًا فترة ولايته الحالية من أربع إلى ست سنوات. وسط أحاجيث اعلامية ،بجأها الاعلامي ببقناة أون تي في، التابعة للمخابرات المصرية، بالحديث عن احتمال تعديل دستوري جديد، بموافقة شعبية مضمونة ، عبر الهندسة السياسية والامنية، بتعديل مواد الدستور لكي يسمح للسيسي بتمديد ولاية رئسية جديدة، قد تصل به للاستمرار بالحكم حتى 2036..
ولعل ما يشيء إلى هذا المسار، الواقع المزري لحالة حقوق الانسان بمصر، حيث تتعمق سياسات القمع في اوساط المصريين بصورة غير مسبوقة…
فمنذ أوائل 2023 وحتى منتصف سبتمبر، اعتقلت قوات الأمن نحو 2,028 شخصًا على خلفية الممارسة السلمية لحرية التعبير والتجمع.
وكانت “هيومن رايتس ووتش” ، قد أكدت في أوائل نوفمبر الماضي ، أن السلطات اعتقلت وحاكمت خلال الشهر السابق عشرات المشاركين في عدة احتجاجات سلمية مناهضة للحكومة في جميع أنحاء البلاد، وكان بعضها على صلة بالانتخابات.
واتهمت السلطات العديد من المعتقلين بجرائم تتعلق بالإرهاب والتجمع غير القانوني، بناء على القانونيين الصادرين في 2023 و 1914 بشأن التجمع، واللذين يفرضان قيودًا شديدة، ويجرّمان التجمعات لخمسة أشخاص أو أكثر.
ولا يزال الآلاف محبوسين احتياطيا أو يقضون أحكاما في قضايا تتعلق بالتجمع السلمي.
ووسعت السلطات استخدام نظام الاتصال عبر الفيديو (الفيديو كونفرنس)، وهو منتهِك بطبيعته، لتجديد الحبس الاحتياطي دون مثول المحبوسين حضوريا أمام القاضي.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن هذه “الانتهاكات الواسعة والمزمنة كان لها آثار محبطة على المشاركة السياسية في الفترة التي سبقت الانتخابات”...
كما قوّضت السلطات في عهد السيسي بشدة حرية وسائل الإعلام والحق في الوصول إلى المعلومات. وتدرج منظمات مراقبة حرية الصحافة مصر كل عام تقريبًا منذ العام 2014 ضمن الدول الـ 10 التي تسجن أكبر عدد من الصحفيين.
في 2023، استهدفت السلطات الصحفيين ووسائل الإعلام قبل الانتخابات.
وفي أكتوبر الماضي ، أحال “المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام” عاملين في موقع “مدى مصر” الإعلامي المستقل إلى النيابة العامة بتهمة مزاولة أنشطة إعلامية دون ترخيص، ونشر أخبار كاذبة دون التأكد من مصادرها.
وفي فبرايرالماضي، أحالت النيابة العامة ثلاثة صحفيين من مدى مصر إلى المحاكمة في قضية أخرى تتعلق بتقرير يزعم وجود فساد في “حزب مستقبل وطن” الموالي للسيسي.
وفي يونيو الماضي ، منعت السلطات الوصول إلى موقعين إخباريين مستقلين، “مصر 360” و”السلطة الرابعة”، وفقا لمنظمات حقوقية محلية ودولية، لينضما بذلك إلى مئات المواقع المحجوبة منذ 2017.
وخلال الاستعداد للانتخابات الأخيرة،
استخدمت السلطات المضايقات أيضا ضد المرشح المحتمل -آنذاك- أحمد الطنطاوي، الممارسات القمعية، واعتقلت مناصريه، وعبر البلطجية المتبطين بالأجهزة الأمنية، اعتدت على من حاول عمل توكيلات له بمقار الشهر العقاري…
وفي 30 سبتمبر ، روت إلهام عيدروس، الناشطة اليسارية والنسوية وإحدى مؤسسي “حزب العيش والحرية”، أن مجموعة من المجهولين أخافوها بمجموعة من البلطجية ومنعوها بالقوة هي والقيادي البارز في “حزب المحافظين” مجدي حمدان من الدخول إلى مكتب الشهر العقاري لعمل توكيلات لجميلة إسماعيل بعد أن ألمح كلاهما إلى أنهما لن يعطيا توكيلا للسيسي.
وقالت عيدروس لـ “هيومن رايتس ووتش” إنها تقدمت بشكوى إلى النيابة العامة، لكن محاميها قال إنه لم يتم التحقيق فيها قط.
خاتمة:
بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية، التي هندستها الأجهزة الأمنية، للمرة الثالثة في عهد السيسي، لم يتغير شييء بمصر، اذ أن القمع السلطوي المتواصل بمصر، في وقت ينهار فيه الاقتصد المصري، وسط تهديدات متعاظمة للأمن القومي المصري، على الصعيد الاقليمي والداخلي…
بل بات السيسي كما كان مبارك، كنزا استراتيجيا لاسرتئيل والغرب، اصبح السيسي حجر اساس للاجندات الغربية والاسرائيلية بالمنطقة…
………………….
مراجع:
العربي الجديد، إعادة انتخاب السيسي لولاية ثالثة بنسبة 89.6% مقابل 10.4% لمنافسيه الثلاثة، 18 ديسمبر 2023
رصد، انتهت مسرحية الانتخابات وعاد الانقطاع الجبري للكهرباء ..المنقلب يستخف بالمصريين، – 14 ديسمبر، 2023
الحرية والعدالة، متجاهلا أزمات مصر.. السيسي يستعد لـ 6 سنوات عجاف أخرى بعد انتهاء مسرحية الانتخابات، – 19 ديسمبر، 2023
علامات اون لاين، بعد “انتهاء سكرة الانتخابات”.. تعويم جديد للجنيه وإعادة هيكلة الديون وتنازلات سيادية غير مجهولة، – 14 ديسمبر، 2023
الخليج الجديد، “واشنطن بوست”: فوز السيسي بفترة رئاسية ثالثة.. ومصر على حافة الهاوية، 19 ديسمبر 2023
هشام جعفر، لم تعد الانتحابات الرئاسية في مصر هي الحل، موقع مصر 360، 17 ديسمبر 2023
عربي21، “إيكونوميست” تحذر السيسي بعد فوزه بالانتخابات.. “قد لا تكون محظوظا هذه المرة“، 21 ديسمبر 2023
العربي الجديد، “رويترز”: مصر تواجه خيارات اقتصادية مؤلمة بعد إعادة انتخاب السيسي، 20 ديسمبر 2023
عربي21، لماذا تعد تحركات السيسي بعد الانتخابات حاسمة بالنسبة للأسواق المصرية المضطربة؟، 23 ديسمبر 2023
مدى مصر، رئيس «الإصلاح والتنمية» يحدد “المنتظر من الرئيس الجديد”، 20 ديسمبر 2023
الخليج الجديد، هيومن رايتس وواتش: السيسي فاز بالولاية الثالثة لمصر عبر قمع وتهديد المواطنين، 21 ديسمبر 2023
عربي بوست، زيادة أسعار الكهرباء والوقود وانخفاض قيمة الجنيه.. مصادر تكشف قرارات ينتظرها المصريون بعد الانتخابات، 023/12/23
عربي بوست، واشنطن بوست: السيسي نجح في الانتخابات ولكن مصر تواجه شبح كارثة اقتصادية، 023/12/19
بي بي سي عربي، ما التحديات التي تواجه السيسي بعد فوزه بفترة رئاسية ثالثة؟،18 ديسمبر 2023
RT ، “تحديات خطيرة تواجه السيسي”.. تعليق في إسرائيل بعد فوز الرئيس المصري بولاية رئاسية جديدة، 19.12.2023
الشرق الأوسط، ما أبرز تحديات ولاية السيسي الثالثة؟، ، 19 ديسمبر 2023
المفوضية المصرية للحقوق والحريات، صحف وبرامج تلفزيونية تناقش “ماذا بعد الانتخابات الرئاسية وفوز السيسي بولاية ثالثة؟”، 21 ديسمبر 2023