تحليل اقتصادي لتوجهات الاقتصاد المصري 2024-2030

مع ما أثير من انتقادات وجهتها الكثير من المصريين للسيسي، واتهامها بعدم وجود برنامج له يكشف رؤيته لحكم البلاد للسنوات الست القادمة، أصدر مجلس الوزراء، وثيقة بعنوان “أبرز التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد المصري الفترة الرئاسية الجديدة 2024-2030”.

أولا: معالم التوجهات الاستراتيجية:

الوثيقة، كشفت عن خطط الحكومة المصرية وتوجهاتها نحو مضاعفة مواردها من العملات الأجنبية ثلاث مرات خلال ست سنوات لتصل إلى 300 مليار دولار أمريكي.

وبلغ صافي الاحتياطيات الأجنبية في البنوك المصرية 35.173 مليار دولار فى نهاية نوفمبر 2023، مقارنة بنحو 35.102 مليار دولار فى نهاية أكتوبر 2023، بحسب بيانات البنك المركزي المصري.

الوثيقة حددت بموجبها أولويات التحرك على صعيد السياسات من خلال تعديل خطط الأداء الاقتصادي والمشروعات المستقبلية المقترحة. وتشتمل الوثيقة على توجهات استراتيجية مقترحة للاقتصاد المصري (2024 – 2030) ضمن مشروع بحثي رسمت من خلاله أولويات التحرك على صعيد السياسات الاقتصادية والاجتماعية للدولة المصرية.

وأثار نشر الوثيقة من قبل الحكومة، بناء على «توجيهات رئاسية» وفق بيان رسمي، جدلاً  كبيرا، على الصعيد المصري…

وتضمنت الوثيقة الجديدة، التي أعدها مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، 8 استراتيجيات مقترحة، تتضمن تحقيق نمو اقتصادي قوي وشامل ومستدام ومتوازن، يتراوح ما بين 6 و8 %، مع العمل على توفير ما بين 7 إلى 8 ملايين فرصة عمل، وتحقيق مستهدفات للنقد الأجنبي بقيمة 300 مليار دولار بنهاية 2030.

وكشفت وثيقة الاتجاهات الاقتصادية أن الحكومة تعتزم إصدار سندات دين طويلة الأجل تتراوح بين 20 و30 سنة، لسداد مدفوعات خدمة الدين الخارجي للعامين الماليين، الحالي والمقبل، مقابل التوسع في إصدارات الدين المحلي قصير الأجل، والتوسع في بيع العقارات بالدولار..

وتعتزم مصر، بحسب الوثيقة، تأسيس شركة متخصصة بإدارة أنشطة تصدير وتأجير العقار في مصر بالنقد الأجنبي، بعائدات متوقعة ما بين 2 و3 مليارات دولار، وتصدير العقار بالعملة الصعبة مقابل الحصول على الإقامة لمدة 5 سنوات، وأيضاً طرح صندوق استثماري برأس مال مليار دولار، بوحدات قابلة للاكتتاب من قبل المصريين بالخارج، للاستثمار في محفظة من الأصول المملوكة للدولة عالية الجاذبية والعائد، وأيضاً الأوراق المالية المتنوعة.

وذكرت الوثيقة أن الحكومة تتبنى سياسة مرنة لسعر الصرف لتعزيز مرونة الاقتصاد في مواجهة الصدمات، بالتوازي مع التحسن في الحصيلة من النقد الأجنبي، بحيث تُغطى الفجوة بين سعري الصرف الرسمي وغير الرسمي خلال فترة زمنية محددة.

وتعاني مصر من شح شديد في السيولة الدولارية منذ الربع الأول من عام 2022، الذي شهد تخارج نحو 22 مليار دولار من الأموال الساخنة، وهو ما دفعها إلى إطلاق العديد من المبادرات بهدف جمع العملة الأجنبية، علماً بأن سعر صرف الدولار في البنوك الرسمية يبلغ 30.95 جنيهاً، مقابل نحو 53 جنيهاً للدولار في السوق السوداء (الموازية).

ثانيا: مرتكزات  الاستراتيجية:

-التوسع في الديون طويلة الأجل:

وتعتزم مصر إصدار سندات دين طويلة الأجل تتراوح بين 20 إلى 30 سنة لسداد مدفوعات خدمة الدين الخارجي للعامين الماليين، الحالي والمقبل، مقابل التوسع في إصدارات الدين المحلي قصير الأجل، والتوسع في بيع العقارات بالدولار.

ووفقاً لـ”وثيقة الاتجاهات الاقتصادية للدولة خلال الفترة الرئاسية الجديدة لعبد الفتاح السيسي”، التي تنتهي في 2030، فإن إصدار السندات طويلة الأجل خارجياً سيسمح بمبادلة إصدارات الدين قصيرة الأجل الحالية بإصدارات طويلة الأجل، وبما يمدد فترات السداد.

وقالت وزارة المالية في وقت سابق من شهر يناير الجاري، إنها تعتزم إصدار أدوات دين محلية بقيمة 1.647 تريليون جنيه (53.3 مليار دولار) خلال الربع الحالي الممتد من يناير حتى مارس 2024 مقارنة بـ1.055 تريليون جنيه في الربع ذاته من عام 2023، وذلك في صورة أذون وسندات خزانة لا تزيد آجالها على عام في معظم الإصدارات.

فضلا عن نية الحكومة المصرية إصدار سندات بآجال استحقاق تتراوح بين 20 و30 عاما لخدمة الدين الخارجي المستحق في العام المالي الحالي والمقبل، من أجل تمديد نطاق ديون البلاد إلى ما هو أبعد من المدى القصير.

ووفقاً للوزارة، فإنها تعتمد حالياً على أدوات الدين قصيرة الأجل بشكل أكبر من الأدوات طويلة الأجل من السوق المحلي لتفادي تحمّل أسعار الفائدة العالية لفترات طويلة.

وتبلغ أسعار الفائدة حالياً بمصر 19.25% للإيداع و20.25% للإقراض.

وبحسب بيان موازنة العام المالي 2023 / 2024، فإن الفجوة التمويلية تقدَّر بنحو 2.140 تريليون جنيه، بارتفاع يصل إلى 26.8% مقارنة بالعام المالي 2022 / 2023 والمقدَّر بنحو 1.688 تريليون جنيه.

وفي 14 يناير الجاري، كشف محمد معيط، وزير المالية ومحافظ مصر لدى “بنك التنمية” الجديد، أن حكومته تنوي إصدار سندات بالعملات المحلية في أسواق الدول أعضاء بنك التنمية الجديد من أعضاء تحالف “بريكس”.

وقال معيط: “نستهدف إصدار سندات خضراء وزرقاء واجتماعية ومستدامة.. تلبى طموحات “رؤية مصر 2030″، من أجل إضافة فئات جديدة من المشروعات ذات البعد الاجتماعي إلى محفظة مصر المستدامة”، وفقاً لبيان مجلس الوزراء…

وأكد معيط، فى لقائه مع فلاديمير كازبيكوف، نائب رئيس البنك، والوفد المرافق له، تدرس مصر إصدار سندات مقومة بالروبية الهندية بقيمة 500 مليون دولار خلال عام 2024، وتتطلع البلاد إلى إصدار سندات بالعملات المحلية في الأسواق الخارجية، في ظل التضخم العالمي الذي يؤثر على السندات المقومة بالدولار، وفقاً لما ذكرته نشرة “انتربرايز” المعلوماتية اليومية. وأنهت مصر إصدارا بقيمة 3.5 مليارات يوان صيني، وآخر بقيمة مليار ين ياباني في الخريف الماضي.

وتوسع البنك التنموي متعدد الأطراف الذي أسسته دول البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا ليشمل مصر اعتبارا من إبريل الماضي، إلى جانب الإمارات وبنغلاديش.

وتعاني مصر من شحّ شديد في السيولة الدولارية منذ الربع الأول من عام 2022، الذي شهد تخارج نحو 22 مليار دولار من الأموال الساخنة، وهو ما دفعها إلى إطلاق العديد من المبادرات بهدف جمع العملة الأجنبية، ومنها التوسع في الاقتراض من الخارج، وبيع بعض الأصول المملوكة للدولة، ضمن إجراءات أخرى.

ووفقاً للوثيقة ، فإن إصدار السندات طويلة الأجل خارجياً سيسمح بمبادلة إصدارات الدين قصيرة الأجل الحالية بإصدارات طويلة الأجل، وبما يمدد فترات السداد.

وقالت وزارة المالية في وقت سابق من شهر يناير الجاري، إنها تعتزم إصدار أدوات دين محلية بقيمة 1.647 تريليون جنيه (53.3 مليار دولار) خلال الربع الحالي الممتد من يناير حتى مارس/آذار 2024 مقارنة بـ1.055 تريليون جنيه في الربع ذاته من عام 2023، وذلك في صورة أذون وسندات خزانة لا تزيد آجالها على عام في معظم الإصدارات.

ووفقاً للوزارة، فإنها تعتمد حالياً على أدوات الدين قصيرة الأجل بشكل أكبر من الأدوات طويلة الأجل من السوق المحلي لتفادي تحمّل أسعار الفائدة العالية لفترات طويلة.

وتبلغ أسعار الفائدة حالياً بمصر 19.25% للإيداع و20.25% للإقراض.

ووفقاً لبيان موازنة العام المالي 2023 / 2024، فإن الفجوة التمويلية تقدَّر بنحو 2.140 تريليون جنيه، بارتفاع يصل إلى 26.8% مقارنة بالعام المالي 2022 / 2023 والمقدَّر بنحو 1.688 تريليون جنيه.

– استبدال الديون بأصول اقتصادية:

وكشفت الوثيقة عن استراتيجية جديدة، لتخفيف الديون عن مصر، عبر  الرهان على الدول الدائنة، بتمليكها أصول مصرية ، مقابل التنازل عن الديون المستحقة لها.

وكانت مصر أصدرت وثيقة الملكية، التي تتخارج  بمقتضاها من نحو 33 مجالا اقتصاديا، ببيع الأصول واشراك القطاع الخاص ، سواء المستثمرين الأجانب أو المحليين في تملك وادارة تلك الأصول..

ومن ثم فإن جانباً كبيراً من الاهتمام سينصبّ على دراسة تنفيذ عدد من البدائل لتخفيف عبء المديونية الخارجية عبر التنسيق مع المجتمع الدولي.

ووفق تقديرات اقتصادية، فقد بدأت الحكومة للمرة الأولى، تحويل 38% من الدين الخارجي البالغ نحو 165 مليار دولار ويعادل نحو 5  أضعاف الاحتياطي النقدي للبلاد إلى استثمار أجنبي مباشر.

ويمثل أكثر من 85% من إجمالي احتياطي البلاد من النقد الأجنبي ودائع دول عربية، هي كل من السعودية والإمارات وقطر والكويت وليبيا، وتبلغ قيمتها  نحو 30 مليار دولار.

وقالت الحكومة: إنها “تخطط لتشكيل لجنة وزارية عليا من أجل التفاوض مع عدد من البلدان والبنوك الدائنة لمصر، من أجل مبادلة الدين العام وحصص في بعض الشركات المملوكة للدولة، في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من أزمة حادة في نقص النقد الأجنبي”.

وبررت تلك الخطوة، غير المسبوقة، أنها تأتي ضمن وثيقة سياسة ملكية الدولة، بهدف تحويل جزء معتبر من الدين الخارجي لمصر إلى استثمارات أجنبية، ولكنها تمت بعد أن استنفدت الحكومة وسائل توفير العملة الصعبة، وصعوبة الوصول إلى أسواق الدين أيضا.

وأشارت الوثيقة إلى أن ذلك يتضمن إطلاق الدول النامية مبادرة عالمية لمبادلة الديون بين الدول الدائنة والمدينة باستثمارات وتحويل الجزء الأكبر منها إلى مشروعات استثمارية مشتركة تخلق المزيد من فرص العمل، بحسب نص الوثيقة.

وتخطط الحكومة المصرية للخارج بحصتها من 35 شركة تعمل في 19 قطاعاً ونشاطاً اقتصادياً، وباعت بالفعل حصصاً في 13 شركة، بإجمالي 5 مليارات دولار، وتعتزم استكمال باقي البرنامج، خلال العام الحالي.

-توريق العوائد الدولارية :

ووفقاً للوثيقة ، تدرس مصر توريق نسبة من إيراداتها الدولارية تراوحت ما بين 20 إلى 25%، وإصدار سندات مقابلها تقوم بشرائها بنوك استثمار مستثمرون دوليون بالعملة الأجنبية.

على أن يكون ذلك، وفق ثلاثة سيناريوهات بعائدات تتراوح بين 1.4 و10.1 مليارات دولار سنوياً.

وتعتمد مصر بشكل رئيس في الإيرادات الدولارية على تحويلات المصريين العاملين في الخارج والصادرات والسياحة وإيرادات قناة السويس، ولم توضح الوثيقة لأي منها ستُصدَر سندات توريق له.  إلا أن خبراء الاقتصاد، يذهبون إلى أن المصدر الوحيد القابل للتوريق ، اصدار سندات بضمانه، هو قناة السويس، إذ تعد عائداتها شبة ثابتة أو متزايدة، بعكس تحويلات المصريين بالخارج المتراجعة، منذ ثلاثة أعوام، على أثر اضطراب سوق الصرف داخل مصر، والسياسات البنكية التي تطبقها مصر وتحرمهم من فرق الأسعار الكبير بين السعر الرسمي للدولار وسعر السوق الموازية…

كذلك تعتزم طرح صندوق استثماري برأس مال مليار دولار بوحدات قابلة للاكتتاب من قبل المصريين بالخارج للاستثمار في محفظة من الأصول المملوكة للدولة عالية الجاذبية والعائد والأوراق المالية المتنوعة، على أن يصدر عن أحد البنوك الاستثمارية الكبرى، ويديره مدير الصندوق يتمتع بخبرة دولية مرموقة.

و بشأن إيرادات قناة السويس تشير الوثيقة إلى توقعاتها بأن تبلغ مع نهاية ولاية السيسي الثالثة، 26 مليار دولار.

وبلغت إيرادات قناة السويس 9.4 مليار دولار خلال العام المالي 2022-2023، وفق تصريحات رسمية، ما يعني أن الحكومة المصرية تسعى لزيادة الإيرادات بنحو 16.6 مليار دولار  في 6 سنوات.

-استغلال تحويلات المصريين بالخارج في صناديق استثمارية:

وتستهدف الوثيقة زيادة تحويلات المصريين العاملين بالخارج إلى نحو 53 مليار دولار بنهاية 2030.

كذلك ستؤسس شركة لاستثمار مدخرات المصريين العاملين بالخارج برأس مال مليار دولار للاستثمار في عدد من القطاعات الإنتاجية والخدمية ذات الأولوية وفق المستهدفات القومية.

وأشارت الوثيقة إلى هدف آخر لافت بفتح أسواق عمل خارجية مليون مصري، وذلك بالتزامن مع وجود فجوة بنحو 100 مليون فرصة عمل في دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا حتى 2040.

وتهدف الحكومة المصرية إلى أن تصل تحويلات المغتربين إلى 53 مليار دولار، في توجه تعظيم الدخل القومي من هذا الجانب الذي مثل طفرة بالسنوات السابقة وأصابه تراجع مثير بالعام الأخير.

وتراجعت تحويلات المصريين بالخارج خلال السنة المالية 2023/2022، بنسبة 30.8 بالمئة على أساس سنوي، حيث بلغت 22.1 مليار دولار، مقابل 31.9 مليار دولار في السنة المالية السابقة 2022/2021.

وتعد أزمة تراجع قيمة الجنيه المصري مقابل العملات الأجنبية مثل الدولار واليورو والريال السعودي وعملات الخليج العربي الأخرى، وجود سعرين لهما بالسوق المصرية رسمي وآخر أعلى بكثير في السوق الموازية؛ إحدى أسباب تراجع تحويلات المصريين.

-بيع العقارات بالدولار :

وكشفت الوثيقة أيضاً أن مصر تعتزم تأسيس شركة متخصصة بإدارة أنشطة تصدير وتأجير العقار في مصر بالنقد الأجنبي بعائدات متوقعة ما بين 2 إلى 3 مليارات دولار، وتصدير العقار بالعملة الصعبة مقابل الحصول على الإقامة لمدة 5 سنوات.

وهو ما يفتح  المجال واسعا أمام مخاطر الأمن القومي، بعد سلسلة من السياسات غير المحسوبة المخاطر، من نفاذ جنسيات عديدة  قد تكون لها أهداف تخريبية بمصر، إلى عصب الاقتصاد المصري، والمجتمع المصري، اذ يتيح تملك العقارات  أو إيداع دولارات بالبنوك المصرية الحصول على الجنسية المصرية ، بما يهدد الأمن القومي المصري، علاوة على  أن التوسع ببيع العقارات بالدولار، يحول مصر إلى لبنان جديدة، لا تحترم عملته الوطنية، ويجري التعامل الأساس بالدولار، وهو ما يفاقم أزمة الدولار ، داخل مصر، حيث تحولت الكثير من شركات بيع السيارات والملابس والعقارات  وغيرها من السلع إلى تقييم أسعارها بالدولار، ما يضرب عصب الاقتصاد المصري بمقتل.

وتسعى الحكومة المصرية من خلال مستهدفات قصيرة الأجل لإطلاق مبادرة تصدير العقار والبدء في الترويج للوحدات السكنية للمستثمرين الأجانب والمصريين في الخارج.

وبدأ الحديث عن أول مبادرة من نوعها تهتم ببيع الوحدات العقارية بالدولار في نوفمبر 2023، بموجب مجموعة محفزات بالتعاون بين الحكومة والمطورين العقاريين، وفق بيان صدر وقتها عن مجلس الوزراء.

وفسرت غرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات المصرية المبادرة على أنها ليست متاحة للجميع، بل للمصريين في الخارج والأجانب فقط. وقال رئيس الغرفة، طارق شكري، إن المبادرة تشترط دفع قيمة العقار بالدولار مقدماً وليس بالتقسيط، كما أن المشتري يسترد كامل قيمة الوحدة بعد 10 سنوات من الشراء، كمحفز قوي للعملاء المحتملين.

-تعويم الجنيه:

وحسب الوثيقة، فإن صندوق النقد الدولى توقع أن يسجل سعر صرف الجنيه مقابل الدولار نحو 36.83 جنيهاً في المتوسط خلال الفترة من 2024 أو 2028.

وذكرت الوثيقة أنه سيُعمَل على مواصلة تبني سياسة مرنة لسعر الصرف لتعزيز مرونة الاقتصاد المصري في مواجهة الصدمات بالتوازي مع التحسن في الحصيلة من النقد الأجنبي، بحيث تُغطى الفجوة بين سعري الصرف الرسمي وغير الرسمي خلال فترة زمنية محددة.

ويبلغ سعر صرف الدولار مقابل الجنيه بالبنوك الرسمية نحو 31 جنيها، بينما يتجاوز سعره بالسوق السوداء 55 جنيها، وهو رقم مرشح للزيادة خلال الفترة المقبلة…

وكانت الكثير من التقديرات الاقتصادية والمالية، توقعت تجاوز سعر الدولار أمام الجنيه 60 جنيها، وهو ما يعني الاستمرار في سياسة التعويم، خلال الفترة المقبلة، على مراحل، الأولى قد تكون في حدود 20%، كما من المتوقع أن يأتي التعويم اللاحق خلال العام القادم بما يتجاوز 60% وفق تقديرات اقتصادية…

-محاولة زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر رغم هروب الأموال من مصر:

وتأمل الحكومة المصرية عبر وثيقتها أن تزيد الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنحو 10 بالمئة سنويا لتصل إلى 19 مليار دولار في 2030.

وتجاوز حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر أكثر من 10 مليارات دولار خلال العام المالي 2022-2023 بنسبة نمو 12 بالمئة، وفقًا لبيانات البنك المركزي.

وخسرت مصر نحو 22 مليار دولار منذ الربع الأول من العام 2022، مع نزوح استثمارات أجنبية غير مباشرة، (المال الساخن) من سوق الأوراق المالية وأدوات الدين الحكومية، بحسب بيانات حكومية.

ثالثا:أهداف مشكوك بتحققها:

وقد استبقت الحكومة الوثيقة، بحملة ترويجية وأحاديث وتحليلات إعلامية، مباشرة بتغير اقتصادي قادم، عبر بيانات رسمية من مجلس الوزراء ومركز المعلومات الوزاري، بشرت بتحقيق العديد من الأهداف، دون دلالات واضحة على خطط تحقيقها، حيث دارت معظم الوثيقة حول آمال وطموحات، تدور في فلك الديون وبيع الأصول ، وهي سياسات مجربة، ثبت فشلها مرارا، خلال العشر سنوات الأخيرة…

ووفق بيان رئاسة مجلس الوزراء،   فقد تضمنت  الوثيقة العمل على تحقيق 8 أهداف استراتيجية من بينها، تحقيق نمو اقتصادي قوي وشامل ومستدام ومتوازن داعم لنهضة الدولة المصرية يتراوح ما بين 6% إلى 8%، والتركيز على وتيرة نمو اقتصادي داعمة للتشغيل توفير ما يتراوح بين 7 إلى 8 ملايين فرصة عمل خلال تلك الفترة.

وذلك على الرغم من تأكيدات البنك الدولي انخفاض معدل النمو المستهدف خلال العام المالي الجاري من 4% إلى 3,6%، علاوة على زيادة أعداد المصانع المغلقة والتي تتجاوز 50 ألف مصنع وشركة، على أثر سياسات الحكومة، برفع أسعار الوقود والطاقة وارتفاع تكاليف الإنتاج، وأزمات استيراد المواد الخام الداخلة في الصناعة، وتفاقم أزمة العملة الأجنبية ، وتراجع الواردات ومن ثم الصادرات…

كذلك تستهدف الوثيقة تنفيذ برنامج لتعزيز المتحصلات من النقد الأجنبي، بحصيلة مستهدفة 300 مليار دولار بنهاية عام 2030، بما يمثل ثلاثة أضعاف المستويات الحالية.، وهو رقم يبدو خياليا في ضوء الأوضاع الحالية…

وكان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي قد أكد، قبل يومين من إصدار الوثيقة، ، أن الحكومة تستهدف خفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي من 95% في العام المالي 2022/ 2023، إلى 92.2% في العام المالي الحالي، ثم إلى 91.9% في العام المالي 2024/ 2025، وصولاً إلى أقل من 80% على مدى السنوات الخمس المقبلة.

كذلك تتوقع الحكومة نمو اقتصاد البلاد بنسبة 4.7% في العام المالي المقبل من 3% المتوقعة للعام المالي 2023/ 2024 و4.2% في العام المالي 2022/ 2023.

كما توقعت الوثيقة أن تبدأ الضغوط التضخمية في الانحسار، ليسجل معدل التضخم نحو 9.2% في المتوسط خلال الفترة من 2024 إلى 2028. وذلك مع استمرار ارتفاعات أسعار السلع الأساسية والخدمات الحكومية وأسعار الوقود والكهرباء، وهو ما يطرح أعباء كثيرة على المنتجين والمستهلكين، علاوة على اعتماد الحكومة على سياسات رفع الفائدة البنكية ، لمحاولة امتصاص السيولة من السوق ، حيث قاربت الفائدة البنكية على بعض المنتجات المالية  27%…

-بين الواقع والمأمول:

ويلاحظ خلال القراءة الرقمية للوثيقة، اتساع البون بين واقع الاقتصاد المصري وما تصبو له الوثيقة، حيث تستهدف مضاعفة الموارد من العملات الأجنبية ثلاث مرات خلال ست سنوات لتصل إلى 300 مليار دولار أمريكي.

وبلغ صافي الاحتياطيات الأجنبية في البنوك المصرية 35.173 مليار دولار فى نهاية نوفمبر 2023، مقارنة بنحو 35.102 مليار دولار فى نهاية أكتوبر 2023، بحسب بيانات البنك المركزي المصري.

كما يأتي استهداف مستويات نمو تتراوح ما بين 6 % و8 % بحلول 2030، وذلك في الوقت  الذي خفض فيه البنك الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد المصري بالعام المالي الحالي (2023-2024)، إلى 3.5% مقابل 4 %سابقا، كما أنه خفض التوقعات أيضا للعام المالي المقبل (2024-2025) إلى 3.9%.

وقالت الحكومة المصرية في الوثيقة إنها تستهدف رفع معدل نمو قيمة الصادرات المصرية بما لا يقل عن 20 % سنويا، لتصل إيراداتها إلى 145 مليار دولار في عام 2030.

وسجلت قيمة الصادرات المصرية بنهاية العام 2023 نحو 38 مليار دولار، بمعدل نمو 6%، بالمقارنة مع عام 2022.

ويقف في طريق تعظيم حجم الصادرات المصرية اعتمادها المفرط على مدخلات الإنتاج الخارجية، والتي تتطلب عملة صعبة، وهو ما تجلى في توقف عجلات الإنتاج في كثير من مصانع البلاد مع تكدس البضائع القادمة في الموانئ المصرية لعدم وجود الاعتمادات الدولارية..

كما أن تلك الوثيقة وضعت هدفا لقطاع السياحة ، والتي تسهم بنحو 15% من الناتج المحلي، وتهدف لزيادة العائدات منها إلى 45 مليار دولار في 2030.

وحقق قطاع السياحة 12 مليار دولار خلال العام 2023، ما يعني وفق الوثيقة زيادة عائدات السياحة بنحو 33 مليار دولار في 6 سنوات.

و بشأن إيرادات قناة السويس تشير الوثيقة إلى توقعاتها بأن تبلغ مع نهاية ولاية السيسي الثالثة، 26 مليار دولار.

وبلغت إيرادات قناة السويس 9.4 مليار دولار خلال العام المالي 2022-2023، وفق تصريحات رسمية، ما يعني أن الحكومة المصرية تسعى لزيادة الإيرادات بنحو 16.6 مليار دولار  في 6 سنوات.

وتواجه إيرادات مصر من قطاعي السياحة وقناة السويس، أزمة مع استمرار الحرب الإسرائيلية الدموية على قطاع غزة، منذ 7 أكتوبر الماضي، والتي تسببت في تراجع الإقبال السياحي، وتغيير العديد من شركات الشحن والنقل العالمية مساراتها من البحر الأحمر وقناة السويس إلى ممرات أخرى.

وتأمل الحكومة عبر وثيقتها أن تزيد الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنحو 10 بالمئة سنويا لتصل إلى 19 مليار دولار في 2030.

وتجاوز حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر أكثر من 10 مليارات دولار خلال العام المالي 2022-2023 بنسبة نمو 12 %، وفقًا لبيانات البنك المركزي. بينما خسرت مصر نحو 22 مليار دولار منذ الربع الأول من العام 2022، مع نزوح استثمارات أجنبية غير مباشرة، (المال الساخن) من سوق الأوراق المالية وأدوات الدين الحكومية، بحسب بيانات حكومية.

وأشارت الوثيقة إلى هدف آخر لافت بفتح أسواق عمل خارجية مليون مصري، وذلك بالتزامن مع وجود فجوة بنحو 100 مليون فرصة عمل في دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا حتى 2040.

وتهدف الحكومة المصرية إلى أن تصل تحويلات المغتربين إلى 53 مليار دولار، في توجه تعظيم الدخل القومي من هذا الجانب الذي مثل طفرة بالسنوات السابقة وأصابه تراجع مثير بالعام الأخير.

وتراجعت تحويلات المصريين بالخارج خلال السنة المالية 2023/2022، بنسبة 30.8% على أساس سنوي، حيث بلغت 22.1 مليار دولار، مقابل 31.9 مليار دولار في السنة المالية السابقة 2022/2021.

وتعد أزمة تراجع قيمة الجنيه المصري مقابل العملات الأجنبية مثل الدولار واليورو والريال السعودي وعملات الخليج العربي الأخرى، وجود سعرين لهما بالسوق المصرية رسمي وآخر أعلى بكثير في السوق الموازية؛ إحدى أسباب تراجع تحويلات المصريين.

رابعا:  كوارث  تطبيق الوثيقة الاستراتيجية:

‎ووفق الخبراء والتقديرات الاقتصادية المتخصصة،  فإن الوثيقة تتضمن الكثير من الأزمات والمشاكل الاقتصادية التي تضرب عمق الاقتصاد والمجتمع المصري…ومنها:

-توريق العائدات الدولارية مصادرة للمستقبل وتمهيد الاحتلال الاقتصادي:

ووفق بيان لحزب المحافظين بمصر، فإن  توريق الإيرادات الدولارية لمصر يعني إصدار سندات دولارية للبيع بضمان الموارد المستقبلية للدولة، ما يعكس إصرار النظام الحاكم على الاستمرار في سياسة الاقتراض، ولكن بضمان الهيئات ذات الموارد الدولارية، مثل قناة السويس وإيرادات السياحة وتصدير الغاز الطبيعي، وذهاب حصيلتها لأعوام طويلة قادمة لصالح سداد السندات وفوائدها، بما يجور على حق الأجيال القادمة..

ووفق الحزب ، فإن اتخاذ مثل هذه الخطوات بعيداً عن البرلمان ينذر بالتغول على حقوق الأجيال الشابة، في ظل غياب الشفافية…

وبذلك تتزايد مخاطر طرح هذه السندات بوصفها بيعاً للإيرادات الدولارية لسنوات طويلة مقدماً، كما أن التعثر في سدادها قد يمنح المشترين حق استيفاء ديونهم قانوناً بالتدخل في إدارة الموارد الضامنة، طبقاً لشروط  شرائها، التي توضع في غرف مغلقة بعيداً عن الشعب ورقابته… هذه السندات أشبه بما حدث سابقاً إبان حقبة الخديوي إسماعيل، ما أدى إلى بيع أسهم مصر في شركة قناة السويس لسداد القروض التي تم استدامتها بضمان إيراداتها..

يشار إلى رفض شعبي مصري واسع، مؤخرا، مع إطلاق فكرة إنشاء صندوق لهيئة قناة السويس، وبيع حصة منه للمستثمرين الأجانب.

-فشل وعجز اقتصادي متراكم للنظام الحاكم:

وتعتبر الوثيقة عن فشل السلطة الحاكمة في إيجاد حلول بديلة لسداد القروض المتراكمة، من دون الاستدانة بضمان الإيرادات المستقبلية التي هي ملك للأجيال القادمة..وهو ما يفاقم عجز السلطة عن تحقيق تنمية مستقلة بعيداً عن آثار التبعية للدول الدائنة، إلى جانب فشلها في تشجيع المستثمرين المصريين والأجانب، لإحداث طفرة في الإنتاج بغرض زيادة التصدير، من أجل توفير الحصيلة الدولارية اللازمة لسداد عجز الميزان التجاري، وسداد أقساط الديون الخارجية وفوائدها…

-تقليص معدل النمو المستهدف:

وقبل أيام، خفض البنك الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد المصري بالعام المالي الحالي (2023-2024)، إلى 3.5 % مقابل 4 % سابقا، كما أنه خفض التوقعات أيضا للعام المالي المقبل (2024-2025) إلى 3.9 %.

وقالت الحكومة المصرية في الوثيقة إنها تستهدف رفع معدل نمو قيمة الصادرات المصرية بما لا يقل عن 20 % سنويا، لتصل إيراداتها إلى 145 مليار دولار في عام 2030.

وسجلت قيمة الصادرات المصرية بنهاية العام 2023 نحو 38 مليار دولار، بمعدل نمو 6%، بالمقارنة مع عام 2022.

ويقف في طريق تعظيم حجم الصادرات المصرية اعتمادها المفرط على مدخلات الإنتاج الخارجية، والتي تتطلب عملة صعبة، وهو ما تجلى في توقف عجلات الإنتاج في كثير من مصانع البلاد مع تكدس البضائع القادمة في الموانئ المصرية لعدم وجود الاعتمادات الدولارية، بحسب موقع “الشرق بلومبيرغ”.

-زيادة الديون الحالية والمستقبلية:

ووفق  وثيقة الاستراتيجية المستقبلية، تستهدف الدولة تبني برنامج قومي لحشد الموارد من النقد الأجنبي “لتعزيز صلابة ومرونة الاقتصاد في مواجهة الأزمات”، وتعزيز العوائد الدولارية بعائدات مستهدفة بحدود 300 مليار دولار بحلول عام 2030، بما يمثل قرابة ثلاثة أضعاف المستويات المحققة حالياً من النقد الأجنبي في مصر، من خلال عدة تدابير.

وهو الأمر البالغ الصعوبة، إذ لن يكون من السهل على مصر إقناع الصناديق والأفراد من المستثمرين بالمغامرة بأموالهم في السندات المستقبلية فيما يتعلق بتحويلات المصريين بالخارج والتصدير والسياحة، أما قناة السويس وتعتبر الأصل الثابت الأكثر استقراراً الذي يمكن المراهنة عليه..

وتواجه مصر بصعوبات عدة، فيما يتعلق بتوزيع العوائد الدولارية…

فمصر يأتيها الدولار من أربعة مصادر معروفة هي: قناة السويس، السياحة، وتحويلات المصريين في الخارج والصادرات، والمصادر الثلاثة الأخيرة متغيرة، وباتت الأولى رهناً لاستقرار الأوضاع في فلسطين المحتلة، عقب الحصار الذي فرضه الحوثيون في اليمن على حاملات وناقلات البضائع والبترول المتوجهة إلى إسرائيل، والذي تبعه قيام شركات ملاحة عالمية بإعادة توجيه ناقلاتها بعيدًا عن طريق قناة السويس.

إلا أنه لن يكون من السهل على مصر إقناع الصناديق والأفراد من المستثمرين بالمغامرة بأموالهم في تلك السندات المستقبلية، وتحديداً فيما يتعلق بتحويلات المصريين بالخارج والتصدير والسياحة، أما قناة السويس وتعتبر الأصل الثابت الأكثر استقراراً الذي يمكن المراهنة عليه، ومن هنا جاء اختلاف الخبراء بين تأييد المقترح ورفضه.

ومع تفاقم جدول سداد الديون هذا العام، يبدو أن الحكمة تغامر بطرح عوائد القناة الاستراتيجية للاكتتاب.. إذ أن مصر أمامها ديون ليس في إمكانها سدادها في وضعها الاقتصادي الحالي، وأنه لا بد من التفكير في حلول غير تقليدية للخروج من هذه الأزمة…

وهنا تبرز خطورة الطرح، فقناة السويس لها مكانة خاصة لدى المصريين ولا يمكن تعريضها لمخاطر دخول شريك أجنبي في ملكيتها حال بيع العوائد وعدم تمكن الدولة من السداد..

كما أن بيع العوائد المستقبلية “يعني توريث الديون للأجيال القادمة و تخييرهم بين السداد وفقدان الأصول”، خاصة أن إجمالي الديون المصرية السيادية لمصلحة أطراف أجنبية يصل مجموعها حالياً إلى 165.3 مليار دولار، وهو رقم مرشح للزيادة.

-مخاطر قومية جراء اللجوء للتوريق:

توريق عائدات الأصول،  هذا المصطلح يعني تحويل الأصول التجارية إلى مالية ومن ثم بيعها للمستثمرين، وفي تشبيه مبسط يعني “رهن” نسبة من عائد الأصل لفترة زمنية محددة مقابل أموال أحصلها الآن.

وبحسب الخبير  الاقتصادي رئيس مركز الدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، د.رشاد عبده، فإن الفكرة تعنى ترحيل الديون المستحقة علينا الآن للأجيال القادمة و”توريط الحكومة القادمة في ذنب اقترفته الحكومة الحالية”…

مسترسلا، في تصريحات إعلامية، “عملية التوريق بالضبط زي الرهن، لو ماقدرتش تسدد اللي اخدته؛ الشيء الذي رهنته هيروح عليك، يعني الأجيال الجاية هاتيجي تلاقي عليها ديون ومش عندها أصول تسدد منها”.

-تمرير الأصول الاقتصادية  لأطراف أخرى قد تمثل خطرا على الدولة:

كما أن هناك مخاطرة أخرى تنطوي عليها عملية التوريق، لأن تحويل الأصل إلى صكوك أو سندات، لا يشترط على المستثمر الاحتفاظ بها، بل بإمكانه إعادة بيعها لآخرين، ما يهدد بتمليك قناة السويس لدولة معادية لإسرائيل بشكل غير مباشر…

-زيادة عجز الموازنة التي تعتمد في جزء من ايراداتها على قناة السويس:

في العام 2022/2023، بلغت إيرادات قناة السويس 9.4 مليار دولار، وهو الرقم الأعلى في تاريخها، وبالتالي فإن نسبة الـ25% من العائد المرشح للتوريق، يقترب من الـ2.5 مليار دولار عن العام، وعلى سبيل المثال، إذا كانت مدة التوريق 5 سنوات، فإن إجمالي المتحصلات سيصل إلى 12.5 مليار دولار فقط..

ومن ثم فإن التوريق لعوائد القناة يحرم موازنة الدولة المصرية من عائدات القناة، وهو ما سينعكس سلبا على إنفاق الحكومة على الصحة والتعليم والخدمات…

-ضخامة الديون مقابل ضآلة عوائد التوريق:

المفكر الاقتصادي جودة عبد الخالق  يرى أن الدولة عليها أن تسلك سبلاً أخرى لمواجهة الأزمة الاقتصادية بعيداً عن الاستدانة، من خلال جدولة ما يسمى بالمشروعات القومية، التي تصر على إكمالها بنفس الوتيرة رغم الأزمة. وخلال اجتماعات الربيع الدورية لصندوق النقد الدولي 2023، قالت كريستالينا جورجيفا، إنه على مصر أن تبطئ من وتيرة مشروعاتها القومية الضخمة إن أرادت الخروج من أزمتها الحالية.

ولعل ضآلة المبلغ المتوقع من توريق العوائد الدولارية لقناة السويس، أو صادرات الغاز الطبيعي، يقلص جدوى الخطوة اقتصاديا، فلو أقدمت الدولة على هذا الحل فإن المبلغ المتحصل ليس كبيراً للدرجة التي تحل أزمة الدين الخارجي البالغ 165 مليار دولار.

وفي العام 2022/2023، بلغت إيرادات قناة السويس 9.4 مليار دولار، وهو الرقم الأعلى في تاريخها، وبالتالي فإن نسبة الـ25% من العائد المرشح للتوريق، يقترب من الـ2.5 مليار دولار عن العام، وعلى سبيل المثال، إذا كانت مدة التوريق 5 سنوات، فإن إجمالي المتحصلات سيصل إلى 12.5 مليار دولار فقط. بينما الديون كبيرة  تزيد عن 165 مليار دولار، كما أن الفجوة التمويلية تزيد عن 20 مليار دولار…

وإلى جانب هروب الاستثمارات الأجنبية عقب الحرب الروسية الأوكرانية، تعاني مصر أزمة أخرى تؤثر في كمية الدولارات المتدفقة، نتيجة فارق السعر الكبير بين سعر الدولار الرسمي في البنوك مقابل السوق السوداء.

 وتراجعت تحويلات المصريين العاملين في الخارج خلال العام المالي 2022/2023، بنسبة 30.8% على أساس سنوي، لتصل إلى 22.1 مليار دولار، مقابل 31.9 مليار دولار في العام المالي السابق، نتيجة زيادة تعاملات السوق السوداء لتجارة العملة، بسبب شح الدولار في البنوك إثر خروج الاستثمارات غير المباشرة إبان الحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما شرحه رصيف22 في تقرير سابق.

ومع الأحداث التي يشهدها العالم تتأثر السياحة التي تدر عملة صعبة على مصر، ففي عام 2022، إبان اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، فقدت آلاف السياح القادمين من الدولتين المتنازعتين، ومع اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر 2023، توقعت وكالة “ستاندرد آند بورز” للتصنيف، أن مصر ولبنان والأردن قد تخسر ما بين 10 و70% من عائدات السياحة إذا استمرت الحرب.

وقبل الحربين كانت أزمة كورونا قد أثرت على السياحة في مختلف أنحاء العالم، ومن ثم لا يمكن اعتبار السياحة مصدراً للعملة الصعبة يمكن توريقه، كونه قطاع يضطرب مع اضطراب الأوضاع الإقليمية والدولية.

أما بالنسبة لصادرات الغاز الطبيعي، فقد تراجعت بشكل كبير خلال العام المنقضي نتيجة انخفاض إنتاج حقل ظهر، بعد 5 سنوات من الاكتفاء الذاتي والتصدير، وترتب على ذلك قطع مبرمج للتيار الكهربي بالبيوت لتخفيف الأحمال عن المحطات العاملة بالغاز.

-فخ الديون يكمن في التوجهات الاستراتيجية:

وتدور الاستراتيجية الجديدة التي ستستمر خلال العهدة الثالثة، حول الديون والاستدانة بأشكال مختلفة، وبيع الأصول ورهن عوائد الدولة المدنيين، وهو ما يضع مصر بكل تأكيد في فخ الديون…

ويتوقع خبراء التمويل أن عام 2025 قد يشهد انفراجة في حجم الدين، شريطة التمكن من سداد ديون عام 2024، من دون حاجة لمزيد من الاستدانة، خاصة أن أي ديون قادمة ستكون قصيرة الأمد وعالية التكلفة، ترحّل الأزمة للسنوات التالية..

وبحسب تقديرات اقتصادية، في الحكومة المصرية قد تقع في هذا الفخ، إذا طبقت توريق إيرادات قناة السويس، وأنه حتى يمكن الاعتماد على تدفقات دولارية من توريق عائدات قناة السويس، لا بد أولاً من مضاعفة الايرادات: “يجب أن لا تأتي الإيرادات من رسوم المرور فقط، بل يمكن تعظيم الاستفادة من هذا المرفق الحيوي المهم على مستوى العالم عن طريق الإدارة اللوجستية الجيدة، ومن ثم تنقسم الإيرادات إلى تدفقات جديدة يمكن المراهنة عليها توريقها والحصول عليها مقدماً، والإيرادات الأساسية التي بالفعل مستغلة بالكامل في الميزانية العامة للدولة”.

-استمرار أزمة انهيار الجنيه المصري:

وفي ظل تركيز الحكومة على سياسات العجز الاقتصادي، التي تدور حول الاستدانة فقط، أو تدوير الديون أو بيع الأصول ، دون البحث عن فرص زيادة الانتاج والتصدير واجتذاب استثمارات حقيقية، في المجالات الصناعية والزراعية، تتزايد أزمات انهيار قيمة العملة الوطنية، وكذا أزمات التمويل والعجز بالميزانيات وغيرها…

ومع استمرار  نفس العقلية الحاكمة، التي تعتمد الإنفاق في مشاريع عالية التكلفة،  دون عوائد اقتصادية، يستمر مسلسل الانهيار بقيمة العملة الوطنية..

ومنذ مطلع العام، تزايدت معدلات تراجع الجنيه،  خاصة في السوق الموازية، وانخفض الجنيه إلى ما يناهز 58 جنيهاً، -وقت كتابة تلك السطور-  مقارنة بنحو 53 جنيهاً نهاية الأسبوع الماضي، و30.95 جنيهاً للدولار في البنوك الرسمية، على خلفية طرح أكبر بنكين حكوميين، وهما الأهلي ومصر، شهادة ادخار جديدة لأجل سنة بعائد شهري 23.5%، وعائد سنوي 27%، إثر انقضاء أجل شهادة الادخار التي طرحها كلا البنكين بفائدة تصل إلى 25%، في 4 يناير 2023.

وشهادات الادخار عبارة عن سندات بعائد سنوي تحدده البنوك، وتهدف من خلالها لمساعدة البنك المركزي بسحب جزء من السيولة من الأسواق، لكبح جماح التضخم. بينما يرى البعض أن شهادة الادخار الجديدة هي خطوة استباقية الخفض المتوقع في قيمة الجنيه مقابل الدولار،  بالتزامن مع زيارة وفد صندوق النقد الدولي للبلاد الشهر الجاري.

ويعزو خبراء ارتفاع سعر الدولار في السوق غير الرسمية إلى زيادة الطلب عليه من التجار والمستوردين، ونقص المعروض عموماً من العملات الأجنبية، بسبب التراجع الملحوظ في تحويلات المصريين في الخارج، مع ما يُثار بشأن خفض قيمة العملة المحلية للمرة الرابعة خلال أقل من عامين، والخامسة منذ عام 2016.

ووصل سعر الريال السعودي إلى 14.25 جنيهاً، مقابل 8.25 جنيهات في البنوك، والدرهم الإماراتي إلى 14.50 جنيهاً، مقابل سعر رسمي يبلغ 8.45 جنيهات.

وفي 21 ديسمبر الماضي، أبقى البنك المركزي المصري على أسعار الفائدة الرئيسية على الجنيه من دون تغيير، عند 19.25% على الإيداع، و 20.25% والإقراض لليلة واحدة، مع الإبقاء على سعر الائتمان والخصم عند مستوى 19.75%.

-تزايد معدلات الدولرة:

وأمام الانهيار الحاد في قيمة الجنيه المصري، الذي تتخلى عنه الحكومة يوما بعد يوم، بل وتحاربه بالتوسع في بيع الاراضي والعقارات بالدولار، من اجل تحصيل  عوائد دولارية لإنقاذ النظام من الإفلاس، وسط فاتورة كبيرة من  أقساط الديون التي يجب سدادها خلال العام الجاري، بنحو 42 مليار دولار، وهو ما يوسع عمليات الدولرة على كافة الصعد الاقتصادية بمصر…

وخلال الفترة الأخيرة، تزايد بشكل تدريجي نطاق التعامل المباشر بالدولار في مصر في قطاعات لم تكن تشهد في السابق عمليات بيع أو شراء بالعملة الصعبة، فيما يطلق عليه اسم “الدولرة”، وذلك رغم المشكلات الجمة التي تواجهها الحكومة المصرية التي تعجز عن توفير الدولار في البنوك والمصارف.

هذا التعامل الجديد بالدولة في مصر أدى إلى هبوط سعر الجنيه بشكل سريع خلال شهر ديسمبر/ك 2023، وأدى ذلك لاتساع الفجوة بين سعره الرسمي وقيمته في السوق السوداء. ووصل سعر الدولار في السوق الموازية لقرابة 58 جنيه مصري، مقابل 30.95 جنيه بالسعر الرسمي.

ووصلت عمليات الدولرة، بحسب خبراء اقتصاديين وعاملين في الأسواق المصرية إلى قطاعات جديدة مؤخراً أبرزها مواد البناء والتشييد وفي مقدمتها الحديد والأسمنت.

أيضاً أصبح تجار الذهب يبيعون بضائعهم إلى محال الذهب بالعملة الصعبة، وكذلك صغار العاملين في مجال البناء والمقاولات الذين توسعوا في بيع العقارات بالدولار، بعد أن كان الأمر مقتصراً فقط على الشركات العقارية الكبيرة.

وأصبح تجار السيارات يتعاملون بعملة الدولار عوض الجنيه، كما اتجهت الشركات السياحية لتوسيع قاعدة التعامل بالدولار مع المواطنين الأجانب والمصريين كذلك.

والدولار يُعد ملاذاً آمناً للمواطنين حينما يشعرون بالخطر؛ سواء كان ذلك سياسياً أو اقتصادياً، ونتيجة ذلك انخفاض قيمة العملة المحلية؛ وبالتالي فإنهم يلجأون لشراء الدولار؛ ومن هنا تظهر ظاهرة الدولرة في مصر.

وتضاعفت  التعاملات بالدولار في السوق المصري مع اندلاع حرب غزة في أكتوبر 2023..

فيما تتضاعف المشكلات الهيكلية التي يعانيها الاقتصاد المصري نتيجة عجز الموازنة وصعوبات توفير العملة الصعبة..

-زيادة التضخم وأزمات سيولة بالبنوك:

ومع اتجاه البنوك نحو إصدار المزيد من الاوعية الادخارية عالية الفائدة، تتزايد ازمة السيولة لدى البنوك غير المستغلة في توليد فرص العمل وزيادة الأنشطة الاقتصادية، وهو ما يدفع نحو  توجيه مليارات الجنيهات نحو المضاربة على شراء السلع وتخزينها، بما يرفع الأسعار، ويعمق الخلل بالأسواق والاقتصاد، فيما البنك المركزي لن يتدخل لدفع البنوك لاتجاه أية قرارات بشأن رد الأموال للمودعين أو إعادة توظيفها من جديد. وأيضا أن تصدر البنوك شهادات بنفس قيمة الفوائد، أو عمل شهادات تصرف على فترات زمنية أطول لتصبح ذات أعلى بنسب متصاعدة.

وذلك على الرغم من أن الأفضل للحكومة أن تحفز المواطنين على الدخول في أنشطة البورصة، بإلغاء ضريبة الأرباح الرأسمالية المقرر تطبيقها الشهر الجاري، وعرض طروحات لشركات جديدة..

ويتوقع  أن تتجه الأموال إلى المضاربة في الدولار أو الأغذية والسلع التي حققت عوائد بنسبة تصل إلى 100 %خلال نفس العام.

ويتخوف خبراء من استغلال السيولة في زيادة الطلب على الذهب بهدف الحفاظ على قيمة المدخرات، بينما تؤدي إلى مزيد من المضاربة على شراء الذهب الصاعد عالميا، ورفع سعره محليا عن قيمته بالأسواق الدولية، وزاد سعر الدولار في سوق الذهب عن 60 جنيها، بينما استقر على 62 جنيها في السوق الموازية.

وتشير دراسة حديثة شعبة الذهب باتحاد الغرف التجارية، إلى نمو الطلب على شراء سبائك الذهب دون المشغولات الذهبية، بنسبة زيادة 87.2%، وفي الوقت الذي ارتفع فيه سعره عالميا بنسبة 12.4 %، خلال الفترة من يناير إلى سبتمبر 2023، صعد بنسبة 74.4 % مقارنة بنفس الفترة من عام 2022.

ويؤكد محللون أن جزءاً ضعيفاً من قيمة الشهادات وعوائدها سيتوجه لشراء العقارات، مدفوعا بتضاعف خامات البناء والأسعار وضغوط تضخم بلغت 80 في المائة عام 2023، وفقا للتحليلات مطورين عقاريين.

كما أعلنت الحكومة أن حصلة بيع شركات وأصول الدولة حتى أغسطس 2023، بلغت 5 مليارات دولار. يأمل محللون أن يتجه جزء من الحصيلة لشراء المواطنين لأصول عامة، مع توقع الحكومة تحصيل 70 مليار جنيه، قبل نهاية العام المالي الجاري 2023 – 2024 بما يعادل 5 مليارات دولار أخرى، من بينها محطة توليد كهرباء من الرياح بجبل الزيت و الرياح بالزعفرانة ومحطة التوليد الغازية ببني سويف.

ويتوقع الخبراء عودة صعود التضخم لمستويات قياسية جديدة، الذي ارتفع عن مستوى 40% خلال الربع الثالث من عام 2023، مع زيادة أسعار خدمات النقل والكهرباء والمياه والغاز والوقود وتراجع قيمة الجنيه، مقابل العملات الصعبة، وعدم قدرة الحكومة على ضبط أسعار السلع بالأسواق.

كذلك سجل التضخم 34.6% في أكتوبر ، مقارنة بـ 35.8 % في نوفمبر 2023، وفقا لجهاز الإحصاء الحكومي، متأثرا بزيادة هائلة في أسعار المواد الغذائية والمشروبات، وهي أكبر مكون منفرد في سلة التضخم، بنسبة 64.5 % على أساس سنوي.

-بيع مزيد من الشركات العامة والأصول الاقتصادية:

ومع استمرار الأزمة الاقتصادية، تضيق الخيارات أمام  نظام السيسي، وهو ما كشفته وكالة أنباء العالم العربي، في 11 يناير الجاري، بأن الحكومة المصرية تستهدف بيع (بشكل كلي أو جزئي) 25 شركة تابعة لوزارة قطاع الأعمال العام لجمع ملياري دولار.

ونقلت الوكالة عن مسؤول حكومي لم تسمه قوله إن عملية البيع ستجري خلال النصف الأول من العام الجاري، ضمن برنامج للطروحات يضم 50 شركة إجمالا وتتولى مؤسسة التمويل الدولية الترويج له.

وأضاف المسؤول أن البيع الجزئي يتعلق بمساهمات لقطاع الأعمال العام في شركات مدرجة بالبورصة، بالإضافة حصص في شركات مشتركة غير مدرجة بالبورصة.

مشيرا إلى أن بعثة البنك الدولي التي زارت مصر في الآونة الأخيرة ناقشت مع وزير قطاع الأعمال العام محمود عصمت إجراء عمليات هيكلة شاملة للشركات الـ25 المدرجة ضمن برنامج الطروحات.

وتابع أن الحكومة تخطط لتسوية المديونيات التاريخية المستحقة على تلك الشركات البالغة قيمتها 10.5 مليار جنيه بنوك الأهلي المصري ومصر والقاهرة والاستثمار القومي، عبر مبادلة الديون الأصول غير المستغلة. 

 وتشرف وزارة قطاع الأعمال العام على خمس شركات قابضة تتبعها نحو 100 شركة تملك أصولا عقارية وأراضي تُقدر قيمتها بعشرات المليارات من الجنيهات.

ويمثل بيع الأصول كارثة كبيرة للاقتصاد المصري، إذ يحرم الدولة من أصولها ما يتيح للمستثمرين التحكم بالأسعار وفرض أجندات ربحية على الحكومة لصالح المستثمر ، كما يتضمن البيع التخلي عن الالاف الموظفين والعمال، ما يفاقم الفقر والبطالة، علاوة على مضاعفة أزمة الدولار ، إذ تشترط القوانين الدولية تيسير الحكومة تحويل أموال المستثمرين الأجانب للخارج بالدولار، بشكل سنوي ، وهو ما يتعلق بالارباح السنوية أو حتى التخارج المستقبلي، ما يفاقم الطلب على الدولار…

خامسا: هل من جدوى اقتصادية للوثيقة؟

-الانهيار الاقتصادي أكبر من طموحات الوثيقة:

وأمام التوجهات الاقتصادية والمستهدفات التي بلورتها وثيقة التوجهات الاقتصادية ، خلال السنوات الستة المقبلة،  وما تثيره من أزمات وما يواجهه المصريون من نكبات اقتصادية ، فإن الحل قد  لا يكون في مثل تلك المقترحات والرؤى، التي تم تجربتها طوال عشرية سوداء من حكم السيسي، ذاق خلالها المصريون خرابا و دمارا غير مسبوق…وهو ما يستوجب تغيير شامل في السياسات، وليس اتباع المنهج الترقيعي..

ووفق الخبير الاقتصادي والمستشار الأممي إبراهيم نوار، فإن الواجب الحتمي هو “تغيير السياسة الاقتصادية”..

وعبر صفحته على “فيسبوك”، أشار إلى أن “بيانات البنك المركزي تكشف تفاصيل تدهور حصيلة إيرادات المصادر الخمسة الكبرى للنقد الأجنبي في مصر”…

ولفت إلى “تراجع المصادر الخمسة وهي: تحويلات العاملين في الخارج، والسياحة، وقناة السويس، والبترول والغاز، والاستثمار الأجنبي المباشر خلال الربع الأول من السنة المالية الحالية، لتبلغ 15.296 مليار دولار، مقارنة بقيمة  19.527 مليار دولار في الفترة المقابلة من العام الماضي”.

وبذلك تكون قيمة انخفاض الحصيلة قد بلغت 4.231 مليار دولار، بنسبة انخفاض تبلغ 21.66%.. و”باستثناء إيرادات السياحة، ورسوم المرور في قناة السويس، فإن إيرادات المصادر الأخرى سجلت هبوطا كبيرا، على النحو التالي: تحويلات العاملين (-) 29.9%، والبترول والغاز (-) 56.6 %، و صافي الاستثمار الأجنبي المباشر (-) 29.6 %..

وأضاف: “أما إيرادات السياحة فقد زادت بنسبة 9.3%، كما زادت حصيلة إيرادات رسوم المرور في قناة السويس بنسبة 19.4 %.

وأكد نوار، أنه “نظرا لأن شح العملات الأجنبية ومدفوعات سداد أقساط وفوائد الديون تمثل مركز الضغوط القصوى على الاقتصاد المصري حاليا، فإن الهبوط في حصيلة إيرادات المصادر الرئيسية للنقد الأجنبي للبلاد يثير قدرا كبيرا من القلق..كما لا تبدو تلك الحكومة مؤهلة لمواجهة التداعيات الاقتصادية والمالية المترتبة على ذلك، مؤكدا أن “تغيير السياسة الاقتصادية واجب مستحق طال انتظاره”.

هذا الوضع ، يثير القلق والشكوك حول  مدى إمكانية تحقيق ما أثير عبر وثيقة الحكومة من توجهات، والنتائج المنتظرة إذا تحققت مثل تلك الخطط، وفي المقابل، المعوقات المحتملة لتنفيذ هذه الخطط واستفادة الدولة والشعب منها.

وأيضا تثور الكثير من الشكوك، حول ما إذا كانت تلك الخطة مجرد وعود لتهدئة الشارع المصري الغاضب والمحتقن من تتابع الأزمات كوعود نظام السيسي السابقة بالرخاء للمصريين والتي طالما أطلقها خلال 10 سنوات وفشل في تحقيقها.

وبحسب تقديرات اقتصادية عدة، فإن وثيقة التوجهات ووعود السيسي المتلاحقة، كلها تبدو وكأنها مجرد كلام بلا معنى أو بلا مردود على أرض الواقع… إذ أن الوثيقة تجاهلت الإشارة إلى  أية سياسات محددة تتعلق بالنتائج الايجابية والطموحات التي تضمنتها، ، فمثلا ورد  لفظ زيادة الصادرات، دون تحديد نوعية الصادرات، التي يستهدف رفع معدل نمو قيمتها..

وأيضا لم توضح الحكومة ، في الوثيقة،  كيفية توفير فرص عمل (خارجية) للمصريين”، ملمحا إلى ما قالت به الوثيقة حول “فتح أسواق عمل خارجية مليون مصري لتصل تحويلات المغتربين إلى 53 مليار دولار”.

ولعل ما يؤكد تلك الشكوك، هو حالة الوردية والنرجسية التي تعم تفاصيل الوثيقة، فحينما نتحدث عن زيادة “إيرادات قناة السويس وأنه ستبلغ مع نهاية الولاية الثالثة للسيسي، 26 مليار دولار،لم تتحدث  الوثيقة عن توقعاتها لحجم التجارة العالمية، ومن ثم حجم المرور عبر قناة السويس!!!وهي تفاصيل مهمة ودقيقة تدلل على مدى قابلية ما ورد بالوثيقة للتحقق على أرض الواقع، والعكس صحيح..

كما أن الوثيقة  لم تتحدث عن الحافز الذي سيزيد من حجم الاستثمار المباشر، والذي توقعت زيادته بنسبة 10 % سنويا ليصل حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى 19 مليار دولار في 2030.

ومن ثم فإن الوثيقة وما دار حولها من تسليط إعلامي، كان هدفه الاستهلاك المحلي، وليس حتى مجرد الترويج لأي جذب للاستثمارات الخارجية، التي تحتاج إلى إجراءات فعلية وليس كلام، وليس أدل على ذلك من انسحاب شركة الشايع من السوق المصري بسبب أزمة الدولار بمصر، وأيضا شركة تبريد الإماراتية التي ألغت تعاقدها الكبير مع شركة “ميد كابيتال”…وهو ما يعظم من أزمات المصريين تزايد الديون وبيع الأصول المتسارع، والذي لا يتم بناء أصول جديدة ، إنما لسداد ديون فقط…

وعلى وقع دين خارجي تضاعف خلال سنوات حكم السيسي العشر، وبلغ بنهاية العام الماضي نحو 164.7 مليار دولار، تؤكد بيانات البنك المركزي المصري أن البلاد مقبلة على أزمة كبيرة في العام الجديد والأعوام التي تليه بفعل خدمة الدين المستحقة.

ومن المقرر سداد التزامات خارجية بين أقساط وفوائد ديون متوسطة وطويلة الأجل بحوالي 42.3 مليار دولار خلال العام الجاري، في رقم يعادل نحو 40.3 % من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

وبحسب بيانات البنك المركزي المصري، في  سبتمبر 2022، من المقرر أن تسدد الحكومة خلال عام 2025 حوالي 15.1 مليار دولار منها 9.3 مليار دولار في النصف الأول و5.8 مليار بالنصف الثاني.

ويتضمن كذلك سداد القاهرة خلال عام 2026 حوالي 16.8 مليار دولار منها 6.6 مليار دولار في النصف الأول و10.2 مليار بالنصف الثاني. وفي عام 2027 من المقرر سداد نحو 10.1 مليار دولار منها 5.8 مليار دولار في النصف الأول و4.3 مليار بالنصف الثاني. وهي الأرقام التي تشير وفق مراقبين إلى صورة قاتمة، خلال السنوات المقبلة، وهو ما يدفع  لعدم الاقتناع بما طرحته وثيقة الحكومة المصرية الجديدة ورؤيتها الاقتصادية للسنوات من 2024 وحتى 2030.

-الفشل السياسي والاقتصادي طوال 10 سنوات لن تصلحه  6 سنوات:

ولعل ما يثير الشكوك  حول الوثيقة، تضمنها مستهدفات كبيرة ، قد تكون صعبة التحقق، وهو ما تضمنته تصريحات  مؤخرا، الأكاديمية المصرية وأستاذ الاقتصاد الدكتورة علياء المهدي، بقولها : “إذا كنا نقدر على عمل هذا الكلام خلال الفترة القادمة والسنوات الست القادمة، لماذا لم نتمكن من تنفيذها خلال السنوات العشر الماضية؟”.

وأضافت: “إذا كانت العملية بهذه السهولة، لماذا لم نقم بها من قبل؟”. “لهذا لن تصدق”

وطوال عهد السيسي، تبدو الوعود متعددة على مدار السنوات مثل (استنوا علي ستة أشهر)، ثم سنة ثم سنتين”، في إشارة لوعود السيسي للمصريين.

كما أن المعوقات لمثل هذه الخطط متعددة، وجاهزة، مثل: (أنتم السبب، والزيادة السكانية، وجماعة الإخوان المسلمين، والأنظمة السابقة، و جائحة كورونا، والحرب في أوكرانيا، وأزمات ليبيا والسودان وغزة… إلخ)”.

ولعل تجارب المصريين مع نظام السيسي، تؤكد أن الفشل هو العنوان الأبرز لمصر، فاستمرت أخطاء النظام بملفات السياسة الخارجية مثل الحرب في السودان، وأزمة مياه النيل مع إثيوبيا، وهي أمثلة على الفشل السابق والقادم، فضلا على تسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، ما يهدد قناة السويس…كما تعددت أخطاء النظام بالسياسات الاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية، وتدهور منظومة العدالة، والتعليم، والبحث العلمي، وحدة الفقر، وعدم تنفيذ منظومة الحكم المحلي، والتوسع بعسكرة الدولة…كلها مبشرات لمصير خطة وتوجعات السيسي الاقتصادية خلال السنوات الست القادمة..

فيما يحذر الخبير الاقتصادي والناشط السياسي سمير عليش من الأزمات المعوقة لأي خطط مستقبلية مثل “استمرار الاستعانة بأهل الثقة والمنافقين، بل وأصحاب السوابق في أهم المناصب التنفيذية، واختيارهم بالمجالس التشريعية والقطاعات الثقافية والإعلامية والإنتاجية والأمنية والجامعية”.

وواصل: “والتمسك بنتاج (التعديات وليس التعديلات عبر استفتاءات صحيحة)، والتي حدثت بالدستور لتقنين استمرار السيسي حتى 2030، وهيمنة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية، بل وتعيين مسؤول عسكري بكل محافظة يتبع قيادة الجيش”.

وأكمل: “والتمسك باستمرار الانتخابات الهزلية (التشريعية والرئاسية) والصناديق السيادية، والاتفاقات الدولية دون رقابة، وعدم الالتزام بأي مخرجات جمهورية  قدمتها المعارضة بجلسات الحوار الوطني، مع استمرار حبس آلاف الأبرياء، والحبس الاحتياطى لسنوات، وتلفيق التهم”.

وختم بالقول إن جميع ما سبق “هو الأساس للتخلص من أي صوت حر أو محاولة تبعث الأمل”، متسائلا: “فهل بعد ذلك كله يمكننا أن نصدق وعود السلطة؟”.

-مسار ممتد من الأزمات..نفس السياسات ونفس العقلية الحاكمة:

ووفق بيان لـ”المركز المصري للدراسات الاقتصادية”، “يأتي صدور الوثيقة في توقيت غريب، حيث من المتوقع أن يأتي هذا النوع من الوثائق كبرنامج عمل للحكومة الجديدة المتوقعة في المرحلة الجديدة، ولكن أن يأتي من نفس الحكومة القائمة فهو أمر غير مفهوم إلا إذا كان يعني استمرار  نفس منظومة الحكومة في العمل..

إذ لا جديد في تلك الوثيقة، فالاعتماد على نفس مصادر الدخل المتغيرة، المعتمدة على العلاقة مع الخارج، وهي غير الثابتة ولا مضمونة..إذ تعتمد الوثيقة على تحويلات العاملين بالخارج، والسياحة، وقناة السويس، والتصدير الذي  يأتي “دون توجه واعتماد على التصنيع الذي لا يعني إلا تجميعها وتوكيلات للأجانب”، وهي نفس السياسات التي ينحدر معها حال مصر اقتصاديا..

من جانب آخر، فإن توقيت طرح الوثيقة «يوحي بأن حكومة مدبولي ستظل مستمرة في عملها ولا نية لتغييره، رغم افتراض حدوث ذلك، خاصة مع تحملها مسؤولية الإخفاق الاقتصادي الراهن الذي أدى لاختلال بالميزان التجاري ونقص العملة الصعبة، والأزمات التي لم تنجح في إدارتها خلال السنوات الماضية».

-كفرات السيسي بدراسات الجدوى يقوض أي استراتيجيات وبرامج مستقبلية:

 عُرف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي منذ توليه السلطة في البلاد قبل 11 عاما، بأنه لا يولي لدراسات الجدوى اهتمام: “لو تنتظر دراسات الجدوى مش هنعمل حاجة”، وعندما قرر عقد مؤتمر اقتصادي لبحث المشاكل وجاء بالخبراء و الاساتذة والاكاديميين ليجتمعوا لبحث الحلول، سخر منهم واعتبره كلامهم لا يحمل جديدا، فيرى مراقبون أن لدى السيسي حالة من الإعجاب بالنفس اختصرها بقوله ” ففهمناها سليمان” وكان الرئيس أوتي الحكمة والفهم الكامل فهو الطبيب الجراح الذي يصف الدواء ويعرف مصر جيدا كما لا يعرفها أحد مثله، ويتواصل معه قادة العالم ليست شيروه ويتعلموا منه، على حد تعبيره.

وقد واجه الاقتصاد المصري العديد من التحديات منذ تولي السيسي السلطة في عام 2014، بما في ذلك انخفاض قيمة الجنيه، ونقص العملات الأجنبية، وارتفاع التضخم، وزيادة الديون، وانخفاض الاستثمار الأجنبي، وتراجع السياحة، وفقر البنية التحتية، وغياب الإصلاحات الهيكلية. وفشلت خططه الاقتصادية في معالجة هذه المشاكل بشكل كافٍ، لأنها اعتمدت على الدعم الخارجي من دول الخليج وصندوق النقد الدولي، ولم تحقق النمو الشامل والمستدام، ولم تحسن من الحوكمة والشفافية والعدالة الاجتماعية، ولم تواجه سيطرة المؤسسة العسكرية على الاقتصاد ومنافسة القطاع الخاص.

 يشار إلى أنه في حادثة شهيرة عند ترشح السيسي للمرة الأولى لرئاسة الجمهورية في مايو من العام 2014 التقى السيسي وفدا من الفنانين، وطالبة الممثل محمد صبحي، بالإفصاح عن برنامجه الانتخابي: “أنت تظهر في الفترة الأخيرة كثيراً دون أن تتحدث عن برنامجك الانتخابي”. فرد السيسي فى انفعال واضح، بأنه كان منشغلًا طوال الفترة الماضية بتقوية الجيش، حتى يصبح من أقوى جيوش العالم، كما كان يرفض الانجراف لمعترك السياسة، إلا أن كل من حوله ظلوا يضغطون عليه حتى يترشح للانتخابات، واستطرد بانفعال: “وانتوا الفنانين كنتوا جزء من الناس اللي ضغطوا عليا، ودلوقتى جايين يطالبوني ببرنامج، أنا معنديش برنامج”. !!!

مرة اخرى يتكرر المشهد في حوار أجرته ثلاث فضائيات ( الحياة- دريم- النهار) مع السيسي، وسأله الصحفي خالد صلاح: انت لا تتكلم عن التفاصيل وتلجأ للحديث عن الخطوط العامة والعريضة، هل تخاف (وآسف إذا كنت بقول لحضرتك تخاف) الإعلان عن تفاصيل برنامجك؟، فكان رد السيسي: “طبعاً، لاعتبارات الأمن القومي. مقدرش أقول أنا ها انفذ ايه وبكام وفين دى، برنامجي الانتخابي أمن قومي مينفعش تناقشني فيه كده ع الهوا”. ومما تقدم يتضح لنا أننا أمام رجل يضيق بالاستفسار، يتبرم من التوضيح، وينفعل من أقل شيء لا يعجبه، ولا يتوارى عن نعت محدثة بالجهل وقصر النظر مثل جملته الشهيرة لأحد النواب بالبرلمان المصري على الهواء مباشرة :”أنت دارس الكلام اللي بتقوله ده” ، هذه التجربة الطويلة معه، جعلت المصريين يدركون حقيقة السيسي ذو الخلفية العسكرية، الذي تولى إدارة المخابرات الحربية في عهد الرئيس مبارك وعينه الرئيس محمد مرسي لوزارة الدفاع، فهو يَسئل ولايُسأل، كمثال واقعي لعبارة أحمد السقا في فيلم الجزيرة :”من النهاردة مفيش حكومة، أنا الحكومة”.

ولعل تلك العقلية والشخصية لن تؤمن ولم تتقيد بأهداف استراتيجية وبرامج مستقبلية..

-مخططات إماراتية قد تصب لصالح إسرائيل:

ولعله من نافلة القول،   ما أثارته وسائل إعلام إماراتية شنت هجوما إعلاميا على جماعة الإخوان المسلمين، مؤخرا، ووصف موقع العين الإماراتي، الحديث عن توريق عوائد قناة السويس، بأنه إشاعات إخوانية، على الرغم من أن الإخوان المسلمين منابرهم لم تنطق بكلمة حول هذا الموضوع، وأن من آثاره هو مجلس الوزراء المصري ووثيقة الاتجاهات الاقتصادية لولاية السيسي الثالثة، والتي نشرت رسميا !!.

وهو ما  قد يسيء إلى أن مخططا إماراتية مستترا وراء الهجوم، حيث كانت العديد من التقارير الاقتصادية تناولت في أوقات سابقة، نية الإمارات لتأجير قناة السويس، لمدة 50 سنوات قادمة، مقابل ضخ 200 مليار دولار لمصر، وهو ما عادت وسائل إعلام ونفته لاحقا، ويبدو أنه كان جس نبض للمصريين، الذين يمارس عليهم ألاعيب إماراتية ودولية بالتعاون مع عساكر السيسي منذ الانقلاب العسكري، الذي كان قد مهد لذلك وروج الاتهامات لنظام الرئيس مرسي بأنه سيبيع قناة السويس لقطر، وذلك للتمهيد للانقلاب العسكري عليه.

كما لا يتوقف الأمر عند مطامع اماراتية، بل قد يمتد إلى مخططات اسرائيلية ، قد تلوح بالأفق، من مشاريع ملاحية وتجارية بديلة، تصب في صالح إسرائيل، كالتمر الهندي لأوروبا عبر إسرائيل، وليس قناة السويس، الممر البري بين الخليج العربي وإسرائيل…وهو ما قد يستوجب السيطرة على قناة السويس ووقف تطويرها عند حدود الممر البحري فقط، لضمان أفضلية للمرات الاسرائيلية الأخرى…وهي أمور غير مستبعدة، في ظل نظام السيسي، الذي يقدم مصر وجنسيتها وأراضيها وأصولها لمن يدفع بالدولار..

‎-الوثيقة اعتمدت الديون طريقا مهملة الإصلاح الاقتصادي المستحق:

ووفق الوزير الأسبق والخبير الاقتصادي  زياد بهاء الدين، بمقاله في “المصري اليوم”، فيرجع رفضه لفكرة التوريق للعوائد الدولارية، إلى جانب الخطورة السياسية والشعبية..

  أولا: أن مثل هذا الاقتراض سوف يتيح للدولة وبسهولة نسبية مئات الملايين من الدولارات تضاف إلى ديوننا الخارجية المتضخمة بالفعل وهذا مقلق، لأنه مهما كانت النية متجهة لاستخدام مثل هذا القرض الجديد لسداد أقساط الديون الحالة فقط، فإن جانبا منها قد يجد طريقه لاستخدامات أخرى في مشروعات لا تأتي بعوائد سريعة، بما يزيد من مشكلة الديون المتفاقمة أصلا.

ثانيا: لأن هناك بديلا حقيقيا وواقعيا لرهن عوائد قناة السويس من أجل سداد أقساط الدين الخارجي، وهو إصلاح المسار الاقتصادي إصلاحا جذريا، مثل هذا الإصلاح لو جرى تنفيذه بسرعة، يمكن أن يزيد من حصيلة السياحة خلال العام الجاري، ويضيف بضعة مليارات لحصيلة الاستثمار الأجنبي المباشر، ويشجع المزيد من تدفق مدخرات العاملين في الخارج، وهذا كله يساهم في توفير نقد أجنبي.

مردفا بالقول: “الأهم أن هذه إصلاحات ضرورية، ولابد من الأخذ بها، إن عاجلا أم آجلا، وإجراؤها استنادا إلى قدرتنا على توريق عوائد قناة السويس قد يجعلنا نقف في ذات الموقف بعد عام أو اثنين، وبعد استنفاد حصيلة توريق عوائد القناة، الأفضل ألا نستند إلى هذا الحل السحري العاجل، بل نمضي في طريق إصلاح المسار الاقتصادي فورا، لأنه وحده القادر على إخراجنا من عثرتنا بشكل نهائي ومستدام.”.

ثالثا: ويخشى من أن الاعتماد على «التوريق» كمصدر سهل نسبيا وسريع لتدبير أموال نسد به احتياجات الإنفاق الداخلي والخارجي يتسع ولا يعود استثناء، فيتبع توريق عوائد قناة السويس المزيد من توريق عوائد أخرى مستقبلية جمارك، ضرائب، فواتير كهرباء وماء وغيرها من المدفوعات المضمونة لاحقا، ما يخرج الدين العام أكثر عن السيطرة.

رابعا : الاقتراض بضمان عوائد قناة السويس يعني حرمان الخزانة المصرية من مصدر أساسي ومستمر لتدفق الموارد الأجنبية مستقبلا، بما يعني حرمان موازنات الأعوام القادمة من مصدر مستقر للعملة الأجنبية.

واختتم زياد بهاء الدين مقاله بالدعوة إلى البعد عن توريق عوائد القناة ، قائلا: “دعونا إذن لا نلتفت بعيدا عن ضرورة إصلاح المسار الاقتصادي، ولا نبحث في حلول للخروج من الأزمة قد تعطل أو ترجئ الأخذ بالإصلاح المنشود… لأن  اللجوء لمزيد من الاقتراض لسداد الديون الحالة، فلن يخرجنا من أزمتنا، بل قد يرجوها قليلا قبل أن تعود ثانية و بضراوة أكبر، لا بديل عن إصلاح المسار الاقتصادي مهما كانت كلفته الحالية، ثم دعونا أخيرا نُنصت للرأي العام الكاره للتعرض لقناة السويس أو عوائدها”.

-استمرار نهج الاتفاق الحكومي يضاعف الأزمات الاقتصادية ويقلص فرص الحلول:

وقد احتوت الوثيقة على شعارات ومبادئ عامة وكلام معسول، لا يوجد على الأرض ما يثبت امكانية تحقيقه في ظل الادارة الحالية التي أحكمت سيطرة المؤسسة العسكرية على مفاصل الاقتصاد، وقضت على فرص منافسة القطاع الخاص في ظل انعدام العدالة الضرائبية، وغياب سيادة القانون، وهو ما يؤدي إلى إحجام الاستثمار الأجنبي المباشر.

ويرى مراقبون أن محاولة المسؤولين وعلى رأسهم السيسي ورئيس وزرائه تحميل أزمتي الجائحة و الغزو الروسي لأوكرانيا مسؤولية الفشل الاقتصادي بالبلاد، لا تنم عن الحقيقة، وتعد تبريرا يفتقد المنطق، لأنه وبلغة الأرقام، ووفقا لبيانات البنك المركزي المصري فإن رصيد العملات الأجنبية السالب ومخاطر الديون ظهرت منذ نهاية 2021 أي قبل الحرب الروسية الأوكرانية بأكثر من شهرين. 

فضلا عن أن مصر أثناء اشتداد جائحة كورونا حصلت على قروض بنحو 8 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي لمواجهة آثار الجائحة، إضافة إلى تصريح أكثر من مسؤول مصري آنذاك بأن البلاد لم تتأثر بأزمة ” كورونا” بالقدر الذي تأثرت به دول أخرى، لأن الله “حفظ مصر” وفقا لتعبير السيسي.

وتبرز المشكلة الاقتصادية لدى المعارضين في مصر في ازدياد الإنفاق الحكومي على مشروعات غير ذات جدوى اقتصادية مثل توسعة قناة السويس والعاصمة الإدارية الجديدة والنهر الصناعي، وظاهرة “أفعل” في المشاريع القومية، “أطول” برج في أفريقيا “الأيقوني”، و”أكبر” جامع و”أضخم” كنيسة، و”أرفع” ساري عَلَم ، و”أسرع” قطار كهربائي، وطائرة الرئيس “ملكة السماء”، والنتيجة هي إنفاق مئات المليارات على مشروعات تعود بالنفع على نسبة بسيطة جدا من السكان. مع إهمال التعليم والصحة وعدم تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء، وإهمال قطاع الصناعة و يترتب عليه نقص الصادرات وزيادة الواردات، كل ذلك جعل الوضع الاقتصادي في قمة الهشاشة وترك حكومة الجمهورية الجديدة أمام حلول سريعة أحلاها مر وهي زيادة الضرائب والرسوم على المواطنين، وارتفاع معدلات الاقتراض من الخارج وبيع أصول الدولة المصرية.

سادسا:  الحلول السياسية أولا:

ووفق التقديرات الاستراتيجية، التي يجتمع حولها مراقبون أن فرص الخروج من الأزمة الاقتصادية ، ستكون عبر إجراءات سياسية واقتصادية، يمكن اختصارها فيما يلي:

أولا: إقرار سيادة القانون واستقلال القضاء، ورفع يد المؤسسة العسكرية عن الاقتصاد، وأن تعود ملكية كافة الشركات والوحدات الاقتصادية والأراضي المملوكة للمؤسسة العسكرية وكافة الجهات الأمنية والسيادية في مصر إلى الموازنة العامة للدولة، بما في ذلك الصناديق السيادية مثل “تحيا مصر” و”صندوق مصر السيادي”.

ثانيا: التوقف عن سياسة بيع الأصول المصرية “المربحة” ذات العوائد الدولارية للأجانب، وعدم التوسع في الاقتراض الخارجي بلا حساب أو دراسة، عبر الإنفاق على مشروعات غير تنموية، أغلبها استعراضي وغير مجد اقتصاديا وما يلزم ذلك من توفير الدولار سداد هذه القروض. 

ثالثا: عدم تفضيل جهات محددة بزيادة المرتبات بشكل ضخم مثل المؤسسات العسكرية والشرطية والأمنية والقضائية والإعلامية وترك باقي المواطنين يعانون التضخم والغلاء، يكافحون الفقر الناتج عن سياسات النظام. ويكون ذلك بتعديل هيكلة المرتبات والقضاء على التفاوت الطبقي بين شرائح المجتمع.

رابعا : إلغاء الإعفاءات الضريبية والرسوم الجمركية التي حصلت عليها الجهات السيادية وتحميلها تلك الضرائب والرسوم بأثر رجعي. واعتماد نظام جديد يساعد في خفض الضرائب إلى الحد الأدنى على كل أسرة ذات دخل يقل عن 300 دولار شهريا. 

خامسا: تشجيع بيع المشاريع التي تمت بتكاليف باهظة كالمدن الجديدة، تقليص الإنفاق الحكومي بشكل فوري وعاجل وتحديدا مصروفات الحكومة والبرلمان ومؤسسة الرئاسة والجهات الأمنية والجهات السيادية والصحف القومية والمؤسسة العسكرية. ورفع يد الحكومة عن الإعلام وعدم دعمه، نظراً لإنفاق مليارات الجنيهات خلال عدة سنوات في مسلسلات وأعمال فنية وقنوات فضائية تفتقر للحد الأدنى من المهنة ولا تحقق أية عوائد.

سادسا: الاتفاق مع الجهات الدولية والمقرضين على إعادة جدولة الديون وإعفاء الدولة المصرية من الفوائد، نظرا لوجود إصلاحات حقيقية تتحملها الدولة والحكومة قبل المواطن.

خاتمة:

من الواضح أن الحلول التي يقترحها نظام السيسي، تدور حول  خيار واحد هو الاستدانة، و مراكمة الديون.

وذلك على الرغم من الحكومة لم تستطع أن تنتج من استخدام هذه القروض العوائد التي تسدد بها فوائد وأقساط تلك القروض، ووفق خبراء الاقتصاد، فإن من أخطاء تلك السياسة بعد 8 سنوات، هو عرض كل أصول الدولة للبيع من أجل سداد تلك القروض، كل هذا يحدث دون عرضه على لجان اقتصادية متخصصة أو حوار مجتمعي، ويأتي في وقت تعاني فيه 3 من أهم موارد الدولة الدولارية التراجع، هي تحويلات المصريين بالخارج والسياحة وإيرادات قناة السويس، بسبب توترات باب المندب.

وهكذا تقترب مصر من بيع الأراضٍ والجنسية والمصانع والشركات ومصادر الدخل، من أجل تعويم نظام السيسي فقط، بل حرمان الأجيال القادمة من حقها بالعيش من أجل أن يحيا السيسي ونظامه الذي خرّب مصر.

ومع استمرار نفس السياسات ونفس العقليات الحاكمة، فلن تجدي أية استراتيجيات ، حتى لو سلمنا بأن ما ورد بالوثيقة ليس كلاما معسولا فضفاضا يستهدف امتصاص الغضب الشعبي فقط..

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022