خطت العلاقات المصرية-التركية خطوات بطيئة على مسار التقارب وكسر الجمود الذي اعترته فترات من الصعود والهبوط طوال العامين الماضيين، لتفضي في نهاية المطاف إلى حلول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ضيفًا على القاهرة يوم 14 فبراير 2024، وتمثل الزيارة تتويجًا لسلسلة من الترتيبات التمهيدية التي هدفت لخفض منسوب التوترات وتصفية الأجواء وبلوغ مستوى أكبر من تفهم المصالح المتعارضة[1].
وتنطوي زيارة الرئيس التركي إلى مصر على أهمية كبرى، نظرًا لكونها أول زيارة رسمية لرئيس تركي منذ 12 عامًا، بعد زيارة الرئيس السابق عبد الله جول في فبراير 2013[2]، وأول زيارة لأردوغان نفسه كرئيس دولة وليس رئيس وزراء، فآخر زيارة لأردوغان للقاهرة كانت في نوفمبر 2012، حيث التقى الرئيس المصري السابق، محمد مرسي، ومن قبلها زيارة في سبتمبر 2011 التقى خلالها رئيس المجلس العسكري الحاكم، المشير محمد حسين طنطاوي، وفي الزيارتين كان آنذاك رئيسًا للوزراء. كما تأتي زيارة أردوغان لمصر ولقائه السيسي بعد اندلاع الخلاف بين الجانبين على إثر الانقلاب العسكري في يوليو عام 2013 الذي قام به السيسي ضد الرئيس المنتخب الراحل محمد مرسي[3]. ولهذا حظت باهتمام إعلامي واسع، خاصة وأنه بعد رفع العلاقات الدبلوماسية إلى مستوى السفراء بين أنقرة والقاهرة تردد أن الرئيس المصري سيزور تركيا في يوليو 2023، إلا أن الزيارة لم تتم، الأمر الذي ترك إشارات استفهام حول مدى جدية تطبيع العلاقات بين البلدين، خاصة عند المقارنة بالمصالحات التي تمت بوتيرة متسارعة بين تركيا وكل من إسرائيل _ لولا حرب غزة _ والسعودية والإمارات، حيث زار أردوغان الإمارات والسعودية، كما زار رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد وولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الإسرائيلي إسحاق هيرتسوغ تركيا[4].
أولًا: تطور العلاقات المصرية- التركية في عهد السيسي:
بعد انقلاب 30 يونيو 2013 الذي أطاح فيه الجيش المصري بقيادة عبدالفتاح السيسي بالرئيس المنتخب محمد مرسي اتسمت العلاقات التركية- المصرية بحالة عداء قوية، انعكست في مداومة كبار المسئولين الأتراك على إطلاق التصريحات المهاجمة للنظام المصري، ما حدا بالأخير في نوفمبر 2013 إلى إعلان السفير التركي شخصًا غير مرغوب فيه، وهو ما ردت تركيا عليه بالمثل[5].
وتركز الخلاف المصري- التركي خلال السنوات من 2013 إلي 2020 حول احتواء تركيا لجماعة الإخوان المسلمين وعناصرها وقادتها، والسماح ببث قنوات إعلامية لهم معارضة لنظام السيسي. كما تدخلت تركيا في العديد من الدول العربية بمختلف الوسائل السياسية والعسكرية مثل سوريا والعراق. وقد وصل التوتر بين الدولتين إلي ذروته عقب التدخل التركي في ليبيا عقب توقيع اتفاقية التعاون الأمني والعسكري مع حكومة الوحدة الوطنية برئاسة فائز السراج في نوفمبر 2019، وبناءً علي هذا الاتفاق؛ قامت تركيا بنقل السلاح والخبراء العسكريين والمقاتلين السوريين لليبيا، وهو ما اعتبرته مصر تهديدًا لأمنها القومي. فضلًا عن الخلافات حول قضية غاز شرق المتوسط، في ظل ارتباط مصر باتفاقيات شراكة مع كل من اليونان وقبرص، طرفي النزاع الأكبر مع تركيا؛ بسبب الخلافات حول ترسيم الحدود البحرية[6].
ورغم حالة التوتر التي شابت العلاقات السياسية بين الجانبين فإن العلاقات الاقتصادية بينهما شهدت تطورًا كبيرًا، حيث تضاعف إجمالي حجم التجارة بين البلدين ما يقرب من ثلاثة أضعاف بين عامي 2007 و2020، من 4.42 مليارات دولار إلى نحو 11.14 مليار دولار.
ومع مطلع عام 2021، بدأت العلاقات السياسية بين الجانبين في التحسن، حين بدأت المستويات السياسية العليا في تركيا، خاصة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ووزير الدفاع خلوصي آكار، ووزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، والمتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، في إصدار تصريحات إيجابية حول مصر ودورها الإقليمي. من ثم بدأت سلسلة من الاتصالات السياسية بين الجانبين، تم الإعلان عنها من جانب تركيا في مارس 2021، وتم تتويجها في أبريل من نفس العام بمحادثة هاتفية بين وزيري خارجية كلا البلدين، ثم انعقاد الجولة الأولى من المباحثات الاستكشافية بين الجانبين في شهر مايو من نفس العام بالعاصمة المصرية، وهي الجولة التي حقق فيها كلا الطرفين تقدمًا كبيرًا في بحث آفاق توسيع وتحسين العلاقات بينهما. من ثم انعقدت الجولة الثانية من المباحثات بعد ذلك بثلاثة أشهر في العاصمة التركية، لكن لم تحرز هذه الجولة نفس النجاحات التي حققتها الجولة السابقة.
مسار تطبيع العلاقات هذا تعرض لبعض التباطؤ خلال عام 2022، حين أوقفت مصر المباحثات الاستكشافية بينها وبين تركيا؛ نظرًا لقناعتها بعدم وجود تغيير واضح في الممارسات الإقليمية لتركيا، خاصة فيما يتعلق بالملف الليبي، لكن أصدر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في شهر أغسطس من نفس العام، تصريحات صحفية دعا فيها إلى تحسين العلاقات مع مصر، وشدد على أنه يعتبر الشعب المصري “إخوة” يجب أن تتصالح معهم تركيا، وهو ما مهد عمليًا للقاء الأول منذ عام 2013 بينه وبين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في نوفمبر 2022 بالعاصمة القطرية الدوحة. وعلى الرغم من أهمية هذا اللقاء، إلا أن حديث مصر عن عدم تغير توجهات تركيا في ليبيا، حمل في طياته قناعة مصرية باستمرار وجود خلافات جذرية عميقة مع تركيا.
الجمود الذي طال هذا المسار، تمت حلحلته بشكل أو بآخر، عبر زيارة غير مسبوقة قام بها وزير الخارجية المصري سامح شكري، إلى مدينة “أضنة” التركية، في فبراير 2023، عقب الزلزال المدمر الذي ضرب الأراضي التركية، والتقى حينها بنظيره التركي. وهو ما مهد للزيارة التي قام بها الوزير التركي للقاهرة في الشهر التالي، والتي تمت قراءتها ضمن جهود استعادة مسار رفع مستوى العلاقات بين بلاده ومصر إلى المستويات المأمولة، خاصة أنها كانت الزيارة الأولى لوزير خارجية تركي إلى القاهرة منذ أكثر من عقد من الزمن. هذه الزيارة – بالتبعية – أسهمت في الوصول إلى محطة مهمة في مسار رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين، عبر إعلان كلا البلدين في يوليو 2023، إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما إلى مستوى السفراء، مرورًا بمباحثات السيسي مع أردوغان في 10 سبتمبر 2023 على هامش قمة مجموعة العشرين في نيودلهي، وزيارة وزير الخارجية التركي للقاهرة في أكتوبر 2023 لمناقشة الجهود المشتركة بين البلدين حيال الأوضاع في غزة، ووصولًا إلى الزيارة الحالية للرئيس التركي إلى القاهرة في 14 فبراير 2024[7].
ويمكن الإشارة إلي مجموعة من الدوافع والمحفزات التي تقف خلف تحسن العلاقات المصرية- التركية، تتمثل أبرزها في:
1- أن العاصفة التي ضربت علاقات البلدين بعد انقلاب يوليو 2013 استنفذت زخمها بعد أكثر من عشر سنوات كاملة، والموقف التركي السلبي من انقلاب 2013 هو موقف أخلاقي بالمقام الأول، وسياسي بالمقام الثاني، لأن معركة أردوغان الأهم والتاريخية كانت ضد سيطرة العسكر على السلطة في بلده، كما كان أردوغان نفسه يتحسب للخطر نفسه على حكومته داخل تركيا، وهو ما حدث بالفعل في محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة 2016، بعد ثلاث سنوات من الانقلاب الناجح في مصر، لذلك كان من المحال وقتها تصور أنه يتسامح مع انقلاب في دولة إسلامية كبيرة بحجم مصر، غير أن طول العهد بالنظام الجديد في مصر، وإطلاقه أكثر من انتخابات رئاسية وبرلمانية ـ أيًا كانت الملاحظات عليها ـ إلا أنها دشنت واقعًا سياسيًا مدنيًا جديدا اعترف به المجتمع الدولي، وأصبح الجميع يتعامل مع سلطات مدنية منتخبة ـ ولو بشبهات تزوير ـ وليست سلطات عسكرية صريحة، ومن الصعب على تركيا ـ وحدها، ودونًا عن العالم كله ـ تجاهل الوضع الجديد أو إدارة ظهرها له. أضف إلى ذلك تلاشي أي معارضة حقيقية أو جادة للنظام الجديد داخل مصر أو خارجها، وحالة الانقسامات والمظهر الضعيف الذي ظهرت به المعارضة المصرية خاصة في تركيا، مما يصعب معه تصور أن يكون موقف حاكم تركيا بديلًا عن موقف المعارضة، أو أن يدفع شعبه ثمنًا أبديًا نيابة عن شعب لا يريد أن يدفع الثمن[8].
2- أنه بعد ثورات الربيع العربي في عام 2011، شهدت منطقة الشرق الأوسط حالة من الصراع الإقليمي، ما أدي إلي ظهور وترسيخ سياسة المحاور القائمة علي الصراع والتنافس، والتي تمثلت في محور الثورات المضادة الذي يضم السعودية والإمارات ومصر والبحرين، والمحور الداعم للثورات والذي يضم قطر وتركيا، بجانب المحور الذي يضم إيران والقوات المتحالفة معها في كل من سوريا ولبنان والعراق واليمن. ولكن حاليًا، تشهد المنطقة حالة تهدئة إقليمية بين هذه المحاور، والتي بدأت باتفاق العلا 2021 والذي أنهي حالة الخلاف بين قطر من جانب والسعودية والإمارات والبحرين ومصر من جانب آخر، مرورًا بالتهدئة التركية الخليجية، وتسوية الخلافات بين مصر وتركيا، واستعادة العلاقات بين الرياض وطهران، وانفتاح العلاقات بين مصر وإيران، بجانب اتفاقيات التطبيع بين الدول العربية (الإمارات والبحرين والسودان والمغرب) مع إسرائيل منذ عام 2020 “اتفاقيات إبراهام”، والحديث عن قرب تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل[9].
3- تراجع اهتمام الولايات المتحدة بالشرق الأوسط، خاصة بعد الانسحاب الأمريكي فعليًا من أفغانستان في أغسطس 2021، وما يثار بشأن جدولة الانسحاب الأمريكي ضمن قوات التحالف الدولي من العراق بعد امتداد تأثيرات حرب غزة إلى داخل سوريا والعراق، حيث يتم استهداف القواعد والمصالح الأمريكية داخل الدول المشار إليها من قبل المليشيات المدعومة من إيران[10]. بالإضافة إلى تجاهل واشنطن والقوي الغربية للأولويات الأمنية في المنطقة، وانشغالهم بتطورات الحرب الروسية الأوكرانية[11]. ما دفع دول الشرق الأوسط إلي محاولة حل الأزمات العميقة التي تعاني منها، وخاصة الأزمات الاقتصادية، وخصوصًا تلك التي أعقبت جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، وهو الأمر الذي يتطلب بالضرورة تهدئة الصراعات في المنطقة[12]. كذلك فإن هناك توجهات إقليمية، تدفع باتجاهها المملكة العربية السعودية علي وجه الخصوص، تتمثل في إرساء نموذج التنمية الإقليمية عبر تصفير مشكلات المنطقة، وهو ما سيمثل دفعة قوية للاستقرار الإقليمي برمته[13].
4- بينما كان الطابع الشخصي في الأزمة بين مصر وتركيا، والمتمثل بالعداء الحاد بين “أردوغان” و”السيسي”، يشكل عائقًا أساسيًا أمام إمكانية إنهاء القطيعة في ظل وجودهما في السلطة، فإن اللقاء والمصافحة في “الدوحة” يشير إلى أن الرئيسين قررا أخيرًا تجاوز هذا العائق. ويعتقد المسؤولون الأتراك أن ما كانت تسعى إليه القاهرة حقًا هو مصافحة “أردوغان”، الأمر الذي من شأنه أن يكون اعترافًا كاملًا بـ”السيسي” كرئيس شرعي لمصر. ورغم أن القاهرة لم تقابل في الفترة الماضية خطاب التودد التركي، وتخلي أنقرة عن علاقتها بجماعة الإخوان المسلمين، بخطوات مشابهة، إلا أن مصافحة الدوحة تعكس تخلي السيسي عن تردده في الانفتاح الصريح على أردوغان[14].
5- كانت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية التي أجريت في مايو 2023 قد حفزت بعض الدول – ومنها مصر – على الإبطاء في وتيرة تعزيز العلاقات مع تركيا في انتظار النتيجة التي ستفرزها هذه الانتخابات. حيث كانت هذه الدول تأمل أن تتم هزيمة أردوغان – وإن لم تبد مؤشرات علنية على هذا الأمر -، وذلك لفتح صفحة جديدة مع أنقرة بناءً على أولويات ومصالح هذه الدول، خاصة أن المعارضة كانت قد أرسلت مؤشرات واضحة على استعدادها للاستجابة لأولويات هذه الدول دون مقابل. لكن فرض فوز أردوغان واقعًا جديدًا، وسمح التجديد له بإعطاء زخم لسياسة التقارب والمصالحات الاقليمية وتعزيز العلاقات التركية-المصرية[15]. يتأكد هذا التوجه مع تشكيل الحكومة التركية الجديدة، لا سيما إسناد حقيبة الخارجية لهاكان فيدان، وجهاز الاستخبارات التركي لإبراهيم كالين، كون هذان الاسمان تحديدًا، كان لهما دورًا فاعلًا في سياسة الانفتاح التركي تجاه الدول العربية[16].
6- تطور العلاقات المصرية – التركية بصورة عامة يأخذ في الاعتبار عدة عوامل، بما في ذلك أن مصر تعد دولة رائدة وهامة في منطقة الشرق الأوسط؛ نظرًا لوزنها السياسي ودورها الاقليمي في العديد من القضايا العربية، وصوتها القوي داخل جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي، وقوتها العسكرية. فيما تنظر مصر إلى تركيا بوصفها قوة سياسية واقتصادية وعسكرية، إضافة إلى عضويتها في حلف شمال الأطلسي “الناتو” ودورها البارز كوسيط في عدد من الأزمات الدولية مثل الأزمة الأوكرانية، ناهيك عن نفوذها السياسي والعسكري داخل العديد من الدول العربية مثل سوريا والعراق وليبيا[17].
ثانيًا: ملفات زيارة الرئيس التركي إلي مصر:
يمكن استعراض أبرز الملفات على أجندة زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلي مصر كما يلي:
1- الملف الاقتصادي والتجاري: يعد الاقتصاد أحد النقاط التي يمكن أن تكون ركيزة لعلاقات استراتيجية مصرية-تركية، من حيث:
أ- التبادل التجاري: إذ تعتبر مصر أكبر شريك تجاري لتركيا في القارة الإفريقية، وتبلغ قيمة التبادل التجاري بين البلدين نحو 10 مليار دولار[18]. وأعلن السيسي وأردوغان، خلال المؤتمر الصحفي المشترك، أنه تم الاتفاق على رفع مستوى التبادل التجاري بين البلدين إلى 15 مليار دولار خلال السنوات القليلة القادمة[19].
وضمن مساعي رفع التبادلات التجارية وتخفيض تكاليف النقل التجاري، يمكن إعادة طرح اتفاق الخط الملاحي “الرورو” الذي جرى وقفه عام 2015، بحيث يتم إعادة صياغته بما يضمن تقديم تسهيلات للصادرات المصرية إلى أوروبا عبر الموانئ التركية، وبالأخص الحاصلات الزراعية سريعة التلف بما يعزز الصادرات المصرية ويفتح أسواقًا جديدة أمامها. ومن جهة أخرى، نقل الصادرات التركية من ميناءي مرسين وإسكندرونة التركيين إلى موانئ دمياط وبورسعيد قبل نقلها لاحقًا إلى ميناء العرب على البحر الأحمر، ثم نقلها على متن السفن التركية إلى دول الخليج[20].
كما أنه في ظل أن تركيا تعاني من افتقار في مصادر الطاقة، وتعتمد بصورة لافتة في تلبية احتياجاتها النفطية على روسيا وإيران وأذربيجان. غير أن استمرار العقوبات الغربية على قطاع النفط الروسي، واستمرار التوترات في العلاقات الإيرانية الغربية وانعكاساتها على صادرات طهران النفطية، أثرت بصورة كبيرة على واردات تركيا. في هذا السياق، تمثل القاهرة أولوية استراتيجية لتركيا في قطاع الغاز، حيث حلت تركيا في صدارة مستوردي الغاز الطبيعي المصري بقيمة 722.67 مليون دولار بنهاية عام 2023[21].
ب- الاستثمارات: تعمل حوالي 200 شركة تركية في السوق المصرية توظف حوالي 70 ألف عامل باستثمارات تُقدر بـ2.5 مليار دولار تقريبًا، وهنا تبرز الصناعات النسيجية كقطاع واعد للاستثمارات التركية بالنظر إلى أن أكبر أربعة مصانع نسيج في مصر هي مصانع تركية تنتج حوالي ثلث إجمالي الإنتاج في قطاع النسيج، ويبحث البلدان إنشاء منطقة صناعية تركية داخل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس تتخصص في صناعات المنسوجات والملابس الجاهزة[22]. وأكد أردوغان، خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع السيسي، عزم بلاده على زيادة حجم الاستثمارات التركية في مصر بحدود 3 مليارات دولار[23].
ج- التبادل بالعملات المحلية: عرضت تركيا على مصر، استخدام العملات المحلية في تسوية المعاملات التجارية والمالية، وهي خطوة أقدمت عليها مصر وتركيا مع بلدان أخرى، ومن شأنها أن تخفف من حدة مشكلة النقد الأجنبي في مصر، وفي الوقت نفسه تعزز من موقف العملات المحلية للبلدين، حيث تعاني كل من الليرة التركية والجنيه المصري من تراجع قيمتهما على مدار الفترة الماضية، ومن شأن الدخول في هذه الخطوة أن تزيد من قيمة التبادل التجاري والمعاملات المالية بين البلدين[24]. وهناك توقعات بتنفيذ ما بين 20 إلى 25% من حجم التجارة بالعملات الوطنية بعد نقاشات بين البنكين المركزيين المصري والتركي[25].
ولكن هذه الخطوة لا تزال مؤجلة في ظل خشية البلدين من فرض الولايات المتحدة قيودًا أو رسومًا جمركية مرتفعة على الدول التي تقلص الاعتماد على الدولار رغبة منها في تكريس هيمنة الدولار على المعاملات الاقتصادية العالمية[26]. وحسبما نقلت وسائل الإعلام عن مصادر مصرية، فإن مصر ترى تأجيل هذه الخطوة لمدة عامين على الأقل، لاعتبارات فنية ترتبط بالسياسات النقدية، وكذلك تمكين البنوك المركزية في البلدين من امتلاك آليات التعامل بالعملات المحلية[27]. وكان لافتًا في هذا السياق، غياب محافظي البنك المركزي في البلدين عن حضور مراسم زيارة أردوغان إلي مصر، مما يعني تأجيل هذا الملف[28].
د- السياحة: في ظل مساعي الدولة المصرية لتوفير العملة الأجنبية فإن قطاع السياحة يشكل أحد الروافد المهمة للنقد الأجنبي، ويمكن أن يعوض السياح الأتراك جزءًا من تراجع السياحة الروسية الأوكرانية نتيجة الحرب، وقد كان لقرار إلغاء شرط التأشيرة للمواطنين الأتراك في أبريل 2023 بالغ الأثر في مضاعفة عدد السياح الأتراك 5 مرات خلال عام 2023 مقارنة بعام 2022، بحسب تقديرات السفير التركي في القاهرة صالح موتلو شين[29].
ه- الأمن الغذائي: خلقت الحرب الروسية – الأوكرانية طلبًا متناميًا على الأمن الغذائي باعتباره واحدًا من محددات الأمن القومي، وهو ما يمكن أن يؤدي للتعاون المصري – التركي في هذا الإطار انطلاقًا من كون مصر من الموردين الرئيسيين للمنتجات الزراعية إلى أوروبا والشرق الأوسط. وقد أبرزت هذه العوامل أيضًا أهمية الاستثمار في الطاقة المتجددة، وهذا يوفر فرصًا إضافية للتعاون بين البلدين في مجالات مثل الاستفادة من منح الاتحاد الأوروبي، وتدريب القطاع الزراعي على التكيف مع تغير المناخ، وأساليب الإنتاج المستدام[30].
وبالنظر لدور أنقرة في تأمين سلاسل إمداد الحبوب العالمية من خلال التوسط لإنشاء آلية تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود؛ فإن المسارات المحتملة للحرب الأوكرانية وضمانات الأمن الغذائي ستأخذ موقعًا متقدمًا على طاولة المحادثات بين السيسي وأردوغان بالنظر إلى إمكانية قيادة أنقرة مبادرة لاستحداث آلية جديدة لتصدير الحبوب عبر البحر الأسود ربما ستحل موضوعًا رئيسيًا على أجندة محادثات أردوغان وبوتين خلال الزيارة المتوقع أن يجريها الأخير لأنقرة[31].
2- الملف العسكري والأمني: يشكل القطاع الدفاعي والعسكري أحد المساحات الرئيسة للتعاون التركي المصري، من خلال صفقات الأسلحة المتبادلة، أو مشاريع الإنتاج العسكري المشتركة، بالإضافة إلى التعاون في التدريبات والمناورات[32]. خاصة وأن التعاون العسكري بين البلدين بدأ يشهد تناميًا خلال الأشهر الأخيرة، خاصة بعد مشاركة غير مسبوقة، لأكثر من 20 شركة تركية متخصصة في مجال الأمن والدفاع، بالنسخة الثالثة من فعاليات المعرض المصري الدولي للصناعات الدفاعية والعسكرية “إيديكس 2023″، الذي أقيم في ديسمبر الماضي، وعلى رأسها شركة “بايكار” للطائرات المسيرة والأنظمة غير المأهولة التي عرضت في جناحها بالمعرض نموذجين مصغرين لطائرتي “بيرقدار” و”أكينسي” المسيرتين، يحملان العلم المصري[33].
ومؤخرًا؛ أعلن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في 4 فبراير 2024، أن بلاده وافقت على تزويد القاهرة بطائراتها القتالية المسيرة[34]. ورغم أن طراز بيرقدار هو المرشح تسليمه للقاهرة فإن المحادثات ربما تتضمن التفاوض بشأن طرازات أكثر تقدمًا تكنولوجيًا مثل أكينجي وكيزيلما[35]. ووفقًا لمحللين أتراك، يمكن لأنقرة الاستفادة من تكنولوجيا صناعة الدبابات المصرية وبعض الصناعات العسكرية المصرية الأخرى[36]. وتشير العديد من التقديرات إلى انفتاح البلدين على بناء مشاريع دفاعية مشتركة، منها مشروع لإنتاج الذخيرة الحية خلال المرحلة المقبلة[37].
3- الملف السياسي والإقليمي: يعد هذا الملف – علي عكس الملفين السابقين (الاقتصادي والعسكري) – الملف الشائك في العلاقات بين الدولتين؛ نظرًا لوجهات النظر المتعارضة بين النظامين المصري والتركي حول القضايا الإقليمية، وتأثير الأطراف الثالثة (مثل دول الخليج وإسرائيل واليونان والولايات المتحدة والدول الأوروبية) علي طبيعة العلاقة بين الدولتين تجاه هذه القضايا. وهو ما يمكن توضيحه كما يلي:
أ- العدوان الإسرائيلي على غزة: تواجه كل من القاهرة وأنقرة مأزقًا فيما يتعلق بالوضع في غزة، هذا المأزق الذي ربما يكون دافعًا قويًا لتبني البلدين موقفًا موحدًا للتأثير في المشهد وفرض إعادة تموضع يتناسب وحجم الدولتين وثقلهما الإقليمي. فعلى المستوى المصري يواجه نظام السيسي حرجًا كبيرًا بسبب الاتهامات المتكررة من الإسرائيليين والأمريكان بشأن مسؤوليته عن تشديد الحصار على سكان غزة من خلال غلق معبر رفح، وهي التصريحات التي أثارت – رغم نفي الجانب المصري لها – جدلًا كبيرًا ووضعت القاهرة في مأزق أخلاقي وسياسي أمام الداخل والخارج على حد سواء. ومما يزيد من هذا التأزم تجاهل حكومة نتنياهو للمقاربات المصرية بشأن سير الحرب في القطاع خاصة في مدينة رفح الحدودية، بجانب الحديث عن السيطرة على محور فيلادلفيا.
أما على المستوى التركي فرغم الدور الذي لعبته أنقرة في الملف الروسي الأوكراني والأذربيجاني وعلاقتها الجيدة بكل من المقاومة ودولة الاحتلال، فإنها استبعدت تمامًا من القيام بدور الوساطة في الحرب الأخيرة، الأمر الذي ربما يؤثر على حضور تركيا الإقليمي ومن ثم مصالحها ونفوذها. ويعود هذا الاستبعاد لأسباب عدة أبرزها: الخطاب السياسي التصعيدي التركي ضد دولة الاحتلال حيث وصفها أردوغان بـ”الدولة الإرهابية”، وأنها “ترتكب جرائم حرب في قطاع غزة”، كذلك الهجوم على المعسكر الغربي واتهامه بالازدواجية وغض الطرف عن الانتهاكات التي تمارسها دولة الاحتلال، بجانب دعم حركة حماس وأنها “ليست منظمة إرهابية”، وإنما حركة مقاومة تشن معركة لتحرير أرضها وحماية شعبها، فيما تطور الأمر إلى استدعاء السفير التركي الموفد لدى تل أبيب. وأسفر هذا الموقف بطبيعة الحال عن توتير الأجواء مع الولايات المتحدة بسبب دعمها المطلق لدولة الاحتلال وتزويدها بالعتاد العسكري ضد سكان غزة، الأمر ذاته مع الإتحاد الأوروبي الذي امتعض كثيرًا من دعم تركيا لحماس، إذ يرى في ذلك تغريدًا خارج السرب الفكري الأيديولوجي للإتحاد الذي يرى في الحركة كيانًا إرهابيًا لا يجب دعمه، وذلك عكس السردية التركية تمامًا[38].
وبالتالي، فمن الطبيعي أن يحظى ملف القضية الفلسطينية بهامش كبير في مباحثات الرئيسين المصري والتركي، وفي هذا السياق يوجد بعض الملفات الآنية والعاجلة التي ستطرق إليها المباحثات بطيعة الحال وعلى رأسها ملف الهدنة الإنسانية الجديدة التي تقودها مصر وقطر، وملف المساعدات الإنسانية لقطاع غزة[39]. يذكر أن زيارة أردوغان جاءت في اليوم التالي للمشاورات المصرية القطرية الأمريكية الإسرائيلية بشأن حرب غزة، والتي كان من المقرر أن تستمر لثلاثة أيام، إلا أنه من غير المعروف حتى الآن ما إذا كان سيتم التوصل خلال المباحثات على هدنة في هذا التوقيت مع اقتراب شهر رمضان، وما إذا سيكون لتركيا دور في هذا الشأن[40].
كما ستطرق المباحثات للملفات الخاصة بترتيبات ما بعد الحرب وعلي رأسها تنسيق الجهد المشترك، بالتوافق مع دول الخليج، وخصوصًا السعودية، من أجل إعادة إعمار قطاع غزة. بجانب التباحث حول فكرة “الدول الضامنة”[41] التي لايزال أردوغان يعول كثيرًا عليها، وسيحاول إقناع القاهرة بأن تكون شريكًا داعمًا لمثل هذا الطرح في مرحلة ما بعد الحرب. خاصة بعدما اكتسب هذا الطرح زخمًا قويًا بعدما أعلن وزير الخارجية الروسي استعداد روسيا للنظر في المقترح التركي، وأكد أن بلاده على اتصال دائم مع أنقرة للتعرف على تفاصيل المقترح.
فعلى ما يبدو أن روسيا قد تحاول الانخراط بهذا الشكل في ملف غزة، خاصة وأن حماس أعلنت مؤخرًا رغبتها في وجود ضامنين لاتفاق الأسرى، كان من ضمنهم تركيا وروسيا إلى جانب الوسيطين المصري والقطري، وعلى هذا الأساس قد يسعى الأتراك إلى إقناع مصر وقطر في هذا الشأن. وقد تزداد أهمية المقترح التركي في ظل الجهود الدولية الراغبة في حل الدولتين بعد انتهاء الحرب، ففي هذه الحالة قد يحتاج الجانب الفلسطيني إلى ضامنين، وقد لا يكفي وجود ضامنين إقليميين، ومن ثم سيأتي الدور الروسي. ومن المتوقع أن تتم مناقشة مقترح الدول الضامنة خلال زيارة الرئيس الروسي لأنقرة، التي من المقرر أن تجرى قبل انعقاد انتخابات الرئاسة الروسية في مارس 2024[42].
كما تستدعي أوضاع غزة ما بعد الحرب إلى تكاتف الجهود والمساعي المصرية والتركية، بهدف تكثيف الضغط الدولي لأجل التوافق حول صفقة المستقبل للقضية الفلسطينية، وهي صفقة تتطلب تضافر كل القوى العربية والإقليمية والإسلامية، وفي المركز منها مصر وتركيا ودول الخليج، لأجل التوصل لحل نهائي للقضية الفلسطينية، يتأسس على المقررات الدولية وحل الدولتين وبناء الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، خاصة بعدما بدأ يتردد الحديث عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية دوليًا وأمريكيًا[43].
وفي هذا السياق؛ فقد أكد السيسي، في كلمته خلال المؤتمر الصحفي المشترك، أنه اتفق والرئيس أردوغان على “ضرورة وقف إطلاق النار بشكل فوري في قطاع غزة، والنفاذ السريع لأكبر قدر ممكن من المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين في قطاع غزة أخذًا في الاعتبار ما تمارسه سلطات الاحتلال الإسرائيلي من تضييق على دخول تلك المساعدات؛ مما يتسبب في دخول شاحنات المساعدات بوتيرة بطيئة لا تتناسب مع احتياجات سكان القطاع”. كما قال السيسي: “إنني توافقت مع الرئيس أردوغان على ضرورة تحقيق التهدئة بالضفة الغربية حتى يتسنى استئناف عملية السلام في أقرب فرصة، وصولًا إلى إعلان الدولة الفلسطينية ذات السيادة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وفقًا لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة”.
فيما شدد الرئيس التركي على أن إيصال المساعدات إلى سكان غزة على رأس أولوياتهم؛ حيث أرسلت تركيا ما يزيد عن 31 ألف طن من المساعدات الإنسانية، مشيدًا بالجهود المصرية المبذولة لإيصال المساعدات إلى سكان القطاع وجهود الهلال الأحمر المصري ووزارة الصحة المصرية وجميع الجهات المصرية. وأشار أردوغان إلى أن بلاده نقلت أكثر من 700 مصاب فلسطيني مع المرافقين إلى تركيا، ويجري البحث لإنشاء مستشفى ميداني في غزة، وبتعاون ودعم المصريين في القريب العاجل. وأعرب الرئيس التركي عن رفضه لمبادرات تهجير سكان قطاع غزة، مؤكدًا أنهم لن يقبلوا أبدًا بتطهير غزة من سكانها، معبرًا عن تقديره لموقف مصر في هذا الأمر أيضًا. وطالب أردوغان من رئيس الوزراء الإسرائيلي بوقف مجازره بحق سكان غزة، وألا تمتد تلك المجازر إلى مدينة رفح أيضًا، داعيًا المجتمع الدولي للتدخل وعدم السماح بهذا التصرف الجنوني. كما أكد الرئيس التركي أنه من أجل وقف إراقة الدماء في غزة سيظلون على تعاون مستمر مع مصر، لافتًا إلى أن إعادة إعمار غزة يتطلب العمل المشترك ونحن جاهزون للعمل مع مصر في هذا الشأن أيضًا[44].
وفي المقابل؛ يبدو أن إمكانية حدوث توافق بين مصر وتركيا في هذا الملف أمر صعب حدوثه، وهو ما يمكن تلمسه في التصريحات الصادرة عن الرئيسيين خلال المؤتمر الصحفي، والتي كانت دون مستوى التطورات الجارية ودون تطلعات الجانب الفلسطيني وعدد من المراقبين؛ فالرئيسان المصري والتركي كانا أقل انتقادًا للسياسات والانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في غزة. وهو ما أرجعه المراقبون إلي عدم قدرتهما علي تحمل النتائج والتبعات التي قد تنجم عن موقف أو إجراءات مشتركة ضد إسرائيل التي تتمتع بحصانة دولية غير مسبوقة وبدعم غير مشروط من قبل الولايات المتحدة وبعض القوى الأوروبية كألمانيا وبريطانيا وبشكل لم يسبق له مثيل[45].
كما أنه إذا كانت المشكلة (المشكلة الفلسطينية) بالنسبة لأردوغان أيديولوجية وقيمية وأخلاقية، حيث يعتبر نفسه من خلالها داعم المضطهدين ويعمل ما هو مطلوب من زعيم مسلم، فالحديث عند السيسي يدور عن تهديد ملموس ووجودي من غزة على الأمن الوطني في مصر، الذي قد يتحقق عندما يبدأ التدفق الكبير لأكثر من مليون غزي نحو شبه جزيرة سيناء، إذا بدأت العملية العسكرية الواسعة في رفح، وضمن ذلك سيطرة إسرائيل على محور فيلادلفيا. لذا، في الوقت الذي سيسمح فيه أردوغان لنفسه بتحرير لسانه وشتم إسرائيل ومقارنة نتنياهو مع هتلر وإعادة السفير التركي من إسرائيل إلى أنقرة، يتبع السيسي خطابًا دبلوماسيًا متصلبًا وتحذيريًا، لكن مع إدراك لأهمية العلاقات والتعاون بين مصر وإسرائيل. تم التعبير عن هذا الفرق أيضًا بالصورة التي يستجيب فيها السيسي للإملاءات الإسرائيلية التي تحدد نوع المساعدات الإنسانية التي سيتم إدخالها إلى القطاع وشروط ذلك، بل ولذلك أخر إقامة مستشفى ميداني تركي في غزة[46].
ولا ننسي أيضًا اختلاف نظرة النظامين لحماس، ففي حين أن النظام التركي ينظر لحماس باعتبارها حركة إسلامية وحليف أيديولوجي، ويعطي الرعاية واللجوء لعدد من قادة حماس ويسمح بإدارة أعمالها على أراضيه[47]، فإن مصر، وعلي الرغم من تحسين علاقتها مع حماس، لا تزال تنظر إليها نظرة سلبية – ولن نبالغ إن قلنا نظرة معادية –، ولعلنا نشير هنا فقط إلي أخر التصريحات الرسمية الصادرة عن وزير الخارجية المصري سامح شكري، ضمن فعاليات مؤتمر ميونخ للأمن في 17 فبراير 2024، بأن “حركة حماس كانت من خارج الأغلبية المقبولة للشعب والسلطة الفلسطينية، وأنه يجب أن يكون هناك محاسبة حول تمكين حماس في غزة، وتمويلها في القطاع”[48]. وإن كان ذلك للمفارقة لم يضع تركيا في المكانة التي تحتلها مثلًا قطر أو إيران أو مصر في القضية الفلسطينية، ولم تضمها إلى دائرة المؤثرين الأوائل على حماس[49].
ومن جانب آخر، يبقى السؤال المتعلق بمدى رغبة الجانب المصري في إعطاء مساحة لتركيا للعب دور أكبر في الملف الفلسطيني، ولأي مدى قد يرغب في إشراك الجانب التركي في جهود ثنائية حول القضية الفلسطينية، قائمًا[50]. حيث يبدو أن الرئيس المصري ليس لديه أي نية لضم تركيا كشريكة ناجعة في المفاوضات السياسية. فهو نفسه يتنافس مع قطر على احتكار إدارة الاتفاق مع حماس[51]. ما يعني أن الحديث عن دخول تركيا لقطاع غزة بصفة الوصاية فأولويته مؤجلة، وقبوله من قبل مصر مستبعد[52].
ب- الملف الليبي: لاتزال العقبة الأهم والأخطر وأزمة كل المفاوضات السابقة بالنسبة لمصر هي “ليبيا”، خاصة وأن مصر ترى الوجود العسكري التركي في غرب ليبيا تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي. فقد كانت تركيا وقعت في نوفمبر 2019، اتفاقًا مع حكومة غرب ليبيا، بشأن الحدود البحرية في البحر المتوسط، إلى جانب اتفاق آخر؛ لتوسيع نطاق التعاون الأمني والعسكري. وعقب توقيع الاتفاق، سمح البرلمان التركي في يناير 2020، بنشر قوات تركية في ليبيا لمدة عام واحد، وتم تمديد التفويض لمدة 18 شهرًا أخرى حتى يوليو 2022، قبل أن يتم تمديده أيضًا في يونيو 2022 لمدة 18 شهرًا أخرى[53]. وتصر مصر على خروج القوات التركية من ليبيا، بينما ترى تركيا أن بقاء قواتها وخبرائها العسكريين هناك ضمانة لمصالح تركية كبرى، اقتصادية وأمنية وثروات غاز شرق المتوسط، ومؤخرًا أعلنت تركيا أنها ستفتتح قنصليتها في بنغازي لتصبح حاضرة ليس في الغرب الليبي فقط بل في ليبيا بكاملها من شرقها لغربها، وهذا هو أعقد ملف بين البلدين[54].
وقد بدا الجانب المصري مهتمًا بالوضع الليبي أكثر من غيره في مباحثاته للقضايا الإقليمية مع الرئيس أردوغان[55]. وعلي الجانب الآخر، تدرك أنقرة أن أوان حصاد ثمار الدور الذي لعبته في دعم جبهة الغرب الليبي لمواجهة مخطط السيطرة على مقاليد الحكم باجتياح العاصمة العام 2019 قد حان، ذلك أن الاتفاق الأمني العسكري قد ضمن عدم تكرار محاولة إخضاع الغرب الليبي بقوة السلاح، وأن اتفاق النفوذ الاقتصادي البحري وترسيم الحدود البحرية الذي تم توقيعه مع حكومة الوفاق في نوفمبر 2019، لا يمكن تمريره أو توظيفه بفاعلية دون تفاهمات مع جبهة الشرق (طبرق ـ الرجمة)، وتقارب مع القاهرة الداعمة لهما، الطرف الأساسي في منتدى المتوسط المتعلق بغاز ونفط شرق البحر المتوسط. حيث أن نفط وغاز شرق المتوسط كان المحرك الرئيسي لاندفاع تركيا ودخولها على خط الصراع الليبي، ولا يزال المحرك للتقارب التركي المصري وتطبيع العلاقة مع مجلس النواب الليبي، وربما قريبًا مع القيادة العامة التابعة لمجلس النواب (خليفة حفتر).
ولأن الحال كذلك، فإن أنقرة ستكون مستعدة لأي تفاهمات مع القاهرة تتعلق بالملف الليبي إذا ضمنت مصالحها ولو في الحد الأدنى من كعكة شرق المتوسط وفي المصالح الاقتصادية في ليبيا، لكنها لن تنجر إلى تنازلات كبيرة وسريعة تفقدها الأوراق التي تمسك بها والتي أهمها الحليف في الغرب الليبي والوجود العسكري هناك. وتطالب طبرق والرجمة ومن خلفهما القاهرة بتغيير حكومي، قد لا ترفض أنقرة هذا الاشتراط، لكنها لن تغامر بتنصيب رئيس حكومة يعمل ضد مصالحها ويقوض حلفها في الغرب، وهنا ستكون مساحة المناورة والتفاوض[56].
وفي الجانب الاقتصادي تعول الدولتان على حصيلة إعادة الإعمار الليبية في إنعاش الاقتصاد. وربما يتم مناقشة التصور الذي سبق وأن تداولته وسائل إعلام باعتباره مقدم من رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبدالحميد الدبيبة في هذا الصدد، يقوم على استعانة الشركات التركية التي تستحوذ على الكثير من عقود إعادة الإعمار التي تحتاج لعمالة كثيفة، بعمال مصريين في الوقت الذي تعول فيه القاهرة على زيادة العمالة المصرية في ليبيا لنحو مليوني عامل.
وفي هذا السياق، كشف وزير العمل والتأهيل بحكومة الوحدة الوطنية الليبية، علي العابد، في تصريحات صحافية، في يونيو 2023، عن بدء تحالف شركات مصرية في تنفيذ الطريق الدائري الثالث بتكلفة تناهز مليار دولار أميركي، بإجمالي حجم عمالة يصل إلى 2500 عامل، جميعهم مصريون. وشدد على أن بلاده “تستهدف وتعطي الأولوية للشركات المصرية والعمال المصريين، في تنفيذ مشروعات إعادة الإعمار، والتي تتجاوز تكلفتها 3.6 مليارات دولار”. كما قامت الحكومة الليبية بإيداع 700 مليون دولار أميركي كوديعة قصيرة الأجل في البنك المركزي المصري، وسط وعود من جانب رئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة بزيادة حجم الودائع الليبية لدى مصر إلى 2 مليار دولار، بخلاف الامتيازات الاقتصادية المطروحة للشركات المصرية، وكذلك التسهيلات الخاصة بزيادة أعداد العمالة المصرية في ليبيا[57].
وفي سياق متصل بالتفاهمات المصرية- التركية في ليبيا، سبق وأن أشارت تقارير إعلامية إلي وجود تقاربًا كبيرًا في الرؤى، ظهر بين واشنطن والقاهرة وأنقرة بشأن القوات الأجنبية والمرتزقة الموجودين في ليبيا. وأنه قد تم عقد لقاء جرى في يونيو 2023 بمشاركة مسؤولين استخباريين من الدول الثلاث، تم خلاله بحث مجموعة من التصورات الخاصة بضمان استقرار الأوضاع في ليبيا وعدم تدهورها كنقطة انطلاق نحو إجراء الانتخابات، وضمان عدم توقف الحقول النفطية. وجرى خلال اللقاء، التباحث بشأن قوات فاغنر الموجودة في شرقي ليبيا والداعمة لحفتر، والقوات التركية ومجموعة الدعم السورية العاملة تحت إدارتها. وأن أنقرة قد أبدت مرونة بشأن حجم المقاتلين الموجودين في غربي ليبيا، وخفض أعدادهم، في مقابل الحد من قوة وسيطرة مجموعات فاغنر في شرقي البلاد[58].
ج- ملف شرق المتوسط: يحظى الملف الطاقوي وملف الحضور الجيوسياسي في منطقة شرق المتوسط وما يترتب عليه من منافع، بمساحة مهمة في مسار التقارب التركي مع مصر، إذ إن تركيا تستورد أكثر من 90% من احتياجاتها من الطاقة، وعليه قد تجد في التقارب مع مصر فرصة للاندماج تحت مظلة “منتدى غاز شرق المتوسط”[59]، كمدخل لتحقيق أكبر قدر من المنفعة، خاصة أن أنقرة لا تعد شريكًا أو طرفًا في أغلب الترتيبات أو التفاعلات الجماعية في منطقة شرق المتوسط، وفي هذا السياق يبدو أن أنقرة سعت عبر التقارب مع مصر إلى اختراق شبكة التعاون الإقليمية التي نشأت مما يسمى بالشراكات الثلاثية (مصر-قبرص-اليونان، وقبرص-اليونان-إسرائيل) وكسر الاصطفاف السياسي ضدها ضمن منظمة غاز شرق المتوسط، إذ تتيح المصالحة الفرصة أمام دخول دول حوض شرق المتوسط في مفاوضات جماعية وهي خطوة حاسمة نحو تسوية خلافاتها، كما تطمح أنقرة بالحصول على دعم القاهرة لانضمامها إلى منتدى غاز شرق المتوسط، كذلك تُبدي تركيا اهتمامها بتوقيع معاهدة ثنائية لترسيم الحدود البحرية مع مصر[60].
ومن الممكن التوافق حول ملف شرق المتوسط في هذا التوقيت، خاصة وأن المهلة أو الجدول الزمني الذي وضعته دول الاتحاد الأوروبي للتخلي تمامًا عن استيراد الغاز الروسي قد شارفت على الانتهاء ببداية عام 2024، لهذا قد يكون التعاون بين البلدين في هذا الخصوص مربحًا في إطار البحث الأوروبي عن مصادر بديلة في مناطق مستقرة تضمن استدامة وسلامة الإمدادات النفطية[61].
ناهيك عن اتفاق مصالح الدولتين فى منطقة شرق المتوسط، فبحسب خبراء فإن أنقرة تحاول منذ فترة إقناع القاهرة بأن توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بين البلدين لتحديد المناطق الاقتصادية بينهما سيعيد إلى مصر مناطق كبيرة كانت قد خسرتها لصالح اليونان وقبرص نكاية في تركيا، وأن إعادة ترسيم الحدود سيوسع من مناطق مصر الاقتصادية في البحر المتوسط، ما يعني ارتفاع حصة مصر من ثروات الغاز الطبيعي والنفط الموجودة في شرق المتوسط. وهو الأمر الذي سيعود على مصر بمنافع ضخمة تتمثل في استثمارات مع شركات عالمية.
وفي نفس الوقت تقطع الطريق على خط الغاز “East Med” الذي تسعى إسرائيل لإنشائه وتصدير الغاز من خلاله لأوروبا، وهو ما سيؤثر سلبًا على تموضع مصر كمنصة إقليمية لتصدير الغاز، حيث هناك نية جادة لدى إسرائيل وقبرص واليونان في إنشاء خط غاز (East Med) واهتمام من الاتحاد الأوروبي لإنجاز الخط الذي سينقل الغاز من إسرائيل وقبرص عبر خط يمتد في المياه العميقة في البحر المتوسط ويصل إلى اليونان ثم إلى أوروبا؛ ليصبح بديلاً عن الغاز الروسي الذي يسيطر على السوق الأوروبية[62].
وما يزيد من إمكانية قيام مصر وتركيا بترسيم الحدود البحرية بينهما أن اتفاق تعيين الحدود البحرية الموقع بين مصر واليونان، فى أغسطس 2020، به ثغرات عمدت مصر إلى وضعها تفيد بإمكانية تعديل الاتفاق ودخول تركيا طرفًا فيه، وأن الاتفاق مع اليونان جزئي وأن تعيين الحدود ليس نهائيًا وسيتم استكماله لاحقًا بل وحتى تعديله إذا ما دخلت مصر أو اليونان في مفاوضات مع دول أخرى تشترك مع أحد طرفي الاتفاقية في مناطق بحرية. وفي هذا الإطار لا يخرج الطرف المقصود عن كونه تركيا[63].
ومن الجدير بالذكر هنا، أن اتفاق ترسيم الحدود بين مصر وتركيا لن يكون بالضرورة على حساب ترسيم الحدود البحرية مع قبرص واليونان. وفى هذا السياق، فقد تحدثت تسريبات سابقة عن عقد اجتماع “مصري – تركي” بحضور مسؤولين من اليونان وقبرص لمناقشة ترسيم الحدود البحرية وحل الخلافات بينهم. وهو ما يتوافق مع الرؤية التركية التى سبق وأن دعت إلى مؤتمر يضم جميع الدول المعنية بشرق المتوسط للاتفاق على حل الخلافات العالقة باعتبار هذه الخطوة السبيل الوحيد لتجاوز التحديات الحالية والتوصل الى تسوية عادلة وتقاسم للثروات في المنطقة[64].
وفي المقابل، لا يتوقع أن تشهد المباحثات في هذا الملف تقدمًا كبيرًا، حيث يعتبر ملف شرق المتوسط هو العقدة الرئيسية – بالنسبة لتركيا – التي تعوق تقدم العلاقات بشكل متسارع، ووصولها إلى نقطة التطبيع الكامل. ففي أعقاب اللقاء الذي جمع السيسي بأردوغان في الدوحة، أكد الرئيس التركي – في تصريحات للصحفيين في طريق عودته – أن “طلب أنقرة الوحيد من مصر هو تغيير أسلوبها تجاه وضع تركيا في البحر المتوسط”. وذلك في ظل الصراع بين تركيا واليونان المتحالفة مع مصر، على مناطق النفوذ والمياه الاقتصادية في شرق المتوسط. فمع سنوات الخلاف الأولى بين القاهرة وأنقرة، حددت مصر وجهتها ووقفت إلى جانب اليونان في خلافها مع تركيا حول موارد الغاز في البحر المتوسط. وفي صيف عام 2020، وقعت مصر واليونان اتفاقية تم بموجبها تحديد المنطقة الاقتصادية لكلا البلدين في شرقي المتوسط، وانتقدت تركيا الاتفاقية وقالت إنها “اتفاقية قراصنة”[65].
ويرجع الخلاف الرئيسي هنا إلي أنه بينما تريد تركيا ترسيم الحدود البحرية مع اليونان عبر المفاوضات الثنائية، فإن اليونان تريد ترسيم الحدود على أساس اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار1982، والتي لم توقع أنقرة عليها؛ لإقرار قانون البحار بأحقية الجزر في امتلاك مناطق اقتصادية خالصة (بغض النظر عن وضعها الجغرافي أو مساحتها)، وهذا يعني بالنسبة لتركيا أن العديد من الجزر الملاصقة للسواحل التركية، وواقعة في نفس الوقت تحت السيادة اليونانية، سوف تؤدي إلى إهدار مساحات كبيرة من المناطق الاقتصادية الخالصة أمام السواحل التركية لصالح اليونان[66].
ثمة إشكالية أخرى مرتبطة بهذا الملف، تقف في مواجهة أي تطورات حقيقية بالنسبة إلى ارتدادات ما يجري بين مصر وتركيا، مرجعها استمرار الرؤية التركية بعدم الاعتراف بقبرص، التي تمثل ضلعًا ثالثًا لتحالف يضم مصر واليونان، واستمرار انقسام شبه الجزيرة القبرصية إلى قبرص التركية وقبرص اليونانية، وعدم وجود ما يلوح في الأفق من فرص لتوحيد الجزيرة. الأمر الذي يعني أن أنقرة ستظل تناور في عدم رؤية قبرص وهي طرف رئيس في منتدى غاز شرق المتوسط وضلع مركزي[67].
وبخلاف تقاطعات الأمر الواقع الجديد، فإن ثمة سبب قوي لدى القاهرة يجعلها غير متسرعة بشأن المغامرة بعلاقتها مع اليونان وقبرص من أجل استعادة العلاقات مع تركيا. وهو السبب الذي يتمثل في تعويل القاهرة على هاتين الدولتين في البحر المتوسط أكثر من تركيا، إذ أنهما عضوان في الاتحاد الأوروبي. ما يعني أن هاتين الدولتين بالنسبة لمصر شريك أكثر جاذبية من تركيا[68].
د- ملف البحر الأحمر: يُثير تصاعد التهديدات الأمنية المرتبطة بالاستهداف الحوثي للملاحة البحرية بالبحر الأحمر وخليج عدن، وسياسة التحشيد العسكري الدولي بالبحر الأحمر وما تحمله من مخاطر تتعلق باتساع الصراع الإقليمي؛ مخاوف مصرية تركية مشتركة نظرًا لما تفرضه من تهديدات على مصالحهما الأمنية والاقتصادية، حيث يُشكل البحر الأحمر شريانًا حيويًا لاقتصاد الدولتين، فهو البوابة الجنوبية لقناة السويس، وأحد الممرات الرئيسية لنقل الصادرات التركية إلى الأسواق الشرق أوسطية والأفريقية، ومن ثم فإن عرقلة حرية التجارة عبر الممر المائي وارتفاع أسعار الشحن العالمية المرتبطة بذلك، يضاعف الضغوط على اقتصاد البلدين. ورغم أن إقليم البحر الأحمر شكَل أحد مسارح التنافس على النفوذ بين القاهرة وأنقرة عبر عن نفسه في مساعي الأخيرة ترسيخ حضور سياسي وعسكري دائم في منطقة القرن الأفريقي، بغية أن تصبح رقمًا رئيسيًا في معادلة الأمن الإقليمي وطرفًا فاعلًا في مسارات التجارة العالمية؛ إلا أن تهديدات الملاحة خلقت تحديًا مشتركًا أمام البلدين يتيح فرصًا للتنسيق المشترك[69].
ه- الملف السوداني: يلاحظ أن أنقرة وقفت على الحياد حيال الأزمة السودانية منذ اندلاعها بين حكومة عبدالفتاح البرهان والجيش السوداني ضد قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الشهير بـ”حميدتي”، متبعة استراتيجية “الانتظار والمراقبة” لعل الوساطة السعودية أو الأفريقية تؤتي أكلها، وبعد إخفاق الوساطة السعودية تلمست أنقرة التنسيق مع الجانب الإماراتي، لكن ذلك لم يفلح في إنبات رؤية مشتركة بين الطرفين.
نظرًا لعدم حدوث تطور يربأ بالنفوذ التركي عن الانحسار لصالح نفوذ الجهات الأخرى، تحديدًا دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة أثيوبيا، تحرك الجانب التركي ربما يعكس مؤشرات بأنه ماض في التعاون مع القاهرة بما يشمل إتمام صفقة بيع عدد من مسيرات بيرقدار إلى القاهرة، على أن يكون هناك احتمال لمنح بعض هذه المسيرات إلى الجيش السوداني.
يُستشف احتمال منح بعض هذه المسيرات للجيش السوداني من زيارة عبد الفتاح البرهان لأنقرة في سبتمبر 2023، وطلبه في حينها مسيرات تركية بحسب ما نُشر من تسريبات صحفية ومؤسسية. الرفض كان سيد الموقف في الرد التركي، ويكاد ذلك الرفض يكون قد نبع من الرغبة التركية حينذاك من عدم الوقوع في حالة استقطاب إقليمي ليس مع أبوظبي فقط بل مع موسكو أيضًا.
لكن يبدو أن أنقرة وجدت أنه لا بد من رفع مستوى المناورة مع القاهرة في الملف السوداني، باعتبار أن ذلك بدأ يؤثر في حجم نفوذها الإقليمي في حوض البحر الأحمر ككل، فنزول أديس أبابا للميدان يعني من المرجح نشوء تحالف أو تعاون إماراتي-إثيوبي-إسرائيلي مدعوم من قبل بعض الدول الغربية. في ضوء ذلك وجب بالنسبة لأنقرة التدخل الوقائي في الملف السوداني، والواضح أن باب التدخل سيكون غير مباشر عبر البوابة المصرية لتجنب الاستقطاب مع أي طرف كما سلف الذكر[70].
و- الملف الصومالي: يشهد هذا الملف تطورات خطيرة إثر توقيع “جمهورية أرض الصومال الانفصالية” مذكرة تفاهم لإنشاء قاعدة عسكرية إثيوبية، وتأجير ميناء بربرة على البحر الأحمر لأديس أبابا لمدة 50 عامًا، وهي الاتفاقية التي أثارت حفيظة الجانب المصري الذي بدوره أعلن دعمه لدولة للصومال ورفضه لتلك الاتفاقية. وفي الوقت ذاته تمتلك أنقرة نفوذًا وحضورًا قويًا لدى طرفي هذا النزاع، ففي الصومال لها أكبر قاعدة عسكرية خارج البلاد هناك، كما تربطها معه علاقات اقتصادية كبيرة، الأمر ذاته مع إثيوبيا التي تستحوذ على نصف الاستثمارات التركية في إفريقيا، فضلًا عن اتفاقية الدفاع المشترك المبرمة بين الدولتين، ومن ثم يمكنها القيام بدور محوري في تهدئة هذا الملف بالتعاون مع القاهرة[71].وفي هذا الملف يبدو أن هناك اتفاقًا تركيًا مصريًا على بعض المحددات ومنها الحيلولة دون تقسيم الصومال، بما يحمله من تداعيات جيواستراتيجية على الأمن الإقليمي[72]. ولا يستبعد وقوع تعاون مصري تركي في برامج التدريب للقوات الصومالية لتحقيق توازن قوى محاط بتطور مؤسساتي للأجهزة الصومالية يمكنها من حسر النفوذ الإماراتي وتوسيع نطاق مناوراتها الدبلوماسية والعسكرية ضد التحرك الإثيوبي مع الإقليم الانفصالي صومالي لاند[73]. وفي هذا السياق يمكن قراءة موافقة حكومة وبرلمان الصومال، في 21 فبراير 2024، على اتفاق دفاعي مع تركيا، والذي بموجبه ستساعد تركيا في الدفاع عن المياه الإقليمية للصومال، وإعادة تنظيم القوات البحرية للصومال[74].
ز- ملف المعارضة المصرية في تركيا: يعتبر هذا الملف أحد المطالب الرئيسة التي تسعى مصر إلى إنجازها، خاصة أن تركيا ظلت لسنوات ملاذًا لقيادات وعناصر جماعة الإخوان. ورغم أن تركيا اتخذت بعض الإجراءات مؤخرًا لتحجيم وتطويق النشاط الإخواني في تركيا مثل إغلاق “قناة مكملين الفضائية”، فإن هذا الملف لا يزال يحمل عددًا من التعقيدات، لعل أبرزها الموقف النهائي من القيادات الصادرة بشأنها أحكام ومطلوبة للقضاء في مصر.
وفي حين يرجح البعض بأن تتخذ تركيا إجراءات أكثر صرامة مع الإخوان، وذلك في ضوء جملة من الاعتبارات، لعل أبرزها قيام تركيا بإعادة حساباتها فيما يتعلق بالرهان على الإخوان والذي اختلف كثيرًا خلال العقد الماضي؛ فبعدما كان تمكين الإخوان في الإقليم ضمن استراتيجية تركيا بعد أحداث 2011 وجزء من سياستها الخارجية، تراجع هذا الرهان واصطدم بواقع جديد فرضته حالة السقوط والتهاوي الإقليمي للجماعة وتراجع نفوذها في كافة الدول التي سعت إلى فرض نفوذها فيها[75].
ولعل السياسات التركية المتبعة علي أرض الواقع تدعم هذا الاتجاه. ففي تحرك ذي دلالة سياسية في سياق التقارب المتسارع مع مصر، بدأت السلطات التركية حملة توقيف بحق العشرات من شباب الإخوان المقيمين على أراضيها منذ سنوات، بينما تقرر عدم تجديد إقامة الكثير من العناصر الإخوانية، وهو ما يعني ضرورة مغادرتهم الأراضي التركية في غضون أسابيع. تزامنت تلك الإجراءات مع تكرار رفض السلطات التركية منح عدد من قيادات محسوبة على التنظيم الجنسية التركية، وهو إجراء لجأت إليه أنقرة مرارًا في سنوات سابقة لتوفير حصانة للكثير من قيادات “الإخوان” المدانين بأحكام جنائية في مصر، يصل بعضها إلى الإعدام. كما فرضت قيودًا جديدة على أنشطة جماعة “الإخوان”، وطالبت قياداتها بوقف أي أنشطة لها ضد مصر من داخل الأراضي التركية[76].
وعقب زيارة الرئيس التركي إلي مصر، كشفت تقارير إعلامية عن وجود قرار تركي بسحب الجنسية من الدكتور محمود حسين، القائم بعمل المرشد لجماعة الإخوان، والمقيم في إسطنبول. وأن السلطات التركية لم توضح له سبب سحب الجنسية وطالبته بتكليف محام للتواصل مع الجهات المسؤولة ومعرفة السبب الحقيقي. وأن حسين يدرس حاليًا مع المسؤولين بالجماعة موقفه سواء بالبقاء لحل المشكلة مع السلطات التركية أو البحث عن دولة أخرى يقيم فيها، وقد يكون في مقدمتها بريطانيا وماليزيا[77].
وإن كانت مصادر مقربة من المعارضة المصرية في تركيا نفت وجود ارتباط بين زيارة أردوغان لمصر وبين قرار السلطات التركية بسحب الجنسية التركية من الدكتور محمود حسين، مشيرة إلي أن القرار صدر منذ ثلاثة أشهر تقريبًا بسبب مخالفات في ملفات ومستندات الحصول علي الجنسية لحسين ولحوالي 36 من المعارضين المصريين في تركيا وأسرهم[78]. فيما كتب الصحفي سامي كمال الدين حول تلك الأنباء: “الخبر المتداول عن سحب الجنسية التركية من القائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين د محمود حسين غير صحيح، ولم تعلن تركيا هذا الخبر”[79]. فيما نفى عضو شورى “الإخوان”، مدحت الحداد، في حديث لموقع “الحرة”، التقارير التي تفيد بسحب جنسية حسين بعد عودة الرئيس التركي من مصر، رغم حديثه عن “خطأ في السيستم (تقني) حصل قبل شهر ونصف”. وأسفر “الخطأ” عن عدم ظهور بيانات القائم بمنصب المرشد العام للجماعة مع زوجته وأفراد عائلته، بينما تتم في الوقت الحالي عملية استعادتها، حسبما يضيف الحداد، مؤكدًا على فكرة أن “ما حصل عبارة عن خطأ”[80].
وفي المقابل، يستبعد البعض أن يصل الأمر إلي إخراج المعارضة المصرية من تركيا بصورة نهائية، أو تسليمهم للنظام المصري، وذلك لعدة أسباب:
فمن جانب أول، تمثل جماعة الإخوان للنظام التركي امتدادًا لأيديولوجية حزب العدالة والتنمية الحاكم، فضلًا عن اعتبار “أردوغان” تنظيم الإخوان لما له من انتشار واسع، أحد أهم أركان مشروعه لاستعادة مجد السلطنة العثمانية من خلال الترويج له ولتركيا في العالم العربي.[81]
ومن جانب ثان، فبنظرة معمقة على الخلاف التركي-المصري تقول إن المعارضة المصرية لم تكن السبب المباشر للخلاف – ولا حتى أهم أسبابه – ولا يفترض أن تكون أهم متطلبات التقارب. فالخلاف بدأ مع عدم اعتراف تركيا بانقلاب 2013 قبل أن يكون للمعارضة المصرية وجود أو حضور فيها، ثم تعمق لاحقًا مع حالة الاستقطاب في المنطقة. هذا الموقف لا علاقة مباشرة له بدعم تركي مفترض للمعارضة أو للإخوان المسلمين، وإنما لاعتبارات أخرى منها شرعية الرئيس محمد مرسي وانتخابه ديمقراطيًا وليس لأنه من الإخوان، ورفض تركيا للانقلابات العسكرية التى عانت منها لسنوات طويلة.
ومن جانب ثالث، تبدو المعارضة المصرية اليوم ضعيفة ومشرذمة وبعيدة عن إمكانية التأثير في المشهد المصري الداخلي، وباتت أقرب إلى حالة إعلامية منها إلى معارضة سياسية فاعلة، ومن ثم فهي ليست اليوم هاجسًا أمنيًا أو سياسيًا للنظام المصري.
ومن جانب رابع، موضوع استضافة المعارضة ليس فعلًا تركيًّا من طرف واحد، فمصر أيضًا فتحت أراضيها وإمكاناتها لجماعة غولن المصنفة على قوائم الإرهاب التركية والمتهمة بتنفيذ الانقلاب الدموي الفاشل عام 2016.
ومن جانب خامس، ثمة مصالح حيوية بين البلدين أرجح كثيرًا في كفة العلاقات من نقاش موضوع المعارضة المصرية. فملفات مثل ترسيم الحدود البحرية أو الملف الليبي أو حتى التجارة البينية والاتفاقات الاقتصادية المفيدة للجانبين أهم بكثير للقاهرة وليس فقط لأنقرة من ملف المعارضة.
ومن جانب سادس، إن المتوقع للعلاقات المصرية-التركية أن تنتقل بعد التهدئة الحالية إلى خطوات بناء الثقة وربما التوصل إلى اتفاق بحري، أي تفاهمات على أساس التنافس والخلاف وليس التعاون والتحالف. وعليه، فليس هناك ما يغري أنقرة أو يدفعها إلى التخلي تمامًا عن المعارضة المصرية إرضاء للقاهرة.
وأخيرًا، لا يعني كل ما سبق أن المعارضة المصرية في تركيا بعيدة عن التأثر بأي تقارب بين البلدين، وإنما الحديث هنا عن عدم محوريتها في أسباب الخلاف وسياق التقارب، وبقائها ضمن إطار التوابع والارتدادات.
وعليه، فإن فكرة التعاون الأمني مع النظام المصري وتسليمه من يطالب بهم من رموز المعارضة ليس أمرًا محتملًا ولا حتى افتراضًا قائمًا بجدية، كما تروج بعض الأطراف، وأن الأمر سيقتصر علي تحجيم تحركاتهم علي الأراضي التركية[82].
ويبدو أن هناك توافقًا مصريًا- تركيًا علي تنحية ملف المعارضة المصرية في تركيا جانبًا علي الأقل في الوقت الحالي، وهو ما ظهر في عدم تطرق الرئيسان خلال المؤتمر الصحفي إلي هذا الملف، كما أن مراكز الأبحاث المصرية القريبة من النظام لم تشر من قريب أو بعيد إلي هذا الملف عند تناولها وتحليلها لملفات زيارة الرئيس أردوغان إلي مصر، ما يوحي بأن هناك تعليمات من قبل المسئولين المصريين بتنحية هذا الملف عند تناول العلاقات المصرية التركية، ويوحي من جانب آخر بصعوبة الوصول إلي توافقات شاملة حول هذا الملف.
الخلاصات والاستنتاجات:
1- تأتي زيارة أردوغان للقاهرة كنتيجة لمقدمات تعددت أوجهها لتشمل تخفيض لهجة الخطاب السياسي لأردوغان تجاه القاهرة وسياساتها، وإجراء اتصالات مكثفة بين المسئولين الدبلوماسيين والأمنيين، وتبادل الزيارات على مستوى وزراء الخارجية، وعقد لقاءات رئاسية بروتوكولية سريعة على هامش بعض الفعاليات الدولية، كما أنها تأتي في لحظة دولية وإقليمية دقيقة رسخت إدراك البلدين لضرورة الانتقال من مرحلة الصدام والمواجهة إلى مرحلة التشاور والتنسيق وإدارة الخلافات وفق صيغ تفاهمية تتقبل وجود تصورات مختلفة تجاه بعض القضايا الإقليمية ومصالح متعارضة يتوجب مراعاتها وإدارتها بالتوازي مع التركيز على الأرضية المشتركة للتعاون الجيوسياسي والاقتصادي[83]. وقد يكون إعادة تشكيل مجلس التعاون الاستراتيجي المصري التركي الذي سبق تدشينه في ٢٠١٠، والإعلان عن زيارة مرتقبة للسيسي إلي تركيا في إبريل المقبل، مؤشرات قوية في هذا الاتجاه[84].
2- اهتمام الجانب المصري ينصب حاليًا على تطوير الشق الاقتصادي والاستثماري في العلاقات الثنائية، في حين يولي الجانب التركي أولوية للجانب الخارجي المتعلق بعدد من الملفات الإقليمية[85]. وفي حين أنه من المتوقع أن تشهد العلاقات الثنائية الاقتصادية والعسكرية تقدمًا ملحوظًا خلال الفترة القادمة، ومع التأكيد علي أن مسألة الإخوان المسلمين لم تعد أساسية في تقرير مستقبل العلاقة، إلا أنه من غير المتوقع أن تحل الخلافات حول القضايا الإقليمية قريبًا، خصوصًا حول ليبيا وشرق المتوسط[86]. حيث يتطلب التوصل لحل وسط، يستتبعه تقديم تركيا لتنازلات كبيرة تلبي المطالب المصرية، وهي التنازلات التي لن تقدم عليها أنقرة إلا مقابل تنازلات مصرية أكبر بشأن ملف شرق المتوسط[87]، ومن غير المتوقع أن تقدم مصر على أي خطوة تضر بشراكتها مع اليونان وقبرص ومن ورائهما فرنسا في شرق المتوسط.
3- على الأرجح، ستعمل مصر على بناء علاقة عمل براغماتية تخدم أهداف ومصالح تكتيكية. لكن التنافس الجيوسياسي مع تركيا لا يبدو من الممكن تجاوزه على الأقل في المستقبل المنظور[88]. فالعلاقة بين مصر وتركيا محكومة بحالة التنافس الإقليمي بين البلدين. فاتساع نفوذ أي منهما حتمًا ينتقص من نفوذ الآخر، كونهما إلى جانب المملكة العربية السعودية وإيران القوى الأكبر في الإقليم، والتي يمتلك كل منها مقومات القيادة، وبالتالي ستظل العلاقات حبيسة هذا التصور[89].
[1] “ملفات حيوية: قضايا إقليمية ودولية على أجندة زيارة أردوغان للقاهرة”، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، 13/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/t5xa3vjr
[2] ” ماذا بعد زيارة أردوغان للقاهرة؟”، مركز رع للدراسات الاستراتيجية، 16/2/2024، الرابط: https://rcssegypt.com/16831
[3] “زيارة أردوغان للقاهرة.. هل تُحسم الملفات الخلافية؟ وماذا عن غزة؟”، نون بوست، 13/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/msm3mjnk
[4] ” ماذا بعد زيارة أردوغان للقاهرة؟”، مرجع سابق.
[5] “التوقيت الحرج … ملفات زيارة الرئيس التركي للقاهرة”، المرصد المصري، 12/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/jatp98dt
[6] “قمة أنقرة.. ملفات شائكة تنتظر الحسم بين أردوغان والسيسي”، نون بوست، 16/7/2023، الرابط: http://tinyurl.com/yfyy8wzr
[7] “التوقيت الحرج … ملفات زيارة الرئيس التركي للقاهرة”، مرجع سابق.
[8] “قراءة مصرية في أبعاد زيارة أردوغان للقاهرة”، ترك برس، 17/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/yfhw2dec
[9] “طي الصفحة.. محفزات عودة العلاقات الدبلوماسية بين مصر وتركيا”، المرصد المصري، 4/7/2023، الرابط: http://tinyurl.com/3f83e8fk
[10] “الاستدارة الإقليمية”: كيف تصاعدت “التهدئة” بين القوى الرئيسية في الشرق الأوسط؟”، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 15/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/y237wexs
[11] “آفاق العلاقات “المصرية – التركية” بعد قرار رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية”، مركز شاف للدراسات المستقبلية وتحليل الأزمات والصراعات (الشرق الأوسط وأفريقيا)، 11/7/2023، الرابط: http://tinyurl.com/m8e5kpwh
[12] “مصر وتركيا: ماذا وراء عودة العلاقات بين البلدين عقب فوز أردوغان بفترة رئاسية جديدة؟”، بي بي سي عربي، 31/5/2023، الرابط: http://tinyurl.com/yhr5p676
[13] “خطوات مهّدت لعودة العلاقات المصرية – التركية”، الشرق الأوسط صحيفة العرب الأولي، 30/5/2023، الرابط: http://tinyurl.com/4ba7pz7v
[14] “دبلوماسية الكرة بين أردوغان والسيسي”، العربي الجديد، 22/11/2022، الرابط: http://tinyurl.com/yj88vnv9
[15] “العلاقات التركية-الخليجية.. مستوى جديد من التعاون”، عربي21، 15/7/2023، الرابط: http://tinyurl.com/4aup4kuk
[16] “قمة أنقرة.. ملفات شائكة تنتظر الحسم بين أردوغان والسيسي”، مرجع سابق.
[17] “آفاق العلاقات “المصرية – التركية” بعد قرار رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية”، مرجع سابق.
[18] ” ماذا بعد زيارة أردوغان للقاهرة؟”، مرجع سابق.
[19] “زيارة الرئيس التركي إلى القاهرة”، الهيئة العامة للاستعلامات، 14/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/2s46tuzs
[20] ملفات حيوية: قضايا إقليمية ودولية على أجندة زيارة أردوغان للقاهرة”، مرجع سابق.
[21] “زيارة الرئيس التركي إلى مصر: الأبعاد والأهمية”، المرصد المصري، 13/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/2kuytbvb
[22] ” ماذا بعد زيارة أردوغان للقاهرة؟”، مرجع سابق.
[23] “زيارة الرئيس التركي إلى القاهرة”، مرجع سابق.
[24] “مصر وتركيا: قراءة في دوافع التقارب – آثاره وآفاقه”، المرصد المصري، 13/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/3h5djth3
[25] ” ماذا بعد زيارة أردوغان للقاهرة؟”، مرجع سابق.
[26] “ملفات حيوية: قضايا إقليمية ودولية على أجندة زيارة أردوغان للقاهرة”، مرجع سابق.
[27] “مصر وتركيا: قراءة في دوافع التقارب – آثاره وآفاقه”، مرجع سابق.
[28] “أردوغان في القاهرة.. أي انعكاسات على البلدين والمنطقة؟”، الجزيرة نت، 15/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/yv8n5rxy
[29] “ملفات حيوية: قضايا إقليمية ودولية على أجندة زيارة أردوغان للقاهرة”، مرجع سابق.
[30] “مصر وتركيا: قراءة في دوافع التقارب – آثاره وآفاقه”، مرجع سابق.
[31] “ملفات حيوية: قضايا إقليمية ودولية على أجندة زيارة أردوغان للقاهرة”، مرجع سابق.
[32] “زيارة الرئيس التركي إلى مصر: الأبعاد والأهمية”، مرجع سابق.
[33] “التوقيت الحرج … ملفات زيارة الرئيس التركي للقاهرة”، مرجع سابق.
[34] “وزير خارجية تركيا: أنقرة وافقت على تزويد مصر بطائرات مسيّرة”، سكاي نيوز عربية، 5/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/4wr78n97
[35] “ملفات حيوية: قضايا إقليمية ودولية على أجندة زيارة أردوغان للقاهرة”، مرجع سابق.
[36] ” ماذا بعد زيارة أردوغان للقاهرة؟”، مرجع سابق.
[37] “تحركات مكثفة.. دوافع التقارب المصري التركي”، مجلة السياسة الدولية، 13/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/3bsfprh4
[38] “زيارة أردوغان للقاهرة.. هل تُحسم الملفات الخلافية؟ وماذا عن غزة؟”، نون بوست، 13/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/msm3mjnk
[39] “زيارة الرئيس التركي إلى مصر: الأبعاد والأهمية”، مرجع سابق.
[40] ” ماذا بعد زيارة أردوغان للقاهرة؟”، مرجع سابق.
[41] “تركيا تقترح آلية الضامن لوقف العدول الإسرائيلي..فما هي التفاصيل؟”، الخليج الجديد، 9/11/2023، الرابط: http://tinyurl.com/2rnffkkd
[42] ” ماذا بعد زيارة أردوغان للقاهرة؟”، مرجع سابق.
[43] “مصر وتركيا.. التأسيس لعلاقة استراتيجية”، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية،14/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/4b2mzc35
[44] “زيارة الرئيس التركي إلى القاهرة”، مرجع سابق.
[45] “فصل جديد من العلاقات التركية ـ المصرية”، عربي21، 17/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/zpdna263
[46] “إزاء قطاع غزة… كيف يمكن قراءة زيارة أردوغان لمصر ومصالحته مع السيسي؟”، القدس العربي، 15/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/tt953sw7
[47] المرجع السابق.
[48] “سامح شكري يشعل منصات التواصل بتصريحاته حول حماس”، الجزيرة نت، 18/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/48d8xcxn
[49] “إزاء قطاع غزة… كيف يمكن قراءة زيارة أردوغان لمصر ومصالحته مع السيسي؟”، مرجع سابق.
[50] “فصل جديد من العلاقات التركية ـ المصرية”، مرجع سابق.
[51] “إزاء قطاع غزة… كيف يمكن قراءة زيارة أردوغان لمصر ومصالحته مع السيسي؟”، مرجع سابق.
[52] “بعد عقد من الصراع السياسي والتراشق الإعلامي.. ما الذي دفع مصر وتركيا للمصالحة؟”، عربي بوست، 19/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/bdhvvfrb
[53] “قبيل قمة السيسي – أردوغان .. هكذا ستتأثر الملفات المشتركة بعد ترقية مستوى العلاقات”، مصر 360، 9/7/2023، الرابط: http://tinyurl.com/jfutdxdx
[54] “التوقيت الحرج … ملفات زيارة الرئيس التركي للقاهرة”، مرجع سابق.
[55] “فصل جديد من العلاقات التركية ـ المصرية”، مرجع سابق.
[56] “الآثار المحتملة لزيارة أردوغان لمصر على ليبيا”، عربي21، 17/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/y8zfzye7
[57] “سيناريوهات مصرية لإعلان استئناف العلاقات رسمياً مع حكومة الدبيبة”، العربي الجديد، 29/6/2023، الرابط: http://tinyurl.com/24vndkat
[58] “تقارب رؤى أميركي مصري تركي بشأن “فاغنر” في ليبيا”، العربي الجديد، 4/7/2023، الرابط: http://tinyurl.com/4je3dhy2
[59] يتكون المنتدى الذي تم تشكيله في يناير 2019 بدعوة من مصر، من 7 دول هي؛ مصر واليونان وقبرص وإسرائيل وفلسطين والأردن وإيطاليا، وانضمت كل من فرنسا والولايات المتحدة والإمارات بصفة مراقب.
[60] “زيارة الرئيس التركي إلى مصر: الأبعاد والأهمية”، المرصد المصري، 13/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/2kuytbvb
[61] ” ماذا بعد زيارة أردوغان للقاهرة؟”، مرجع سابق.
[62] “هدنة تكتيكية أمام تحديات مشتركة.. ما وراء التقارب المصري-التركي الحالي؟”، عربى بوست، 9/3/2021، الرابط: http://tinyurl.com/mtyd2b79
[63] ” صر وتركيا.. مزيد من الإشارات الإيجابية فهل اقتربت المصالحة؟”، دويتش فيلة، 6/3/2021، الرابط: http://tinyurl.com/2uans9h5
[64] “تركيا ومصر.. ملامح “تقارب” وتحسين للعلاقات تلوح في الأفق”، نداء بوست، 10/3/2021، الرابط: http://tinyurl.com/2s4tpdb
[65] ” لهذه الأسباب لا يبلغ قطار العلاقات المصرية-التركية محطة التطبيع”، مصر 360، 15/2/2023، الرابط: http://tinyurl.com/bdhe8kff
[66] “العلاقات المصرية التركية: القضايا والإشكاليات”، المعهد المصرى للدراسات، 20/7/2020، الرابط: http://tinyurl.com/52uvk82z
[67] ” لهذه الأسباب لا يبلغ قطار العلاقات المصرية-التركية محطة التطبيع”، مرجع سابق.
[68] المرجع السابق.
[69] “ملفات حيوية: قضايا إقليمية ودولية على أجندة زيارة أردوغان للقاهرة”، مرجع سابق.
[70] “بعد عقد من الصراع السياسي والتراشق الإعلامي.. ما الذي دفع مصر وتركيا للمصالحة؟”، عربي بوست، 19/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/bdhvvfrb
[71] “زيارة أردوغان للقاهرة.. هل تُحسم الملفات الخلافية؟ وماذا عن غزة؟”، مرجع سابق.
[72] “زيارة الرئيس التركي إلى مصر: الأبعاد والأهمية”، مرجع سابق.
[73] “بعد عقد من الصراع السياسي والتراشق الإعلامي.. ما الذي دفع مصر وتركيا للمصالحة؟”، مرجع سابق.
[74] “الصومال توقع اتفاقا مع تركيا لحماية مياهها الإقليمية وبناء قوة بحرية”، الجزيرة نت، 21/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/mfrnhka8
[75] “طي الصفحة.. محفزات عودة العلاقات الدبلوماسية بين مصر وتركيا”، المرصد المصري، 4/7/2023، الرابط: http://tinyurl.com/3f83e8fk
[76] “هل أدارت تركيا ظهرها لـ«الإخوان» بعد التقارب مع مصر؟”، الشرق الأوسط صحيفة العرب الأولي، 10/7/2023، الرابط: http://tinyurl.com/yhk8vtym
[77] ” بعد زيارة أردوغان.. تركيا تسحب الجنسية من القائم بعمل مرشد الإخوان”، العربية نت، 19/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/mry2z2rw
[78] ” حقيقة سحب الجنسية التركية من نائب مرشد الإخوان وتقييد تحركات إسلاميين مصريين”، جريدة الأمة، 19/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/5xjk4frn
[79] ” بعد زيارة أردوغان لمصر.. ما حقيقة سحب جنسية محمود حسين التركية؟”، وطن يغرد خارج السرب، 18/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/3nbaj3aj
[80] “تركيا.. ما قصة سحب الجنسية من القائم بأعمال مرشد “الإخوان”؟”، الحرة، 21/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/5dwz7583
[81] “مسارات متشابكة.. آفاق التقارب في العلاقات المصرية التركية بعد لقاء “السيسي” و”أردوغان””، القاهرة الإخبارية، 21/11/2022، الرابط: http://tinyurl.com/jr2bdkxh
[82] “التقارب التركي-المصري والمعارضة المصرية”، الجزيرة نت، 14/3/2021، الرابط: http://tinyurl.com/e9cry28k
[83] “تحركات مكثفة.. دوافع التقارب المصري التركي”، مرجع سابق.
[84] “زيارة الرئيس التركي إلى القاهرة”، مرجع سابق.
[85] “فصل جديد من العلاقات التركية ـ المصرية”، مرجع سابق.
[86] “مصر وتركيا… ملفات لم تحسمها زيارة أردوغان”، العربي الجديد، 17/2/2024، الرابط: http://tinyurl.com/4dcn5dc3
[87] ” لهذه الأسباب لا يبلغ قطار العلاقات المصرية-التركية محطة التطبيع”، مرجع سابق.
[88] “مصر وتركيا… ملفات لم تحسمها زيارة أردوغان”، مرجع سابق.
[89] ” لهذه الأسباب لا يبلغ قطار العلاقات المصرية-التركية محطة التطبيع”، مرجع سابق.