أهداف المقترح الأمريكي ببناء ميناء علي ساحل غزة: بين المعلن والمخفي

أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن في خطابه عن حالة الاتحاد، في 7 مارس 2024، عن خطة تدشين “ممر بحري مؤقت” لنقل المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة؛ نظرًا لصعوبة إدخال المساعدات عبر المعابر البرية بسبب التعنت الإسرائيلي، ولعدم جدوي آلية الإنزال الجوي للمساعدات التي قامت بها عدة دول. وقد أثار الإعلان عن هذا المقترح مخاوف وشكوك الكثيرين، من أن يكون خلف هذا الإجراء أهداف ونوايا أخرى، وهناك الكثير من التساؤلات حول الأهداف الحقيقية الكامنة وراءه؛ إذ كيف لإدارة (إدارة بايدن) تمعن في إمدادات السلاح اللامحدودة إلى إسرائيل، أن يتغير موقفها فجأة لتقرر فتح ممر بحري للمساعدات؟ ولو كان الهدف الحقيقي من خلف هذا المقترح هو المساعدات فقط، فلماذا لا تضغط الإدارة الأمريكية علي إسرائيل لفتح المعابر البرية الموجودة بالفعل، على رأسها معبر رفح المصري، باعتبارها الأسرع والأقل تكلفة في إدخال المساعدات للقطاع؟[1]. وبخلاف السؤال الأساسي تظهر تساؤلات أخرى؛ هل من علاقة بين إنشاء هذا الميناء وبين مشروع التهجير الذي تسعى إسرائيل إلى تنفيذه؟ وهل للممر المزمع تسييره بعد نهاية الحرب من مخاطر على فلسطيني القطاع، وعلى مصر؟ وما هي هذه المخاطر؟[2].

أولًا: تفاصيل المقترح الأمريكي ببناء ميناء علي ساحل غزة:

قال الرئيس الأمريكي جو بايدن في خطابه عن حالة الاتحاد[3]، في 7 مارس 2024: “أوجه الجيش الأمريكي لقيادة مهمة طارئة لإنشاء رصيف مؤقت في البحر الأبيض المتوسط على ساحل غزة يمكنه استقبال الشحنات الكبيرة المنقولة”، وأضاف: “سنوفر الغذاء والماء والدواء والملاجئ المؤقتة، ولن تكون هناك قوات أميركية على الأرض”[4].

وأصدرت المفوضية الأوروبية، في 8 مارس 2024، ودولة الإمارات وألمانيا واليونان وإيطاليا وهولندا وقبرص والمملكة المتحدة؛ بيانًا مشتركًا، تضمن تأييدها للولايات المتحدة، بتفعيل الممر البحري الدولي؛ لتوصيل المساعدات مباشرة إلى قطاع غزة[5]، كما نقلت “شبكة CNN”، عن مسئول قطري قوله: “نحن ملتزمون بدعم الممر البحري الذي خططت له “فوجبو”، وستنقل هذه الشراكة بين القطاعين العام والخاص 200 شاحنة محملة بالمساعدات عبر بارجة من قبرص إلى غزة كل يوم، وقد وافقت قطر على مساهمة مالية كبيرة تقدر بـ 60 مليون دولار”.

ثم أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، في 8 مارس 2024، بأن الجيش الأمريكي سينشئ رصيفًا بحريًا عائمًا قبالة سواحل غزة (بطول 548 مترًا، وتكلفة تقدر بنحو 35 مليون دولار) لتمكين سفن الشحن الضخمة من الرسو فيه، وتفريغ بضائعها في قوارب أصغر تنقل هذه المساعدات إلى جسر بحري يتم ربطه بشاطئ غزة. وأنه من المتوقع أن يستغرق إنشاء الرصيف العائم الذي سيتم استخدامه لتوصيل المساعدات الإنسانية الحيوية عن طريق البحر إلى غزة شهرًا واحدًا على الأقل أو ربما شهرين حتى يتمكن الجيش الأمريكي من البناء والتشغيل بكامل طاقته. وقال المتحدث باسم “البنتاغون” باتريك رايدر إن بناء الرصيف سيتطلب، على الأرجح، الاستعانة بقرابة 1000 عسكري أمريكي لإكماله. وذكر رايدر، أن أفراد الجيش الأمريكي لن ينقلوا المساعدات عبر الجسر المؤدي إلى غزة، وسيتم تثبيت الجسر على الشاطئ من قبل الشركاء الإقليميين على الأرض في غزة، وقال إن “الرصيف بمجرد تشغيله يمكن أن يوفر ما يصل إلى مليوني وجبة يوميًا لسكان غزة”[6].

وقالت القيادة المركزية الأمريكية، في 10 مارس 2024، أن سفينة الجيش الأمريكي “الجنرال فرانك إس بيسون” غادرت قاعدة “لانجلي- يوستيس” المشتركة في فرجينيا “بعد أقل من 36 ساعة من إعلان الرئيس بايدن أن الولايات المتحدة ستقدم مساعدات إنسانية لغزة عن طريق البحر”. وأن السفينة “تحمل المعدات الأولى لإنشاء رصيف مؤقت لإنشاء ميناء غزة لتوصيل الإمدادات الإنسانية الحيوية”[7].

وبحسب الخطة المعلنة، ستتجه المساعدات إلي ميناء “لارنكا” في قبرص، حيث ستخضع للتفتيش من قبل الاحتلال الإسرائيلي ما يعني إلغاء الحاجة لأي عمليات تفتيش أمنية في غزة، ثم تنقل عبر سفن الشحن إلى المرسي الذي سيتم بناؤه قبالة ساحل ميناء مدينة غزة القديم في منطقة “الرمال”، ثم يجري تفريغ الحمولات في مجموعة من المراكب والسفن الصغيرة – المعروفة باسم سفن الدعم اللوجستي – قبل أن تؤخذ هذه إلى الميناء على ساحل غزة. ومن على الرصيف، ستتولى الشاحنات مهمة نقل مواد المساعدات إلى اليابسة ومن ثم إلى داخل قطاع غزة. وللمساعدة في إنجاز هذه المهمة، دخلت الولايات المتحدة في شراكة مع شركة خاصة تدعى “فوغبو” ويديرها مسؤولون سابقون في الجيش والمخابرات الأمريكية، تتركز مهمتها بشكل أساسي في تنظيم حركة المساعدات لدى وصولها إلى ساحل غزة. فيما سيقوم الجيش الإسرائيلي بعملية تأمين خارجية لمنع حشود المدنيين من الوصول إلى الساحل ولجعل المنطقة آمنة. أما مهمة توزيع المساعدات فسيتولاها فلسطينيون محليون وغير مسلحين. ولن تشارك “فوغبو” في مهمة التوزيع، بل سيقتصر دورها على مهام لوجستية. وعلى مدى أطول، تخطط “فوغبو” لإنشاء مؤسسة تديرها جهات مانحة من أجل إدخال المساعدات إلى غزة[8].

يذكر هنا أن أول ظهور لفكرة بناء ميناء علي ساحل غزة خلال العدوان الإسرائيلي الحالي علي غزة جاء عندما أعلن الرئيس القبرصي (نيكوس خريستودوليدس) ــ خلال قمة الاتحاد الأوروبي، التي انعقدت يومي 26 و27 أكتوبر 2023 ــ عن مبادرة إنشاء ممر بحري يربط بين قبرص وغزة، لإيصال المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين بشكل آمن ومن دون عوائق، مشيرًا إلي أنه يناقش مبادرته مع قادة عدة دول. وتعد قبرص أقرب دول الاتحاد الأوروبي إلي غزة، إذ تبعد حوالي 370 كيلومترًا فقط إلي الشمال الغربي من القطاع في أقرب نقطة[9].

وفي 9 نوفمبر 2023، قدم الرئيس القبرصي خطة ــ في 25 صفحة ــ إلى مؤتمر للمساعدات الإنسانية في باريس، تتضمن فتح ممر بحري للمساعدة في تعزيز توصيل المسـاعدات إلى غزة بحرًا عن طريق جزيرة قبرص. وقال الرئيس القبرصي إن مقر مركز العمليات سيكون مدينة (لارنكا) جنوب قبرص، حيث يوجد ميناء ومطار، ويوجد بالفعل مركز تنسيق مع 33 دولة. ويسع الميناء 200 ألف طن من المساعدات الإنسانية، مما يتيح نقل ألفي طن من المساعدات لكل سفينة. وأوضح الرئيس أن المساعدات الإنسانية ستصل إلى قبرص لتحملها سفن تخضع لفحص يومي من لجنة تشارك فيها إسرائيل. وبمجرد تحميل القوافل، ستتبعها سفن حربية إلى منطقة محددة على ساحل غزة، ومن هناك توجه إلى منطقة آمنة ومحايدة. وقال (خريستودوليدس) إن المفوضية الأوروبية واليونان وفرنسا وهولندا تحرص على المشاركة[10].

وقد أبحرت سفينة تحمل نحو 200 طن من الغذاء من ميناء لارنكا في قبرص، في 12 مارس 2024، في تجربة أولى لإطلاق الممر البحري الجديد لإيصال المساعدات إلى سكان قطاع غزة[11].

كما تجدر الإشارة هنا، إلي أن فكرة الممر المائي الذي اقترحه الرئيس بايدن للربط بين قطاع غزة في فلسطين المحتلة وقبرص، قد طرح أكثر من مرة خلال السنوات العشر الماضية، وذلك على النحو التالي:

1- مبادرة المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان: في شهر مايو عام 2014، وبينما كان الصراع بين إسرائيل وفصائل المقاومة في غزة محتدمًا، وترفض إسرائيل – كعادتها في فترات التصعيد ضد غزة – دخول المعونات عبر معبر رفح بين غزة ومصر، أعد المرصد الأورومتوسطي تصـورًا عمليًا ومقترحًا لمشروع ممر مائي، يربط قطاع غزة المحاصر بالعالم الخارجي؛ وقد أوضح المرصد حينها أن التصور جاء نتيجة استعرض سلسلة العقوبات التي تفرضها إسرائيل ضد قطاع غزة خصوصًا عقب سيطرة حماس على القطاع في عام 2007، إضافة إلي السياسات المصرية التي تضمنت التقييد الشديد والإغلاق المتكرر لمعبر رفح، وتدمير مجموعة الأنفاق التي تعتبر شريان الحياة لغزة.

واقترح المرصد حينها، أن يبدأ الطريق البحري من غزة إلى قبرص أو إلى أحد الموانئ التركية. واستند المرصد في اقتراحه إلى تقرير لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) لعام 2004، حيث كان مخطط بناء ميناء غزة على موقع نحو 5 كيلومترات إلى الجنوب من مدينة غزة وحوالي 200 كيلومتر إلى الغرب من عمان، ليوفر خدمة للتجار الفلسطينيين والأردنيين، ويعمل على تزويدهم بممر عبور بديل إلى أوروبا وأمريكا الشمالية. وعندما طرح المقترح التزمت حكومتا هولندا وفرنسا بمبلغ 42.8 مليون دولار لبناء ميناء في غزة وتدريب العاملين فيه.

2- مقترح الاتحاد الأوروبي: وفي شهر أغسطس من العام نفسه (2014)، قدم الاتحاد الأوروبي مقترحًا بإقامة ممر مائي للأفراد والبضائع بين غزة و”لارنكا” في قبرص؛ بحيث يكون هناك مراقبون أوروبيون في كلا الجانبين للتأكد من عدم وجود اختراق أمني. وكان الدافع لهذا المقترح – وفقًا لما صرح به مصدر عن الاتحاد ــ هو أن “أوروبا تريد حلًا متكاملًا ودائمًا لمشكلة غزة، حتى لا نعود كل عام أو عامين لإعادة إعمار غزة”. وأضاف أن “أوروبا منفتحة علي وضع مراقبين أوروبيين في الميناء والمطار المقترح”. وشدد المصدر “نريد تفعيل دور السلطة الفلسطينية في قطاع غزة بالتزامن مع إنهاء الحصار”.

3- المقترح التركي: في نهاية عام 2014، دخلت أنقرة وتل أبيب في نقاشات لإعادة تطبيع العلاقات بينهما بعد أن توترت بسبب الهجوم الإسرائيلي علي أسطول الحرية لغزة، في 31 مايو 2010، وقتل 9 أتراك. واشترطت تركيا على إسرائيل لإعادة العلاقات تعويض أهالي الضحايا ورفع الحصار عن غزة؛ وذلك بتزويد غزة بالطريق البحري إلى العالم الخارجي، ويكون في البداية من غزة إلى قبرص أو إلى أحد الموانئ التركية. وقد وافقت إسرائيل بالفعل علي إنشاء ممر بحري يربط غزة بجزيرة قبرص في البحر المتوسط، ولكن تم العدول عن هذا المشروع عقب استئناف حركة المسافرين والبضائع عبر معبر رفح بعد موافقة حماس على السماح للحرس الرئاسي للسلطة الفلسطينية بإدارة معبر رفح بين مصر وقطاع غزة، وهو الشرط الذي كانت تتشبث به كل من مصر وإسرائيل من أجل استئناف العمل بمعبر رفح.

4- المقترح الإسرائيلي: في شهر يونيو 2018، تداول الإعلام الإسرائيلي، لأول مرة، الحديث عن مبادرة الممر المائي بين غزة وقبرص، التي تبلورت خلال زيارة وزير الأمن الإسرائيلي السابق (أفيغدور ليبرمان) لقبرص، وكانت المبادرة جزءًا من محاولة تحفيز إسرائيلية باتجاه حركة حماس، مقابل إعادة جثث جنود محتجزين لديها، وكذلـك معتقلين غير جنود. ولكن تم الإعلان عن رفض هذا المقترح، في نوفمبر 2018، بعد دراسة مشتركة بين وزارة الأمن والجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك) ومجلس الأمن القومي، حيث كشفت الدراسة عن وجود صعوبات تتعلق بخمسة مواضيع، وفي مقدمتها الموضوع الأمني: هل سيكون من الممكن إجراء فحص ملائم للبضائع، وهل يستلزم ذلك انتشار قوات إسرائيلية على الأراضي القبرصية؟ ما هو البعد القانوني لهذا النشاط، من ناحية القانون الدولي والإسرائيلي والقبرصي؟ ما هي الأبعاد السياسية من ناحية مشاركة الولايات المتحدة والسلطة الفلسطينية والاتحاد الأوروبي؟ ما هو المكان الأفضل ميدانيًا لإقامة الرصيف البحري على الشاطئ القبرصي؟ وأخيرًا، هل سيؤدي هذا المسار إلى انفصال إسرائيل عن غزة، أو إلي تعميق علاقتها بالقطاع؟، وأوضحت الدراسة أن هناك صعوبات فيما يتعلق بالأبعاد الخمسة، وتحديدًا البعد الأمني.

5- المقترح القطري: ذكرت صحيفة “الأخبار” اللبنانية، في 10 نوفمبر 2018، أن قطر اتفقت مع إسرائيل على البدء في تجهيزات إقامة ممر مائي بين غزة وقبرص بإشراف دولي ورقابة أمنية إسرائيلية، لكن تل أبيب طلبت وجودًا فعليًا علي هذا الممر. وأضافت الصحيفة ــ نـقلًا عن المصادر ــ أن حركة حماس وافقت على رقابة مشابهة لتلك التي كانت توجد في معبر رفح بعد “اتفاق 2005” عبر الكاميرات وربط الحواسيب، مع كون الرقابة الدولية هي الأساس[12].

ثانيًا: الأهداف المعلنة لبناء ميناء علي ساحل غزة:

يتمثل الهدف المعلن من خلف بناء هذا الميناء – كما جاء في حديث الرئيس بايدن – في تسريع وتيرة إدخال المساعدات الإنسانية إلي قطاع غزة، خاصة وأن تدفق المساعدات الإنسانية للقطاع ضئيلًا جدًا، مقارنة بالاحتياجات الهائلة لـ 2.3 مليون فلسطيني، فكانت الطّرق البرية الوحيدة لوصول الإمدادات الإنسانية داخل غزة تقع في جنوب القطاع، في “رفح، وأبو سالم”، يمر عبرها أقل من 100 شاحنة يوميًا، غير أن عمليات التفتيش الإسرائيلية كانت ترفض العديد من الشاحنات المحملة بالمساعدات خاصة المتجهة إلي شمال غزة؛ بحجة احتوائها على عنصر من قائمة طويلة من السلع المحظورة؛ ما اضطر بعض الدول، مثل “مصر، والأردن، وفرنسا، والولايات المتحدة” إلى اللجوء للإنزال الجوي للمساعدات، إلا أن كل عملية إسقاط جوي كانت تعادل – عادة – حفنة من شاحنات الغذاء، ولا تقترب من تلبية احتياجات السكان الذين هم على حافة مجاعة فعلية كما قالت الأمم المتحدة، وبذلك كانت طريقة غير عملية، علاوة على ما تحمله من مخاطر[13]. ناهيك عن قيام الاحتلال بقصف قوافل الإغاثة وقتل من يحاولون تنظيم وصولها للناس. بل ونفذ بنفسه مجزرة قرب دوار النابلسي في 29 فبراير 2024، فقتل 112 فلسطينيًا جاؤوا لأخذ المساعدات[14].

في الوقت ذاته يسعى بايدن إلى امتصاص الغضب الداخلي في أوساط واسعة من الناخبين الأمريكيين، الذي من الممكن أن يكلفه خسارة انتخابات نوفمبر المقبل. ويجمع المراقبون والمختصون بشأن الانتخابات الرئاسية الأمريكية على أن حجب الصوت العربي في الولايات المتأرجحة، قد يؤدي إلى خسارة جو بايدن، وهذا كابوس مرعب له ولحزبه[15].

علاوة على ذلك، تأتي هذه المبادرة بالتزامن مع حلول شهر رمضان، حيث تشير التخوفات الأمريكية والغربية إلى احتمال انفجار الوضع خارج غزة – خاصة في الضفة الغربية – ما لم يتم تدارك الأمر. ومن هذا المنطلق، تخدم هذه المبادرة التي يتم التسويق لها على أنها مبادرة إنسانية الهدفين في تخفيف الضغط على بايدن داخليًا، كما أنها تحاول امتصاص الغضب في العالم الإسلامي من خلال الترويج للمبادرة[16].

وبغض النظر عن هذين الهدفين؛ تكمن أهمية هذه المبادرة في كونها يمكن أن تعزز كمية المساعدات التي تدخل القطاع، في ظل العدد المحدود للشاحنات التي يسمح لها بالدخول عبر معبر رفح مع مصر. وإذا تم تنفيذ الخطة، فستكون هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تخفيف الحصار البحري الإسرائيلي على غزة منذ أن فرضته إسرائيل لأول مرة في عام 2007 بعد سيطرة حركة حماس على القطاع[17]. وفي هذا السياق؛ يمكن قراءة ترحيب القيادي في حماس “محمد نزال” بفكرة “إنشاء الممر البحري”، معتبرًا أن أية خطوة من شأنها تخفيف حدة الجوع هي “إيجابية”، مشيرًا إلي أن حماس سبق أن طلبت تشييد ممر بحري من وإلى غزة؛ لتلافي المشكلات التي حدثت على المعابر إلا أن المقترح كان يتم رفضه دائمًا، ولكنه عقب بأن الممر يحمل تناقضات ليست مفهومة وغير مبررة، وأن المقترح لا يزال غامضًا[18].

وفي المقابل؛ شكك العديد من المراقبين في أن يكون الهدف من خلف هذا المقترح الأمريكي هو إدخال المساعدات إلي قطاع غزة؛ نظرًا إلي عدة أسباب:

1- مدة إنشاء الرصيف البحري المؤقت، فمعظم التقديرات تتحدث عن 60 يومًا، وهذا يعني أن المعاناة الإنسانية في قطاع غزة ستستمر[19].

2- الجدوى العملية، حيث تعتبر عملية نقل المساعدات عن طريق البحر أكثر تعقيدًا من نقلها عن طريق البر، وأكثر تكلفة وأطول زمنًا، وتحتاج إلى ما يحتاج إليه النقل عن طريق البر، من تفتيش ونقل وتخزين وتنظيم وتوزيع وكوادر[20]. وتسلط معظم الانتقادات الضوء على أن حل الأزمة الإنسانية في قطاع غزة يمر عبر إرغام الاحتلال على السماح لشاحنات المساعدات بدخول القطاع برًا من دون أي عوائق، خصوصًا في ظل تكدس الشاحنات على الطرف المصري من معبر كرم أبو سالم، فضلًا عن إرغامه على فتح كل المعابر البرية مع قطاع غزة، وتسهيل مرور شاحنات المساعدات منها.

3- تحكم الاحتلال الصهيوني، حيث لا تعمل الخطة الأميركية على كسر الحصار الصهيوني، بل تعمل بالتنسيق معه على إدارته، الأمر الذي يثير شكوكًا عملية مشروعة بشأن ضمان تسهيل الاحتلال تدفق المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر مستقبلًا بحرًا[21].

4- توزيع المساعدات، حيث أن المساعدات التي ستصل إلى ميناء لارنكا القبرصي ستتعرض، قبل نقلها إلى قطاع غزة، لتفتيش صارم من قبل الإسرائيليين الذين اعتادوا، وفقًا للمنظمات الإنسانية، تأخير وتيرة التسليم، ناهيك عن أن إيصال المساعدات عن طريق البحر لن يحل مشكلة رئيسية، وهي عدم قدرة الشاحنات على تسليم بضائعها، ومن ثم توزيعها[22]، في ظل العوائق التي يفرضها الاحتلال، من قبيل منعه دخول شاحنات المساعدات إلى بعض مناطق القطاع، مثل الشمال، واعتداءاته المتكررة على مراكز المساعدات، واستهدافه المتكرر شاحنات المساعدات، وإطلاقه النار على متلقي المساعدات في أثناء توزيعها، واستهدافه الدائم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فضلًا عن استهدافه المراكز الحكومية الخدمية في قطاع غزة، الطرف الذي يدير شؤون القطاع وسكانه، وفي مقدمتها توزيع المساعدات[23].

5- أن الولايات المتحدة ليست طرفًا محايدًا، وإنما شريك كامل للكيان الصهيوني في حرب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها أهالي قطاع غزة منذ أكثر من خمسة أشهر[24]. فالولايات المتحدة هي المزود الرئيسي للاحتلال الإسرائيلي بالأسلحة والمتفجرات المستخدمة في تدمير قطاع غزة وبناه التحتية، وفي قتل وجرح عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ. ومنذ 7 أكتوبر 2023 وحتى مارس 2024 أرسلت الولايات المتحدة أكثر من 300 طائرة شحن ونحو 50 سفينة وسلمت نحو 35 ألف طن من الأسلحة والمعدات لإسرائيل بحسب صحيفة “إسرائيل هيوم” بتاريخ 18 مارس 2024.

والولايات المتحدة هي التي تقف خلف استمرار العدوان وتوفر له الغطاء الدولي، وتستخدم حق النقض (الفيتو)، في وجه العالم الذي يجمع على وقفه؛ وهي التي تستخدم كافة أدواتها السياسية لتطويع البيئة العربية والإسلامية للسكوت على العدوان وللتعاون مع الاحتلال، وتهدد أي أطراف تسعى لدعم قطاع غزة ومقاومته.

ومن الملاحظ أيضًا أن فكرة الممر البحري من قبرص تسهم فيه جهات متحالفة مع الكيان الإسرائيلي في عدوانه على قطاع غزة كألمانيا وبريطانيا وإيطاليا إلى جانب الولايات المتحدة.

ولو كانت الإدارة الأمريكية جادة في تقديم المساعدة الإنسانية، لكان يكفيها إعطاء الضوء الأخضر للحكومة المصرية، مع قليل من الضغط على الاحتلال الإسرائيلي، لفتح معبر رفح لإدخال آلاف الشاحنات التي تنتظر الدخول عند المعبر، والتي توفر بشكل أسرع وأكبر وأكثر فعالية واستدامة احتياجات القطاع[25].

صحيح أن سياسات بايدن تجاه الحرب في غزة تواجه بانتقادات متزايدة من جانب التيار اليساري في الحزب الديمقراطي، وأيضًا من جانب الناخبين الشباب في المجتمع الأميركي نفسه، خاصة في أوساط الأقليات، وصحيح أيضًا أن بايدن يدرك أنه معرض في الوقت نفسه لخسارة أصوات كل الأميركيين العرب والمسلمين، وهو ما لمسه بنفسه خلال الانتخابات التمهيدية في ولايتي ميتشغان وبنسلفانيا، غير أن بايدن ليس من النوع الذي يسهل تغيير قناعاته السياسية والفكرية. ويكفي أن نتذكر هنا أنه يفخر بتعريف نفسه بأنه “صهيوني”، وهو القائل بأنه “ليس من الضروري أن يكون الإنسان يهوديًا ليصبح صهيونيًا”، وهو القائل أيضًا “لو لم تكن إسرائيل موجودة لتعين علينا اختراعها”.

فإذا أضفنا إلى ما سبق أنه محاط بمجموعة من المستشارين والمساعدين اليهود الذين لا يقلون عنه “صهيونية” وحرصًا على تقديم كل دعم ممكن لإسرائيل، فسوف يكون من الصعب تخيل أن تكون مبادرته الأخيرة قد صممت لمساعدة الفلسطينيين.

لا شك أن بايدن يمقت نتنياهو لأسباب كثيرة معروفة، ويعتقد في الوقت نفسه أن العناصر المتطرفة في حكومة إسرائيل الحالية، من أمثال بن غفير وسموتريتش، تتبنى مواقف وسياسات من شأنها أن تلحق ضررًا شديدًا بإسرائيل نفسها، لكنه سيظل حريصًا كل الحرص على أن يعمل من أجل تحقيق المصالح الإسرائيلية العليا، وبالتالي فلا شك أنه يعتقد أن مبادرة الرصيف البحري قد تنجح في تخفيف الضغوط التي يواجهها داخل الحزب الديمقراطي، لكنه على ثقة تامة من أنها تصب في النهاية في مصلحة إسرائيل التي لا يمكنه التفريط فيها[26].

6- الانتقادات الأممية لهذه الخطة، حيث قالت سيخريد كاخ، كبيرة منسقي الشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة – تعليقًا علي الإعلان الأمريكي عن إنشاء ميناء علي ساحل غزة – أن “توصيل المساعدات عبر الجو أو البحر ليس بديلًا عن إيصال المساعدات برًا الذي يعد السبيل الوحيد للوفاء بالحجم الهائل للاحتياجات لسكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون شخص”[27]. من جانبها، قالت المتحدثة باسم وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) جولييت توما إن الوكالة ترحب بأي جهد “يحسن ويعزز تدفق المساعدات الإنسانية المطلوبة بشدة”. لكنها أضافت “هناك طريقة أسهل وأكثر فاعلية لجلب المساعدات.. وهي عبر المعابر البرية التي تربط إسرائيل بغزة”[28].

فيما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، خلا زيارته لمصر في 24 مارس 2024، إن الطريقة الوحيدة ذات الكفاءة والفعالة لنقل البضائع الثقيلة من أجل تلبية الاحتياجات الإنسانية في قطاع غزة هي عن طريق البر، وبما يشمل زيادة هائلة في عمليات التسليم التجارية[29].

7- الترحيب الإسرائيلي بإنشاء الميناء، نقلت قناة “كان” العبرية، في 20 مارس 2024، عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو زعمه بأنه “صاحب فكرة الميناء”. كما قال نتنياهو بأن “الميناء يمكن أن يسهل إخراج الفلسطينيين من غزة”، مضيفًا أنه “لا يوجد أي عائق أمام مغادرة الفلسطينيين لقطاع غزة، باستثناء عدم رغبة الدول الأخرى في قبولهم”[30].

وقد نشرت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية في 11 مارس 2024م، نقلًا عن مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى، أن “خطة إنشاء طريق بحري إلى غزة عبر قبرص لتقديم المساعدة الإنسانية للفلسطينيين، بدأها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالتعاون مع الرئيس الأميركي جو بايدن”، بعد أسبوعين من اندلاع الحرب. وقد ذكرت الصحيفة نقلًا عن مصدرها، أن نتنياهو عرض الخطوط الرئيسية لهذه الاستراتيجية على الرئيس القبرصي خريستودوليديس، نهاية أكتوبر 2023، بعد حديثه مع بايدن، وأن نتنياهو تحدث مع بايدن ثانية في 19 يناير 2024 في الخطة نفسها، واقترح عليه تشكيل فريق لاستكشاف الإمدادات البحرية عبر قبرص، مؤكدًا إجراء فحص شامل لجميع البضائع التي سترسل إلى قطاع غزة[31].

كما ذكر وزير الحرب الإسرائيلي يواف غالانت أن “الممر البحري سيعزز سيطرتنا، ويعزز قدراتنا على استمرار القتال بغزة”، وأنه “سيسهم في تقويض سلطة حماس”[32].

فيما قالت وزارة الخارجية الإسرائيلية، في 8 مارس 2024، في بيان: “ترحب إسرائيل بافتتاح الممر البحري من قبرص إلى قطاع غزة”. وأضافت: “ستسمح المبادرة القبرصية بزيادة المساعدات الإنسانية لقطاع غزة بعد إجراء فحوصات أمنية وفقًا للمعايير الإسرائيلية”. وزعم البيان أن إسرائيل “ستواصل تسهيل نقل المساعدات الإنسانية إلى سكان قطاع غزة وفقًا لقواعد الحرب وبالتنسيق مع الولايات المتحدة وحلفائنا في جميع أنحاء العالم”[33]. وكانت الخارجية الإسرائيلية أعلنت، في 19 ديسمبر 2023، أن تل أبيب تبحث مع قبرص “تشغيل” ممر بحري بين الأخيرة وغزة، وفي اليوم التالي في 20 ديسمبر أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي “إيلي كوهين” تأييد فتح ممر بحري بين قبرص وغزة وقال كوهين: “إن الممر سيخضع لتفتيش أمني تنسقه إسرائيل” وشكر الوزير الإسرائيلي قبرص على ما أطلق عليه “المبادرة الهامة”[34].

8- رفض السلطة الفلسطينية، حيث أعلن مجلس الوزراء الفلسطيني، في 27 ديسمبر 2023، رفضه الممر البحري بين قبرص وقطاع غزة لما يترتب عليه من مخاطر تستهدف الوضع الديموغرافي في قطاع غزة، في ضوء عمليات القتل والتجويع وقطع شريان الحياة عن القطاع. وطالب مجلس الوزراء بإدخال المساعدات عبر المعابر الخمس التي تصل الضفة الغربية بقطاع غزة وليس عبر ممرات تحمل يافطة إنسانية للتغطية على تمرير مخططات تتساوق مع أهداف حرب الإبادة التي ترتكبها إسرائيل ضد أبناء شعبنا في القطاع، وكلف المجلس وزير الخارجية والمغتربين رياض المالكي للتواصل مع الحكومة القبرصية لإبلاغها برفض هذا الممر المائي. وكان لافتًا تأكيد رئيس حكومة تصريف الأعمال الفلسطينية محمد أشتية، في كلمته بمستهل الجلسة، أن هناك جهودًا دولية مكثفة لإنهاء موضوع عائدات الضرائب الفلسطينية “المقاصة”، وموضوع تمويل رواتب أهلنا في قطاع غزة، ولن نتراجع عن هذا الأمر[35].

ثم عاد رئيس حكومة تصريف الأعمال الفلسطينية محمد أشتية، وحذر من أن يتحول الممر البحري المخصص لإيصال المساعدات إلى قطاع غزة إلى مخرج لتهجير الفلسطينيين من القطاع. وقال أشتية في جلسة لمجلس الوزراء: “لا نقبل أي وجود أجنبي مهما كانت جنسيته على أرض غزة، بما يفرض علينا واقعًا جديدًا مهما كانت الأشكال والنيات والدوافع”. وأضاف: “طالبنا بقوات حماية دولية لشعبنا ولجميع الأراضي الفلسطينية بما يشمل القدس والضفة وغزة تحت راية ومظلة الأمم المتحدة”. وأشار أشتية إلى أن “هناك من يريد إدارة ذاتية لغزة، وهناك من يعمل على استجلاب شركات أمن خاصة للعمل في غزة”، مؤكدًا أن ذلك “يعني عدوانًا على إرادة شعبنا”[36]. وتساءل اشتية، في كلمة له خلال الاجتماع الحكومي الأسبوعي في رام الله: “هل يعقل أن يكون رصيف الممر المائي الذي يتم بناؤه على شاطئ غزة من مخلفات المباني المهدمة معجونًا بجثامين الشهداء التي كانت مدفونة تحت الركام؟ هذا رصيف لممر مائي برائحة الموت”[37].

ثالثًا: الأهداف الخفية لبناء ميناء علي ساحل غزة:

وعلي ضوء هذه الشكوك الرافضة لأن يكون إدخال المساعدات الدافع الرئيسي أو دافعًا من الأساس خلف إنشاء هذا الميناء، فقد تزايدت التساؤلات حول ماهية الأهداف الحقيقية لإنشاء هذا الممر، ويمكن الإشارة إلي أبرز هذه الأهداف كما يلي:

1- الأهداف الأمنية: يمكن الإشارة إلي مجموعة من الأهداف الأمنية التي تقف خلف بناء ميناء علي ساحل عزة، تتمثل في:

أ- إطباق الحصار البحري: يبدو أن هذا الميناء يهدف إلي إطباق الحصار البحري على قطاع غزة لمنع أي عمليات تهريب للسلاح إلى حماس[38]؛ فطالما اتهمت إسرائيل، إيران، بتهريب أسلحة لقطاع غزة عبر البحر المتوسط، عبر طرق تهريب معقدة باستخدام قوارب صيد صغيرة، أو في شكل بضائع مدنية يمكن إعادة استخدامها[39].

ب- اجتياح رفح: قد يكون هذا الميناء محاولة لمنع وصول المساعدات إلي حماس، خاصة وأن دخول أية مساعدات من معبر رفح سيجعلها بالضرورة تحت رقابة حماس في رفح، وبالتالي إمكانية التموين لعناصرها وأجهزتها[40].

ومن جانب ثان، فإنشاء هذا الميناء قد يكون تمهيدًا لاجتياح مدينة رفح آخر المدن الفلسطينية في القطاع التي لم يدخلها الاحتلال الإسرائيلي، والتي تجمع فيها أكثر من مليون و400 ألف نازح، والأهم أن المدينة الحدودية التي تقع على طرفيها معابر يمكن أن تدخلها المساعدات، على الحدود الشرقية مع الأراضي المحتلة حيث معبر كرم أبو سالم الذي تسيطر عليه إسرائيل، وتدخل المساعدات الإغاثية الدولية وفقًا لضغوط المفاوضات، والحدود الجنوبية حيث معبر رفح. وعليه، إن بدء عدوان عسكري إسرائيلي بري على مدينة رفح، يعني بالضرورة تعطيل هذين المعبرين، وبالتالي تبدد أي إمكانية لدخول المساعدات برًا إلى قطاع غزة، وهو ما يدفع الدول إلى إيجاد بدائل عن هذه المساعدات قبل الاجتياح، هذا من جانب[41].

ومن جانب ثالث، يبدو أن الميناء سيركز علي تقديم المساعدات وتوزيعها على شمال قطاع غزة، ويمكن أن يشجع ذلك أعدادًا متزايدة من الفلسطينيين، الذين كانوا قد رحلوا إلى الجنوب على العودة للشمال. هذا من شأنه أن يقود إلى إعادة توزيع السكان، وتخفيف الضغط السكاني على الجنوب، وهو ما قد يغري إسرائيل باختبار جدوى تنفيذ عمليات برية محدودة، وليس اجتياحًا بريًا على نطاق واسع، داخل مناطق في رفح، يتم إخلاؤها تمامًا من السكان، لتقليل الخسائر البشرية المحتملة، وإرضاء الإدارة الأمريكية التي تؤيد استمرار الحرب على غزة، بشرط تقليل الخسائر البشرية[42].

ومن جانب رابع، فإن هذا الميناء قد يكون تمهيد لإخراج معبر رفح عن الخدمة؛ لأن إسرائيل لا تثق به، وتعتبره المدخل الرئيسي لأسلحة حماس، حيث سيؤدي ذلك مع مرور الوقت وفرض حقائق جديدة إلى إلغاء المعبر أو تهميشه، وقطع كل صلة لغزة مع العمق العربي، فعلى الرغم من كافة العقبات التي يواجهها القطاع في قضية معبر رفح، إلا أنه في النهاية يظل معبرًا عربيًا فلسطينيًا وليس إسرائيليًا أمريكيًا[43].

ج- التهجير: فهناك تخوفات من أن يكون مشروع الميناء مرتبط بتشجيع هجرة الفلسطينيين طوعًا إلى أوروبا، فإزاء تمسك مصر بموقفها الرافض للتهجير، فإن الميناء قد يوفر الدعم اللوجستي لتسهيل الهجرة، وقد يوفر بواخر نقل عملاقة. فقد أدى العدوان إلى تدمير شبه كامل للقطاع، واستشهاد وجرح أزيد من مائة ألف إنسان، ونزوح مليوني مواطن، ومع التجويع والحصار والدمار قد يتخلى الفلسطينيون عن البقاء علي أراضيهم[44].

2- الأهداف السياسية: تسعي إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وأطراف أوروبية وعربية في بحثها في اليوم التالي للحرب في قطاع غزة إلي القضاء على حكم حماس في قطاع غزة. ويتضح هذا الأمر من خلال استهداف الاحتلال الإسرائيلي لطواقم الشرطة المدنية، التي كانت تتولى عملية تأمين الشاحنات المحملة بالمساعدات خلال عملية التوزيع الخاصة بها في مدينة رفح، ما تسبب في استشهاد عدد من أفراد الأجهزة الأمنية، تبعه استهداف العميد فائق المبحوح الذي نظم عملية إدخال المساعدات وتوزيعها في شمال قطاع غزة بمشاركة العشائر واللجان الشعبية، بعدما قرار الاحتلال منع إدخال “الأونروا” للمساعدات إلى شمال القطاع[45].

ويتضح ذلك أيضًا مع محاولة الاحتلال إقامة سلطة بديلة لسلطة حماس في قطاع غزة، وكان ذلك سببًا أساسيًا في تواصل الاحتلال مع قيادات عشائرية في القطاع لتولي المهمة، كخطوة في تشكيل إدارة بديلة للقطاع، غير أن هذه القيادات رفضت. والاحتلال ما زال يواصل جهوده وضغوطه في هذا المسار، حيث يتواصل مع قيادة السلطة الفلسطينية في رام الله لتولي المهمة وفق شروطه؛ كما التقى بمسؤول المخابرات ماجد فرج لعمل تشكيلات أمنية بديلة لحماس[46].

وبالتالي فأن مشروع الميناء يخدم هذه الأهداف الإسرائيلية، حيث أن توزيع المساعدات في أنحاء غزة سيتم عبر إدارة جديدة يجري استحداثها بموافقة إسرائيل. هذا يعني حرمان أي متعاطف مع المقاومة أو معارض للاحتلال من القيام بأي دور في إدارة التوزيع، وحرمان مقاتلي المقاومة من وصول الغذاء والماء والدواء إليهم. كذلك فإنه لن يتم تقديم مساعدات إنسانية إلى المقيمين في أي منطقة يعلن الجيش الإسرائيلي إنها منطقة عمليات عسكرية، سواء كان ذلك في شمال غزة أو جنوبها أو في الوسط. ومن المرجح استخدامها أيضًا وسيلة من وسائل العقاب ضد الفلسطينيين الذين يبدون تعاطفًا مع المقاومة[47].

كما تسعى واشنطن للاستفادة من التمويل الخليجي لمشروع الميناء، للبدء في رسم معالم “اليوم التالي” للحرب من خلال بناء قواعد تعاون إسرائيلي – أمريكي – عربي، والدفع مرة أخري نحو مشاريع التطبيع، خاصة مع السعودية[48].

3- الأهداف الاقتصادية: توجد أهداف اقتصادية يعتقد أنها قد تكون ضمن الأهداف التي دفعت واشنطن للانخراط في فكرة إنشاء هذا الممر البحري والرصيف البحري في غزة، أهمها موارد الغاز الطبيعي وطرق التجارة الدولية بالمنطقة:

فبالنسبة للغاز، فمنذ 2012، ازداد الاهتمام في منطقة شرق المتوسط، باكتشافات كبيرة للغاز الطبيعي من قبل إسرائيل، التي وصلت مرحلة اكتفاء بسبب حقول الغاز في البحر المتوسط. لدى إسرائيل على البحر المتوسط، 5 حقول للغاز، هي: حقل ليفياثان وهو الأكبر، وحقل تمارا، وحقل دليت، وحقل كاريش، وحقل نميم. بينما تملك مصر عدة حقول للغاز جعلتها تكتفي ذاتيًا حتى منتصف 2023، أكبرها حقل ظهر الذي ينتج يوميًا 2.4 مليار قدم مكعبة يوميًا. بينما يملك الفلسطينيون حقل غزة مارين (بدون صلاحية استخدام) المكتشف نهاية تسعينات القرن الماضي؛ ويقدر الاحتياطي في الحقل بـ1.1 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، أي 32 مليار متر مكعب. في يونيو 2023، وجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بتنفيذ مشروع تطوير حقل غزة مارين “في إطار الخطوات الجارية بين إسرائيل ومصر والسلطة الفلسطينية، والخاصة بالتركيز على تنمية الاقتصاد الفلسطيني”، بحسب بيان حينها لمكتب نتنياهو.

أمام كل هذه الثروات، يكون الوجود الأمريكي من وجهة نظهرها مبررًا في شرق المتوسط، خاصة مع دخول لبنان على الخط، بعد اتفاق ترسيم حدود مع إسرائيل. وتعبيد الطريق أمام شركات النفط الأمريكية للسيطرة على منطقة غزة مارين. وتتنافس الولايات المتحدة حاليًا مع قطر وأستراليا على لقب أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم. كما يعد ملف الطاقة، والغاز الطبيعي تحديدًا، أحد أبرز عناصر القوة للاقتصادات المتقدمة والنامية، وظهر أهميته أكثر مع الحرب الروسية الأوكرانية ومعاناة دول الاتحاد الأوروبي من أزمة إمدادات للغاز.

وفيما يتعلق بالممرات التجارية، السيناريو الاقتصادي الآخر للوجود الأمريكي في شرق المتوسط، يتمثل في تأمين أحد أبرز الممرات التجارية المرتقبة، والذي أعلن عنه في قمة مجموعة العشرين بالهند العام الماضي. وفي 10 سبتمبر 2023، أعلنت السعودية، والولايات المتحدة، والهند، والإمارات، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، والاتحاد الأوروبي، توقيع مذكرة تفاهم بشأن مشروع إنشاء ممر اقتصادي جديد يربط الهند والشرق الأوسط وأوروبا. الممر المرتقب والذي يعبر إسرائيل، سيكون منافسًا لطريق الحزام والطريق الصيني، وهو هدف أمريكي لإضعافه عبر إيجاد طرق تجارية بين أسواق الشرق والغرب. وستكون منطقة البحر المتوسط، نقطة النقل البحري للسلع من الشرق إلى الغرب، ما يعني أن الوجود الأمريكي سيكون مبررًا لها، ضمن صراعها مع الصين[49].

وبالنسبة لإسرائيل، فإن هذا الميناء يعتبر جزء من مساعي تل أبيب لإيجاد طرق بحرية لنقل البضائع إلى إسرائيل بديلة عن طريق البحر الأحمر الذي تم قطعه من قبل الحوثيين في اليمن[50].

رابعًا: الموقف المصري من بناء ميناء علي ساحل غزة:

يشكل بناء ميناء علي ساحل غزة تهديدًا جوهريًا لدور مصر الاقليمي عمومًا، وتجاه الملف الفلسطيني خصوصًا. حيث تشترك مصر حدوديًا مع قطاع غزة، معقل المقاومة الفلسطينية، والشوكة الأبرز في ظهر الاحتلال، بعد خضوع بقية المناطق الفلسطينية بين كماشة السيطرة والاستئناس، وهو الاشتراك الذي يمنح القاهرة ميزة غير ممنوحة لغيرها من دول المنطقة ذات الثقل والنفوذ. كذلك تعد مصر – عبر معبر رفح – النافذة الوحيدة لسكان القطاع على العالم الخارجي بعد السيطرة الكاملة للاحتلال على المعابر الخمس الأخرى، والرئة الأساسية التي يتنفس من خلالها أكثر من مليوني فلسطيني داخل غزة.

وبالتالي فإن تدشين ميناء بحري على شواطئ غزة لإدخال المساعدات مع الوضع في الاعتبار الإبقاء على تجميد عمل معبر رفح يعني أن المعبر رويدًا رويدًا سيخرج بعيدًا عن المعادلة، أو على الأقل يقتصر دوره على البعد الإداري فقط لإدخال وإخراج الفلسطينيين، وذلك لوقت محدد، ويتم الاستعاضة عنه بالميناء. ويعني كذلك أن نفوذ مصر المستمد في جزئية منه من التواصل مع الفصائل الفلسطينية والسلطة التي تحكم القطاع ربما يتراجع كذلك، بحكم أن المعبر كان حلقة الوصل بين الطرفين.

هذا بخلاف احتمالية أن تتعرض محورية مصر كقبلة للقوى الإقليمية والدولية المنخرطة في الأزمة لهزة عنيفة، ففي الحرب الحالية تحولت سيناء والعريش إلى وجهة الدول الراغبة في تقديم مساعدات للقطاع، لكن مع دخول الميناء الجديد حيز العمل فإن القبلة ستتحول من الأراضي المصري إلى ميناء لارنكا في قبرص ومنه إلى شواطئ غزة تحت حماية الأمريكان والإسرائيليين معًا، فيما تخرج القاهرة خارج المعادلة، فاقدة المحور الأهم لنفوذها إزاء الملف الفلسطيني.

كما شكل القطاع على مدار سنوات طويلة عمقًا أمنيًا للدولة المصرية، وظلت المقاومة ظهيرًا قويًا للأمن القومي المصري حيث حالت بين الجانب المصري والإسرائيلي، وقللت من احتمال الصدام والاشتباك بين الطرفين. غير أن الوضع بالتطورات المحتملة بعد تدشين الميناء، وسيطرة الاحتلال على قطاع غزة وتفريغه من سكانه، سيكون مغايرًا تمامًا، فمن المتوقع أن يتلاشى البعد الأمني الذي كانت تشكله المقاومة والقطاع معًا، ليجد المصريون أنفسهم في مواجهة الإسرائيليين دون أي حواجز أو خطوط فاصلة كالتي عليه الآن.

وفي الأخير وبعد التعثر المصري إزاء عدد من الملفات الحيوية خلال السنوات الأخيرة، لم يتبق أمام الدولة العريقة حضاريًا سوى الملف الفلسطيني للحفاظ على نفوذها وحضورها الإقليمي[51]. ولعل من الشواهد الدالة على أن القضية الفلسطينية هي البوابة الرئيسية، وربما الوحيدة للنفوذ المصري، هو أن الرئيس الأمريكي بايدن لم يجر أي اتصال مع السيسي، إلا عند اندلاع الحرب العدوانية ضد قطاع غزة في مايو 2021[52].

وفي الوقت ذاته، شكل معبر رفح البري منفذًا تجاريًا حيث يشكل قطاع غزة سوقًا حيويًا، وستتضرر مدن العريش والشيخ زويد اقتصاديًا، وتكفي الإشارة هنا لتصريحات رئيس الغرف التجارية المصري الأسبق محمد المصري في الثامن عشر من أكتوبر 2023 حيث قال إن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة قد أضرت بالتبادل التجاري الكبير بين مصر وفلسطين والذي وصل إلى ما يقارب نصف مليار دولار في عام 2022 ـ 2023. كما أن هذا الميناء قد يدفع نحو تقليص بنود المعابر في اتفاقية كامب ديفيد، وسيعاد النظر بشكل كامل في المساعدات العسكرية الأمريكية التي يحصل عليها الجيش المصري منذ توقيع تلك الاتفاقية عام 1979[53]. كذلك، وفي ظل حاجة قطاع غزة لإدخال المساعدات ومشاريع إعادة الإعمار بعد انتهاء الحرب، ستفقد مصر مصدرًا اقتصاديًا من المتوقع أن يدر عشرات المليارات عبر معبر رفح. حيث تهدف الدول المشاركة في المشروع العائم أن تدار عملية إدخال المساعدات وإعادة الإعمار عبر الميناء الجديد وليس عبر المعابر البرية.

في ضوء هذه التهديدات التي يمثلها الميناء علي مصر، يمكن تفسير غياب مصر عن الترتيبات التي قادتها الولايات المتحدة لإنشاء الميناء العائم، وتفعيل الممر البحري من قبرص حتى قطاع غزة. فقد أصدرت الخارجية الأميركية بيانًا صحفيًا حول الاجتماعات التي استضافتها قبرص حول تفعيل الممر البحري، وشارك فيها كل من الولايات المتحدة وقبرص والاتحاد الأوروبي وبريطانيا والإمارات وقطر، بينما غابت مصر[54].

وفي هذا السياق؛ فقد قال محافظ شمال سيناء محمد عبد الفضيل شوشة إن الميناء غير مجد، وإنه لا “يمكن أن يحل محل معبر رفح الحدودي بين مصر والقطاع”. وفي السياق نفسه، أكد مصدر مصري مسؤول لـ”صحيفة الشرق الأوسط” السعودية أن “القاهرة كان لديها تحفظات على الميناء، لكنها لم تثرها مع الأطراف المعنية؛ لأنها مهمومة في الأساس بإنفاذ أكبر قدر من المساعدات إلى قطاع غزة”. وأوضح المصدر أن “هناك ستة معابر بين إسرائيل وقطاع غزة، لابد من إعادة تشغيلها”، مشيرًا إلى أن “التحفظ المصري منبعه مخاوف من تكريس الواقع المؤقت، والإبقاء على هذه المعابر مغلقة بدلًا من إعادتها للعمل، وتعديل الاتفاقية الخاصة بتشغيلها”[55].

ويذكر في هذا الصدد، أن مشروعًا أوروبيًا لإقامة ميناء دائم لقطاع غزة، عرض في أثناء الحرب العدوانية ضد القطاع عام 2014، حصل على موافقة الفصائل الفلسطينية وتل أبيب، ولكنه توقف بسبب الرفض المصري[56].

وعلي الرغم من خطورة هذا الميناء علي مصر، إلا أن وزير الخارجية المصري، سامح شكري أكد، خلال مؤتمر صحفي مع وزير خارجية إسبانيا في 14 مارس 2024، على “ترحيب مصر بالأفكار التي طرحت لتوفير المساعدات الإنسانية للأشقاء في غزة سواء بشكل بري أو بحري أو جوي”[57].

ويبدو مما سبق أن القاهرة تدرك خطورة إقامة ميناء بحري لقطاع غزة على الدور المصري في القضية الفلسطينية، إلا أن موقفها جاء ضعيف جدًا. ويربط المراقبون بين عدد من حزم المساعدات والقروض والمشاريع التي حصلت عليها مصر في الآونة الأخيرة، وموقفها من الحرب على غزة وتداعياتها. حيث يعمل الاتحاد الأوروبي على حزمة مساعدات بقيمة 7.4 مليارات يورو (8 مليارات دولار) لتقديمها إلى مصر دعمًا لاقتصادها، وسط مخاوف من أن تؤدي الحرب على غزة والصراع بالسودان إلى تفاقم المشاكل المالية في مصر، وزيادة ضغوط الهجرة على أوروبا. كما وافق صندوق النقد الدوليـ في مطلع مارس 2024، على قرض لمصر بـ 8 مليارات دولار، بزيادة 5 مليارات عما كان يجري الحديث عنه في السابق وهو 3 مليارات. من جانب آخر، وقعت مصر والإمارات في 23 فبراير 2024 عقد تطوير وتنمية مدينة “رأس الحكمة” الجديدة باستثمارات تقدر بنحو 150 مليار دولار، تتضمن 35 مليارًا استثمارًا أجنبيا مباشرًا للحكومة المصرية خلال شهرين، منها 11 مليارًا إسقاط ديون.

وبالتالي؛ فإن مصر تتجنب التصريح عن موقفها المتحفظ للميناء الأميركي بغزة؛ نظرًا لأوضعها الاقتصادية الصعبة، وحساسية علاقاتها مع الولايات المتحدة والدول العربية المشاركة بالمشروع الأميركي خصوصًا الإمارات[58]. ناهيك عن استفادة النظام المصري من خطوة الميناء عبر تحييد دوره فيما يخص ملف المساعدات، ورفع الحرج عن النظام المصري الذي يتعرض للنقد بسبب إغلاق معبر رفح[59].

وبغض النظر عن دوافع الموقف المصري الضعيف تجاه بناء ميناء علي ساحل غزة، إلا أن شأنًا استراتيجيًا كهذا لا تكفي معه مثل هذه المواقف الضعيفة، ويتطلب موقفًا واضحًا من القاهرة، ليس فقط برفض الميناء، وإنما عبر قرارات جريئة، تمثل حجم مصر وتاريخها من قبيل:

  1. رفع الحصار عن غزة عبر فتح معبر رفح بشكل كامل ودائم للأفراد والبضائع، والسماح بكميات أكبر من المساعدات للدخول من الجانب المصري، مما سيشكل رسالة مصرية واضحة حيال الموقف من الميناء الأميركي المؤقت.
  2. كما يمكن لمصر أن تشكل ضغطًا مشتركًا مع العديد من الأطراف العربية والإقليمية الرافضة لمشروع الميناء البحري الأميركي، وذلك عبر تشجيع هذه الدول على إرسال المساعدات عبر معبر رفح البري وعدم التعامل مع الممر المائي والميناء البحري المؤقت. وهو ما يستدعي تنسيقًا مصريًا تركيًا على وجه الخصوص، حيث تثير أوساط تركية شبه رسمية المخاوف من دوافع الوجود الأميركي الجديد في شرق المتوسط، خاصة مع استثناء أنقرة من اجتماعات تنسيق إدخال المساعدات إلى قطاع غزة عبر البحر.
  3. يشكل الموقف الفلسطيني المتمسك بمعبر رفح (المصري الفلسطيني) أداة ضغط للقاهرة في تعزيز موقفها في رفض الميناء البحري. ويأتي هذا الموقف رغم العقبات التي يواجهها الفلسطينيون على معبر رفح، وهو ما يؤكد ضرورة أن توظف القاهرة علاقاتها مع الفصائل الفلسطينية الرئيسية لضرورة المحافظة على معبر رفح ممرًا بريًا مصريًا فلسطينيًا فاعلًا[60].
  4. الرفض العملي والحقيقي لاقتحام مدينة رفح الفلسطينية، ومقاومة مشاريع التهجير، بدلًا من بناء مخيمات في سيناء لاستيعاب المهجرين – إذا اضطرت مصر لاستيعابهم-.
  5. ممارسة ضغط حقيقي عبر قيادة منظومة العمل العربي لوقف الحرب، بدلًا من الضغط على الفصائل الفلسطينية في المفاوضات.
  6. سحب السفير المصري من تل أبيب، وطرد السفير الإسرائيلي من القاهرة؛ للضغط على الاحتلال وحلفائه.
  7. وضع اتفاقية كامب ديفيد واتفاقيات الغاز مع تل أبيب على الطاولة، والتهديد بإلغائها إذا لم تراع إسرائيل المصالح القومية لمصر[61].

ختامًا؛ في تناولهم لمغزى المبادرة الأميركية ببناء ميناء علي ساحل غزة لإدخال المساعدات إلي القطاع، انقسم المراقبون إلى فريقين. الفريق الأول ينطلق من افتراض توافر حسن النية، ويرى أن الهدف من هذه الخطوة هو “غسل سمعة” إدارة بايدن بعد أن ذهبت بعيدًا في تأييدها للحرب الإجرامية التي تشنها إسرائيل حاليًا على قطاع غزة، وبالتالي فهي مكرسة للإيحاء بأن إدارة بايدن لا توافق على عمليات الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد سكان هذا القطاع، وتسعى جاهدة للتخفيف من حدة المعاناة الإنسانية التي يكابدونها.

أما الفريق الثاني فينطلق من فرضية أن إدارة بايدن متورطة وشريكة في هذه الحرب القذرة، ومن ثم يستحيل عليها القيام بأي مبادرة من شأنها عرقلة الخطط والأهداف التي تسعى إسرائيل لتحقيقها، خاصة ما يتعلق منها بالقضاء التام على حركة حماس، حتى ولو أدت العمليات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي إلى إبادة كل السكان المدنيين في القطاع، ومن ثم يرى أن لمبادرة الرصيف البحري الأميركي في غزة أهدافًا خفية يجب الكشف عنها والبحث عن أسبابها ودوافعها الحقيقية[62].

في نهاية المطاف، يبدو الموضوع من الناحية الشكلية هدفه امتصاص الضغط، وتحسين صورة واشنطن، وكسب الوقت للحليفة إسرائيل لاستكمال الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين. لكن من الناحية العملية، يؤدي الميناء إلى عزل غزة تمامًا عن العالم ويضع بحرها تحت السيطرة الإسرائيلية المباشرة وهو الغرض الأساسي على ما يبدو لاستكمال الحصار والعزل في ظل إقفال المعابر البرية[63]. ولم تعد غزة وفلسطين فقط مهددة بهذا الميناء، بل دور مصر الاستراتيجي وأمنها القومي كذلك[64].


[1] ” ماذا وراء القرار الأمريكي ببناء ميناء على ساحل غزة؟”، مركز شاف للدراسات المستقبلية وتحليل الأزمات والصراعات (الشرق الأوسط وأفريقيا)، 12/3/2024، الرابط: https://tinyurl.com/mrhpudrd 

[2] “الممر المائي المقترح بين قبرص وغزه: حيلة إسرائيلية للتهجير وتشديد الحصار أم جهد دولي لرفع معاناة الفلسطينيين؟”، مركز الخليج للأبحاث، الرابط: https://tinyurl.com/3kvack7h

[3]  هو خطاب يلقيه الرئيس الأميركي خلال جلسة مشتركة للكونغرس الأميركي (مجلسي النواب والشيوخ) بمبنى الكابيتول حول حال الأمة. وبشكل عام، يتضمن خطاب حالة الاتحاد تقارير حول ميزانية الدولة والاقتصاد وجدول الأعمال، كما يقدم أيضًا أبرز الإنجازات والأولويات والمقترحات التشريعية.

[4] “أمريكا تعلن تفاصيل الرصيف العائم الذي سيستخدم في نقل المساعدات إلى غزة”، CNN عربية، 9/3/2024، الرابط: https://tinyurl.com/vrrh6ezx

[5] “الإعلان عن ممر بحري مرتقب بين قبرص وغزة لإدخال المساعدات”، الجزيرة نت، 9/3/2024، الرابط: https://tinyurl.com/2zvrdcea

[6] “أمريكا تعلن تفاصيل الرصيف العائم الذي سيستخدم في نقل المساعدات إلى غزة”، مرجع سابق

[7] “أمريكا ترسل معدات إنشاء الميناء البحري في غزة.. نيويورك تايمز: خطة بايدن تواجه تحديات هائلة”، عربي بوست، 10/3/2024، الرابط: https://tinyurl.com/54mmauyj

[8] “ما هي تفاصيل الخطة الأمريكية لإيصال المساعدات إلى غزة عبر البحر؟”، BBC عربي، 14/3/2024، الرابط: https://tinyurl.com/5yzpnwfn

[9] “قبرص تبحث إنشاء ممر مساعدات إنساني إلى غزة”، الحرة، 31/10/2023، الرابط: https://tinyurl.com/nwbbbyze

[10] ” الرئيس القبرصي يقترح إنشاء ممر بحري لتوصيل المساعدات إلى غزة”، النشرة، 9/11/2023، الرابط: https://tinyurl.com/34r95njh

[11] ” أول سفينة تحمل مساعدات لغزة تنطلق من قبرص”، سكاي نيوز عربية، 12/3/2024، الرابط: https://tinyurl.com/bdzx334z

[12] “الممر المائي المقترح بين قبرص وغزه: حيلة إسرائيلية للتهجير وتشديد الحصار أم جهد دولي لرفع معاناة الفلسطينيين؟”، مرجع سابق.

[13] ” ماذا وراء القرار الأمريكي ببناء ميناء على ساحل غزة؟”، مرجع سابق.

[14] “الميناء المؤقت في غزة.. متى وكيف وهل يوقف خطر المجاعة؟”، الجزيرة نت، 8/3/2024، الرابط: https://tinyurl.com/mr27twt6

[15] “الرصيف العائم بين المقاصد الأمريكية والمآرب الإسرائيلية”، القدس العربي، 13/3/2024، الرابط: https://tinyurl.com/3zkat98z

[16] “غاية واشنطن من إنشاء المرفأ المؤقت في غزة”، عربي21، 16/3/2024، الرابط: https://tinyurl.com/yez2mtw8

[17] “الممر المائي المقترح بين قبرص وغزه: حيلة إسرائيلية للتهجير وتشديد الحصار أم جهد دولي لرفع معاناة الفلسطينيين؟”، مرجع سابق.

[18] ” قيادي بحماس: المقترح الأمريكي بإنشاء ميناء بحري في غزة يثير تساؤلات كثيرة (فيديو)”، الجزيرة مباشر، 8/3/2024، الرابط: https://tinyurl.com/yehbu9nr

[19] “في ارتباك الموقف الفلسطيني من مشروع رصيف غزّة البحري”، العربي الجديد، 21/3/2024، الرابط: https://tinyurl.com/yty8beyd

[20] “ميناء غزة.. خطة نتنياهو وتنفيذ بايدن”، الجزيرة نت، 16/3/2024، الرابط: https://tinyurl.com/2masvrsr

[21] “في ارتباك الموقف الفلسطيني من مشروع رصيف غزّة البحري”، مرجع سابق.

[22] “أسئلة وتحفظات يثيرهما مشروع الميناء الأميركي العائم في غزة”، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 13/3/2024، الرابط: https://tinyurl.com/mrx92hjs

[23] “في ارتباك الموقف الفلسطيني من مشروع رصيف غزّة البحري”، مرجع سابق.

[24] “ميناء غزة.. خطة نتنياهو وتنفيذ بايدن”، مرجع سابق.

[25] “الرصيف الأمريكي في غزة والإنسانية المتوحشة”، عربي21، 15/3/2024، الرابط: https://tinyurl.com/37hy6ed4

[26] ” بايدن ورصيفه البحري المشبوه”، الميادين نت، 14/3/2024، الرابط: https://tinyurl.com/mwnbbdjx

[27] ” مسؤولة أممية: تقدم في جهود إنشاء ممر بحري إلى غزة، لكن لا بديل عن التوصيل البري للإغاثة”، أخبار الأمم المتحدة، 7/3/2024، الرابط: https://tinyurl.com/4hax3p86

[28] “الميناء المؤقت في غزة.. متى وكيف وهل يوقف خطر المجاعة؟”، مرجع سابق.

[29] “الأمم المتحدة: الطريقة الوحيدة لتكثيف وصول المساعدات لغزة هي عن طريق البر”، عربي21، 24/3/2024، الرابط: https://tinyurl.com/etv7u5ry

[30] ” نتنياهو يقترح تهجير فلسطينيي غزة عبر الميناء الاميركي المؤقت”، المدن، 21/3/2024، الرابط: https://tinyurl.com/3xjshy7d

[31] ” صحيفة إسرائيلية: طريق غزة البحري كان فكرة نتنياهو”، الجزيرة نت، 11/3/2024، الرابط: https://tinyurl.com/4wksnzhb  

[32] ” غالانت عن الممر البحري لإيصال المساعدات إلى غزة: يساهم في تقويض سلطة حماس”، عرب48، 10/3/2024، الرابط: https://tinyurl.com/4ak4xb7e  

[33] “بشروط أمنية.. إسرائيل ترحب بتدشين ممر بحري بين قبرص الرومية وغزة”، الأناضول، 10/3/2024، الرابط: https://tinyurl.com/4re2es3h

[34] ” إسرائيل وقبرص الرومية تبحثان تشغيل ممر بحري إلى غزة”، الأناضول، 19/12/2023، الرابط: https://tinyurl.com/28x6wuee  

[35] “مجلس الوزراء يؤكد رفضه الممر المائي المقترح من قبرص إلى غزة”، وفا، 27/12/2023، الرابط: https://tinyurl.com/44ewcjk6

[36] “أشتية يحذر من تحول الممر البحري لغزة إلى مخرج «لتهجير» الفلسطينيين”، الشرق الأوسط صحيفة العرب الأولي، 18/3/2024، الرابط: https://tinyurl.com/5n7mrnj8 

[37] “اشتية: رصيف الممر المائي على شاطئ غزة يفوح بـ”رائحة الموت””، القدس العربي، 25/3/2024، الرابط: https://tinyurl.com/psmpxy42

[38] “ميناءا غزة وقبرص…الأهداف الأميركية الإسرائيلية الخفيّة”، الخنادق، 11/3/2024، الرابط: https://tinyurl.com/v9uz5tas

[39] “ميناء غزة الأمريكي.. ظاهره الإغاثة وباطنه أهداف أخرى”، المنصة، 19/3/2024، الرابط: https://tinyurl.com/3zmxuvkc

[40] “إجابات محتملة بين رفح وبحر غزة”، الجزيرة نت، 17/3/2024، الرابط: https://tinyurl.com/ys4usdy2

[41] “لماذا يصرّ العالم على إيجاد بدائل عن المساعدات البرية إلى غزة؟”، نون بوست، 25/3/2024، الرابط: https://tinyurl.com/yc26xukb

[42] ” توزيع المساعدات وإعادة توزيع القوة في غزة”، القدس العربي، 12/3/2024، الرابط: https://tinyurl.com/3safavxm

[43] “أربعة تخوفات من ميناء غزة”، الأيام الفلسطينية، 14/3/2024، الرابط: https://tinyurl.com/4jyp6d3n

[44] المرجع السابق.

[45] “لماذا يصرّ العالم على إيجاد بدائل عن المساعدات البرية إلى غزة؟”، مرجع سابق.

[46] “الرصيف الأمريكي في غزة والإنسانية المتوحشة”، مرجع سابق.

[47] ” توزيع المساعدات وإعادة توزيع القوة في غزة”، مرجع سابق.

[48] “الرصيف العائم بين المقاصد الأمريكية والمآرب الإسرائيلية”، مرجع سابق.

[49] “هل ثمة أهداف اقتصادية أمريكية وراء الميناء المؤقت في غزة؟ (إضاءة)”، الأناضول، 16/3/2024، الرابط: https://tinyurl.com/4a54fjpt

[50] “ميناءا غزة وقبرص…الأهداف الأميركية الإسرائيلية الخفيّة”، مرجع سابق.

[51] “تقزيم دورها وتهديد أمنها.. ما تداعيات ميناء غزة على مصر؟”، نون بوست، 23/3/2024، الرابط: https://tinyurl.com/45sda6vn

[52] “تحليل: ميناء غزة تهديد لدور مصر الاستراتيجي.. أين موقف القاهرة؟”، عربي21، 22/3/2024، الرابط: https://tinyurl.com/56w48eaz

[53] “خطورة الممر المائي الجديد على مصر وغزة”، عربي21، 23/3/2024، الرابط: https://tinyurl.com/48fnbs36

[54] “الميناء الأميركي بغزة وموقف مصر الغائب”، مرجع سابق.

[55] ” كيف ترى مصر مقترح «الميناء العائم في غزة»؟”، الشرق الأوسط صحيفة العرب الأولي، 14/3/2024، الرابط: https://tinyurl.com/2ezapvrx

[56] “تحليل: ميناء غزة تهديد لدور مصر الاستراتيجي.. أين موقف القاهرة؟”، عربي21، 22/3/2024، الرابط: https://tinyurl.com/56w48eaz

[57] ” وزير الخارجية المصري: الميناء العائم في غزة يبدأ العمل بعد شهرين”، سبوتينك عربي، 14/3/2024، الرابط: https://tinyurl.com/44yhrp63

[58] “الميناء الأميركي بغزة وموقف مصر الغائب”، مرجع سابق.

[59] “ميناءا غزة وقبرص…الأهداف الأميركية الإسرائيلية الخفيّة”، مرجع سابق.

[60] “الميناء الأميركي بغزة وموقف مصر الغائب”، مرجع سابق.

[61] “تحليل: ميناء غزة تهديد لدور مصر الاستراتيجي.. أين موقف القاهرة؟”، مرجع سابق.

[62] ” بايدن ورصيفه البحري المشبوه”، مرجع سابق.

[63] “غاية واشنطن من إنشاء المرفأ المؤقت في غزة”، مرجع سابق.

[64] “تحليل: ميناء غزة تهديد لدور مصر الاستراتيجي.. أين موقف القاهرة؟”، مرجع سابق.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022