ظهرت في مصر اتحادات قبلية، خلال السنوات الماضية، منها “اتحاد قبائل سيناء”، الذي نشط قبل 2013، بقيادة الشيخ إبراهيم المنيعي، الذي نزح لاحقا إلى قطاع غزة؛ بعد أن اتهم المؤسسة العسكرية المصرية، في 2013، بشن حرب إبادة ضد أهالي سيناء، مطالباً بتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة، وهناك اتحاد القبائل العربية، الذي ظهر في 2013، بقيادة علي فريج، وتحالف مع القوات المسلحة في حربها ضد التنظيمات العنيفة1.
لكن ما أثار جدلا واسعا حول اتحاد العرجاني؛ هو ما حظيت به فاعليات تدشينه، وتصريحات قيادته، من اهتمام وتغطية إعلامية واسعة من الإعلام الرسمي والمحسوب على النظام، وما صاحبه كذلك من مظاهر باذخة غير مسبوقة في الإعلان عن كيانات مثيلة.
وقد أعلن عن تأسيس “اتحاد القبائل العربية في مصر”، في صحراء قرية العجراء جنوبي مدينة رفح المصرية، في مطلع مايو 2024، بمشاركة 30 قبيلة سيناويه مصرية، وبرئاسة رجل الأعمال المقرب من السلطة في مصر، إبراهيم العرجاني2، وبحضور برلمانيين، وشيوخ قبائل من مطروح والصعيد، فيما لم يشارك أيًا من القيادات الشرطية أو العسكرية، في حين تولت عناصر قبلية مسلحة تأمين المكان3.
بنية الاتحاد وهياكله:
أما بنية الاتحاد، كما كشف عنها البيان التأسيسي، فقد تم تسمية عبد الفتاح السيسي رئيساً شرفياً للاتحاد، وإعلان إبراهيم العرجاني رئيسا للاتحاد، مع اختيار نائبين لرئيس الاتحاد؛ الأول: هو أحمد رسلان، من أبناء مطروح ورئيس لجنة الشئون العربية بمجلس النواب سابقا. الثاني: اللواء أحمد ضيف صقر، ابن جهينة بسوهاج، وهو ضابط سابق بجهاز أمن الدولة المنحل، ومحافظ الغربية السابق4، واختيار الكاتب والنائب مصطفى بكرى متحدثا رسميًا باسم الاتحاد5“.
على أن يتم لاحقا “اختيار مجلس رئاسي مكون من عشرين عضوا، وستكون من مهام هذا المجلس اختيار الأمين العام للاتحاد، كما ستجرى انتخابات للجان النوعية المختلفة”.
نذكر في هذا السياق، أن اتحاد القبائل العربية بقيادة العرجاني، هو وريث، أو ينضوي تحته، اتحاد قبائل سيناء، ومجلس القبائل العربية، بقيادة الشيخ على فريج6. وعلى الرغم مما قيل عن انضواء قبائل من خارج سيناء تحت راية الاتحاد، إلا أن الاتحاد يتركز نشاطه بشكل أساسي في سيناء؛ فهي المجال الحيوي لعمل الاتحاد وحركته.
كذلك أعلن البيان التأسيسي للاتحاد عن تغيير اسم قرية العجراء، إلى مدينة السيسي، بالتزامن مع البدء في إنشاء المدينة على أرض القرية7.
هناك ثلاث ملاحظات بشأن بنية الاتحاد وهياكله؛ الأولى: أن الاتحاد يدمج بين بنى تقليدية هي القبائل، وأشكال تنظيمية حديثة؛ حيث اتحاد يتأسس على آليات حديثه في اختيار القيادات. الثاني: أن هذه الصيغ التلفيقية تتجاهل التباين بين القبيلة كمؤسسة تقليدية ذات طبيعة مختلفة ومعايير وطرق مختلفة في اختيار وتصعيد قياداتها، وبين الاتحادات ذات الصيغ الحديثة القائمة على الانتخاب وتصعيد الكفاءات. لذلك يبقى هذا الدمج هش عرضة للتفكك عند أول اختبار حقيقي. الثالث: أن الاتحاد لم يخرج نتيجة تطورات طبيعية شهدتها البيئة التي أفرزته، إنما هو كيان مختلق لم ينجم عن وظيفة حقيقية أو حاجة حقيقية للمجتمع الذي شهد ولادته؛ بالتالي يظل فائض مرشح للضمور والانزواء في حال تراجع داعميه عن تغذيته.
أهداف الاتحاد المعلن والمستتر:
خلال مؤتمر الإعلان عن الاتحاد، قال “العرجاني”، أن هدف الاتحاد “خلق إطار شعبي وطني، يضم أبناء القبائل العربية، هدفه توحيد الصف، وادماج كافة الكيانات القبلية في إطار واحد دعمًا لثوابت الدولة الوطنية، ومواجهة التحديات التي تهدد أمنها”، وقد جاء استجابة “لمطالب رموز وكيانات عديدة في مناطق ومحافظات مختلفة آلت على نفسها أن تتجمع في إطار تنظيمي واحد، معبرًا عن مئات القبائل في إطار وطني، يدعم ثوابت الدولة ومؤسساتها المختلفة”8.
بالتالي فالاتحاد يهدف إلى ايجاد قناة واحدة يتجمع فيها القوى القبلية في مصر، وعبرها تطرح مواقفها وتصوراتها. وأن الغاية من ذلك هو توحيد جهود المكون القبلي في مصر وراء القيادة السياسية.
أما كيف سيتحقق ذلك؟ فقد جاء خلال كلمة “العرجاني” أن الاتحاد سيعمل على “إقامة مقرات، تنطلق منها لجان الاتحاد في المحافظات وكل المناطق الأخرى”، وأن بعد تشكيل هياكله سينطلق في تنظيم تحركات جماهيرية فاعلة “للتواصل مع أبناء القبائل للاتفاق على مهام العمل الوطني والتنظيمي للمرحلة القادمة”.
أما ما الجديد الذي يقدمه الاتحاد ولا يوفره أيًا من الكيانات السياسية القائمة؟ فهو بحسب مؤسسي الاتحاد “أن اتحاد القبائل العربية يعلو في طرحه ورؤيته على كافة الانتماءات الحزبية والأيديولوجية9“.
بالتالي فالاتحاد من ناحية هو محاولة لتنظيم الظهير الشعبي القبلي الداعم للنظام المصري، هذا بحسب التصريحات والخطاب المصاحب لتدشين الاتحاد. ولعل ما يؤكد ذلك أن النظام مسكون بالبحث عن ظهير شعبي داعم، مع تراجع التأييد الشعبي ونمو السخط وتراكم الغضب. ومن هنا أيضا كان إعلان الاتحاد ورموزه “دعمهم وتأييدهم المطلق للقيادة السياسية”، وأن غايته أن يكون “ظهيرا للدولة وقيادتها ممثلة في السيسي”10.
من جهة أخرى، وبحسب مراقبين؛ فإن هدف الاتحاد أن يقود عملية توطين مصريين في المنطقة المحاذية للحدود المصرية مع إسرائيل؛ فتكون منطقة عازلة مع غزة، وتأكيدًا على معارضة القاهرة سيناريو التهجير11.
ولعل ما يؤكد هذه القراءة أن رئاسة مجلس الوزراء هي التي وضعت حجر الأساس لمشروع تأسيس «التجمع التنموي الحضري ومزرعة بقرية العجراء، والذي يشمل تنفيذ 200 وحدة سكنية بمركز رفح»، نهاية أكتوبر 202312. أما لما تلجأ الدولة لتنظيم قبلي في تحقيق أهدافها؛ فهو أن الدولة تدرك أن هناك مساحات تعجز عن التحرك فيها إلا عبر وكلائها من أبناء هذه المجتمعات، وأن التحرك الفاعل في سيناء يستلزم أن يكون عبر وكلائها من أبناء قبائل سيناء.
بين اتحاد القبائل العربية في مصر ومليشيا الدعم السريع في السودان:
كانت أول تجارب التعامل الحداثي مع القبائل في مصر، تمت في عهد محمد علي، “عندما وطِّن زعماء القبائل بمنحهم اقطاعات من الأرض الزراعية خاصة في الشريط الزراعي الممتد غرب النيل والملاصق للصحراء الغربية13“، بعدها استمر التحالف بين الدولة والقبائل؛ لضمان استقرار الصحارى التي تسكنها هذه القبائل؛ جراء ارتفاع كلفة تأمينها بالاستناد إلى قوة نظامية.
طوال هذا التاريخ لعبت القبيلة أدوار اجتماعية، من أبرزها، التحكيم العرفي الناجز، في مقابل بطء التقاضي العادي14، وهناك الأدوار الأمنية من خلال تأمين الحدود، أو المنشآت الموجودة في صحراء مصر الشاسعة، حيث تتواجد غالبية القبائل العربية، وحيث تنتشر على طول الحدود المصرية15، وفي المحافظات الحدودية، في “محافظة مرسى مطروح الواقعة على الحدود الغربية مع ليبيا، أو محافظتي شمال وجنوب سيناء، المتاخمتين لحدودها مع فلسطين والأردن وإسرائيل، ومحافظتي البحر الأحمر وأسوان، الواقعتين على الحدود الجنوبية مع دولة السودان”16.
وعليه، كان هناك دائما تنسيق وتسويات بين الدولة والقبيلة في مصر؛ لكن الجديد في اتحاد القبائل العربية بقيادة العرجاني؛ هو أن الاتحاد يعطي للقبائل أدوار تتجاوز بكثير الأدوار التقليدية التي لعبتها في مجتمعاتهم القريبة، فضلا عن محاولة توحيدها في إطار جامع، يمتلك موارد كبيرة، ويمتلك ميلشيا مسلحة.
لكن على الرغم من استناد الدولة في مصر على القبيلة في تأدية بعض الوظائف، وتغافلها عن تأدية القبائل لبعض الأدوار التي هي من لوازم السيادة، كالتحكيم، إلا أن القبيلة في مصر ظلت تستمد قوتها من التصاقها بالدولة، ولم يسبق أن تحدت قبيلة الدولة.
أما في السودان نجد أن ثمة خصوصية من ملامحها؛ الأول: أن القبيلة، ومجمل القوى التقليدية، هي جزء من ترتيبات الحكم هناك، بالتالي خروجها على النظام هو نوع من الانقلابات المتوقع حدوثها، الثاني: أن القوى التقليدية في السودان، من قبائل وجماعات صوفية، لا تزال تتمتع بقوة وحضور ونفوذ واسع، بالتالي يتوقع أن تحدث صدامات بينها وبين الدولة، عكس الوضع في مصر، إذ نجحت الدولة في ترويض القوى التقليدية. الثالث: أن القوى الاجتماعية التقليدية مسلحة، ويمتلك كثير منها موارد ومصادر دخل غير خاضعة لرقابة سلطة الدولة، بالتالي فإن توافر مخزون بشري غني، وتوافر التسليح، وموارد للدخل، يعني جاهزية مستمرة للتمرد، واندلاع أعمال عنف.
ولذلك فإن الدعم السريع ليس استثنائيًا؛ إنما ميلشيا مسلحة تأسست؛ بهدف مواجهة حركة التمرد تقودها ميلشيات أخرى تقودها شخصيات من أصول أفريقية في دارفور17.
وفيما يتعلق باتحاد القبائل العربية على وجه التخصيص، فإنه يضم “قبائل من مرسى مطروح والوادي الجديد وجنوب مصر، ما يعني أن تركيبة القبائل موزعة جغرافيا، ولا توجد في إقليم أو منطقة محددة”، فهي لا تمثل خطرًا، خاصة مع قوة الأجهزة الأمنية، كما أن أبناء القبائل في مصر اكتسبوا سمات مدينية، كذلك فإن هناك في مصر عائلات أغنى وأكثر نفوذا من القبائل، وتحالفات اقتصادية أقوى كذلك منها، لكل ذلك يصعب القول بتكرار نموذج الدعم السريع السوداني في مصر18.
تعليقات ختامية:
بداية فإن اتحاد القبائل العربية ليس مرشحا لتكرار نموذج الدعم السريع في السودان؛ بسبب اختلاف طبيعة الترتيبات السياسية في السودان، عن مثيلتها في مصر.
لكن من جهة أخرى، فإن الانتقادات التي وجهها البعض للاتحاد، من قبيل أنه أنبنى على أساس عرقي، ما يتعارض مع قيم المواطنة، ما يعد خروجًا على الهوية المصرية الجامعة19، وأن الاتحاد لا يتماشى مع أيًا من الأشكال التنظيمية المشروعة قانونا؛ فهو لا يصلح أن يعد جمعية أهلية، كذلك لا يمكن التعامل معه باعتباره حزب سياسي؛ خاصة مع امتلاكه مليشيا مسلحة، في الوقت الذي يحظر فيه الدستور وجود التنظيمات المسلحة20، وأن وجود القبائل المؤسسة للاتحاد على الحدود؛ ما يسمح لها بالتواصل مع دول أجنبية، وأن وجودها في سيناء يعطيها مساحة واسعة للحركة والمناورة وتعزيز الحضور والدور”، كل هذه الانتقادات معتبرة ويجب أخذها بالحسبان.
1 عبد الكريم سليم، اتحاد القبائل العربية في سيناء… مليشيا أم داعم للدولة؟، العربي الجديد، 5 مايو 2024، في: https://shorturl.at/cyUX4
2 المرجع السابق.
3 مدى مصر، من «مدينة السيسي».. إعلان العرجاني رئيسًا لـ«القبائل العربية»، 2 مايو 2024، في: https://tinyurl.com/23y8wlnx
4 سلوى الزغبي، بروفايل| أحمد صقر.. ضابط أمن الدولة محافظا للغربية، الوطن، 26 ديسمبر 2015، في: https://tinyurl.com/2ce5cpxk
5 مصطفى سنجر، إطلاق اتحاد القبائل العربية من جنوب رفح بشمال سيناء، بوابة الشروق، 1 مايو 2024، في: https://shorturl.at/foz56
6 اليوم السابع، من هم أعضاء اتحاد القبائل العربية؟ إنفوجراف، 1 مايو 2024، في: https://tinyurl.com/2yt36yhv
7 مدى مصر، من «مدينة السيسي».. إعلان العرجاني رئيسًا لـ«القبائل العربية»، مرجع سابق.
8 مصطفى سنجر، إطلاق اتحاد القبائل العربية من جنوب رفح بشمال سيناء، مرجع سابق.
9 المرجع السابق.
10 مؤمن جمال، «يوحد الصف ويدعم ثوابتها».. اتحاد القبائل العربية ظهير الدولة لحماية الأمن القومي، بوابة أخبار اليوم، 1 مايو 2024، في: https://shorturl.at/qruyz
11 الحرة، مدينة السيسي ورئاسة العرجاني.. ما هو “اتحاد القبائل العربية” الذي أطلق في مصر؟، 1 مايو 2024، في: https://tinyurl.com/22fxu6r8
12 رئاسة مجلس الوزراء، رئيس الوزراء يضع حجر أساس عدد من التجمعات التنموية الحضرية، 31 أكتوبر 2023، في: https://tinyurl.com/ys2p4mc4
13 أحمد أبو زيد، رهان القبلية فى بناء الدولة الوطنية، بوابة الأهرام، 16 ديسمبر 2017، في: https://tinyurl.com/226jc5ko
14 عربي بوست، دولة غائبة وأمراء حاضرون.. كيف تتعاظم سلطة العُرف والقبائل في مصر؟، 1 أغسطس 2018، في: https://tinyurl.com/2ytgtg9k
15 إسلام زعبل، القبائل العربية في مصر وسلطة ما قبل الدولة (1)، عربي 21، في 4 فبراير 2019، في: https://tinyurl.com/229ojaz6
16 أحمد حافظ، القبيلة المصرية والتحالف مع النظام: التنمية مقابل الأمن، العرب اللندنية، 29 سبتمبر 2016، في: https://tinyurl.com/23kh3n7f
17 الحرة، العرجاني و”اتحاد القبائل العربية” في مصر.. مخاوف وتطمينات، 5 مايو 2024، في: https://tinyurl.com/2aa9w3xo
18 محمد أبو الفضل، اتحاد القبائل العربية بمصر، العرب اللندنية، 7 مايو 2024، في: https://tinyurl.com/26b2up95
19 محمد نابليون، خبيران يحذران من “اتحاد القبائل العربية”: عرقي ويهدد بتكرار سيناريو “الدعم السريع”، المنصة، 4 مايو 2024، في: https://shorturl.at/aivK7
20 المرجع السابق.