مواقف الأطراف من مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة: الأبعاد والمحددات

تصاعد منسوب التفاؤل بشأن وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب على غزة بعد إعلان حركة حماس الموافقة على مقترح التهدئة الذي قدمه الوسطاء، لكن الأجواء الإيجابية انتهت بشن إسرائيل عملية اجتياح جزئي لمدينة رفح وتحديدًا الجانب الشرقي للمدينة، وهو ما كان له تأثيره السلبي على مسارات التفاوض وفرص التهدئة، دون أن يقود ذلك إلى انهيارها بشكل كامل، خاصة في ظل الجهود المكثفة التي تقوم بها مصر وقطر والولايات المتحدة الأمريكية1.

أولًا: مخرجات مفاوضات وقف إطلاق النار:

شكلت أهداف الحرب المعلنة إسرائيليًا، والمتمثلة في القضاء على حماس وإنهاء حكمها للقطاع، وتفكيك قدراتها العسكرية، والإفراج عن الأسرى الإسرائيليين في غزة، النتيجة المفترضة للمجهود الحربي والتفاوضي الإسرائيلي. في المقابل، صممت حماس استراتيجيتها على أساس احتواء المجهود العسكري الإسرائيلي، والمحافظة على وضعيتها السياسية، وترسيخ أهداف عملية “طوفان الأقصى” بوقف مسار تصفية القضية الفلسطينية ووضع حد لمخططات حكومة اليمين التهويدية في القدس والضفة الغربية، والوصول لصفقة تبادل تفرج من خلالها عن آلاف من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.

أول التحركات في مسار التفاوض تمثل في اعتماد الوسطاء لدى الجانبين، وتم تحديد أطراف الوساطة الرئيسية في الولايات المتحدة وقطر ومصر (تم استبعاد دول راغبة في لعب دور الوساطة مثل تركيا). وكانت حماس قد أفرجت، في 21 أكتوبر 2023 عن محتجزتين أميركيتين (أم وابنتها) بوساطة قطرية، قالت الحركة وقتها إنها أفرجت عنهما لدواع إنسانية. وفي 22 نوفمبر 2023، أعلنت قطر نجاح جهود الوساطة المشتركة مع مصر والولايات المتحدة بين إسرائيل وحركة حماس، وأسفرت الجهود حينها عن التوصل إلى اتفاق على هدنة إنسانية في قطاع غزة استمرت قرابة الأسبوع. وقد أسفر الاتفاق الأول بين الجانبين عن صفقة محدودة لتبادل الأسرى، كما سمحت بدخول عدد أكبر من القوافل الإنسانية والمساعدات الإغاثية، ومن بينها الوقود المخصص للاحتياجات الإنسانية.

رسمت هذه الصفقة معالم الاتجاهات الرئيسية للجانبين، إذ أظهرت استراتيجية حكومة نتنياهو التفاوضية التي تقوم على سعيها على الإفراج عن أسراها لدى المقاومة في غزة مقابل أيام محددة من الهدوء وكميات محدودة من المساعدات. وتهدف تلك الاستراتيجية إلى سحب ورقة القوة الأساسية من يد المقاومة، ومواصلة حربها على القطاع حتى تحقيق أهدافها المعلنة، وتفسر على أنها موقف واضح برفض وقف إطلاق النار والانسحاب من قطاع غزة ومواصلة سياسة التجويع بهدف تهجير المواطنين الفلسطينيين من غزة. في المقابل، أربك موقف حركة حماس الحسابات الإسرائيلية والأميركية، من خلال وقف مسار التفاوض حينها بعد فشل الوساطات في التوصل إلى اتفاق شامل يوقف الحرب، كما رسم الطريق أمام مسار تفاوضي جديد يمكن القول إن حماس وضعت قواعده الأساسية وحددت أهدافه وأوقفت به استراتيجية حكومة نتنياهو التفاوضية. ففي أعقاب توقف مسار اتفاق الهدنة، حددت حماس أهدافها من المفاوضات بمطالبها الخمسة التي تحولت لمعيار نجاح التوصل لاتفاق، وهي وقف إطلاق النار، وانسحاب جيش الاحتلال من قطاع غزة، وعودة جميع النازحين إلى منازلهم وممتلكاتهم، وإغاثة الشعب الفلسطيني في غزة وإعادة الإعمار، وصفقة تبادل للأسرى مستحقة2.

عقب هذه الصفقة، عقد مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) وليام بيرنز مع مسؤولين أمنيين وسياسيين إسرائيليين وقطريين ومصريين محادثات في باريس، للوصول إلى اتفاق حول هدنة غزة. وبعد جولات مكوكية، تم التوصل إلى ورقة تحمل اسم “إطار عام لاتفاق شامل بين الأطراف”3، من ثلاث مراحل، ومن هذه اللحظة، بات “إطار باريس” هو الإطار الحاكم لمسار التفاوض بين الجانبين، لتدخل المفاوضات -لأول مرة- مسارًا جديًا يوافق عليه الجانبان. وكلمة السر في “إطار باريس”، التي سمحت بأن يشكل أرضية لمسار تفاوضي بدأ منذ مطلع فبراير 2024، أنه شمل في نهايته “وقف إطلاق النار”، وهو ما سعت له استراتيجية حماس التفاوضية. وبالنظر إلى أن المسؤولين الإسرائيليين قد شاركوا في صياغة “مقترح باريس”، فقد راهنت إدارة بايدن على جهود الوسطاء العرب بالحصول على موافقة مباشرة من حركة حماس على المقترح4.

وبالفعل، فقد وافقت حماس، في 6 مايو 2024، علي الاتفاق الإطاري بشأن وقف إطلاق النار وعودة النازحين وتبادل الأسرى، ويتكون الاتفاق من ثلاث مراحل متصلة ومترابطة، وهي على النحو التالي:

المرحلة الأولى (42 يومًا): تنص علي الوقف المؤقت للعمليات العسكرية المتبادلة بين الطرفين، وانسحاب القوات الإسرائيلية شرقًا وبعيدًا عن المناطق المكتظة بالسكان إلى منطقة بمحاذاة الحدود في جميع مناطق قطاع غزة (بما في ذلك وادي غزة – محور نتساريم ودوار الكويت). وعودة النازحين إلى مناطق سكناهم، وحرية حركة السكان في جميع مناطق القطاع. وإدخال كميات مكثفة وكافية من المساعدات الإنسانية ومواد الإغاثة والوقود (600 شاحنة يوميًا، على أن تشمل 50 شاحنة وقود، ومنها 300 للشمال)، وإعادة تأهيل وتشغيل المستشفيات والمراكز الصحية والمخابز في كل مناطق قطاع غزة، واستمرار ذلك في جميع مراحل الاتفاق.

خلال هذه المرحلة، تطلق حماس سراح 33 من المحتجزين الإسرائيليين (أحياء أو أموات) من نساء (مدنيات ومجندات) وأطفال (دون سن 19 من غير الجنود) وكبار السن (فوق سن 50) والمرضى، بمقابل أعداد من الأسرى في السجون والمعتقلات الإسرائيلية (تطلق إسرائيل سراح 30 أسيرًا من كبار السن (فوق 50 عامًا) والمرضى مقابل كل محتجز(ة) إسرائيلي(ة)، وتطلق إسرائيل سراح 50 أسيرًا من سجونها مقابل كل مجندة إسرائيلية يتم إطلاق سراحها (30 مؤبدًا، و20 أحكام)). وفي اليوم الـ22 يطلق الجانب الإسرائيلي سراح جميع أسرى صفقة شاليط الذين تم إعادة اعتقالهم. وإتمام الإجراءات القانونية اللازمة التي تضمن عدم اعتقال الأسرى المحررين الفلسطينيين استنادًا لنفس التهم التي اعتقلوا عليها سابقًا.

المرحلة الثانية (42 يومًا): في هذه المرحلة يتم الإعلان عن عودة الهدوء المستدام (وقف العمليات العسكرية والعدائية بشكل دائم) وبدء سريانه قبل البدء بتبادل المحتجزين والأسرى بين الطرفين. ويتم تبادل جميع من تبقى من الرجال الإسرائيليين الموجودين على قيد الحياة (المدنيين والجنود) مقابل عدد يتفق عليه من الأسرى في السجون الإسرائيلية ومن المعتقلين في معسكرات الاعتقال الإسرائيلية. وانسحاب القوات الإسرائيلية بالكامل خارج قطاع غزة.

المرحلة الثالثة (42 يومًا): تبادل جثامين ورفات الموتى لدى الجانبين بعد الوصول لهم والتعرف عليهم. والبدء في تنفيذ خطة إعادة إعمار قطاع غزة لمدة من 3 إلى 5 سنوات بما يشمل البيوت والمنشآت المدنية والبنية التحتية، وتعويض المتضررين كافة بإشراف عدد من الدول والمنظمات منها: مصر وقطر والأمم المتحدة. وإنهاء الحصار كاملًا عن قطاع غزة.

ويتمثل الضامنون للاتفاق في قطر، مصر، الولايات المتحدة، والأمم المتحدة5.

وفي المقابل، رفضت الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو هذا الاتفاق، وتركز الرفض الإسرائيلي علي:

  1. تريد حماس وقفًا دائمًا لإطلاق النار بينما تريد إسرائيل هدنة مؤقتة.
  2. موافقة حماس على إطلاق سراح 33 أسيرًا إسرائيليًا من الأحياء والأموات في المرحلة الأولى، بينما يطالب نتنياهو بأن يكون هذا العدد من الأحياء فقط.
  3. أن نتنياهو يريد القبول بـ”فيتو إسرائيلي” على قائمة الأسرى الفلسطينيين الذين سيُفرج عنهم (خاصة أصحاب المؤبد مثل القيادي في حركة فتح مروان البرغوثي)، وهو ما ترفضه حماس.
  4. إصرار الاحتلال علي إبعاد الأسرى المفرج عنهم إلى خارج فلسطين، أو قطاع غزة، وليس إلي الضفة، وهو ما ترفضه حماس.
  5. موافقة حماس على الإفراج عن ثلاثة أسرى إسرائيليين كل أسبوع، فيما تطالب إسرائيل بالإفراج عن ثلاثة أسرى كل ثلاثة أيام6. ويهدف الاحتلال من خلف ذلك إلي إطلاق سراح كل الأسري لدي حماس قبل بداية المرحلة الثانية، في محاولة لتجريد حماس من أوراق الضغط التي بحوزتها كافة7.
  6. تطالب إسرائيل باستثناء رفح من الاتفاق، وتصر علي مواصلة العمليات في رفح حتى أثناء وقف إطلاق النار8.

وقد تم عقد جولة مفاوضات بالقاهرة استمرت يومين (8-9 مايو 2024)، بحضور الوسطاء المصريين والقطريين والأميركيين، ولكنها انتهت دون التوصل إلى اتفاق بشأن الأسرى والمعتقلين من الجانبين، يؤدي إلى هدنة مؤقتة، وأنه تقرر وقف المحادثات بشكل مؤقت بسبب الوضع الحالي في رفح9.

ثانيًا: موقف حماس من مفاوضات وقف إطلاق النار:

أعلنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، قبولها مقترح وقف إطلاق النار في غزة الذي تقدمت به مصر وقطر. وقالت الحركة في بيان إن رئيس مكتبها السياسي، إسماعيل هنية، أجرى “اتصالًا هاتفيًا مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ومع مدير المخابرات المصرية، عباس كامل، وأبلغهما موافقة حركة حماس على مقترح وقف إطلاق النار”10.

ويمكن الإشارة إلي مجموعة من الأسباب التي تقف خلف موافقة حماس علي مقترح وقف إطلاق النار، تتمثل أبرزها في:

  1. تنسف حماس بتلك الموافقة السردية التي تتهمها بعرقلة المفاوضات، وأنها حجر العثرة الوحيد أمام التوصل إلى اتفاق تهدئة كما تروج إسرائيل والولايات المتحدة.
  2. تخفف من الضغوط الممارسة على الوسيطين، المصري والقطري، من الجانب الأمريكي للضغط على حماس وفصائل المقاومة من أجل تقديم تنازلات والرضوخ لاتفاق التبادل. حيث تضغط واشنطن علي قطر لطرد القيادات السياسية لحماس من أراضيها، فيما تضغط إسرائيل علي مصر بورقة الهجوم البري علي رفح والسيطرة علي محور فيلادليفيا.
  3. التأكيد علي أن حكومة الاحتلال هي السبب الرئيسي وراء عرقلة أي اتفاقات، وأنها لا تريد التهدئة ولا تضع ملف الأسرى في حساباتها، كما تزعم وتردد في خطابها لعائلات الأسري. وبالتالي، زيادة الضغط الداخلي علي حكومة نتنياهو لوقف الحرب11.
  4. إيقاف المخططات الإسرائيلية للاجتياح الواسع لمدينة رفح، حيث جاءت موافقة حماس علي المقترح بعد إصدار جيش الاحتلال الإسرائيلي أوامر بخروج السكان النازحين من الأطراف الشرقية لمنطقة رفح جنوبي قطاع غزة، تمهيدًا لشن عملية عسكرية فيها12.
  5. إعطاء فرصة للشعب الفلسطيني في غزة لالتقاط الأنفاس، ومنح مقاتلي المقاومة استراحة محارب تعينهم على الاستمرار في معركتهم الوطنية والإنسانية المشرفة13.

ورغم إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رفضه ورقة الوسطاء التي وافقت عليها حماس، وبدء الهجوم الإسرائيلي على مدينة رفح جنوبي قطاع غزة واحتلال معبر رفح، إلا أن حماس أكدت علي أنها ملتزمة ومتمسكة بالموافقة على الورقة التي قدمها الوسطاء، وأن الصيغة التي جاءت بها الورقة هي آخر ما يمكن أن تقبل به الحركة والمقاومة، ولن تقبل بأي تعديلات عليها. وتري الحركة أن اعتقاد نتنياهو بأنه وضع حماس تحت ضغط بالعملية العسكرية في رفح هو خاطئ؛ لأن هذا الضغط انقلب عليه، وبات في مواجهة مصر التي لن تقبل ببقائه طويلًا في محور فيلادلفيا، وسيطرته على معبر رفح، وانتهاكه لاتفاقية كامب ديفيد (معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية)، وكذلك في مواجهة الإدارة الأميركية14.

ثالثًا: موقف إسرائيل من مفاوضات وقف إطلاق النار:

بدت الحكومة الإسرائيلية متفاجئة ومرتبكة حيال موافقة حماس على مقترح الوسطاء لوقف إطلاق النار وتبادل الأسري15. حيث قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في 6 مايو 2024، في بيان، أن رد حماس بعيد عن مطالب إسرائيل، وأن الاحتلال سيواصل اجتياح رفح. وذكر البيان أن مجلس الحرب قرر بالإجماع أن إسرائيل ستواصل العملية في رفح من أجل ممارسة الضغط العسكري على حماس، بغية الدفع نحو الإفراج عن المخطوفين، وتحقيق أهداف الحرب. ولكي لا يترسخ الانطباع بأن إسرائيل هي التي تعرقل مفاوضات التهدئة، وترفض وقف إطلاق النار وصفقة التبادل، فقد أكد البيان علي إرسال وفد إسرائيلي إلى العاصمة المصرية للتفاوض مع الوسطاء لاستنفاذ إمكانية التوصل إلى اتفاق بشروط ستكون مقبولة لإسرائيل16.

وتزامن ذلك مع إعلان مجلس الحرب المنبثق عن حكومة الطوارئ عن بدء التوغل البري في رفح، كوسيلة ضغط عسكرية مكثفة على حماس في المفاوضات. وسارع الجيش الإسرائيلي إلى تنفيذ عملية برية محدودة شرق رفح، وسط غارات مكثفة وقصف مدفعي عنيف، أسفرت عن السيطرة علي معبر رفح، واحتلال نحو 3.5 كيلومتر من محور صلاح الدين (فيلادلفيا) الذي يمتد بطول 14.5 كيلومترًا من البحر المتوسط حتى معبر كرم أبو سالم17.

ويمكن تفسير موقف حكومة نتنياهو الرافض للاتفاق وفقًا للاعتبارات الآتية:

  1. أن الاتفاق سيكون خطوة نحو وقف شامل للحرب، لأن إسرائيل لن تتمكن من استئناف عملياتها العسكرية بعد مراحل الاتفاق المختلفة، حيث ستمارس العديد من الدول وعلي رأسها الولايات المتحدة ضغطًا كبيرًا على إسرائيل من أجل وقف شامل للحرب، والذهاب إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
  2. يعتقد اليمين المتطرف أن الاتفاق ينهي حلمه في العودة والاستيطان في قطاع غزة، وهناك من يعتقد أن الاتفاق ينهي حتى حلمه في طرد سكان القطاع وتهجيرهم18.
  3. تخوف نتنياهو الشخصي من أن الهدنة سوف تؤدي إلى الإطاحة بحكومته وتفككها، خاصة أن وزيرا الأمن القومي والمالية، بن غفير وسموتريتش، هددا قبل ذلك بالانسحاب من الحكومة إذا قبل نتنياهو أي اتفاق لوقف إطلاق النار قبل تحقيق الحرب أهدافها كاملة، مما يجعل نتنياهو عرضة للمحاكمة والسجن. بالإضافة للفشل الذريع الذي يتهرب نتنياهو من تحمله في السابع من أكتوبر، وعدم تحقيق أي من أهداف الحرب19.
  4. ما زال موقف غالبية الجمهور الإسرائيلي يؤيدون استمرار الحرب، ولا يبدو أن تحولًا جديًا حدث على موقفهم حتى اللحظة، إذا لم نشهد احتجاجات أو مسيرات مؤثرة تدعو إلى وقف الحرب، غير تلك الاحتجاجات الخاصة بعائلات الأسري.
  5. غياب الضغط الكافي، حتى اللحظة، سواء على الصعيد الإقليمي أو الدولي الذي يجبر الاحتلال على وقف عدوانه20.
  6. أن النتيجة الطبيعية لصفقات التبادل مع فصائل المقاومة هي تقوية مواقعها، وتنامي شعبيتها وجماهيريتها. كما أنها ستشجع فصائل المقاومة على القيام بعمليات أخرى ضد الإسرائيليين.
  7. أن مثل هذه الصفقات ستمكن المقاومة من تحقيق إنجازات سياسية هامة، ذات تأثيرات كبيرة على المدى الطويل، فعشرات الأسرى الذين سيٌطلق سراحهم خلال الصفقة سيقيمون مناطق نفوذ، وسيكون لهم دورًا كبيرًا على تأثير موازين القوى في الحركة الوطنية الفلسطينية21. ولعل ذلك ما يفسر مطالبة السلطة الفلسطينية من إسرائيل والولايات المتحدة استبعاد القيادي في حركة فتح، مروان البرغوثي من أي صفقة تبادل محتملة للأسرى بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس. حيث أظهر استطلاع للرأي أجراه “المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية” مؤخرًا أن البرغوثي سيفوز بشكل حاسم ضد الرئيس عباس في أي انتخابات قد تجري مستقبلاً22.

ورغم رفض الحكومة الإسرائيلية لهذا الاتفاق، إلا أن هناكالعديد من العوامل الضاغطة التي تشير إلى إمكانية إجبارها علي القبول بالاتفاق، ومن أبرزها:

  1. أن الاتفاق هو السبيل الوحيد لاستعادة المحتجزين والأسرى الإسرائيليين لدى حركة حماس بعد فشل السبل العسكرية في استعادتهم23.
  2. حرص النخب الحاكمة في إسرائيل على التأكيد على أنها ستعمل كل ما يلزم من أجل عدم إبقاء جنودها في الأسر، ولا يعتبر هذا الإعلان دعائيًا، بل يعكس إدراكها للأهمية الاستراتيجية لإعادتهم، لأن إدراك الجنود الذين ينطلقون في مهام تنفيذ العمليات العسكرية أن هناك دولة ستعمل على إعادتهم تحت أي ظرف، سيعزز الدافعية لديهم للانتساب للوحدات المقاتلة والنوعية24.
  3. احتجاجات عائلات الأسري، فحتى وإن كانت حتى اللحظة غير كافية لتغيير موقف الحكومة، لكنها ذات تأثير متزايد، ويحسب نتنياهو وحكومته حسابها جيدًا. فعائلات الأسرى لدى المقاومة يتحركون باستمرار، وقد زاد موقفهم قوة بعد موافقة المقاومة الفلسطينية على ورقة الاتفاق الإطاري لوقف الحرب25؛ لأن وسائل الإعلام كانت تشيع أن حماس هي من تعرقل الوصول إلي اتفاق لوقف إطلاق النار، وبالتالي فإن موافقة حماس ستجعل نتنياهو مسؤولًا عن تراجع فرص التهدئة، ومن وجهة نظر الجمهور الإسرائيلي مسؤولًا عن تأخير إطلاق أسرى الاحتلال من قطاع غزة26.
  4. التطور المستمر في البيئة الدولية، وبالذات الشعبية منها، التي لم تعد تحتمل كل هذا القدر من الجرائم والوحشية الصهيونية، التي كشفت الوجه الحقيقي للاحتلال، ولعل من أبرز معالم التحول في هذه البيئة، انتفاضة طلاب الجامعات، والتحول في رأي الشباب، تحديدًا في الولايات المتحدة الأميركية؛ معقل رعاة الحرب، كون هؤلاء الطلاب هم النخبة الذين سيصبحون قادة المستقبل ويحملون الأفكار المعادية لإسرائيل مما يهدد مستقبلها27. ومن المتوقع أن تزداد هذه الضغوطات الشعبية بعدما أسقطت حماس بقبولها للمقترح حجج تلك الأنظمة في دعم إسرائيل28.

وبناءً علي ما سبق؛ فإن موافقة حماس على المقترح ستعمق من مأزق حكومة الاحتلال وتضعها في زاوية ضيقة، فإما يصطدم نتنياهو باليمين المتطرف في حكومته مما يهدد تماسكها ويسرع من انهيارها، وإما يجد نفسه في مواجهة عائلات الأسري والمجتمع الدولي، وفي النهاية لن يجد سبيلًا من الرضوخ مهما طال أمد العناد. ومن ثم يحاول رئيس وزراء الاحتلال وحكومة الحرب من خلال عملية رفح التي لم تزل في بدايتها، ممارسة المزيد من الضغط على حماس والوسطاء، لا سيما مصر التي يتحرش بحدودها، لإحداث بعض التغييرات في بنود المقترح المقدم، من أجل الخروج بصيغة تحفظ ماء وجه الكيان وفي الوقت ذاته ترضي نهم الداخل الإسرائيلي، وهي المعادلة القابلة نسبيًا للتحقق29.

رابعًا: موقف الولايات المتحدة من مفاوضات وقف إطلاق النار:

قالت وسائل إعلام أميركية إن واشنطن تبنت مسودة اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى التي قبلتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وإن إسرائيل هي من تراجعت عن الموافقة على المسودة. فقد أفادت وكالة “أسوشيتد برس” عن مصادر بأن مسودة الاتفاق تضمنت تغييرًا طفيفًا في الصياغة عن النسخة التي قدمتها واشنطن بموافقة إسرائيل. وأضافت المصادر ذاتها للوكالة أن التغييرات أجريت بالتشاور مع مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه) وليام بيرنز الذي تبنى المسودة قبل إرسالها إلى حركة حماس30.

فيما نقل موقع “أكسيوس” الأمريكي عن مسؤولين إسرائيليين أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن كانت على علم بالمقترح الذي وافقت عليه حماس، لكنها لم تطلع تل أبيب على ذلك، قبل إعلان الحركة قبولها به. المسؤولان الإسرائيليان قالا إن “الشعور السائد هو أن إسرائيل قد تم التلاعب بها، من الولايات المتحدة والوسطاء الذين صاغوا “صفقة جديدة” ولم يكونوا شفافين بشأنها”. حيث قال الموقع الأمريكي إن هذا السلوك خلق خيبة أمل عميقة وشكًا بين كبار المسؤولين الإسرائيليين بشأن الدور الأمريكي في محادثات صفقة تبادل الأسرى31.

ولاتزال الولايات المتحدة تحاول استمالة نتنياهو للقبول بوقف إطلاق النار. حيث يتم الحديث عن أن اجتياح رفح ووصول آليات الجيش الإسرائيلي إلى “محور فيلادلفيا”، حتى البوابة المصرية لمعبر رفح من الجانب الفلسطيني، جاء بعد إخطار الجانب المصري به وإقناعه أمريكيًا بالخطوة المؤقتة وبتنسيق أمريكي كامل، وأن الإدارة الأمريكية منحت نتنياهو ضوءً أخضر لعملية محدودة قصيرة المدة، قد تستغرق أيامًا عدة، لتحقيق صورة انتصار يمكن أن يسوقه لدى وزراء اليمين المتطرف، قبل الموافقة على الرؤية الأمريكية المطروحة، التي أعلنت حماس الموافقة عليها32.

وفي محاولة للضغط علي نتنياهو للموافقة علي التهدئة ووقف العدوان علي رفح، فقد علقت الولايات المتحدة إرسال شحنة قنابل إلى إسرائيل بعدما فشلت الأخيرة في معالجة مخاوف واشنطن إزاء خطط الجيش الإسرائيلي لاجتياح رفح المكتظة بالنازحين. وهذه الشحنة قوامها 1800 قنبلة، زنة الواحدة منها ألفا رطل (907 كلغ)، و1700 قنبلة زنة الواحدة منها 500 رطل (226 كلغ)33.

كما أن مراهنة إسرائيل علي الولايات المتحدة لمنع صدور مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وقادة الائتلاف الحكومي من قبل المحكمة الجنائية الدولية، قد يمكن واشنطن من ممارسة مزيد من الضغط على قادة الائتلاف لإبداء قدر من المرونة من أجل إبرام اتفاق تهدئة34.

وتأتي هذه الجهود الأمريكية من أجل التوصل إلي اتفاق تهدئة مدفوعة بعدة أسباب، أبرزها:

  1. قرب الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر 2024، وعدم رغبة بايدن باستمرار الحرب بمستواها المرتفع على موعد قريب من الاستحقاق الرئاسي، خصوصًا أن الصوت العربي والمسلم والتقدمي بات يمثل خطرًا على فرص نجاح بايدن بالفوز على ترامب35. كما أن الإفراج عن الرهائن والأسرى بمن فيهم خمسة مواطنين يتمتعون بالجنسية الأميركية يمكن أن يساهم في استعادة جزء من شعبية بايدن المفقودة36.
  2. ارتفاع مستوى التظاهرات الشعبية الرافضة للعدوان، وتعمق أزمة حراك الجامعات الأمريكية37، خاصة وأن الحراك الطلابي بدأ يؤثر على عديد الجامعات الفرنسية والبريطانية، وربما يمتد إلى دول أوروبية أخرى. وفيما تصر الولايات المتحدة على استخدام الشرطة والقمع لفض الاحتجاجات فإن المحتجين يزدادون إصرارًا على مطالبهم المتمثلة في وقف التعاون الأكاديمي والاستثمارات المشتركة مع الجانب الإسرائيلي38.
  3. تضعضع التحالف الغربي الذي أنشأته واشنطن مع بداية الحرب، ومطالبة العديد من الدول الأوروبية بوقف إطلاق النار.
  4. إنجاز عملية تطبيع بين إسرائيل والسعودية، ويضغط بايدن بقوة من أجل ذلك، لأنه يريد تحسين موقفه في الانتخابات الأميركية39. وقد يشكل مثل هذا الإنجاز في حال تحقيقه، التعويض الذي ينتظره نتنياهو، لإضفاء مشهد انتصاري بعد عدوانه الفاشل علي غزة40.
  5. الحيلولة دون انزلاق المنطقة لتصعيد إقليمي يؤثر علي جهودها للتركيز على الصين وروسيا41.

ورغم ذلك فإن بايدن لا يبدو أنه سيكون قادرًا – أو راغبًا – علي إرغام نتنياهو للموافقة علي هذا الاتفاق؛ لأن واشنطن من ناحية استراتيجية تريد انتصارًا كاملًا للاحتلال في غزة (تجريد حماس من سلاحها وضمان عدم عودتها للحكم) رغم تصريحاتها التي تبدي خلافًا مع نتنياهو42. بجانب تخوف بايدن من احتمال خسارة أصوات وأموال اليهود واللوبي الصهيوني في الانتخابات وتجييشها لمنافسه المحتمل ترامب كما صرح بذلك السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، جلعان أردان تعليقًا علي إعلان الإدارة الأمريكية تعليق تسليم شحنات أسلحة لإسرائيل43. ولذلك فقد تساوقت واشنطن في نفاق أخلاقي كامل مع السردية الإسرائيلية الكاذبة عن أن حماس والوسطاء أضافوا تعديلات على الاتفاق من وراء ظهر إسرائيل رغم أن الاتفاق صنعه وليم بيرنز بنفسه44. وفي هذا السياق؛ قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر إن حماس قدمت مطالب إضافية في ردها على مقترح صفقة الرهائن45. فيما أوضح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي في إفادة صحفية، إن “حماس قدمت تعديلات على مقترح إسرائيلي أصلي بهدف إنهاء المأزق”46. كما أعلن الرئيس بايدن أن وقف إطلاق النار يمكن حدوثه إذا أفرجت حماس عن المحتجزين الإسرائيليين.

وقد أعتبرت حماس تصريحات بايدن تراجعًا عن نتائج الجولة الأخيرة من المفاوضات في القاهرة التي أفضت إلى موافقة الحركة على مقترح الوسطاء المصريين والقطريين، بعلم واطلاع الوسيط الأميركي. وأردفت حماس أن موقف بايدن يؤكد من جديد الانحياز الأميركي لسياسة الحكومة الإسرائيلية واستمرارها في منح الغطاء السياسي والدعم العسكري لحرب الإبادة التي تشنها على الشعب الفلسطيني، وإتاحة مزيد من الوقت لجيش الاحتلال لاستكمال عمليات التدمير والقتل والإبادة في القطاع47.

خامسًا: موقف مصر من مفاوضات وقف إطلاق النار:

قبل ساعات من إعلان حماس موافقتها على العرض المصري، صرح “مصدر رفيع المستوى” لقناة “القاهرة الإخبارية” بأن هجوم حماس على قوات الاحتلال في معبر “كرم أبو سالم” أدى إلى تعثر صفقة الهدنة48. حدث هذا رغم أن مصر لم توجه اللوم خلال الأشهر الماضية لرئيس حكومة الاحتلال نتنياهو الذي كان مسؤولًا عن تعثر وقف إطلاق النار بسبب إصراره على عدم الانسحاب من المناطق التي احتلها جيشه في غزة، وعدم عودة النازحين للشمال، إضافة إلى رفضه لوقف دائم للحرب حتى الآن.

أدت موافقة حماس على العرض المصري لوضع القاهرة في مأزق من عدة مظاهر. الأول، هو أن مصر يجب أن تعلن مسؤولية الاحتلال عن تعثر الصفقة بعد رفضها من قبل “مجلس الحرب”، وإلا فإن انحيازها – المعلوم للجميع – سيتأكد أمام من كان على عيونه بعض الغشاوة.

أما المظهر الثاني للمأزق المصري، فهو أنها خسرت رصيدًا استراتيجيًا كبيرًا كانت ستحصل عليه لو تم التوصل لوقف إطلاق النار بناءًا على العرض الذي قدمته، بعد فشل المفاوضات لمدة أشهر.

ولكن المأزق المصري الأكبر بعد موافقة حماس فهو بسبب موقفها المخزي من هجوم الاحتلال على معبر رفح، بعد ساعات من هذه الموافقة. لقد احتل جيش الاحتلال معبر رفح من الجهة الفلسطينية، دون مراعاة لأية اتفاقات بين تل أبيب والقاهرة (مثل كامب ديفيد واتفاقية المعابر 2005)، ودون احترام لنداءات ورفض “الحليف المصري” لعدم الاقتراب من منطقة رفح، وها هي القوات الاحتلالية تصل للحدود المصرية نفسها.

احتلال معبر رفح والبدء بمهاجمة المدينة بعد موافقة حماس على العرض المصري، سيجعل القاهرة في مواجهة الاحتلال مباشرة، دون وجود ذرائع بمسؤولية حماس عن الوضع – لو استمرت برفض الصفقة – وسيكون المأزق المصري كبيرًا، فعدم قدرة مصر على منع الاحتلال من احتلال معبر رفح ثم المدينة نفسها، سيظهر القاهرة بمزيد من الضعف، بل وسيرى الكثيرون أنها متوافقة أصلًا مع الاحتلال على هذه الخطوة.

هل يعني هذا المأزق المصري أن القاهرة ستغير موقفها؟ لا نتوقع ذلك، فقد علمتنا غزة أن الموقف العربي والمصري تحديدًا لم يعد فقط غير داعم للشعب الفلسطيني، بل هو وصل لمستوى التواطؤ مع الاحتلال49.

وهو ما حدث بالفعل، ففي حين أنه كان منطقيًا وبديهيًا أن يسارع الوسطاء (مصر وقطر بالأساس) الذين كانوا طرفًا في الاتفاق وفي الضغط على حماس لتقبل به أن يخرجوا ليدينوا علنًا وبحسم في مؤتمر صحفي أو بيانات رسمية ما قامت به إسرائيل من رفض للاتفاق وقد قبلته حماس. لكن ذلك لم يحدث بل وحتى لم يردوا عن أنفسهم التهمة التي لمحت إليها مصادر إسرائيلية بأنهم – أي الوسطاء – تلاعبوا بالنص المتفق عليه وغيروا فيه دون إطلاع الطرف الإسرائيلي. فالجميع يعلم أن وليم بيرنز كان يُطلع نظيره الإسرائيلي، رئيس الموساد دافيد برنياع، بكل تطور في المفاوضات أولا بأول.

بدلًا من ذلك أبدوا استعدادهم للتفاوض من جديد وعقدت جولة المباحثات الأخيرة في القاهرة التي انتهت إلى الفشل بعد أن طلب الإسرائيليون تعديلات أعادت الأمور إلى نقطة الصفر ودمرت معها معظم ما اتفق عليه في باريس في الأشهر الأربعة السابقة.

يكشف ذلك عن موقف سلبي عربي امتنع عن التنديد بالتجبر والاستهتار الإسرائيلي المتمثل في رفض الاتفاق وامتنع عن إعطاء مرونة ومسؤولية حماس في موافقتها عليه ما تستحقه جهرًا من تقدير وإشادة. هذا الموقف يؤكد أن دور معظم وحدات النظام العربي الرسمي هو دور “وظيفي” حدد لها سلفًا في إطار الاستراتيجية الأمريكية للتعامل مع حرب “طوفان الأقصى” منذ السابع من أكتوبر. فبعد أن سلمت الدول العربية كل مفاتيح التعامل مع الأزمة إلي واشنطن حصرتها الأخيرة في أدوار تحقق هدفها الاستراتيجي في سحق المقاومة وتمكين إسرائيل من الاستفراد بها. أو في لعب دور الوساطة المحايدة بين المقاومة الفلسطينية وهي طرف عربي مثلهم ومع إسرائيل وهي عدو لأمنهم القومي يستوي عندهم الطرفان مثلهم في ذلك مثل أي دولة غريبة من خارج المنطقة. في هذا الدور الوظيفي تكون حرية الحركة محدودة وردود الفعل المتوقعة في موقف من المواقف مقيدة بالطرف المهيمن على قواعد اللعبة (واشنطن) المنحاز بالكلية لدولة الاحتلال والعدوان50.

ختامًا؛ أسقطت حماس بموافقتها علي مقترح وقف إطلاق النار كل الادعاءات السابقة بشأن عرقلة المفاوضات، وباتت الكرة الآن في ملعب الوسطاء والولايات المتحدة والمجتمع الدولي لممارسة ضغوطهم القوية لإخضاع الاحتلال للمقترح المقدم، مع الوضع في الاعتبار بقاء المقاومة على خط المواجهة، حتى لا يروج الاحتلال لسردية أن الموافقة على المقترح تعني الاستسلام ورفع الراية البيضاء، وبما يؤكد أن القرار جاء من منطلق قوة، وأن اتخاذه تم على أرض صلبة، قادرة من خلالها حماس ورفيقاتها مواصلة الحرب وتكبيد الاحتلال خسائر فادحة، وهو ما أظهرته كتائب عز الدين القسام في مواجهتها لقوات الاحتلال المتوغلة شرق معبر رفح.

وفي المقابل، فقد تسببت موافقة حماس في صدمة الاحتلال، ولم تكن هذه الصدمة بسبب بنود الاتفاق قدر ما هي بسبب موافقة حماس من الأساس، والتي كانت مستبعدة بالنسبة للمفاوض الإسرائيلي، هذا بخلاف التوقيت الحساس، قبيل بدء عملية رفح التي يراهن عليها نتنياهو في إشعال الموقف وإرباك المشهد51. كما كان نتنياهو يتخذ من هذا الرفض شماعة يبرئ بها ساحته أمام عائلات الأسرى الإسرائيليين الذين يطالبونه بإبرام صفقة تبادل مهما كان الثمن52.

وعليه ستحاول الحكومة الإسرائيلية وضع العراقيل أمام هذا الاتفاق، وستحاول تغيير بعض بنوده، وبالذات تلك المتعلقة بالأسرى، والوقف الكامل لإطلاق النار، لكن الأرجح أن هذه المحاولات، وإن نجحت في تأخير تنفيذ الاتفاق، فإنها لن تنجح في وقفه وتعطيله. ذلك أن المفاعيل التي أفرزتها الموافقة الفلسطينية على الاتفاق، من خلال التفاوض مع الولايات المتحدة والوسطاء القطريين والمصريين، يصعب مواجهتها أو إيقافها53.

1 ” حسابات إسرائيل وحماس إزاء مفاوضات الهدنة”، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 9/5/2024، الرابط: https://tinyurl.com/xrrephmh

2 ” مفاوضات غزة.. نجحت إستراتيجية حماس وخسر نتنياهو أوراقه”، الجزيرة نت، 7/5/2024، الرابط: https://tinyurl.com/ya8uepak

3 “”المجلة” تنشر نص “اتفاق باريس” بين إسرائيل و”حماس”… تحويل الهدنة إلى حل سياسي من ثلاث مراحل”، المجلة، 5/2/2024، الرابط: https://tinyurl.com/mwjf67e5

4 ” مفاوضات غزة.. نجحت إستراتيجية حماس وخسر نتنياهو أوراقه”، مرجع سابق.

5 “الجزيرة نت تنشر نص ورقة الوسطاء التي وافقت عليها حماس”، الجزيرة نت، 8/5/2024، الرابط: https://tinyurl.com/2u8r95f6

6 “6 نقاط رفضها نتنياهو في اتفاق وقف إطلاق النار.. ما هي؟”، عربي21، 7/5/2024، الرابط: https://tinyurl.com/n27jt2ur

7 “قراءات متباينة.. أبرز نقاط الخلاف بين حماس والاحتلال حول الاتفاق”، نون بوست، 9/5/2024، الرابط: https://tinyurl.com/2tb72vh3

8 ” وفدا حماس وإسرائيل يغادران القاهرة.. إعلام أمريكي: تل أبيب تريد استثناء رفح من اتفاق وقف إطلاق النار”، عربي بوست، 9/5/2024، الرابط: https://tinyurl.com/en3eft6x

9 “مفاوضات غزة | مغادرة وفدي حماس وإسرائيل القاهرة من دون اتفاق”، العربي الجديد، 9/5/2024، الرابط: https://tinyurl.com/5n6scx4b

10 “رسميا.. حماس توافق على مقترح مصر وقطر لوقف إطلاق النار”، الحرة، 6/5/2024، الرابط: https://tinyurl.com/yuxntmu2

11 “كيف بعثرت حماس أوراق نتنياهو؟”، نون بوست، 7/5/2024، الرابط: https://tinyurl.com/2xfahd95

12 ” الاحتلال يبدأ ترحيل سكان رفح تمهيدا لعملية عسكرية”، الجزيرة نت، 6/5/2024، الرابط: https://tinyurl.com/38yamnc9

13 “هل ينجح اتفاق الإطار في وقف العدوان على غزة؟”، الجزيرة نت، 9/5/2024، الرابط: https://tinyurl.com/mtph2jpk

14 “مفاوضات غزة | مغادرة وفدي حماس وإسرائيل القاهرة من دون اتفاق”، مرجع سابق.

15 “”أكسيوس”: موافقة حماس على صفقة التبادل فاجأت الحكومة الإسرائيلية”، القاهرة الإخبارية، 7/5/2024، الرابط: https://tinyurl.com/56h3b9er

16 “الحكومة الإسرائيلية: رد حماس بعيد عن مطالبنا وسنواصل اجتياح رفح”، العربي الجديد، 6/5/2024، الرابط: https://tinyurl.com/4kwc4ucz

17 ” الجيش الإسرائيلي يعلن سيطرته على الجانب الفلسطيني من معبر رفح”، الشرق الأوسط صحيفة العرب الأولي، 7/5/2024، الرابط: https://tinyurl.com/ye2y52s5

18 ” الإجماع والانقسام الإسرائيلي حول الحرب على غزة”، مركز الجزيرة للدراسات، 24/3/2024، الرابط: https://tinyurl.com/4hhh35ka

19 “مفاوضات صفقة التبادل إلى أين؟”، المركز الديمقراطي العربي، 6/5/2024، الرابط: https://tinyurl.com/45e9chn2

20 “هل ينجح اتفاق الإطار في وقف العدوان على غزة؟”، مرجع سابق.

21 “خلفيات المعارضة “الإسرائيلية” لصفقة تبادل الأسرى مع حركة حماس”، مركز رؤية للتنمية السياسية، 3/5/2024، الرابط: https://tinyurl.com/32vmd83p

22 ” MEE: السلطة الفلسطينية طلبت عدم الإفراج عن البرغوثي من سجون الاحتلال”، عربي21، 5/5/2024، الرابط: https://tinyurl.com/37suszks

23 ” الإجماع والانقسام الإسرائيلي حول الحرب على غزة”، مرجع سابق.

24 “خلفيات المعارضة “الإسرائيلية” لصفقة تبادل الأسرى مع حركة حماس”، مرجع سابق.

25 “هل ينجح اتفاق الإطار في وقف العدوان على غزة؟”، مرجع سابق.

26 “كيف وضعت حماس “الجميع” في مأزق بعد موافقتها على الهدنة؟”، عربي21، 7/5/2024، الرابط: https://tinyurl.com/4zzfsmfw

27 “هل ينجح اتفاق الإطار في وقف العدوان على غزة؟”، مرجع سابق.

28 “كيف بعثرت حماس أوراق نتنياهو؟”، مرجع سابق.

29 المرجع السابق.

30 “وسائل إعلام أميركية تكشف أن واشنطن تبنت مسودة الاتفاق والأمر بيد إسرائيل”، الجزيرة نت، 7/5/2024، الرابط: https://tinyurl.com/td9dnjbx

31 “هل تلاعبت أمريكا بإسرائيل؟ أكسيوس: المقترح الذي وافقت عليه حماس كانت واشنطن على علم به!”، عربي بوست، 7/5/2024، الرابط: https://tinyurl.com/2s4fmte2

32 “واشنطن نسقت عملية “رفح” مع “تل أبيب” والقاهرة لإعطاء صور ة نصر لـ”نتنياهو” قبل قبول صفقة الهدنة”، صدارة للمعلومات والاستشارات، 9/5/2024، الرابط: https://tinyurl.com/2s36ts9j

33 ” واشنطن تعلّق إرسال شحنة قنابل لإسرائيل بسبب “مخاوف” بشأن رفح”، العربية نت، 8/5/2024، الرابط: https://tinyurl.com/5yr52x4k

34 “لماذا يريد بلينكن صفقة الآن؟”، الأيام الفلسطينية، 3/5/2024، الرابط: https://tinyurl.com/4pxtjena

35 “كيف وضعت حماس “الجميع” في مأزق بعد موافقتها على الهدنة؟”، عربي21، 7/5/2024، الرابط: https://tinyurl.com/4zzfsmfw

36 “قبول حماس مقترح وقف إطلاق النار.. هل يعقّد موقف بايدن؟”، الجزيرة نت، 7/5/2024، الرابط: https://tinyurl.com/yt4jvjmc

37 “كيف وضعت حماس “الجميع” في مأزق بعد موافقتها على الهدنة؟”، مرجع سابق.

38 “لماذا يريد بلينكن صفقة الآن؟”، مرجع سابق.

39 “مفاوضات غزة.. سيناريوهات الحرب بعد موافقة حماس ورفض إسرائيل”، الجزيرة نت، 9/5/2024، الرابط: https://tinyurl.com/2um45naz

40 “لماذا يريد بلينكن صفقة الآن؟”، مرجع سابق.

41 “مفاوضات غزة.. سيناريوهات الحرب بعد موافقة حماس ورفض إسرائيل”، مرجع سابق.

42 “كيف وضعت حماس “الجميع” في مأزق بعد موافقتها على الهدنة؟”، مرجع سابق.

43 “خاب أملها في بايدن.. إسرائيل تهدد حزبه بأصوات اليهود”، العربية نت، 9/5/2024، الرابط: https://tinyurl.com/exnj9ev8

44 ” كيف حوّل بايدن مفاوضات وحرب غزة لمشهد «سريالي»؟”، أصوات أونلاين، 12/5/2024، الرابط: https://tinyurl.com/4z63zmev

45 ” المتحدث باسم الخارجية الأمريكية: حماس قدمت مطالب إضافية في ردها على المقترح وهذا يحدث بالمفاوضات”، قناة الجزيرة، 8/5/2024، الرابط: https://tinyurl.com/5n6zeuhy

46 “البيت الأبيض: يجب سد الفجوات المتبقية.. نترقب فتح “رفح” و”كرم أبو سالم” غدا”، عربي21، 7/5/2024، الرابط: https://tinyurl.com/2s49e5cy

47 “حماس: موقف بايدن بشأن الهدنة تراجع عن نتائج مفاوضات القاهرة”، الجزيرة نت، 12/5/2024، الرابط: https://tinyurl.com/3vx5za55

48 ” مصدر رفيع المستوى لـ«القاهرة الإخبارية»: الوفد الأمني المصري يكثف اتصالاته لاحتواء التصعيد الحالي بين الطرفين”، بوابة الأهرام، 6/5/2024، الرابط: https://tinyurl.com/56td5c2j

49 “كيف وضعت حماس “الجميع” في مأزق بعد موافقتها على الهدنة؟”، مرجع سابق.

50 ” كيف حوّل بايدن مفاوضات وحرب غزة لمشهد «سريالي»؟”، مرجع سابق.

51 “كيف بعثرت حماس أوراق نتنياهو؟”، مرجع سابق.

52 “قراءات متباينة.. أبرز نقاط الخلاف بين حماس والاحتلال حول الاتفاق”، مرجع سابق.

53 “هل ينجح اتفاق الإطار في وقف العدوان على غزة؟”، مرجع سابق.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022