القمة الكورية الجنوبية- الإفريقية والمشاركة المصرية

في ظل مساعي القوى الدولية، سواء كانت الكبرى أو الإقليمية الصاعدة، نحو تأسيس علاقات وشراكات أكثر رسوخًا مع القارة الإفريقية، ومع تنامي حضور عدد من القوى الآسيوية على وجه التحديد بالقارة، كالصين واليابان والهند، وتجسيد هذا الحضور في دلالات عدة؛ أبرزها عقد قِمم دورية مشتركة مع بلدان القارة الإفريقية؛ كالقمة الهندية الإفريقية، منتدى التعاون الصيني الإفريقي، القمة اليابانية الإفريقية؛ يبرز في هذا الإطار لاعب آسيوي آخر يتطلع لدور بالمنطقة، وهو كوريا الجنوبية، والتي برزت تحركاتها جليًّا، لاسيما مع إعلان سيول ولأول مرة منذ تأسيسها، تدشين قمة كورية إفريقية مشتركة، عُقدت في سيول في الفترة من 4 إلى 5 يونيو 2024. تحت عنوان “المستقبل الذي نريد صُنعه معًا: النمو المشترك والاستدامة والتضامن”. وقد شكَّلت أول قمة كورية إفريقية علامة تاريخية فارقة، حيث اجتمع رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول وزعماء من 48 دولة إفريقية لتعميق التعاون التجاري والاقتصادي. فما هي الأهداف الكورية في إفريقيا؟ وماذا كانت نتائج القمة، وما هو شكل المشاركة المصرية بها؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عليها خلال هذا التقرير..

أولًا: العلاقات الكورية الإفريقية وتطورها..

لا تقتصر علاقة كوريا الجنوبية بإفريقيا فقط على الوقت الراهن المُتصل بالقمة الكورية الإفريقية 2024، بل تمتلك سيول تاريخًا مُمتدًّا من العلاقات مع البلدان الإفريقية، يعود بعضها لفترات ما قبل استقلالها، لكنَّه اتخذ شكلًا أكثر تبلورًا منذ العام 2006.

1. بداية الانخراط الكوري بالقارة: يُمكن إبراز هذا الانخراط عبر عدة محطات: أولها؛ كانت بداية التضامن بين الجانبين في الخمسينيات عندما قدَّمت الدول الإفريقية الدعم لكوريا خلال الحرب الكورية. وثانيها؛ في الستينيات حيث أقامت كوريا علاقات دبلوماسية مع ست دول إفريقية، وهي: (ساحل العاج، النيجر، بنين، تشاد، الكاميرون، وجمهورية الكونغو). وثالثها؛ في التسعينيات بعد قبول كوريا بعضوية الأمم المتحدة، وإنشاء الوكالة الكورية للتعاون الدولي (KOICA)، والذي من شأنه تعزيز العلاقات الدبلوماسية الكورية مع إفريقيا. ورابعها؛ عام 2005 عندما حصلت سيول على صفة مراقب في الاتحاد الإفريقي. وخامسها؛ خلال عهد الرئيس الكوري “روه مو هيون” (2003-2008)؛ حيث بدأت كوريا في تجديد علاقاتها مع القارة على نحوٍ أكثر جدية. وأعلنت حكومة هيون عن المبادرة الكورية للتنمية الإفريقية في عام 2006، كما أعلن الرئيس الكوري عن أول زيارة رئاسية رسمية إلى إفريقيا منذ 24 عام. وتبعه خليفتاه المباشران، “لي ميونج باك”، و”بارك جيون هاي”، بزياراتهما المُتكررة إلى إفريقيا. كما أن نفس العام (2006) يُعد الأبرز على الإطلاق، بل ونقطة التحول بين علاقات الجانبين الإفريقي والكوري، والذي أُطلق عليه “عام الصداقة مع إفريقيا”. كما تمَّ الإعلان في نفس العام عن المنتدى الكوري-الإفريقي (KOAF)، والمؤتمر الوزاري للتعاون الاقتصادي الكوري-الإفريقي (KOAFEC). وسادسها؛ تمَّ وضع مخطط كوري شامل للتعاون مع إفريقيا في عام 2013، وفي عام 2016 أُعلِن عن شراكة تعاونية بين كوريا وإفريقيا. علاوةً على ذلك، فقد أدَّى إنشاء مؤسسة كوريا وإفريقيا التابعة لوزارة الخارجية الكورية في عام 2018 إلى تعزيز التعاملات المُتنوعة بين الجانبين، كتوسيع تعاونهما في مجالات عدة كالتجارة، الاستثمار، البنية التحتية، المعادن، الطاقة، الدفاع، المعلومات والتقنيات الرقمية. وسابعها؛ عام 2024 حيث قرَّرت كوريا الجنوبية عَقد أول قمة رسمية تجمعها مع القارة الإفريقية، خلال يومي 4 و5 يونيو.[1]

2. لماذا إفريقيا؟ يُجيب عن هذا التساؤل مُمثِّل القمة الكورية الإفريقية قائلًا: “إن إفريقيا هي قارة المستقبل، ونعتقد أن إفريقيا لديها إمكانات هائلة؛ إذ يصل عدد سكانها إلى 1.4 مليار نسمة، ولا تزال مستمرة في التزايد، كما أن 60% من سكانها من الشباب صغير السن تحت سن 25 عامًا، بجانب تمتُّعها بموارد طبيعية هائلة، كما أنه ونتيجة للطبيعة الاستهلاكية لمواطني القارة، تُعدّ سوقًا جذابة للغاية، لذا ستكون القارة شريكًا جيدًا، وأعتقد أن كوريا وإفريقيا يمكن أن تنموا معًا؛ لذلك أرى أن لدينا فرصة عظيمة وإمكانات كبيرة للعمل معًا”. وتتصاعد أهمية القارة لكوريا الجنوبية مع الوضع في الاعتبار أن الأخيرة تسعى لتحقيق مزيد من التقدم الاقتصادي، لاسيما مع ما تمتلكه من براعة هائلة في القطاع التكنولوجي، لكن يُعدّ الحصول على إمدادات معدنية موثوقة أمرًا بالغ الأهمية لضمان عدم توقف نمو صناعة التكنولوجيا الفائقة؛ ومع ذلك، فإن احتياطيات الموارد الطبيعية في كوريا قليلة جدًّا ومتباعدة. لذا تتصاعد لدى سيول ضرورة التعاون مع القارة الإفريقية، لاسيما مع احتياطات القارة من المعادن الحيوية الوفيرة، التي يُمكنها توفير فرص استثمارية واعدة للمستثمرين الكوريين، بالنظر إلى أن القارة تحتوي على حوالي 85% من المنجنيز الموجود في العالم، و80% من البلاتين والكروم، و47% من الكوبالت، فضلًا عن رواسب هائلة من الليثيوم والفوسفات والنيكل. وهكذا؛ تُمَثِّل ثروة إفريقيا من الموارد والسوق الاستهلاكي سُبلًا واعدة لدفع انتقال كوريا إلى المستوى التالي من فرص التنمية. أما الصناعة الرئيسية الأخرى التي قد تستفيد من الإمداد بالمعادن الحيوية فتتمثَّل في قطاع المركبات الكهربائية. والتي تبرز أهميتها مع ارتفاع سوق السيارات الكهربائية العالمي بشكلٍ كبير في السنوات الأخيرة، مع تسارع وتيرة التحول إلى الطاقة النظيفة. وتضاعف مبيعات السيارات الكهربائية أكثر من ثلاثة أضعاف خلال ثلاث سنوات فقط، ومن المُتوقَّع أن يُحافظ هذا السوق على نمو مُطّرد مع ابتعاد العالم عن النفط. وتقود كوريا الجنوبية هذا الاتجاه في آسيا، بفضل نجاحها التكنولوجي وصناعة السيارات التي تقود تقدمها في قطاع السيارات الكهربائية. في هذا الإطار تشتد الحاجة لإفريقيا بما تمتلكه من معادن ضرورية لإنتاج السيارات الكهربائية وتصنيع البطاريات، ومن ثمَّ؛ فإن التعاون مع الدول الإفريقية لاستخراج ومعالجة مثل هذه الموارد سيُوفِّر سلسلة توريد مُستدامة لصناعة السيارات في كوريا. علاوةً على ذلك، مع زيادة أعداد المدن والمراكز الحضرية في إفريقيا، سيشهد سوق السيارات الكهربائية مزيدًا من الانتعاش والازدهار.[2]

ثانيًا: سير القمة ونتائجها..

يُمكن القول بأن القمة كانت ناجحة بالنسبة للدولة المضيفة، التي أرادت تأمين سلسلة توريد جديدة للمعادن الأساسية لتقليل اعتمادها على الصين، وهو ما تمَّ التنفيذ. أما بالنسبة للبلدان الإفريقية، فيُمكن أيضًا الترحيب بالحوافز الاستثمارية الكبيرة التي أعلنتها حكومة كوريا الجنوبية. ومن نتائج صيغة القمة أن كل دولة قامت بدورها ودافعت عن مصالحها.[3]

1. سير القمة والتأكيد على الشراكة: حسب وكالة أنباء يونهاب، قال الرئيس يون سيوك يول إن كوريا الجنوبية ستنشئ شراكة للمعادن الحيوية مع الدول الإفريقية الرئيسية لتطوير الموارد في القارة بطريقة مفيدة للطرفين. واعتمدت كوريا الجنوبية ووفود من 48 دولة إفريقية إعلانًا مُشتركًا لتعزيز التجارة والاستثمار والتعاون في مشاريع المعادن المهمة والتنمية. واتفق القادة على إطلاق حوار على مستوى وزاري حول التعاون في مجال المعادن الحيوية لضمان سلسلة توريد مرنة للموارد اللازمة للرقائق والبطاريات والطاقة المتجددة. وقال يون إن دور إفريقيا أصبح في دائرة الضوء المتزايدة وسط تزايد الغموض في سلسلة التوريد العالمية بسبب المخاطر الجيوسياسية الأخيرة. وتابع: “نأمل في توسيع نطاق التعاون في مجال الموارد بما يعود بالمنفعة المشتركة من خلال إقامة شراكة المعادن الحيوية مع الدول الإفريقية الرئيسية”. وحدَّد يون خططًا لتوقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية (EPA) وإطار تعزيز التجارة والاستثمار (TIPF) مع المزيد من الدول الإفريقية لتسهيل أنشطة التجارة والاستثمار السلسة، وأعرب عن أمله في توسيع التعاون مع الشركات الكورية الجنوبية في تحول الطاقة، مُشيرًا إلى ضرورة التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة النووية والطاقة الشمسية والهيدروجين لمعالجة تغير المناخ. وتعهَّد الرئيس بالضغط من أجل تصميم تعاون إنمائي مُخصَّص لتلبية مُتطلبات الدول المستفيدة من المساعدة الإنمائية الرسمية من أجل سد الفجوة داخل إفريقيا. وتهدف كوريا الجنوبية إلى توسيع المساعدات التنموية الرسمية لها إلى 10 مليارات دولار بحلول عام 2030، وتوفير تمويل للصادرات بنحو 14 مليار دولار لمساعدة الشركات الكورية على توسيع التجارة والاستثمار في إفريقيا. ومن المُقرَّر أن يجري يون اجتماعات منفصلة مع رؤساء دول موريتانيا، وغينيا الاستوائية، وإريتريا، وجزر القمر، وبوتسوانا وإسواتيني. وقد التقى بـ 17 زعيم إفريقي على هامش القمة.[4]

2. نتائج القمة: تبنَّى الزعماء الأفارقة مبادرة كوريا الجنوبية “Tech4Africa”، والتي تهدف إلى تعزيز التعليم والتدريب للشباب في إفريقيا. وشدَّد رئيس الاتحاد الإفريقي والرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني على رغبة الدول الإفريقية في التعلم من الخبرة الكورية في تنمية الموارد البشرية والتصنيع والتحول الرقمي. وبحضور 25 رئيس دولة وحكومة إفريقية، اقترح الرئيس يون “النمو المشترك” باعتباره حجر الزاوية في التعاون الكوري الإفريقي. واتفق الزعماء على ضرورة وجود أطر مؤسسية لتسهيل توسيع التجارة والاستثمار. كما تضمَّنت نتائج القمة الكورية الإفريقية الأولى توقيع ما يقرب من 50 اتفاقية أولية ومذكرة تفاهم تهدف إلى تعزيز التعاون في مختلف القطاعات.[5] وعلى المستوى الحكومي، تم التوقيع على 12 مذكرة تفاهم بين كوريا الجنوبية و11 دولة إفريقية، تُركِّز على التجارة والطاقة والمعادن الحيوية. والجدير بالذكر أن كوريا الجنوبية بدأت مفاوضات بشأن اتفاقية شراكة اقتصادية مع تنزانيا وعززت العلاقات مع المغرب لدعم سلاسل التوريد والصناعات الرقمية. وبالإضافة إلى ذلك، تم إنشاء إطار لترويج التجارة والاستثمار مع ثمانية بلدان إفريقية لتسهيل التجارة والاستثمار. وتمَّ التوقيع على اتفاقيات بشأن المعادن المهمة مع تنزانيا ومدغشقر، مما يعكس اهتمام كوريا الجنوبية بالحصول على الموارد المعدنية في إفريقيا. وإلى جانب الاتفاقيات على المستوى الحكومي، وقَّعت الهيئات الحكومية والشركات الخاصة من الجانبين 16 مذكرة تفاهم و19 عقدًا، مع التركيز على التعاون في مجالات مثل المفاعلات المعيارية المتقدمة صغيرة الحجم، والطاقة المتجددة، ومشاريع البنية التحتية، والتجارة. وشاركت شركات كبرى مثل شركة هيونداي موتور، وشركة إل جي، وشركة بوسكو القابضة في منتدى الأعمال الخاص بالقمة، مما سلَّط الضوء على المشاركة الكبيرة لكل من الحكومات والقطاع الخاص في تعزيز العلاقات الثنائية والتعاون الاقتصادي بين كوريا الجنوبية والدول الإفريقية.[6]

3. حزام الأرز الكوري: إذا كانت الصين تستثمر في مشروعها العملاق الخاص بمبادرة الطريق والحزام كما تستخدم روسيا أذرعها الأمنية لتعزيز وجودها في إفريقيا، فإن كوريا الجنوبية تركز على حزام من نوع آخر يتعلَّق بالأمن الغذائي. وتهدف مبادرة حزام الأرز الكوري، التي تقودها كوريا الجنوبية، إلى تعزيز إنتاج الأرز في البلدان الإفريقية من خلال إدخال أصناف الأرز عالية الإنتاجية، وتوفير البذور، وتقديم التدريب، ودعم أنظمة الري. ومن خلال الشراكات مع ثماني دول إفريقية، بما في ذلك الكاميرون، وغامبيا، وغانا، وغينيا بيساو، وكينيا، والسنغال، وأوغندا، تستثمر كوريا الجنوبية في بناء القدرات الزراعية وتعزيز زراعة الأرز وتوزيعه. ومن خلال استثمار أولي قدره 80 مليون دولار، أظهر المشروع بالفعل نتائج واعدة، حيث ساهم في إنتاج 2040 طنًا من الأرز منذ بدايته. وتعمل كينيا وأوغندا كمواقع تجريبية، ومن المُتوقَّع أن تُنتجا في المتوسط ​​2300 طن من الأرز على مدى السنوات الثلاث المقبلة. وتعكس هذه المبادرة التزام كوريا الجنوبية بالاستفادة من خبراتها ومواردها لدعم التنمية الزراعية في إفريقيا، في مسعى لتقديم نموذجها التنموي في تحقيق الاكتفاء الذاتي والازدهار إلى الدول الشريكة. وعلى الرغم من تركيزها على إنتاج الأرز، هدفت القمة الكورية الإفريقية إلى استكشاف شراكات مُتنوعة بين كوريا الجنوبية والدول الإفريقية، وتسليط الضوء على الطبيعة المتعددة الأوجه للتعاون بينهما خارج نطاق الزراعة.[7]

ثالثًا: مصر والقمة الكورية الجنوبية..

شاركت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولي في أعمال القمة الكورية الإفريقية الأولى، خلال يومي 4 و5 يونيو 2024، بالعاصمة الكورية سيول نيابةً عن السيسي.

1. العلاقات المصرية الكورية: ارتبطت مصر وكوريا الجنوبية بعلاقات قوية، حيث جمعت البلدين علاقات متميزة في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي ساعدت على انتقال الافراد والمبادلات الاقتصادية والحضارية بين البلدين، وتمتد العلاقات المصرية الكورية إلى عام 1948 حين اعترفت مصر رسميًا باستقلال جمهورية كوريا الجنوبية، وتتركَّز العلاقات بين البلدين في المجال الاقتصادي والتعليمي حيث حقَّقت التجربة الكورية نجاحًا كبيرًا في مجال الصناعة بفضل نهضة تعليمية مُميزة شهد لها العالم، لما كان لها من أثر واضح في تحقيق الاقتصاد الكوري الجنوبي لطفرات كبيرة، حيث وصل للمرتبة رقم 13 بين الاقتصاديات القوية في العالم. ومصر بدرها تحاول الاستفادة من الخبرات الكورية في مجال التعليم، واستيراد احتياجاتها من المركبات والأجهزة الكهربائية والتكنولوجية التي حقَّقت منافسة قوية مع نظيرتها المتقدمة الأخرى مثل اليابان وألمانيا والولايات المتحدة.[8]

2. المشاركة المصرية في القمة: ذكرت وزيرة التعاون الدولي أن مصر تؤكد على عدة نقاط في إطار الشراكة الكورية الإفريقية: أولها؛ أهمية دعم جهود القارة الإفريقية في تنفيذ الخطة العشرية الثانية وتحقيق أهداف أجندة التنمية للاتحاد الإفريقي ٢٠٦٣، وتعزيز جهود تعبئة الموارد لتحقيق التنمية الشاملة في القارة الإفريقية، ودعم وكالة الاتحاد الإفريقي للتنمية– النيباد لمساعدة الدول الإفريقية من أجل تحقيق التنمية وتعزيز التعاون في المجالات ذات الأولوية في القارة الإفريقية. وثانيها؛ التعاون لإيجاد موارد تمويلية جديدة وغير تقليدية في ظل ما يشهده العالم من أزمة اقتصادية تُؤثِّر سلبًا على جهود التنمية، وكذلك العمل على تحقيق إصلاح شامل للنظام المالي العالمي لمساعدة الدول النامية في كفاحها من أجل سد الفجوة التمويلية وتلبية احتياجاتها لتحقيق التنمية المستدامة، والسعي لإيجاد حلول لأزمة الديون المُتراكمة في إفريقيا، بما يُمكِّن القارة من استعادة وتيرة التعافي الاقتصادي، وتشمل برامج مبادلة الديون من أجل التنمية والتحول الأخضر. وثالثها؛ دعم تمويل مشروعات القارة التنموية، وأهمية مواصلة تطوير مشروعات البنية التحتية في إفريقيا باعتبارها العامل الرئيسي نحو تحقيق التكامل القاري الاقتصادي والتجاري، والاستفادة من تفعيل اتفاقية التجارة الحرة القارية لدفع عجلة التبادل التجاري بين الدول الإفريقية. ورابعها؛ أهمية دعم القطاع الصحي في القارة، وإيجاد آليات للعمل الجماعي لتحسين الوصول إلى اللقاحات وتحقيق الأمن الصحي، والعمل على توطين الصناعات الطبية في إفريقيا وتحفيز مجالات البحث العلمي بها. وخامسها؛ تهيئة المناخ اللازم لجذب المزيد من الاستثمارات في إفريقيا لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتوفير فرص عمل مستدامة، والعمل علي زيادة معدلات النمو في الدول الإفريقية. وسادسها؛ فيما يتعلق بقضايا السلم والأمن، فإنه يتعيَّن العمل على تعزيز وتفعيل الرابط بين السلام والتنمية ودعم مركز إعادة الإعمار التابع للاتحاد الإفريقي، مع ضرورة احتواء أي آثار سلبية نتيجة التوترات والنزاعات الدولية على القارة الإفريقية، وتحجيم الانعكاسات السلبية الاقتصادية. وسابعها؛ تقديم الدعم لمراكز الخبرة والتميز القارية لمساعدة الدول الإفريقية على اجتياز العقبات ذات الصلة بمكافحة الإرهاب وتمدد الجماعات المتطرفة. وثامنها؛ العمل على نقل التكنولوجيا الحديثة للقارة، خاصة في مجال الصناعات المتطورة والتحول إلى الطاقة النظيفة، ومجال علوم الفضاء، والاهتمام بتجاوز آثار تغير المناخ والتي كان لها انعكاساتها الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وتطوير منظومة التعليم في الدول الإفريقية. وأخيرًا؛ أهمية توفير آلية متابعة تنفيذ مخرجات القمة، وكذا توفير الموارد اللازمة لتنفيذ المخرجات ذات الأولوية للطرفين.[9]

رابعًا: نتائج القمة والواقع الإفريقي..

تُمثِّل إفريقيا كنزًا جيوستراتيجيًا، حيث إنها موطن 1.4 مليار نسمة ويبلغ ناتجها المحلي الإجمالي 3.1 تريليون دولار أمريكي. ولا شك أن مواردها الطبيعية الهائلة تحتل موقعًا استراتيجيًا في الاقتصاد الكوري. ومن الواضح أن كوريا الجنوبية تحتاج إلى إفريقيا أكثر من العكس. وتُساهم إفريقيا بنسبة 3% من الصادرات الكورية و1% من وارداتها. ولعل ذلك يُسلِّط الضوء على الطبيعة غير المتكافئة للعلاقة. ومن جهة أخرى، مع تولِّي كوريا الجنوبية مقعدًا غير دائم في مجلس الأمن الدولي، فإن الدول الإفريقية لديها فرصة للاستفادة من هذه الشراكة للدعوة إلى إزالة العقوبات وتعزيز السلام والاستقرار في مناطق مثل جنوب السودان والسودان والجزء الشرقي من جمهورية الكونغو الديمقراطية. ومن جهة ثالثة، إذا كانت القمة الكورية الإفريقية تهدف إلى معالجة أهداف كوريا الجنوبية المُتمثِّلة في أن تصبح دولة محورية عالمية، يُمكنها الوصول إلى الموارد الإفريقية، والاستفادة من الفرص التجارية داخل منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، فإن هناك مخاوف من أن الدول الإفريقية قد لا تكون مُتسقة بشكلٍ كامل في نهجها تجاه كوريا الجنوبية، حيث تسعى كل دولة إلى متابعة أجندتها الخاصة، مما قد يُقوِّض قوة المساومة الجماعية.[10]

الخُلاصة؛ يجد المتتبع لخطوات سيول تجاه القارة الإفريقية، بدءًا من تدشين عام الصداقة مع إفريقيا، والمبادرة الكورية لتنمية إفريقيا خلال عام 2006، وصولًا لعقد القمة الكورية الإفريقية الأولى في العام الحالي 2024، والتخطيط لعقدها بشكل دوري؛ أن كل ذلك يشير إلى الرغبة الكورية المُلِحَّة لتأسيس تعاون طويل الأمد مع القارة الإفريقية، بل وإضفاء الطابع المؤسسي على هذا التعاون. ولذا ستُعوِّل سيول كثيرًا على هذه القمة -خاصةً أنها حديثة الرجوع للقارة، ولا تزال في مرحلة التعلّم- لتحقيق مزيد من الشراكات مع البلدان التي تتعاون معها بالفعل، إضافةً لخلق صداقات جديدة بالقارة، بما يضمن في الأخير استمرار الوجود الكوري بالمنطقة، وتوفير ما يحتاجه من موارد معدنية لازمة لقطاع التكنولوجيا وسوق السيارات الكهربائية لديه، إضافةً لضمان سوق استهلاكية مُمتدة، وغيرها من الأهداف التي جعلت من الوجود الكوري بالقارة ضرورة لا غِنَى عنها، وليس أمرًا قابلًا للتفاوض بشأن تحقيقه أم لا، بما يُؤسِّس في الأخير لحضور كوري راسخ في المستقبل المنظور، قادر على الظهور والتنافس، في ظل التدافع غير المتوقف بين القوى الكبرى والإقليمية على المنطقة. ومن المُثير للاهتمام هو أن كوريا الجنوبية، التي تتمتَّع بنقاط قوة كبيرة، قرَّرت الانضمام إلى الركب من أجل الفوز بإفريقيا. وكما لوحظ خلال أعمال القمة الأولى، فإن كوريا الجنوبية تقوم بدور الجسر أو قناة الاتصال في المجتمع الدولي باعتبارها قوة متوسطة مسئولة استنادًا إلى تجربتها التنموية الخاصة. ومن المُحتمل أن تُركِّز الشراكة مع كوريا الجنوبية على جوانب التنمية الزراعية ونقل التكنولوجيا المُلائمة، وهو ما يجعل النموذج الكوري الجنوبي جاذبًا للدول الإفريقية.


[1] نهاد محمود، “نحو مأسسة العلاقات وتعزيز الشراكات.. القمة الكورية-الإفريقية الأولى (يونيو 2024م)”، قراءات إفريقية، 4/6/2024. متاح على الرابط: https://2u.pw/5aRihqxk

[2] نهاد محمود، مرجع سبق ذكره.

[3] “القمة الكورية الجنوبية – الإفريقية: من هي الدول الفائزة بالصفقات”، Tunisie Telegraph، 6/6/2024. متاح على الرابط: https://2u.pw/UoWJS6I5

[4] “أول قمة كورية إفريقية.. 50 اتفاقية تنعش قطاعات الطاقة والمعادن”، العين الإخبارية، 6/6/2024. متاح على الرابط: https://2u.pw/6yjZJJ7b

[5] “أول قمة كورية إفريقية.. 50 اتفاقية تنعش قطاعات الطاقة والمعادن”، مرجع سبق ذكره.

[6] د. حمدي عبد الرحمن حسن، “حزام الأرز: قراءة في دلالات القمة الكورية-الإفريقية”، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 5/6/2024. متاح على الرابط: https://2u.pw/nz4sG3u2

[7] د. حمدي عبد الرحمن حسن، مرجع سبق ذكره.

[8] “المشاركة المصرية في القمة الكورية الإفريقية الأولى”، الهيئة العامة للاستعلامات، 4/6/2024. متاح على الرابط: https://2u.pw/ldFAT1LV

[9] “المشاركة المصرية في القمة الكورية الإفريقية الأولى”، مرجع سبق ذكره.

[10] د. حمدي عبد الرحمن حسن، مرجع سبق ذكره.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022