مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية بالجزائر، المقدم موعدها من ديسمبر المقبل إلى 7 سبتمبر 2024، تزداد سخونة الأجواء السياسية بالجزائر، لتفاقم أجواء الصيف القائظ، خاصة مع اعلان مجلس الشورى لحركة مجتمع السلم ، ترشيح رئيس الحركة عبد العالي حساني شريف للانتخابات الرئاسية .فيما كان الرئيس السابق للحركة عبد الرازق مقري، يستعد للترشح، وخوض غمار المنافسة ، منتقدا خفض السقف الانتخابي للمرشحين الاسلاميين وبعض المعارضين، الذين يحاولون فقط، اثبت وجودهم على الساحة السياسية، وتحجيم مواقعهم، كمؤمنين بالديمقرطية، وليسوا منافسين حقيقيين لتبون.
وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أعلن عنها في 21 مارس الماضي..
وجاء التعجيل بعد شائعات تداولتها مواقع التواصل حول نية تأجيل الانتخابات الرئاسية في الجزائر، وهو ما نفته وكالة الأنباء الرسمية.
أولا: السياق الانتخابي والسياسي بالجزائر:
-دوافع تبون لتبكير الانتخابات:
وجاء قرار تبكير الموعد الانتخابي، استعمالا لصلاحيات الرئيس الدستورية، لفتح الساحة الوطنية التي تعيش مرحلة الانتظار والترقب…
كما يرى المراقبون للمشهد الجزائري، أن القرار يتناغم مع التطورات الخارجية المحيطة بالجزائر، وما قد يحدث من تحولات يمكن أن تؤثر على حالة الاستقرار في الجزائر.
ويترافق موعد الرئاسيات في الجزائر مع عديد الانتخابات الرئاسية في دول محورية، وعلى رأسها أميركا وفرنسا وتونس…
وفي السياق، خرجت وكالة الأنباء الجزائرية عن صمتها، عقب التساؤلات الكثيرة التي أثارها السياسيون والمراقبون، قائلة “إن الإعلان عن تقديم تاريخ تنظيم الانتخابات الرئاسية الى شهر سبتمبر قد فاجأ الكثيرين، إذ “أشار الرئيس الجزائري ضمن حرصه على الشفافية، ارتباك خصومه ونوعا ما حلفائه، فمن يتحكم في التوقيت يتحكم في الوضع”.
وأوضحت الوكالة أن المغزى الأول من القرار هو الإشارة الرسمية للخروج من أزمة حراك 2019، حيث “الدولة الجزائرية اليوم ليست في أزمة أو في حالة طوارئ، بل استعادت استقرارها وتوازن مؤسساتها مع استرجاع مسار صنع القرار لديها”.
والمغزى الثاني، تضيف الوكالة، هو “العودة الدائمة إلى الشعب، صاحب القرار الوحيد والمحاسب الوحيد لما أنجزه رئيس الجمهورية”..
أما الدافع الثالث، وفق قراءة الوكالة الرسمية، فهو أن “التهديدات الخارجية حقيقية وملموسة، بما يجعل من تقليص العهدة الأولى ضرورة تكتيكية، استباقًا لاضطرابات مبرمجة”.
واستهدف تبون إرسال رسالة إلى مراكز القرار الدولي بأن صورة الجزائر على المستوى السياسي قد تغيرت نحو الاستقرار.
كما أنّ قرار تبكير الانتخابات، من دون أن تسبقه أحداث أو توترات سياسية أو تسريبات، يشير إلى أن تبون سيعيد الترشح لعهدة ثانية.
ويدلل قرار التبكير على أن الوضع الامني والاحتجاجي قد استقر، وهو ما يعد مؤشرا مشجعا لتبون، لخوض العهدة الثانية المؤكد فوزه بها، في ظل تفكك الاحزاب وتضعضع المعارضة السياسية وأفول قوة الاختجاجات الشعبية..
كما لا يتصور أن تكون المنافسة كبيرة للرئيس تبون، بالنظر إلى ضعف الأحزاب الحالية وتردّد الشخصيات الحزبية أو المستقلة في الترشح.
لذا فمن المتوقع أن يكون المنافس الأكثر حظوظا مع الرئيس تبون هو مرشح “حمس” ، باعتبارها الأكثر تنظيما وانتشارا على المستوى الوطني، لكن جون فرص حقيقية بالفوز بالمنصب..
وتشيء تقديرات استراتيجية، إلى أن قرار تبون لا يتعلق مطلقا برغبته في مغادرة المشهد، بل العكس، خاصة إذا جرى تحليل صورة مشهد الاجتماع وطبيعة المشاركين في اجتماع الرئاسة لاعلان تبكير الانتخابات، في مارس الماضي، اذ بدت حالة التوافق حول تبون نفسه..
وقد يكون تعجيل الانتخابات متعلق باستباق تحديات قد تكون ذات بُعدين داخلي، يتمثل في إرباك الأطراف التي تقف خلف مناورات مقاومة التغيير والسياسات الداخلية والخارجية للرئيس تبون.
ةعلى صعيد التحديات الخارجية، قد تكون السلطة قد قدّرت، من خلال التقارير الدورية، أن الأفضل لها هو تبكير الرئاسيات بـ3 أشهر، للتفرغ لاستحقاقات وطنية ضاغطة، ولا سيما أن بقاء الانتخابات في موعدها يتزامن مع رهانات أخرى إقليمية ودولية غير مريحة بل ومقلقة..
-تبدلات مواقف القوى المعارضة:
وعلى الرغم من تخطي الانتخابات الرئاسية المقبلة في الجزائر مرحلة إبداء النيات، ودخولها مرحلة جمع التوقيعات التي تعد الامتحان الصعب بالنسبة لعدد من المترشحين، إلا أن الكثير من التساؤلات تثور ، خاصة في اوساط الجماهير وقوى الحراك الشعبي، عن الدواعي والأسباب التي دفعت قوى معارضة كانت لها مواقف متشددة من المشاركة في انتخابات عام 2019، وكامل المسار الانتخابي الذي بدأ بعد ذلك، إلى تغيير موقفها نحو المشاركة في الانتخابات الرئاسية..
كانت أربع قوى سياسية على الأقل، أعلنت نيتها المشاركة، وهي حركة مجتمع السلم وجبهة القوى الاشتراكية وحزب العمال والاتحاد من أجل التغيير والرقي..
وذلك بعد مقاطعتها انتخابات عام 2019 تحت مبررات سياسية متعددة ترتبط بسياقات الحراك الشعبي وموجة رفض المسار الانتخابي حينها.
ووجدت هذه القوى في بعض المتغيرات المرتبط بعضها بالسياق المحلي كالحاجة الى تعزيزالاستقرار الداخلي من جهة، والسياق الإقليمي بحكم توترات في الجوار الجغرافي من جهة أخرى، مبررات تسوقها لإقناع قواعدها ومجتمع الناخبين بالضرورات التي فرضت المشاركة.
إلا أن هذه القوى تواجه أسئلة صعبة حول دوافع المشاركة، خاصة في ظل الاستمرار النسبي للظروف والشروط العامة المحيطة بالعملية الانتخابية، ولكون الانتخابات المقبلة أقل تنافسية مقارنة بانتخابات عام 2019، بالنظر إلى أن كل التوقعات تشير إلى فوز الرئيس عبد المجيد تبون بنسبة كبيرة، في حال مشاركته المؤكدة.
ويعتقد مجموع القوى السياسية أن الجزائر تواجه استهدافا أجنبيا يفرض جهدا سياسيا وطنيا وتعزيزا لشرعية مؤسسات الدولة من جهة، وإعادة انتاج الخطاب النقدي المعارض وإحياء المطلب الديمقراطي، وتقديم وجهة نظر سياسية مخالفة لوجهة نظر السلطة.
وحول مبررات هذا التحول في موقف المعارضة، قال القيادي في جبهة القوى الاشتراكية إبراهيم عوف، في تصريحات صحفية، “أعتقد أن مشاركة حزبنا بالمرشح يوسف أوشيش هذه المرة في الرئاسيات مرتبطة بثلاثة أسباب موضوعية بعيدا عن نتائج هذه الانتخابات وطريقة تنظيمها، يتعلق السبب الأول بقضية المحافظة على النسيج الاجتماعي الوطني”، مضيفا: “الأمر الذي لا يجب نسيانه، أن انتخابات 2019 مُرّرت من دون منطقة القبائل (ذات الغالبية من السكان الأمازيغ وسجلت صفر نسبة مشاركة)، وهذا يعتبر إقصاء لهذه المنطقة من النسيج الاجتماعي الوطني وتقديم منطقة القبائل للحركات الانفصالية”.
والسبب الثاني “يخص الظروف الجيوسياسية بحكم المخاطر المحيطة بالجزائر اليوم، وهي حقيقة قائمة”. وقال: “لكن يمكن استغلال هذه المخاطر من أجل انفتاح حقيقي على المجتمع وتمكين الجزائريين من حقهم في التنظيم”.
وتابع قائلا: “النقطة الثالثة لها علاقة بتسيير أهداف حزبية لاستغلال هذه الساحة الانتخابية لتمرير رسالة الحزب وخطابه السياسي والاحتكاك بالمواطنين وكسر الجمود والإغلاق السياسي الذي فرضته السلطة منذ 2019”.
وتراهن أحزاب المعارضة على أن تكون الانتخابات الرئاسية المرحلة الأولى لإحياء روح المواطنة بتصويت كل واحد حسب ما يمليه عليه ضميره واختياره..
كما تعد الانتخابات القادمة، فرصة لتنظيم نقاش حقيقي حول حصيلة الجزائر المستقلة، لا سيما الإصلاحات التي يجب إدخالها على ضوء مشروع مجتمع موضوعي ومتجانس.
-اشتراطات ومطالب القوى السياسية:
وطالبت «حركة مجتمع السلم» بـ«شروط منافسة تضفي مصداقية» على انتخابات الرئاسة..
وجاء في بيان حمس: أن الحركة «تؤكد ضرورة توفير الشروط السياسية الضرورية، التي تحقق التنافسية والتعددية، وتضفي الشرعية والصدقية (على الانتخاب)، لا سيما فتح المجال السياسي، وتكريس الحريات الإعلامية، وحياد الإدارة ومختلف مؤسسات الدولة، خلال كل مراحل المسار الانتخابي. واستعادة ثقة المواطنين في الاستحقاقات الانتخابية».
وطالبت الحركة «بمراجعة قانون الانتخابات، وتحسين البيئة القانونية الناظمة للعملية الانتخابية، كضمانة أساسية لنجاح إجراء الانتخابات وحماية الإرادة الشعبية، وذلك عبر حوار وطني يأخذ بعين الاعتبار تصحيح الاختلالات القانونية والتنظيمية التي طالت الاستحقاقات السابقة»… من دون توضيح المقصود بالضبط، فيما يفهم من ذلك، أن الإسلاميين يخشون من حسم النتيجة مسبَقاً لمرشح نظام الحكم، علماً بأن الجيش أظهر إرادة واضحة في التمديد للرئيس عبد المجيد تبون.
وطالبت حمس بـ”توفير جو انتخابي نزيه لضمان شفافية الرئاسيات القادمة من أجل الخروج من الصورة النمطية الناجمة من الممارسات السلبية السابقة”.
فيما أكد «حزب العمال» اليساري أنه يرفض الدخول «في متاهات تسهم في نشر الشك»، معلناً بذلك عدم فهمه أسباب قرار تقديم موعد الاستحقاق الانتخابي 3 أشهر عن موعده القانوني.
وكان«حزب العمال» قد أكد في بيان، بعد اجتماع «مكتبه السياسي»، بأن قرار الرئيس تبون تقديم تاريخ الانتخابات «يبقى في الإطار الدستوري»، على اعتبار أن الدستور يسمح لرئيس الجمهورية بإعادة النظر في تواريخ الأجندة الانتخابية، من دون أن يلزمه بالأسباب. وقال الحزب، الذي تقوده لويزة حنون، إنه «يرفض الخوض في كل تأويل، أو الدخول في متاهات تسهم في نشر الضبابية والشكوك».
فيما قالت جبهة التحرير الوطني، أكبر الأحزاب في البلاد، إنه “في الوقت الذي كانت فيه بعض الأبواق الإعلامية خارج الوطن تروج لتأجيل الانتخابات الرئاسية ها هي الجزائر تسكت كل من يشكك في أنها دولة مؤسسات ونموذج مثالي في الديمقراطية”.
ومن جانبه، شدد التحالف الوطني الجمهوري على أنه كان يفترض “توضيح مبرّرات القرار للرأي العام الوطني تفاديا لتعريض المواطنين إلى التأويلات المغلوطة”.
ثالثا: المرشحون:
وإضافة إلى المرشح الإسلامي المهندس عبد العالي حساني، تقدم 13 مرشحاً آخرون لانتخابات الرئاسة، أبرزهم الأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون، والسكرتير الأول للقوى الاشتراكية يوسف أوشيش، والمساعد السابق لوزير الخارجية رئيس التحالف الجمهوري بلقاسم ساحلي، ورئيسة حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي زبيدة عسول، فيما ينتظر أن يعلن الرئيس تبون ترشحه لولاية ثانية.
-مرشح حمس:
وجاء ترشيح حمس لرئيسها المهندس عبد العالي حساني،، شديد التأثير على السحة السياسية الجزائرية..
وكتب حساني ، على صفحته بمنصة “فيسبوك” ما يختلج في صدره بخصوص المسألة قائلا “أؤكد ما قلته منذ البداية بأن لدي الرغبة في قيادة البلد وأنني قادر على ذلك بما يحقق تنميته ونهوضه بين الأمم”..
وكان حساني قد أعلن في تصريحات صحفية عقب إعلان ترشحه: “تحملنا جميعا هذه المسؤولية وهذا الترشح هو ترشح للحركة والوطن والأمة، نحن في حركة مجتمع السلم لا نفكر بمنطق المصالح ومنطق الأشخاص بل بضمير الأمة والوطن”. وأكد أن “الشعب الجزائري اقتنع أن المنهج الذي يحفظ ويصون الوطن هو منهج الوسطية والاعتدال”، لافتا إلى أن “ترشحنا ينطلق من هويتنا ونحن حركة وطنية وسطية نسعى لنحافظ على التعددية والوسطية”.
وهذه هي المرة الأولى التي تشارك فيها “حمس” في الانتخابات الرئاسية منذ عام 1995 وهو العام الذي خاضت فيه المعترك الانتخابي بمؤسسها ورئيسها الراحل محفوظ نحناح الذي حل ثانيا بعد الرئيس اليامين زروال قبل أن تعلن مساندتها لترشح الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة في انتخابات 1999 وَ 2004 وَ 2009 وقاطعت الحركة الانتخابات الرئاسية عامَي 2014 وَ 2019.
-مرشح التحالف الجمهوري:
كما أعلنت 7 أحزاب سياسية جزائرية تأسيس تكتل سياسي جديد يطرح “مرشحا توافقيا” للانتخابات الرئاسية..مؤكدة أنها تهدف إلى “ترقية الحوار الوطني”.
وقالت الأحزاب الـ7، خلال لقاء في الجزائر العاصمة، في ابريل الماضي، إن مرشحها الرئاسي هو الأمين العام للتحالف الوطني الجمهوري، بلقاسم ساحلي.
وأوضح التكتل الجديد، أنه يسعى إلى تحقيق جملة من الأهداف، من بينها “ترقية الحوار الوطني، وتهيئة المناخ المناسب لإنجاح الاستحقاق الرئاسي القادم، وبلورة رؤية مشتركة حول مختلف المستجدات الوطنية والدولية”.
ون جهته قال المرشح بلقاسم ساحلي إن الانتخابات الرئاسية القادمة هي “موعد تاريخي تتنافس فيه مختلف البرامج”، مشيرا إلى أن ترشحه لهذا الاستحقاق تم في إطار “رؤية معتدلة من أجل إعادة الاعتبار للتيار الديمقراطي الجمهوري، وتحقيق إصلاح سياسي، وبناء اقتصاد قوي ومتنوع”.
وأكد ساحلي أن التكتل السياسي الجديد “يبقى منفتحا على جميع التشكيلات السياسية، سواء الراغبة في الانضمام إليه أو التنسيق معه”، وفق تعبيره.
-لويزة حنون مرشحة اليسار:
فيما أعلنت زعيمة حزب العمال اليساري، لويزة حنون، ترشحها للانتخابات الرئاسية.
-ترشح تبون:
وبرر الرئيس تبون قراره بتبكير موعد الانتخابات ثلاثة أشهر، أنه “لأسباب تقنية محضة”، رافضا التصريح إن كان “سيترشح لولاية ثانية”، دون أن ينفي نيته…
وفي مقابلة مع وسائل إعلام محلية، السبت 30 مارس الماضي، قال تبون إن “التبكير جاء لأسباب تقنية محضة ولا يؤثر على سير الانتخابات”.
وأضاف “المنطق الأساسي لهذا التغيير هو أن شهر ديسمبر ليس التاريخ الحقيقي للانتخابات، نعرف أنه بعد استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة تولى الرئاسة رئيس مجلس الأمة وتم تحديد موعد للانتخابات، لكن للأسف لم تحدث”، في إشارة إلى تأجيل الانتخابات من أبريل 2019 إلى ديسمبر 2019 خلال الحراك الشعبي الذي دفع الرئيس السابق إلى الاستقالة.
واستبعد الرئيس الجزائري “أي أزمة في أعلى هرم السلطة” بشأن بقائه أو رحيله، رافضا التصريح عن إمكانية ترشحه لولاية ثانية، وقال “الوقت لم يحن بعد”.
رابعا: تراتيب انتخابية:
ووفق المرسوم الرئسي، الخاص بالدعوة للانتخابات، فقد تضمن “الشروع في المراجعة الاستثنائية للقوائم الانتخابية، ابتداء من يوم الأربعاء 12 يونيو الجاري، إلى يوم الخميس 27 يونيو “..
وينص الدستور الجزائري على وجوب استدعاء الهيئة الناخبة في ظرف 90 يوما (3 أشهر) قبل إجراء الاقتراع.
ومنذ سنوات تشرف السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات على تنظيم وإجراء عمليات الاقتراع بما فيها ملفات المترشحين وإعلان النتائج والطعون وغيرها، بعد مطالب للحراك الشعبي سنة 2019 بإبعاد وزارة الداخلية عن العملية.
وينصّ قانون الانتخابات في الجزائر، على إجراء الانتخابات الرئاسية في ظرف 30 يوما قبل انقضاء عهدة الرئيس الحالي. وقد نُصّب الرئيس الحالي في 19 ديسمبر من عام 2019، بعد انتخابه بأغلبية الأصوات، في رئاسيات 12 ديسمبر 2019..
وقالت الرئاسة الجزائرية في بيان صدر إثر اجتماع ترأسه الرئيس عبد المجيد تبون وحضره رئيسا غرفتي البرلمان ورئيس أركان الجيش…
وأجريت آخر انتخابات رئاسية في 12 ديسمبر 2019، وفاز فيها تبون بحصوله على 58% من الأصوات.
خامسا: مشاركة الاسلاميين وفرصهم السياسية:
اكتسب الإسلاميون في الجزائر مناعة ضد الغياب، وقدرة على الحضور الدائم في الاستحقاقات السياسية والانتخابية، وهم ضلع رئيس في المؤسسة البرلمانية والمجالس المنتخبة. وساعد ذلك على تطوير انتسابهم إلى مؤسسة الدولة من جهة، وإلى المسألة الديمقراطية من جهة ثانية.
ووفق تقجيرات استراتيجية، فقد أحسن الإسلاميون التوزع، وتوزيع أنفسهم بطريقة أعاقت كل تدبير كان يستهدف استئصال المعالم المرجعية الكبرى للدولة الجزائرية.
وما زالت الانتخابات الرئاسية في الجزائر، تحتفظ ببعض الخصوصية على هذا الصعيد، بغض النظر عما هو مصطنع فيها وما يمثل إرادات مجتمع الناخبين، وما إذا كانت نتيجة طبيعية لآلية ديمقراطية وتعبيراً فعلياً عنها.
وفي الوقت الحالي تبدو الجزائر هي الدولة الوحيدة في الفضاء العربي التي ما زالت تتيح للتيار الإسلامي المنافسة على منصب رئيس الجمهورية، وتقديم مرشح عنه للرئاسة، مقارنة بحالات الاستئصال والاقتلاع السياسي الذي تعرضت له القوى الإسلامية في دول عربية عدة.
وعلى لرغم من ذلك، ما زال االحديث عن وصول رئيس اسلامي لسدة الحكم أمرا مستيعدا..
لكن إذا وضع وجود مرشح إسلامي في انتخابات الرئاسة الجزائرية 2024، في إطار أبعد من الانتخابات بحد ذاتها ضمن السياق الدولي والإقليمي، فإنه يمكن أن يحيل إلى عدة ثوابت سياسية.
ويمثل وجود عبد العالي حساني، كمرشح إسلامي للرئاسة، والذي يمثل مدرسة سياسية مهمة أسست للوسطية ولفكر الاعتدال (حركة مجتمع السلم)، يعني أن يوجد توجه لدى الإسلاميين الديمقراطيين في الجزائر، لتكريس الشراكة السياسية والإسهام في تثبيت الخيار الديمقراطي في البلاد عبر الانتخابات.
كما أن مشاركة الاسلاميين يشكل تعزيزاً لمناعة الجزائر ضد خيارات التطبيع التي تحيط بالإقليم والمنطقة العربية، من خلال ما يمكن رصده من خطاب انتخابي يرتكز على ربط الحالة الجزائرية بالحالة الفلسطينية. والأهم أن في ذلك تأكيدا على استقلالية الدولة الجزائرية في قرارها وتنظيمها السياسي الداخلي ورفضها أن تكون جزءاً من تدبير المهندس الدولي.
وبحسب منسق الهيئة الوطنية للمستشارين في حركة مجتمع السلم عبد الرحمن سعيدي ، فإن مشاركة حمس “تبقي الإسلاميين الوطنيين في سياق ومنظور الشريك السياسي وتساهم في تثبيت المسار الديمقراطي في الجزائر”، مضيفا أن “الإسلاميين الجزائريين بمشاركتهم في الانتخابات يؤكدون إيمانهم وقناعاتهم السياسية بالعملية الديمقراطية، وأنها منهجية سياسية وحيدة في الإصلاح والتغيير السلمي عكس ما تروج له أبواق التطبيع وعملائهم والدول المطبعة ورعاتها”..
وقال سعيدي: “نعتقد أن الأوضاع الدولية والإقليمية وموجات التطبيع التي عاودت الكرة وألقت بظلالها خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، فرضت على الطبقة السياسية الوطنية والسلطة إدراك التحديات والتهديدات والرهانات في هذه الانتخابات، وقرار المشاركة في الانتخابات الرئاسية بالترشح، هو تعبير عن إدراك واقعي بأن هناك حاجة سياسية وضرورية لقوى المعارضة بالمشاركة في الاستحقاقات السياسية.. يدخل ذلك في سياق مواجهة التهديدات التي تواجه البلاد، ومن خلال دفع الناخبين الجزائريين للمشاركة، بما يرسخ مسار الشرعية ويحصن القرار الوطني من الداخل وأمام الخارج”.
وكانت الحركة قد قاطعت انتخابات عامي 2014 و2019 إلا أنها أعلنت عزمها المشاركة في الانتخابات المقبلة. ويربط البعض تغير هذا الموقف بالسياق السياسي المحلي والإقليمي من جهة، وبوجود قيادة جديدة للحركة انتخبت في مؤتمر مارس 2023، وعبرت عن رغبتها في مراجعة بعض الخيارات السياسية للحركة تجاه السلطة وسياسات الرئيس عبد المجيد تبون، من جهة أخرى.
وقال سعيدي إن مشاركة الإسلاميين في انتخابات الرئاسة في الجزائر، “يبطل مفعول رهان بعض الأنظمة العربية على إبعاد الإسلام السياسي من المشهد الانتخابي، كما أن السلطة الجزائرية بإدارتها للعملية الديمقراطية تؤكد إدراكها لأبعاد هذا الرهان الإقصائي”. وأضاف: “الدولة الجزائرية من خلال القبول والتجاوب مع ترشح الإسلاميين الوطنيين في الانتخابات تقدم نموذجا سياسيا إيجابيا وفريدا في هذه المرحلة بأنها تملك استقلالية سياسية وسيادية في ممارسة الديمقراطية والانتخابات، ولا تخشى مشاركة الإسلاميين بحكم أنهم يمثلون نموذجا في احترام الدستور والانتخابات والعملية الديمقراطية، خاصة وأن الجزائر كانت شهدت في انتخابات 1995 ترشح أول إسلامي في العالم العربي، وهو مؤسس حركة مجتمع السلم الشيخ محفوظ نحناح”.
-انقسامات الاسلاميين تقلص فرصهم الانتحابية:
وفي تقدير سياسي حزائري، فإن انقسام مواقف التيار الإسلامي في الجزائر بين دعم مرشح السلطة “كما رشح عن حركة البناء الوطني، الممثلة لجماعة الاخوان المسلمين” ، وبين المشاركة بمرشح عنها، وبين دعم الداعمين، في حين غاب عنها الطموح في حكم البلاد كما كان مطروحا في وقت سابق.
وبحسب مقال شهير ، لرئيس حركة حمس عبد الرازق مقري، فإنه عكس تسعينات القرن الماضي، لما كانت الجبهة الإسلامية للإنقاذ قاب قوسين أو أدني من الاستحواذ على السلطة في الجزائر إثر الدور الأول للانتخابات التشريعية التي جرت في ديسمبر 1991، وخطاب حركة حمس في مطلع الألفية أنها ستصل إلى السلطة العام 2012، فإن طموح الإسلاميين تراجع كثيرا في السنوات الأخيرة، ولم يعد يتعدى سقف كتلة نيابية محترمة وبعض المناصب في الحكومة أو الأجهزة التنفيذية، لقناعة ترسخت لدى بعضهم بأن التوازنات الداخلية والتطورات الإقليمية لا تسمح لهم بتجاوز السقف المحدد.
وكان الرئيس السابق لحمس يراهن كثيرا على الموعد الانتخابي القادم، لدخوله كمرشح في ثوب “الحصان الأسود”، حيث شرع منذ عدة أشهر في إعداد وجس نبض الشارع الجزائري، خاصة بعدما تفرغ للمسألة وترك منصبه في الحركة لخلفه عبدالعالي حساني شريف، غير أن التطورات كانت أسرع منه ، وتقديم حمس لرئيسها الجديد كمرشح بدلا منه.
ومنذ النكسة التي حلت بالتيار الإسلامي في تشريعيات العام 2017، عندما خرجت العديد من الأحزاب الإسلامية خالية الوفاض باستثناء حمس، تراجع بريق الإسلاميين في الجزائر، وحتى سقف الطموح نزل إلى أدنى مستوى له، ولو أن حركتي حمس والبناء حصلتا في التشريعيات الأخيرة على كتلتين يفوق تعدادهما المئة برلماني، وهو ربع تشكيلة الهيئة التشريعية، إلا أن الخلافات والتباينات في تقدير اللحظة السياسية، أضعفت تأثيرهم السياسي..
وضمن الانقسامات السياسية، فقد توزعت أحزاب ةقةى اسلامية أخرى، بين معسكر “البناء الوطني ” بقيادة بن قرينة، ومعسكر حمس، بقيادة عبدالعالي حساني شريف.
-الاسلاميون بين الرضا بالواقع ومحاولة المقاومة السلمية:
ووفق رئيس حركة حمس الستبق عبد الرزاق مقري، بمقال كاشف، تصدر الساحة الاسلامية والسياسية بالجزائر، فقد أكد أنه : “شيء مؤسف أن يوصف الإسلاميون في معرض المدح أن لهم دورا وظيفيا لإنجاح “العرس الانتخابي” وخدمة الدولة أمام القوى الخارجية بمشاركتهم في الانتخابات، وأن من دلائل وطنيتهم أنهم يدركون أن الظروف الإقليمية والدولية لا تسمح لهم أن يكونوا في صدارة النتائج الانتخابية لقيادة البلاد، وأن اقتحامهم المنافسة الانتخابية هو في حد ذاته دليل على ديمقراطيتهم، فيَسعدون بهذا، ويكررون ما يقال عنهم في ذلك بابتهاج كبير، ويشاركون غيرهم ما يُكتب عنهم في هذا الشأن في مختلف الوسائط الاجتماعية”!!!
مضيفا: “بل ثمة من قال لي ـ عجبا ـ أن الهوامش السياسة التي يتمتع بها الإسلاميون في الجزائر، إلى حد المنافسة على رئاسة الجمهورية هي أفضل مما مُنح لغيرهم في البلاد العربية، حتى وإن كان الوصول الفعلي إلى الرئاسة أمرا مستحيلا، وما قول ذلك القائل وما مثله إلا للزيادة في المنّ وبناء العقد النفسية والتيئيس من الحاضر والمستقبل”.
وتابع مقري : ” ينسى من يعتقد ذلك الاعتقاد ويصدقه أن الحركة الإسلامية تسلمت رئاسة الحكومة في تونس والمغرب من قبل، ووصلت إلى رئاسة الجمهورية في مصر، والمجلس الرئاسي في اليمن، وفي كل هذه التجارب وصل الإسلاميون بالإرادة الشعبية وليس بالمنح السلطانية. وهذا أمر يستحيل أن يقبله النظام السياسي الجزائري إلى يوم الدين بعد أن أنقلب على نتيجة الانتخابات التشريعية في يناير 1992 رغم إعلانه هو ذاته بأنها كانت حرة ونزيهة”.
والعقلية والثقافة التي انقلبت على التجارب الناجحة في الأقطار الأخرى، أو أفسدتها، هي التي انقلبت على الانتخابات التشريعية في التسعينيات في الجزائر وهي التي تحدد لهم السقف الذي لا يمكن أن يتجاوزوه، ما لم تتغير الموازين، وستبقى تفعل ذلك بالتزوير والتضييق والترويض الشرطي إلى أن يقبل الإسلاميون أنهم ليسوا بديلا وأن يرضوا بما يُمنح لهم، إلى أن يصبح ذلك هو حظهم الحقيقي أو أقل من ذلك في الإرادة الشعبية والحالة الاجتماعية، فتتحقق ما يسمى بالديمقراطية الآمنة التي يخسر فيها الإسلاميون بالصندوق دون الإضطرار للتزوير.
وستبقى الحركة الإسلامية في العالم العربي بين منهجي الاستئصال أو الإدماج ما لم تنتهج نهجا جديدا، عنوانه المقاومة السياسية السلمية، التي تتوازى في الرؤية والفكر ـ مع الفارق في الطبيعة والمكان والظرف ـ مع نهج المقاومة الفلسطينية ضد البطش الإسرائيلي وداعميه في العالم بأسره، أو وفق ما ذكره روجيه جارودي في استراتيجية محاربة النظام الرأسمالي العالمي الظالم المهيمن من خلال نهج حرب العصابات السلمية لإرهاق هذه المنظومات الاستبدادية الظالمة الفاشلة دون الدخول في صدام مباشر معها، والتحالف مع سنن التغيير الغلابة، ضمن نظرية المكان المناسب الذي نظرنا له في كتاب العبور، في الوقت والمكان الذي يريده الله ويختاره.
وهذا النهج هو ما جرّبناه في حركة مجتمع السلم بين 2013 ـ 2023 وجعل الحركة تتجه من جديد نحو الصعود، في مختلف المجالات، غير أن الصعود لم يكتمل بعد، لأنه لا نجاح في التاريخ في نهضة الجماعات والأمم والدول دون استمرار السير دون تردد في الرؤية عبر فترة طويلة من الزمن.
ويواصل مقري: إن كل شهادة تزكية تأتي من الأنظمة الاستبدادية الانقلابية، أو المزورة للإرادة الشعبية أو المانعة للحريات الإعلامية والسياسية وفي فضاءات المجتمع المدني هي شهادات كيدية لاستيعاب القادة وتنويمهم وجعلهم يعيشون في غرورهم دون دراية بما يُكاد لهم ولمشروعهم ولجعلهم يضرب بعضهم بعضا و”يقتل” بعضهم بعضا سياسيا ومعنويا وإعلاميا، بل لمحو بعضهم بعضا من الساحة. ولا ينبئك مثل عليم و/أو خبير.
مردفا: إن استعجال الإسلاميين وحده هو الذي يجعلهم يخضعون لمكائد التدجين السلطوي من أجل مصالح حزبية وشخصية ضد مصالح البلد والأمة والمشروع، أو يجعلهم يدخلون في صدام مباشر مع الأنظمة فيُستأصلون.
ويؤكد إن صعوبة المهمة وكثرة الصد لا تبرر هذا النوع من الاستعجال أو ذاك، بل الواجب هو ابتكار الطرق الجديدة التي تغير ميزان القوة لصالح المجتمع وضد مصالح الأنظمة المتغلبة المستبدة في الدولة…
وقد طرح مقري رؤية شاملة للمشاركة الفاعلة من قبل الاسلاميين، للاسترشاد بها، بعدما تأكد من عدم خوضه غمار المنافسة، بعدما اختارت حمس حساني مرشحا لها…
لخص الرؤية في التالي:
“الرؤية والمنهج هو تحقيق نهضة الوطن والاستئناف الحضاري للأمة وتحرير فلسطين، المصلحة العامة مقدمة على المصالح الشخصية والحزبية”.
“التغيير تجريه سنن اجتماعية لا تتغير ولا تتبدل، لا يعلم آجالها إلا الله، ولكن استشرفها، واعمل وضحّ لتكون في المكان المناسب حين يأتي أوانها”.
متابعا: “الاستبداد نوعان: استبداد خشن واستبداد ناعم، وكلاهما مميت، الاستبداد الخشن يضرب الجسد لتخرج الروح، والاستبداد الناعم يُخرج الروح دون ضرب الجسد”.
“إن لم تستطع إضعاف الاستبداد فلا تقويه”.
“الوطنية الحقة هو أن يؤمن الإسلاميون بأنهم هم الأقدر على خدمة الأوطان، وأنهم هم البديل السلمي العلمي الحضاري للأنظمة التي فشلت في رفع البلدان التي تتسلط عليها إلى مصاف الدول المتطورة، وأنهم قادرون على تكرار التجارب النهضوية التي تحققت في بلدان إسلامية كنا في الثمانينات أفضل منها، كنموذج ماليزيا.أضعف الإيمان في وجه الإستبداد أن لا يقبله القلب، وليس وراء ذلك حبة خردل من الإيمان. المقاومة أن تدافع الفعل المعاكس المضر لتضعف أثره ولو لم تقدر على إنهائه. المقاومة السياسة هي الصمود في وجه الاستبداد والعمل على إرهاقه بالكر والفر الى أن تنهيه السنن فيكون المقاومُ الصامد هو البديل”.
“سبب المخاطر الخارجية الاستبداد، والمخاطر الخارجية تعلّة المستبدين لإضعاف الوطنيين المعارضين”.
“لا أثر للمخاطر الخارجية إلا بضعف الدولة، وسبب ضعف الدولة من يحكمها”.
“لا تقوى الدولة إلا بقوة المجتمع، ولا جبهة شعبية داخلية قوية إلا بالحرية وكرامة الإنسان، وغير ذلك انتهازية وزبونية وخداع … ولغة خشب”.
“الاستبداد ليس قدرا مقدورا، كل الشعوب التي ضحت لإنهائه نجحت”.
“الاستبداد ليس قدرا مقدورا ومن شك في ذلك فلينظر إلى خسائر الكيان دوليا وفي الميدان بعد الطوفان”.
“الاستبداد يرضى على من يساعده على البقاء، بالدعم المباشر أو غير المباشر أو بفعل لا شيء، ويحارب من يُضعفه، بشكل مباشر أو غير مباشر، وبمنع المقاوم للاستبداد من فعل أي شيء مفيد”.
“أعداء الاستبداد هم أهل الفكر والفطنة الواعون بخلفيات الأمور وأبعاد الأحداث، وهم المجدون المنجزون المؤثرون في مجتمعاتهم، وهم الذين يصنعون التوازن في الأوطان بين الدولة والمجتمع”.
“من أدوات الاستبداد قتل الكفايات الواعية المناضلة، ومن أدواته القابلية للاستبداد التي تساعده على قتل الكفايات”.
“الاستبداد يحب الكفايات الشخصية والجماعية بكل أنواعها، ولكن ليبتلعها تحت سلطته”.
“يسهل على الاستبداد ابتلاع الأشخاص لصالح مشروعه، مهما كانت كفاءتهم ونزاهتهم، ولكن يصعب عليه ابتلاع المنظمات والجماعات، فإن نجح في ذلك لا حد لسعادته”.
“لا تربط زمن التغيير بشخصك ولا حتى بجيلك، إن فعلت ذلك ستضحي بفرص التغيير من أجل إنجازات صغيرة لصالحك”.
“إن تحقق الإنجاز بعد رحيلك، وكان لك فيه بصمة، فسيرتفع أجرك ويسجل التاريخ ذكرك”.
“الناجحون هم المنجزون الذين تبقى آثارهم، لا الذين يكثرون الحركة ويتطاولون في الحديث ولا يتركون شيئا وراءهم”.
“لن تكون وطنيا بلغة الخشب، وتكرار مصطلحات المستبدين، بل بالتضحية من أجل الوطن، لتخليصه من المستبدين.. لكل مرحلة زمانها وإنجازاتها والعيب كل العيب في الرسوب أو الرجوع الى الوراء”.
“الإستبداد كله شر، وبكل أنواعه لا يأتي بخير”.
“لا نهضة ولا تنمية ولا تطور بدون إبداع ولا إبداع دون منافسة عادلة ولا منافسة عادلة دون حرية.. يمكنك أن تحاور الاستبداد، بل أحيانا واجبك أن تحاور، ولكن للدفاع عن رؤيتك لا لتندمج في رؤية الآخر “.
خامسا: تحديات تواجه المشهد السياسي:
-تفكك قوى المعارضة:
وإلى جانب انقسامات الاسلاميين، يتزايد التحدي السياسي، اثر تفككّ المعارضة، وعدم قدرتها على رصّ الصفوف خلال المنعرج الانتخابي، نظراً إلى اختلاف الرؤى وتعدّد العوائق وغياب البرامج.
اذ بات من المسلمات السياسية ، أن موقعك داخل الدولة هو الذي يصنع منك الرئيس، ويجعلك صاحب برنامج، ويمكّنك من إخضاع منافسيك. وعندما تغيب شروط الديمقراطية أو تتقلصّ، تتدخّل عوامل مُتعدّدة لتكييف المشهدين، السياسي والاجتماعي، ليُختار من تستجيب قدراته للقوى المُهيمنة على الدولة.
-تشظي المواقف السياسية للاسلاميين:
ووفق المحلل السياسي الجزائري المقيم في فرنسا د.الحسين مصدق، فأن الانتخابات الرئاسية الجزائرية ، مجرد إجراء قانوني شكلي لن يؤدي إلي أى تغيير في السلطة، موضحا أن الانتخابات في الجزائر تخضع لمساومات و تسويات مسبقة قبل حتى الإعلان عن إجرائها ونتائجها تعتبر محسومة بشكل كبير.
وحول إعلان حركة حمس، بشكل رسمي، ترشيح رئيسها عبد العالي حساني شريف للانتخابات الرئاسية، يري الخبير الجزائري أن خوض الإسلاميين بشكل عام للانتخابات مجرد محاولة للبقاء وليس الفوز..
وكان نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة ، قد عمل على إفراغ الساحة السياسية من المعارضة الحقيقية و الابقاء إلا على الموالين، حيث أصبح المجتمع الجزائري لا يؤمن بالمعارضة للسياسة و يعتبرها تلعب ادوارا لصالح السلطة القائمة وخدمتها بحسب وصفه.
وتابع الخبير الجزائري: “إضافة إلى دور الإعلام الجزائري الذي تهيمن عليه فئة مناوئة لكل ما هو مسلم و ما هو عربي و ترمي بثقلها للحط من مرشحي التيارات الإسلامية و التي لها انتماء عربي إسلامي و ذلك للإبقاء على الساحة فارغة للتوجهات الفرانكو بربرية وأصبح وجود الاحزاب الإسلامية في مقامة من أجل البقاء و ليس من أجل السلطة التي اصبحت من المستحيلات بالنسبة لها بفعل تكتل كل الأجهزة الإدارية و الإعلامية و الاقتصادية و السلطوية ضدها.
ومن ثم، فإن طرح مرشح باسم حمس أو مرشح باسم التيار الإسلامي العروبي في الجزائر فهو مجرد التعبير عن الوجود و السعي للحفاظ على البقاء في الساحة السياسية.
ويرى الخبير الجزائري، في حديث صحفي لـ”ذات مصر”، أن الاحتمال الأقرب والنتيجة شبه المؤكدة هو بقاء الرئيس عبد المجيد تبون في منصبه لفترة رئاسية جديدة.
-تراجع الدور السياسي والفرص الانتخابية لقوى الحراك السياسي:
ومن ضمن التحدديات التي تعرقل العملية السياسية، وتفرغها من مضامينها، وتقلل من فرص التغيير بالبلاد، تراجع الدور السياسي والمجتمعي، لقوى الحراك الشبابي، التي قادت الثورة على بوتفليقة، اذ أن الأمر يتطلب وقت أكثر لتعظيم تأثيرها السياسي والانتخابي، لان المجتمع لازال تحت إرتدادات الحراك و يعيش انقسامات كبيرة.
سادسا: التحديات الدولية والاقليمية:
ومن ضمن التحديات التي تواجه العملية السياسية بالجزائر، العديد من العوامل والمتغيرات الاقليمية والدولية:
-صعود قوي لليمين بأروبا:
ومؤخرا، استفاقت أوروبا على وقع اكتساحٍ كبيرٍ حقّقته أجزاب اليمين المُتطرّف في انتخابات البرلمان الأوروبي، وهو أمرٌ كان مُتوقّعاً. ولكن ليس بهذه النّسب في كلّ أوروبا تقريباً، ما يستدعي القيام بتقدير التّداعيات على شمال أفريقيا، لا سيّما في ملفّات شائكة أضحت محور علاقات الضّفّة الشّمالية من المُتوسّط بجنوبه، سواء تعلّق الأمر بالهجرة غير الشّرعية وبالتّهديدات الأمنيّة أو برهانات الشّراكات المُستقطبة.
وتعد العملية السياسية وجولات الانتخابات المقبلة بالمنطقة، سواء في تونس والجزائر، تهد بالغة لاهمية في العلاقت المتوسطية التي يبدو انها ستتصدر المرحلة المقبلة، اذ يريد اليمين الذي صعد بقوة في اوربا، اوربا بلا مهاجرين، وهو ما سيدفع نحو دعم ديكتاتوريات ونظم تسلطية لضبط الحدود، وامكانية استبال مهاجرين يجري ترحيلهم من اوربا. وهو ما يشيء إلى احتمالية عدم دعم اوروبا لاحداث تغييرات في المشهد السياسي في الجزائر ، والمنطقة العربية برمتها..
وإلى جانب تلك التداعيات المترتبة على صعود اليمين الأوربي، واحتمالات صعود الرئيس الامريكي الشعبوي دونالد ترامب في امريكا، تتأثر بلا شك العملية السياسية في الشرق الاوسط عامة، وفي الجزائر خاصة.
كما أن ما سيتضرّر، من منطلق تغيّر تشكيلة البرلمان الأوروبي، بولوج اليمينيين إلى كراسيه، أساساً، السياسات الأوروبية للجوار المرتكزة على الأمن..
-أزمة السودان:
وتتخذ الجزائر موقفا مضادا للمشاريع الاقليمية والدولية في السودان، وهو ما يحمل الكثير من التحديات لها على الصعيد السياسي والاستراتيجي، خاصة مع دولة الامارات التي تدعم بالسلاح والمال قوى الدعم السريع..
وقد أكد الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، وقوف بلاده إلى جانب السودان لتجاوز الظروف الصعبة التي يعانيها.
وقال تبون، في تصريح مشترك للصحافة مع رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، عقب المباحثات التي أجرياها في الجزائر، ، يناير الماضي، :”تقف الجزائر إلى جانب السودان لتجاوز الظروف الصعبة ومواجهة قوى الشر التي تستهدفه”.
وأشار تبون إلى أن “الجزائر تدعم دوما السودان، والشعب الجزائري له تاريخ عريق في الوطنية ونصرة القضايا العادلة”، مؤكدا على “تطابق وجهات النظر بين الجزائر والسودان، في العديد من القضايا الإقليمية والدولية”.
وأردف البرهان، بالقول: “إن السودان يتعرض لمؤامرة بتواطؤ شركاء إقليميين ودوليين”، معربا عن سعادته بأن تكون الجزائر “حاضرة في أي طاولة نقاش أو مفاوضات عربية أو إقليمية”، مؤكدا “لتوافق في وجهات النظر مع الجزائر حول العديد من القضايا الراهنة، بحسب قوله…
ولعل الموقف الداعم للسودان، والذي قد يتصادم مع موقف دولة كالامارات، ما قد يحدث بعض القلاقل الداخلية، نظرا لدور الامارات المشبوة في الكثير من دول المنطقة، كمصر وليبيا والسودان والمغرب وافريقيا..
ووفق تقارير اخبارية، تسعى الامارات للتقرب إلى النظام الجزائري، في الآونة الأخيرة، وهو ما يفسره البعض برغبة اماراتية، في التأثير على المواقف الجزائرية في الازمة الليبية، والانتخابات الرئاسية التونسية التي من المرحخ أن يدخلها قيس سعيد دائرة المجهول أو التأجيل..
-العلاقات المتوترة مع المغرب :
كما تبرز العلاقات المتوترة مع المغرب ، كنصر تسويقي لمواقف الرئيس تبون وداعميه من العسكريين، والذين قد يستغلون إلى حد كبير تلك الخلافات والصراعات في الدعاية للرئيس الحالي..
كما يبرز ملف الحركات الانفصالية ومناطق القبائل والامازيغ، كمسوق اساس للنظام ومرشحه، المحتمل..
خاتمة:
تبقى الانتخابات الرئاسية المقررة سبتمبر المقبل، فرصة لاحداث التغيير، لو استطاعت المعارضة بأطيافها المختلفة التنسيق فيما بينها لاحداث مفاجأة بالنتائج، أو حتى ايصال رسالة شديدة اللهجة للنظام الجزائري ، قج تنعكس على مجمل القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بالبلاد…
ولكن يبدو ان التوحد مستبعد، كما أن موقف الاسلاميين المتأرجخ بيين المشاركة ذات السقف المنخفض وبين دعم الرئيس تبون، ستزيد الهوة بين الفصيل الاسلامي، كما ستؤثر سلبا على العلاقة مع القوة المعارضة الأخرى..
إلا أن الجزائر تزل تقدم نموذجا رائدا في التعاططي السياسي مع الاسميين بتيارتهم المختلفة، كما تبرز العديد من المتغيرات الاقليمية والدولية كمؤثرات على العملية السياسية…
……..
مراجع:
العربي الجديد، تونس والجزائر إلى انتخابات رئاسية مضمونة النتائج، 16 يونيو 2024
i24NEWS،الجزائر تعلن عن انتخابات رئاسية مسبقة يوم 7 سبتمبر 2024،
21 مارس 2024
عثمان لحياني، الجزائر… معنى أن يترشح إسلامي للرئاسة، العربي الجديد،12 يونيو 2024
ذات مصر، الإخوان وانتخابات الرئاسة بالجزائر.. مشاركة لا منافسة،23/06/2024
عبد الرزّاق مقّري، أيها الإسلاميون ليس وقتكم.. حوار هادئ عشية الانتخابات الرئاسية بالجزائر، 18 يونيو 2024
عربي 21، مشاركة الإسلاميين في المجالس البرلمانية شكلية لمجرد الحضور؟، 14 يونيو 2024
الجزيرة، تبون يبرر قرار تقديم انتخابات الرئاسة ويؤجل الحديث عن ولاية ثانية، 31/3/2024
محمد سي بشير، في تداعيات انتصار اليمين الأوروبي المُتطرّف جنوباً، العربي الجديد،13 يونيو 2024
الأناضول، الجزائر.. تبون يستدعي الهيئة الناخبة لرئاسيات 7 سبتمبر، 8.06.2024
أخبار العالم العربي، انتخابات الجزائر.. 7 أحزاب تعلن “مرشحا توافقيا” للرئاسة، 20.04.2024
الجزيرة، تبون يفاجئ الجزائريين بتبكير الانتخابات الرئاسية ويفتح باب التأويلات، 23/3/2024
علامات اون لاين، رئيس حركة حمس” الإسلامية الجزائرية يترشح للانتخابات الرئاسية والإخوان يدعمون الرئيس، 2024-05-25
الشرق الأوسط، الجزائر: الإسلاميون يطرحون «شروطاً» تخص «شرعية» الانتخابات الرئاسية بينما تحدث حزب اليسار عن «متاهات وشكوك»، -25 مارس 2024
العربي الجديد، سعيدي: هناك دوافع لمشاركة الإسلاميين في انتخابات الرئاسة الجزائرية، 19 يونيو 2024
علامات، الجزائر: قوى الشر تستهدف السودان وتعمل على إشعال الصراع به، 28 يناير 2024
العربي الجديد، لماذا غيرت المعارضة مواقفها بشأن الانتخابات الرئاسية في الجزائر، 17 يونيو 2024
العرب اللندنية، الإسلاميون في الجزائر يخوضون الانتخابات الرئاسية مشتتين، 2024/06/19