هل يطيح الكونجرس الأمريكي بابن سلمان

 هل يطيح الكونجرس الأمريكي بابن سلمان



أدت قضية مقتل الصحفي السعودى، جمال خاشقجى، إلى إثارة حالة من الجدل داخل المجتمع الأمريكى، فى ظل ما يبدو أنه خلاف بين إدارة ترغب فى الحفاظ على المصالح الأمريكية، وبين كونجرس يسعى إلى الحفاظ على المبادئ الأمريكية، وتصاعد هذا الجدل مع اتخاذ الكونجرس لخطوات فعلية لإدانة ولى العهد السعودى، محمد بن سلمان، مباشرة فى مقتل خاشقجى. وهو ما اثار العديد من التساؤلات حول أسباب تصعيد الكونجرس ضد ابن سلمان؟ وهل سيؤدى ذلك التصعيد إلى الإطاحة به؟

 

مجلس الشيوخ يصعد ضد ابن سلمان

 

مرر مجلس الشيوخ الأمريكي في 13 ديسمبر الحالي قرارين أحدهما يتهم محمد بن سلمان بالتورط في اغتيال خاشقجي والآخر يدعو لوقف الحرب في اليمن، وكانت صحيفة واشنطن بوست عن رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأمريكي أنه يسعى لإجراء تصويت على إجراء يحمّل ولي العهد السعودي المسؤولية في قتل خاشقجي. وأدان مجلس الشيوخ الأمريكي رسمياً ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في قتل خاشقجي ما.  ويدعو مشروع القرار ولي العهد السعودي إلى وقف سياسات سعودية عدوانية أخرى في الخليج كالحملة العسكرية في اليمن وحصار قطر واعتقال نشطاء حقوق الإنسان في المملكة.

 

وأشارت الصحيفة إلى أن مشروع القرار غير ملزم لكنه يمثل توبيخاً للرئيس ترمب الذي رفض إلقاء اللوم على الأمير محمد بن سلمان رغم استنتاجات وكالة المخابرات المركزية التي أشارت إلى ضلوعه في اغتيال خاشقجي.

 

وكانت الصحيفة أكدت أن لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأمريكي ستجري مراجعة شاملة لسياسة إدارة الرئيس دونالد ترمب تجاه السعودية، والتي ستشمل طريقة تعامل إدارة ترمب مع مقتل الصحفي جمال خاشقجي، إلى جانب مصالح غاريد كوشنر المالية مع السعودية، إضافة إلى مسألة استمراره في القيام بدور رئيسي في السياسة الخارجية الأمريكية رغم الأدلة التي تؤكد تعرضه لتأثير حكومات أجنبية[1]. ويقوم كلاً من وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، ووزير الدفاع جيمس ماتيس بتقديم إفادتيهما فى جلسة مغلقة أمام مجلس النواب الأميركي، بشأن قضية خاشقجى، كما حدث أمام مجلس الشيوخ من قبل[2].

 

هل تتجه الأمور إلى الإطاحة بابن سلمان؟

 

ترجع أهمية قرار المجلس أنه جاء بعد الجلسة المغلقة التي عقدتها مديرة وكالة الاستخبارات المركزية جينا هاسبل، مع عدد من أعضاء مجلس الشيوخ، لتقديم إحاطة بخصوص قضية خاشقجي، والتأكيد بأن تقرير وكالة الاستخبارات قد حمّل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مسؤولية الجريمة، هذا إلى جانب اللقاء الغير تقليدي الذي جمع أعضاء من الكونغرس مع مدير المخابرات التركية هاكان فيدان، وهو ما يعنى امتلاك مجلس الشيوخ لأدلة تثبت تورط ابن سلمان، وعليه فإن الضغط التشريعي سيستمر على إدارة ترامب، لتعديل سياسته حيال السعودية، كما ستزداد الضغوط على ترامب أيضاً في بداية العام المقبل، حيث ستصبح الأغلبية في مجلس النواب من الديموقراطيين[3].

 

ويأتى هذا القرار بعد أن أيّد 14 جمهورياً، فى الشهر الماضى، اقتراحاً إجرائياً يقضي بتقليص الدعم الأمريكي للحملة العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن، وهو ما اعتبره العديد من المراقبين رسالة واضحة لترامب مفادها أن عليه أن يدين ولي العهد السعودي قبل أن يأخذ المشرّعون زمام المبادرة[4].

 

لكن في المقابل، يجب الإشارة إلى أن الزامية القرار تستلزم موافقة مجلس الشيوخ ومجلس النواب، وينبغي تقديمه لرئيس الولايات المتحدة، وقبل أن يصبح نافذاً يجب أن ينال موافقته، وإذا لم يوافق عليه في هذه الحالة، يجب أن يصوت عليه ثلثا مجلس الشيوخ والنواب، وبالتالي من الصعب جداً إقراره. كما أن مشروع القرار في صيغته الحالية لا يشير إلى عقوبات محددة بل يضع مسؤولية اغتيال خاشقجي على ابن سلمان. وحتى في حال اقرار عقوبات على ابن سلمان نفسه، وهذا أمر مستبعد حتى الآن، فإن الاجراءات المعتمدة عادة هي منعه من السفر إلى الولايات المتحدة والحجز على أمواله في المصارف الأمريكية، ومنع أي مواطن أمريكي من التعامل التجاري معه[5].

 

كما أن هناك عنصر مهم للغاية يتمثل فى الدعم الإسرائيلي الصريح لمحمد بن سلمان، فإسرائيل تعتبر ابن سلمان كنزاً استراتيجياً لتحقيق تطلعاتها في المنطقة وتمرير ما يسمى بصفقة القرن ونشر التطبيع العلني مع إسرائيل. لكن السؤال الجوهري هنا: هل يقف الكونغرس فعلاً ضد رغبة إسرائيل فى دعم ابن سلمان؟

 

من المؤكد أن الكونجرس الداعم بقوة لإسرائيل لن يقف ضد رغبتها ومصلحتها فى استمرار ابن سلمان إلا عندما تقرر اسرائيل استنفاد بن سلمان لدوره في خدمة مخططاتها بحيث يصبح قليل الفائدة لها، وهناك احتمالين لسلوك الكونجرس:

 

الأول: إما أن اللوبي الإسرائيلي في واشنطن لم يمارس نفوذه على أعضاء الكونغرس لتبنى الموقف الإسرائيلي الداعم لبن سلمان. فالجماعات الموالية لإسرائيل قد تقرر عدم إقحام نفسها وراء هذه القضية التي قد تبدو خاسرة خاصة لجهة امتلاك دولة أخرى وهي تركيا للأدلة الجنائية التي قد يؤدي نشرها رسمياً إلى إثارة الرأي العام العالمي. إلا أن المصلحة الاستراتيجية لإسرائيل في بقاء محمد بن سلمان تضعف من هذا الاحتمال وتقود إلى الاحتمال الثاني التالي.

ثانياً: قد تكون إيباك، باعتبارها صاحبة نفوذ هائل على الرئيس وعلى الكونغرس في الوقت عينه، قد اختارت شراء الوقت وإيجاد حالة من التوازن بين هاتين الجهتين. فبينما يلعب الرئيس الأمريكي دور المحامي يقوم الكونغرس بلعب دور الفزاعة. بذلك تضمن إيباك بأن هذه المعركة بين الإدارة والكونغرس ستأخذ وقتاً. هذا الوقت سيمثل بالنسبة لإسرائيل فرصة ذهبية لاستغلال الموقف الضعيف للأمير محمد بن سلمان المحصور بين المطرقة والسندان من أجل دفعه للتنفيذ السريع لكل ما يطلب منه بخصوص ملفات المنطقة، وهذا ما بتنا نشهده اليوم من تسارع غير مسبوق في خطى التقارب بين العديد من الأنظمة العربية والإسلامية مع إسرائيل مع وجود بصمات واضحة للرياض في هذه التقاربات[6].




[1] "واشنطن بوست: مجلس الشيوخ قد يدين رسميا ابن سلمان في مقتل خاشقجي"، الجزيرة مباشر، 11/12/2018، الرابط التالي: https://bit.ly/2SK5sXw

[2] " بومبيو وماتيس يقدّمان اليوم إفادة لمجلس النواب الأميركي بشأن خاشقجي"، العربي الجديد، 13/12/2018، الرابط التالي: https://bit.ly/2Eld9PX

[3]قدامة خالد، " هل ينجح مشروع قرار ضد ابن سلمان بمجلس الشيوخ الأمريكي؟"، عربى21، 7/12/2018، الرابط التالي: https://bit.ly/2SNJWB9

[4] منال حميد (مترجم)، "الكونغرس يسعى لتحميل بن سلمان مسؤولية قتل خاشقجي"، الخليج أونلاين، 11/12/2018، الرابط التالي: https://bit.ly/2RQVaoo

[5] قدامة خالد، " هل ينجح مشروع قرار ضد ابن سلمان بمجلس الشيوخ الأمريكي؟"، عربى21، مرجع سابق.

[6] محمد العمر، " لماذا يسعى الكونغرس للإطاحة بـ"بن سلمان"؟ … إليك الأسباب"، مدونات الجزيرة، 11/12/2018، الرابط التالي: https://bit.ly/2A06ZBL

adminu

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022