بعدإفشال الموجة الأولى .. هل تتنصر «يناير» في الجولة المقبلة ضد العسكر؟

 بعدإفشال  الموجة الأولى .. هل تتنصر  «يناير»  في الجولة المقبلة ضد العسكر؟

 

واقع الأمر أن ما حدث منذ يونيو ويوليو 2013 ليس نهاية الطريق. فلكل ثورة ثورتها المضادة. وما حدث يمثل مرحلة واحدة في طريق طويل، ونتيجة منطقية لما زرعته النخب من أخطاء.  لقد كانت مقدمات الانهيار واضحة وتم التحذير منها، والأهم أنه كان من الممكن تفاديها لو قرأت القوى السياسية الواقع جيدا واستوعبت دروس التغيير الأخرى.

 

فلا فراغ في السياسة وكل ما نشهده من أحداث وظواهر ليس أمرا حتميا أبدا.  وبرغم عودة القبضة الأمنية بشكل شرس، إلا أن الثورة زرعت في نفوس الناس قيمتين أساسيتين، لا يمكن إزالتهما بسهولة، الأولى هي أن بإمكان الجماهير إسقاط النظام متى تكتلوا ضده، والثانية أن الثورة أظهرت للناس قيمة الحرية، ومن ذاق الحرية يوما يكون مستعدا للتضحية بكل شيء لاستردادها والحفاظ عليها. والمقدمات التي أدت إلي ثورة يناير لا زالت موجودة بل صارت أكثر  سوءا.

 

يعزز اندلاع موجة ثانية للثورة أن معدلات وعي المصريين تجاه خطورة بقاء واستمرار نظام الانقلاب الذي قاده الجنرال عبدالفتاح السيسي ضد المسار الديمقراطي منتصف 2013م،  تزايدت بمستويات قياسية تفوق الوصف والتوقع، وتآكلت شعبية النظام على وقع القمع الأمني والتدهور الاقتصادي والانفراد بالسلطة واحتكار السياسة والاقتصاد والإعلام، بصورة لا تحتاج إلى برهان؛ ونظرا لكثرة الأخطاء والانتهاكات التي ارتكبت منذ 30 يونيو، فإن أعداد الغاضبين اليوم والواعين بأهمية التغيير تتزايد، وهي بشكل عام تتجاوز بكثير أعداد الغاضبين قبل 25 يناير 2011، وما التغيير إلا مسألة وقت. والقمع يؤخر الانفجار ويرفع تكلفة الثورة فقط لا غير، لأننا في زمن صار فيه الشباب أكثر وعيا وأكثر مهارة في استخدام أدوات السماوات المفتوحة. كما أن إخفاق المرحلة الأولي لثورة يناير، يشير إلى أننا على موعد مع موجة ثورية جديدة ستكون أكثر راديكالية في وسائلها وأهدافها، وستسهم في تخليص مصر والمنطقة العربية كلها من الإستبداد والفساد داخليا ومن التبعية والهيمنة خارجيا.[1]

في كل الأحوال، الثورة  ليست نزهة يمكن أن نحدد نقطة انطلاق ومسار محدد لها مسبقا ، وليست مسارًا خطيًا له بداية ونهاية بقدر كونها عملية تفاعلية معقدة قد تتناوبها متتالية من الإنجازات والإخفاقات ويبقى التاريخ وتبقى المعرفة لتخبرنا دومًا أننا لسنا أول من يخوض الطريق ولن نكون آخر من يصل. «فالإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الدولة في الفترة الأخيرة هي الأعنف منذ قرارات السادات بتحرير الأسعار في يناير 1977، والتي أدت بشكل مباشر لانتفاضة الخبز، بينما لم تُنتج ردود أفعال جماهيرية تتناسب مع طبيعة القرارات الأخيرة. والملاحظ أنه في الآونة الأخيرة بدأ يتردد سؤال “لماذا لا تتحرك الجماهير؟” مع كل موجة ارتفاع للأسعار أو أي قرار بزيادة قيمة أي من الخدمات أو السلع. حتى أصبح ترديد هذا السؤال يذَّكرنا بسؤال شبيه قبل ثورة يناير وهو “لماذا لا يثور المصريون؟”، حيث لم تتأخر الإجابة عليه كثيرًا»[2].

 

مشاهد العنف والدماء والاستبداد بعد انقلاب 03 يوليو 2013م؛ دفعت الإذاعة الألمانية "دويتشه فيله"[3] إلى التنبؤ  في نهاية 2014وليس 2018 بالثورة المقبلة في تقرير لها تؤكد فيه أنه «قد يسير الوضع على ماهو عليه لبعض الوقت، فمصر تحولت منذ مدة إلى دولة بوليسية. بيد أن الوضع المزري للاقتصاد ولحقوق الإنسان وتراجع قطاع السياحة واعتماد البلاد على أموال الخليج، بالإضافة إلى التضامن الأخير بين الإسلاميين واليساريين والليبراليين، من شأنها أن تترجم حالات الاستياء المتراكمة عاجلا أم آجلا إلى احتجاجات واسعة: الانتفاضة المقبلة إنما هي مسألة وقت فقط».

 

نفس الأمر توقعته صحيفة "الجارديان" البريطانية، في أبريل 2018م، بعد مسرحية الرئاسة الماضية، حيث اعتبرت افتتاحية الصحيفة فوز السيسي بفترة ولاية ثانية تدميرا لما تبقى من الديمقراطية، وأن السيسي الذي يرفع شعار "الاستقرار" لا يدفع مصر إلا نحو الأسوأ؛ وأن سوء الإدارة الاقتصادية والفساد والإذعان لشروط صندوق النقد بتخفيض الدعم وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب وسوء التعليم هي ضمانات فعلية لاستمرار  الفوضى مستقبلا؛  وأنه ـــ بحسب  الجارديان ـــ عندما يضاف إلى هذا المزيج ولع «السيسي» بعمليات الإعدام الجماعي، وعمليات الاعتقال، والاعتداءات الجارفة على الحريات المدنية، فلا عجب أن يتوقع المحللون أن تتجه مصر إلى ثورة أخرى[4].

 

يناير  ليست بدعا من الثورات

تجارب الشعوب تؤكد أن طريق الثورات ليس مفروشا بالورود، بل مخضب بالضحايا والآلام وصولا إلى الحرية المنشودة والعدالة  المأمولة والاستقرار  الحقيقي. وهذه عدة نماذج من تجارب ثورات الشعوب التي تتبوأ حاليا  مكانة فريدة بين شعوب الأرض وحازت على حريتها واستقلالها ومشاركة شعوبها في صناعة القرار  واختيار حكامها وفق أدوات الديمقراطية وآلياتها.[5]

 

في  ألمانيا، مثلاً، احتاجت بعد ثورة الإصلاح الديني، التي اندلعت في القرن السادس عشر، إلى ثورة ثانية في العام 1848، بغرض التخلّص من الحكم الملكي، بعد التخلص من الاستبداد الكنسي، وإقامة الدولة القومية، وتعزيز الحريات السياسية. مع ذلك فإن هذه الثورة لم يكتب لها النجاح، بسبب تدخّل الدول المجاورة وعدم التوافق الداخلي، مما أدى إلى عودة القوى الأرستقراطية إلى الحكم، وهو الوضع الذي مهّد لمجيء بسمارك وإقامة الدولة القومية الألمانية.

 

وبالنسبة للثورة الأميركية، ومع أنها كانت موجهة لتحقيق الاستقلال عن “التاج البريطاني” (وهو ما حصل في 1783) إلا أنها كانت أكبر  وأخطر من ذلك بكثير، إذ نتج عنها إقامة الولايات المتحدة الأميركية، كدولة ديمقراطية على أساس فيدرالي وعلى قاعدة فصل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية (كما جاء في دستور 1787). لكن الولايات المتحدة احتاجت بدورها إلى حرب أهلية (بين الشمال والجنوب) لإلغاء نظام الرقّ، وهي حرب استمرت عدة أعوام (1860-1865)، وتكلّفت مقتل 620 ألف جندي ومدني، نصفهم هلكوا بسبب ما جرّته الأحداث من خراب ومجاعات. كما احتاجت إلى ثورة أخرى تمثلت هذه المرّة بثورة مواطنيها السود ضد التمييز العنصري (1954 و1968) من أجل الحقوق المدنية والمساواة، وهي الثورة السلمية التي قادها بشجاعة مارتن لوثر كينغ، مدعوما بعشرات الملايين من الأميركيين السود.

 

وتعتبر الثورة الفرنسية، وشعاراتها “الحرية والإخاء والمساواة”، والتي استمرت وقائعها عشرة أعوام (1789-1799) أيقونة الثورات الأوروبية، كون تأثيراتها عمّت القارة وشمل إشعاعها العالم. وقد ابتدأت هذه الثورة بإلغاء الملكية المطلقة، والامتيازات الإقطاعية للطبقة الأرستقراطية، والنفوذ الديني الكاثوليكي، وتوحيد السوق الوطنية، ووضعت أسس الديمقراطية السياسية وأعلنت حقوق الإنسان، وأقرّت الزواج المدني. لكن هذه الثورة شهدت اضطرابات شديدة، إذ عرفت ثلاثة أنواع من الحكم في سنوات معدودات، أولها الملكية الدستورية (حيث تم تقييد سلطة الملك)، وثانيها إقامة نظام جمهوري متشدّد بعد أن تم تنفيذ حكم الإعدام بالمقصلة بالملك لويس السادس عشر (1893)، وثالثها، سيطرة البرجوازية على الحكم، حيث استعانت بعدها بالضابط نابليون بونابرت الذي قام بدوره بتتويج نفسه إمبراطوراً فيما بعد. وعموماً، فقد احتاجت فرنسا إلى عديد من الثورات (1848 و1870) كي تنصّب نفسها كدولة ديمقراطية ليبرالية، فضلا عن العديد من الحروب التي خاضتها خارج أراضيها للدفاع عن ثورتها.

 

أما الثورة الاشتراكية في روسيا، فقد بدأت ممهّداتها في ثورة 1905 التي لم تلق النجاح بسبب قمعها من قبل السلطة القيصرية، وبسبب خلافات القوى المشتركة فيها. وقد لزم الروس بعدها 12 عاماً حتى تقوم ثورتها الاشتراكية، التي نجحت بسبب تحطم الجيش الروسي في الحرب العالمية الأولى، وبسبب تآكل الحكم القيصري. ومع كل ذلك فإن هذه الثورة تمخّضت عن ثلاث مراحل، أولاها، تمثّلت بنوع من ازدواجية السلطة بين الحكم القيصري وقوى الثورة. وثانيتها تمثلت بإسقاط الحكم القيصري نهائيا (1917)، في حين تمثلت المرحلة الثالثة بحرب أهلية استمرت زهاء خمسة أعوام، ونجم عنها مصرع مليوني مواطن، وبهذا المعنى فهي ثورة دموية عنيفة مثلها مثل الثورة الصينية.

 

دروس الربيع العربي

بدون استيعاب الدروس والأخطاء التي وقع فيها الثوار  في الجولة الأولى لثورة 25 يناير 2011م، لن يتمكنوا من تحقيق نجاحات حاسمة في الموجة التالية المرتقبة، التي يقودنا إليها السيسي بسياساته القمعية وفشله في إدارة مواد البلاد؛ وهي التوقعات التي أكد عليها مركز "سترتفور" للبحوث والدراسات مؤكدا أن «ولع «السيسي» بالقوة لابد أن يتسبب في زواله عاجلا أم آجلا. ومع كل يوم يبقاه الرئيس في منصبه فإنه يعطي شعبه سببا جديدا للاعتقاد بأن التمرد هو السبيل الوحيد للتغيير السياسي. وكما أظهرت الثورة المصرية قبل سبع سنوات، فإن الشعب المصري يصبر ويتسامح ولكن فقط ما لم يتم دفعه إلى أبعد من الحد الأقصى لاحتماله»[6].

 

الدرس الأول[7] هو «حتمية الثورة على الاستبداد»؛ فقد أثبتت ثورات العرب أن الاستبداد ومشكلة الحكم في مجتمعاتنا العربية هي أهم المشكلات التي تشهدها هذه المجتمعات،  ويمكن وصفها بـ "أم المشكلات"؛ لأن الاستبداد هو سبب نشأة -أو تفاقم- الأزمات الأخرى، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والخارجية. وهو ما أكده عبد الرحمن الكواكبي بأن الاستبداد هو أصل الداء، وعندما أوضح مشكلات الحكومة الاستبدادية في كتابه "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" منذ أكثر من مئة عام. والدرس هنا هو أن كل الجهود يجب أن تركز على هدف مركزي هو بناء نمط جديد للحكم يحمي الحريات والحقوق، ويقيم دولة القانون والمؤسسات والشفافية، ويدير الثروات لصالح الشعوب، ويحقق العدالة الاجتماعية.  

 

الدرس الثاني، اليقين بأن المستبد لا يتغير وهو سبب الفساد وانهيار الدول وجلب الغزاة، وأن كل نظم الحكم الفردية والبوليسية مآلها الفشل والانهيار؛ هذه سنة كونية.   واليقين كذلك  بأن مسار هذه الثورات صعب، وتكلفته البشرية مرتفعة، لكنه كان مسارا حتميا ولم يختره أحد؛ فلقد سدت الأنظمة الحاكمة كل سبل الإصلاح التدريجي الذي يحمي شعوب ودول المنطقة، وارتضت أن تحارب شعوبها. ففي المجتمعات التي لا يمكن فيها التمييز بسهولة بين "الدولة" و"النظام" و"الحكومة"، لا يكون الصراع بين الحكام والمعارضة، وإنما بين الحكام ومنافسيهم على السلطة، إذ لا يظهر إصلاحيون داخل النظام من جهة، ولا يمتلك خصوم النظام القدرة على الاتفاق أو التكتل ضده استنادا إلى أجندة وطنية جامعة من جهة أخرى. وهنا يكون مصير النظام هو إمّا الاستمرار بفعل القبضة الحديدية وغياب أو انقسام الخصوم، أو بفعل العوائد المالية التي يحصل عليها من مورد طبيعي أو داعم خارجي، وإمّا الانهيار والثورة ضده إذا تغيرت موازين القوة بين النظام ومنافسيه.

 

الثالث، الثورات نجحت نسبيا في بعض الأهداف، ويكفي أن تكون الشعوب في معادلة السياسة حتى تستكمل الثورات مسارها؛ فظهور الشعوب كفاعل أساسي في المعادلة السياسية، بعد أن احتكرت النظم القرار السياسي وظلت هي المسؤولة عن كل الهزائم العسكرية والكوارث الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وهذه الثورات مثلها مثل كل الثورات لن تحقق أهدافها في فترة زمنية قصيرة، ويكفي أنها حتى الآن حررت الإنسان العربي من الخوف من حكامه، ووفرت له مثلا حيا على قدرة الشعب على التغيير مهما كانت هيمنة وسطوة الحكومات. بل فتحت هذه الثورات أيضا الباب أمام إعادة النظر في كافة الترتيبات التي فُرضت على العرب منذ الاستقلال، بدءا من الحدود المصطنعة، مرورا بالأدوار التي تقوم بها الأجهزة الأمنية والأقليات الحاكمة في تدمير دول المنطقة، وانتهاءً باستهداف المنطقة عسكريا وتهافتها أمام تدخلات دول إقليمية وعالمية.

 

الرابع، إدراك أنه لا ثورة بلا مشروع وطني جامع وقيادة واعية وكيان قوي يعبر عنها.  فرغم أن عملية التغيير الثوري تمثل فرصة للتغيير الشامل، فإنها عملية صعبة ومعقدة؛ لأنها تشهد في معظم الحالات فتحًا للعديد من الملفات وارتفاعا في حجم التوقعات. ولم تتمكن قوى الثورات العربية والحالمة بالتغيير والتي لا خبرة لها بدهاليز السياسة من إدراك الفروقات الجوهرية بين مهمة إسقاط الأنظمة وبين متطلبات وسنن بناء الأنظمة البديلة، ولم تتمكن من تثوير قطاعات واسعة من الجماهير وتعبئتها وراء مطالب الثورات، ولم تهتم بالتنظيم الداخلي لها وتشكيل كيان أو كيانات قوية تعبر عن الثورة ومطالبها وتفرز قيادات وطلائع تقود الشعوب نحو تحقيق أهدافها.

 

الخامس،  كان من الطبيعي أن توقظ الثورات العربية الخصوم في الداخل والخارج، ولهذا استمر الصراع بين قوى الثورة وقوى الثورة المضادة، وكان من الخطأ فتح ملفات تمزق معسكر الثورة مثل الهوية والتي تبناها حزب النور السلفي الذي لم يكن مشاركا في ثورة يناير مطلقا وابتز بها الإخوان الفصيل الأقوى شعبيا ووضع الجماعة أمام اختبار قاس أمام مناصريها رغم أن التركيز كان يجب أن ينصب على الحريات وتفكيك شبكة النظام السابق والحيلولة دون خلق ثغرات يتسلل من خلالها أعداء الثورة، كما أن عدم احترام نتائج الديمقراطية لاعتبارات تتعلق بمن جاءت بهم في صراع أيديولوجي  تعامل مع أدوات الديمقراطية بانتقائية وفق النتائج؛ فإذا جاءت بالأنصار كانت قيمة يتوجب احترامها وإذا جاءت بالخصوم فالديمقراطية ليست مجرد انتخابات وصناديق؛ الأمر الذي أفضى في النهاية إلى تمكين الثورة المضادة. التي تكون وظيفتها  هي "إجهاض" الثورات والالتفاف على مطالبها.

 

السادس، قامت قوى الثورة المضادة بخلط الأوراق واستخدام مصطلح "الحرب على الإرهاب" لمواجهة الثورات، وتصوير الصراع في أكثر من بلد عربي على أنه صراع ضد قوى الإرهاب والظلام والتشدد. ومع انقسام قوى الثورة وجدت الثورات المضادة حلفاء جددا لها مع بعض رجال الأعمال والقوى التقليدية في المجتمع، واستخدمت أدوات الإعلام لتشويه الثورات والثوار وحشد الناس مع استخدام مفردات النظم القديمة في الحديث عن الاستقرار والأمن. وازداد الأمر صعوبة مع قيام قوى الثورة المضادة بإقامة تحالفات قوية مع الخارج، إذ لم تجد القوى الإقليمية والدولية مصالحها مع قيام نظم وطنية ديمقراطية بمؤسسات قوية في الدول العربية.

 

سيناريوهات محتملة

أمام المشهد المصري بعد مرور  حوالي 5 سنوات من انقلاب 03 يوليو 2013م، عدة سيناريوهات تستند إلى المعطيات القائمة محليا وإقليميا ودوليا ويمتد حتى سنتين مقبلتين.

 

السيناريو الأول، هو تحقيق نظام الانقلاب نصر  حاسما على قوى الثورة  وتحولها إلى قوى معارضة مستأنسة وينتقل بعضها من مربع الرفض للنظام وبطلان شرعيته إلى مربع المعارضة يأسا وإحباطا  من جهة وربما خوفا من انتقام النظام من جهة ثانية، وإن كانت هناك مؤشرات بذلك لكنها ليست كافية لإطلاق حكم بالتعميم على كل الحالة الثورية ومكوناتها، بل الأرجح أن تتجه كتلة من المعارضة "المدنية" نحو مربع الفرض حال نجح النظام في تمرير  التعديلات الدستورية التي تفضي إلى حكم السيسي مدى الحياة حتى ترى هذه القوى أن مجرد التوجه نحو التعديلات مخالف للدستور  وحال تمريرها سوف يترتب على ذلك تحول هذه القوى إلىى مربع الرفض بوصف النظام بالبطلان بعد التعديلات.

 

الثاني،  هو بقاء الأوضاع على ما هي عليه فلا النظام قادر على القضاء على قوى الثورة التي تعزز  حضورها الإعلامي والشعبي بفعل الحضور القوي لإعلام الثورة على حساب إعلام السلطة الذي فقد مصداقيته وتحول إلى صوت السلطة مقابل إعلام الثورة الذي بات معبرا عن صوت وآلام الجماهير وآمالها. ولا قوى الثورة تملك الأدوات التي تمكنها  من حسم الصراع، وستظل هذه الأوضاع قائمة حتى  إجراء التعديلات الدستورية منتصف 2019م، والتي ربما تشهد توترات للأوضاع حتى 2022 وهو نهاية الولاية الثانية للسيسي فعليا.

 

الثالث، مع تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية وعدم قدرة النظام على إدارة موارد الدولة بشكل صحيح  وتزايد معاناة المواطننين ربما يؤدي ذلك إلى فوضى واحتجاجات فئوية وشعبية على خلفية تزايد معدلات الفقر والجوع. بما يفضي إلى تزايد معدلات الجريمة وتراخى سلطة النظام ، وسوف يستثمر الثوار ذلك لتشجيع الجماهير على تحدي سلطة النظام وشرطته القمعية ، ومع تزايد وتيرة هذه الاحتجاجات ربما يفضي ذلك  إلى تحرك أجنحة داخل النظام لإنقاذ الجسد عبر الإطاحة بالرأس كما حدث تماما مع مبارك. وبذلك يكتسب الزخم الشعبي نصيرا  من مؤسسات النظام لكن تجربة ثورة يناير ستجعل الشكون تحاصرهم حتى لا يكون ذلك التفافا جديدا على الموجة الثانية للثورة، لكن الحكم حاليا بات عبئا  لا يستحق عناء تحمله في ظل تراجع إيرادات الدولة وتضخم الديون وكثرة الأعباء.

 

وأمام المطعيات الراهنة فإن السيناريو الثاني هو الأرجح حدوثا خلال السنوات المقبلة 2022م، وإن كان ذلك لا يمنع من أن الثورات تنفجر فجأة ودون مقدمات ما يضع الجميع أمام سيناريو مفاجئ متدحرج  لا يعرف أحد عواقبه، كما يمكن أن يحدث تداخل بين السيناريوهين الثاني والثالث وفقا لتطورات الأوضاع. بما يتعين معه وضع قوى الثورة كل الاحتمالات والتوافق على أرضية مشتركة حول تعزيز قيم الديمقراطية والمواطنة وحقوق الإنسان وصياغة الأولويات السياسية على المدى القريب والمدى البعيد بما يضمن إقامة نظام ديمقراطي تعددي وتداول سلمي للسلطة دون إقصاء أو تهميش وضمان عدالة انتقالية تقوم على النزاهة والعدالة  التي تحقق القصاص لا الثأر والانتقام؛ فإنه تعبر عن لغة القبيلة لا دولة القانون والحريات.

 



[1] د. عبد الفتاح ماضي/ أساطير إجهاض ثورة 25 يناير/  موقع الدكتور عبدالفتاح ماضي   وتم نشره في موقع مصر العربية  الأربعاء 28 يناير 2018م

[2] «لماذا لم تنتفض الجماهير ضد ارتفاع الأسعار؟» مصطفى بسيوني Open Democracy)) 13 مايو 2017

[3] الانتفاضة المقبلة في مصر مسألة وقت فقط/ دويتشه فيلة 12 ديسمبر 2014

[4] «الغارديان»: ولاية «السيسي» الثانية تضع مصر على مشارف ثورة جديدة/ الخليج الجديد 01 أبريل 2018

[5]  هذه النماذج مأخوذة من ماجد كيالي/الثورات العربية في ميزان التجارب التاريخية… ملاحظات أولية/ سورية الآن 18 يوليو 2018

 

[6] ترجمة فتحي التريكي/ «ستراتفور»: الثورة القادمة في مصر.. لماذا سيسقط حكم «السيسي»؟/ الخليج الجديد  12 فبراير 2018

[7] د.عبدالفتاح ماضي/ من دروس ثورات التحرر العربية/ الجزيرة نت 

 

adminu

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022