الجدل حول الهوية على ضوء مشروع قانون حذف خانة الديانة

 الجدل حول الهوية

على ضوء مشروع قانون حذف خانة الديانة

 

للمرة الثانية في أقل من عامين يتقدم أحد نواب ائتلاف دعم مصر الداعم للسيسي، النائب إسماعيل نصر الدين، بمشروع قانون لمجلس النواب، يطالب فيه بحذف خانة الديانة من المحررات الرسمية وبطاقات الرقم القومي. وذلك بعد اعتراض لجنة الشؤون الدينية بالبرلمان على مشروع مماثل قدمه عضو الائتلاف أيضاً علاء عبد المنعم عام 2016، وسبق لنفس اللجنة رفض قرار جامعة القاهرة بإلغاء خانة الديانة من محرراتها الرسمية[1]. وبالتالي فمشروع القانون، والمرجح رفضه من ذات اللجنة، هو محطة أخرى في مسلسل الصراع بين الدولة ومؤسسة الأزهر ومؤيديها. ويظهر لدينا هنا سؤال الدافع وراء إعادة طرح مشروع القانون إن كان المتقدم به على علم برفض اللجنة الدينية في البرلمان.

فهل هي رسالة من نواب للنظام تجدد إعلان تبعية البرلمان للنظام وتوجهاته –حتى لو كانت للاستهلاك الإعلامي- في مسألة تجديد الخطاب، أم أن مشروع القانون نوع من المزايدة، أم كان محاولة من النظام لاستدراج الأزهر ورجاله لجولة صراعية جديدة، قد خطط النظام نهايتها مقدماً، أو أن مشروع القانون محاولة "للصيد في الماء العكر" قام بها أحد علمانيو المجلس مستغلاً السخونة التي لم تهدأ بعد، والناجمة عن حالة التصعيد التي كانت بين الأزهر والرئيس في احتفالية المولد النبوي. أم أن مشروع القانون استمرار لسياسات الإلهاء التي يستخدمها النظام في صرف أنظار المجتمع عن مشكلاته الحقيقية، وفي نفس اوقت رسالة للخارج بأن النظام ومؤسساته مصممان على السير في طريق تجديد الخطاب الديني.

سنحاول في هذه السطور، الوقوف على تعاطي الأزهر، والمؤسسة الدينية المسيحية، مع مشروع القانون المقدم، ثم نعرج على الدوافع الحقيقية للمشروع المقدم.

موقف الأزهر من القانون:

نص تقرير هيئة كبار العلماء بشأن الرأى الشرعي وعواقب إلغاء خانة الديانة، وهو التقرير المقرر إرساله للجنة الدينية، والتى كانت قد خاطبت شيخ الأزهر؛ للمساندة في موقفها الرافض لإلغاء خانة الديانة فى عام 2016، إلى أنه لا يوجد نص صريح من القرآن والسنة المحمدية يحرم أو يبيح وضع خانة الديانة من عدمه.

إلا أن التقرير أشار إلى دعم الأزهر لرفض إلغاء خانة الديانة، من خلال تأكيده على أن وضع الديانة في البطاقة الشخصية سيساعد على كشف الديانات الأخرى غير السماوية، وحماية المجتمع من علاقة المصاهرات المخالفة، مؤكدًا على أنها منفذ لنشر العقائد الشاذة الهدامة المخالفة للديانات القومية مثل البهائية والقرآنية والشيعة، وبالتالي سيصعب رصد معتنقي هذه العقيدة قبل الزواج مما سيساعد على زيادة معدلات الطلاق داخل المجتمع، كما أن ذلك سوف يصب في صالح معتنقي تلك المذاهب.

وأضاف الأزهر أن وجود خانة الديانة أمر مهم عند الزواج، والطلاق، كذلك عند الوفاة حتى يتم دفنه وفقا للدين الذي يعتنقه كل شخص، كما تترتّب عليها أوضاع قانونيّة عدّة مثل الشهادة في المحاكم، والّتي لا تقبل بشهادة غير المسلم في المسائل الشرعيّة والأحوال الشخصيّة للمسلمين مثل إثبات جريمة الزنا أو الطلاق[2].

يبدو تقرير هيئة كبار العلماء أقل حدة من حيث اللغة المستخدمة، بما يعكس رغبة الهيئة في التهدئة، والنأي عن العودة لمربع الصراع، ويظهر ذلك في تأكيده أن خانة الديانة في بطاقات الهوية، لم يتطرق إليها النص الديني الصريح؛ وبالتالي فهي خاضعة لميزان المصلحة والمفسدة. وهي قاعدة تفتح المجال لدخول أطراف غير المؤسسة الدينية في الوصول لقرار. بعد ذلك عاد بيان الهيئة يؤكد أن كبار العلماء يرجحون الإبقاء على خانة الديانة، لما في إلغائها من مفاسد، ذكر البيان منها "أن وجود خانة الديانة أمر مهم عند الزواج، والطلاق، كذلك عند الوفاة حتى يتم دفنه وفقا للدين الذي يعتنقه كل شخص، كما تترتّب عليها أوضاع قانونيّة عدّة مثل الشهادة في المحاكم". كما ألمح البيان إلى أن المستندات التى تثبت الشخصية والهوية للإنسان أمور دنيوية تنظمها الدولة وفقا للقانون والدستور، وأن الشرع مع تطبيق القانون والدستور طالما هناك ضرورة ملزمة لوجوده ويصب في صالح تماسك المجتمع، والبعد عن إثارة الفتنة بين الناس، ومن هنا فإن الشرع يبيح الإجراءات التى يتخذها ولى الأمر لضبط أمور الرعية، والخروج على تلك الإجراءات بقرارات استثنائية أمر لا يجوز شرعا. وهو ما يمكن اعتباره محاولة لخطب ود النظام، وتوجيه رسالة مفادها أن الأزهر لا ينازع النظام هيمنته، ما دام النظام يحفظ للناس دينهم الذي يرعاه الأزهر.  وقد استخدم التقرير مفهوم ولي الأمر الذي يعني الباس لباس الشرعية الدينية للسيسي.

موقف المسيحيين من القانون:

على الرغم من أن المسيحيين كانوا أكثر حرصاً من غيرهم على إظهار هويتهم برسم الصلبان على أيدهم بشكل واضح، وارتداء السلاسل التي تحوي صلبان بارزة، بالإضافة لإظهار الصور الخاصة بالرموز القبطية في منازلهم وأماكن عملهم[3]. إلا أن الكنيسة لم تعلق بالسلب أو بالإيجاب على مشروع القانون وكأنها تعلم أن الأزهر والمجتمع سيخوضون نيابة عنها معركة الحيلولة دون تمرير القانون؛ فتتحقق غايتها وفي نفس الوقت تظل بعيداً عن التجاذبات بين النظام والقوى الدينية. الأغرب أن رغم الجدالات التي أثارها مشروع القانون، والتي مثلت وجبة دسمة للنوافذ الإعلامية "قنوات وصحف"، إلا أن أحد هذه النوافذ لم يحاول استبيان موقف الكنيسة من الجدل الدائر، وكأن هناك اتفاق عام على إبعاد الكنيسة، وعدم توريطها في جدالات، يجب أن تكون المؤسسات الدينية الإسلامية، هي حاملة لواء المحافظة فيها، لتكال لها منفردة اتهامات الرجعية وتغذية التطرف.   

أسباب إثارة مشروع القانون حالياً:

تجديد البيعة للنظام: الدورة الحالية هي الأخيرة في عمر البرلمان، ما يدفع كثير من النواب لتجديد بيعتهم للنظام الحاكم الذي لم يعد خافياً موقفه السلبي من الثوابت الدينية، ما يجعل النواب يزايدون على كل ما هو متعلق بالشأن الإسلامي، مثل أزمة النقاب والآن أزمة خانة الديانة[4].

إلهاء الرأى العام: حيث يهدف النظام إلى إثارة القضايا الدينية، التى تثير اهتمام الرأى العام، ما يشغل الناس عن الظروف المعيشية الصعبة بفضل سياسات النظام. خاصة أن مشروع القانون جاء بعد وقت قصير من مشروع قانون النائبة غادة عجمي بحظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة والمصالح الحكومية.

كسب ود الخارج: يهدف السيسى إلى خطب ود الدول الغربية، والظهور أمامها بأنه راعى العلمانية فى مصر، ولديه القدرة على إصدار وإلغاء قوانين راسخة منذ سنوات لم يكن لأحد القدرة على الاقتراب منها. ويستهدف السيسي التقارب مع الحركات الحقوقية والاتجاهات العلمانية التي تدعم منع التمييز الديني فمثل تلك التشريعات المرتبطة بحذف خانة الديانة ستجر دعماً من بعض القوي الحقوقية الدولية المعنية بقضية التمميز الديني، وهو ما يصرف  أنظار هذه الدول عن الانتهاكات البشعة لحقوق الإنسان السياسية والاجتماعية والاقتصادية. خاصة أن البرلمان الأوروبي قد تبنى قرارًا يدين ما أسماه «الانتهاكات المستمرة للحقوق الديمقراطية الأساسية في مصر»، مطالبًا الحكومة المصرية بإنهاء حملتها ضد المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والنشطاء والأقليات والمجتمع المدني[5].

صفحة جديدة في ملف الخلاف بين الأزهر والسيسى: خاصة أن مشروع القانون يأتى فى ظل حالة من الخلاف بين السيسى والطيب، تمثلت فى الجدل حول مكانة السنة النبوية فى التشريع. وفي نفس الوقت مقدمي القانون محسوبين ائتلاف دعم مصر، الداعم للسيسى.

النظام يطرح نفسه راعي للقيم والأخلاق: وجهة النظر تلك تدفع بأن النظام هو من يدفع بطرح مشروعات القوانين المثيرة للجدل تلك، بغرض رفضها من قبل البرلمان، بعد أن تثير جدل واسع، فيبدو في مظهر حامي القيم، ويوجه رسالة مفادها أن صراعه مع الإسلام السياسي لا يعني عدائه للدين؛ مما يرجح هذه الفكرة، أن هناك نواب محسوبين على ائتلاف دعم مصر، أعلنوا رفضهم مشروع القانون، وعلى رأسهم النائبة آمنة نصير والتي كان لها رأي مختلف، إذ أكدت أن إلغاء خانة الديانة سيسهل عملية "اختلاط الأنساب"، كما يقف ضد قرار إلغاء خانة الديانة جميع أعضاء اللجنة الدينية بالبرلمان، وعلى رأسهم الدكتور أسامة العبد رئيس اللجنة، والدكتور أسامة الأزهري، عضو اللجنة، ومستشار السيسي للشئون الدينية، وهو محسوب على الشيخ علي جمعة، وسبق أن هاجم مواقف لشيخ الأزهر، ودعم دعوات تجديد الخطاب الديني.

الأزهر بين تقدير الخارج وهجوم الداخل.

بالتزامن مع الحملة الإعلامية الشرسة التى يتعرض لها الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر من وسائل الإعلام المصرية، زار الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، بدولة الإمارات العربية، مشيخة الأزهر الشريف. وفور رؤية الأمير محمد لشيخ الأهر بادر بتقبيل رأسه (الإمام الأكبر)، ومقدما دعوة رسمية من الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، لزيارة دولة الإمارات وحضور مؤتمر عالمي "لحوار قادة الأديان من أجل الأخوة الإنسانية" الذي تستضيفه بلاده ويحضره البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية ، وعدد كبير من قادة ورموز الأديان حول العالم[6].

استمرار الدعم الإماراتي لشيخ الأزهر، يعني أنه لا يزال للطيب دور يلعبه، وأن النظام مدفوعاً برغبة شركائه، وخوفاً من سخطهم، لن يقبل على استبعاد شيخ الأزهر، وأن التصعيد غرضه أن يكون الأزهر أكثر تسامحاً مع مطالب النظام ومواقفه حيال الدين والخطاب الديني، ولعله بغرض أن يصبح شيخ الأزهر أكثر تبنياً لسياسات النظام ومواقفه. خاصة أن هناك من أفاد أن التصعيد ضد شيخ الأزهر في الإعلام الموالي للنظام غرضه؛ أن دوائر مهمة حول السيسي تطالب شيخَ الأزهر بإبداء موقف معلن داعم لتعديل الدستور وزيادة الفترات الرئاسية، حتى يتمكن السيسي من البقاء في الحكم لمدة أطول. وأن الإمام الطيب يرفض ذلك، مفضّلاً النأي بالمشيخة عن الدخول في صراع سياسي، وترك الأمر للسياسيين، فهم أجدر بإبداء الآراء في ذلك، وأن شيخ الأزهر رفض الكثير من الضغوط، والتي جاء بعضها في صورة اتصالات من شخصيات عامة تدعم النظام؛ ولعل منهم رئيس الجمهورية المؤقت السابق، عدلي منصور، والذي قام بزيارة مفاجئة لمشيخة الأزهر، نهاية نوفمبر 2018، في أعقاب تصاعُد الخلافات بين الطيب والسيسي[7].

الخاتمة:

تبقى هناك تفسيرات يغرد أصحابها خارج أسراب التفسيرات المتداولة، أهمها: أن مشروع القانون جزء من سياسات التطبيع مع الكيان الصهيوني، تمكن النظام من السماح لليهود "المصريون" بالتسرب للمجتمع المصري. كما تسمح لهم بالانسياب في نسيج المجتمع، خاصة مع قانون منح الجنسية المصرية مقابل مبالغ مالية. لكن ما يعطي هذا الطرح وجاهة، أن جدية النظام في تمرير القانون تظل قائمة، خاصة مع نجاح المتقدم بمشروع القانون في جمع توقيع 200 برلماني على مشروع القانون[8].

بقي أن نقول أن ما سبق طرحه يظهر أن التفسيرات المقدمة حول موقف النظام "الحقيقي" من مشروع القانون المطروح، تأخذ أحد اتجاهين؛ الأول: أن مشروع القانون جاء بإبعاز من قمة هرم السلطة بغرض تحقيق أياً من الأهداف المذكورة (سابقاً)، وهي: إلهاء المجتمع، أو توريط الأزهر في صراع جديد، محاولة من علمانيو البرلمان استغلال موجة تجديد الخطاب الديني في تمرير تشريعات ترسخ قيم العلمنة، أو هو محاولة من برلمانيين تجديد بيعتهم للنظام وتأكيد تبنيهم لمواقفه، أو هي في الآخير محاولة من النظام لتكريس التطبيع، عبر منح اليهود "المصريون" فرصة التسرب للمجتمع المصري، بهويات دينية مجهولة، إضافة إلى قانون بيع الجنسية مقابل مبلغ مالي. الإتجاه الثاني: وهو أقل تداولاً، ويرى أن مشروع القانون وما أثار من جدالات، هو أحد نتائج التفاعلات الدائرة على مستوى جسد النظام، البرلمان والحكومة، وأن رأس النظام أو مؤسسة الرئاسة بعيدة عن هذا الجدل تماماً، وأن رفض القانون أو تمريره، لن يكون بإيحاء من النظام، وإن كان هذا لا ينفي أن رأس النظام سيحاول استغلال ما نجم عنه هذا الصراع فيما بعد، حتى وإن كان بعيداً عن هذه التفاعلات في الوقت الراهن.


[1] عبدالله المصرى، " ما سر التمسك بمشروع قانون حذف الديانة من البطاقات بمصر؟"، عربى21، 13/11/2018، الرابط: https://bit.ly/2zWY981

[2] " نص تقرير الأزهر حول حذف «خانة الديانة» بالأوراق الرسمية"، صوت المسيحى الحر، 24/10/2016، الرابط التالى:  https://www.light-dark.net/t855319

[3] عبدالله المصرى، " ما سر التمسك بمشروع قانون حذف الديانة من البطاقات بمصر؟"، عربى21، 13/11/2018، الرابط: https://bit.ly/2zWY981

[4] عبدالله المصرى، " ما سر التمسك بمشروع قانون حذف الديانة من البطاقات بمصر؟"، عربى21، 13/11/2018، الرابط: https://bit.ly/2zWY981

[5] مدى مصر، البرلمان الأوروبي يدين «الانتهاكات المستمرة للحقوق الديمقراطية في مصر»، 13 ديسمبر 2018، تاريخ الدخول 13 ديسمبر 2018، الرابط: https://bit.ly/2PB6ove

[6] مصر العربية، حملة إعلامية ضد شيخ الأزهر.. و«آل نهيان» يقبل رأسه، 10 ديسمبر 2018، الرابط: https://bit.ly/2S5JJcw

[7] العربي الجديد، ضغوط رئاسية على شيخ الأزهر لدعم تعديل الدستور وزيادة فترات السيسي، 9 ديسمبر 2018، الرابط: https://is.gd/NM57OC

[8] مصراوي، "نصرالدين" يحصل على توقيع 200 نائب على مشروع "حذف خانة الديانة"، 12 ديسمبر 2018، الرابط: https://bit.ly/2UIj1IJ

adminu

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022