القمة الاقتصادية ببيروت وأزمة العمل العربي المشترك

 


القمة الاقتصادية ببيروت وأزمة العمل العربي المشترك

 

انطلقت القمة الاقتصادية والتنموية العربية في دورتها الرابعة في العاصمة اللبنانية، بيروت، 20 يناير ، في ظل غياب معظم القادة العرب، الذين اعتذروا عن المشاركة شخصياً، وأوفدوا ممثلين عنهم. ولم يحضر من القادة سوى أمير قطر، ورئيسى الصومال وموريتانيا.

لقد شهدت القمة حالة من الغياب العربى، وهو ما أظهر فشل لبنان فى التحضير الدبلوماسى للقمة، ويرجع العديد من المراقبين حالة الغياب العربى إلى الضغط الأمريكى على هذه الدول لعدم الحضور إلى القمة من أجل ابعاد لبنان وسوريا عن إيران، خاصة وأن القمة كان من المفترض أن تشهد عودة سوريا، بل تم الحديث عن مشاركة الأسد شخصياً، وهو ما رفضته أمريكا، فأمريكا لا تمانع عودة الأسد إلى الحاضنة العربية ولكن بشرط التخلى عن إيران.

 

 

أسباب الغياب العربى:

الخلاف حول عودة سوريا: على الرغم من حالة الانفتاح العربى على سوريا، التى ظهرت مع زيارة البشير لسوريا، وإعادة فتح سفارة الإمارات والبحرين، وزيارة على مملوك، المستشار الشخصى للأسد، إلى مصر.

 إلا أن هناك خلافات حول موعد عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وهو الخلاف الذى أكده الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد ابوالغيط، فقد أشار فى خطابه عقب اجتماع الوزراء، إلى "أن الموقف العربي تجاه عودة سوريا إلى شغل مقعدها في الجامعة العربية لم ينضج بعد بسبب عدم التوافق بين الدول الأعضاء"[1].

ويتمثل هذا الخلاف فى مطالبة بعض الدول وعلى رأسها لبنان بتعجيل إعادة سوريا إلى الجامعة العربية، فقد أشارت لبنان إلى أن أهم شرط لنجاح القمة الاقتصادية هو وجود سوريا فيها، وبالفعل دعت الرئاسة اللبنانية السفير السوري في لبنان، علي عبد الكريم، لحضور القمة إلا أنه اعتذر، كذلك وقبيل انعقاد هذه القمة تعالت الأصوات اللبنانية القريبة من حزب الله تطالب بعودة سوريا إلى الجامعة العربية بعد تعليق عضويتها لمدة سبع سنوات[2]. ووصل الأمر إلى المطالبة بعدم عقد القمة فى حالة لم تحضر سوريا، فقد دعا رئيس البرلمان اللبنانى، نبيه برى، بتأجيل القمة الاقتصادية حتى تعود سوريا إلى شغل مقعدها فى الجامعة العربية[3]، كما تم توجيه دعوات إلى الرئيس اللبناني، ميشيل عون، بعدم المشاركة في القمة، بحجة أن المستوى متدن، كمحاولة لعدم عقد القمة في بيروت من دون وجود الأسد[4].

وخلال اجتماع وزراء الخارجية بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي التحضيري للقمة، دعا وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل، إلى رفع تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية، وفي سلسلة تغريدات نشرها على (تويتر) عقب الاجتماع الوزاري، قال باسيل أيضاً إن "سوريا هي الفجوة الأكبر في مؤتمرنا"، مضيفاً "أن الدول العربية يجب ألا تنتظر إذناً وسماحاً بعودتها". وذكرت تقارير إعلامية أن باسيل كان يمارس الضغوط بين الدول الأعضاء لدعوة سوريا إلى القمة، لكن القرار النهائي أرجئ حتى انعقاد القمة العربية المقرر عقدها في تونس في مارس المقبل[5].

على الجانب الأخر، ترى العديد من الدول العربية تأجيل عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وأن يتم إرجاء هذا القرار للقمة العربية التى ستعقد بتونس فى مارس المقبل، وهو ما ظهر فى تصريحات وزير الخارجية المصري، سامح شكري، بأن "عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية مرهون بقرار يتخذ من قبل مجلس الجامعة، وتعتمده القمة العربية"[6]. وهناك بعض الدول التى ترفض عودة سوريا إلى الجامعة فى الوقت الحالى، سواء كان ذلك من خلال القمة الاقتصادية أو عبر القمة العربية المقبلة بتونس، وهو ما ظهر فى تصريحات وزير خارجية قطر، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بأن "الأسباب التي أدت إلى تعليق مشاركة سوريا في الجامعة العربية ما زالت قائمة، ولا نرى أي عامل مشجع على عودة سوريا"[7].

الضغوط الأمريكية: يرى العديد من المراقبين أنه من المحتمل أن تكون الولايات المتحدة مارست ضغوطاً على الدول العربية لعدم المشاركة بالقمة الاقتصادية فى بيروت، وتجميد خططها لإعادة فتح سفاراتها في سوريا، وإيقاف محادثاتها حول إعادة إعمار البلاد[8]. وقد كشفت جريدة الأخبار اللبنانية مؤخراً عن برقية أمريكية مرسلة إلى بيروت تطالب لبنان وجميع الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية بالإحجام عن توجيه الدعوة إلى سوريا، وعدم اتخاذ أية خطوات تُساهم في تأمين الموارد المالية للنظام السوري، وعلى سبيل المثال إجراء استثمارات أو إرسال تمويل لإعادة البناء، وإنّ أي دعم مالي أو مادي لنظام الأسد أو الداعمين له قد يكون خاضعاً للعقوبات الأميركية[9].

وتسعى أمريكا من خلف هذه الضغوطات إلى إفشال القمة الاقتصادية، ويجب الإشارة هنا إلى أن الحضور القطرى إلى القمة لا يتعارض مع الضغط الأمريكى لإفشالها، فحضور قطر لم ينقذ القمة من الفشل، كما أن أمريكا تسمح لقطر بنوع من التواصل مع إيران وحلفائها، ربما لاستخدامها فى قادم الأوقات كقناة خلفية للتواصل مع إيران.

وتعتبر محاولة الولايات المتحدة إفشال القمة الاقتصادية جزء من الاستراتيجية الأمريكية فى مواجهة إيران، وذلك من خلال محاربتها على جميع الجبهات السياسية والاقتصادية، فإلى جانب فرض العقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران، تسعى الولايات المتحدة إلى الضغط على حلفائها، ويتمثل ذلك فى: فى لبنان، تسعى أمريكا إلى تقليص نفوذ حلفاء إيران فى الحكومة اللبنانية. فى اليمن، من خلال التوصل إلى وقف إطلاق النار، ولكن دون حل، وهذا يعنى أن تتحول المليشيات الحوثية إلى حكومة مسئولة عن عدم توفر الخدمات أمام المواطنين. فى سوريا، عدم السماح بعودة الأسد منتصراً إلا إذا تخلى عن إيران وحزب الله. إلى جانب حشد الدول العربية ضد إيران من خلال قمة وارسو المزمع عقدها في فبراير القادم .

وفى مقابل هذا الضغط الأمريكى لعدم طرح قضية إعادة إعمار سوريا خلال هذه القمة، فإن القادة اللبنانيين قد وضعوا قضية إعادة الإعمار في سوريا بندًا أساسيًا على جدول أعمال القمة[10].

ضعف التجهيزات الأمنية للقمة: فقد قامت عناصر من حركة أمل التي يتزعمها رئيس البرلمان، نبيه بري، بحرق العلم الليبي والخروج بتظاهرات وتحركات في الشارع وُصفت بالبلطجة، نتج عنها إلغاء ليبيا مشاركتها في أعمال القمة[11]. ويرى العديد من المراقبين أن هذا التحرك جاء بإيعاز من رئيس مجلس النواب الذي أصر على رفض مشاركة ليبيا، بسبب قضية اختفاء مؤسس حركة أمل، موسى الصدر، بعد زيارته ليبيا، واتهام نظام العقيد معمر القذافي بإخفائه[12].

وقد دفع ذلك التصرف العديد من الدول العربية إلى التراجع عن المشاركة فى هذه القمة نتيجة الخوف من إنتقال الأمر من مجرد إحراق الأعلام إلى القيام بمحاولات اغتيالات، خاصة بعد تهديد رئيس البرلمان اللبناني، نبيه بري، بالتصعيد العسكرى في حال مشاركة ليبيا في القمة، إذ قال: «سأقوم بالسادس من فبراير سياسية وغير سياسية، فلا يجربوننا» وذلك في إشارة إلى انتفاضة السادس من فبراير 1984 التي قادَها رئيس حركة «أمل» ضدّ حكم الرئيس أمين الجميل، وأفضت إلى إسقاط اتفاق 17 مايو 1983 مع إسرائيل[13].

الانقسامات الداخلية: يلقى الوضع الداخلي في لبنان بظلاله على القمة الاقتصادية العربية، حيث يسيطر حلفاء إيران على لبنان، فحزب الله هو المسيطر الفعلى عسكرياً من خلال امتلاكه لأسلحة تفوق ما يمتلكه الجيش اللبنانى، وسياسياً من خلال السيطرة على أغلبية مقاعد البرلمان، وهو ما دفع الدول العربية إلى عدم المشاركة كنوع من الاحتجاج على هذا الوضع فى لبنان، ويبدو أن المقاطعة العربية للقمة جاءت بالتفاهم مع رئيسى الجمهورية والحكومة، فقد كان هناك شبه تقاعس أو ربما عدم اهتمام منهما بالقمة، حيث لم يصدروا أى تصريح رسمى لطمأنة الرؤساء والملوك العرب للتأكيد لهم بأن الوضع في لبنان مستتب، وأن الأمن تحت السيطرة، ولا من شيء يدعو للقلق أمنياً[14].

 

الموقف المصرى من القمة:

أثار الغياب المصرى عن حضور القمة حالة من الجدل، خاصة وأن مصر خلال الفترة الماضية كانت من أكثر الدول المتحمسة لإعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية، إلا أنها تراجعت عن حضور القمة، التى كان من المفترض أن تناقش إعادة سوريا إلى الجامعة، وتتمثل أسباب تراجع مصر عن الحضور، إلى جانب الأسباب السابقة، فى:

1- عدم إغضاب الحليف السعودى، فقد أعلن السيسى عن عدم حضوره بعد إعلان السعودية عدم مشاركة الملك سلمان أو ولى العهد، وبالتالى فإن حضور السيسى للقمة قد يثير غضب السعودية، خاصة وأن السيسى قد سبق وأن رفض حضور مؤتمر دافوس الصحراء المنعقد تحت رعاية ولى العهد شخصياً. وبالتالى فإنه على الرغم من مصر تسعى إلى إعادة سوريا إلى الجامعة العربية إلا أن ذلك قد يكون بشرط إعادة العلاقات السورية مع السعودية[15]. 2- أن معظم بنود القمة متعلقة بحقوق الإنسان ومحاربة العنف، وهي أمور لا تعني النظام المصري على الإطلاق[16]، كما أنها ستتناول قضايا اقتصادية تركز بصورة كبيرة على تقديم مساعدات اقتصادية للدول التى تعانى من أزمات مثل سوريا ولبنان، وهو ما لا تقدر مصر على تقديمه. 3- الخوف من حالة الانفلات الأمنى فى لبنان، والتى تمثلت فى حرق العلم الليبى، حيث يخشى السيسى من أن يتطور الأمر من مجرد إحراق الأعلام إلى القيام بمحاولات اغتيال، خاصة وأن هناك حالة غضب كبير لدى كلاً من سوريا ولبنان، بعد إطلاق منتدى غاز شرق المتوسط، الذى شهد وجود إسرائيل، وعدم وجود أى من سوريا أو لبنان، على الرغم من حالة النزاع بين لبنان وإسرائيل على أحد حقول الغاز.



[1] " تحليل إخباري: ماذا وراء عدم التوافق العربي على إعادة سوريا؟"، شبكة الصين، 20/1/2019، الرابط التالى:

http://arabic.china.org.cn/txt/2019-01/20/content_74390195.htm

[2] ميرفت عوف، " هل أفشلت إيران القمة الاقتصادية العربية في بيروت قبل أن تبدأ؟"، ساسة بوست، 20/1/2019، الرابط التالى:

https://www.sasapost.com/reasons-of-the-arab-economic-summit-failure/

[4] حسام كنفانى، " عن "المؤامرة" على القمة"، العربى الجديد، 20/1/2019، الرابط التالى:

https://www.alaraby.co.uk/opinion/2019/1/19/%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A4%D8%A7%D9%85%D8%B1%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%85%D8%A9-1

[5] " تحليل إخباري: ماذا وراء عدم التوافق العربي على إعادة سوريا؟"، مرجع سابق.

[6] المرجع السابق.

[7] المرجع السابق.

[8] المرجع السابق.

[9] " برقية سرية من واشنطن إلى بيروت: ممنوع المُشاركة في إعمار سوريا!"، جريدة الأخبار، 16/1/2019، الرابط التالى:

https://al-akhbar.com/Politics/264743

[10] ميرفت عوف، مرجع سابق.

[12] حسام كنفانى، مرجع سابق.

[13] ميرفت عوف، مرجع سابق.

[14] المرجع السابق.

[16] المرجع السابق.

adminu

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022