تعديلات الدستور في مصر .. ألغام على طريق المستقبل

 


تعديلات الدستور في مصر .. ألغام على طريق المستقبل


في سياق من القمع الوحشي وتشديد القبضة الأمنية على كل شيء، شرع البرلمان الذي شكلته الأجهزة الأمنية في مصر يوم الأحد 03 فبراير 2019م في تمرير حزمة من التعديلات الدستورية تفضي إلى تأبيد حكم زعيم الانقلاب عبدالفتاح السيسي حتى 2034 م لتصل مدة حكمه إلى "20" سنة؛ بمنحه استثناء يسمح له بالترشح فترتين أخريين بعد زيادة كل فترة من 4 إلى 6 سنوات بعد انتهاء ولايته الثانية في 2022م. إضافة إلى منحه صلاحيات مطلقة فوق التي يمارسها فعليا في مخالفة صارخة للدستور الذي تحظر المادة "226" منه تعديل ما يتعلق بفترات الحكم إلا بعد استفتاء شعبي.

ورغم أن حذف نصوص الدستور التي تحول دون استمرار زعيم الانقلاب في الحكم هي العامود الفقري الذي تقوم عليه فلسفة هذه "الترقيعات" إلا أن الأكثر خطورة على الإطلاق هو ما يتعلق بالقوات المسلحة بمنحها مهام جديدة تجعل منها وصيا على الشعب والوطن كله، تحت دعوى "صون الديمقراطية وحماية ما تسمى بثورة 30 يونيو" وبذلك لا يكتفي نظام العسكر بمصادرة الحاضر وتشويه الماضي بل يمتد إلى فرض وصايته على المستقبل بما يهدد بتماسك المجتمع وسلامة بنيته وينذر بصدام بين الشعب والجيش حال قرر الشعب التحرك من أجل إقامة نظام ديمقراطي سليم يتيح المشاركة الواسعة لجميع أبنائه دون إقصاء ونشر الحريات والعدالة بمفهومها الواسع سياسيا واجتماعيا.

التعديلات المقترحة تصل إلى   21  تتضمن إضافة 8 مواد جديدة، وإدخال تعديلات على فقرات بـ 11 مادة، وإلغاء المادتين (212 -213) الخاصتين بإنشاء الهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام.[1] وتستهدف تعديلات الدستور المصري بقاء السيسي في منصبه لمدة 12 عاماً أخرى بعد انتهاء ولايته في 2022، واستحداث مجلس أعلى لجميع الجهات والهيئات القضائية برئاسته، ومنحه صلاحية تعيين رئيس المحكمة الدستورية، ونائبه، واختيار النائب العام من بين ثلاثة يرشحهم مجلس القضاء الأعلى، فضلاً عن اشتراط موافقة الجيش على تسمية رئيس الجمهورية لوزير الدفاع، وإضافة "حماية ما تسمى بمدنية الدولة" إلى اختصاصات المؤسسة العسكرية الدستورية.

 

فلسفة وركائز التعديلات

ترتكز فلسفة عمليات «ترقيع الدستور» التي بدأت منذ الأحد 03 فبراير 2019م، في غرف ودهاليز مجلس النواب المصري تحت إشراف ورعاية المخابرات العامة والأجهزة الأمنية على «4» ركائز أساسية:

 

أولا: التأبيد في الحكم

أولا، تمديد ولاية زعيم الانقلاب عبدالفتاح السيسي إلى "20" سنة  في مخالفة صارخة للدستور الذي نص على عدم جواز ترشح أي مواطن لأكثر من فترتين مدة كل واحدة "4" سنوات" بإجمالي "8" سنوات. حيث تستهدف جريمة «ترقيع الدستور» التي يقوم بها ما يسمى بمجلس النواب حاليا تحت إشراف جهاز المخابرات العامة والأجهزة الأمنية  توثيق عقد زواج كاثوليكي بين جنرال الانقلاب عبدالفتاح السيسي وكرسي الحكم، فمعروف أن الزواج الكاثوليكي ينظر إليه على أنه «علاقة أبدية» لا تنتهي إلا بهلاك أحد الطرفين؛ حتى لو كانت العشرة بينهما مستحيلة، فما عقده الله لا يجوز للبشر أن يحلوه وفق تأويلات الكنيسة. وتمضي عملية ترقيع الدستور حاليا وفق هذه الفلسفة (الزواج الكاثوليكي) التي تجعل العلاقة بين زعيم الانقلاب والرئاسة علاقة أبدية رغم أن السيسي اغتصب الرئاسة بقوة السلاح …

وهذا الترقيع هو مربط الفرس في التعديلات كلها ويخالف مخالفة صريحة نص مادة نافذة وحاكمة هي المادة ٢٢٦ التي تحظر تعديل النصوص المتعلق بإعادة انتخاب الرئيس ، ويحظر عرض هذا التعديل علي الاستفتاء لمخالفته نصا نافذا وحاكما في الدستورإذ تحظر المادة ١٥٧ من الدستور استفتاء الشعب علي ما يخالف نصا نافذا في الدستور.

وبحسب التعديلات التي قدمها نواب ائتلاف دعم مصر، تقترح تعديل المادة (140) بتمديد فترة الرئاسة إلى ست سنوات بدلاً من أربع. واستبدال عبارة «لا يجوز أن يتولى الرئاسة لأكثر من مدتين رئاسيتين متتاليتين»،  بدلًا من «لا يجوز إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة». وإضافة مادة انتقالية «يجوز لرئيس الجمهورية الحالي عقب انتهاء مدته الحالية إعادة ترشحه على النحو الوارد بالمادة المُعدَّلة من الدستور». وهي فلسفة لا تسمح فقط بمنح السيسي حق الاستمرار في الحكم 12 سنة إضافية بل يمكن له  أن يحكم لأكثر من ذلك إذا جاء بعده رئيس صوري مثل "عدلي منصور" في إطار ترتبيات عليا داخل السلطة كما حدث في روسيا بين فلاديمير بوتين ومدفيديف. لأن الحظر انتقل من الصيغة المطلقة (لا يجوز إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة" إلى حظر "فترتين متتاليتين"!

 

ثانيا:الجيش وصيا على الشعب

وترتكز جريمة "الترقيع" ثانيا على مزيد من توريط المؤسسة العسكرية في المجال السياسي وجعلها وصيا على الشعب والوطن بإضافة مهام شديدة الخطورة تجعله فوق كل السلطات، على غرار الجيش التركي في مرحلة ما قبل أردوغان، حيث كان الجيش "حامي العلمانية" وهو ما مكنه من تنفيذ خمسة انقلابات عسكرية ضد حكومات منتخبة بدعوى "حماية العلمانية".

وينص التعديل المقترح في الدستور المصري على المادة (200) أن من ضمن مهام القوات المسلحة "صون الدستور والديمقراطية، والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها، ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد". وكان الصحفي ياسر رزق المقرب من السيسي والجيش قد كتب مقالا في ديسمبر/كانون الأول الماضي، اقترح فيه عدة تعديلات دستورية، من بينها النص على دور الجيش في حماية ما أسماها بأهداف "ثورة 30 يونيو" في إشارة إلى مظاهرات خرجت ضد الرئيس محمد مرسي ومهدت الطريق للسيسي (وزير دفاعه آنذاك) لقيادة انقلاب عسكري أطاح بالرئيس المنتخب ديمقراطيا بعد عام واحد من وصوله إلى السلطة.

ولا تقتصر ميزات الجيش في التعديلات الجديدة على ذلك، بل تجعل اختيار وزير الدفاع من صلاحية الجيش، حيث نصت (مقترحات المادة 234)على تعيينه بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة. كما نصت التعديلات المقترحة التي تم تداولها على محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية في حال الاعتداء على منشآت عسكرية أو ما في حكمها، حيث حذفت كلمة "اعتداء مباشر" في المادة (204) لتصبح مجرد اعتداء، مما يفتح الباب أمام المزيد من المحاكمات العسكرية للمواطنين.[2]

عملية "الترقيع" إذا، بتبني فلسفة جعل الجيش وصيا على الشعب والوطن كله، وبذلك يتم تطويع الدستور  لتمييز القوات المسلحة وجعلها  مؤسسة فوق  الدستور وفوق الشعب ذاته بدعوى (صون الدستور والديمقراطية والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها ومكتسبات الشعب وحقوق الأفراد وحريات الأفراد) وهي صياغة مطاطة تمنح الجيش صلاحيات تفسير الوضع السياسي وفق هوى كبار الجنرالات والانقلاب مستقبلا على أن توجهات شعبية نحو إقامة نظام ديموقراطي حقيقي.

ومكمن الخطورة في هذا الترقيع أيضا  أنه يكرس حالة الحزبية التي تمارسها القوات المسلحة والتي تحولت من جيش لعموم الشعب إلى حزب سياسي يدافع عن مصالحه الخاصة ويتم تطويع الدستور ذاته لخدمة هذه المصالح وتقنين هذا الشذوذ والانحراف.  بما يورط القوات المسلحة في صدامات دموية مع الشعب مستقبلا  إذا تطلع نحو إقامة نظام ديمقراطي حقيقي يقوم على المشاركة الشعبية الواسعة وعدم الإقصاء والتمييز  والاحتكام إلى صناديق الاقتراع للحكم بين القوى والأحزاب المختلفة.

 

صلاحيات مطلقة وتطويع القضاء

وترتكز جريمة "الترقيع" ثالثا على  منح جنرال الانقلاب صلاحيات مطلقة لم يحصل عليها أي رئيس أو ملك أو فرعون من قبل وتحقيق التطويع الكامل للسلطة القضائية لتكون تحت ولاية مباشرة لرئيس الانقلاب.

ولتحقيق المزيد من بسط الهيمنة على سلطات الدولة، فإن التعديلات المقترحة على المواد (185/189/190/193) والتي تتعلق بالسلطة القضائية، تتضمن تشكيل مجلس أعلى للجهات والهيئات القضائية برئاسة السيسي، على أن يتولى هذا المجلس تعيين وترقية وندب القضاة، فضلا عن النظر في القوانين المقترحة لتنظيم عمل الهيئات القضائية.

إلى ذلك، فإن التعديلات المتوقعة ستعطي السيسي حق اختيار النائب العام من بين ثلاثة مرشحين، بعد أن كان الاختيار من حق المجلس الأعلى للقضاء، وهو ما ينطبق أيضا على رئيس المحكمة الدستورية الذي كان يٌعين بالأقدمية المطلقة، لكن أصبح الآن من حق السيسي الاختيار من بين أقدم خمسة نواب لرئيس المحكمة.

كما تتضمن التعديلات أيضا تقليص صلاحيات القضاء الإداري الذي كان يلجأ إليه النشطاء في مخاصمة الحكومة، حيث اقترحت التعديلات إلغاء اختصاص مجلس الدولة بالمراجعة "الإلزامية" لجميع مشروعات القوانين قبل إصدارها، والاكتفاء بإبداء الرأي فيما يطلب منه، وبالتالي يصبح عرض القوانين والاتفاقيات على القضاء الإداري غير ملزم للبرلمان، وهي الإشكالية التي تعرض لها البرلمان بعد الموافقة على اتفاقية جزيرتي تيران وصنافير، والتي حكم القضاء الإداري ببطلانها.

 

رابعا:«رشوة المحاسيب»

وترتكز فلسفة هذه التعديلات أيضا على رشوة المحاسيب وشبكة المصالح حتى يكون لديهم الدافع للدعاية لهذ الترقيعات المشبوهة والمشاركة فيها بقوة؛ حيث تتضمن المقترحات تعديل المادة (102) بإضافة فقرة تنصّ على أن «يخصص بما لا يقل عن ربع عدد المقاعد للمرأة». والمادة (243) الخاصة بتمثيل ملائم للعمال والفلاحين والتي كانت مقررة لأول مجلس للنواب بعد إقرار الدستور. وتأبيد كوتة الأقباط والشباب وذوي الاحتياجات الخاصة وفق المادة "244" . كما تضمن المقترحات مادة مقترحة بتشكيل ما يسمى بمجلس الشيوخ بديلا لمسمى مجلس الشوري القديم. وهو مجلس بلا صلاحيات حقيقية ينتخب ثلثاه ويعين الرئيس الثلث  الباقي؛ لرشوة المحاسيب والطامعين والمتزلفين للنظام. كما تتضمن إضافة مادة جديدة بتعيين نائب للرئيس أو أكثر وهو ما يستهدف ضمان سيطرة الجنرالات إذا على الأرجح فإن من يتولى هذا المنصب يكون جنرالا وفق تجارب النظام العسكري سابقا مع عبدالناصر الذي كان السادات نائبا له والسادات الذي عين مبارك نائبا له ، ومبارك الذي عين عمر سليمان نائبا له في الأيام الأخيرة من حكمه أثناء ثورة 25 يناير.

 

تاريخ مصر الدستوري

وباستعراض تاريخ مصر الدستوري، فلم يكن بها  دستور يحكمها قبل عام 1805 إذ كانت  ولاية عثمانية قبل أن يستفرد بها الضابط الألباني محمد علي باشا (1805) بعد ثورة شعبية قادها زعيم الأشراف عمر مكرم، أحد علماء الأزهر الشريف، ضد الوالي الظالم خورشيد باشا، وفي سنة 1882عرفت مصر أول دستور في عهد الخديو توفيق باشا، ولكن سرعان ما ألغته سلطات الاحتلال الإنجليزي وحولت مصر إلى مقاطعة تحت ولاية الإمبراطورية البريطانية.

المحطة الثانية في تاريخ مصر الدستوري، جاءت مع انطلاق شرارة ثورة 1919م، حيث استمرت البلاد تحت الاحتلال جتى اندلعت الثورة التي قادها سعد زغلول باشا ولفيف من علماء الأزهر الشريف وواصل المصريون ثورتهم الشعبية العارمة ضد الاحتلال البريطاني حتى أجبروا الإنجليز على القبول باستقلال  نسبي وتقليص نفوذ الوجود الإنجليزي وتدخلاته السافرة في شئون الحكم، حتى تم إقرار أول دستور للبلاد، سنة  1923، وظل معمولا به حتى سنة 1930، إذ تم إلغائه، من جانب حكومة إسماعيل باشا صدقي في عهد الملك فؤاد ومع جهاد المصريين ونضالهم عاد العمل به ثانية في ديسمبر عام 1935، وظل هكذا حتى عام 1952م.

المحطة الثالثة جاءت بعد انقلاب حركة الضباط في 23 يوليو 1952م، حيث صدر أول إعلان دستوري في 10 ديسمبر سنة 1952 أعلن فيه العسكر إسقاط أول دستور شعبي للبلاد والغريب أن هذا الاعتداء السافر جاء بدعوى أنه "باسم الشعب" ووصف هذا الدستور العظيم من جانب العسكر بأنه مليء بالثغرات وذلك لتبرير الاعتداء السافر عليه. وتكونت لجنة في 13 يناير 1953 في تكوين لوضع مشروع دستور جديد على أن تراعي الحكومة في أثناء تلك الفترة الانتقالية المبادئ الدستورية العامة. وتحددت فترة الانتقال، في 15 يناير سنة 1953، بثلاث سنوات، وفي 10 فبراير سنة 1953 صدر إعلان دستوري ثان متضمنا أحكام الدستور المؤقت للحكم خلال فترة الانتقال، وفي 18 يونيو 1953 ألغيت الملكية في مصر وأعلن النظام الجمهوري. ومع نهاية الفترة الانتقالية صدر في 16 يناير من 1956 إعلان دستوري مبشرا بدستور جديد، إلا أن العمل ظل مستمرا بالإعلان الدستوري الصادر في 1953 حتى أجري استفتاء في 23 يونيو 1956 كانت نتيجته بدء العمل بدستور 1956. وفي عام 1958، وإثر قيام الجمهورية العربية المتحدة باتحاد سوريا ومصر أعلن دستور الوحدة في مارس من ذاك العام، واستمر العمل به حتى 25 مارس1964، أي بعد سقوط الوحدة بثلاث سنين وبضعة أشهر، عندما صدر دستور مؤقت لمصر التي بقيت تعرف رسميا باسم "الجمهورية العربية المتحدة".

أما المحطة الرابعة، فبعد ترك مصر لاسم "الجمهورية العربية المتحدة"، أعُلن في 11 سبتمر عام 1971 عن دستور جديد عُرف بدستور "1971" والذي جرى عليه تعديل أيضا في عام 1980. حيث قدمت فايدة كامل، عضو مجلس الشعب، اقتراحا بتعديل المادة 77 من الدستور، يسمح للرئيس السادات بأن يبقى رئيسا للجمهورية لمدد غير معلومة، وكانت المادة 77 تنص على أن مدة رئيس الجمهورية 6 سنوات ويجوز أن تجدد لمده واحدة أخرى. فجاء طلب التعديل بإلغاء حرف الهاء من كلمة مده واستبدالها بحرف الدال فيصبح التجديد لمدد أخرى.  وجاءت نتيجة الاستفتاء  الذي تم تزويره بالطبع «نعم» للتعديلات الدستورية بـ 11 مليون صوتًا، فيما رفض التعديلات 60 ألف شخصًا، وصفهم الرئيس محمد أنور السادات آنذاك بـ"العناصر الشاذة، حسبما قال في كلمته التي ألقاها في سبتمبر 1981، أي قبل اغتياله بشهر، أثناء احتفالات نصر أكتوبر عام 1973.

المحطة الخامسة هي مجموعة التعديلات التي أجريت على دستور 71 في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، ففي عام 2005 جرى تعديل لينظم اختيار رئيس الجمهورية بانتخابات مباشرة، فيما عرف بتعديل المادة 76، والتي جرت على إثرها أول انتخابات رئاسية في مصر. فمع بداية عام 2005 تصاعدت حدة الأصوات المطالبة بالإصلاحات الديمقراطية، وتراوحت مطالبها ما بين إدخال تعديلات على البنية الدستورية والتشريعية للحياة السياسية في مصر، ومعارضة التجديد لمبارك لفترة رئاسية خامسة، ومواجهة احتمالات توريث السلطة لابنه جمال، أمين السياسات والأمين العام المساعد بالحزب الوطنى الديمقراطى الذي كان مسيطراً على الحكم؛ وبناء على ذلك أعلن مبارك في فبراير 2005 عن مبادرة لتعديل المادة (76) من الدستور، بحيث يكون انتخاب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع السرى العام المباشر من جميع أفراد الشعب الذين لهم حق الانتخاب، بدلاً من اختيار رئيس الجمهورية بطريق الاستفتاء، بعد ترشيح مجلس الشعب لشخص واحد للرئاسة.

لكن التعديل الأبرز بدأ مع نهاية 2006 م حيث أرسل مبارك  طلبًا إلى مجلسي الشعب والشورى لإجراء تعديلات على الدستور تتضمن 34 مادة، ووضع شروطًا دستورية «مجحفة» تنطبق عليه وعلى ابنه جمال مبارك فقط، ما وصف حينها من قبل المعارضة بـ«تمهيد الطريق لتوريث السلطة إلى جمال مبارك». ووافق مجلس الشورى على التعديلات الدستورية المطروحة في 13 مارس 2007، كما وافق مجلس الشعب في 19 مارس 2007 بالأغلبية. و في 26 مارس 2007 جرى استفتاء تم تزويره بعنف وبموجبه عُدِّل الدستور مرة أخرى، بعد موافقة 75.9% من الناخبين، في تصويت ليوم واحد، وهو ما وصفه المعارضون لتعديل الدستور بـ"الثلاثاء الأسود". وشملت التعديلات حذف الإشارات إلى النظام الاشتراكي للدولة، ووضع الأساس الدستوري لقانون الإرهاب (المادة 179). ونصت المادة 76 من الدستور، بعد التعديل: «ينتخب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع السري العام المباشر. وألزمت لقبول الترشيح لرئاسة الجمهورية أن يؤيد المتقدم للترشيح مائتان وخمسون عضوا على الأقل من الأعضاء المنتخبين لمجلسى الشعب والشورى والمجالس الشعبية المحلية للمحافظات، على ألا يقل عدد المؤيدين عن 65 من أعضاء مجلس الشعب وخمسة وعشرين من أعضاء مجلس الشورى، وعشرة أعضاء من كل مجلس شعبى محلى للمحافظة من أربع عشرة محافظة على الأقل.

ويزداد عدد المؤيدين للترشيح من أعضاء كل من مجلسى الشعب والشورى ومن أعضاء المجالس الشعبية المحلية للمحافظات بما يعادل نسبة ما يطرأ من زيادة على عدد أعضاء أي من هذه المجالس، وفي جميع الأحوال لا يجوز أن يكون التأييد لأكثر من مرشح، وينظم القانون الإجراءات الخاصة بذلك كله. ولكل حزب من الأحزاب السياسية التي مضي على تأسيسها خمسة أعوام متصلة على الأقل قبل إعلان فتح باب الترشيح‏،‏ واستمرت طوال هذه المدة في ممارسة نشاطها مع حصول أعضائها في آخر انتخابات على نسبة‏ (3%)‏ على الأقل من مجموع مقاعد المنتخبين في مجلسي الشعب والشوري‏،‏ أو ما يساوي لك في أحد المجلسين‏،‏ أن يرشح لرئاسة الجمهورية أحد أعضاء هيئته العليا وفقا لنظامه الأساسي متي مضت على عضويته في هذه الهيئة سنة متصلة على الأقل‏. واستثناء من حكم الفقرة السابقة‏،‏ يجوز لكل حزب من الأحزاب السياسية المشار إليها‏،‏ التي حصل أعضاؤها بالانتخاب على مقعد على الأقل في أي من المجلسين في آخر انتخابات‏،‏ أن يرشح في أي انتخابات رئاسية تجري خلال عشر سنوات اعتبارا من أول مايو‏2007،‏ أحد أعضاء هيئته العليا وفقا لنظامه الأساسي متي مضت على عضويته في هذه الهيئة سنة متصلة على الأقل»‏.‏

هذه التعديلات المجحفة التي تمت على مقاس مبارك ونجله،  لم يستفد منها أي منهما؛ إذ اندلعت ثورة 25 يناير في عام 2011، وتنحى مبارك على إثرها عن الحكم، لتشهد البلاد عهد جديد من الدساتير.

وترتبط المحطة السادسة بمرحلة ما بعد  ثورة 25 يناير وتنحي مبارك حيث كلف المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي تولى حكم البلاد لفترة انتقالية،  لجنة لإدخال بعد التعديلات الدستورية، وتم عرضها على الشعب للاستفتاء في 19 مارس عام 2011،  وسط مشاركة شعبية واسعة في ظل منافسة شرسة بين القوى السياسية التي تمتعت بالحرية الكاملة لأول مرة في تاريخها. انتهت نتيجة الاستفتاء الذي عرف بالطوابير الشعبية الطويلة والممتدة بموافقة الأغلبية على التعديلات، فأصدر المجلس  الأعلى للقوات المسلحة في يوم 30 مارس إعلانا دستوريا من 63 مادة مشتملاً على أغلب التعديلات التي تم اقرارها في الاستفتاء بالإضافة إلى بعض المواد الأخرى، ورغم أنها مواد لم تكن محل خلاف إلا أن الإجراء الذي قام به المجلس العسكري أثار كثيرا من الانتقادات.

المحطة السابعة، هي دستور الثورة "2012" فلأول مرة في تاريخ مصر يتم انتخابات جمعية تأسيسية للدستور عبر البرلمان المنتخب بنزاهة وشفافية شهد بها الجميع، بناء على استفتاء 19 مارس  الذي حسم المسألة بأن يقوم البرلمان المنتخب باختيار أعضاء هذه الجمعية لوضع الدستور الجديد، كما نصت على أن يبدأ العمل على صياغة دستور جديد لمصر، بعد انتهاء الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأولى في مصر بعد الثورة. وبعد الانتخابات الرئاسية  الوحيدة التي يمكن وصفها بالنزيهة وفوز محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين بحكم البلاد، تم عرض مشروع الدستور للاستفتاء على مرحلتين يومي 15 و22 ديسمبر 2012، وتم إقراره بموافقة نحو 64 % واعتراض 36 % من الذين ذهبوا للجان الاقتراع (32.9 %) وسط مشاركة شعبية واسعة من الجميع دون إقصاء لأحد أو مقاطعة من أحد.

المحطة الثامنة، إلغاء دستور الثورة،وتمرير دستور الثورة المضادة؛ فلم تقبل أركان الدولة العميقة ومؤسسات دولة مبارك والقوى العلمانية التسليم بنتائج الديمقراطية التي شهد الجميع بنزاهتها وتآمر هؤلاء على المسار الديمقراطي ودبر الجيش انقلابا دمويا على الرئيس المنتخب ودستور الثورة مدعوما برعاية أمريكية وإسرائيلية وبتمويل خليجي رهيب وصل إلى عشرات المليارات من الدولارات وفي 03 يوليو 2013م تم إعلان بيان الانقلاب وتجميد العمل بدستور الشعب. وجيء بعدلي منصور رئيس المحكمة الدستورية رئيسا مؤقتا وتم تشكيل لجنة من 10 خبراء قانونيين لتعديل الدستور، وأنهت لجنة العشرة عملها في 20 أغسطس 2013، لتشكل لجنة الخمسين في 1 سبتمبر 2013 كثاني خطوات تعديل الدستور، وبدأت اللجنة أعمالها في 8 سبتمبر 2013، ووضعت مسودة الدستور بعد 60 يوماً من هذا التاريخ، إذ صاغت المواد التي كانت محل خلاف في دستور 2012 لتنحاز لصيغة القوى العلمانية وأركان الدولة العميقة وسط مقاطعة كامل من أكبر الأحزاب والقوى السياسية. وعرضت المسودةللاستفتاء الشعبي في يناير 2014، والذي شهد عزوفا كبيرا مقارنة بالإجراءات السابقة في مرحلة ما قبل الانقلاب وجاء النتيجة موافقة 98.1%  وذلك لأن الدستور تم تمريره من جانب تيار واحد بقوة السلاح وتوظيف مؤسسات الدولة وسط تنكيل واسع بأنصار الرئيس المنتخب من الإسلاميين وثوار 25 يناير.

 



[1] أحمد علي/"تشمل 21 مادة".. ننشر تقرير اللجنة العامة للنواب عن تعديل الدستور/ مصراوي الثلاثاء 05 فبراير 2019

 

[2] ليس فقط تخليد السيسي بالحكم.. توقعات بتعديلات غير مسبوقة لدستور مصر/الجزيرة نت 04فبراير 2019

 

adminu

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022