السيسي وتوريط المؤسسة الدينية في ضلاله السياسي.. .الحملة على  تركيا نموذجا

يراد للأزهر الشريف ومشيخته وهيئة كبار علمائه أن يكونوا كباقي فروع المؤسسة الدينية كدار الإفتاء ووزارة الأوقاف والكنيسة الأرثوذوكسية وباقي الكنائس، يراد له من جانب الطاغية عبدالفتاح السيسي وأجهزته الأمنية أن يكون مانح البركة لسياسات النظام القمعية وإضفاء مسحة من الشرعية الدينية على مواقفه السياسية  الشائنة التي يمكن أن تصل أحيانا حد التواطؤ والخيانة والتفريط في السيادة الوطنية ومساندة الجبابرة والظالمين على حساب الأقليات المسلمة في عدد من دول العالم. فالنظام حريص كل الحرص على توريط الأزهر والمؤسسة الدينية بشقيها الإسلامي والمسيحي في ضلاله السياسي وتوظيفها لدعم سياساته مهما كان حد الاختلاف حولها، ومهما كان شذوذها وانحرافها، وآخر هذه الفخاخ الموقف من الدعم التركي للحكومة الشرعية في ليبيا والمعترف بها دوليا، والتي وظَّف النظام العسكري الانقلابي المؤسسة الدينية لدعم ومساندة موقفه السياسي دون اعتبار لمصالح مصر والعرب والمسلمين ودون حتى أن تقوم هذه الهيئات الدينية بوضع تصوراتها عن هذه القضية وتكييفها  من زاوية شرعية؛ على اعتبار أن الحكم فرع عن تصوره كما يقول علماء الأصول؛ لكن هذه التصورات قامت بها الأجهزة الأمنية، وحيل بين المؤسسة الدينية ومناقشة هذه التصورات كما حيل بين استقلالها جبال متراكمة من الطغيان أقامها الحكام أو حتى القابلية للاستبداد من جانب شيوخ هذه المؤسسات، وكان من الأولى لهذه المؤسسات الدينية النأي بنفسها عن القضايا السياسية الشائكة باعتبارها مؤسسات علمية دعوية وليست سياسية. يكشف الفخ الذي وقعت فيه هيئة كبار العلماء  ــ رغما عنها أو بإرادتها ــ  موقف سلطة السيسي وأجهزته الإعلامية من بيانين للأزهر: الأول صدر في النصف الثاني من ديسمبر 2019 حول اضطهاد الحكومة الصينية لمسلمي الأويجور، ووضع الملايين في معسكرات اعتقال لإجبارهم على ترك الإسلام.  والثاني صدر في 4 من يناير 2020  لدعم موقف النظام من المساندة التركية للحكومة الشرعية ضد عدوان الجنرال خليفة حفتر الذي يتواصل منذ شهر إبريل 2019م وأفضي إلى مقتل المئات وإجبار مئات الآلاف على ترك بيوتهم ومنازلهم. ففي حين رحبت السلطة ببيان هيئة كبار العلماء حول دعم سياسات النظام ضد تركيا وليبيا، ونشرته على نطاق واسع عبر الفضائيات والصحف والمواقع التابعة لها وعبر كتائبها الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي، في سياق توظيف النظام للأزهر في خدمة أهدافه السياسية؛ فإن رؤساء تحرير الصحف والمواقع الإلكترونية ومديرو القنوات التلفزيونية وعددا كبيرا من الإعلاميين تلقوا تعليمات من جهازي المخابرات العامة، والأمن الوطني، بمنع نشر بيان الأزهر الشريف صباح السبت 21 ديسمبر، أو حتى التعليق عليه والذي يتضامن فيه مع المضطهدين دينياً حول العالم، بالتزامن مع الاحتفال باليوم العالمي للتضامن الإنساني الذي يوافق 20 ديسمبر من كل عام. التوجيهات وصلت من ضباط بارزين في المخابرات والأمن الوطني عبر تطبيق “واتسآب”، تشدد على “منع نشر بيان الأزهر”، مبررة القرار بالعلاقات الجيدة التي تجمع بين النظامين المصري والصيني، على الرغم من أن بيان الأزهر لم يُشر صراحة إلى معاناة أقلية “الأويجور” المسلمين في الصين، وهو ما التزمت به جميع الصحف والفضائيات حتى إن موقع مبتدأ التابع لجهاز المخابرات العامة اضطر إلى حذف الخبر بعد نشره بمجرد أن جاءته التعليمات الأمنية.  ويعلم الأزهر وتعلم هيئة كبار علمائه ودار الإفتاء والأوقاف أن نظام السيسي كان قد شن حملة اعتقالات وتضييق على الطلاب الأويجور المسلمين الذين كانوا يدرسون بالأزهر الشريف  حيث تم اعتقال الآلاف  وترحيل المئات منهم استجابة لطلب الحكومة الصينية سنة 2018م. وهو العام الذي بلغت فيه حجم التجارة بين القاهرة وبكين حوالي 13.8 مليار دولار. ورغم أن بيان الأزهر لم يصرح مطلقا بالصين ودعا فقط احتواء الدول والحكومات للأقليات الدينية إلا أن نظام السيسي استكثر نشر بيان لدعم المسلمين المضطهدين في الصين! والغريب أن مجلة فورين بوليسي، رصدت في تقرير مبكر لـ”روبرت سبرنجبورج” -وهو أستاذ العلوم السياسية بقسم شؤون الأمن القومي في الكلية البحرية الأمريكية وباحث متخصص في العسكرية المصرية- في سبتمبر 2014 هذا “التديين للسياسة”، يقول الكاتب إنه “يتوقع أن يستخدم السيسي الدين لإضفاء صبغة شرعية على حكمه الدكتاتوري، وهو ما لم يلحظه المراقبون الغربيون” على حد قوله. ويضيف: “أصبحت المؤسسات الإسلامية في مصر في عهد السيسي أكثر من مجرد أدوات دعم للنظام؛ بل أضحت جزءًا من الطغيان نفسه، ومن المفارقات في حملة السيسي ضد التطرف الإسلامي، أن هذه الحملة نفسها هي نوع من التطرف الديني”. المشكلة أن هؤلاء الذين هاجموا التيارات الإسلامية وقالوا “لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين”، لا يجدون غضاضة الآن في استخدم الدين لدعم السياسات الجديدة المتبعة وتبرير القمع باسم الله، كما كانت تفعل الكنيسة في دعمها لملوك الغرب في العصور الوسطى، ولا يعترضون على “تديين” السياسة، ما يضفي هالة دينية “شرعية” على كل ما يصدر عن السيسي وحكومته.   قراءة في بيان الهيئة بيان هيئة كبار العلماء يأتي في أعقاب رفض نظام السيسي  توقيع مذكرتي تفاهم بين الحكومة التركية وحكومة الوفاق الليبية برئاسة فائز السراج. الأولى تتعلق برسم الحدود البحرية لضمان حقوق البلدين في ثروات الغاز الضخمة التي يضمها شرق البحر المتوسط، وهي الاتفاقية التي تصب أساسا في صالح مصر وترد لها 7 آلاف كم مربع على الأقل من حقوقها البحرية التي تمتلئ بالغاز  والتي تنازل عنها السيسي للصهاينة والقبارصة واليونانيين، ولا تمس مطلقا حدودها البحرية كما صرح مسئولون بحكومة السيسي. والثانية تتعلق بالتعاون العسكري،  لدعم الحكومة الشرعية ضد عدوان الجنرال الدموي خليفة حفتر المدعوم من تحالف الثورات المضادة في مصر والسعودية والإمارات إضافة إلى فرنسا.  وفي أعقاب موافقة البرلمان التركي الخميس 2 يناير2020  على طلب الحكومة إرسال قوات عسكرية إلى طرابلس لدعم حكومة  الوفاق المعترف بها دوليا ثارت ثائرة عواصم تحالف الثورات المضادة في القاهرة والرياض وأبو ظبي. وإذا كانت المخاوف من توريط المؤسسة العسكرية المصرية  في ملف ليبيا استحوذ على كل المراقبين والمهتمين بالشأن السياسي في أعقاب حملة الدعاية الواسعة التي شنتها الآلة الإعلامية لنظام 30 يونيو العسكري من أجل التسويق لتدخل عسكري في ليبيا  تحت مزاعم الدفاع عن الأمن القومي، فإن النظام قد ورط بالفعل المؤسسة الدينية في سيل من الفتاوى والبيانات السياسية التي تنحاز لقرار السلطة وتبرر تصرفها وتضفي عليه مسحة دينية تبارك هذه السياسيات بعيدا عن مدى مشروعيتها أو حتى مناقشة ما يمكن أن تحققه من مصالح أو تلحقه من خسائر للبلاد؛ وذلك في إطار تصعيد الحملة على تركيا والمبالغة في العداء حدا افتعال معركة وهمية  ضمن إطار  السياسات الهروبية للنظام من مواجهة تداعيات الفشل في ملف سد النهضة الذي يهدد الأمن القومي المصري بعنف وشدة،  وكذلك للتغطية على فشل النظام في كثير من الملفات السياسية والاقتصادية الأخرى. الجديد في مسألة توريط المؤسسة الدينية هذه المرة وتوظيفها سياسيا لإضفاء مسحة دينية على سياسات النظام وشرعنتها وإكسابها بعدا دينيا هو  توريط هيئة كبار العلماء التابعة للأزهر الشريف، والتي طالما نأت بنفسها عن التورط…

تابع القراءة

مستقبل التصعيد المصري التركي في ليبيا..قراءة في التطورات والمآلات

تصعيد إعلامي وسياسي كبير تقوده الأجهزة المصرية ضد تركيا، معه يبدو أن حرباً ستقع بين البلدين الكبيرين على الأراضي الليبية قد يمتد إلى مناطق أخرى أو أهداف في البحر المتوسط، إثر إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تقديم الدعم العسكري والسياسي لحكومة الوفاق الليبية–المعترف بها دوليا وفق اتفاق الصخيرات- بعد طلب من حكومة ليبيا، ثم تصويت البرلمان التركي على القرار بالموافقة، تلاه إعلان أردوغان بدء إرسال وحدات عسكرية لليبيا.   غضب متصاعد وعلى الرغم من توقيع الحكومة الليبية اتفاقات أمنية وسياسية سابقة مع فرنسا وإيطاليا فيما يخص الهجرة غير الشرعية ومكافحة الإرهاب، وأيضا اتفاقا مع أمريكا التي تتواجد قواتها ضمن قوات “أفريكووم” التي تواجه تنظيم داعش على الأراضي الليبية.ثار غضب بعض الأطراف الدولية ومصر..فأعلنت بعض الأطراف الدولية عن استيائها من الخطوات التركية. حيث أدان الاتحاد الأوروبي القرارات التركية، وهو أيضا ما دفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى التحذير من أي “تدخل أجنبي” في ليبيا، وذلك على الرغم من أن  أردوغان أكد أن هدف تركيا ليس “القتال” بل “دعم الحكومة الشرعية وتجنّب مأساة إنسانية”. في غضون ذلك، تعالت حملات التصعيد بجميع النوافذ الإعلامية المصرية، بجانب حملات السوشيال التي راهنت من خلالها لجان السيسي الإلكترونية على الحشد الوطني خلف الجيش، وتصوير الأمر على أنه حرب شاملة ستقدم عليها مصر، وأن من يتراجع عن الوقوف وراء الجيش فهو خائن، ما أثار توترا كبيرا في بعض الدوائر  السياسية والعسكرية والمدنية ودوائر صناعة القرار، وهو على ما يبدو أغضب المؤسسة العسكرية، بصورة أكبر. وعلى ما يبدو أنها انتقدت أداء الرئاسة في الملف الليبي، وهو ما دفع السيسي نحو إعادة الفريق محمود حجازي، رئيس أركان الجيش الذي أقاله عقب مذبحة الواحات 2017، ليكون مسئولا عن الملف الليبي، بل صعدت الدوائر العسكرية الغاضبة من أداء دائرة السيسي الإعلامية بعض الوجوه التي تبدو عاقلة وتتحدث برشد عن خطورة التصعيد العسكري، مثل السياسي المعروف من قربه من الدوائر الاستخبارية سمير غطاس، ليؤكد عبر برامج تلفزيونية أن المواجهة العسكرية غير واردة، وأنه لا حل إلا الحل السياسي بليبيا. وعلى عكس التراجع السياسي، استمر التصعيد العسكري، فأجرت مصر تدريبات عسكرية كبيرة، ضمن عملية برمائية كاملة بإحدى مناطق البحر المتوسط،  وسبق ذلك اجتماع للسيسي مع قيادات أفرع القوات المسلحة المصرية.     تطور آخر، وعلى عكس التقارب المصري اليوناني القبرصي ضد تركيا، يسود استياء مصري صامت من إقدام دول إسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا على توقيع اتفاق تمديد خط أنابيب لنقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا، يمر بعيدا عن مصر، ما يحرمها من أية عوائد مالية، وهو ما قد يفسر تراجع التصعيد المصري الذي كان متسارعا قبل أيام، نكاية في اليونان، وقبرص، التي منحتها مصر مساحات كبيرة من المياه الإقليمية والاقتصادية المصرية، في اتفاق ترسيم الحدود البحرية، وهو ما تراه أوساط سيادية انتقاصا من حدود مصر، حيث بدت أصوات بوزارة الخارجية المصرية، وخاصة في الدوائر القانونية بالخارجية، تؤكد أن اتفاق ترسيم الحدود التركية الليبية في صالح مصر، كونه يمنح مصر نحو 41 ألف كلم، في حال تطبيق المنهج التركي في ترسيم الحدود مع اليونان، الذي ما زال معلقا، بسبب رفض وزارة الخارجية المصرية والاستخبارات العامة  إقرار مذكرة التفاهم التي عرضتها اليونان على القاهرة. وعلى الرغم من الغضب المصري من اليونان وقبرص، جاءت القمة الرباعية لوزراء خارجية فرنسا واليونان وقبرص ومصر بالقاهرة، الأربعاء 8 يناير، والتي انتهت بانتقادات دبلوماسية لتركيا، وتحركاتها بمنطقة شرق المتوسط، إلا أنها فتحت الباب أمام تركيا، بالتأكيد على أن الحل السياسي في ليبيا هو الحل الأمثل، مع الاتفاق على عقد  اجتماع قادم في مدينة كريت اليونانية، مشددين علي ضرورة احترام الحقوق الخاصة بالدخول في منطقة شرق المتوسط  وتطبيق قانون المنطقة البحرية، مع كامل الإدانة لاستمرار تركيا لممارساتها في المنطقة الاقتصادية في قبرص ومياهها الإقليمية، منددين بقرار إرسال قوات إلى ليبيا، مؤكدين إنها تنذر بحالة خطيرة من اختراق قرار الأمم المتحدة رقم 2259، وسيمثل تهديدا لاستقرار المنطقة وأمنها، مشيرين إلى دعمهم للحوار الذي دعا له مؤتمر برلين.   أسباب الخلافات التركية المصرية وفق الدوائر السياسية، فالجانب المصري ينظر إلى المسألة الليبية باعتبارها قضية أمن قومي، فالحدود مع ليبيا تمتد بطول أكثر من 1200 كيلومتر وليست مأهولة بالسكان ويسهل اختراقها “والتصعيد والزج بميليشيات جهادية إلى ليبيا يعني أن هذه الميليشيات في مرحلة ما إذا سيطرت على مدن شرق ليبيا فإنها قد تقوم بعمليات خاطفة داخل العمق المصري ومن ثم تتعرض مصر لمخاطر، فضلاً عن ما تتكبده مصر من تكلفة بسبب تأمين الحدود وكلها أمور تسبب ضغطاً شديداً على الأمن القومي المصري. وبجانب ذلك، فإن لمصر والإمارات والسعودية أهداف أخرى، تتمحور حول كبح أية نجاحات للربيع العربي، وتمكين العسكر من إفشال المد الديمقراطي في المنطقة، عبر أموال إماراتية وقوات مصرية ودعم سعودي، وهو ما فشل إلى حد ما في تونس، ويحاول امتصاص الثورة السودانية، عبر فترات انتقالية يستوعب خلالها الغضب الشعبي، لضمان إعادة إنتاج الأنظمة العسكرية بوجوه مختلفة، لا تبتعد كثيرا عن المشروع الإماراتي السعودي المصري في المنطقة. وأيضا، يرى محللون أن أحد الأهداف الأساسية لتحركات تركيا في منطقة المتوسط هو أن تضمن لنفسها حصة في مخزون الغاز الهائل هناك، وهو ما يتصادم مع المصالح اليونانية القبرصية في المنطقة، وهما دولتان تتحالفان مع مصر ضد تركيا. ويبدو واضحاً أن الهدف الرئيس لتركيا من الاتفاقية البحرية التي وقعتها مع حكومة الوفاق الليبية هو عدم سقوط طرابلس في يد خليفة حفتر لضمان عدم دخوله في أية مفاوضات وله يد عليا على الأرض، إلى جانب تثبيت شرعية حكومة السراج، ما يعني استمرار اتفاق ترسيم الحدود البحرية الذي يجعل من التفاوض مع تركيا بشأن الغاز في المتوسط أمراً لا مفر منه. وكان الرئيس التركي قد صرح بأن “اليونان ومصر وإسرائيل وقبرص لن تتمكن من اتخاذ أي خطوة دون موافقتنا، بعد توقيعنا على مذكرة التفاهم مع ليبيا”، بحسب ما قال خلال حوار مع قناة “تي آر تي” التركية. ويقول فارس أوغلو الكاتب والمحلل السياسي التركي إن أنقرة تريد بشكل أساسي أن توصل رسالة وهي: إما أن تكون من ضمن المخططات الاقتصادية وإلا ستقلب اللعبة. ويوضح فارس أوغلو: “هذا تحديداً ما تقوم به تركيا عبر مذكرة التفاهم بينها وبين ليبيا والتي سجلت في الأمم المتحدة، علماً بأن تركيا لم توقع على ما يسمى باتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لاختلافات جغرافية لا تناسب تركيا مطلقاً وستكون الآن إما مفاوضات أو وقف لتلك المشاريع التي استبعدت منها تركيا وإما تصعيد الأمور عسكرياً..   مصالح تركية كبيرة في ليبيا: ومن ضمن أسباب التصعيد المستقبلي على الصعد المختلفة، محورية ليبيا بالنسبة لتركيا. فبحسب دراسة للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، تركّزت اهتمامات تركيا في ليبيا، قبيل اندلاع ثورة فبراير 2011، على تعزيز مصالحها الاقتصادية؛…

تابع القراءة

أبعاد ومآلات وصاية السلطة على صناعة الدراما

تواجه الدراما المصرية ثلاث أزمات عاصفة: الأولى: تتعلق بالتسويق في ظل الأزمة الاقتصادية وتراجع كثير من الشركات عن الدعاية والإعلان لتحقيقها خسائر ما أفقد الفضائيات بابا كبيرا للربح كان يسهم في تحقيق مكاسب كبيرة وتغطية نفقات الأعمال الدرامية. الثانية: تتعلق بالقفزة الهائلة في أجور الفنانين والممثلين حتى إنها تضاعفت مرتين أو ثلاثة خلال السنوات الماضية منذ قرار تعويم الجنيه أمام الدولار وباقي العملات الأخرى. الثالثة: هي احتكار شركات المخابرات لسوق الإنتاج الإعلامي وسوق التسويق أيضا؛ وهو ما أدى فعليا إلى حسم المنافسة وسيادة نزعة الاحتكار والتحكم في صناعة الدراما. وثمة إجماع بين المهتمين بالفن أن الدراما المصرية تشهد منذ سنوات تراجعا ملحوظا لحساب أعمال درامية أخرى سواء التركية أو الهندية وحتى السورية واللبنانية والخليجية. وبعكس الأعمال المصرية الخالدة مثل ليالي الحلمية والمال والبنوك والسبنسة والوسية ولن أعيش في جلباب أبي وغيرها وهي الأعمال التي لا يمل المشاهد العربي من تكرار مشاهدتها حتى اليوم بعكس الدراما المصرية حاليا والتي باتت لا تقدم فنا راقيا ولا فكرا خلابا وتشاهد مرة واحدة ثم يلقى بها في سلة المهملات، دون أن يشعر بها المشاهدون. ساهم في ذلك، أيضا ما آل إليه حال  مبنى الإذاعة والتلفزيون “ماسبيرو” وتوقف الأعمال في قطاع الإنتاج باتحاد الإذاعة والتليفزيون وصوت القاهرة ومدينة الإنتاج الإعلامي، تاركا الساحة للإنتاج الخاص الذي باتت تهمين عليها أجهزة المخابرات. ثالث العوامل التي أفضت إلى تراجع مستوى الدراما المصرية، التركيز على البطل أو البطلة دون النظر إلى الفكرة ومستوى السيناريو وباقي أدوات نجاح العمل الدرامي. وكذلك التركيز على ورش السيناريو بدلا من العمل الفني المتماسك في فكرته وأحداثه وتطورات شخوصه وأبطاله والدقة في رسم  السمات النفسية للأشخاص.  وبات كتاب كبار  وفنانون  لهم  جماهيرية عريضة على مقاعد المتفرجين. وأمسى مؤلفون وكتاب سيناريست مخضرمون قابعين في بيوتهم بلا عمل لأنهم يتسمون بشيء من الاستقلالية و يرفضون التدخل في أعمالهم أو كتابة سيناريوهات مفصلة على مقاس نجم بعينه.   احتكار سوق الدراما يمثل احتكار أجهزة السلطة الأمنية وعلى رأسها جهاز المخابرات العامة لسوق صناعة الدراما والسينما وشركات التوزيع والفضائيات التي يبث من خلال الأعمال الفنية شكلا صارخا من أشكال الوصاية المطلقة التي تجعل السلطة ممسكة بجميع أدوات العمل الدرامي من الألف إلى الياء. وبحسب وكالة رويترز، تمثل الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، ذراع السلطة في الهيمنة على  جميع مراحل صناعة الدراما، والتي تتبع مباشر لجهاز المخابرات العامة. تأسست الشركة في 2017 واشترت ما لا يقل عن ست صحف ومواقع إخبارية على الانترنت وأربع شبكات تلفزيونية تدير 14 قناة وأربع محطات إذاعية وعدد من المسارح ودور السينما. وقال ثمانية أشخاص يعملون بصناعة الإعلام كانت لهم تعاملات مع الشركة المتحدة إن الدولة هي التي أنشأتها. ومع توسع الشركة أصبحت تهيمن على مواعيد إذاعة البرامج التلفزيونية وتحدد الأعمال التي تخرج منها للنور. وتطبق الشركة قواعد الرقابة الحكومية بحذافيرها. ويدرك العاملون في الوسط الفني على وجه اليقين أن الأمر جزء من سياسة الدولة التي تقرر من يعمل هذا العام ومن يوقف عن العمل. وأمام هذه التحولات الحادة والخطيرة ، لم تجد الشركات المنافسة في سوق الإنتاج الإعلامي والدرامي بدا من التوقف وتجميد مشروعاتها الفنية؛ لأنها تعجز عن تسويقها مع سيطرة مجموعة “إعلام المصريين” على نصيب الأسد من سوق الفضائيات المصرية. وبحسب مصادر مطلعة بكواليس الشأن الفني فإن الإنتاج الدرامي تراجع إلى 14 أو 15 عملا  بعد أن كان يصل إلى 30 أو 40 في السنة، وأن نصف هذه الأعمال من إنتاج شركة “إعلام المصريين” المملوكة لجهاز المخابرات العامة. وأمام تراجع حجم الإنتاج الدرامي، قرر عدد من الفنانين الاتجاه نحو السينما والمسرح بعد سنوات من انتعاش سوق مسلسلات رمضان. هذه الأبعاد المتعددة لأزمة الدراما؛ دفعت الناقد طارق الشناوي،  إلى التحذير من تدمير صناعة الدراما مشيرا إلى أن «الأزمة بدأت في 2017، حيث تم الإعلان عن بدء تصوير كثير من المسلسلات، ثم خرجت من السباق الرمضاني، ومن بينها مسلسل (بركة) لعمرو سعد، كما شهد الموسم قبل الماضي لأول مرة خروج أسماء كبيرة مثل يسرا من العرض المحلي». وتوقع الشناوي، أن ما يتم حالياً يستهدف تقليص الأجور والميزانيات، ولكنه يحدث بشكل عشوائي قد يضر بالصناعة، فالفضائيات المصرية التي تعد السوق الرئيسية للمسلسلات تشهد حالة من العشوائية وتعاني من الأزمات، وهذا انعكس بشكل كبير على الدراما، وأبدى أمله أن تحدث انفراجة خلال الفترة المقبلة، بظهور صوت عاقل من داخل النظام يعيد الأمور إلى نصابها، حتى لا تنهار صناعة الدراما في مصر، لأن ما يحدث حالياً ليس في صالح الصناعة على كل المستويات».   لجنة الدراما ولم يكتف نظام 30 يونيو بالسيطرة المطلقة على شركات الإنتاج والتوزيع وحتى فضائيات العرض، وامتد حرصه الشديد على فرض الوصاية على الفن والإبداع إلى سن حزمة من القوانين التشريعات الشاذة التي تسهم بشكل فعال في فرض مزيد من المصادرة والتأميم والهيمنة المطلقة على سوق الدراما. وقبل أن ينتهي عام 2016  أصدر الطاغية عبدالفتاح السيسي (قرارات جمهورية) أرقام 158 و159 و160 بتشكيل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام، وذلك طبقاً لنصوص ومواد القانون 92 لسنة 2016 والذي نص على تشكيل المجلس والهيئات المذكورة بناء على ترشيحات مجلس الدولة ومجلس النواب ونقابة الصحفيين والإعلاميين والعاملين بالطباعة والصحافة والإعلام والمجلس الأعلى للجامعات ووزارتي الاتصالات والمالية. وأن تختص “لجنة المعايير وميثاق الشرف الإعلامي” بـ: وضع ضوابط ومعايير ممارسة العمل الإعلامي، ووضع ميثاق الشرف المهني بالاشتراك مع النقابة المعنية. وفي ديسمبر 2017م أعلن عن تكوين لجنة الدراما بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام للقيام بدور الرقابة التي تصل حد الوصاية من الدولة تحت لافتة تطوير الدراما. وفي  مايو 2018، أعلن رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام مكرم محمد أحمد، أن لجنة الدراما بالمجلس أعدت معايير مهنية للمسلسلات قائلا: «لسنا لجنة فاشية كل هدفنا العودة للقيم، لسنا فاشيين ولا نكبل الحريات».، مدعيا «عشنا 8 سنوات من الفوضى ويجب خضوع المسلسلات للرقابة كأفلام السينما.  معلنا عن غرامة قدرها 250 ألف جنيه للألفاظ الخادشة التي  ترد في المسلسلات مع توصية بتمجيد الدور البطولي للجيش والشرطة. وتضمنت المعايير 24 بندا أهمها: إفساح المجال لتمجيد ما أسمته بالدور البطولي لرجال الجيش والشرطة. وعدم عرض صور العشوائيات والعشش بما ينقل صورة سلبية عن البلاد. وضرورة الانتهاء من تصوير  المسلسلات قبل 15 رمضان؛ قبل عرضه أو إذاعته حتى تتمكن الرقابة من المراجعة. والتزام الشاشات بالمعايير المهنية والأخلاقية وعدم اللجوء للألفاظ البذيئة. والتوقف عن تمجيد الجريمة وصناعة أبطال وهميين يجسدون أسوأ ما في الظواهر الاجتماعية. وفترة الإعلانات تكون  قبل وبعد المسلسل وللقناة حق القطع خلال المسلسل 3 مرات فقط في أوقات وصفتها بالمناسبة.   وصاية بالإكراه تشكلت لجنة الدراما  في ديسمبر 2017م برئاسة المخرج محمد فاضل، أحد  أشهر مخرجي الدراما الذين تمردوا على…

تابع القراءة

تقدير موقف حول آفاق التصعيد الإيراني -الأمريكي بعد اغتيال سليماني

على أمريكا الانسحاب من المنطقة العربية، وإلا ستوجه بفيتنام جديدة، هو آخر ما أعلنته الرئاسة الإيرانية، وسط ضغوط شعبية على الحكومة  الإيرانية بالرد السريع، وتأكيدات الحرس الثوري الإيراني أن القوات والقواعد الأمريكية في المنطقة تقع في مرمى نيران الحرس الثوري، وأن الحرس الثوري قادر على الوصول للقوات الأمريكية حتى في سوريا أو أي مكان في المنطقة، بينما يواصل ترامب تهديداته باستهداف 52 موقعا داخل إيران، في إشارة إلى عدد المحتجزين الأمريكيين بالسفارة الأمريكية، وهو ما رد عليه حسن روحاني بتغريدة على تويتر بأنه على ترامب التفكير في الرقم 290، في إشارة إلى قتلى الطائرة الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي. فيما تتواصل المطالبات الدولية بالتهدئة وضبط النفس تجنبا لمواجهة عسكرية موسعة، خاصة من قبل ألمانيا وبريطانيا، وصمت عربي عدا الكويت وقطر، اللتان تبذلان جهودا إقليمية لخفض التوتر بين الجانبين.   وفي السياق ذاته، جاء قرار البرلمان العراقي بالطلب من القوات الأمريكية بالعراق بالخروج من العراق، وإلا فستعامل كطرف محتل. وهو وإن تحقق سيكون أكبر مكسب لإيران، وسط غضب دولي وأمريكي باعتبار أن القوات الأمريكية قوى وازنة للتمدد الإيراني، بينما أعلن تحالف الناتو أن وجوده بالعراق مهمة كونه سيستمر في مطاردة تنظيم داعش. فيما أكدت حكومة تصريف الأعمال العراقية بقيادة عادل عبد المحسن من جهتها البدء بإجراءات قانونية لتنفيذ قرار البرلمان. إلا أنه وفي مقابل ذلك، تتخوف أوساط عراقية وإقليمية من خروج الأمريكان مرة واحدة، ما سيؤدي لإشكالات كثيرة من سيطرة إيرانية منفردة على القرار العراقي. عراقيا أيضا، طالب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الفصائل المسلحة باجتماع فوري وتشكيل ما وصفها بأفواج المقاومة الدولية لمواجهة واشنطن.   وقال الأمين العام لعصائب أهل الحق قيس الخزعلي: إن ضريبة مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس هي جلاء القوات الأميركية وتطهير فلسطين من الاحتلال.   وأضاف الخزعلي: إن العراقيين لن يسكتوا عن مقتل قادتهم واستهداف الأراضي العراقية وقد حان الوقت لخروج القوات الأميركية، وفق تعبيره. وذلك ردا على اغتيال طائرة أمريكية قرب مطار بغداد، لقائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، فجر الجمعة الماضية.   وفي تطور لافت، جرى تسريب وثيقة لقرار خاص بوزارة الدفاع الأمريكية، يقضي بأن قيادة القوات الأمريكية في التحالف الدولي، ستعيد انتشار قواتها وتمركزها خارج العراق، احتراما لقرار البرلمان العراقي. فيما نفت أوساط أمريكية القرار، وذهب البعض أن الرسالة التي أطلقتها وزارة الدفاع الأمريكية إلى أن المقصود بها هو سحب القوات الأمريكية التي أرسلت للعراق عقب اقتحام السفارة الأمريكية ببغداد مؤخرا فقط، مع احتمال نقلها لكردستان العراق أو الكويت في عملية إعادة التموضع في المنطقة.   وفي سياق ذي صلة، تبنت بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي بإقرار تشريع بتقييد صلاحيات ترامب العسكرية، لأن اغتيال سليماني، وضع الدبلوماسيين والجنود الأمريكيين  في خطر.   أزمة عراقية   جاءت عملية استهداف قائد فيلق القدس الإيراني “قاسم سليماني”، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي “أبو مهدي المهندس” بمثابة صدمة للقوى السياسية العراقية، إذ لم تكن هذه القوى تضع في حساباتها احتمالات استهداف واشنطن لقيادات عسكرية إيرانية بصورة مباشرة على الأراضي العراقية في خضم الأزمة السياسية الحادة التي يمر بها العراق، والاحتجاجات الحاشدة ضد النفوذ الإيراني في دوائر صنع القرار العراقي، وهو ما تسبب في تعميق الانقسامات ما بين القوى المعارضة للضربة الأمريكية والداعية لاتخاذ إجراءات صارمة لإدانتها، والتيارات المؤيدة لاستهداف التواجد العسكري الإيراني في العراق.   دلالات عملية الاغتيال   ويُشكل اغتيال سليماني تحولًا في الصراع الأمريكي-الإيراني، وبخاصة في الساحة العراقية، في ظل التأثير الإيراني على تطورات ومجريات الساحة العراقية، وتأثير “قاسم سليماني” بشكل خاص على السياسيين العراقيين والقوى السياسية العراقية من جهة والفصائل المسلحة من جهة أخرى.   وعلى الرغم من أنه من المتوقع ألا يُحدث مقتلُه تغييرًا جوهريًّا في السياسة الإيرانية تجاه المنطقة؛ إلا أن هذه العملية لها العديد من الدلالات والتأثيرات الكبيرة المتعددة.   فمن حيث التوقيت فإنه جاء متزامنًا مع تصعيد الولايات المتحدة الأمريكية موقفها تجاه إيران في العراق بشكل مختلف عما هو سائد، حيث دأبت طهران على التحرك بإصرار لتنفيذ العديد من الخطوات ضد مصالح واشنطن في المنطقة، ولم يصدر من الطرف الأمريكي ردٌّ كافٍ يُقنع حلفاءه بجدية السياسة الأمريكية في ردع إيران ووكلائها.   أيضا، تؤكد هذه العملية حدوث تحول آخر في السياسة الأمريكية تجاه وكلاء إيران؛ حيث كان الطرفان يعتمدان على الوكلاء في غالب الأمر؛ إلا أن واشنطن اتجهت لأن تقوم بالاستهداف المباشر لوكلاء إيران مؤخرًا.   حيث نفذت عددًا من الضربات استهدفت خلالها مقرات “حزب الله” في مدينة القائم بمحافظة الأنبار، وقد أعلنت الولايات المتحدة مسؤوليتها عن هذه العمليات، بالتوازي مع عددٍ من العمليات لم يتم الإعلان الرسمي عن الجهات التي نفذتها، مثل هجمات في محافظتي بغداد وصلاح الدين على معسكرات ومخازن للسلاح تابعة لفصائل الحشد الشعبي، ويُقال إنه كان هناك تواجد إيراني في بعضها، ولم يتم الإعلان عن المنفذ أيضا على الرغم من أن بعض الصحف تداولت أنباء عن ضلوع إسرائيل في العملية. في المقابل، استمرت إيران في الاعتماد على الوكلاء، حيث شهدت الأيام الماضية هجمات على القواعد العسكرية الأمريكية في العراق، بالإضافة إلى الهجوم على السفارة الأمريكية في العراق.   ويُمكن القول إن عملية اغتيال “سليماني” في العراق تشكل إحدى أهم حلقات الصراع الأمريكي-الإيراني من حيث استهداف الشخصية الإيرانية الأبرز في إدارة هذا الصراع، وما يمثله من إعلان أمريكي صريح عن بداية مرحلة تحجيم النفوذ الإيراني في العراق في ظل دعم من الاحتجاجات الشعبية التي رفعت شعار “إيران بره بره”، وأجبرت الحكومة العراقية المدعومة من طهران على تقديم استقالتها. وفي رؤية معاكسة للأهداف الأمريكية، يلقى اغتيال سليماني على أراضي عراقية، العراق إلى الحضن الإيراني أكثر وأكثر خلال المرحلة المقبلة.   وأيضا جاءت العملية الأمريكية، في حجر إيران، التي أعلنت خطوتها الخامسة بتعليق التعهدات الإيرانية بشأن الاتفاق النووي، وهو ما حاول ترامب التقليل من تلك الخطوة بتدوينة على تويتر بأن إيران لن تمتلك نهائيا سلاحا نوويا أبدا،   وبخصوص الاتفاق النووي الإيراني الذي انسحبت منه واشنطن عام 2018، فالاتفاق كان ميتاً سريرياً بعد انسحاب واشنطن منه، ولكن كان هناك سعي من الدول الأوروبية، وتحديداً فرنسا، لعودة واشنطن إليه والتفاوض عليه من جديد، إلا أن التصعيد الأخير سيقتل كل الآمال بذلك، لا بل قد يشهد تصعيداً من قبل طهران بزيادة التخصيب وانتهاك الاتفاق؛ من أجل دفع الدول الأوروبية للضغظ على واشنطن لوقف التصعيد،   مآرب أخرى   وتلك المعطيات من الممكن أن تُشكل فرصًا أمام كلٍّ من الإدارة الأمريكية والقيادة الإيرانية من أجل استغلالها كوسيلة لصرف أنظار الداخل تجاه المشاكل الخارجية، فـ”دونالد ترامب” يريد أن يصرف أنظار مجلس النواب والشارع الأمريكي بعد إثارة قضية عزله الأخيرة، ويُعد مقتل…

تابع القراءة

السيسي والحروب الوهمية.. موسم الهروب إلى ليبيا

بقلم: حازم عبد الرحمن مع بداية شهر يناير من كل عام يتزايد قلق عبد الفتاح السيسي وعصابة الانقلاب بسبب ذكرى ثورة 25 يناير التي أطاحت بالمخلوع مبارك بعد 30 عاما في الحكم, وقبل نهاية 2019 , حدث تغير يزيد من قلق الانقلابيين أكثر, وهو توقيع وثيقة التوافق المصري, بهدف إسقاط السيسي, وإنهاء حكم العسكر في مصر, وقد أكدت مظاهرات جمعة الخلاص في 20 سبتمبر 2019  أن روح الثورة باقية, مهما مارس السيسي وعصابته من أساليب القمع والإرهاب ضد الشعب المصري, وأن الاصطفاف الشعبي لإسقاط حكم العسكر سهل التحقيق في الميدان, وقد زاد الوعي لدى الشعب بضرورة إسقاط السيسي الذي خدعه بالوعود والأكاذيب, بينما هو يبني القصور لأسرته بالمليارات, ويرفع الأسعار التي أفقرت نصف عدد السكان, ولا يمكن تجاهل الدور المتعاظم لوسائل التواصل الاجتماعي, وظهور خصوم وأعداء جدد للسيسي من غير أنصار ثورة 25 يناير, كما أن ولاء الجيش لشخص السيسي غير مضمون, وقد يلقي الجيش البيان رقم واحد إذا نجحت المظاهرات في احتلال الميادين, فضلا عن التقارير التي تقدمها الأجهزة الأمنية إلى السيسي يوميا, وهي كلها ترصد حالة الغليان الشعبي التي تتحين الفرصة للانفجار. ويراقب جنرالات الحكم العسكري في مصر التطورات التي شهدها عام 2019 في الوطن العربي, حيث جرى خلع الرئيس السوداني عمر البشير بعد 30 عاما في الحكم الذي وصل إليه بانقلاب عسكري على حكومة مدنية منتخبة, وكذلك إجبار الحراك الشعبي في الجزائر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على الانسحاب من الترشح لولاية خامسة, ويشهد العراق منذ أول أكتوبر 2019 مظاهرات في بغداد وبقية محافظات جنوب العراق احتجاجاً على تردي الأوضاع الاقتصادية للبلد، وانتشار الفساد الإداري والبطالة, وقد أصاب الهلع القوى الإقليمية المستفيدة, وأذرعها المحلية التابعة؛ فشرعوا في التآمر لوأد الثورة, وفي لبنان تجري الأحداث نفسها, وتواجه المؤامرات ذاتها, ومن المؤكد أن مصر لن تكون بعيدة عن الموجة الثورية الجديدة؛ ما جعل حكم العسكر في مصر يعيش أزمة حقيقية, وقد خسر الجنرالات سمعتهم بعد التقاعس عن الرد على التهديد الإثيوبي بإعلان حرب على مصر؛ ما مثل إحباطا وصدمة لدى مؤيديهم الذين كانوا يفاخرون بقائد الانقلاب ويشبهونه بإيزنهاور؛ ما وضعه في مأزق كبير عندما عجز عن الرد على تهديد رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد. *الحل في ليبيا أمام المأزق الداخلي الكبير الذي يعيشه السيسي وعصابة العسكر, كان لا بد من عمل يلفت الأنظار عن الفشل والفساد الداخلي, والعجز عن مواجهة التحدي الإثيوبي في سد النهضة؛ فجرى اصطناع عدو خارجي لمصر تمثل في تركيا, لكونها مؤيدة لثورات الربيع العربي, وكانت الفرصة في تفاهمات واتفاقيات مع خصوم تركيا متمثلين في اليونان وقبرص والكيان الصهيوني, وتم ترسيم حدود بحرية تمنح اليونان 40 ألف كيلو متر مربع من المياه الاقتصادية لمصر في البحر المتوسط؛ ليحاصر تركيا في شمال شرق المتوسط, وهي التي جاء ردها مفاجئا بتوقيع اتفاق مع الحكومة الشرعية الليبية في طرابلس على ترسيم الحدود البحرية بينهما, بما يعيد إلى مصر الـ 40 ألف كيلو متر مربع من مياهها الاقتصادية في البحر المتوسط , التي كانت قد تنازلت عنها لليونان خلال اتفاقية وقعها السيسي،  وردا على ذلك نشر الموقع الرسمي لوزارة الدفاع المصرية، فيديو يوضح فعاليات الأنشطة القتالية في مسرح عمليات البحر المتوسط، والتي تهدف إلى فرض السيطرة البحرية على المناطق الاقتصادية بالبحر، وتأمين الأهداف الحيوية في المياه العميقة, وظهرت حاملة المروحيات (ميسترال) ومجموعتها القتالية في عدد من الأنشطة القتالية والتدريبية, تضمنت قيام إحدى الغواصات المصرية بإطلاق صاروخ مكبسل عمق سطح مضاد للسفن ويصل مداه إلى أكثر من 130 كم . والرسالة واضحة من وراء هذا الاستعراض العسكري, بالرغم من تراجع وزير خارجية الانقلاب عن رفض ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا, وقال إنه لا يضر مصر, لكن الأذرع الإعلامية للانقلاب ظلت تردد أسطوانة واحدة هي أن مصر تحمي ثرواتها في المتوسط من أطماع إردوغان(!), والحقيقة أن مصر ليست مقصودة من الاتفاق التركي الليبي, وأن من سيتضرر من هذا الاتفاق هو ثلاثي التآمر اليونان والعدو الصهيوني وقبرص, لكن السيسي يسخر قوات البحرية المصرية نيابة عن الثلاثة ضد تركيا , وكان الأولى به أن تتجه الطائرات الحربية جنوبا لتدمير سد النهضة قبل أن يصل إلى مرحلة التشغيل الكامل, لكن الأوامر جاءت له من أبو ظبي وتل أبيب بمضايقة تركيا في البحر المتوسط؛ فكان الاستعراض العسكري في الشمال هروبا من المواجهة الحتمية في الجنوب. *تعبئة للحرب في المتوسط وفي استعراض جديد أعلن المتحدث العسكري عبر صفحته الرسمية قيام القوات البحرية المصرية بتنفيذ عملية برمائية كاملة بإحدى مناطق البحر المتوسط باشتراك حاملة المروحيات جمال عبد الناصر ومجموعتها القتالية والتى شملت الفرقاطات طراز (جو ويند) وطراز (بيرى) ولنشات صواريخ طراز (سليمان عزت) إضافة إلى إحدى الغواصات الألمانية الحديثة طراز (209) وعدد من وحدات مكافحة الغواصات وعناصر متعددة من القوات الخاصة البحربة وشهد التدريب إشتراك القوات الجوية متمثلاً فى الهليكوبتر الحديثة طراز( كاموف) وطائرات ( الأباتشى ) و(f-16) إضافة إلى الطائرات طراز (شينوك), واشتراك مجموعات قتالية من قوات المظلات والصاعقة إضافة إلى مجموعة قتالية خاصة من المنطقة الشمالية العسكرية, وتزامن ذلك مع عقد اجتماع مجلس الأمن القومي برئاسة السيسي, وتصديره خبرا رئيسيا في الصحف والأذرع الإعلامية للانقلاب, وتدشين حملة تعبئة على مواقع التواصل الاجتماعي لتأييد الجيش وتحركاته لتأمين حدود مصر وأمنها القومي, والاستعانة بالفنانين, ونشر الكتائب الإلكترونية مزاعم حول الوضع في البحر المتوسط, وأنه متأزم بشكل كبير, وأن هناك احتمالا لحدوث صدام بحري وجوي بين مصر و تركيا، مع الهجوم على قناة الجزيرة وإعلام الثورة بزعم نشر إشاعات هدفها هدم الروح المعنوية المصرية… إلخ, والحقيقة أنه لا عدوان عسكريا على مصر في الشمال, أو الغرب, وأن العدوان المؤكد يتم فعلا في الجنوب حيث سد النهضة الإثيوبي, لكنه الهروب من مواجهة إثيوبيا, والتوجه شمالا بزعم أن هناك حربا تهدد البلاد. *هل تندلع حرب بين مصر وتركيا؟ السؤال المهم: هل هناك مصلحة لمصر وتركيا في اندلاع حرب بينهما؟,  الجواب: بالطبع لا؛ والسبب أن اندلاع معركة بحرية يعني تهديد التنقيب في حقل الغاز “ظهر” وحقول أخرى يسيطر عليها الكيان الصهيوني واليونان؛ ما يهدد مستقبل الغاز في المنطقة لسنوات؛ لأنها ستتوقف بسبب أي اشتباكات بحرية, وقد استبعد ياسين أقطاي مستشار الرئيس التركي اندلاع مواجهة مباشرة بين الجيشين المصري والتركي، وقال: “إن مصالح الدولتين واحدة في البحر المتوسط، ولا نريد سوى الخير لمصر وتركيا,  ونتمنى أن نكون في حالة تعاون لا تنازع”, ومن ناحية أخرى فإن تركيا ليست في حاجة إلى صراع عسكري, بعيدا عن حدودها, وخطواتها في دعم حكومة الوفاق الشرعية في طرابلس محسوبة, وهي لن تدخل بقواتها في حرب شاملة للقضاء على حفتر, وفي الغالب سيتم تسليح قوات الحكومة الشرعية بما يكفي لمواجهة الغارات الجوية والتصدي لمحاولات اقتحام العاصمة طرابلس,…

تابع القراءة

سيناريوهات الأزمة في ليبيا.. هل تقف المنطقة على أعتاب حرب إقليمية؟

تعامل المجتمع الدولي بفتور واسع مع الحملة العسكرية التي أطلقها الجنرال الطامح خليفة حفتر منذ 4 إبريل 2019م للسيطرة على العاصمة الليبية طرابلس وإسقاط حكومة الوفاق المعترف بها دوليا، ورغم الاستغاثات المتعددة التي أطلقتها الحكومة الشرعية برئاسة فايز السراج، إلا أن المجتمع الدولي سواء على مستوى المؤسسات الدولية والإقليمية أو الحكومات لم تكترث كثيرا، وسط ترقب بأن تفضي الحملة العسكرية إلى إعادة هندسة وتصميم المشهد الليبي من جديد وفقا لقواعد جديدة، يكون فيها الجنرال  حفتر ، الذي يقود مجموعات متنافرة من المرتزقة مدعيا أنه قائد الجيش الوطني الليبي،  استنساخا لسيسي جديد في ليبيا يحكمها بالحديد والنار، لكنه في ذات الوقت يكون قادرا على حماية مصالح القوى الكبرى والغربية في ليبيا وشمال إفريقيا. ومنذ توقيع وزيري خارجية تركيا وحكومة الوفاق الليبية مذكرتي تفاهم في إسطنبول في 27 نوفمبر 2019م، الأولى تتعلق بالتعاون الأمني والعسكري، والثانية بشأن تحديد مناطق النفوذ البحرية، والتي تهدف إلى حماية حقوق البلدين النابعة من القانون الدولي في ثروات شرق المتوسط، في خطوة اعتُبرت مكسبا لسياسات أنقرة؛ جرت تطورات كبرى في الملف الليبي وغيرت من تعاطي جميع القوى إقليميا ودوليا مع الملف الليبي الذي عاد ليتصدر المشهد الإقليمي من جديد. وبحسب صحف يونانية في سياق تعليقها على مذكرتي التفاهم بين أنقرة و طرابلس فإن تركيا قالت لكل من مصر واليونان “كش ملك”، فأنقرة اكتسبت مساحة مائية كبيرة جداً، في حين كانت اليونان، ودول الاتحاد الأوروبي، ترغب بحصر حصة تركيا في حوض شرق المتوسط بمساحة تبلغ 41 كيلومتراً مربعاً فقط، فارتفع الرقم بعد هذه الاتفاقية إلى 189 ألف كيلومتر مربع. كما أنها تمنح أنقرة حرية الصيد، ما يمنع أي اعتداءات قد تحصل على سفن الصيد التركية، كما حصل على سواحل الجزائر في العام 2009. على الفور عبرت كل من اليونان وحكومة العسكر في مصر وقبرص اليونانية والإمارات وبرلمان طبرق التابع للجنرال خليفة حفتر  رفضهم للاتفاق واعتباره بلا أثر قانوني، كما عبرت  الحكومات الغربية عن انزعاجها من تمدد النفوذ التركي في شرق المتوسط حيث حقول الغاز الضخمة والهائلة، وكذلك في ليبيا وشمال إفريقيا. ويوم الخميس 2 يناير2020، صادق البرلمان التركي على مذكرة للرئاسة التركية تفوضها بإرسال قوات إلى ليبيا لدعم حكومة الوفاق  الشرعية ضد هجمات المرتزقة الذين يقودهم الجنرال خليفة حفتر مدعوما من الإمارات ومصر وروسيا وفرنسا والسعودية، بموافقة 325 نائبا، ورفض 184 معظمهم من حزب الشعب الجمهوري المعارض.  وتشمل المذكرة إرسال قوات تركية إلى ليبيا والتعاون في مجالات الأمن والتدريب العسكري، والصناعات الدفاعية، ومكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، وغيرها من أشكال التنسيق العسكري، وهي تأتي بعد طلب حكومة الوفاق الوطني الليبية   الدعم  من تركيا. وبحسب  تصريحات المبعوث التركي إلى ليبيا والنائب البرلماني أمر الله إيشلر، فإن الدفعة الأولى من القوات التركية (البشرية والمادية) ستصل إلى طرابلس؛ بهدف “ردع حفتر ومن يقف خلفه حتى يتوقفوا عن هجماتهم ضد الغرب الليبي وبالتالي يقف نزيف الدماء، كما تهدف إلى تدريب الأجهزة العسكرية والأمنية التابعة لحكومة الوفاق في القواعد العسكرية بتركيا.  كما تتيح الاتفاقية لتركيا نشر قوات عسكرية قبالة السواحل الليبية في منطقة مهمة من شرق البحر المتوسط، موضحا أن بلاده مستعدة لممارسة حقوقها في شرق المتوسط وعرقلة الأنبوب اليوناني الإسرائيلي القبرصي في حال عدم التفاوض معها بشأنه. تداعيات جيوسياسية إزاء ذلك فإن التدخل التركي في الأزمة الليبية ينذر بتداعيات جيوسياسية  على عدة مستويات: أولا: على مستوى الصراع على الغاز والنفط في شرق المتوسط وهو ما يشكل الدافع الرئيس للتدخل التركي وحماية ما تراه حقوقا لها في ثروات الغاز والنفط في شرق البحر المتوسط. فتركيا ترى في الاتفاق ردا قويا على مساعي اليونان وقبرص الرومية لعزل أنقرة وإقصائها من شرقي المتوسط عبر تأسيس آليات تعاون ثلاثية مع كل من إسرائيل، ولبنان، ومصر والأردن، أو عبر مكوّنات مثل “منتدى غاز شرقي المتوسط”، كما تعتبر حماية لحقوق تركيا في حقول الغاز بشرق المتوسط والتي تكشف أحدث التقارير العلمية أنها تحتوى على ثروات تقترب من 700 مليار دولار بحسب وكالة رويترز. وهي الحقول التي تمثل أهمية كبرى لجميع دول المنطقة، إضافة إلى الكيان الصهيوني الذي بدأ فعليا في نهب هذه الثروات المصرية والعربية وتشغيل حقلي “لوفاثيان وتمارا” وتصدير الغاز المنهوب منهما لكل من مصر والأردن عبر صفقات طويلة الأمد. و«تبرز الاتفاقية التركية الليبية، كمكسب سياسي وقانوني هام لسياسات أنقرة في شرقي البحر المتوسط. صحيح أنها لا تجد حلا نهائيا للخلافات القائمة حول مناطق النفوذ البحرية في المنطقة، إلا أنها تحمل أهمية كبيرة من حيث دعم الأطروحات القانونية والسياسية لتركيا. كما أن تأكيد أنقرة على انفتاحها للحوار والطرق الدبلوماسية مع بلدان المنطقة باستثناء قبرص الرومية، تزامنا مع دفاعها عن حقوقها على أرض الواقع، يشكل نموذجا للمقاربة الدبلوماسية القوية على الطاولة وعلى الأرض». ثانيا: القرار التركي شديد الصلة أيضا بصراع المحاور الذي تشهده المنطقة منذ سنوات على خلفية الانتكاسة التي منيت بها معظم الثورات العربية في أعقاب انقلاب  30 يونيو  2013م على المسار الديمقراطي في مصر وتحقيق تحالف الثورات المضادة نجاحات متتالية بدأت تنحسر وتتراجع في عدة دول ومناطق مع الموجة الثانية للربيع العربي في 2019م. فمع انطلاق الموجة الأولى للربيع العربي في كل من تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، رحبت بها كل من تركيا وقطر، بينما ناصبتها السعودية والإمارات والبحرين العداء. ومع توسع الموجة الثانية التي امتدت إلى كل من الجزائر والسودان والتي أدت فعليا إلى إسقاط نظامي بوتفليقة وعمر البشير، ثم العراق ولبنان حاليا؛  فإن معسكر تحالف الثورات المضادة المدعوم من إسرائيل والإدارة الأمريكية وكذلك روسيا حريص كل الحرص على وأد تطلعات الشعوب نحو الحرية وتكريس سلطوية النظم المستبدة وهو ما تراه تركيا  أردوغان جريمة كبرى  يتوجب معها دعم التحولات الديمقراطية في المنطقة واستعادة لحمة المنطقة لمواجهة الأطماع الأجنبية التي تستهدف شعوبها وثرواتها. هو ما يضع تركيا في حالة صدام مع القوى الغربية التي ترى في تفتت وتمزيق المنطقة وتصدر طغمة من الحكام الفسدة المستبدين فرصة كبرى تتيح لها ضمان مصالحها ومكاسبها. ثالثا: لا يمكن الفصل بين التدخل التركي في ليبيا  وتطورات الوضع الميداني في سوريا خصوصا في المناطق الشمالية المتاخمة للحدود التركية؛ إذ لا يستبعد أن يكون من أهداف التدخل التركي في ليبيا إعادة تموضعها في سوريا من خلال دفع الروس إلى إعادة حساباتهم في ليبيا مقابل تنازلات ميدانية في معركة إدلب السورية. رابعا: أما التداعيات الأوسع للاتفاقية  أنها تضع تركيا على مسار تصادمي مع اليونان وقبرص اليونانية،  كما تزيد الاتفاقية من التوترات بين أنقرة والاتحاد الأوروبي، مما يزيد من النزاعات المستمرة حول سياسة الهجرة والأسئلة الأوسع حول دور تركيا في حلف شمال الأطلسي. كما أن الاتفاقية تثير المخاطر مع نظام العسكر في مصر والذي تحكمه علاقة متوترة بأنقرة من انقلاب 30 يونيو 2013م…

تابع القراءة

المشهد الأسبوعي 29 ديسمبر 2019

أولاً: المشهد الداخلي قائد الانقلاب بين تبرير الدور الاقتصادى للجيش و خداع الرأى العام و الخاص السيسي يبرر الدور الاقتصادي للجيش بأنه مسألة أمن قومي يكفلها الدستور ويبرره بفشل الجهاز الإداري للدولة. خلال افتتاحه مشروعات إنتاج حيواني كانت يديرها ويشرف عليها جهاز مشروعات الخدمة المدنية التابع للمؤسسة العسكرية، تحدث السيسي عن الدور المركزي الذي تلعبه المؤسسة العسكرية، محاولاً تبرير هذا الدور من جهة، وتأكيد دستوريته من جهة أخرى[1]. (أ) تبرير دور العسكريين عبر تأكيد أهميته يندرج تحته تأكيده أن إدارة الجيش للمشروعات ذات الطبيعة المدنية هدفه تحقيق التوازن وتوفير فرص العمل، وإشارته إلى فشل القطاع الحكومي أو جهاز الدولة البيروقراطي في الإدارة والرقابة؛ وكأنه يدعي أن الدور الإقتصادي المتنامي للجيش هو نتيجة لفشل أجهزة الدولة المدنية، وأن الأدوار التي يلعبها الجيش في القطاعات الاقتصادية فهي توفر فرص عمل و”تحقق التوازن” ولا ندري ما المقصود بتحقيق التوازن، ومن الطرفين اللذين يحقق الجيش بينهما التوازن. (ب) شرعنة هذا الدور وتأكيد دستوريته من خلال إشارته إلى أن الدور الاقتصادي للجيش هي مسألة أمن قومي، وأن القوات المسلحة مسؤولة عن الحفاظ على مسار مدنية الدولة، وديمقراطيتها، ومنع سقوطها، بحسب الدستور، كأن دور الجيش الاقتصادي جزء من وظيفته التي كفلها الدستور. السيسي ومحاولة خداع الرأي العام والقطاع الخاص  في محاولة منه لكسب تأييد الرأي العام لما ذكره السيسي عن دور الجيش في تحقيق التوازن ومحاربة البطالة وتحقيق التنمية كبديل للجهاز البيروقراطي الفاشل وأن هذا الدور هو جزء من حماية الأمن القومي الذي كفله الدستور للعسكريين، ذكر “السيسي” نقطتين؛ الأولى: هناك توجه لطرح شركات الجيش في البورصة. النقطة الثانية: استعداده لمشاركة القطاع الخاص مع الجيش في النشاط الاقتصادي الذي يسيطر عليه العسكريون فعلياً، يقول: “لو قلت لي أترك نسبة للقطاع الخاص في بعض المشروعات، هأقول تعالوا اشتغلوا معانا، وتبقى المصلحة مشتركة بينا وبينكم”. وهذا يتنافي مع غياب قواعد الرقابة والشفافية وهيمنة العسكر في حالة الخلاف. والحقيقة أن هذه النقاط التطمينية الأخيرة موجهة للقطاع الخاص وللمستثمر الأجنبي، وليست موجهة للشارع أو المواطن العادي. بل يبدو أن المواطن العادي ليس مقصوداً بأياً من هذه الرسائل التي وجهها السيسي في تصريحاته. ويبدو أيضاً من سياق الكلام أن حديث السيسي عن مسئولية الجيش عن حماية الدولة وحماية مدنيتها غير موجه للمعارضين والساخطين على النظام وسياساته والحالمين بسقوطه، فهي ليست رسالة تهديدية، إنما هي محاولة لتبرير النشاط الاقتصادي للجيش والمتزايد باضطراد، بأنه مسألة أمن قومي وجزء من مسئولية الجيش عن الدولة، وأنه نتاج فشل جهاز الدولة البيروقراطي. ثم يؤكد أن الجيش نجح في لعب دور جهاز الدولة البيروقراطي. وهذا التصور بطريقة ما كأن النظام يقول أن الدولة المصرية فشلت ومن ثم استبدلناها بالجيش، وكأن مصر هي جيش ومجتمع وليست مجتمع ودولة. الجيش يحمي مدنية الدولة أم نظام السيسي: إن تصريح “السيسي” عن دور الجيش في حماية مدنية الدولة وديمقراطيتها، تهديد للمجموعات المعارضة التي قد تلجأ للاحتجاج والتظاهر للتخلص من النظام الحاكم، خاصة مع الاحتجاجات المشتعلة في الجزائر ولبنان والعراق مما يخيف النظام من تكرار المشهد في مصر كجزء من لعبة قطع الدومينو، وخاصة أيضاً مع ارتفاع معدلات سخط الشارع على النظام مع سياسات التقشف والجباية التي يعتمدها ومع القمع الأمني الشديد الذي لم يعد يفرق بين معارض ومن يقف بعيداً عن المجال السياسي كله، وبحسب هذا التفسير فإن تصريحات السيسي تقطع الطريق على هؤلاء، خصوصاً مع اقتراب الذكرى السنوية الثامنة لثورة يناير 2011. بينما هناك من يرى أن تصريحات السيسي أيضاً تهديدية للقوى المعارضة الساعية للتغيير في مصر لكن من خلال الانتخابات القادمة[2]. لكن هذا التفسير الأخير يبقى هو الأضعف ويتجاهل الطبيعة السلطوية للنظام المصري وهيمنته على كل مكونات الدولة وتحكم مجموعة الحكم في أية انتخابات تتم وغياب مبدأ المنافسة الحرة والديمقراطية، مما يجعل الحديث عن انقلاب مدني من خلال الانتخاب “نكتة” سمجة الخريطة الغامضة لمراكز القوى داخل النظام أو من يقف وراء تجميد مشروع قانون المحليات. استجاب رئيس برلمان الانقلاب علي عبدالعال لرؤساء الهيئات البرلمانية للأحزاب المقربة من النظام، وتراجع عن مناقشة قانون الإدارة المحلية الجديد في الجلسة العامة بعد إدراجه على جدول الجلسات العامة، وذلك بعد الهجوم الذي قادته هذه الأحزاب على “عبدالعال”[3]. هذه المعركة حول مشروع القانون بين طرف يؤكد أن “من يقاوم إصدار هذا التشريع هي الدولة العميقة بالمحليات، وأن مصر من دون أجهزة محلية منذ تسع سنوات، ولا يجوز رفض القانون من حيث المبدأ باعتباره التزاماً دستورياً”، وطرف آخر يرى أن مشروع القانون لا يحقق الهدف المأمول منه، وأن هناك أسبابا تُعيق إجراء انتخابات المجالس المحلية، ومنها: “التقسيم الإداري للدولة، وتصويت المصريين بالخارج في انتخابات المحليات، والمواد الدستورية الخاصة بالمحليات، والتي يجب تعديلها، والنظام الانتخابي المقترح”، رغم أن مشروع القانون مقدم من السلطة التنفيذية وعلى رأسها السيسي، ومقدم لبرلمان تشكل في غرف المخابرات وأجهزة الأمن، يدعم فكرة وجود جهات متنافرة داخل جهاز الدولة، لكل منها رؤيته ومواقفه. في هذا السياق يفسر مراقبون ما حدث بأن رئيس برلمان الانقلاب يمثل المخابرات العامة، وأن الأحزاب تمثل جهاز الأمن الوطني، وأن المخابرات ارتأت ضرورة إحداث تطور لافت في ملف الانتخابات المحلية في عام 2020، بهدف ملء الفراغ السياسي المُسيطر على المشهد المصري، إلا أن جهاز الأمن الوطني كان له رأي مغاير، لمنح الجهاز مزيداً من الوقت لإحكام سيطرته على المحليات[4] بعد انهيار التحالفات –خلال سنوات الثورة- التي أسستها الدولة مع العائلات الكبرى أبان حكم الرئيس المخلوع مبارك والذي امتد لثلاثين عاماً. ثمة تفسير آخر يرى أن السبب الحقيقي، وغير المُعلن، وراء تأجيل مناقشة القانون يتمثل في اشتراط مراقبة المجالس المحلية لخطط التنمية، ومتابعة أوجه النشاط المختلفة، وممارسة أدوات الرقابة على الأجهزة التنفيذية، بحسب أحكام الدستور، وهو ما يُهدد بشكل واضح عمليات الإسناد المباشر من الوزارات والمحافظات المختلفة للشركات التابعة لوزارة الدفاع، وعلى رأسها جهاز الخدمة الوطنية، والهيئة الهندسية للقوات المسلحة. وأن هذا يُنذر بأحد أمرين: إما سحب عمليات الإسناد من الجيش في حالة نزاهة المجلس المحلي، أو مشاركة المجلس أرباح المؤسسة العسكرية من وراء تلك المشاريع بصورة غير شرعية[5]. أسئلة الغموض : بعيداً عن الجزم في الوضع داخل دوائر النظام والدولة فإن الوضع به قدر كبير من الغموض وهنا نطرح منهجية مختلفة..ماذا لو عكسنا انتماءات طرفي الجدال فقلنا أن رئيس البرلمان يتواصل مع الأجهزة الأمنية بينما تمثل الأحزاب جهاز المخابرات العامة؟ يبدو هذا مستبعداً، فلو أن هناك جهة سترفض مشروع القانون وترفض انتخابات محلية في الوقت الراهن فهذه الجهة هي الأمن الوطني لأنها المخولة بهذا الملف وهي التي تتحرك فيه على الأرض وتعلم صعوبات تطبيقه حالياً. أين السيسي من هذا الجدل؟ لو قلنا أن الأحزاب هي ممثلة للمخابرات العامة، وأن المخابرات العامة ومديرها عباس كامل هو الأقرب للسيسي،…

تابع القراءة

محددات الموقف الخارجى المعادى للثورات…دراسة حالة الموقف الفرنسى والإماراتى من الحراك الجزائرى

يعتبر التدخل الخارجى فى الثورات من أهم العوامل التى تساهم فى انجاحها أو إفشالها، وهو ما ظهر جلياً على خلفية التدخلات الخارجية فى الموجة الأولى للثورات العربية فى 2011، والتى يمكن القول أن جل هذه التدخلات أدى إلى اجهاض تلك الثورات. وقد برزت دول معينة معروفة بعدائها ونشاطها لاجهاض أى ثورات محتملة على راسها فرنسا والإمارات. وعليه تسعى هذه الورقة إلى محاولة التعرف على محددات الموقف الفرنسى والإماراتى المعادى للحراك الجزائرى؛ لتحييد تلك المواقف فى الموجة الثانية من الثورات التى ظهرت مع أواخر 2018. محددات التدخل الفرنسى والإماراتى من الحراك الجزائرى: 1- الاستقرار: يمكن القول أن الدول الغربية لا تحاول افشال أو تقف على الحياد أو تدعم الثورات فى البداية رغبة منها فى العودة مرة أخرى إلى حالة الاستقرار بسرعة، والمقصود بحالة الاستقرار هنا هو الاستقرار على مستوى السلطة الحاكمة، وتهدئة الحراك وعدم انجراره نحو العنف، وعدم انتقال الحراك إلى دول أخرى. ولعل ذلك ما يفسر عدم ممانعة فرنسا لفكرة الإطاحة ببوتفليقة ورفض ترشحه لعهدة خامسة فى مقابل عدم حدوث تغييرات على معادلة الحكم القائمة المتمثلة فى سيطرة العسكريين على السلطة. وهو ما يمكن الاستدلال عليه ببعض المؤشرات التى ترجح وجود دعم فرنسى للإطاحة ببوتفليقة، إذ نشرالموقع الإخباري الفرنسي «لونوفال أبوسيرفاتور» في 26 فبراير الماضى (بالتزامن مع الاحتجاجات ضد بوتفليقة) تقريرًا تضمن وثائق سرية من الأرشيف الفرنسي للمخابرات، متعلقة بالرئيس بوتفليقة، إذ صورته على أنه «رجل مؤامرات»، وأشارت إلى أن له يدًا في انقلاب الرئيس السابق بومدين على الرئيس الأسبق بن بلة، كما أنه متورط في اغتيال المناضل الجزائري كريم بلقاسم1. كما أن الدعم الدولى – بما فى ذلك فرنسا والإمارات – لاستقرار الجزائر يرجع إلى أن أي اضطراب فيها قد يؤثر بشكل كبير في المناطق المحيطة بها، خصوصاً أن الأوضاع الأمنية ما زالت هشة بكل من مالي وليبيا والنيجر وبدرجة أقل في تونس. بالإضافة إلى أن أي اضطراب بالجزائر سيؤثر مباشرة في تدفق المهاجرين غير النظاميين إلى أوروبا، سواء من الجزائر نفسها (تحصي أكثر من 42 مليون نسمة) أو من الدول الإفريقية التي تعتبر الجزائر منطقة عبور إليها نحو أوروبا، والذين تتشدد الجزائر حالياً في منعهم من الوصول إلى الضفة الأخرى من البحر المتوسط، وتعيدهم إلى بلدانهم وفق اتفاقيات ثنائية2. وعليه، يمكن لمتابع الإعلام الفرنسي أن يلمس وجود تذبذب للمواقف من الحراك؛ إذ إن هناك تأييدًا لمطالب الحرية والديمقراطية من طرف بعض الأصوات، كما أن هنالك أطرافًا تدعو إلى الحذر من انجرار البلاد إلى العنف، أو الفوضى، وتذكر بتجربة سنوات التسعينات والعشرية السوداء، وهو ما قد يؤدي إلى موجات هجرة كبيرة إلى أوروبا وفرنسا بالتحديد، التى تبقى الوجهة الأولى للمهاجرين الجزائريين3. أضف إلى ذلك أن ملف الهجرة أصبح أحد أكثر الملفات إثارة للجدل في السياسة الأوروبية مع ارتفاع أصوات اليمين المتطرف المعادية للمسلمين وللمهاجرين بشكل عام، بعد الموجة التي عرفتها أوروبا في السنوات الأخيرة عبر كل من تونس وليبيا4. 2- البديل: لاتزال فكرة البديل عن النظام السابق تلعب دوراً أساسياً فى تحديد الموقف الخارجى. ففى كل الحالات السابقة التى شهدتها الموجة الأولى من الثورات العربية فى 2011 يظهر أن هناك رفضاً دولىاً للبديل الإسلامى، بينما هناك قبول دولى فى حالة ما إذا كان البديل علمانى أو البديل عسكرى. ولعل ذلك ما بات يستوعبه الإسلاميون فى الجزائر الذين أصبحوا يتواجدون بشكل غير متصدر فى الحراك الحالى. ويمكن التأكيد على هذه الفكرة بالرجوع إلى التجربة التاريخية للجزائر، والتى تظهر أن هناك رفض دولى (فرنسى على وجه الخصوص) لوصول الإسلاميين إلى الحكم، فعندما كانت الإنتخابات عام 1991 تسير لصالح الجبهة الإسلامية للإنقاذ، كانت الأوساط السياسية فى فرنسا تدعو بصورة كبيرة لتدخل الجيش لوقف المسار الإنتخابى، وبعد إيقاف المسار الإنتخابى وتصاعد الحرب بين الجبهة والجيش، قامت فرنسا بتزويد قوات الجيش والأمن الجزائرى بأسلحة ومعدات تقدر ب 100 مليون للسيطرة على الوضع الأمنى، وتوسطت لدى مؤسسات التمويل الدولية لإعادة جدولة جزء من ديون الجزائر5. وبالنظر إلى الحراك الجزائرى الحالى، فهناك أحاديث عن وجود خطة فرنسية إماراتية سعودية تعمل على إعادة تأهيل النظام الحاكم عبر دعم المؤسسة العسكرية بعشرات المليارات6؛ وذلك لإجهاض الحراك الجزائرى الحالى، ووقف عدوى الديمقراطية فى العالم العربى، والأهم منع وصول الإسلاميين إلى الحكم. خاصة وأن الحراك منذ بداياته الأولى رفع شعارات ترفض تدخل فرنسا في الشأن الجزائري، مثل “ماكانش الخامسة يا أولاد فرنسا” و”لا تفرح يا ماكرون الجزائريون صامدون”7. وهو ما دفع فرنسا إلى محاولة اجهاض هذا الحراك، فقد ظهرت بعض التحليلات الفرنسية التي ربطت بين خروج الاحتجاجات الحاشدة في يوم الجمعة، واعتبرت أنها خرجت من المساجد في إشارة إلى أن الإسلاميين هم المسؤولون عن تحريك الشارع. كما قامت “وكالة الأنباء الفرنسية الرسمية” بالتقليل من عدد المشاركين فى احتجاجات 22 فبراير الماضي بحديثها عن مئات المحتجين في العاصمة. كما حاولت وسائل الإعلام الفرنسية اظهار الحراك بمظهر العنف، فقد ركزت “وكالة الأنباء الفرنسية الرسمية” في صورها التعبيرية على صورة شخص يقوم بركل أحد رجال الشرطة، كما قامت بعض الأجهزة الاعلامية الفرنسية الناطقة بالعربية مثل موقع إذاعة «مونت كارلو الدولية» بالتاكيد على “إصابة 183 شخصًا في الاحتجاجات بالجزائر”، رغم الطابع السلمي والهادئ الذي عرفته الاحتجاجات في شكلها العام؛ مما قد يشير إلى نظرة فرنسيّة متشكّكة من هذا الحراك الاحتجاجي8. وقد اتُهمت الإمارات على وجه الخصوص بمحاولة إبراز دور الجيش وقائده الفريق أحمد قايد صالح عبر أذرعها الإعلامية. فقد أبرزت وسائل الإعلام الإماراتية أخبار زيارة قايد صالح للإمارات، قبل تصاعد الاحتجاجات في فبراير الماضي، واستقباله من قبل محمد بن راشد نائب رئيس الإمارات وحاكم دبي. وكذلك لقاء بين منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة، مع صالح والوفد المرافق له على هامش معرض “آيديكس 2019”. وكان موقع استخباراتي فرنسي أشار خلال شهر مارس الماضي أن الإمارات توسطت لدى واشنطن ليكون أحمد قايد صالح خليفة لبوتفليقة، وأكد الموقع أن صالح زار الإمارات مرتين لبعث رسائل مطمئنة إلى الولايات المتحدة، غير أن الإمارات فشلت في إقناع واشنطن بالرهان على سيسي (نسبة لقائد الانقلاب في مصر عبد الفتاح السيسي) جديد في شمال أفريقيا، بل أن الدبلوماسية الأمريكية أطلقت علناً تحذيراً ضد كل أشكال القمع الوحشي للمتظاهرين الجزائريين9. ولا تقتصر فكرة البديل على إمكانية وصول الإسلاميين إلى الحكم، بل تشمل أيضاً إمكانية وصول شخصيات معادية للنفوذ الفرنسى والإماراتى، وسعيها لاستبداله بنفوذ أخر روسى وتركى بالأساس. فمؤخراً، زاد الحديث عن تصاعد الدور الروسى فى الجزائر، وإمكانية أن يكون بديلاً عن النفوذ الفرنسى، لاسيما وأن معظم القيادات الحالية للجيش الجزائرى تلقت تدريبها فى موسكو. إلى جانب عقد العديد من صفقات السلاح مع روسيا، كانت آخرها الصفقة التي كشفت عنها صحيفة «فيدوموستي» الروسية وذكرت أن الجزائر وقعت صفقة طائرات…

تابع القراءة

الحراك اللبناني بين عوامل الداخل والخارج

خرج مئات الآلاف من المتظاهرين فى لبنان يطالبون بظروف معيشية أفضل، إلا أن العامل الخارجى سيلعب بالضرورة دوراً كبيراً فى تشكيل مستقبل هذا الحراك، وسيتناول هذا التقرير الموقف الخارجى من الحراك اللبنانى مستنداً إلى عدد من المحاور أولها، طبيعة الحراك الحالى وهل سيوفر بديل يحظى بقبول لدى دول الخارج أم لا، ثانيها،هل سيسهم هذا التغيير فى إحداث هزة اقتصادية تؤثر على المصالح الاقتصادية للدول الخارجية وأهمها فيما يتعلق بالشأن اللبنانى هم إيران وأمريكا واسرائيل، وثالثها، كيف سيؤثر هذا الحراك على استقرار تلك الدول. العنصر الأول: طبيعة الحراك انطلق الحراك اللبناني في السابع عشر من أكتوبر الماضى، عقب إعلان وزير الاتصالات محمد شقير نيّة الحكومة فرض ضريبة بقيمة 6 دولارات أمريكية على مستخدمي (واتساب) شهريًّا، ما أثار حفيظة الجمهور اللبناني، فاندفع بأعداد كبيرة إلى الشوارع والساحات من أقصى الشمال اللبناني حيث الكثافة السنّية، إلى أقصى الجنوب حيث الكثافة الشيعية، مرورًا بالجبل حيث الكثافة المسيحية والدرزية، وانتهاءً بالعاصمة بيروت التي تحتضن بانوراما الطوائف اللبنانية الثماني عشرة، وقد كان الحراك مصحوباً بوجود درجة من الوعى، فما ميز الحراك بشكل واضح عن جميع الاحتجاجات التي شهدها لبنان خلال الأعوام الماضية هو الغياب التام للأعلام الحزبية المميزة للطوائف المختلفة، وهيمنة لون واحد فقط هو لون العلم اللبناني الأبيض، رفقة مطلب واحد صريح هو إسقاط النظام القائم بجميع طوائفه ورموزه بلا استثناء، وهو ما عبَّر عنه المتظاهرون اللبنانيون بشعارهم الأثير “كلن يعني كلن”[1]. إلا أن ما يحدث فى لبنان لا يمكن أن نطلق عليه ثورة بحق، لأن الثورة تستهدف تغيير فى طبيعة السيطرة الاقتصادية والسياسية وهو ما سيكون صعب حدوثه فى لبنان، فشعار «إسقاط النظام» لا معنى له في بلد مثل لبنان، ففى لبنان النظام قائم بصرف النظر عن العهد، فيما العهد هو النظام في الدول الأخرى. فالمطالبة بإسقاط النظام عند المحتجّين والمحتجّات هي مطالبة بإسقاط العهد، إلا أن التغيير الجذري يكون في إسقاط نظام الحكم (السياسي والاقتصادي) برمّته لأن شعار الديموقراطية الذي يُرفع في الدول العربية يعني إجراء انتخابات في بلاد لم تجرِ فيها انتخابات حرة من قبل، مثل تونس أو مصر قبل السيسي. إلا أنه في لبنان، شعار الانتخابات من شأنه الإتيان بنفس الطبقة السياسية، لكن بشراسة أكبر. وبالتالى فالرهان سيكون فى القدرة على ممارسة درجة عالية من الضغط والقدرة على توفير بديل يحظى بقبول بين مختلف طوائف الشعب البنانى والذى يمكن تقديمه للمجتمع الخارجى، وعلى أساسه يتم تشكيل رد فعل خارجى تجاه ذلك الحراك وطبيعة البديل الذى يطرحه[2]. العنصر الثانى: كيف سيؤثر الحراك على مصالح الدول الخارجية رفعت الاحتجاجات عدد من المطالب منذ اللحظة الأولى، أبرزها انهاء الفساد واستقالة حكومة سعد الحريري واجراء انتخابات جديدة وتجاوز المحاصصة الطائفية السياسية. فلبنان لا يحكمه نظام سياسي موجود في النظم السياسية، بل يُحكم من أمراء طوائف تشكل إقطاعيات تمتهن الطائفية السياسية، حيث أن كل طائفة  تحصل على مكتسباتها وحمايتها وحضورها من إقطاعيتها السياسية، وتلتزم بتعليمات الأمير لحد بعيد، ولا يمكن لهذه الرعايا المتوزعة على تلك الاقطاعيات أن تخرج وتتوحد دون علم أو موافقة أمرائها، ولا أن تشكل شعبا واحدا أو جيشا بعقيدة واحدة أو هدفا واحدا كما نراه يتشكل في هذه الانتفاضة في لحظات. بل يمكن ذلك وفقط من خلال نظام ديمقراطي حقيقي بعيد عن الطائفية السياسية، وهذا محارب من مراكز قوى الطائفية في الداخل، ومن مراكز القوة الغربية الدولية[3]. حيث يبدو أن هناك حالة ارتياح واضحة لدى قادة الاحتلال الإسرائيلي لما يجري في لبنان، مع العلم أن هناك مطالب محقّة لدى اللبنانين إلا أن هناك جهات خارجية تركب موجة المظاهرات، وتعمل على حرفها عن مسارها، بهدف زعزعة الاستقرار فى لبنان، الأمر الذي يصبّ في مصلحة الصهاينة بالدرجة الأولى لأن استمرار حالة الفوضى في لبنان سيكون لمصلحة الأمن القومي الإسرائيلي. فالمواقف المعلنة من قِبل الدول الخارجية، أولاً:السعودية، فقد التزمت الرياض الصمت بشكل عام، حرصًا منها على ألا تبدو طرفًا مؤثّرًا في الحَراك الجماهيري، على الرغم من اتهامها ضمنًا بأنها تقف خلف استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري، وبأنها سبب في تعطيل تشكيل حكومة تكنوسياسية. هذا في الوقت الذي تبذل فيه الكثير من الوسائل الإعلامية المحسوبة على السعودية جهدًا مكثّفًا في تغطية الحدث تغطية إخبارية وتحليلية، تتسم بالانحياز إلى موقف سعد الحريري والحراك في مواجهة حزب الله وحلفائه. ثانيا: الولايات المتحدة الأمريكية، بدايةً، التزمت واشنطن -كما فعل الغرب- الصمت، حتى لا تبدو طرفًا مؤثّرًا في الحدث، وفقًا لنظرية التدخل الخارجي أو المؤامرة، إلى أن خرج وزير الخارجية (مايك بومبيو) داعيًا إلى مساعدة الشعب اللبناني على «التخلّص من النفوذ الإيراني». ما عزز رواية المشكّكين في مآلات الحراك على حزب الله وحلفائه، وأزعج قوى الحراك التي رفعت شعارات ترفض التدخلات الخارجية. ثالثا: إيران: عدت الحراك حالة شعبية تعبر عن هموم المواطن اللبناني، ولكنها حذرت في الوقت نفسه من محاولات استغلاله من قُوى خارجية تعادي لبنان ونهج المقاومة ضد إسرائيل. وفي السياق ذاته فإنها ربطت بين ما يجري في لبنان وما يجري في العراق[4]. العنصر الثالث: كيف يؤثر الحراك على المصالح الاقتصادية للدول الخارجية تعانى لبنان من أزمات اقتصادية طاحنة خلفتها استشراء الفساد داخل الطبقة الحاكمة، والفشل الحكومى فى التعامل مع الأزمات، حيث يحتل لبنان المرتبة رقم 138 من بين 180 في مؤشر مدركات الفساد الصادر عن الأمم المتحدة العام الماضي 2018، مع دين عام يبلغ 86 مليار دولار وتبلغ نسبته 152% من الناتج المحلي الإجمالي، ومعدلات نمو تدور حول 1% فقط، وعجز في الموازنة بلغ 11% في العام الماضي أيضاً، وحكومة عاجزة عن تلبية الحد الأدنى من تطلُّعات شعبها[5]. وبالتالى فالحراك سيشهد تأثيراً كبيراً على المصالح الاقتصادية للطبقة الحاكمة ومن ورائها مصالح الدول الخارجية التابعة لها، أبرزها إيران التى تأتى تلك الاحتجاجات فى الوقت الذى تعانى فيه من أزمات اقتصادية خانقة بسبب العقوبات الاقتصادية التى فرضتها إدارة الرئيس الأمريكى “دونالد ترامب” في سياق ما تسميه سياسة “الضغوط القصوى” ضد طهران، والتي تشمل عقوبات أخرى ضد حلفاء إيران ووكلائها في لبنان. وبالتالى ستشكل المصالح الاقتصادية عنصراً أساسياً فى التعامل مع الحراك نظراً لما يحمله ذلك الحراك من مآلات قد تضر بمصالح النخبة الحاكمة ومن ورائها الدول الخارجية التابعة لها، حيث يشير مسؤولون أميركيون إن هناك مشاعر قلق حقيقي في طهران من أن تتحول التظاهرات الاحتجاجية في لبنان إلى تهديد خطير ونوعي وغير معهود لمصالح إيران الاستراتيجية ومكاسبها السياسية والاقتصادية التي حققتها في العقود الماضية في العالم العربي[6]. [1]               أحمد الحيلة، الحراك اللبنانى والحواجز الطائفية، السياسة الدولية، 22/11/2019، الرابط:                 https://www.alsiasat.com/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%8E%D8%B1%D8%A7%D9%83-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%88%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%AC%D8%B2-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A7%D8%A6%D9%81%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3/ [2]               أسعد أبو خليل، إنها ليست ثورة فى لبنان ولكن، جريدة الاخبار اللبنانية، بتاريخ: 26/10/2019، الرابط:                 https://www.al-akhbar.com/Lebanon/278378/%D8%A5%D9%86%D9%87%D8%A7-%D9%84%D9%8A%D8%B3%D8%AA-%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86-%D9%88%D9%84%D9%83 [3]           مؤسسة محمديون للثقافة والنشر،كواليس الحراك الشعبي في لبنان والعراق، بتاريخ:28/12/2019، الرابط:…

تابع القراءة

قانون الأزهر لـ”الأحوال الشخصية”..هل ينتصر الطيب على السيسي؟

في تطور جديد في الأزمة المتصاعدة بين شيخ الأزهر وقائد الانقلاب العسكري، وضمن مساعي التغريب وعلمنة المجتمع المصري، رفض رئيس البرلمان علي عبد العال إدراج مشروع قانون الأحوال الشخصية المقترح من مؤسسة الأزهر، ضمن جدول أعمال اللجان النوعية بمجلس النواب. وفق ما كشفته مصادر برلمانية عن أن علي عبد العال رفض طلباً شفهياً من رئيس لجنة الشؤون الدينية في البرلمان أسامة العبد، بإحالة مشروع قانون الأحوال الشخصية (الأسرة) المُعد من الأزهر إلى اللجان المختصة لمناقشته، خلال لقاء جمعهما أخيراً، تحت ذريعة أن “الأزهر ليس له صفة دستورية للتقدم بمشاريع القوانين“. وأضافت المصادر أن “عبد العال” احتد على “العبد”، على الرغم من العلاقة الجيدة التي تربطهما، مبرراً رفضه مناقشة مقترح الأزهر بشأن القانون بأن الدستور اختص رئيس الجمهورية، ومجلس الوزراء، وأعضاء البرلمان، باقتراح التشريعات على سبيل الحصر، وبالتالي يجب انتظار تقدم الحكومة بمشروعها عن القانون إلى البرلمان. فيما رجحت مصادر عدم تقدم الحكومة بمشروعها بشأن الأحوال الشخصية في وقت قريب، بهدف تفويت فرصة مناقشته في دور الانعقاد الحاليّ، الذي يعد الخامس والأخير في الفصل التشريعي، ومن ثم تأجيله إلى التشكيل الجديد لمجلس النواب، على اعتبار أن هذا التشريع قد يؤدي إلى حالة من الغضب المجتمعي إزاء مؤسسات الدولة حال تمريره على عجل، وهو ما يتخوف معه، “تأجيج شريحة كبيرة من المواطنين على سياسات النظام الحاكم“.     واعتبرت المصادر أن موقف عبد العال ليس فردياً، وإنما استند إلى تعليمات أعلى، يُرجح أنها من مؤسسة الرئاسة، في ظل الصراع المستتر بين السيسي وشيخ الأزهر أحمد الطيب، في ما يخص القضايا الدينية، لا سيما أن القانون من التشريعات التي يعتبرها النظام “شائكة”، ويحتاج إلى مزيد من المراجعة والتدقيق قبل طرحه على الرأي العام.   مشروع قانون الأزهر   وبداية أزمة القانون، تعود إلى 18 من أكتوبر 2017 حين أصدر شيخ الأزهر قرارًا بتشكيل “لجنة لإعداد مقترح مشروع قانون لتعديل بعض أحكام القوانين المصرية المتعلقة بالأحوال الشخصية، لتقديمه لمجلس النواب، وذلك بعد مراجعة الأزهر عدد من القوانين المحالة إليه من اللجنة الدينية ، باعتباره الفيصل في الرأي الشرعي فيما يخص مسائل الزواج والطلاق والنفقة وغيرها. لكن اتضح للأزهر أن مشروعات القوانين والمقترحات التي قدمها نواب البرلمان ومنظمات نسائية جاءت مخالفة للشريعة الإسلامية. وعليه قرر الطيب تكليف هيئة كبار العلماء بوضع مشروع قانون متكامل من جانب الأزهر وتجاهل المشاريع الأخرى، وبعد قرابة 30 اجتماعًا أُعلن المشروع النهائي أكتوبر الماضي. ويتكون مشروع القانون من 192 مادة، استوعبت قضايا الأحوال الشخصية في صياغة تهدف إلى معالجة ما يعاني منه المجتمع من مشكلات، وفق المذكرة الإيضاحية للمشروع. وحدد القانون المقترح الحالات التي يتم فيها الطلاق بين الزوجين، منها أنه لزوجة المحبوس المحكوم عليه نهائيًا بعقوبة مقيدة للحرية مدة 3 سنوات فأكثر أن تطلب من المحكمة بعد مضي 6 أشهر من حبسه، التطليق للضرر، ولو كان له مال تستطيع الإنفاق منه. كما أن للزوجة طلب التطليق بسبب امتناع الزوج عن النفقة المستحقة، فإن كان للزوج مال ظاهر نفذ عليه الحكم بالنفقة في ماله، فإن امتنع طلق عليه القاضي، وأيضا، إذا ادعت الزوجة إضرار الزوج بها إضرارًا يُخل بالعشرة بينهما، جاز لها طلب التفريق، فإن طلبت التطليق وثبت الضرر وعجز القاضي عن الإصلاح بينهما حكم بالتطليق.   وعلى الزوج أن يقر في وثيقة الزواج بحالته الاجتماعية، فإن كان متزوجًا فعليه أن يبين في الإقرار اسم الزوجة أو الزوجات اللائي في عصمته، ومحال إقامتهن، وعلى الموثق إخطارهن بالزواج الجديد بإرشاد الزوج، وبخطاب مسجل مقرون بعلم الوصول. وأضاف أن للزوجة التي تزوج زوجها عليها بأخرى وتضررت من ذلك أن تطلب الطلاق.   ويتضمن مشروع القانون آلية محكمة لتنفيذ الأحكام القضائية الخاصة بقضايا الأسرة، ومراعاة تقديم نفقة عادلة للمرأة في حالة الانفصال؛ بما يضمن رعاية جيدة للأطفال، وكذلك ضوابط الحضانة، ومعالجة المشاكل الناتجة عن تعدد الزوجات، وضبط الحقوق والواجبات المترتبة على الطلاق. جدل  علماني مدني   إلا أن عددا من المؤسسات المدنية انتقدت مشروع قانون الأزهر، فاعتبرت الناشطة الحقوقية، “عزة سليمان”، رئيسة مؤسسة “قضايا المرأة” أن مشروع القانون المقدم من الأزهر يعد تدخلا غير مقبول، يدخل البلاد إلى دائرة الوصاية الدينية التي تخلق مشاكل عديدة، خاصة بين أتباع الديانات الأخرى. أيضا، يرى التيار المعارض لمشروع الأزهر داخل البرلمان، والذي يقوده مجموعة من النواب، أبرزهم محمد فؤاد، ومحمد أبو حامد، وآمنة نصير، أن الأزهر لم يتعرض لنقاط هامة في مشروعه، مثل حق الرؤية وسن الحضانة للطفل، وهي أمور محل اجتهاد، ويجب أن تخضع لتطورات كل مجتمع، بوصفها تمس نحو 70% من القضايا المتداولة في ساحات المحاكم. وتنظم قضايا الزواج والطلاق والخلع والنفقة والحضانة والإرث والوصية للمسلمين أربعة تشريعات في مصر، وهي القانون رقم 25 لسنة 1920 وتعديلاته، والقانون رقم 25 لسنة 1929 وتعديلاته، والقانون رقم 1 لسنة 2000 (إجراءات التقاضي في قضايا الأحوال الشخصية)، والقانون رقم 10 لسنة 2014 (إنشاء محاكم الأسرة).   وكان شيخ الأزهر قد قال، في تصريحات متلفزة، إن “الأزهر ليس جهة تشريع، ولكن حين يتعلق الأمر بقوانين مصدرها الشريعة الإسلامية، فلا يجب أن يُترك لغير العلماء”، وهو ما ردت عليه رئيسة “المجلس القومي للمرأة” مايا مرسي بالقول إن “هناك تخوفات من مواد نفقة العدة والطفل، وغيرها من شؤون حقوق المرأة في القانون”، مشددة على ضرورة خروج التشريع بشكل متوازن، وبتوافق مجتمعي حول جميع مواده. إلا أن الطيب رد على الانتقادات الموجهة للأزهر قائلاً، في مقال سابق بمجلة “صوت الأزهر”، إن “إعداد مشروع القانون جاء انطلاقاً من واجب شرعي، لأن التشريع متعلق بمصادر القرآن والسنة”، مضيفاً أن “الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد الذي يمكن أن تنطلق منه أحكام الأحوال الشخصية للأسرة”. وتنص المادة السابعة من الدستور المصري على أن “الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شؤونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، ويتولى مسؤولية الدعوة، ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم. وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه“.       6 مشروعات قوانين سابقة   ولم يكن مشروع القانون المقدم من الأزهر هو الأول من نوعه لتعديل القانون الحاليّ المعمول به منذ عام 1920، إذ سبقته العديد من المحاولات والتجارب لكن باءت جميعها بالفشل في ظل حزمة من العراقيل التي حالت دون وصول المشروعات إلى ساحات النقاش الرسمية وفي مقدمتها البرلمان. 6 مشروعات قوانين بشأن قانون الأحوال الشخصية قدمها أكثر من 370 نائبًا خلال الأعوام القليلة الماضية، منها 3 مشروعات خلال العامين الماضيين فقط، حملت تواقيع كل من النائب محمد فؤاد و59 نائبًا، والنائبة عبلة الهواري و60 نائبًا، بجانب النائب سمير رشاد و80 نائبًا.   هذا بخلاف ثلاثة مشاريع أخرى تتضمن تعديلات على بعض المواد في القانون القائم….

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022