المؤتمرات الشبابية .. السيسي على خطى عبد الناصر .. قراءة في الجدوى والرسائل
فكرة المؤتمرات الشبابية ليست وليدة اليوم، بل لها جذور قديمة منذ انقلاب 23 يوليو 1952م، وقد أدرك نظام الدكتاتور جمال عبد الناصر ومن بعده المستبدان محمد أنور السادات ومحمد حسني مبارك، أهمية تجنيد قطاع من الشباب لتربيتهم على أفكار النظام والولاء المطلق له؛ ولتحقيق هذه الأهداف تم تنظيم عدة مؤتمرات: الأول: احتضنه مبنى المدينة الجامعية لجامعة القاهرة، تحت مسمى «اللقاء الأول لشباب الجامعات المصرية سنة 1954م” والذي أشرف عليه أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة الضابط كمال الدين حسين، وشارك فيه ما يزيد عن “800” طالب وطالبة. وبدأ اللقاء بطابور عرض للطلاب المشتركين في الحرس الوطني، وفي إطار النشاط الفني تم تقديم مسرحية قام ببطولتها الفنان فؤاد المهندس الذي كان طالبًا بمرحلة الدراسات العليا بكلية التجارة جامعة القاهرة في ذلك الوقت، كما شارك الفنان والموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب الذي لحَّن أغنية قامت بها الطالبة ليلي سعودي والتي تم مكافأتها بعد ذلك بتعيينها في منصب مدير إدارة العلاقات العامة والإعلام بمكتب وزير التعليم. المؤتمر الثاني: لشباب الجامعات تم في يوليو 1956م، عام قرار تأميم قناة السويس. ثم بعد ذلك تم إلغاء المؤتمرات الشبابية بعد احتلال العدوان الثلاثي لسيناء وعدوانهم على مدن القناة “بورسعيد والإسماعيلية والسويس”. الثالث: نظمته جامعة عين شمس خلال فترة الستينات، والذي ضم مجموعة منتقاة من الشباب الذي يتصفون بالولاء المطلق للنظام والدفاع عن سياساته وتوجهاته، (شباب التنظيم الطليعي) وتقريبا تم تعيين معظم المشاركين فيه في مراكز ومناصب مهمة وحساسة بعد عدة سنوات ليكونوا عين النظام على الآخرين ورجاله في إدارة دواليب العمل الحكومي من أجل التحكم المطلق في جميع مفاصل الدولة. وهو اللقاء الذي أعقبته مباشرة الهزيمة المدوية سنة 1967م. فتم إلغاء هذه المؤتمرات لحين استرداد الأرض حتى سنة 1973م. مضى عهد الرئيس الأسبق محمد أنور السادات دون اهتمام بتنظيم مؤتمرات شبابية، حتى جاء عهد حسني مبارك، فتم إقامة اللقاء الرابع للشباب في أغسطس سنة 1987م، بمدينة الإسماعيلية والذي حضره مبارك. ورغم الدعاية الضخمة لانعقاد مؤتمر شباب الجامعات في رحاب جامعة القاهر في يناير 1991م، والتأكيد على أن مبارك سوف يفتتح إشارة البدء لأضخم مؤتمرات الشباب إلا أن مبارك اعتذر ولم يحضر. وظل أسبوع شباب الجامعات يعقد بشكل منتظم خلال الفترة من (1991م حتى 2010م) تحت رعاية جمعية “حورس” التي كان له فرع في جميع كليات الجامعات تحت إشراف أمن الدولة مباشرة، لكن مبارك لم يشارك في أي منها، وبدأت جمعيات حورس تفقد دورها لسببين: الأول تمييز شبابها على باقي الشباب في برنامج قطارات الشباب التي كانت تنطلق إلى محافظات مختلفة بدعم واسع من النظام فكان لهم سكن مميز ونفوذ وامتيازات عن باقي المشاركين وغالبهم شباب عادي غير مسيس. والثاني هو فضائح شباب حورس الجنسية التي فضحتها حملات صحفية مميزة وحجم الانحلال الأخلاقي بين شبابها وفتياتها. وفي سنة 1998م، بدأ طموح مبارك الابن في وراثة الحكم عن أبيه، وتم تدشين جمعية “جيل المستقبل” وكانت أهدافها المعلنة هي تطوير قطاع الموارد البشرية بمصر، بحيث يصبح قادرا على خوض غمار المنافسة على الساحة العالمية. وأيضا نقل ثقافة القطاع الخاص وإعادة تكييفها بحيث تتلاءم مع مستويات التميز والإنجازات العالمية من خلال تطوير قطاع الموارد البشرية. شارك في تأسيسها عدد من الوزراء ورجال الأعمال وقادة الحزب الوطني وقتها، منهم أحمد عز ورشيد محمد رشيد وأحمد المغربي ومعتز الألفي، وكان جمال هو رئيس مجلس إدارتها. واستهدف تأسيسها في حقيقة الأمر، تكوين جيل شبابي يتبنى أفكار مبارك الابن ويساهم في تمكينه لاحقا من وراثة الحكم بعد أبيه، وذلك بعد تربية هؤلاء الشباب على الولاء المطلق لمبارك الابن وأفكاره وتعيين هؤلاء في مناصب الدولة الحساسة حتى يكونوا سند النظام عندما تحين فرصة التوريث. «12» مؤتمرا في عهد السيسي وبعد انقلاب 30 يونيو 2013م على المسار الديمقراطي والإطاحة بالرئيس محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر الحديث والمعاصر، تبنى نظام الطاغية عبد الفتاح السيسي أفكار الدكتاتور الأول لانقلاب 23 يوليو جمال عبد الناصر، ومضى على خطاه في سبيل تكوين جيل شبابي يتمتع بالولاء المطلق لنظام 30 يونيو والدفاع عن سياساته مع منح هؤلاء امتيازات خاصة وتعيينهم في مناصب الدولة الحساسة تماما كما فعل عبد الناصر مع شباب “التنظيم الطليعي”. وفي سبيل ذلك، تبنى تأسيس هيكلين لاحتواء قطاع من الشباب الموالي للنظام: الأول: هم شباب البرنامج الرئاسي، الذي أسسه الطاغية في سبتمبر 2015م. وهو أخطر تنظيمات السيسي الشبابية ومنهم تم تعيين نواب محافظين ومساعدين لوزراء. الثاني: اللجنة التنسيقية لشباب الأحزاب الموالية للسيسي والذي جرى تأسيسها بعد اجتماعات سرية في دهاليز المخابرات العامة تحت إشراف الضابط أحمد شعبان. ومنذ مؤتمر الشباب الأول الذي انعقد بشرم الشيخ بين “25 ــ 27 أكتوبر 2016م” تحت شعار “أبدع.. انطلق”، عقد السيسي خلال السنوات الثلاث الأخيرة وحتى ديسمبر 2019م (12) مؤتمرا شبابيا، منها 8 وصفها إعلامه بالوطنية المحلية، و3 مؤتمرات تم وصفها بمنتديات عالمية (بالإنجليزية: World Youth Forum – WYF) تقام عادة في شهر نوفمبر من كل سنة بمدينة شرم الشيخ بحضور أكثر من 5 آلاف شاب وفتاة من جنسيات مختلفة، إضافة إلى (ملتقى الشباب العربي والإفريقي ” Arab and African youth platform”) بمدينة أسوان في مارس 2019م، والذي تزامن مع دور مصر في ترؤس الاتحاد الإفريقي. ويعتبر المؤتمر الثامن..(القاهرة الجديدة 14 ــ 15 سبتمبر 2019م) أشهرها على الإطلاق حيث تم تنظيمه خصيصا بشكل مفاجئ وبطلب من السيسي للرد على الاتهامات التي وجهها الفنان والمقاول محمد علي للسيسي وأسرته والمؤسسة العسكرية بالفساد الذي يصل حجمه إلى مليارات الجنيهات. والتي راجت بشدة وعلى نطاق واسع بين الناس، وذلك بحضور 1600 مشارك كلهم من شباب البرنامج الرئاسي وتنسيقية الشباب، بمركز المنارة للمؤتمرات في القاهرة الجديدة. وبعده بشهرين فقط، اختتم المنتدى الثالث لشباب العالم أعماله (شرم الشيخ 14ـ 17 ديسمبر 2019م) بمشاركة أكثر من 7 آلاف شاب وفتاة يمثلون 196دولة. رسائل النظام الرسالة الأولى أن مؤتمرات السيسي الشبابية تمثل بديلا سياسيا ظاهرا لفكرة الأحزاب التي لا يؤمن بها الطاغية من الأساس، إلا إذا كانت تدور فلك النظام وتسبح بحمده وتدافع عن سياساته حتى لو كانت بالغة الخطأ والشذوذ، إضافة إلى أن هذه المؤتمرات ما هي إلا انعكاس وصدى وصورة ظاهرة لما يجري في الخفاء داخل ما يسمى بشباب البرنامج الرئاسي أو اللجنة التنسيقية لشباب الأحزاب؛ وهي تماثل تماما فكرة «التنظيم الطليعي» عندما رفض الديكتاتور عبد الناصر فكرة التعدد في الكيانات السياسية، مستعوضًا عنها بكيان واحد يضم التيارات المسموح بوجودها فقط والتي تدعم النظام وتدافع عن سياساته؛. والهدف من كلاهما في حالتي عبد الناصر والسيسي هو تجنيد العناصر التي تراها السلطة صالحة للقيادة وتنظيم جهودها لخدمة النظام. الرسالة الثانية، موجهة لكل شباب مصر والقوى السياسية الأخرى، أنه لا مكان في مستقبل…