“ممالك النار”.. حرائق “بن زايد” يطفئها المؤرخون

بقلم: حازم عبد الرحمن أنتجت دولة الإمارات مسلسلا تاريخيا باسم ” ممالك النار”, بتكلفة 40 مليون دولار، ويتناول فترة دخول العثمانيين مصر بقيادة السلطان سليم الأول، وصراعه مع السلطان المملوكي قنصوه الغوري, ومن بعده طومان باي, وبدا واضحا أن المسلسل يهدف إلى تشويه تاريخ الدولة العثمانية التي تمثل تركيا امتدادا عصريا لها, وأيضا تأليب الرأي العام العربي, وخاصة المصري ضد تركيا الحديثة, رغم أن الأحداث التي يعالجها المسلسل قد مضى عليها أكثر من خمسة قرون, ولم يعد لها تأثير في السياسة الدولية اليوم, بل إن المماليك الذين قاتلهم سليم الأول لم يكونوا عربا ولا مصريين, فقد كانوا مجلوبين من بلاد بعيدة, وهم في غالبيتهم من بلاد الأتراك, ولا يتعاطف المصريون كثيرا مع فترات حكم المماليك التي اتسمت بعدم الرضا عن حكمهم؛ لكونهم مماليك, ولافتقارهم إلى صفات الحاكم العادل من القيام على شئون الرعية وإقامة العدل والالتزام بالشورى والأمانة .. إلخ . ولا يعني ذلك الإجحاف بالدور التاريخي للمماليك في الدفاع عن البلاد ضد العدوان الخارجي, مثل قتال المغول والانتصار عليهم في عين جالوت, وكذلك مواجهة الحملات الصليبية وأسر ملك فرنسا لويس التاسع في معركة المنصورة, وما تلاها من تحرير الشام من التسلط الصليبي, وقد كان الهدف من جلبهم تجنيدهم في خدمة الدولة منذ أن بدأ في استخدامهم الخليفة العباسي المأمون, وجاء بعده الخليفة المعتصم بالله ليستقدم جنودا من التركمان ويضعهم في الجيش كي يعزز مكانته بعد ما فقد الثقة في العرب والفرس الذين قامت عليهم الدولة العباسية، وقد شجع ذلك الخلفاء والحكام الآخرين ممن جاءوا بعدهم في جلب المماليك؛ ليستعينوا بهم, حيث كان كل حاكم يتخذ منهم قوة تسانده، وتدعم الأمن والاستقرار في إمارته أو مملكته. وممن عمل على جلبهم الأيوبيون, وكان المماليك يخضعون لبرامج تربوية خاصة يتعلمون فيها الإسلام واللغة العربية, ويبايعون الملوك والأمراء، ويدربون على الطاعة والإخلاص والولاء, لكن صعود عدد منهم إلى قيادات الجيوش والتنافس بين كبارهم أوقع بينهم الفتن والأحقاد؛ فكان الطامعون منهم يتأمرون ضد بعض, حتى شاعت حوادث القتل بينهم للانقلاب على السلطة القائمة ومحاولة اغتصابها . *علاقة المماليك والعثمانيين كانت العلاقات بين الدولتين المملوكية والعثمانية علاقات أخوية, لم يعكر صفوها إلا خلافات لم تصل حد القتال, وكانت علاقة السلطان قنصوه الغوري بالسلطان بايزيد الثاني والد سليم الأول جيدة, وكانا متصوفين يتبادلان الهدايا, وقدم بايزيد الثاني أحدث أنواع المدافع إلى الغوري عندما طلبها, وكذلك قدم العثمانيون دعم أسطولهم البحري للماليك ضد البرتغاليين, وعندما تولى سليم الأول السلطنة كان اتجاه فتوحاته صوب أوروبا, كما كان نهج أسلافه من قبل, لكن حدثا خطيرا جعله يستدير إلى الشرق, وهو اتجاه السلطان إسماعيل الصفوي إلى نشر مذهبه الشيعي في شرقي الأناضول بعد إعلانه المذهب الشيعي مذهبا رسميا لدولته, وهو أمر خطير في سياسات الدول في كل العصور؛ فلم يكن أمام سليم الأول سوى التوقف عن حروبه في أوروبا, والاتجاه لقتال الشاه الصفوي الذي لم يكن جيشه يمتلك الأسلحة الحديثة من المدفعية والبنادق؛ فانتصر الجيش العثماني على الفرس في موقعة جالديران الشهيرة سنة 1514 م وفر الشاه إلى داخل بلاده. وفي هذه الأثناء كانت مصر تعيش فترة عصيبة من تاريخها تحت حكم المماليك بقيادة السلطان الغوري؛ حيث تم اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح؛ فخسرت مصر عوائد مرور التجارة  الدولية عبر أراضيها, وشاعت المؤامرات بين قيادات المماليك, وانتشرت الخيانات والتجسس, وهبط مستوى الوعي لدى العامة, وكان السلطان قنصوه الغوري يعتمد على رمال ” يضرب الرمل” ليعرف طالعه؛ فأخبره الرمال بأن نهاية ملكه ستكون على يد رجل أول حرف من اسمه “س” فجعل السلطان كل همه في تتبع كل من يبدأ اسمه بحرف السين من قيادات المماليك, وأخذ يرصد الجواسيس لتتبع تحركات “سيباي” أحد قادته. وكان إمام الحديث الحافظ ابن حجر العسقلاني من مؤرخي العصر المملوكي, وسجل عددا من مظاهر سوء الحكم في ذلك العصر, وذكر أن أهالي دمياط كانوا يشتكون من ولاية ابن الملاح عليهم, وهو رجل فاجر, لا يدين بالإسلام؛ فكان حل المشكلة فقط في أن يعلن الرجل إسلامه, ويبقى في منصبه, رغم فجوره الذي ثبت بشهادة الشهود, مع أنه لو كان مسلما من الأصل, وهو على فجوره, ما جاز له أن يتولى على المسلمين, وهكذا كان سوء إدارة الحكم في الحقبة المملوكية, وشاع مثل ذلك في تولي سائر مناصب الدولة. ولما جاء أحد التجار المغاربة إلى السلطان الغوري بـ “البندقية” وأخبره أن هذا سلاح جديد لم يظهر من قبل في المعارك بين الدول, ويقتل العدو عن بعد, رفض الغوري شراء هذا السلاح بحجة أنه لا يجوز شرعا قتل المسلم بالنيران!, وهكذا ارتسمت ملامح نهايات الدول على السلطنة المملوكية, وكانت خيانات اثنين من كبار قيادات المماليك سببا في تسهيل دخول العثمانيين مصر, وكان من هذه الخيانات الأمر بإخفاء المدافع القليلة التي في حوزتهم بالرمال, حتى لا يراها العثمانيون فيأخذوها(!), وهي خديعة لأن هذه المدافع هي السلاح الحديث الوحيد بيد المماليك المسلحين بالسيوف والأدوات الحربية القديمة,ويقاتلون كفرسان ومشاة, حسب الأسلوب الذي اعتادوا عليه دون تطوير, بينما كان الجيش العثماني مسلحا بالمدافع والبنادق وغيرها؛ فكان الطبيعي أن ينتصر برغم المقاومة الباسلة التي أبداها طومان باي ورجاله الذي قاتلوا بكل شرف وشجاعة حتى كانت الخيانة الأخيرة بتسليمه إلى السلطان سليم الأول ليتم إعدامه في مشهد رهيب خلع قلوب المصريين. * بين الغوري وسليم الأول يذكر أحد مؤرخي هذه الحقبة وهو ابن زنبل الرمال السابق الإشارة إليه في ضرب الرمل للسلطان الغوري أن سليم الأول عندما توجه إلى قتال الشاه إسماعيل الصفوي رفض علاء الدولة عامل الغوري على مرعش في الشام أن يبيع الأعلاف والمؤن لجيوش السلطان سليم, وهي تتقدم لحرب الصفويين؛ ما أدى إلى خسائر كبيرة في الدواب والعساكر العثمانية؛ فغضب سليم الأول, وأرسل إلى الغوري يشكو فعلة عامله على مرعش فأجابه الغوري بأن علاء الدولة عاص أمري, ثم كتب الغوري إلى علاء الدولة يشكره على ما فعل ويغريه بقتال السلطان سليم, كما خرجت جيوش الغوري مدججة بالسلاح إلى الشام, وهي تعتقد بأن الغوري سيعقد صلحا بين سليم الأول والصفويين, وليس بهدف قتال العثمانيين, وهناك رؤية مهمة للأحداث يذكرها العلامة محمد فريد وجدي بأن الفتح العثماني لمصر كان عملا مقصودا تماما انتقاما من مشروع تحالف لم يتم بين الصفويين والمماليك ضد العثمانيين, وفي الحالتين كان يمكن للسلطان الغوري أن يجنب البلاد مصير الحرب, لكنه كان يعتقد أن العثمانيين لا يمكن أن يجسروا على قتاله أو دخول مصر لما يعلمونه من فروسية المماليك وجلدهم في القتال, وهي مقولة قد تكون صحيحة بدون استخدام  العثمانيين الأسلحة الحديثة, وهي تعكس جهل الغوري بالتقدم في مجال التسليح والتجمد عند نقطة سابقة في التاريخ, وتقدير حساباته عليها. *طومان باي    بعد هزيمة الجيش المملوكي في موقعة مرج…

تابع القراءة

مشاركة السيسي في قمة “العشرين ــ أفريقيا” بألمانيا.. نتائج متواضعة وتضخيم إعلامي

أثناء انعقاد قمة “العشرين” سنة 2017م، اقترحت ألمانيا مبادرة تحت عنوان «الميثاق مع أفريقيا»، وذلك بهدف زيادة الاستثمارات في القارة الأفريقية، وتوفير فرص عمل لتقليل موجات الهجرة غير الشرعية التي تجتاح أوروبا كل عام، وللمرة الثانية خلال عامين، استضافت برلين قمة أفريقية بمشاركة 11 دولة أفريقية من مجموع 12 انضمت للمبادرة لمناقشة الاستثمارات الألمانية. وكان على رأس المشاركين آبي أحمد رئيس الوزراء الأثيوبي الذي حصل على جائزة نوبل للسلام هذا العام إضافة إلى رئيس الانقلاب العسكري في مصر الجنرال عبدالفتاح السيسي. المستشارة أنجيلا ميركل التي افتتحت المؤتمر الثلاثاء 19 نوفمبر 2019م، حثت الدول الأفريقية على مكافحة الفساد، والترويج للديمقراطية، لتشجيع الاستثمار، بقدر ما حثت المستثمرين الألمان على العمل في القارة الأفريقية. وبحسب صحيفة “الشرق الأوسط”[1]كبرى الصحف السعودية انتشارا، فإن الانتقادات تتزايد لهذا الميثاق الذي يقول المعلقون عليه إنه فشل في تحقيق نتائج تذكر. وأن المبادرة التي تقودها ألمانيا بشكل أساسي، بدعم من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، فشلت حتى الآن بجذب استثمارات ألمانية كبيرة إلى أفريقيا، في وقت تزيد فيه كل من روسيا والصين من استثماراتهما هناك؛ وأن بكين وحدها ضخت مئات المليارات في القارة، من خلال مشاريع بنية تحتية، من طرق وسكك حديدية. تهدف ألمانيا من هذه المبادرة «الميثاق مع إفريقيا» تحسين مستويات معيشة المواطنين الأفارقة  بهدف حثهم على وقف الهجرة إلى أوروبا بشكل أساسي. ورغم اعتراف ألمانيا بأن بأوروبا وإفريقيا تواجهان تحديات شبيهة تتعلق بالتغير المناخي والهجرة؛ إلا أن المستشارة الألمانية في كلمتها الافتتاحية رهنت زيادة استثمار بلادها في القارة السمراء بضرورة مواصلة السياسات نحو مزيد من سيادة القانون ونظام مالي وضريبي أكثر شفافية وقالت إن المزيد من الشفافية سيجلب المزيد من الاستثمارات الألمانية. وذكرت ميركل بأن الدول الأفريقية التي انضمت للمبادرة وضعت أجندة «طموحة جداً، تتمثل بالوصول لاتفاقية تجارية حرة مع أوروبا»، ولكنها ربطت ذلك بضرورة مواجهة الدول الأفريقية للمشكلات الكثيرة التي تعاني منها. وذكرت ميركل أن هناك بعض الأمور تتحرك في الدول الأفريقية في هذا الاتجاه، لكن لا يزال هناك كثير من المشكلات التي هي بحاجة إلى حلول، مثل القضايا الأمنية التي تشكلها التحديات الإرهابية على سبيل المثال في منطقة الساحل، والنمو السريع في عدد السكان.   لماذا فشلت المبادرة؟ وحول أسباب فشل المبادرة الألمانية، فإن برلين عندما استضافت الاجتماع الأول منذ إطلاق المبادرة، تم الإعلان عن تخصيص صندوق استثمار بقيمة مليار يورو. وبحسب وزارة الاقتصاد الألمانية، فقد تضاعفت الاستثمارات الألمانية المباشرة في أفريقيا منذ عام 2015، لتبلغ العام الماضي تقريباً ملياري يورو. وبحسب وزارة التنمية الألمانية، فإن 20 من أكثر الاقتصادات سرعة في النمو هي في أفريقيا، علماً بأن عدد السكان في تلك القارة سيتضاعف بحلول عام 2050، ليصبح 20 في المائة من عدد سكان الأرض. ورغم هذه الفرص الاستثمارية الضخمة؛ إلا أن الشركات الألمانية ما زالت تستثمر أقل بكثير من الشركات البريطانية والفرنسية في القارة الأفريقية. وما زالت هذه الشركات ترى عوائق كثيرة أمام استثمارات إضافية في أفريقيا، علماً بأن جزءاً من عدم زيادة تلك الاستثمارات يتعلق بالمصارف الألمانية، ورفضها منح قروض للشركات الألمانية التي تريد الاستثمار في أفريقيا، على قاعدة أن الاستثمار «يحمل كثيراً من المخاطر». وحاولت صحيفة «مورغن بوست» الألمانية، رصد أسباب هذا التعثر، ونقلت عن المدير التنفيذي لجمعية غرف التجارة والصناعة، مارتن فانزليبن، قوله إن «البيروقراطية العالية والفساد والمسائل الأمنية تمنع الشركات الألمانية من اتخاذ الخطوة الأولى في أفريقيا». وبحسب الصحيفة الألمانية، فإن وزارة التنمية الألمانية وقعت اتفاقات شراكة مع 3 دول، هي تونس وغانا وساحل العاج، وتقترب من توقيع اتفاق مع المغرب والسنغال وإثيوبيا (يلاحظ هنا أن الحكومة المانية لم تضع مصر في القائمة)،  وقال وزير التنمية، غيرد مولر، إن ألمانيا «ملتزمة بالاستثمار الخاص، وتأمين التدريب والوظائف»، ولكنه أضاف أن ما هو مطلوب من تلك الدول كشرط مسبق هو أن «تحسن شروط الاستثمار، عبر الحكم الرشيد، وتأسيس محاكم ضرائب، ومكافحة الفساد، وتأمين الديمقراطية». وترى دراسة نشرتها مؤسسة «فريدريش إيبرت» أن هذه الشروط المسبقة، دفعت بعض الاختصاصيين للقول إن الخطة غير ناجحة. وقد انتقدت الدراسة مبادرة «الميثاق مع أفريقيا»، وكتب المتخصص بالشؤون الأفريقية روبرت كابل، والخبير الاقتصادي هيلموت رايزن، أن «المبادرة لم تحقق أهدافها». وأضافا في الدراسة: «حتى الآن، المبادرة لم تزد من الاستثمارات الخاصة في الدول الأفريقية، ولم تؤمن وظائف إضافية كافية». وأشارت الدراسة إلى أن الدول الأفريقية غالباً ما حسنت من شروط الاستثمار، ولكن من دون أن يؤدي ذلك إلى المزيد من الاستثمارات من دول مجموعة العشرين. ونقلت صحيفة «تاغس شبيغل» عن متحدث باسم وزارة المالية أنه «من المبكر جداً» الحكم على المبادرة إذا ما كانت ناجحة أم لا، لأن التغيير في شروط السياسة الاقتصادية يتطلب سنوات. وينتقد البعض في المعارضة أيضاً المبادرة. وقد نقلت صحف ألمانية عن المتحدثة البرلمانية باسم حزب الخضر في شؤون التنمية، أوفا كيكرتز، قولها: «ليس هناك أية دلائل على نجاح مبادرة الميثاق مع أفريقيا، هذا أيضاً لأن المبادرة لا تقدم رؤية حقيقية للتنمية، والتركيز على الاستثمارات الخاصة، يخاطر بأن يؤدي إلى إهمال المصلحة العامة».   السيسي يتحدث عن “4” تحديات وخلال كلمته في افتتاحية المؤتمر، قال السيسي إن العالم يعيش حالة من التوترات الدولية وتنامي مخاوف تباطؤ الاقتصاد العالمي، مشيرًا إلى أن القارة الأفريقية هي الأكثر تضررًا من تلك السلبيات. مضيفا أن الجانب الألماني يعد شريكًا استراتيجيًا موثوقًا على الأوساط المتعددة، وهناك العديد من التجارب الناجحة لتكون حافزا لقيام المزيد من البحث تضيف للتاريخ الطويل بين القارتين الأوروبية والأفريقية. وتحدث السيسي عن 4 تحديات[2] قال إنها تواجه قارة أفريقيا، مثل أعباء الديون ومحاربة الفقر والتصدي لظاهرة تغير المناخ والهجرة وغيرها”.داعيا المجتمع الدولي إلى توفير جميع صور الدعم لدول القارة السمراء لمواجهة تلك التحديات التى تواجه القارة الإفريقية. مشيرا إلى أن مصر توفر فرصًا استثمارية هائلة جراء ما تحقق من نتائج مشهود به على صعيد الإصلاح الاقتصادي، إضافة لما توفره كبوابة نفاذ إلى قارات ومناطق أخرى.   مبالغة إعلامية ونتائج متواضعة وننتقل من الجد والنقاشات الهادفة الرصينة في ألمانيا إلى الإسفاف والبروباجندا في مصر؛ فرغم اتفاق مراكز البحث وكثير من وسائل الإعلام الألمانية على أن المبادرة الألمانية لم تحقق أهدافها على الأقل حتى اليوم؛ إلا أن صحف وفضائيات النظام العسكري في مصر بالغت بشدة في ما أسمتها بإيجابيات مشاركة السيسي في هذه الاجتماعات. وجاء مانشيت صحيفة “اليوم السابع” في عدد الخميس 21 نوفمبر 2019 أكثر تعبيرا عن حالة الهوس والهذيان المصري وجاء على النحو التالي: (السيسى يواصل إبهار العالم بأداء مصر فى مختلف المجالات، ويعيد اكتشاف القارة الأفريقية كقوة اقتصادية مقبلة. قمة المكاسب السياسية والاقتصادية والعسكرية فى برلين. قمة «مجموعة العشرين وأفريقيا» ترسم خارطة طريق جديدة لاستفادة القارة السمراء من ثرواتها ومواردها. مصر وألمانيا…

تابع القراءة

اعلان أمريكا شرعية المستوطنات الصهيونية وعلاقته بصفقة القرن…قراءة في التفاصيل

ضمن سلسلة  من القرارات الأمريكية الاستراتيجية لحسم التفرد الصهيوني والتصفية العنصرية للوجود الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، جاء قرار الخارجية الأمريكية الإثنين الماضي، باعتبار الاستيطان الإسرائيلي في أراضي الضفة الغربية، غير مخالف للقانون، وذلك على الرغم من القرارات الأممية والدولية الثابتة بحظر أية أنشطة استيطانية وعدم الاعتراف بها أو الانصياع لإرادة المحتل مهما طال الزمن أو قصر… حيث أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، بأن واشنطن لم تعد تعتبر المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية مخالفة للقانون الدولي… وأضاف “بومبيو” أن الولايات المتحدة أجرت مراجعة قانونية ولم ترغب في توجيه رسالة بشأن المستوطنات، مبيناً أن الوضع النهائي للضفة الغربية سيحدده الإسرائيليون والفلسطينيون من خلال المفاوضات، حسبما نقلت وكالة “رويترز”. وأشار “بومبيو” إلى أنه يأمل في أن تتمكن واشنطن من نشر خطة السلام في الشرق الأوسط قريباً. وجاء القرار بعد أيام قليلة من إقرار المحكمة العليا للاتحاد الأوروبي، قانونية وسم يميز البضائع التي تنتج في المستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية المحتلة أو الجولان السوري المحتل، والتي يتم تصديرها إلى دول الاتحاد الأوروبي. غضب دولي وفي ردود فعل سريعة على القرار الأمريكي، أدانت دول عربية وغربية والأمم المتحدة قرار الإدارة الأمريكية التخلي عن موقفها السابق باعتبار المستوطنات الصهيونية المقامة في الأراضي الفلسطينية مخالفة للقانون.. وكذلك السلطة الفلسطينية التي أعلنت عدم اعترافها بشرعية القرار الأمريكي.. كما عبَّر الاتحاد الأوروبي عن رفضه قرار واشنطن شرعنة المستوطنات، معتبرا النشاط الاستيطاني غير قانوني، ويقوض قابلية حل الدولتين، ودعت مسئولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فريدريكا موجريني، الكيان الصهيوني إلى وضع حد لأنشطته الاستيطانية بصفتها سلطة احتلال.كما أدان مجلس الأمن القرار الأمريكي.. خلفية القرار الأمريكي ومنذ الأيام الأولى لتولي ترامب إدارة أمريكا، بدأ بتحقيق الوعود التي أطلقها للإسرائيليين خلال حملته الانتخابية، إذ أعلن في (ديسمبر 2017) القدس عاصمة لـ”إسرائيل”، ولم يكتفِ ترامب بهذا القرار، فألحقه بخطوات بارزة أولها تجميد 125 مليون دولار أمريكي من مخصصات “أونروا”، ثم إعادة توجيه مساعدات اقتصادية بأكثر من 200 مليون دولار كانت مخصصة إلى قطاع غزة والضفة الغربية إلى مشاريع في أماكن أخرى. وجاءت الخطوة الأمريكية بعد أشهر قليلة من حذف وزارة الخارجية الأمريكية اسم السلطة الفلسطينية من قائمة تعريف المناطق في الشرق الأوسط على موقعها الرسمي.. ففي نهاية شهر أغسطس الماضي، كشفت القناة العبرية السابعة، أن الخارجية الأمريكية حذفت اسم السلطة الفلسطينية من قائمة تعريف المناطق في الشرق الأوسط .واعتمدت الخارجية الأمريكية بالسابق تعريف “الأراضي الفلسطينية” لدولة فلسطين، ثم غيرتها إلى “أراضي السلطة الفلسطينية” قبل حذفها نهائيا، وفق القناة. وقالت القناة السابعة إن اسم السلطة الفلسطينية بحد ذاته لم يعد موجودا على الموقع الخاص بالخارجية الأمريكية، وإنها أرسلت تعليمات إلى سفاراتها بالعالم للتقيد بأوامرها. أهداف القرار وللقرار الأمريكي عدة أهداف ودوافع من قبل الإدارة الأمريكية، وتشير التطورات السياسية في الداخل الأمريكي وبالمنطقة العربية، إلى أن شرعنة المستوطنات جاء لانتشال نتنياهو من المأزق الكبير الذي وقع فيه بعد نتائج الانتخابات الإسرائيلية الثانية، والتي لم يحسم فيها الأغلبية، وبات عاجزا عن تشكيل حكومة وحدة وطنية أو تشكيل حكومة بشكل منفرد. وبحسب مؤشرات  السياسة الأمريكية في الفترة الماضية، فإنه كلما احتاج نتنياهو لدعم في مواجهة خصومه، كانت واشنطن تتخذ مجموعة من الإجراءات لمساندة نتنياهو، مثل قرار نقل السفارة، والاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، وآخرها شرعنة المستوطنات. كما  أن هناك حاجة متبادلة بين ترامب ونتنياهو؛ لأن عقلية نتنياهو المتطرفة الصهيونية تلتقي مع عقلية ترامب المتطرفة حتى في السياسة الدولية. وأيضا مرور ترامب بأزمة داخلية جعلته يستدعي الملف الصهيوني؛ لما له من تأثير في اللوبيات الصهيونية في أمريكا والإعلام الداعم لها، في مواجهة المساءلة العلنية لترامب بالكونجرس. الآثار القانونية للقرار ويعد البناء الاستيطاني في الأراضي المحتلة خرقاً للقانون الدولي المتعلق بالقوانين والنظم المتبعة في أوقات الحرب والاحتلال، وهو ما يمثل انقلابا مع الموقف الرسمي لوزارة الخارجية الأميركية الصادر عام 1978، والذي ينص على أن البناء الاستيطاني في الضفة الغربية “يتعارض مع القانون الدولي”. لكن وجهة النظر الأمريكية في الثمانينات والتسعينات بدأت تتغير؛ بزعم أن القانون الدولي ينظر للمستوطنات من منظور ضيق ويجب التوسع في بناء المستوطنات. ومنذ عام 1967 وحتى اليوم صدرت قرارات بهذا الخصوص أهمها: قرارات مجلس الأمن – القرار رقم 446 لسنة 1979 الذي أكد أن الاستيطان ونقل السكان الإسرائيليين للأراضي الفلسطينية غير شرعي. – القرار رقم 452 لسنة 1979 ويقضي بوقف الاستيطان حتى في القدس وبعدم الاعتراف بضمها. – القرار رقم 465 لسنة 1980 الذي دعا إلى تفكيك المستوطنات. – القرار رقم 478 لسنة 1980. قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة صدرت عن الأمم المتحدة قرارات كثيرة أدانت الاستيطان الإسرائيلي، ومن أهمها: – القرار رقم 2851 لسنة 1977 – القرار رقم 42/160 لسنة 1987 – القرار رقم 44/48 لسنة 1989 – القرار رقم 45/74 لسنة 1990 – القرار رقم 46/47 لسنة 1991 – القرار رقم 46 لسنة 1991 وهو ما يدفع خبراء القانون الدولي لاستبعاد أية قيمة قانونية للقرار الأمريكي حول المستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية، كون المستوطنات في عرف القانون الدولي محتلة، ومعظم دول أوروبا تقاطع منتجات المستوطنات لأنها موجود داخل أراضِ محتلة. فيما يعتبر ميثاق جنيف الرابع حول قوانين الحرب إقامة المستوطنات مناقضا لكل المبادئ الدولية. ويمثل القرار الأمريكي قمة الانحياز الواضح لإسرائيل، ويخدمها في فرض سياسة الأمر الواقع. وفي سياق آخر، يضع القرار الإدارة الأميركية في خانة المعادي للإجماع الدولي ومعادي للقانون والاتفاقيات الدولية، ومحاولة لإخفاء جرائم الحرب، والانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الجنائي والقانون الإنساني الدولي، واتفاقيات جنيف، للجرائم التي ترتكبها إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال”. مخاطر القرار وللقرار العديد من المخاطر الاستراتيجية على القضية الفلسطينية…منها: – القرار الأمريكي جاء بعد تأخر إعلان الولايات المتحدة الشق السياسي من صفقة القرن، وعدم النجاح في تشكيل حكومة إسرائيلية، ووجود إرهاصات بإمكانية التوجه لانتخابات ثالثة. لذا سارع ترامب لطرح جوهر صفقة القرن،  بإعلان إدارته أن المستوطنات غير مخالفة للقانون الدولي، ما يعني التمهيد لضم الضفة الغربية لدولة الاحتلال، بعد إعلانه القدس عاصمة لـ”إسرائيل” في ديسمبر 2017. وينهي القرار الأمريكي الرسمي مبدأ حل الدولتين ويقوضه، ويترجم ذلك فعلياً على الأرض، وينهي أي مجال للشك حول نية ترامب العمل عليه، ويهدف لتحويل الأراضي الفلسطينية إلى الدولة العبرية. -مظلة أمريكية غير مسبوقة للتوسع الاستيطاني. ويقدم القرار الأمريكي أول مظلة-وإن كانت أمريكية- لمخططات التوسع الاستيطاني في المرحلة المقبلة. خطر الاستيطان الإسرائيلي وعلى الصعيد الإسرائيلي، وفي سبتمبر الماضي، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن خطته لضم جميع المستوطنات العبرية في الضفة الغربية المحتلة تتماشى مع خطة السلام الأمريكية المعروفة بـ”صفقة القرن”، موضحا أن “الحديث لا يدور فقط عن التكتلات الاستيطانية المقامة في الضفة، بل مناطق خارج هذه التكتلات و«مناطق أخرى تحظى بأهمية حساسة لأمننا والحفاظ على إرثنا»، على حد…

تابع القراءة

المشهد السياسي الأسبوعي 20 نوفمبر 2019

أولاً: قضية الأسبوع : – مؤشرات إيجابية تجاه المصالحة الخليجية وخلاف حول الموقف المصرى: بعد مرور سنتين من إعلان دول الحصار (مصر والإمارات والسعودية والبحرين) فرض الحصار على قطر، ظهرت مؤخراً مؤشرات قوية فى اتجاه المصالحة بين هذه الدول، وذلك على خلفية إعلان هذه الدول الثلاثة (السعودية والإمارات والبحرين) مشاركتها فى النسخة الرابعة والعشرين من كأس الخليج لكرة القدم المقامة فى الدوحة، التى تنظمها قطر فى شهر نوفمبر الجارى. ومما يزيد من أهمية القرار، وينقله من حيز الرياضة إلى نظاق السياسة، أن الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” لا يعترف بالبطولة الخليجية، وبالتالي فلا واجبات كروية تترتب على أي دولة جراء عدم المشاركة فيها. لذلك فقرار السعودية والإمارات والبحرين هو قرار سياسي بالأساس. وفى تقرير لموقع دويتشه فيلة الألمانى[1]، فقد أشار إلى العديد من المؤشرات الإيجابية لنجاح المصالحة منها، تغريدة الأكاديمي الإماراتي، عبد الخالق عبد الله، الذي عمل سابقاً مستشاراً لمحمد بن زايد، إذ كتب أن هناك تطورات مهمة ستحدث قريباً لإنهاء الخلاف الخليجي. إلى جانب حضور اجتماع استثنائي عُقد في الرياض بداية شهر أكتوبر الماضى، وأكدت إدانتها في الاجتماع لـ”الهجمات والتهديدات المتزايدة مؤخراً على المنشآت النفطية وسلامة وأمن الملاحة البحرية”، في ردِ مباشر على الحوثيين وإيران. كما أن وزارة الخارجية السعودية، ومنذ إعفاء عادل الجبير من منصبه، وتعيين إبراهيم العساف محله، ثم فيصل بن فرحان آل سعود، لم تعد تصدر تعليقات هجومية على قطر، عكس فترة عادل الجبير الذي لم يكن يفوّت أي فرصة، سواء في حواراته مع وسائل الإعلام أو تغريداته على توتير، لانتقاد الدوحة. وما يؤكد وجود توجه سعودي نحو التهدئة، أن مسؤولاً سعودياً رفيعاً تحدث لشبكة بلومبيرغ عن أن الدوحة اتخذت “خطوات لخفض التوتر مع جيرانها، ومن ذلك سنها لقانون ضد تمويل الإرهاب”. وفيما يتعلق بالموقف المصرى من المصالحة، فهناك من يرى أن المصالحة تتم بعيداً عن مصر، حيث ذكرت عدة مصادر خليجية غياب القاهرة عن مشهد المصالحة الخليجية، وأن المفاوضات تجرى بمعزل عنها. يضاف إلى ذلك، طبيعة النظرة الخليجية للدور المصرى، والتى ترى أن هناك تراجع للدور المصرى على المستوى الإقليمى، وهو قد يدفع الدول الخليجية إلى ترميم بيتها الداخلى بالتصالح مع قطر بعيداً عن المطالب المصرية. وقد ظهرت تلك النظرة الخليجية بتراجع الدور المصرى فى حديث الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله، في أبوظبي، خلال جلسة بعنوان”منطقة الخليج.. القدرات والاحتمالات”، ضمن ملتقى أبوظبي الاستراتيجي السادس. فقد أشار عبدالخالق إلى أن “القوة المؤهلة لقيادة المنطقة هى دول الخليج، وأنها تتحمل مسئولية الأمن القومى العربى بعد التراجع المصرى والعراقى والسورى”. وهى التصريحات التى أثارت غضب الأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى، ليرد عليه قائلاً: “هناك مبالغات كبيرة للدكتور عبد الخالق وبعيدة عن التحليل الواقعي، وتصل إلى حد الخطورة لأن مثل هذه التحليلات قد تؤدي إلى قرارات خاطئة واضطرابات كبيرة. وأريد أن اسأل عبد الخالق عبد الله.. ماذا تقصد بأن منطقة الخليج هي الأساس في الحفاظ على الأمن العربي؟ وما هو الدور الخليجي بالضبط فيما عدا شراء الأسلحة؟. وأنه لو كانت مصر موجودة في السنوات السابقة ما استطاعت إيران ولا تركيا أن تتغول بهذا الشكل الذي نراه”[2]. وفى المقابل، يرى البعض أن هذه المصالحة تأتى بالتنسيق مع مصر من خلال محاولة ترضية السيسي بالأموال وبعض التنازلات القطرية، فالإعلان عن المشاركة فى البطولة الخليجية يأتى بالتزامن مع زيارة السيسي إلى الإمارات التي جرى خلالها الإتفاق على تأسيس منصة استثمارية مشتركة بين البلدين، بقيمة 20 مليار دولار، اعتبرها مراقبون تعويضًا لمصر عن الوعود الخليجية بمنحها 100 مليار دولار تعويضات من قطر[3]. ومن الجدير بالذكر هنا أيضاً، ما يتردد فى الأونة الأخيرة من أحاديث من قبل صحفيين محسوبين على النظام المصرى أشارت إلى وساطة الوزير السعودي المستشار تركي آل الشيخ رئيس هيئة الترفيه في المملكة العربية السعودية، من أجل عودة نجم الأهلي ومنتخب مصر السابق (والمتهم بالانضمام لجماعة الإخوان) والمقيم فى قطر محمد أبو تريكة إلى مصر[4]. بل أن هناك شركات قطرية تعمل فى الأسواق المصرية، حيث تقوم شركة “قطر للبترول” بتشغيل مصفاة الشركة المصرية للتكرير في مسطرد شمال القاهرة. وتمتلك “قطر للبترول” 38% من أسهم المشروع الذي زادت كلفته على أربعة مليارات دولار[5]، ويعتبر هذا المشروع هو أكبر مشروع للشركة فى دولة عربية، وعلى الرغم من أنه تم عقده فى عهد الرئيس السابق محمد مرسى، إلا أن تشغيله لم يكن ليأتي لولا ضوء أخضر من الحكومة المصرية[6]. ثانياً: المشهد الداخلي مصر و حقوق الإنسان 372 انتقاد للقاهرة في الاستعراض الدوري الشامل لحالة حقوق الإنسان. خلال الاستعراض الدوري الشامل لحالة حقوق الانسان في مجلس «حقوق الإنسان» التابع للأمم المتحدة بجنيف، وجهت لمصر 372 توصية بشأن حالة حقوق الانسان، أغلب الانتقادات متعلقة بأوضاع السجون، والانتهاكات التي يتعرّض لها المدافعين عن حقوق الإنسان، فضلًا عن التمييز السلبي ضد المرأة، كما تركز عدد منها على ضمان الحق في حرية التعبير على الإنترنت وخارجه، وضمان الحق في التجمع السلمي، والتظاهر تقدّمت بهذه التوصيات 133 دولة من بين أعضاء المجلس الـ 193. أما عن موقف القاهرة من هذه التوصيات؛ فقد صرح رئيس الوفد الحكومي المصري في «الاستعراض الدوري»، وزير شؤون مجلس النواب عمر مروان، أن «استعراض تقرير مصر» شهد تفاعلًا إيجابيًا من قِبل الدول الأعضاء بالمجلس الأممي، مما دل على «الإلمام بما تمّ من جهود وإنجازات في سبيل دعم وتعزيز وحماية حقوق الإنسان في مصر، خلال السنوات الخمس الماضية». وأشار مروان إلى أن هذه التوصيات ستكون محل عناية ودراسة دقيقة مع جهات الاختصاص في مصر، على ضوء «المحددات الوطنية والإمكانات المُتاحة والظروف المحيطة»[7]. أما الحقوقيين المصريين الذين حضروا جلسة الاستعراض فقد وصفوا الموقف الرسمي بأن الدولة رفضت الاعتراف بوجود مشاكل واستعداد من جانبها لحلها، وأن الوفد المصري تعامل مع جلسة الاستعراض بمنطق «تأدية الواجب» فحضر ليتحدث عن مزايا الدستور والقوانين المصرية دون التفات للممارسات الحقيقية على أرض الواقع[8]. تلتزم مصر بالمثول للمراجعة الدورية كل خمس سنوات، كجزء من الآلية الدورية الشاملة لمراجعة أوضاع حقوق الإنسان في العالم، والتي تتيح لحكومة كل دولة تقديم تقرير رسمي عمّا تم في الملف الحقوقي لديها. كما يُستعرض تقرير آخر من المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة مُعتمد على تقارير المنظمات الحقوقية المحلية والإقليمية والدولية، ويُتاح للدول المختلفة توجيه أسئلة أو تعليقات أو توصيات لأي دولة تخضع للمراجعة الدورية[9]. يذكر مراقبون أن القاهرة حشدت الدول الصديقة لها للتعليق بشكل إيجابي على سجل مصر الحقوقي، وهو ما يعني أن مصر تهتم بصورتها دولياً فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان، ومع ذلك فشلت في إسكات الأصوات المتعددة المنددة بالأوضاع المتردية لحالة حقوق الإنسان في مصر. قد تكون الجدوى السياسية المباشرة لحدث التوصيات الـ 372 لمصر في الاستعراض الدوري لحقوق الانسان قليلة…

تابع القراءة

السيسي وملف توريث الحكم لأحد أبنائه .. قراءة في المؤشرات والنتائج

في إبريل 2019م، سلطت صحيفة “التايمز” البريطانية  الضوء على مخططات التوريث التي يتبناها الطاغية عبد الفتاح السيسي، وقالت إن الجنرال وظف أبناءه الثلاثة بمناصب عسكرية ومدنية مرموقة لمساعدته في البقاء بمنصبه حتى 2030، في الوقت الذي يواصل فيه تعزيز قبضته على السلطة.وأشارت الصحيفة إلى أن الثورة المصرية عام 2011 كان من بين أهدافها منع الرئيس الأسبق حسني مبارك (90 عاما) من توريث نجله جمال (55 عاما) ومع ذلك، يُقال إن محمود نجل السيسي، وهو عميد في جهاز المخابرات العامة، كان يشرف على لجنة غير رسمية ترصد التقدم المحرز في “الإصلاح الدستوري” الذي يمهد لتمديد فترة رئاسة السيسي إلى 2030 على الأقل. أما مصطفى وهو الابن الأكبر للسيسي -وفقا للصحيفة- مسئول كبير في هيئة الرقابة الإدارية التي اكتسبت مكانة عالية في عهد السيسي، وهو يحاول تأكيد سلطته وسلطة الجيش على الأجهزة الإدارية في الدولة، بالإضافة إلى انضمام الابن الثالث، حسن وهو مسئول تنفيذي سابق في مجال النفط، إلى جهاز المخابرات. وألمح التقرير إلى دور نجل السيسي في تمرير “التعديلات الدستورية” التي تفضي إلى بقاء السيسي على رأس السلطة حتى 2030 على أقل تقدير، وأن ترقيات أبناء السيسي تثير القلق حتى بين الموالين له. وقبل ذلك بشهرين، حذر أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور حسن نافعة من مخططات تمرير التعديلات الدستورية التي كانت تناقش وقتها في البرلمان، وقال في تغريدة عبر حسابه بموقع التدوين المصغر “تويتر”: “إذا سمح الشعب المصري بتمرير التعديلات الدستورية المقترحة حاليًا فليس من المستبعد نجاح السيسي ليس فقط في البقاء رئيسًا لمصر حتى عام 2034 وإنما أيضا في نقل السلطة من بعده لأحد أبنائه من العسكريين وبذلك يحقق ما عجز مبارك عن تحقيقه، فمتى ندرك أن هذه التعديلات تدخل مصر في نفق مظلم جديد؟”. وكان مركز “يروشليم لدراسة المجتمع والدولة” وهو مركز إسرائيلي بحثي مرتبط بدوائر صنع القرار في تل أبيب، قد أصدر تقدير موقف في “31” يناير/كانون الثاني 2017، يؤكد فيه أن السيسي يعمل على إحكام سيطرته على الأجهزة الاستخبارية المصرية من خلال تعيين أقاربه ومؤيديه في مواقع عليا. «التوريث» إذا، يمضي وفق المخطط المرسوم يتولاه أنجال «المشير» الثلاثة مباشرة؛  تحت الإشراف المؤقت لرئيس المخابرات العامة اللواء عباس كامل. ومغزى تعيين «الأنجال» الثلاثة في مناصبهم التنفيذية والعسكرية العليا، وهو تيسير «التوريث»، وإبقاء «المشير» رئيسا لأطول فترة ممكنة، وهو الذي تمكن في فترة الرئاسة الأولى من إحكام قبضته على سلطات الدولة، وأمسك بمفاتيح الحكم المدني والأمني والعسكري والاستراتيجي، وقضى على كل المنافسين وعلى الاستقلال الحقيقي أو النسبي للأجهزة الرقابية والعليا والسلطة القضائية، وغير المواد الدستورية المانعة لعزل مسئوليها، وأعطى لنفسه الحق في تعيين مجلس القضاء الأعلى وعزل رئيسه وأعضاءه، وألغى ما جاء في دستور 2014 من مغاليق مُحكمة تمنع تعديل الدستور، وفَضَّ هذه المغاليق لتأبيد الحكم، وفتح باب الاستمرار المطلق في رئاسة الدولة».     دروس تجربة التوريث مع مبارك فشل الرئيس السابق محمد حسني مبارك في إتمام مشروع توريث الحكم لنجله جمال لعدة أسباب: السبب الثاني: وهوأهمهما على  الإطلاق أن مبارك الابن لم يكن جنرالا بالمؤسسة العسكرية التي ترى عرش مصر حقا لها تتوارثه عبر الأجيال منذ انقلاب 23 يوليو 1952م؛   فجنرالات الجيش يستنكفون عن أداء التحية لأي شخص مدني؛  فقد تربوا داخل المؤسسة العسكرية أنهم سادة الشعب وكبراء الدولة، وباقي الناس ما هم إلا خدم في بلاطهم ورهن إشارتهم؛  فكيف يتولى عرش مصر مدني يكون أعلى رتبة من قادة الجيش وجنرالاته وضباطه؟ ولعل هذا يعد أحد أسباب الترحيب المبدئي من جانب قادة المجلس العسكري بثورة 25 يناير؛  فعلى الأقل قد أسقط سيناريو توريث الحكم داخل الأسرة وأبطل مخططاته؛  كما يفسر أيضا أحد أسباب الانقلاب على الرئيس الشهيد محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر؛  وفق قاعدة { قَالُواْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ}. (البقرة)  السبب الثاني: فيتعلق بحاشية رجال الأعمال التي أحاط مبارك الابن بهم نفسه، وجعلهم أهل مشورته وأصحاب الرأي والنفوذ في مجلس السياسات الذي أسسه تمهيدا لوراثة العرش؛  فقد رأى قادة الجيش في هؤلاء خطرا يهدد النفوذ الاقتصادي للمؤسسة العسكرية وتهديدا للامبراطورية الاقتصادية للجيش التي ما كان ليتسامح مطلقا في التنازل عنها والتفريط في المكتسبات التي حققها الجنرالات منذ انقلاب يوليو1952 واتفاقية كامب ديفيد1979م، حيث تحول الجيش بسببهما من مقاتلين إلى (بيزنس مان)، يقاتلون الشعب بكل قواه من أجل (التكويش) على السلطة والثروة وبسط النفوذ. السبب الثالث: هو هامش الحرية الذي تمتع به الشعب في عهد مبارك قياسا إلى الغلق التام في مرحلة ما بعد انقلاب 30 يونيو2013م، فوجود تنظيمات شعبية مدنية قوية مثل جماعة الإخوان المسلمين والأحزاب والقوى الأخرى، وجسارة بعض وسائل الإعلام الخاصة، وفتحها ملفات فساد في عهد مبارك بخلاف ما تمتع به نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي من حريات غير مسبوقة ليس لأجهزة الأمن ولاية عليها؛ ومسحة الاستقلال التي تمتع بها بعض القضاة والذين أصدروا أحكاما تخالف رغبات السلطة في قضايا سياسية واقتصادية؛  أفضى كل ذلك إلى الانفجار الشعبي في 25 يناير 2011 وهو الذي تم توظيفه من جانب المؤسسة العسكرية لتحقيق أهدافها ب(التكويش) على كل شيء (السلطة والثروة) حتى وإن تظاهر الجنرالات بدعم الثورة في مراحلها  الأولى والتنازل عن بعض النفوذ في مراحل مع بعد الإطاحة بمبارك، حتى تم استرداد كل ذلك بعنف عقب الانقلاب العسكري منتصف 2013م.   مخططات محبوكة عندما سطا الطاغية عبد الفتاح السيسي على حكم مصر عبر الانقلاب العسكري الوحشي المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني وخليجيا من السعودية والإمارات والكويت والبحرين، فقد أدرك السيسي كل هذه الأبعاد؛  من خلال خبراته كمدير لجهاز المخابرات الحربية من جهة، وتجربته كقائد عسكري قاد انقلابا وحشيا على نظام ديمقراطي؛  فعرف دهاليز المؤامرات والمكائد والدسائس وأوكار الرذيلة السياسية داخليا وإقليميا والتي تستهدف تقويض أي مسار ديمقراطي في مصر والعالم العربي. لهذه الأسباب والمعطيات فقد أعد السيسي نفسه من أجل امتلاك الأدوات  التي يرى أنها تمكنه من تحقيق ثلاثة أهداف يسعى إليها: الأول: التمهيد لتدعيم ركائز الحكم؛  أملا في البقاء على رأس السلطة مدى حياته. الثاني: ترسيخ توريث الحكم داخل الأسرة كما كان يخطط الرئيس السابق محمد حسني مبارك لنجله جمال ولكنه فشل. الثالث: الحيلولة دون سقوط نظامه ومنع محاكمته على جرائمه الوحشية بحق المصريين بكل فئاتهم وأطيافهم؛  بخلاف إهدار ثروات البلاد على مشروعات ضخمة بلا جدوى اقتصادية مثل تفريعة القناة والعاصمة الإدارية ومدينة العلمين الجديدة وغيرها؛ فالسيسي تراوده مشاهد المحاكمة والإعدام وانتقام الشعب منه ومن أركان عصابته وأسرته؛ ما يجعله في حالة  خوف دائم وفزع لا يتوقف يعبر عنه بأعلى صور التنكيل والقمع الوحشي ضد معارضيه ورافضي طغيانه. وقد علق المستشار محمد سليمان على ذلك بقوله: «أظنه لا ينام». السيسي يعلم أن السبب الرئيس…

تابع القراءة

التهديد الأمريكي للسيسي بقانون “كاتسا” في صفقة «سوخوي 35» الروسية.. قراءة تحليلية

رغم العلاقات الوثيقة التي تجمع الجنرال عبدالفتاح السيسي، الرئيس القهري لمصر بعد انقلاب يوليو 2013م، بالرئيس دونالد ترامب والولايات المتحدة الأمريكية، وما يمكن وصفه بالانصياع الكامل من نظام 30 يونيو للإملاءات الأمريكية وحماية المصالح الأمريكية في مصر والمنطقة وعلى رأسها التصدي للتهديدات التي تواجه دولة الاحتلال “إسرائيل”؛ إلا أن ذلك لم يمنع الإدارة الأمريكية من توجيه تهديدات مباشرة للنظام العسكري في مصر بشأن صفقة طائرات «سوخوي 35» الروسية. وكانت صحيفة “كوميرسانت” الروسية، كشفت في مارس 2019م، أن موسكو والقاهرة وقعتا على عقد بقيمة ملياري دولار لتزويد مصر بمقاتلات “سوخوي-35″، ولكن لم يتم تأكيد هذه المعلومة رسميا. وقالت الصحيفة حينها نقلاً عن مصادرها إن مصر ستحصل بموجب العقد على أكثر من (20) مقاتلة من طراز سوخوي – 35، لافتةً إلى أن العقد دخل حيز التنفيذ في نهاية عام 2018، ويمكن أن تبدأ عمليات التسليم نفسها في وقت مبكر من 2020-2021. الموقف الأمريكي شهد تصعيدا واضحا بفرض عقوبات أمريكية على النظام في مصر إذا ما أصر على قراراه بشراء مقاتلات “سوخوي 35” من روسيا، بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية.[1] وكشفت الصحيفة الأمريكية أن وزيري الخارجية الأمريكي مايك بومبيو والدفاع مارك إسبر حذرا في رسالة بعثا بها (الأربعاء 13 نوفمبر2019) إلى القاهرة من تأثيرات سلبية على العلاقات بين البلدين تتعلق باتفاقيات التعاون في مجال الدفاع مستقبلا بين البلدين وكذلك على المساعدات التي تقدمها واشنطن للنظام في القاهرة حال أصر الأخير على إتمام شراء صفقة المقاتلات الروسية «سوخوي 35». وبحسب “ميدل إيست آي” فإن مصر قد تتعرض لعقوبات وفقا للقانون الأمريكي، الذي يمنع شراء المعدات العسكرية الروسية”. ومنذ توقيع معاهدة السلام مع «إسرائيل» عام 1979 تقدم واشنطن للقاهرة نحو (1.5 ) مليار دولار مساعدات سنوية، بينها (1.3)مليار مساعدات عسكرية، فيما توصف العلاقات بين البلدين بـ”الوثيقة والاستراتيجية”. اللافت في التهديدات الأمريكية أنها تزامنت مع زيارة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى القاهرة لإجراء محادثات حول التعاون العسكري. والتي بدأت الثلاثاء “12 نوفمبر2019” حيث أجرى مباحثات مع السيسي، كما شارك على رأس وفد روسي، في الاجتماع السادس للجنة المصرية – الروسية المشتركة للتعاون العسكري التقني. وخلال الزيارة، أعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، أن روسيا مستعدة للمساعدة في تعزيز القوات المسلحة المصرية ورفد قدراتها الدفاعية.[2]   «قانون كاتسا» اللافت ثانيا في التهديدات  الأمريكية أنها ليست جديدة بهذا الشأن؛ ففي إبريل 2019م، قدم عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي تقريراً لوزير الخارجية مايك بومبيو بمناسبة زيارة السيسي الثانية للولايات المتحدة، تحدث عن ما أثير حول تعاقد مصر علي (20) مقاتلة من  سوخوي Su-35، وقلقهم من ترسيخ العلاقات بين مصر وروسيا. وقتها تعهد بومبيو، بالتزامن مع زيارة السيسي لواشنطن، بفرض عقوبات على مصر حال شرائها المقاتلات الروسية. وخلال إفادة قدمها آنذاك وزير الخارجية الأمريكي، أمام اللجنة الفرعية لاعتمادات العمليات الخارجية بمجلس الشيوخ بشأن مشروع ميزانية وزارة الخارجية لعام 2020 قال: “لقد أوضحنا أنه في حال شراء هذه المنظومات، بموجب القانون سيتطلب هذا فرض عقوبات على النظام (المصري)”.وأضاف: “لقد تلقينا تطمينات من جانبهم أنهم يتفهمون ذلك، وأنا آمل بشدة ألا يقرروا المضي قدمًا في الحصول عليها”. وقول بومبيو إن العقوبات قد تفرض على مصر “بموجب القانون” إنما يقصد بذلك قانون “كاتسا” (قانون مكافحة خصوم أمريكا من خلال العقوبات)، الذي تفرضه واشنطن عادة على أي دولة تقوم بـ”تبادلات ضخمة” مع روسيا أو إيران أو كوريا الشمالية.[3] وينص “كاتسا” أن على وزير الخارجية الأمريكي اختيار خمس عقوبات من (12) متاحة وفرضها على الجهة التي تخرق القانون.وفي سبتمبر 2018 فرضت واشنطن عقوبات وفق قانون “كاتسا” على الصين لشرائها مقاتلات “سو35” ومعدات متعلقة بالنظام الدفاعي الصاروخي “إس-400″، من روسيا.   أسباب الرفض الأمريكي السبب الأول، يمكن تفسير الرفض الأمريكي بشأن صفقة المقاتلات الروسية “سوخوي 35” لمصر رغم العلاقات الوثيقة والإستراتيجية بين الجانبين إلى عدة أسباب، أولها أن الولايات المتحدة الأمريكية تحظر على أي دولة عربية اقتناء أسلحة من شأنها تغيير موازين القوى في المنطقة؛ حيث تحرص واشنطن على أن تبقى “إسرائيل” متفوقة باستمرار على جميع الدول العربية خصوصا دول الطوق التي تشترك في حدود مع فلسطين المحتلة، والتي خاضت حروبا سابقة مع “إسرائيل”؛ وذلك في إطار التشريع الصادر من الكونغرس سنة 2008 تحت مسمى “التفوق العسكري النوعي لإسرائيل Israel Qualitative Military Edge”.أضف إلى ذلك أن واشنطن ربما ترى أن اقتناء مثل هذه المقاتلات الهجومية يناقض العقيدة العسكرية الجديدة للجيش المصري والتي تقوم حاليا على اعتبار «الإرهاب» هو العدو الأول وربما الوحيد، وليست “إسرائيل” التي تحولت إلى  صديق حميم منذ اتفاقية كامب ديفيد ثم حليف وثيق في ظل سيطرة السيسي على الحكم عقب انقلاب 3 يوليو 2013م؛ وفي ضوء ذلك فإن الولايات المتحدة تقدم جميع أشكال الدعم للنظام المصري في ضوء مواجهة هذا “الإرهاب المزعوم”، بينما ترى خطرا على مستقبل “إسرائيل” حال اقتناء القاهرة مقاتلات متطورة من شأنها تهديد الوضع الإقليمي القائم الذي رسمته واشنطن والعواصم الغربية منذ عقود. هذا بالطبع يعكس حالة الشك والقلق الأمريكي من قدرة نظام السيسي المدعوم من الجيش على الاستمرار في الحكم، ويكشف عن مخاوف أمريكية من احتمال اندلاع  ثورة شعبية تطيح بالسيسي ونظامه؛  وبناء على ذلك فإن أمريكا تخشى من وصول هذه الأسلحة الهجومية المتطورة لنظام ثوري بعد السيسي لا يكون على نفس الخط من الإذعان والانصياع لواشنطن وتل أبيب والغرب عموما. فالتخوف الأمريكي قائم في أساسه على حصول مصر على هذه النوعية المتطورة من المقاتلات من شأنه أن يوفر قدرات هجومية استراتيجية غير مسبوقة للقوات الجوية المصرية ضد أية عدائيات حالية أو مستقبلية، ما من شانه تضييق الفجوة مع سلاح الجو الإسرائيلي الذي تضمن له واشنطن التفوق الكمي والنوعي على دول المنطقة؛ وهو ما أشارت إليه صحيفة “الوطن”[4]المملوكة لجهاز المخابرات المصرية بمجرد الإعلان عن الصفقة في مارس 2019م. يعزز من هذا التفسير ما نشرته صحيفة “يديعوت أخرونوت” العبرية الجمعة 15 نوفمبر 2019م، بأنه “سبق وتوجهت مصر مرات عدة للولايات المتحدة بطلب شراء مقاتلات إف-35 مع مطالبة الإدارة الأمريكية بالوفاء بوعد ترامب للسيسي في عام 2018 فيما يتعلق بشراء عشرين قطعة من الطائرة الشبحية (إف-35)”.وتضيف :” لكن الحكومة الأمريكية رفضت الموافقة على الصفقة، كون البنتاجون (وزارة الدفاع الامريكية) تفرض حظراً على بيع تلك الطائرات إلى دول بالشرق الأوسط، باستثناء إسرائيل، ما دفع مصر إلى اللجوء إلى روسيا للتزود بطائرات سوخوي”. السبب الثاني، هو المنافسة الكبرى بين واشنطن وموسكو في سوق السلاح؛ حيث تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى كبح الطموح الروسي الراغب في توسيع حصته من تجارة سوق السلاح العالمي لمواجهة العقوبات الأمريكية والأوروبية لتحجيم النفوذ الروسي في الشرق الأوسط. وأبدى مسئولون روس[5] احتجاجهم على الرفض الأمريكي للصفقة، ويؤكد أندريه كراسوف نائب رئيس لجنة الدفاع بمجلس الدوما…

تابع القراءة

عملية “الحزام الأسود” بغزة تكتيك عسكري لخلخلة الجمود السياسي الصهيوني.. قراءة في التداعيات والنتائج

بدأ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة فجر الثلاثاء الماضي، واستمر ليومين، بدأها الاحتلال باغتيال القيادي في “سرايا القدس”، الذراع العسكرية لحركة “الجهاد الإسلامي”، (بهاء أبو العطا)، في حيّ الشجاعية، شرقي مدينة غزة، فجر الثلاثاء 12/11/2019، بالتوافق مع عملية أخرى في سوريا أفلت منها قائد عسكري بحركة الجهاد الإسلامي. واستشهد خلال الغارات الصهيونية( 34 ) فلسطينياً، بينهم أطفال وثلاث سيدات، إضافة إلى( 111) مصاباً، ما زال بعضهم يتلقى العلاج في المستشفيات المختلفة.   لماذا (أبو العطا)؟: بدا واضحا أن المنظومة الأمنية والعسكرية والسياسية، أظهرت في الأيام الأخيرة حالة من التضخيم والمبالغة في الدور الذي يقوم به (أبو العطا)، حول دوره في المبادرة إلى إطلاق عشرات القذائف الصاروخية باتجاه المستوطنات الإسرائيلية، وقد ترافق ذلك مع تحذيرات بإمكانية اغتياله. ووصفت الدوائر الإسرائيلية (أبو العطا) بأنه (محمد ضيف 2)، في إشارة للقائد العسكري العام لكتائب عز الدين القسام، الجناح المسلح لحماس، وأخرى اعتبرته “أخطر الشخصيات” على إسرائيل، بجانب (حسن نصر الله) أمين عام حزب الله اللبناني، و(قاسم سليماني) قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني”. وتداولت الأوساط الأمنية والعسكرية الإسرائيلية أنباء مفادها أن (أبو العطا) شارك في التخطيط لهجمات ضد إسرائيل، وأشرف على صنع الأسلحة، وتحسين قدرات إطلاق الصواريخ بعيدة المدى، وينظر إليه في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية كعنصر تصعيد، لأنه صاحب قرار  إطلاق الصواريخ على المستوطنات الجنوبية، وأن الإدارة الأمريكية أصدرت مجموعة من العقوبات بحقه. ومثَّل الإقدام الإسرائيلي على تنفيذ الاغتيال “كسر لقواعد الاشتباك” مع الاحتلال التي تم التوافق عليه منذ انتهاء الحرب الأخيرة في 2014، ومع انطلاق مسيرات العودة على حدود غزة في مارس 2018. ويعيد الاغتيال الإسرائيلي في وضح النهار لـ (أبو العطا)، إلى الأذهان السلوك الإسرائيلي القديم الجديد الذي انتهجته في تصفية قادة المقاومة الفلسطينية، وشهد ذروته في انتفاضة الأقصى، باغتيال الصف الأول من القيادات السياسية والعسكرية، دون استثناء.   أهداف صهيونية: عسكريا، أرادت إسرائيل منع سائر الفصائل الفلسطينية، تحديداً «الجهاد»، عن مقاومة الاحتلال والتخلّي عن سلاحها والرضوخ للحصار القاتل. ولأن المقاومة أصبحت مرفوضة أكثر بعد اعتبار إيران راعيها الوحيد؛ ما أدخل غزّة وفصائلها في بؤرة الصراع الإقليمي الأوسع. وسواء التزمت إسرائيل بالهدنة أم لم تلتزم، فإن الفصائل الفلسطينية بل والعالم كله يعي أن إسرائيل لن تلتزم بها مستقبلا، وتسعى وفق أهدافها وخططها لتقليم أظافر الفلسطينيين، حتى من ارتضوا المقاومة الدبلوماسية في رام الله، فإنها تواجههم بالعنف وبهجمات المستوطنين، ومصادرة الأراضي، وقرصنة الأموال كما يقول (د.عبد الوهاب بدرخان) في العرب القطرية. ففي الجولة العدوانية الجديدة، أرادت إسرائيل أن تثبّت قاعدة “الاشتباك القتالي”،  إذ افتعلت التصعيد باغتيال (بهاء أبو العطا)، القائد العسكري في حركة “الجهاد الإسلامي”، ولاحقت قيادياً آخر في دمشق، ثم قادة ميدانيين خلال غاراتها على غزّة. وترافق الاستهداف الصهيوني بمزيج من الإنذار والتحييد لحركة «حماس»، مع لومها لأن «التهدئة» مسؤوليتها. وسعت إسرائيل عبر سلسلة تصريحات ملغومة، الإيحاء بأن حماس تتخذ موقفا سلبيا، من الرد العسكري للجهاد الإسلامي ضد الغارات الإسرائيلية، لحرقها أمام الشعب الفلسطيني، وهو ما ردت عليه حماس على لسان (موسى أبو مرزوق)، وبمشاركتها في الغرفة المشتركة بغزة، ضد العدوان الصهيوني.. واستُخدمت الهجمات الأخيرة كجزء من العلاج النفسي للمزاج الإسرائيلي العام المحبط من استمرار الأزمة الحكومية، وقد تكون مهّدت الطريق لاتفاق على “حكومة وحدة”. وكانت الرسالة الأبرز معروفة لكن جرى تأكيدها، وهي أن غزة ليست موضوع خلاف بين (بنيامين نتنياهو) و(بيني غانتس) فالأول أمر بالاغتيال، والآخر وافق عليه، ويعتبره ملحقاً لحروبه التي يفتخر بها على غزّة، بما تضمّنته من جرائم وثّقتها تقارير للأمم المتحدة. وجاء التصعيد الإسرائيلي، في وقت تشتعل فيه المنطقة بتهديدات أمنية وتحديات عسكرية متلاحقة، وإسرائيل تعلم ذلك جيدا، فهي تتحدث صباح مساء عن تشكل محور إقليمي تقوده إيران، ويتكون من سوريا ولبنان ومجموعاتها العسكرية المنتشرة في العراق واليمن، إضافة للمقاومة الفلسطينية، وقد توافقت هذه الأطراف مجتمعة على ما عرف بـ”توحيد الجبهات”. هذه الاستراتيجية التي باتت معلنة تفيد بأنه في حال تعرض أي من هذه الجهات لعدوان إسرائيلي، فإن باقي الحلفاء سينهضون للدفاع عنه، وصد هذا العدوان، ولعل اغتيال (أبو العطا) في هذا التوقيت بالذات يأتي اختباراً إسرائيلياً لمدى نضج هذا التحالف، وحقيقة هذه الاستراتيجية، التي دار حولها نقاش وجدل فلسطيني واسع، حتى داخل أطر المقاومة الفلسطينية، بين مؤيد ومعارض. أكثر من ذلك، فإن هذا الاغتيال يترافق مع تسخين إسرائيلي لا تخطئه العين بإمكانية اندلاع مواجهة عسكرية شاملة في الجبهة الشمالية مع حزب الله اللبناني، وهنا الخطورة التي يحملها قرار الاغتيال، فهل أن إسرائيل مطمئنة إلى أنه سيمر، وكأنه لم يكن، ويبقى التفرغ الإسرائيلي الحقيقي للجبهة الشمالية، على أنها الأكثر كلفة والأخطر حجما وثقلا..   دلالات استهداف (أبو العطا): يشكل المشهد الإسرائيلي الداخلي عنصرا حاسما في الضربة النوعية الإسرائيلية، ضد المقاومة  الفلسطينية، فالكل يعلم أن الإسرائيليين منشغلون حتى أعناقهم في مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة، بعد أن أعلن (بنيامين نتنياهو) رئيس الحكومة الحالي عن فشله في أن يحصل على 61 مقعدا يعلن بهم حكومته، وتبقى على خصمه (بيني غانتس) 6 أيام فقط على المهلة الزمنية الممنوحة له لإعلان نجاحه أو فشله في ذات المهمة. وقد جاء الاغتيال الإسرائيلي ل(أبو العطا) في الدقيقة تسعين، فالرد الفلسطيني على هذا العدوان، والرد الإسرائيلي على الرد الفلسطيني خصم من هذه الأيام الستة، مما يعني انقضاء هذه المهلة، وإعلان (غانتس) عن إخفاقه في تشكيل الحكومة، إلا أن غانتس فهم لعبة (نتنياهو) فأعلن فور تنفيذ هذا الاغتيال عن تجميد مشاوراته الحزبية والائتلافية، ومباركته للاغتيال، وفي هذه اللحظات يكون (نتنياهو) قد حقق أول أهدافه. وهو ما يتوقع معه أن يستخدم رئيس الدولة صلاحيته بالإعلان عن انتخابات ثالثة في فبراير القادم، أو إجبار (نتنياهو) و(غانتس) على تقديم تنازلات قاسية لبعضهما للنجاة من هذا السيناريو المرفوض من كل الإسرائيليين. وبحسب خبراء، فإن اغتيال (أبو العطا) أمني عسكري ولكن بطعم ومذاق انتخابي إسرائيلي، على اعتبار ما كشفه وزير الدفاع السابق (أفيغدور ليبرمان) قبل ساعات عن طلبه من (نتنياهو) العام الماضي اغتيال (أبو العطا)، لكنه رفض وتمنع، متسائلا: ماذا جد من ظروف حتى يوافق (نتنياهو) ذاته على اغتيال (أبو العطا)؟ وكأنه يغمز بقناة المصالح الحزبية والشخصية للأخير للبقاء رئيسا للحكومة. هذا الاتهام لم يقتصر على (ليبرمان) ذاته، بل إن أوساطا عديدة في المنظومة الحزبية الإسرائيلية وصلت لقناعات في هذا الاتجاه، لأنه كان واضحا منذ البداية أن (نتنياهو) الذي ينتظر تقديم لائحة اتهام ضده بالفساد، ويقضي ما تبقى من عمره في السجن، مستعد لأن يهدم المعبد فوق رؤوس الجميع، كي ينجو من ذلك، فجاء اغتيال (أبو العطا)، والتصعيد في غزة، هدية من السماء له على طبق من ذهب.   العسكري يقود السياسي الصهيوني: ولعل أبرز ما أكدته  عملية “الحزام الأسود” الصهيونية، ويكاد يُجمع محللون ومراقبون عليه أن عملية الاغتيال…

تابع القراءة

الزيارة السابعة للسيسي لأبوظبي: استرضاء للمال الاماراتي وتلاعب ليبيا وقطر وتونس

تأتي الزيارة الرسمية السابعة لقائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي إلى الإمارات، والتي استغرقت يومي الأربعاء والخميس، 13، 14 نوفمبر الجاري، في وقت بالغ الأهمية على الصعيدين المصري والإقليمي.. تناولت الزيارة –حسب البيانات الرسمية المشتركة – نقاشات حول  مستجدات الأوضاع في المنطقة والقضايا ذات الاهتمام المشترك في ليبيا وسورية وفلسطين فضلاً عن ملف المصالحة الخليجية والمستجدات بشأنها، بما في ذلك محاولات  تقريب وجهات النظر، التي تبذل من قبل عدة أطراف خليجية ودولية، كالكويت وعمان وواشنطن، الجارية منذ عدة أسابيع والتي لم تكن مصر طرفاً فيه، وملف الدعم المشترك لموقف قائد مليشيات شرق ليبيا اللواء المتقاعد خليفة حفتر.   وجاءت الزيارة التي لم يكن مخططا لها، رغم تصريحات الدبلوماسية المصرية بأنها كان مخطط لها، إلا أن تصريح دبلوماسي آخر كشف أنها   تسببت في تأجيل فعاليتين رئاسيتين كان مقررا للسيسي أن يشارك فيهما –جاءت- لسبب أهم ، وهو استرضاء الإمارات، لتلافي بعض المشاكل التي شغلت حكومة الإمارات في الفترة الماضية بشأن استثماراتها في مصر ومساعداتها لنظام السيسي ، حيث أبلغ الاماراتيون عدداً من الوزراء المصريين خلال الزيارة الأخيرة التي أجراها عدد من رجال الأعمال الإماراتيين لمصر الشهر الماضي، بعدم رضاهم عن الطريقة التي تدار بها المساعدات الإماراتية لمصر، سواء التي يتم تخصيصها للحكومة أو تلك التي يفوض السيسي الجيش بالتعامل معها، حيث اكتشفوا وجود قصور بالغ ومخالفات وتجاوزات في مواعيد صرف بعض دفعات المساعدات والمدى الزمني لتحقيق الاستفادة منها وعدم توظيف بعضها في الأغراض المخصصة لها، وطلبوا من رئيس الوزراء مصطفى مدبولي اعتماد آلية للمراجعة المشتركة لبعض البنود المالية التي أسيء التصرف بها، وفقاً لرؤيتهم. ولعل ما يؤكد ذلك، اجتماع الحكومة المصرية في يوم سفر السيسي ، الأربعاء، لمتابعة أعمال المشاريع الخاصة بالعاصمة الإدارية والمدن الجديدة المتعثرة. حيث قرر مجلس الوزراء، الاسراع في إجراءات فض منازعات الاستثمار وتعويضات المتعاقدين، وتسريع إجراءت مد المرافق لعدد من المشروعات الجديدة.. بل إن كثير من الدوائر الاقتصادية، تحدثت صراحة عن ضغوط من داخل النظام الإماراتي لوقف تدفق المنح والاستثمارات للنظام المصري لحين مراجعة ما تم إنجازه في بعض الملفات المتعثرة بعينها، منذ عام 2015 وحتى الآن، والتي تشمل مشاريع معطلة ومساعدات مالية لم توضح مصر طرق إنفاقها.   بل تحدثت مصادر حكومية عن أن بعض رجال الأعمال الإماراتيين الذين زاروا مصر أخيراً لمتابعة مشاريع في العاصمة الإدارية الجديدة والساحل الشمالي، أعربوا عن مخاوفهم من عدم إمكانية الاستفادة من تلك المشاريع في المواعيد المخطط لها نتيجة تأخر الهيئة الهندسية للجيش في تسليم المرافق والطرق التي كان مقرراً إنجازها نهاية العام الماضي، وذلك بسبب انشغال الهيئة في العديد من المشاريع الأخرى التي يرغب السيسي في افتتاحها بشكل مستمر، وفي الوقت نفسه اعتماد الهيئة على شركات مقاولات صغيرة وحظر دخول شركات أخرى أعلى كفاءة في بعض المشاريع. وبحسب تلك المصادر، فإن هناك “تململاً متصاعداً في الإمارات” بسبب سوء تصرف الجيش وشركاته في العديد من المساعدات التي تلقتها الدولة وفوّض السيسي الجيش بإدارتها، خصوصاً على مستوى مشاريع المدن الجديدة. وتعدّ الإمارات حالياً الدولة صاحبة أكبر استثمارات في السوق المصرية بإجمالي استثمارات بلغت 6.8 مليارات دولار، ويبلغ عدد الشركات المستثمرة بمساهمات إماراتية في مصر نحو 1141 شركة في العديد من القطاعات الإنتاجية والخدمية. وارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 3.3 مليارات دولار في العام الماضي مقارنة بنحو 2.2 مليار دولار في عام 2015، وبلغت قيمة الصادرات المصرية إلى الإمارات نحو ملياري دولار في عام 2018، في حين بلغت الواردات نحو 1.3 مليار دولار.   استرضاء المال الاماراتي   وشهدت العلاقات بين مصر والإمارات برودا في العلاقات بين البلدين، على المستوى الاقتصادي، بعد العديد من المطالبات المصرية بمساعدات اقتصادية، رفضتها الإمارات بعد تعثرها السياسي والاقتصادي في اليمن وفي الخليج العربي، بعد الاعتداءات الإيرانية على ناقلات النفط في موانيها…ولكنها سمحت لمصر بتأجيل سداد مديونياتها المقررة للإمارات، عبر عقود جديدة تزيد من الفائدة على الودائع والقروض الإماراتية لدى القاهرة. ولعل استمرار سياسة منع القروض والمنح المجانية، مكتفيا بتقديم التعهدات بالاستثمارات فقط، حيث أعلن ولي عهد أبوظبي “محمد بن زايد”، الخميس، إطلاق منصة استثمارية استراتيجية مع مصر بقيمة 20 مليار دولار لتنفيذ مشاريع مشتركة.   وقال “بن زايد” في تغريدة: “أطلقت مع أخي الرئيس عبدالفتاح السيسي منصة استثمارية استراتيجية مشتركة بين الإمارات ومصر بقيمة 20 مليار دولار لتنفيذ مشاريع حيوية في مجالات لها جدواها الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة لبلدينا وشعبينا الشقيقين“. يشار إلى أنه في يوليو الماضي، أسند السيسي الاستثمارات الإماراتية والسعودية والكويتية، لجهاز المخابرات العامة المصرية، لتذليل الصعاب، وأنشا مدير جهاز المخابرات العامة، اللواء “عباس كامل”، وحدة جديدة داخل الجهاز للإشراف على عمل لجان فض المنازعات والمتابعة مع المستثمرين الإماراتيين والسعوديين والكويتيين. تختص اللجنة بإنهاء المشاكل القائمة بين المستثمرين الخليجيين وبين الحكومة حول تسوية آثار الأحكام الصادرة ببطلان شرائهم لأراض أو مشاريع، وكذلك إلغاء القرارات السابق صدورها ضد بعضهم بسحب الأراضي أو المشاريع في عهدي المجلس الأعلى للقوات المسلحة والرئيس الراحل “محمد مرسي” بين 2011 و2013. وسط توجهات من النظام الحالي لنقل ملف الاستثمارات الخليجية بالكامل إلى هذه الوحدة الاستخباراتية الجديدة بدلاً من وزارة الاستثمار، بسبب تراكم المشاكل الشخصية بين مدير الجهاز الذي يُعتبر الشخصية الأقوى في نظام “السيسي” حتى الآن، وبين وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي “سحر نصر”، التي يعتبرها “كامل” موالية لأحد منافسيه السابقين رئيس الرقابة الإدارية السابق “محمد عرفان”، الذي سبق ونجح “كامل” في الإطاحة به“. وأشار المصدر إلى أن هذه المشاكل التي تعرقل وعود “كامل” وشخصيات نافذة أخرى للمستثمرين الخليجيين ومجتمعات الأعمال في السعودية والإمارات، تحديداً بتسوية مشاكلهم وتحسين أوضاعهم في مصر، رغماً عن القيود القانونية، هي من الأسباب الرئيسية التي تدفع المخابرات إلى الترويج لقرب رحيل “سحر نصر” عن الحكومة في أقرب تعديل وزاري، والبحث عن بديل لها.     تشريعات منبطحة   ومؤخرا، أصدر السيسي القانون 133 لسنة 2019 بإحالة كل القضايا التي صدرت فيها أحكام ببطلان الخصخصة والبيع في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، إلى اللجنة الوزارية لفض منازعات الاستثمار، أو اللجنة الوزارية لتسوية منازعات عقود الاستثمار.   ويأتي ذلك في إطار محاولات النظام لاجتذاب رؤوس الأموال لشراء الكيانات التي ستُطرح للبيع قريباً ضمن برنامج الطروحات الحكومية في البورصة، ومنح المستثمرين الأجانب وفي مقدمتهم الخليجيين امتيازاً تشريعياً إضافياً يحميهم من المشاكل القانونية المعقّدة ويضمن لهم إمكانية استرداد أموالهم في أي وقت بالاتفاق مع الحكومة بعيداً عن ساحات القضاء، وذلك بالتوازي مع مستجدات هيكلية تضمن إشراف دائرته مباشرة على هذا الملف وتقليص سلطة العمل الحكومي المدني. وتراهن دائرة “السيسي” على سرعة وحسن تطبيق القانون الجديد ليكون قاطرة لجذب استثمارات خليجية للتعامل في الحصص الإضافية من أسهم الشركات الحكومية المطروحة والمقرر طرحها تباعاً في البورصة، لا سيما أن القانون…

تابع القراءة

تركيا وتجاوز الخطوط الحمراء

بقلم: حازم عبد الرحمن منذ إلغاء الخلافة العثمانية سنة 1924 , تم وضع خطوط حمراء أمام الجمهورية التركية الجديدة  حتى لا تفكر في استعادة قوتها من جديد, يوم كانت الدولة العظمى الوحيدة في العالم صاحبة القرار الذي لم تكن دولة تستطيع مراجعته, وقد ذاقت أوروبا مرارة هذه القوة حتى في رسائل السلطان العثماني إلى ملوكها وحكامها, حيث كان يخاطب ملكة بريطانيا بـ ” أيتها الملكة الخاضعة لسلطاننا …”, وقد استغرقت أوربا فترة طويلة في التآمر على دولة الخلافة,  حتى نجح مصطفى كمال أتاتورك ومجموعة من العسكر واليهود في إسقاط الخلافة, ومن ساعتها وضعت أوروبا خطوطا حمراء حتى لا تعود هذه القوة مرة ثانية لتهدد المصالح الأوروبية؛ فعمل أتاتورك ورفاقه على التغريب ومحو الهوية الإسلامية, وسحق أي توجه نحو ماضي الأمة التركية وتراثها, كما جرى تغيير الحرف العربي في اللغة التركية ليتم كتابتها بحروف أجنبية , وقد طالت هذه المأساة أذان الصلاة, ما مثل جرأة غير مسبوقة على الدين في بلد إسلامي. وبرغم كل ذلك كان الإسلام حاضرا في ضمير الشعب التركي, حتى جاء نجم الدين أربيكان ووصل إلى رئاسة الحكومة, لينقلب عليه العسكر, ويغلقوا له الحزب تلو الآخر, ليظهر واحد من أنبغ تلاميذه هو رجب طيب إردوغان, ويشكل حزبا جديدا ” العدالة والتنمية” ويخوض الانتخابات ويكسب ثقة الجماهير التركية, وينفذ برنامجا غير مسبوق في نهضة البلاد, ويناصر قضايا العالم الإسلامي والحريات, دون مواءمات سياسية, وهو أمر لم يحدث منذ إسقاط الخلافة العثمانية؛ حيث كانت تركيا تسير في ركاب أوروبا بحكم العسكر.  وحققت تركيا في عهد إردوغان نجاحات كبيرة في مجالات التصنيع والسياحة وسائر المجالات؛ ما جعلها قوة اقتصادية كبرى تحوز مكانة مرموقة ضمن أقوى عشرين اقتصادا في العالم, كما أصبحت قوة عسكرية كبيرة تتقدم على ألمانيا في ترتيب ميزان القوى العسكرية.. كل هذا جعل أوروبا وأمريكا وروسيا تنظر بحذر شديد إلى تركيا وقوتها المتنامية على الصعد كافة؛ فكان لا بد من إشغالها بمشكلات داخلية وحدودية مع تنظيمات كردية انفصالية, وتهديدها بين الحين والآخر بعقوبات اقتصادية, لكنها صمدت ونجحت في التصدي للعقوبات التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أو العقوبات التي يهدد بها الاتحاد الأوروبي, وكان الرضا الأمريكي الأوروبي عن محاولة الانقلاب الفاشلة التي قادها بعض العسكريين من أتباع فتح الله جولن المقيم بالولايات المتحدة كاشفا عن حالة التآمر على تركيا لإسقاط إردوغان وتجربته غير المسبوقة في تركيا التي تغري الكثير من الشعوب الإسلامية بتكرارها؛ فكان لا بد من محاولة وقف هذا النمو التركي المطرد الذي بات يجذب إليه أنظار قيادات ودول مهمة في العالم مثل باكستان وماليزيا بالإضافة إلى الشعوب المسلمة التي ترى في تجربة إردوغان نموذجا ناجحا جديرا بالاحتذاء. لذلك عندما شنت تركيا عملية “نبع السلام” في الشمال السوري انطلقت صرخات الرفض من أوروبا وأمريكا, وظهر الهجوم الإعلامي على تركيا التي تعهدت بالخروج من الشمال السوري فور انسحاب الأكراد الانفصاليين إلى مدى 30 كيلو مترا, ورغم موافقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البداية إلا أنه عاد ليدعم مجددا قوات “قسد” الانفصالية التي سرعان ما وجدت دعما كبيرا غير متوقع من أوروبا وروسيا, التي خانت اتفاقاتها وتعهداتها السابقة لتركيا, كما فعل دونالد ترامب بالضبط, وأخذت روسيا في دعم قوات “قسد” والتوسط بينها وبين بشار الأسد الذي بادر بالموافقة على طلبات الانفصاليين عن سورية , رغم أن واجبه أن يقاتلهم حتى يفرض سلطة الدولة السورية على كامل ترابها الوطني, لكن لأن الرأي هنا ليس لبشار الأسد وإنما لصاحب القوة المسيطرة على سورية وهو الرئيس الروسي بوتين الذي لا يطمئن لصعود تركيا, ولا يرتاح إلى قوتها المتعاظمة, مثله في ذلك مثل أوروبا وأمريكا فبدا الجميع متفقين ضد تركيا, كما انضم إليهم حلف الثورة المضادة المتمثل في السعودية والإمارات, وذلك حتى لا  تكمل القوات التركية عملياتها ضد الانفصاليين الأكراد؛ لتخرج بعدها من شمال سورية, كما تعهدت . وقبل هذه الأحداث الأخيرة لم يكن توجه الإعلام في روسيا وأوروبا ينظر بعين الارتياح إلى تركيا, فقد كان إعلام هذه الدول يهاجم إردوغان باستمرار, وتصريحات الساسة الأوروبيين ومواقفهم ضد إردوغان مشهورة,  لكن إردوغان كان يرد لهم الصاع صاعين, وقد قاطع المستشارة الألمانية عندما أساءت إلى الإسلام, وأجبرها على الاعتذار, كما هاجم الرئيس الفرنسي ماكرون عندما تحدث بلهجة غير مناسبة, وأوقف الرئيس الفرنسي الأسبق ساركوزي عند حده عندما اعترض على استضافة تركيا للرئيس السوداني السابق عمر البشير وقال له: احذر أنت تتدخل في سيادة تركيا؛ فصمت ساركوزي دون تعقيب. لذلك لم يكن غريبا أن يتوحد الجميع من أوروبيين وأمريكيين وروس ومحور الشر العربي, وكذلك إيران للوقوف في وجه تركيا التي باتت تنحاز إلى القضايا العادلة دون أي حسابات, ومن أبرزها انحيازها إلى خيارات الشعوب العربية في ثوراتها ضد أنظمة القمع والاستبداد, وقد استعصت على مؤامرات إخضاعها التي وصلت حد محاولة الانقلاب العسكري بتمويل إماراتي سعودي ورضا أوروبي أمريكي.               *تركيا تواجه الجميع وردا على تراجع أمريكا وروسيا عن تعهداتهما السابقة وانحيازهما مع الاتحاد الأوروبي إلى قوات ” قسد” الانفصالية فاجأ إردوغان الجميع بتصريح غير متوقع قال فيه: إننا “لن نتوقف حتى يغادر آخر إرهابي المنطقة، ولن نرحل من سوريا إلى أن تخرج الدول الأخرى”, وربط انسحاب قواته من سوريا بانسحاب الدول الأخرى، مضيفا للصحفيين أثناء عودته من زيارة أجراها إلى المجر،  أن قوات بلاده ستواصل عملياتها العسكرية شمال شرق سوريا، والتي بدأتها في أكتوبر الماضي؛ حتى تتمكن من طرد المقاتلين الأكراد من كل المناطق الحدودية. والحقيقة أن هذه رسالة مباشرة إلى جميع الأطراف التي تقف في وجه المشروع التركي لتأمين حدوده, وتحديدا روسيا وأمريكا وإيران، مفادها أن تركيا ليست الدولة التي يمكن أن تترك أمنها القومي عرضة للخطر. وهذه المواجهة اضطرارية بالنسبة لتركيا التي وجدت نفسها مجبرة على أن تؤكد مرة أخرى أنها لن تتهاون في أمن أراضيها، وأنها لن تقف مكتوفة الأيدي حيال عدم التزام روسيا وأمريكا، بما تم التفاهم عليه, وأن لديها الحق في استكمال أي عمل عسكري في الأراضي السورية، تراه ضروريا لحماية أمنها خاصة في ظل الخروقات التي تقوم بها قوات ” قسد” خاصة أن هذا حق شرعي لها وفق اتفاقية أضنة الموقعة في العام 1998 . وهناك هدف آخر أعلنته تركيا وهو إعادة ما يمكن من اللاجئين السوريين إلى الشمال السوري, ولا شك أن بقاء هؤلاء اللاجئين في تركيا سيجلب المزيد من الصعوبات أمام الحكومة التي تصاعدت أمامها المشكلات بسبب هجوم المعارضة التركية ورفضها استضافة ملايين السوريين كلاجئين, ولا يغيب ذلك بالطبع عمن توحدوا ضد تركيا؛ فهدفهم قد تجدد في إثارة المتاعب الداخلية لإردوغان وحزبه. وهناك سؤال مهم لماذا يطالب الجميع بخروج القوات التركية من الشمال السوري.؟ وإذا اعتبرنا الوجود الروسي والإيراني جاء بطلب من نظام بشار الأسد فما شرعية وجود…

تابع القراءة

قانون “البيانات الشخصية” قمع أمني بعنوان الاستثمار

في استغلال للتحرر القانوني الذي أحرزه نظام السيسي من رقابة مجلس الدولة والمحكمة الإدارية العليا، التي بات غير ملزما المشرع برقابتها التلقائية على القوانين، والتي جعلت التعديلات الدستورية رقابتها على القوانين، التي تحال إليها فقط، أقر برلمان السيسي قانون “حماية البيانات الشخصية” ، والذي يهدف من ورائه نظام السيسي، أمرين؛ السيطرة الأمنية التامة على المواطنين وبياناتهم الصحية والأمنية والوظيفية والمالية، ومزاحمة شركات المعلوماتية والتسويق الرقمي والبيانات في كعكة الاستثمار في البيانات، بادعاءات من عينة حماية المواطنين وتأمينهم… القانون يخفي بين سطوره وأحكامه أدوات لا نهائية، ووسائط غير تقليدية، لتمكين الجهات السيادية والأمنية، بدعوى اعتبارات الأمن القومي، من الاستحواذ على البيانات الشخصية للمصريين واستخدامها دون قيود قانونية أو حتى تحت رقابة القضاء. مبعث القانون ومنطلقه الأساسي، جاء من عنديات عبد الفتاح السيسي، حسنما تحدث في  نهاية يوليو الماضي، عن “العمل على مشروع قومي لحفظ البيانات”، وصفه بأنه “عقل الدولة المصرية”، وسيتم إنشاؤه على عمق 14 متراً تحت سطح الأرض، في موقع مؤمّن بأعلى وسائل ودرجات التأمين، وسيكون به عدد كبير من الخوادم لحفظ البيانات.   القانون ظاهره حماية المواطن     وفي إطار تسويغ القانون، الذي يهتك  خصوصيات المصريين ويجعلها مجرد سلعة تباع لمن يدفع ، بل وسيفا مسلطا على رقابهم، بأمر الجهات الأمنية، تقول الحكومة إن إصدار قانون حماية البيانات الشخصية أصبح ضرورياً لمواجهة اتساع نطاق التعامل ومعالجة هذه البيانات إلكترونياً بشكل غير مسبوق، ما سمح للشركات والمؤسسات الخاصة والعامة باستخدام البيانات الشخصية للأفراد باطراد، نظراً لأن الأنشطة الإلكترونية، القائمة على جمع وتحليل واستنباط وتخزين تلك البيانات، تساعد الشركات والمؤسسات على الاستفادة الاقتصادية والتجارية من تلك البيانات الرقمية بشكل متزايد.   كما اعتبرت أن هذا الأمر يأتي لمواكبة اهتمام الحكومة بتشجيع الاستثمارات في مجال صناعة مراكز البيانات العملاقة، على أمل أن تصبح مصر ممراً رقمياً عالمياً في ظل منافسة شرسة في هذا الإطار مع دول أخرى في المنطقة، مثل الأردن واليونان وحتى إسرائيل، وأن جميع هذه الاعتبارات كانت تتطلب “وجود بيئة تشريعية مناسبة لضمان خصوصية المواطنين والعمل على تهيئة المناخ الاستثماري“.   ويركز مشروع القانون المتداول حالياً في مجلس النواب، على حماية البيانات الشخصية المعالجة إلكترونياً أثناء جمعها أو تخزينها أو معالجتها، حيث يحدد حق الأشخاص في حماية بياناتهم، ويُجرم جمع البيانات الشخصية بطرق غير مشروعة أو من دون موافقة أصحابها. كما يجرم معالجتها بطرق تدليسية أو غير مطابقة للأغراض المصرح بها من قبل صاحب البيانات. كما ينظم أيضاً نقل ومعالجة البيانات عبر الحدود، وذلك كله من خلال قواعد ومعايير وشروط يضعها القانون، مسترشداً باتفاقيات دولية في هذا الصدد، ويباشر الإشراف عليها مركز جديد سيتم إنشاؤه لهذا الغرض. لكن النصوص الإيجابية في القانون لا تلبث أن تتحول إلى خيالات مجردة، باصطدامها بمادة تأسيسية تنص صراحة على أنه “لا يسري القانون على البيانات الشخصية لدى جهات الأمن القومي، وما تقدره لاعتبارات أخرى”. ويعني هذا الأمر تسهيل حصول تلك الجهات، التي لم يحددها المشروع، على أي بيانات شخصية ترغب في الحصول عليها، وإزالة قيود السرية عنها في أي مرحلة، ومعالجتها والتعامل معها مباشرة، وفق ما تقدره هي من اعتبارات “أخرى” يتخاذل المشروع عن مجرد تحديدها.   ويحدد المشروع جهات الأمن القومي بأنها كل من رئاسة الجمهورية، ووزارة الدفاع، ووزارة الداخلية، وجهاز المخابرات العامة، وهيئة الرقابة الإدارية.   ولا يوجد نص دستوري أو تشريعي مصري يحدد “جهات الأمن القومي”، لكن السلوك العرفي يجعل هذا المصطلح يشمل الرئاسة وإداراتها، والمخابرات العامة بأجهزتها المختلفة ومنها جهاز الأمن القومي، وكذلك الجيش والمخابرات الحربية، وكذلك الشرطة وفي مقدمتها جهاز الأمن الوطني، فضلاً عن انضمام الرقابة الإدارية أخيراً لتلك الجهات التي تنال معاملة خاصة من جميع أجهزة الدولة خارج إطار القانون. كما أن المشروع الذي تدعي الحكومة إعداده على شاكلة قوانين مطبقة وراسخة في دول متقدمة، أو في الاتفاقيات الدولية بشأن حماية البيانات الشخصية، أعفى جهات الأمن القومي من رقابة القضاء، على تقدير اعتبارات معالجة البيانات والتعامل عليها بدلاً من حمايتها والالتزام بالقانون، رغم أن كشف سرية البيانات في القوانين الأخرى يجب أن يتم بناءً على أمر قضائي. كما أن القضاء المصري، وفي أحكام سابقة لمحكمتي النقض والإدارية العليا، كان يُخضع قرار كشف السرية للرقابة القضائية، الأمر الذي سينحسر وفقاً للصياغة السابق ذكرها في القانون الجديد.   تفاصيل البيانات   وتشمل البيانات الشخصية التي يعرّفها القانون بأنها “حساسة”، والتي سيكون متاحاً لجهات الأمن القومي الاستحواذ عليها كلاً من: بيانات الصحة النفسية والعقلية والبدنية والجينية، وبيانات القياسات الحيوية “البيومترية” والبيانات المالية والمعتقدات الدينية والآراء السياسية وصحيفة الحالة الأمنية. ويشترط المشروع في المادة 12 الحصول على ترخيص من المركز لـ”جمع أو نقل أو تخزين أو حفظ أو معالجة بيانات شخصية حساسة أو إتاحتها”.   باطنه القمع بينما يمنح مشروع القانون جهات الأمن القومي ذاتها سلطة أن يأمر المركز المختص بضمان حماية البيانات بأن “يخطر المتحكم أو المعالج بتعديل أو محو أو عدم (إظهار أو إتاحة أو تداول) البيانات الشخصية، خلال مدة زمنية محددة، وفقاً لاعتبارات الأمن القومي. ويلتزم المتحكم أو المعالج بتنفيذ ما ورد بالإخطار خلال المدة الزمنية المحددة به”. فهو مرة أخرى يتيح للجهات السيادية والأمنية التلاعب بشكل غير مباشر بالبيانات، ليس فقط بمعالجتها، بل بتعديلها أو حجبها أو محوها، تحت نفس الدعاوى المسماة “اعتبارات الأمن القومي” وأيضاً خارج الرقابة القضائية، علماً بأن هذه المادة تفتح باباً واسعاً لحرمان الأشخاص من حقوقهم الطبيعية في بعض الأحوال، خصوصاً إذا كانت البيانات التي يتم معالجتها متعلقة بالسجل الجنائي أو الاتهامات أو التحركات، ما قد يؤثر على الحق في السفر والتنقل والتصرف في الممتلكات والتملك، وحتى الحرية الشخصية ذاتها إذا كان يترتب على تلك التعديلات أمر بالقبض أو التفتيش.   كما يضع مشروع القانون جهات الأمن القومي مرجعية رئيسية لتحرك المركز المختص بحماية البيانات، ويعود إليها في حالة وجود اختراقات أو انتهاكات مؤثرة على البيانات الشخصية.   وينص مشروع القانون على أن “يلتزم كل من المتحكم والمعالج، بحسب علمه بوجود خرق أو انتهاك مؤثر على البيانات الشخصية لديه، بإبلاغ المركز خلال أربع وعشرين ساعة، والذي يقوم بدوره بالإخطار الفوري لجهات الأمن القومي بالواقعة، كما يلتزم بموافاته خلال 72 ساعة من تاريخ علمه ببعض البيانات المحددة“.   والمتحكم حسب تعريف المشروع هو أي شخص طبيعي أو اعتباري، يكون له، بحكم طبيعة عمله، الحق في الحصول على البيانات الشخصية وتحديد طريقة وأسلوب ومعايير الاحتفاظ بها، أو معالجتها والتحكم فيها طبقاً للغرض المحدد أو نشاطه. أما المعالج فهو أي شخص طبيعي أو اعتباري يختص، بطبيعة عمله، بمعالجة البيانات الشخصية لصالحه، أو لصالح المتحكم بالاتفاق معه ووفقًا لتعليماته. وتعيد هذه النصوص المتجاوزة لحقوق الأفراد في حماية بياناتهم بدعوى الأمن القومي، إلى الأذهان، القانون الذي أصدره…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022