مبادرة الطنطاوي..هل تكون خطوة نحو رؤية شاملة لمستقبل مصر؟
تظل مبادرة النائب الناصري أحمد طنطاوي، التي جاءت تحت سقف النظام الحاكم بمصر، حجرا مهما لتحريك المياة الراكدة في بحر السياسة الآسن في مصر في ظل الانقلاب العسكري. جاءت المبادرة، كمحاولة لتجاوز بعض الخطوط الحمراء للنظام، والتي واجهها النظام باحالة النائب إلى لجنة القيم، تمهيدا لعزله من البرلمان، بدواعي تجاوز الخطوط الحمراء، للنظام، التي خطها رئيس البرلمان علي عبد العال، بأن الرئيس والدولة والجيش وتعديلات الدستور خطوط حمراء، لا ينبغي تجاوزها، على الرغم من أن الدستور كان عرضة للانتهاك بتعديلات لا دستورية، منذ أيام، حيث وصف –وقتها- بأنه ليس قرآنا ولا نصوصا مقدسة، وجرى تعديله بشكل هزلي.. وفي ذات الوقت، نالت مبادرة الطنطاوي انتقادات من أطراف معارضة، كونها تشرعن لحكم السيسي.. وهو ما يزيد الحياة السياسية جمودا على جمودها، حيث ضنت المعارضة على منحها ، مجرد الاستحسان، المشجع على الاستمرار في الأطروحات السياسية… نصوص المبادرة وانطلقت مبادرة طنطاوي من مقولة السيسي، التي وجهها للبرلمان، في ظل سعيه لإظهار أن هناك سياسة ومعارضة –شكلية- في مصر..“عليكم مسؤولية وكل أمر محل شكوى لازم تتصدوا له وتعملوا لجان وتعملوا تقارير ويعلنوها للناس“. ..هكذا تحدث السيسي، قبل أيام، موجها خطابه لأعضاء مجلس النواب المصري، ومطالبا إياهم بتفعيل دور المجلس في مراقبة الحكومة. وهو ما حدا بالطنطاوي ليتحرك، ظانا أن الأمر جاد، وأن هناك نية من النظام المصري لبدء مرحلة من الإصلاح السياسي في البلاد، فأطلق مبادرته.. وتتضمن مبادرة النائب عن دائرة “دسوق وقلين” بمحافظة كفر الشيخ، 12 بندا، أبرزها، وأخطرها على النظام المصري، ما يتعلق بإلغاء التعديلات الدستورية التي تسمح لـ”السيسي” بالبقاء في السلطة حتى 2030. ودعا “الطنطاوي”، العضو السابق في حزب “الكرامة” المعارض، عبد الفتاح السيسي إلى مغادرة الحكم في عام 2022، والدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة لا يكون مترشحاً فيها أو منافساً، التزاماً منه بالتعهد الذي قطعه على نفسه مراراً بعدم الاستمرار في الحكم لأكثر من دورتين رئاسيتين. وطالب بإلغاء حالة الطوارئ في البلاد، وتوفير حريات وتعددية حقيقية وإطلاق سراح المعتقلين، وإعادة هيكلة مؤسستي القضاء والداخلية، ومراجعة الاتفاقيات الدولية، بما فيها اتفاقية التنازل عن جزيرتي “تيران” و”صنافير” للسعودية 2016. لكن الأخطر، هو مطالبة المبادرة بمناقشة تضخم اقتصاد المؤسسة العسكرية، والذي يحظى بإعفاءات جمركية وضريبية، ولا يخضع لأية رقابة، كما لا تدخل موارده ضمن الموازنة الرسمية للدولة.. السياق السياسي تلك المبادئ والمطالبات والحقوق التي تبناها الطنطاوي، مقدرة ومعتبرة، إلا أنها تأتي في ضوء الاستجداء السياسي لسلطة، دهست كل القيم وتجاوزت في قمعها الجميع، الذين ياتوا مجرد أرقام بلا قيمة في ضوء النظرة العسكرية للمجتمع المصري بعد انقلاب 3 يوليو 2013، وهو ما يرفضه الكثير من المصريين الذين يريدون إزاحة نظام السيسي، لكن بلا آليات واضحة، وبلا استماع ولو للحظة من قبل النظام لتلك المطالب.. ولعل ما أكسب المبادرة زخما بعض الشيء، وفي الوقت ذاته قلقا حكوميا، تأييدها من قبل المقاول والفنان المصري المقيم في إسبانيا “محمد علي”، صاحب دعوات رحيل “السيسي”، عبر تسريب وقائع فساد وإهدار للمال العام، تورط فيها السيسي بمليارات الجنيهات. لكن تحالف الأحزاب المصرية الذي يضم 40 حزبًا سياسيًا داخل النظام الحاكم، شن هجوما حادا على “الطنطاوي” ووصفه بأنه “دمية في يد الإرهابيين”، وأن مبادرته “محاولة مكشوفة يتستر خلفها من يسعون لهدم الدولة المصرية، خاصة جماعة الإخوان”.. زاد على ذلك، رئيس مجلس النواب “علي عبدالعال”، بالقول: “معنديش مبادرات.. واللي يعلن يعلن زي ما هو عايز في الجرائد.. ولا ألتفت إلى مثل هذا الكلام“. وأضاف: “من يشكك في الاستفتاء على التعديلات الدستورية، أو يطالب بالعدول عنها، إنما هو يشكك في شرعية المسؤولين الحاليين… ومن يتناول هذا الوطن أو القيادة السياسية بالسلب لا مكان له في مصر عموماً، وعليه أن يذهب بعيداً إلى بلد آخر، لأن هناك خطوطاً حمراء في هذا البلد لا يجب المساس بها على وجه الإطلاق“. وخلال جلسة سريعة بالنواب، الثلاثاء، 5 نوفمبر الجاري، تقرر إحالة “الطنطاوي”إلى لجنة القيم، بموجب طلب تقدم به 95 نائبا بالمجلس، وذلك للتحقيق معه، في إجراء قد يمهد لعزله وإسقاط الحصانة عنه. تباين مواقف المعارضة وتباينت ردود المعارضة المنقسمة في الداخل والخارج، بين مؤيد ومتحفظ ومعارض، حيث اعتبر النقابي المصري، “أحمد رامي”، أن المبادرة نزلت بسقف طموحات المصريين، لكنه عبر عن الترحيب بها من حيث المبدأ، كدعم لأي حراك سياسي قد يكون بداية لحراك أكبر. لكن رئيس المكتب السياسي بالمجلس الثوري المصري، “عمرو عادل”، اعتبر أن المبادرة لا تختلف عما حدث قبل ذلك، وستنتهي كما انتهت مبادرات سابقة، محذرا من أي مبادرة تخرج من برلمان تم اختياره بعناية من قبل الأجهزة الأمنية. بينما كان الصمت لسان حال قوى أخرى، أبرزها “الإخوان” و”6 أبريل”، ربما في انتظار ما ستسفر عنه المبادرة، أو ظنا بأنها ستلقى مصير مبادرات مماثلة للمصالحة الوطنية، طرحها القيادي الإخواني السابق “كمال الهلباوي”، وأستاذ علم الاجتماع السياسي “سعد الدين إبراهيم”، والأكاديمي المعروف “حسن نافعة”، وكلهم لاقوا مصير التجاهل أو النفي أو الاعتقال. أما الحركة المدنية، التي تضم عدة أحزاب ليبرالية ويسارية، فعبرت عن تأييدها للمبادرة، معتبرة عبر رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي “مدحت الزاهد”، أنها تتضمن توجهات إصلاحية. وأضاف “الزاهد” أن المبادرة تتفق مع ما أطلقته الجمعية العمومية للحركة، الشهر الماضي، من مطالب أهمها الإفراج عن سجناء الرأي ورفع القيود عن الحريات، وزيادة المعاشات والأجور وتطوير خدمات التعليم والإسكان والصحة وشبكة الأمان الاجتماعي وإصلاح النظام الضريبي. ومنذ أكثر من 6 سنوات، تزخر الساحة السياسية في مصر، بمبادرات لحقن الدماء، ووقف حملات القمع بحق المعارضة، وإطلاق الحريات، وتعزيز حرية الإعلام، واستقلال القضاء، وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية نزيهة، لكنها ذهبت أدراج الرياح. جدل حول الطنطاوي واشتهر “الطنطاوي” بانتقاد الحكومة والأوضاع السياسية والاقتصادية في كلمات له تحت قبة البرلمان، وتصريحات إعلامية، مما جعله هدفا لعدة بلاغات تقدم بها محامون مؤيدون للنظام، تطالب بتجريده من الحصانة البرلمانية والقبض عليه، بتهمة إهانة الرئيس ونشر أخبار كاذبة ضد الدولة. فيما يرى بعض المعارضين أن الطنطاوي وصل إلى البرلمان بدعم أطراف في النظام، وأنه مجرد واجهة ديكورية لإظهار أن النظام يقبل بالمعارضة والآراء الأخرى.. بينما يرى آخرون، أن الطنطاوي وغيره من تحالف 25/30، شخصيات سياسية حاول النظام استغلالهم والأتيان بهم عبر ترتيبات أمنية مخابراتية، مباشرة وغير مباشرة، إلا أنهم خرجوا عن النص ورفعوا مستوى المعارضة متجاوزين التوجيهات أو المستوى الذي كانت تخطط له المخابرات العامة، بخلق برلمان شبه متوازن، يحتوي على معارضين دون سقف النظام.. وهو ما ينبغي البناء عليه بتغيير نظرة المعارضة للطروحات التي تأتي بها المعارضة بالداخل، والتي لن تتجاوز حدودا معينة، لعدم اغضاب النظام بصورة كبيرة، غير الطروحات التي تأتي ممن هم خارج مصر.. الحلول الثورية…