الإمارات بين اليمن وإيران .. بداية سقوط حلم “إسبرطة” الجديدة

 الإمارات بين اليمن وإيران .. بداية سقوط حلم "إسبرطة" الجديدة بقلم: حازم عبد الرحمن في الجغرافيا السياسية تعتبر مساحة الدولة وعدد السكان من أهم عوامل قوتها, وهو ما يمثل تحديا كبيرا أمام الدول صغيرة المساحة في حماية أمنها القومي, لكن ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد الحاكم الفعلي لدولة الإمارات لا يعي هذه الحقيقة, بعدما نجح في تغييب الرئيس الشرعي الشيخ خليفة بن زايد عن المشهد؛ لتبدأ الإمارات نهجا غير مسبوق في تاريخها, وشرعت في التدخل غير المحسوب العواقب في مناطق كثيرة من العالم, تتحاشى قوى عظمى الاقتراب منها؛ خشية ما يمكن أن يجره ذلك من عواقب عليها, هي في غنى عنها. وتجاوب محمد بن زايد مع تشبيه وزير الدفاع الأمريكي السابق جيمس ماتيس الإمارات بإسبرطة القديمة, وهي المدينة اليونانية التي امتازت بقوة جيشها رغم قلة عدده, وكان ازدياد ثروتها وتوسع نفوذها على ما جاورها من المدن الإغريقية، أحد النتائج المباشرة لعدة حروب خلال تلك الحقبة الزمنية البعيدة.   وقد تدخلت الإمارات للتأثير في قرار السعودية باختراق الديوان الملكي عن طريق رجلها خالد التويجري رئيس الديوان السابق؛ لتكون توجيهات الملك عبد الله بن عبد العزيز وقراراته طبقا لما يحدده محمد بن زايد في أبو ظبي, وتواصل التدخل بعد وفاة الملك عبد الله وتولي الملك سلمان وخروج خالد التويجري من الديوان, حيث نجح بن زايد للمرة الثانية في إنشاء علاقة قوية مع محمد بن سلمان الابن المفضل لدى أبيه, وعن طريقه جرت تغييرات خطيرة في المملكة تثير الفتنة بين أمراء الأسرة الحاكمة, وتهدد أمنها بإدخالها في معارك وخصومات لا تجني السعودية من ورائها إلا الشوك, وقد دخلتا في حرب اليمن تحت لافتة دعم الشرعية, في حين كان هدف بن زايد مختلفا تماما؛ حيث يسعى لفصل جنوب اليمن عن شماله, والسيطرة على موانئه الاستراتيجية وجزيرة سقطري الفريدة, ونجح في إنشاء ميليشيات موالية للإمارات لفصل الجنوب؛ ما يمثل انقلابا ثانيا على الشرعية في اليمن, وأصبح اليمنيون يطالبون برحيل الإمارات عن بلادهم بعدما أنشأت سجونا تعتقل وتعذب أبناء اليمن التي جاءت بزعم مساندتهم لمواجهة الانقلاب الحوثي على الشرعية. وكانت الأيادي السوداء لمحمد بن زايد سباقة في الوقوف وراء الانقلاب العسكري في مصر في 3 يوليو 2013 , لتهدد مقدراتها بعد ذلك؛ حيث تغلغلت استثماراتها داخل القطاعات المصرية المختلفة من الطاقة وحتى العقارات والمواصلات, كما وقفت وراء محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا في 15 يوليو 2016 , وما زالت تدعم انقلابا ضد الحكومة الشرعية في ليبيا؛ بتمويل الضابط المتقاعد خليفة حفتر عميل المخابرات الأمريكية, وتنفق المليارات لتسليحه وجلب المرتزقة للقتال في صفوفه, ورغم ذلك يتلقى الهزيمة تلو الأخرى, وتلعب في السودان دور الداعم لحكم العسكر ومنع الشعب من تحقيق أحلامه في الحرية وحكم نفسه بنفسه, وفشلت محاولاتها للانقلاب على الديمقراطية في تونس, وذهبت إلى الصومال لكنها تلقت صفعات مدوية بعد اكتشاف مؤامراتها هناك, كما تورطت في محاولات فاشلة للانقلاب في سلطنة عمان, ومثلها في الأردن. وسلكت الإمارات بقيادة حاكمها الفعلي محمد بن زايد سلوك الدول العظمى ذات المصالح العابرة للقارات, في حين أنها دولة إقليمية صغيرة, يجب أن تكون لها أولويات أخرى غير التمدد العسكري؛ فارتفع طموحها السياسي, دون أن تكون لها قاعدة راسخة يرتكن إليها هذا الطموح؛ فمساحة الإمارات صغيرة, وعدد من يعيشون على أراضيها عشرة ملايين, لكن 90% منهم أجانب, وعدد السكان المواطنين هو مليون نسمة فقط, وهو من العوامل الأكثر أهمية في حساب عناصر القوة؛ ما يجعل مقارنتها بدول أخرى لا تسلك النهج نفسه ليس في صالح الإمارات, بل يكشف عن خلل خطير في رأس الدولة, أكسبها عداوة شعوب كثيرة؛ فبرغم نجاح الانقلاب العسكري في مصر إلا أن غالبية الشعب المصري يدرك دور الإمارات في الانقلاب على ديمقراطيته الوليدة ودعمها العسكر في قتل الآلاف من الأبرياء, وفي اليمن قالها الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي لمحمد بن زايد صراحة: "أنتم دولة احتلال", ولا يوجد في اليمن من يقبل بالوجود الإماراتي إلا الميليشيات التي دربتها وتمولها الإمارات, وفي السودان طالبت قوى الثورة بإبعاد الإمارات عن التدخل في شئونهم حتى لا تعمل على إفساد ثورتهم, وفي ليبيا تسببت الهزائم المتتالية للمنقلب حفتر في البحث عن بديل, وحل سياسي, حسبما ينادي المجتمع الدولي. *تململ حكام الإمارات إزاء نهج محمد بن زايد الخطير, لم يكن حكام الإمارات السبع راضين عن الخروج على سياستها منذ نشأتها في عام 1971 م فحدث تململ بين الحكام السبعة, وعلى رأسهم محمد بن راشد حاكم دبي رئيس الوزراء وقد شاهد الصواريخ الباليستية, والطائرات المسيرة تقصف مناطق عسكرية في السعودية, ويتم احتلال عشرات الكيلو مترات من أراضيها, من قوة جماعة الحوثي الصغيرة , وهي ليست جيشا لدولة كبيرة مثل إيران؛ فكان لا بد من اجتماع يتصارح فيه الحكام ويناقشون الأخطار الي أوردهم فيها محمد بن زايد؛ فالإمارات دولة بلا عمق, صغيرة المساحة والسكان, ولا يمكنها أن تتحمل ما جرى للسعودية التي استصرخت العالم العربي والإسلامي لنجدتها من جماعة الحوثي, ومع التصعيد الأمريكي الإيراني المتبادل في الخليج عقد حكام الإمارات اجتماعا سريا عقب إعلان إيران إسقاطها طائرة مسيرة تابعة للولايات المتحدة الأمريكية يوم 20 يونيو الماضي, وحضر الاجتماع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد , وانتقد محمد بن راشد خلال الاجتماع سياسة بلاده الخارجية، وطالب بإعادة النظر بشكل كلّي في السياسات الخارجية للدولة وقال صراحة: "علينا أن نتخلى مباشرة عن سياسة التدخل في شئون الدول، فهذه السياسة تكلفنا كثيرا ودون أي مقابل", مشيرا إلى ضرورة الامتناع عن إنفاق أموال ضخمة لصالح مناطق لا مصلحة للإمارات فيها، مؤكدا أن تغيير النظام في ليبيا أو السودان، لن يضر أو ينفع الإمارات في شيء, وحذر من السير قدما في معاداة إيران والتحريض عليها, فإن الرد الإيراني سيكون عبر استهداف الامارات أو السعودية بشكل مباشر أو عبر الحوثيين, كما أن الإمارات ستخلو من المستثمرين الأجانب في حال سقط صاروخ واحد من إيران على أراضيها، ولن تتمكن من الاحتفاظ بالعمال الآسيويين. ورغم دكتاتورية بن زايد وعناده فإنه لم يستطع إلا الرضوخ لرأي حكام الإمارات السبع, وهو من كان يتحسب من قبل لأن يعارضه منهم أحد ؛ فسعى سرا لخلع بعضهم؛ لولا أن حذره محمد بن راشد من مغبة هذا العمل ومخاطره على وحدة الدولة. *التراجع لم يكن قرار الانسحاب من اليمن سهلا؛ فهو سيغضب الحليف التابع في الرياض, ويعكس تراجعا عن الحرب في اليمن ما يعني أن قرار دخولها كان خطأ, وكذلك اتفاقاتها السرية مع جماعة الحوثي بعيدا عن السعودية, ثم زيارة وفد إماراتي إيران لبحث التعاون الأمني, وهي التي كانت بالأمس تحرض على إيران, وتعيب على قطر إقامة علاقات مع طهران, بل اعتبرت ذلك مبررا لحصار الأولى وقطع العلاقات معها, وهو الأمر الذي يكشف عن…

تابع القراءة

المؤتمر الثاني لـ”منتدى غاز شرق المتوسط”(EMGF).. مصالح غربية ومعضلات مصرية

 المؤتمر الثاني لـ"منتدى غاز شرق المتوسط"(EMGF).. مصالح غربية ومعضلات مصرية     على الرغم من حالة الهياج الاعلامي التي تنتاب اعلامي النظام المصري، بعد عقد المؤتمر الثاني لمنتدى غاز شرق المتوسط، بالقاهرة، يوم الخميس الماضي، تواجه مصر العديد من المصاعب والمعضلات، يجري تجاهلها لأهداف سياسية، حيث يتواجه منتدى غاز شرق المتوسط، كمشروع اقليمي، مع مشروع أمريكي سابق يستهدف نفس المنطقة لتحصيل فوائد للشركات العملاقة الأمريكية التي تأتي لاحقة لكبريات الشركات الهولندية والفرنسية والألمانية والايطالية العاملة بالمنطقة… كما أن مشاركة أمريكا في منتدى شرق المتوسط وتفاعلها المستقبلي مرتبط إلى حد كبير بابتعاد مصر عن روسيا في مجالات التسليح الموسعة بين القاهرة وموسكو، وهو أمر صعب التحقق في الواقع، الا أن دور مصر الكبير في مشروعات صفقة القرن هو ما قد يؤخر القرار الأمريكي المضاد لمصر، كما فعلت مع تركيا بعد اصرارها على استيراد منظومة الدفاع الروسية "إف 30".   وبمشاركة وزراء البترول والطاقة في دول مصر وقبرص واليونان وإسرائيل وإيطاليا وبحضور وزير الطاقة الامريكي "ريك بيري" ، انعقد المؤتمر الوزاري الثاني لـ"منتدى غاز شرق المتوسط"، الخميس الماضي،  في خطوة اعتبرها مراقبون ضد إصرار تركيا على استئناف التنقيب عن الغاز في المنطقة التي تقول  قبرص إنها جزء من منطقتها الاقتصادية.. وكانت الاتصالات قد بدأت لإنشاء منتدى غاز شرق المتوسط في أكتوبر 2018، بين مصر وقبرص واليونان، وانضمت لها (إسرائيل) لاحقا، بينما تم استبعاد تركيا ولبنان وسوريا.   وقد بحث "المنتدى" بالقاهرة، لوجيستيات نقل الغاز بين الدول الأعضاء للتسييل وكذلك للدول المستوردة وبحث زيادة الإنتاج، واستكمال ما تم في الاجتماع الذي عُقد في الربع الأول من العام الحالي لمناقشة إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط (EMGF).   وأعلن وزراء الطاقة في 7 دول في وقت سابق، من بينها مصر، إنشاء المنتدى الاقتصادي، على أن يكون مقره العاصمة المصرية القاهرة. والدول المشاركة في إنشاء المنتدى بالإضافة إلى مصر هي: إيطاليا، اليونان، قبرص، الأردن، "إسرائيل"، فلسطين، على أن تكون العضوية مفتوحة لمن يرغب بذلك.   أهداف أمريكية وتأتي المشاركة الأمريكية في إطار رغبة إدارة الرئيس "دونالد ترامب" في المضي قدماً باتخاذ خطوات تنفيذية لتطوير مشروع القانون المتداول حالياً في الكونغرس، باسم "قانون شراكة الطاقة والأمن في شرق المتوسط"، الذي يحظى بدعم واسع من الدوائر اليهودية وذات الأصول اليونانية بالحزبين الديمقراطي والجمهوري..   ويهدف مشروع القانون، الذي أعده النواب "روبرت مينديز" و"ماركو روبيو" و"كريس فان هولين" و"غاري بيترز" و"كريس كونز"، إلى إنشاء مركز أمريكي للطاقة في المنطقة، ووضع خطة متكاملة لتدشين تعاون استراتيجي مع 3 دول رئيسية، هي اليونان وقبرص و(إسرائيل)، للدفاع عن مصالحها المشتركة في مواجهة تركيا. وينص المشروع على فتح باب الشراكة في إنشاء المركز للمؤسسات والقطاع الخاص الناشط في مجال الطاقة البحرية، وتأسيس أو استغلال جامعة متخصصة في هندسة البترول بإحدى الدول الثلاث الحليفة، لتدشين تعاون علمي وبحثي في مجال تكنولوجيا الطاقة والغاز الطبيعي وهندسة التعدين وعلوم المياه والبرمجيات. كما يهدف المشروع إلى التضييق على أنقرة فيما يتعلق باستكشاف حقول الغاز الطبيعي بحجة "معاقبتها على تعدد مصادر شراء السلاح الخاص بها، واستخدام الأسلحة الأمريكية في ترويع وتهديد قبرص". ومن أهم بنود النسخة الأحدث من مشروع القانون (مؤرخة في 10 يوليو 2019) العمل على إزالة الوجود التركي العسكري من منطقة قبرص التركية (شمال قبرص) غير المعترف بها دوليا، والذي يقدره واضعو المشروع بنحو 40 ألف جندي يستخدمون أسلحة متعددة، من بينها أمريكي الصنع. ويتضمن المشروع تمويل رفع كفاءة البنية التحتية لقبرص واليونان في مجال التعدين وطاقة البحار، وتمويل برامج التعليم والتدريب العسكري الدولي لليونان وقبرص حتى العام 2022، وإتاحة الفرصة لمنح اليونان 3 مليارات دولار كمساعدة في تحسين وسائل الدفاع، ودعم شبكات إيصال الغاز بين الدول الثلاث، بإشراف الولايات المتحدة الأمريكية، بهدف تسهيل إيصال الغاز غير الروسي إلى وسط وغرب أوروبا. كما تعتبر محاربة النفوذ الروسي الاقتصادي في تلك المنطقة هدف رئيسي للمشروع أيضا، ويعبر عنها بوضوح الباب الحادي عشر منه، الذي يلزم وزير الخارجية الأمريكي بتقديم تقرير إلى الكونغرس بعد 90 يوماً من إقرار القانون بالآثار "الضارة" للوجود والتأثير الروسي في هذه المنطقة على الاقتصاد الأمريكي، وطبيعة المشاريع الروسية المتصلة، أو المتمركزة في منطقة شرق المتوسط، ومدى التوغل العسكري الروسي في المنطقة بعد الحرب السورية.   المصالح الأمريكية قبل الاقليمية   وبذلك تدفع الولايات المتحدة دول المنتدى لتلتقي عند نقطة مصلحة جماعية مع المشروع الأميركي الخاص بمركز الطاقة، والذي كان يُنظر له يوماً، في الدوائر الأمريكية، على أنه "قد يكون منافساً للمنتدى".   ورغم ارتباط المشروع في الأساس بحلفاء مصر الاستراتيجيين في المنطقة، إلّا أنه لا يذكرها إلّا في موضع واحد، بالإشارة إلى ازدياد أهمية المنطقة على المستوى الاقتصادي، بعد تعدد اكتشافات الغاز الكبرى في المياه الإقليمية المصرية، ودخول القاهرة في شراكة مع اليونان وقبرص و(إسرائيل) في مجال الاستكشاف والإسالة والتداول.   أهداف دول المنتدى   وتطمح دول المنتدى إلى توسيع شبكة الأنابيب المقامة بين مصر و(إسرائيل)، والمملوكة حالياً لشركة جديدة أسست خصيصاً لامتلاك شبكة الأنابيب، بين شركتي "نوبل إينرجي" الأمريكية و"ديليك" الإسرائيلية" وشركة "غاز الشرق" المملوكة حالياً للدولة، ممثلة في جهاز المخابرات العامة وهيئة البترول. فيما يراهن عبدالفتاح السيسي على هذه الخطط لتعويض الخسائر المالية المتوالية التي يتكبدها الاقتصاد المصري جراء تعاظم فوائد القروض وبيع الديون.   مأزق السيسي وفي هذا الإطار، لا يجد "السيسي"  غضاضة في الانضمام إلى الشراكة الأمريكية المرتقبة، مقابل العصف بطموحات التنقيب عن الغاز من جانب تركيا.. غير أن العقدة تكمن في مدى واقعية مشاركة مصر للولايات المتحدة في المشروع، في الوقت الذي تواجه فيه ضغوطاً من قبل واشنطن لوقف استيراد الأسلحة الروسية. حيث ترفض الولايات المتحدة، من حيث المبدأ، شراء دول، كمصر وتركيا والهند، أسلحة روسية، خاصة طائرات "سوخوي- 35" التي تعاقدت القاهرة، في نهاية العام الماضي، رسمياً لشراء 20 منها بين 2021 و2022 مقابل مليارين وربع المليار دولار.   ولأن "السيسي" حريص على إقامة علاقات وطيدة مع موسكو، فإن التشارك بين الولايات المتحدة ومنتدى الغاز سيضعه في "مأزق حقيقي"، بتعبير المصادر، التي أشارت إلى أن "مصلحة مصر هي الإبقاء على شعرة تفصل المشروع الإقليمي والمشروع الأمريكي للحفاظ على فرصها الكاملة في تطوير العلاقات مع كل من واشنطن وموسكو دون التضحية بأي منهما". وتلوح في الأفق ملامح لإمكانية حل هذه المعضلة عبر تسوية الشق الاقتصادي لخطة السلام التي تروج لها إدارة "ترامب" بالشرق الأوسط تحت مسمى "صفقة القرن"، وتشمل تخصيص مليار و500 مليون دولار لدعم تشارك مصر و(إسرائيل) في إنشاء مركز إقليمي كبير للغاز الطبيعي وتوظيف الإنتاج الكبير من الحقول وتحسين جودة شبكات نقل الغاز والغاز المسال على مدى 5 سنوات.   الموقف التركي فيما تخشى تركيا إنشاء سوق غاز إقليمية تخدم مصالح الأعضاء من خلال تأمين…

تابع القراءة

تونس.. تحديات ما بعد رحيل السبسي

 تونس.. تحديات ما بعد رحيل السبسي بقلم: حازم عبد الرحمن في 25 يوليو 2019 تم إعلان وفاة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي قبل نهاية فترته الرئاسية بمدة وجيزة؛  ما جعل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس تقرر تقديم موعد إجراء الانتخابات الرئاسية في 15 سبتمبر المقبل, بعد أن كان من المقرر أن تقام في نوفمبر 2019, وجرت عملية انتقال مؤقت للسلطة إلى محمد الناصر رئيس البرلمان؛ ما يشير إلى استقرار الدولة ومؤسساتها, وتستعد تونس لاستقبال حدث الانتخابات الرئاسية والتشريعية بروح تعددية تنافسية عالية, وهي إحدى ثمار الربيع العربي المزهر في هذا البلد. والباجي قائد السبسي جاء من دولة الحبيب بورقيبة العلمانية, وخاض الانتخابات الرئاسية في 2014 ضد الرئيس السابق  المنصف المرزوقي ليتولى رئاسة الجمهورية  في  31 ديسمبر 2014 , وقدم خلال فترة حكمه نموذجا للتوافق للخروج بالتجربة الديمقراطية إلى مرحلة الرسوخ , واحترام خيار الشعب؛ ما جعل من تونس البلد العربي الوحيد الذي نجا من مؤامرات الثورة المضادة بعد الربيع العربي؛ رغم المحاولات التي سعى من ورائها محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي ومحمد بن سلمان ولي عهد السعودية , وكان من أبرز تجلياتها ما خطط له وزير الداخلية السابق لطفي براهم، بالتعاون مع الإمارات؛ لنسف التجربة الديمقراطية بالبلاد, والعودة بها إلى الدكتاتورية. وقد كان السبسي أحد رجلين حملا على عاتقهما مهمة التوافق من أجل إرساء التجربة الديمقراطية الوليدة, وكان شريكه في ذلك الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الذي قدم هو الآخر نموذجا في الوعي بتحديات المرحلة؛ ما أسهم في الحوار الوطني والتوافق، ووضع أسس لاستمرار الانتقال الديمقراطي. وبينما لم يذهب الغنوشي وحركته ـ وهي الحزب الأقوى حالياـ إلى المغالبة السياسية, وإنما فضل عليها المشاركة والتوافق؛ فإن السبسي كذلك رفض الإملاءات والإغراءات الخارجية، ومحاولات قطع الطريق على المسار الديمقراطي, وصمد أمام رموز الثورة المضادة، ومن يدعمهم في الخارج, لكنه من ناحية أخرى واجه انتقادات كأي رئيس شرعي له أخطاء في الحكم مثل الانحياز لابنه ولحزبه. لكنه في النهاية لم يستطع الخروج عن المسار الديمقراطي بسبب يقظة الشعب التونسي وحراسته تجربته الوليدة. *الحفاظ على مكتسبات الثورة على عكس ما شهدته مصر وليبيا وسورية واليمن؛ حققت تونس مكتسبات مهمة بعد ثورتها, وخلع زين العابدين بن علي؛ حيث تم وضع دستور يؤكد التداول السلمي للسلطة عبر انتخابات حرة، وهي حالة غير مسبوقة في تاريخ تونس، وتكاد تكون معدومة حاليا في العالم العربي كله, وتسببت روح التوافق بين "نداء تونس" بقيادة السبسي وحركة "النهضة" بقيادة الغنوشي في استيعاب قوى الثورة المضادة المرتبطة بنظام المخلوع بن علي بقبولها ضمن المنافسة الانتخابية وإدارة الصراع بالآليات الديمقراطية, ويمكن القول أن استمرار هذه الروح بعد رحيل السبسي يمكن أن يحمي التجربة الوليدة بعيدا عن التمترس حول الإيديولوجيا, ويكمن التحدي هنا في كثرة الانشقاقات التي تعرض لها حزب "نداء تونس" وفقدانه شخصية توافقية مثل السبسي ما يمكن أن يعيد مكونات الحزب إلى أصولها البعيدة عن التوافق, وترى في حركة النهضة خصما لها . *التحديات مستمرة تتشابه دول الربيع العربي في تعرضها لمؤامرات محور الثورة المضادة المتمثل في الإمارات والسعودية ونظام الانقلاب في مصر, وما يجري من تدخلات مريبة لإفشال الثورة السودانية, وإشعال حرب أهلية في ليبيا دليل أكيد على استمرار محور الثورة المضادة. وفي تونس الوضع مختلف؛ إذ الحكم بالشرعية التي يمنحها الشعب عبر انتخابات حرة, لكن هناك تحديات من أهمها: ـ استمرار محور الثورة المضادة في العمل ضد تونس, ومحاولة إفشال تجربتها الديمقراطية, بعد خلع بن علي وإسقاط نظامه. ـ  بقاء موالين لنظام المخلوع بن علي في دوائر الأحزاب ووسائل الإعلام ومراكز المال والنفوذ، ولا يمكن استبعاد علاقتهم بالرعاة الإقليميين للثورة المضادة الذين يسعون إلى إسقاط التجربة التونسية الرائدة. ـ الانشقاقات في حزب "نداء تونس" الذي كان بقيادة السبسي أحد جناحي التوافق مع حركة النهضة للعبور بالتجربة إلى بر الأمان؛ ما يجعل المشكلة في غياب أحد طرفي التوافق. ـ غياب الظهير الإعلامي القوي الداعم لنجاحات الثورة التونسية؛ حيث يسيطر فلول المخلوع بن علي الفضاء الإعلامي,  محاولين خلق الفزاعات الوهمية , وتثبيط العزائم حتى يندم الشعب على الثورة ـ أحاديث قيادات حزبية عن تحالفات سياسية, ليس بهدف الوصول إلى السلطة, وإنما بهدف إقصاء حركة النهضة, وعزلها, وهذا السلوك مؤشر خطير على فعل الثورة المضادة وبداية تحركاتها, فهي لا تهتم بالوصول إلى السلطة, وإنما بإقصاء الإسلاميين.   ـ أن الأحزاب التونسية ليست كلها على قلب رجل واحد من الثورة ومكتسباتها ؛ فمثلا حزب "نداء تونس" يمثل خليطا غير متجانس؛ يضم في أغلبه القوى الكارهة للثورة والرافضة للقوى الجديدة, ولولا حكمة السبسي ما نجح في قيادته إلى التوافق. ـ الأزمة الاقتصادية التي خفف من وقعها استمرار نجاح الحكم الديمقراطي, وهي تضحية من الشعب الواعي بالمخاطر المحيطة بتجربته, لكن يجب أن نتذكر أن للصبر حدودا. وهذه التحديات تفرض الحرص من الجميع على استمرار التوافق الذي استمر بعد الثورة ثم طوال فترة رئاسة السبسي, وقدم الغنوشي تعهدا باستمراره في تصريح مهم له قال فيه:  "إن الحركة لا تزال بانتظار العصفور النادر الذي ستدعمه في الرئاسية"، مشددا على أنّها "تبحث عن مرشّح توافقي لتدعمه سواء من داخلها أو من خارجها". وفي النهاية يبقى الشعب هو حائط الصد الأخير دفاعا عن ثورته ومكاسبه, وسوف تكون تونس بخير ما لم تطلها مخالب محور الثورة المضادة.

تابع القراءة

التصعيد الغربي الايراني وحلب دول الخليج…بين التوازنات الدولية والمخاطر الاقليمية

التصعيد الغربي الايراني وحلب دول الخليج…بين التوازنات الدولية والمخاطر الاقليمية     في تسارع سياسي غير مسبوق، بين الغرب وامريكا من جهة وايران من جهة أخرى، تتعقد المواقف السياسية الدولية، في ظل تصعيد كبير عبرت عنه حرب الناقلات بين بريطانيا وايران، وخرب الطائرات المسيرة بين أمريكا وايران ، والتي تضع الشرق الأوسط على حافة الهاوية، التي تبدو أنها مرحلة مدروسة من كافة الأطراف، ستخرج أطراف خليجية منها بخسارة كبيرة وخاصة (السعودية والامارات)…    إلا أن الموقف الأمريكي الأخير ، يزيد الأمور ارتباكا حول حقيقة التصعيد ضد ايران، وحدوده وأهدافه الأمريكية، ففي الوقت الذي صعدت فيه ادارة ترامب من تصريحاتها ضد ايران، جاء تصريح ترامب، مساء الثلاثاء، ليكشف المزيد من الابتزاز الأمريكي لدول الغرب والحليج العربي أيضا، لتحقيق مصالح مالية، مقابل تصعيد ضد إيران مدفوع الثمن، قائلا: “إنه بلاده لا تحتاج إلى استيراد النفط لأنها أصبحت دولة مصدرة، كما أنها لا تحتاج إلى حراسة مضيق هرمز من أجل الدول الغنية دون مقابل”. مضيفا “نحن نحصل على نفط قليل جدا من المضائق… لقد قالوا إنه لا توجد ناقلات نفط أمريكية هناك، بل من الصين واليابان. الصين تستورد 65% من النفط من هناك واليابان 25% ودول أخرى تحصل على الكثير أيضا”.. متابعا” ..نحن من يقوم بحراسة المضيق منذ عقود طويلة ولم نحصل على مقابل أبدا، نحن نحرسه لكل هذه الدول”.. “…لماذا نحرسه للصين واليابان وكل هذه الدول الغنية جدا؟ ونحن نحرسه أيضا من أجل دول بعضهم نعاملهم بصداقة مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وآخرين أيضا، ولكن لماذا نفعل ذلك دون مقابل؟ ولماذا نضع سفننا الحربية هناك؟”.   وتصاعدت الخلافات الايرانية الغربية الأمريكية على خلفية اعلان ايران تعليقها الاتفاق النووي لحين عودة أمريكا له، واعلان زيادة كميات اليورانيوم المخصب، وذلك ردا على العقوبات الاقتصادية الغربية الأمريكية ضد طهران، وحظر تصدير نفطها، وهو ما اعتبرته تهديدا كبيرا لكيان الدولة الايرانية، اليورانيوم المخصب الذي يحق لها الاحتفاظ به بعد تخصيبه بنسبة 3.67%، فقد أعلنت إيران وقف عمليات بيع اليورانيوم المخصب والماء الثقيل، والذي لا يجوز لها بموجب الاتفاق أن تحتفظ من اليورانيوم المخصب بأكثر من ثلاثمائة كيلوغرام في أي وقت، وأن لا يزيد ما تمتلكه من الماء الثقيل على 130 طنًّا. كما تقول إيران إنها شرعت في تخصيب اليورانيوم بنسبة 4.5% بعد أن كانت النسبة 3.67%، وهي التي ينص عليها الاتفاق.  مشددة على أن مضيق هرمز لن يكون آمنا لمرور نفط دول المنطقة مالم تصدر إيران نفططها، وقامت باستهداف عدة ناقلات نفط بموانئ السعودية والإمارات –حسب اتهامات غربية- ثم اسقاط طائرة أمريكية مسيرة، ثم ردت أمريكا باسقاط طائرة ايرانية مسيرة، بعد تهديدات بتوجية ضربة جوية لطهران تراجع عنها ترامب في اللحظات الأخيرة، وفي ضوء التصعيد قامت بريطانيا باحتجاز ناقلة نفط ايرانية كانت في طريقها لسوريا عند معبر مضيق جبل طارق، وردت طهران باحتجاز ناقلة نفط بريطانية كانت بمضيق هرمز، وقامت برفع العلم الإيراني عليها، كنوع من زيادة الإذلال لطاقمها… وفي أتون ذلك تصاعدت المطالبات الدولية لإيران بتسليم السفينة البريطانية، وتهديدات بعمل عسكري دولي مشترك، تبلور في اطلاق أوروبا آلية مراقبة بحرية لحماية خطوط الملاحة الدولية في مضيق هرمز، وهو ما دفع إيران لتعلن عن اطلاقها آلية اقليمية للغرض نفسه معأطراف اقليمية، لم تعلن عنهم حتى الآن.. في غضون ذلك، واستجابة لمطالب سعودية، نفذت واشنطن عملية انتشار لعسكريين أمريكيين في السعودية، في ضوء حماية الأمن الخليجي…مع صفقات تسليح كبيرة للسعودية والامارات..وهو ما سيضع المنطقة على حافة الهاوية…التي يبدو انها مدروسة ن قبل ايران وامريكا، نحو تحصيل مزيد من المصالح الاقتصادية، مقابل الحماية التي يطالب ترامب بدفعها من قبل دول الحليج، فيما تراهن ايران على اطلاق حوار دولي معها يحفظ حقوقها ومواقفها السياسية الدولية ، سواء مع الغرب أو الأمريكان، ترفع بمقتضاها العقوبات الاقتصادية عن كاهلها…   مهمة أوروبية وكان دبلوماسيون في الاتحاد الأوروبي كشفوا عن تأييد دول كبرى في أوروبا للانضمام إلى مهمة بحرية، كانت قد اقترحتها بريطانيا الاثنين الماضي، على لسان وزير خارجيتها، جيريمي هنت، لتأمين الملاحة في الخليج، ردًّا على احتجاز إيران، الجمعة الماضية ، ناقلة النفط التي كانت تعبر بحر عمان رافعة العلم البريطاني. وبحسب “رويترز” أكد الدبلوماسيون أن “كلا من فرنسا والدنمارك وإيطاليا وهولندا أبدت تأييدا قويا للمهمة المحتملة، وكذلك أبدت كل من ألمانيا وإسبانيا والسويد والنرويج.. ومن المتوقع أن يدير المهمة قيادة بحرية بريطانية- فرنسية مشتركة، ولن تشمل الاتحاد الأوروبي أو حلف الأطلسي أو أميركا بشكل مباشر. وبالتوازي مع ذلك، دعت السعودية أيضًا، الثلاثاء 23 يوليو، المجتمع الدولي إلى منع المساس بحرية الملاحة البحرية، معتبرة احتجاز إيران سفنًا تجارية، بما في ذلك السفينة البريطانية، “انتهاكًا للقانون الدولي“…   وكانت طهران قد حذرت رئيس الوزراء البريطاني الجديد، بوريس جونسون، في وقت سابق الثلاثاء، مؤكدة أنها تنوي حماية مياه الخليج في أزمة احتجاز ناقلات النفط بين البلدين، وذلك عبر تغريدة لوزير خارجيتها، محمد جواد ظريف.   وكتب ظريف، بعد تهنئة جونسون بمنصبه الجديد: “إيران لا تريد المواجهة… لكن قرار حكومة (رئيسة الوزراء السابقة) تيريزا ماي احتجاز ناقلة (غريس 1) الإيرانية في مياه جبل طارق بأمر من (الولايات المتحدة) هو فعل قرصنة واضح بكل بساطة”، داعيا بريطانيا إلى “ألا تقحم نفسها في مؤامرات” واشنطن والسعودية والإمارات وإسرائيل ضد إيران، وفق قوله. المقترح البريطاني الأوروبي يعمل بمعزل عن مقترح واشنطن التي تمارس أقصى ضغط على إيران، في حين تؤكد لندن أن “المملكة المتحدة ستبقى ملتزمة بالاتفاق النووي” الذي يهدف إلى كبح برنامج الصواريخ الإيراني مقابل رفع العقوبات. وكان احتجاز إيران للناقلة البريطانية مخيمًا على حديث وزير الخارجية، الذي دعا طهران إلى الإفراج الفوري عن الناقلة “ستينا إمبيرو” التي ترفع العلم البريطاني، التي احتجزها الحرس الثوري الإيراني في بحر عُمان عند مدخل مضيق هرمز، فيما وصفته لندن بأنه “قرصنة دولة”، مشيرًا إلى عرض للإفراج عن ناقلة النفط الإيرانية المحتجزة في جبل طارق منذ نحو 3 أسابيع إذا قدمت طهران ضمانات بعدم تسليم حمولتها لنظام بشار الأسد. وتلى ذلك ، الاعلان عن نية بريطانيا ارسال موفد دولي للفاوض مع ايران لاطلاق السفينة البريطانية، يوم الأربعاء.. حدة الموقف البريطاني المعلن على لسان وزير الخارجية لم تحجب تأكيده على عدم السعي لمواجهة مع إيران، لكن في الوقت نفسه، أكد أنه “لا تنازلات فيما يتعلق بحرية الملاحة”، محذرًا من أن على إيران دفع ثمن المضي في سياستها الراهنة بقبول وجود عسكري غربي أكبر على امتداد سواحلها.   عسكرة الخليج   المملكة المتحدة تقوم منفصلةً بزيادة وجودها العسكري في الخليج، لأنها تخشى من أن القوة التي تقودها الولايات المتحدة، وتعمل عبر مضيق هرمز ستُعتبر تصعيدًا من جانب إيران، وربما تزيد من فرص حدوث المزيد من النقاط الساخنة ويتشابه الاقتراح…

تابع القراءة

حزب “العدالة والتنمية” المغربي وأزمة تعريب العلوم

   حزب "العدالة والتنمية" المغربي وأزمة تعريب العلوم   بقلم: حازم عبد الرحمن   حزب "العدالة والتنمية" المغربي هو أقدم حزب سياسي إسلامي يحمل هذا الاسم, ويعرف نفسه  بأنه: «حزب سياسي وطني يسعى، انطلاقا من المرجعية الإسلامية وفي إطار الملكية الدستورية القائمة على إمارة المؤمنين، إلى الإسهام في بناء مغرب حديث وديمقراطي، ومزدهر ومتكافل, مغرب معتز بأصالته التاريخية ومسهم إيجابيا في مسيرة الحضارة الإنسانية». وحظي في الاستحقاقات الأخيرة بثقة الناخبين، انطلاقاً من رسالته وبرنامجه الموجه إلى خدمة جماهير الشعب المغربي عموما. وقد اكتسب الحزب صفته وشعبيته من روافد الحركة الإسلامية مثل حركة الإصلاح التجديد ورابطة المستقبل الإسلامي، اللتين اندمجتا في «حركة التوحيد والإصلاح» بقيادة الدكتور أحمد الريسوني في 31 أغسطس 1996. وخاض معارك عديدة أشهرها معركته ضد ما سمي آنذاك بالخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية والتي تصدى لها بقوة وحزم، بمشاركته الواسعة في المسيرة المليونية بالدار البيضاء في 12 مارس 2002، مما جعل الحكومة تسحب خطتها, وتدخل الملك محمد السادس على إثر ذلك وشكل لجنة وطنية من العلماء والقضاة والمفكرين أعدت مدونة الأسرة التي عرضت لأول مرة على البرلمان. كما نجح الحزب في مواجهة خصومه السياسيين على أثر الأحداث الارهابية في 16/05/2003 بالدار البيضاء، حيث حاول منافسوه جعله في موضع الاتهام, واعتبروه يتحمل المسئولية المعنوية لما وقع من أحداث؛ حيث أن الذين نفذوا تلك العمليات ينتمون إلى التيارات السلفية المتشددة، وذلك برغم مسارعته إلى إصدار بيان إدانة في صباح اليوم الثاني أي يوم 2003/05/17، وتم منعه من المشاركة في المسيرة المنددة بالأحداث الإرهابية, وقد نجا الحزب من مطالبات خصومه (خاصة اليسار) بحله. وقد حقق الحزب نجاحات لفتت الأنظار حيث حصل على9 مقاعد في الانتخابات البرلمانية سنة 1997 ثم حصل على 42 مقعدا في انتخابات 2002 من أصل 395 ثم46 مقعدا في انتخابات 2007 ثم 107 مقاعد  في انتخابات 2011 ثم 125 مقعدا من أصل 395 في انتخابات 2016 , وهو يقود الحكومة المغربية حتى الآن. و"العدالة والتنمية" المغربي هو الحزب الإسلامي الوحيد في الوطن العربي الذي بقي في السلطة دورتين متتاليتين, محققا نجاحا غير مسبوق, بتقديم برنامج سياسي واقعي, وعمل حقيقي لخدمة الجماهير, التي منحت ثقتها لمن وجدت فيه صفات النزاهة والشفافية وطهارة اليد ؛ ما أضعف حملات الخصوم, وجعلها ضعيفة التأثير, ولم يتأثر الحزب بخروج أمينه العام عبد الإله  بنكيران من قيادة الحكومة التي تولاها سعد الدين العثماني, وهو من أبرز رموز الحزب.        لكن هذه النجاحات ليست تفويضا على بياض للحزب ليقدم على "التورط" في "مطبات" مثل عدم التصويت بالرفض في مجلس النواب على مشروع قانون تدريس بعض العلوم باللغة الفرنسية؛ ما دفع رئيس الكتلة النيابية لحزب "العدالة والتنمية" إدريس الأزمي الإدريسي إلى الاستقالة من منصبه؛ فاللغة العربية "مسألة مبدأ" خاصة مع حزب له مرجعية إسلامية؛ لذلك لم يكن كافيا امتناع غالبية نواب الحزب عن التصويت, بل كان واجبا عليهم التصويت بالرفض، مما سمح بتمرير مشروع القانون أولا , ثم تمريره لاحقا ونشره بالجريدة الرسمية.   *قضية التعريب في المغرب ينص الدستور المغربي على أن تظل العربية اللغة الرسمية للدولة التي تعمل على حمايتها وتطويرها وتنمية استعمالها, كما ينص أيضا على الأمازيغية كلغة رسمية, بينما في الواقع تهيمن الفرنسية على الجامعات والحكومة والأعمال التجارية؛ ما يمثل خطرا على الثقافة والهوية. وهناك خلافات جذرية بين الفريقين المؤيد والمعارض لتعريب العلوم؛ وقد تجلى ذلك في عهد الملك الراحل الحسن الثاني عندما رأى أنه قد حان وقت البدء في تعريب التعليم؛ فكانت ثورة الفرنسيين على القرار, واعتباره قطيعة بين المغرب والحضارة الفرنسية أو الفرانكفونية, ولما كان المغرب قد اعتمد سياسة تعريب التعليم منذ عام 1977، فإنها ظلت متعثرة، وبقيت المواد العلمية والتكنولوجية والرياضيات تُدرَّس باللغة الفرنسية في التعليم الثانوي بالبلاد، إلى مطلع تسعينيات القرن الماضي, وعقب ذلك، قررت المملكة تعريب جميع المواد حتى نهاية مستوى الثانوية، مع استمرار تدريس العلوم والاقتصاد والطب والهندسة باللغة الفرنسية في جميع الجامعات والكليات والمعاهد حتى اليوم.  ويرى الإسلاميون والعروبيون أن تدريس العلوم بغير اللغة القومية ينتقص من الهوية والثقافة, ويرون أن الأمم يمكن أن تنجز تنميتها وتقدمها الحضاري والعلمي عن طريق اللغة الوطنية الأم، وأن اللغة العربية أثبتت حيوية ملموسة في استقبال العلوم والتكنولوجيا المعاصرة، وحالها في ذلك مثل الكثير من اللغات الوطنية لدى الأمم الأخرى. وهذا ليس خاصا بالمغرب فقط, وإنما في كل الدول العربية إذ تمثل قضية التعريب أهمية كبرى لدى هذين التيارين, بينما تناوئها الأحزاب الليبرالية واليسارية. وفي المغرب يؤيد اليسار والليبراليون اعتماد الفرنسية لغة لتدريس المواد العلمية، وهم مدعومون من أوساط المال والأعمال والاقتصاد، ومقربون من السلطة، ما يعني أن السلطة المركزية في المغرب، أو ما يوصف بـ"الدولة العميقة" تميل إلى جانب من يريدون إحلال الفرنسية مكان اللغة العربية في المناهج التعليمية المغربية, وهو ما يمثل إحراجا شديدا لموقف حزب "العدالة والتنمية" الذي تنظر إليه جماهيره باعتباره مدافعا عن قضايا الهوية التي تمثل اللغة أحد أهم مرتكزاتها. ولأنه لا يمكن تصور أن يتخلى "العدالة والتنمية" عن ثوابت الهوية؛ فالمطلوب منه مراجعة موقفه الأخير من تمرير قانون "فرنسة العلوم"؛ فلم يكن رفضه قويا بالدرجة التي ترضي جماهيره, خاصة أن تصريحات ضد القانون صدرت عن الأمين العام ورئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران يمكنها أن تثير الخلافات أكثر, وتستدعيها من تحت الرماد, وهو ما لا يحتاجه هذا الحزب الناجح. وهناك تخوفات مشروعة لدى رافضي "فرنسة التعليم" فقد يكون القانون مجرد بداية لمشروع أكبر، له أبعاد سياسية وثقافية وفكرية كبيرة لا تتضح خطورتها إلا في المستقبل, مع ما تحمله من حساسيات وطنية وتاريخية, وهنا لا يمكن إغفال مسئولية الحزب الذي يقود الحكومة,  وهو أمر يستحق التوقف والمراجعة داخل مؤسسات "العدالة والتنمية".   

تابع القراءة

التحذيرات الأمنية البريطانية حول مصر… مخاوف وتداعيات ومخاطر

 التحذيرات الأمنية البريطانية حول مصر… مخاوف وتداعيات ومخاطر   يأتي اعلان بريطانيا وألمانيا تعليق رحلات الطيران إلى مصر، مساء السبت الماضي، كأبرز دليل على تراجع مستويات الأمن في مصر، بعهد الانقلاب العسكري، الذي يمسك بقبضة حديدية البلاد منذ أكثر من 6 سنوات من الانقلاب العسكري..   المخاطر الأمنية   وفي السياق، نشر موقع الحكومة البريطانية على الإنترنت، مساء السبت، خريطة لمصر محدثة وفق المخاطر الأمنية ونصائح السفر الجديدة المتعلقة بوجود معلومات لدى السلطات البريطانية بمخاطر أمنية محدقة، صدر على أساسها تحذير لرعايا بريطانيا في مصر من التواجد في بعض الأماكن، كما تم إلغاء جميع الرحلات الجوية الخاصة بشركة الخطوط الجوية البريطانية إلى القاهرة لمدة 7 أيام. وخلت الخريطة الجديدة المحدثة من أي مناطق آمنة تماما؛ حيث تم تصنيف القاهرة والإسكندرية والدلتا والساحل الشمالي غربا حتى مطروح وساحل البحر الأحمر وشرم الشيخ بجنوب سيناء، كمناطق ينبغي الاطلاع على نصائح السفر الخاصة قبل التوجه إليها. وتم تصنيف باقي مناطق جنوب سيناء ومحافظة الوادي الجديد بالكامل، والامتدادات الصحراوية الغربية لمحافظات الصعيد، كمناطق لا ينصح بالسفر لها عدا الرحلات المهمة للغاية. وتم تصنيف محافظة شمال سيناء بالكامل كمنطقة غير مسموح السفر إليها بالنسبة لرعايا بريطانيا. وحذرت الخارجية البريطانية، يوم السبت، رعاياها المسافرين والموجودين في مصر من "هجمات إرهابية محتملة"، عبر بيان نشره موقعها الإلكتروني بالتزامن مع إعلان الخطوط الجوية البريطانية تعليق رحلاتها إلى مصر لمدة 7 أيام كـ"إجراء احترازي". وقال البيان: "من المرجح جدا أن ينفذ إرهابيون هجمات في مصر. وبالرغم من أن الهجمات غالبًا ما تحصل في محافظة شمال سيناء، فإنه لا يزال هناك خطر ماثل بوقوع هجمات إرهابية في عموم البلاد".   وبحسب وكالة رويترز ، كان طاقم بريطاني راجع الأمن في مطار القاهرة يومي الأربعاء والخميس. ولم تقدم المصادر تفاصيل أكثر.   كما نصحت وزارة الخارجية البريطانية بعدم السفر جوا من وإلى منتجع شرم الشيخ المصري إلا للضرورة..   فيما انتقدت السلطات المصرية قرار شركة الخطوط الجوية البريطانية "بريتش إيروايز" بتعليق رحلاتها إلى القاهرة لمدة أسبوع لـ"دواع أمنية". وقال وزير الطيران المدني المصري يونس المصري، إن الشركة أعلنت عن قرارها السبت دون التشاور مع السلطات المعنية. وكانت شركة لوفتهانزا الألمانية علقت بعض خدماتها إلى القاهرة السبت، لكن سرعان ما استأنفت رحلاتها. وكانت مصادر ملاحية مصرية أكدت أن شركة الطيران الوطنية الألمانية "لوفتهانزا" أخطرت مطار القاهرة بوقف جميع رحلاتها إليه، لمدة أسبوع، تابعة بذلك شركة الخطوط الجوية البريطانية. وذكرت المصادر أن المعلومات المتاحة هي أن الشركة الألمانية التي تسيّر 5 رحلات يوميا للقاهرة تذرّعت بأسباب أمنية. وتسبب قرار الشركة البريطانية في حالة من الفوضى بين المسافرين إلى القاهرة من لندن، لعدم تقديم الشركة لرحلات بديلة، وعدم وجود رحلات مباشرة، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار التذاكر على الخطوط الجوية الأخرى خاصة مع قصر فترة الإشعار حول إلغاء الرحلات. يذكر أن حوالي 45 ألف بريطاني زاروا مصر عام 2018..   تحذيرات سابقة وفي يوليو 2018، حذرت الخارجية البريطانية حملَة جواز السفر البريطاني من انتقاد الحكومة المصرية أو السيسي في حال زيارتهم مصر، خشية تعرضهم للاعتقال، لافتة إلى أن "السلطات المصرية تحظر تصوير المنشآت العسكرية الرسمية في مصر، أو أماكن ملاصقة لها، بما في ذلك قناة السويس".   كذلك حذرت بريطانيا في أغسطس 2017، رعاياها في مصر من السفر إلى بعض المناطق مثل شمال سيناء إلا للضرورة القصوى، بسبب "تزايد النشاط الإجرامي، والهجمات الإرهابية التي تستهدف رجال الجيش والشرطة في مناطق شمال سيناء". وفي أكتوبر 2016، أوصت السفارة البريطانية رعاياها في مصر بتجنب التجمعات الكبيرة والأماكن العامة بالقاهرة، مثل قاعات الحفلات الموسيقية ودور السينما والمتاحف ومراكز التسوق والملاعب الرياضية، بسبب احتمال "شنّ هجمات إرهابية مفاجئة من دون إنذار مسبق قد تستهدف قوات الأمن والسيّاح".   وكانت بريطانيا قد حظرت جميع رحلاتها الجوية المباشرة إلى مطار شرم الشيخ، عقب إسقاط طائرة روسية في سماء سيناء المصرية في نوفمبر 2015، ومقتل جميع ركابها البالغ عددهم 224 شخصاً، وهو الحادث الذي أعلن تنظيم "داعش" الإرهابي مسؤوليته عنه، من خلال زرع قنبلة داخل الطائرة المنكوبة قبل إقلاعها.   أسباب التحذيرات البريطانية   وبمكن معرفة الأسباب الكامنة وراء التحذيرات البريطانية والألمانية، بقراءة المشهد المحلي المصري والافليمي والدولي… حيث تأتي هذه التحذيرات  بالتزامن مع تصاعد التوترات في الخليج على خلفية احتجاز إيران ناقلة نفط إيرانية، في مضيق هرمز بدعوى "عدم مراعاتها للقوانين البحرية الدولية". ولعل ما يفسر القرار البريطاني، احتمالية أن تكون كلا من    أمريكا وبريطانيا، قررتا القيام بعمليات عسكرية ضد إيران، وجرى منع الطيران تحسبا لهذه الهجمات الجوية في المنطقة ومخاطرها المحتملة على شركات الطيران. وهو ما ترافق مع القرار الذي أعلنه الجيش الأمريكي عن بدء عملية "الحارس" لحماية الملاحة بالخليج في ضوء تصاعد التوتر مع إيران، وبدأت قوة بحرية مشتركة التحرك لحماية ناقلات الغرب وسط تحدي إيراني واضح. وكذلك، استمرار الحشد العكسري الأمريكي في السعودية ، التي تشهد اعادة انتشار للقوات الامريكية في مواجهة تحديات إيرانية متصاعدة، سواء في اليمن أو في منطقة الخليج العربي…   وفي السياق نفسه، يأتي المخطط الذي كشف عنه مؤخرا، باحتمالات توجية مصر لضربات عسكرية مباشرة ضد حكومة الوفاق الليبية بطرابلس، بعد هزيمة خليفة حفتر، انطلاقا من قواعد عسكرية مصرية..ما قد يهدد باضطرابات أمنية مضادة، أو أخطاء عسكرية وارد أن تصيب طيران مدني…وهو ما أكدته مصادر مقربة من خليفة حفتر، بانتهاء الثلاثي     حفتر وحلفاؤه (مصر وفرنسا والإمارات) من خطة سرية للهجوم على طرابلس، وهو ما أعلنه حفتر خلال الساعات الماضية، بمطالبته الشباب بالمشاركة في الزحف على طرابلس. فيما حذر    حكومة الوفاق الليبي من هجوم مؤكد على طرابلس من تحالف ثلاثي وهو فرنسا ومصر والإمارات ..   الواقع الأمني المصري   ولعل ما يؤشر لتطورات ميدانية في مصر، العديد من التقديرات الاستراتيجية، التي تتدارسها دوائر استراتيجية،     توقعت حدوث عمليات إرهابية وصلت بها معلومات للاستخبارات الغربية، خاصة في ظل توسيع نشاط داعش في سيناء وزيادة هجماتها وعجز الجيش والشرطة عن منعها. وهو ما يرجعه خبراء، لاحتمالية وصول الغرب معلومات عن شيء سيحدث في مصر في ظل معلومات ذكرتها حسابات سعودية على "تويتر" وقالها المستشار وليد شرابي عن أن "السيسي على وشك التخلص من عدد كبير من رموز نظامه ومعاونيه"، وكان أخرهم رئيس هيئة الشئون المالية بالجيش المصري، محمد أمين إبراهيم عبدالنبي نصر، الذي أطيح به من منصبه الذي كان يشغله منذ عام 2012 وحتى 14 يونيو الماض، والذي تحول لمجرد مستشار بمكتب السيسي، لا دور له بالأساس، سوى مزيد من السيطرة عليه..  فيما قد يستهدف السيسي ودئرته الجهنمية أن تغطي علي مخطط الاطاحة بقيادات نافذة في نظام السيسي  ، قد تترافق مع تعديل وزاري كبير تتوقعه مصادر داخل النظام ان يكون مطلع الخريف المقبل، بحوادث عنف…

تابع القراءة

ذكرى 23 يوليو 1952.. العسكر وتزييف التاريخ

 ذكرى 23 يوليو 1952.. العسكر وتزييف التاريخ بقلم: حازم عبد الرحمن تتعرض كتابة التاريخ في مصر لعدوان غاشم من السلطة السياسية التي تعاقبت على الحكم, واتخذت في سرد الأحداث وتفسيرها مذهب الدعاية السياسية لنفسها؛ فغابت الرواية الحقيقية لأكثر الأحداث أهمية وخطورة, وتناثرت في مذكرات أبطالها, وكتابات قلة من المؤرخين, كان ولاؤهم للحقيقة والعلم, وليس إرضاء السلطة الحاكمة التي ما زالت تواصل عملها بجد لتغييب حقائق التاريخ؛ وإحكام القبضة على الوثائق التي تحفظ ذاكرة البلاد, وممارسة الوصاية على العقل الجمعي للشعب, ومنعه من القدرة على فهم الأحداث وتفسيرها, وهو ما يحقق هدف التجهيل الذي يسعى إليه حكم العسكر منذ قبض على السلطة تماما سنة 1954م. ففي عهد جمال عبد الناصر عمد الانتهازيون والمنافقون ممن يكتبون مقررات التاريخ إلى تشويه اللواء محمد نجيب, أول رئيس للجمهورية, وتجاهلوا دوره العظيم في نجاح حركة الضباط,, وإسقاط الملكية, وإعلان الجمهورية، فضلاً عن مكانته عند الفلاحين؛ حيث كان أول من وزع عليهم الأراضي الزراعية, على عكس ما روجت دعاية عبد الناصر, التي جعلت منه أول رئيس مصري، وأضفت عليه هالة من الانتصارات الوهمية, وبرأته من مسئوليته عن هزيمة 5 يونيو 1967, بل أسمتها نكسة بدلاً من "هزيمة" وتم تسويق هذا المفهوم في كتب التاريخ حتى الآن، بالرغم من أن الهزيمة كانت كارثة كبرى على فلسطين ومصر, ومهانة وإذلالا لكل العرب, وقد قللت أجهزة الدعاية الناصرية من أهمية سيناء التي احتلها الصهاينة, بزعم أنها مجرد حبات من الرمال ضاعت, لكن المهم أن الزعيم باق!. وعلى نفس النهج سارت مناهج عرض التاريخ في عهد أنور السادات؛ لتصنع منه بطلا للحرب والسلام, والتقليل من شأن كل من اختلف معه مثل الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس هيئة أركان الجيش في حرب أكتوبر, وتضخيم النجاح في إبعاد مراكز القوى, وإضافة مصطلح جديد أسمته " ثورة التصحيح", وبعد رحيل السادات جاءت الدعاية بصاحب الضربة الجوية حسني مبارك ليتم اختزال حرب أكتوبر في دور الطيران, وجرى العبث في تصوير ترتيب وقوف كبار قيادات الجيش؛ ليظهر مبارك متقدما على الفريق سعد الدين الشاذلي, وهو أمر من المستحيل أن يحدث في الجيش؛ حيث لا يجوز تخطي الرتبة الأعلى , وهي إهانة في حق تاريخ مصر العسكري والوطني, وتزييف للحقائق, ودعاية سياسية فجة . *حركة يوليو1952     ما يتفق عليه الجادون من الكتاب والمؤرخين أنه جرت ـ وما زالت تجري ـ  عملية تزييف لذاكرة المصريين بأدوات الدعاية التي يتحكم فيها العسكر, ومن أهمها المقررات الدراسية, ووسائل الإعلام؛ فإذا كان يجري الأن الترويج ضد ثورة 25 يناير, بأنها كانت مؤامرة خارجية ضد البلاد؛ وبالطبع يعمل العسكر جادين لإضفاء صفة الثورة على الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013؛ فماذا سيكون الوضع عند الحديث عن حركة الجيش في 23 يوليو 1952؟. الحقيقة الآن أن وصف حركة ضباط الجيش في 23 يوليو 1952 بالانقلاب قد بدأ في الاستخدام أكثر من ذي قبل؛ مع أن الوصف الشائع هو أنها كانت ثورة, والسبب في ذلك المغالاة والمبالغات الشديدة التي انطوت عليها الكتابات السلطوية عن هذه الحقبة؛ فالتلاميذ من الابتدائي وحتى الجامعة يدرسون هذه الحقبة على أنها ثورة, ثم بعد اكتمال وعيهم وامتلاكهم أدوات النقد يتشككون فيما تعلموه في مقرراتهم, وقد بلغ هلع العسكر من نشر حقائق هذه الحقبة حد التشويه والاتهام لكل من يزيح جانبا من الأستار المظلمة التي كانت سبة في جبين مصر, لا يمحوها إلا استعادة هذا الشعب حريته الكاملة. عندما تحرك الضباط ليلة 23 يوليو 1952 كانت لديهم خطة كاملة لكنهم لم يعلنوها, وأرادوا إخفاءها في أضابير التاريخ؛ لأنها تدين عددا منهم, خاصة جمال عبد الناصر, وبسبب مشاركة ضباط من الإخوان المسلمين؛ كان ضروريا أن يبلغ عبد الناصر الإخوان بحركة الجيش, ولنفس السبب أيضا وهو مشاركة ضباط شيوعيين, كان لا بد من إبلاغ التنظيم الشيوعي, لكن ما أخفاه عبد الناصر كان أخطر بكثير, فلم يعرف إلا عدد قليل من الضباط باتصالاته مع السفير الأمريكي في القاهرة جيفرسون كافري, وكذلك مؤامرة إقصاء الرئيس محمد نجيب أول رئيس للجمهورية, والتي كان من السهل إفشالها لولا مكر الثعالب, وأساليب ميكيافيللي التي اتبعها عبد الناصر مع الجميع, حيث حاز على موافقة أغلب قيادات الضباط في بقاء العسكر في الحكم, وعدم العودة إلى الثكنات, وهو ما كان يرفضه محمد نجيب وخالد محيي الدين, ثم جرى الانقلاب على  نجيب وشن حملة اعتقالات وإعدامات, وحل الأحزاب السياسية, وفرض الإقامة الجبرية, والتخلص من الضباط الذين اختلف معهم, وإشاعة الخوف والرعب, مما كشفت عنه كثير من شهادات المعاصرين, وروايات الضحايا. وقد كانت هناك مساندة وتأييد شعبي لحركة الضباط التي أطلقت على نفسها في البداية "الحركة المباركة", وكان هدفها إصلاحيا وليس ثوريا, وهذا ما جرى الاتفاق عليه, لكن عبد الناصر تنصل من ذلك وقال للإخوان المسلمين : لم نتفق على شيء, وشرع في تنفيذ خطته؛ ليتخلص من كل الذين شاركوا في المشهد, إلا من قبلوا العمل تحت وصايته, طمعا في السلطة. إذن لم تكن المساندة الشعبية ليقوم الضباط بانقلاب عسكري يزيح الملك, ويعلن الجمهورية ليحكم العسكر البلاد بالحديد والنار, بل كان هناك اتفاق على الإصلاح بشكل عام, وقد كانت البداية ناجحة بتولي محمد نجيب الرئاسة لولا الانقلاب عليه؛ فقد كانت الخيانة والمراوغة والمؤامرات متأصلة لدى عبد الناصر ودائرته الضيقة؛ وكان نقض العهود والتنكيل بالشرفاء من كل الأطياف السياسية, فقد شمل الإخوان المسلمين والشيوعيين والوفديين؛ ليخلو الجو لعبد الناصر وزمرة من العسكر أغرتهم السلطة بالسطو على مقدرات الوطن, ونهب ممتلكات الموسرين من أبنائه, دون مسوغ شرعي, وهذه عائلاتهم التي تملك المليارات اليوم, داخل مصر وخارجها تشهد على فسادهم وسرقاتهم.   *الانقلاب على الاتفاق كان الاتفاق على دعم حركة ضباط الجيش عاما, دون تفاصيل محددة, أو توقع للخيانة؛ فكان الانقلاب سهلا؛ برغم المعارضة الشديدة التي أبداها الإخوان والمظاهرة الحاشدة بميدان عابدين؛ وهي التي دفعت عبد الناصر إلى التراجع التكتيكي ليعود وينتقم. وبعد سنوات من حركة الضباط تذكروا أن لها مبادئ وأهدافا؛ فأعلنوا ستة أهداف هي : القضاء على الاستعمار, والقضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم, والقضاء على الإقطاع, وإقامة جيش وطني, وإقامة عدالة اجتماعية, وإقامة حياة ديمقراطية سليمة, وكعادة العسكر يصنعون الضجيج ولا ترى طحنا؛ فهذه الأهداف كان مصيرها اللت والعجن في وسائل الإعلام؛ دون أثر ملموس في حياة الجماهير؛ وعندما نأخذ في تحليلها نجد أن القضاء على الاحتلال الأجنبي لم يتحقق وقد مات عبد الناصر وغزة وسيناء تحت الاحتلال الصهيوني بعد هزيمة مرة في يونيو 1967 ويرتبط بذلك الفشل في إقامة جيش وطني قوي كانت هزيمته عارا لحق بمصر والعرب جميعا, أما إقامة العدالة الاجتماعية فلا تكون بتوزيع أراضي الملاك على الفلاحين ظلما وعدوانا, بالإضافة إلى كونها رشوة للفلاحين ليؤيدوا السلطة الحاكمة, وأما هدف إقامة حياة ديمقراطية سليمة…

تابع القراءة

تعديل قانون الجمعيات الأهلية..ابتزاز للغرب وتحكم مستمر بالعمل الأهلي

 تعديل قانون الجمعيات الأهلية..ابتزاز للغرب وتحكم مستمر بالعمل الأهلي     وافق مجلس النواب المصري بصفة نهائيّة، الإثنين، على مشروع قانون "تنظيم ممارسة العمل الأهلي" المقدّم من الحكومة، وذلك من دون توافر النصاب القانوني اللازم لتمرير القانون بتأييد ثلثي عدد الأعضاء، كونه من التشريعات المكمّلة للدستور، إثر رفض الأغلبية الموالية لنظام عبد الفتاح السيسي كلّ طلبات إعادة المداولة على بعض المواد، وإعلان 9 نواب فقط من جملة الحاضرين رفضهم القانون. والذي جاء استجابة لضغوط غربية، استباقاً لحضور السيسي اجتماعات قمة السبع الكبار في فرنسا الشهر المقبل. مخالفة دستورية وهو ما برر اصرّار رئيس البرلمان، علي عبد العال، على أخذ التصويت النهائي على القانون، على الرغم من تواجد أقلّ من 150 نائباً في القاعة من أصل 595 برلمانياً، قائلاً إنّ "إقرار قانون الجمعيات الأهلية بشكل نهائي ضرورة قبل المراجعة الدورية لمصر أمام مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة"، مستطرداً: "هناك استعجال من الدولة  على هذا التشريع على وجه التحديد، ومن المفترض أن نوافق نهائياً عليه اليوم، وجميعكم (النواب) تعلمون هذا".     قائمة محظورات   وتتضمن قائمة المحظورات التي جاء بها القانون في تعديلاته الجديدة، العديد من الأمور، منها: إذا تم النشاط بالمخالفة لأغراض الجمعية التي تم الإخطار بها، وإذا تعلق بالأنشطة السياسية والحزبية والنقابية وفقاً للقوانين المنظمة لها، وتكوين الجمعيات السرية أو السرايا أو التشكيلات ذات الطابع السري أو العسكري أو شبه العسكري، وممارسة أنشطة من شأنها الإخلال بالنظام العام أو الآداب العامة أو الوحدة الوطنية أو الأمن القومي. وهذه العبارة الأخيرة تعجّ بالألفاظ المائعة حمّالة الأوجه من دون توضيح المقصود بها، ما يسمح بتوسيع مساحة التجريم. وتتضمن المحظورات أيضاً الدعوة إلى التمييز بين المواطنين بسبب الجنس أو الأصل أو اللون أو اللغة أو الدين أو العقيدة، أو أي نشاط يدعو إلى العنصرية أو الحض على الكراهية أو غير ذلك من الأسباب المخالفة للدستور والقانون، والمشاركة في تمويل أو دعم أو ترويج الأحزاب والحملات الانتخابية لأي مرشح في الانتخابات، وكذا الاستفتاءات أو تقديم مرشح في تلك الانتخابات والاستفتاءات باسم الجمعية. وكذلك منح أية شهادات، علمية أو مهنية، من دون التصريح من الجهة الإدارية أو الجهات المعنية، أو من دون الشراكة الرسمية مع إحدى الجامعات المتخصصة أو الجهات المختصة وفقاً للقواعد المنظّمة لذلك، والصادرة من المجلس الأعلى للجامعات. وهذه العبارة الأخيرة تحمل تيسيراً لمسألة منح الشهادات لأنها في القوانين السابقة كانت محظورة على الإطلاق.   وتشمل المحظورات كذلك ممارسة أية أنشطة تتطلب ترخيصاً من جهة حكومية، وذلك قبل الحصول على الترخيص من الجهة المعنية، واستهداف تحقيق ربح لأعضاء الجمعية أو ممارسة نشاط يهدف إلى ذلك، وإجراء استطلاعات الرأي أو نشر أو إتاحة نتائجها، أو إجراء الأبحاث الميدانية أو عرض نتائجها قبل موافقة الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء للتأكد من سلامتها وحيادها وتعلقها بنشاط الجمعية، وإبرام اتفاق بأي صيغة كانت مع جهة أجنبية، داخل أو خارج البلاد قبل موافقة الجهة الإدارية وكذلك أي تعديل يطرأ عليه. وبحسب مصادر قانونية، فإن المحظور الأخير الخاص بإبرام الاتفاقات قبل موافقة الجهة الإدارية، يقصد به في الأساس "فرض رقابة الوزارة على عقود المساعدة والتمويل التي تبرم مع الجهات الأجنبية قبل إرسالها إليها، وليس بعد إبرامها"، وهو ما يراه مراقبون عاملون في مجال العمل الأهلي عقبة جديدة ستعطل تدفق التمويل لحين موافقة الوزارة على الإبرام، وليس كالسابق، إذ كان الاتفاق يتم ولا يحق صرف التمويل أو الحصول على الدعم إلا بعد موافقة الوزارة. وكانت المنظمات تشكو التعطيل والإرجاء أيضاً.   كذلك فالمنظمات الأجنبية التي سيصرح لها بالعمل، ستخضع لإشراف وحدة إدارية حكومية، بدلاً من الجهاز المركزي المُشرف على المنظمات الأجنبية، ستحمل اسم "الوحدة المركزية للجمعيات والعمل الأهلي"، وستقوم أيضاً بنفس أدوار الإدارة المركزية للجمعيات والاتحادات القائمة حالياً في وزارة التضامن. وستختص بالإشراف والرقابة على الجمعيات والاتحادات والمؤسسات الأهلية والمنظمات الأجنبية غير الحكومية، ومتابعة إجراءات تطبيق القانون ولائحته التنفيذية، وإعداد ونشر الدراسات والمعلومات والإحصاءات الخاصة بالجمعيات والاتحادات والمؤسسات الأهلية والمنظمات الأجنبية غير الحكومية على المستويين المحلي والإقليمي والدولي.   مكاسب محدودة   ومن جانب أخر، ألغى القانون "الجهاز القومي لتنظيم عمل المنظمات الأجنبية"، الذي كان سيُشكَّل بقرار جمهوري بعضوية ممثلين لجميع الأجهزة السيادية، كالمخابرات العامّة والرقابة الإدارية والداخلية والدفاع، واستبدله بوحدة جديدة تتبع الوزير المختص، استجابة من النظام للضغوط الغربية حيال تخفيف قيود الترخيص للمنظمات الأجنبية، وهو اجراء شكلي لا يضمن استقلالية القرارات الحكومية أو التحكم في مسار ومصير الجمعيات..     وألزم القانون الجديد الجهة الإدارية "بوضع آلية للتبادل الفوري للمعلومات مع السلطات المختصة لإعمال شؤونها، في حال توافر اشتباه بتورط أي من المنظمات الأهلية في تمويل الإرهاب، أو استغلالها لذلك الغرض"، علاوة على التوسع في المحظورات التي يجب على الجمعيات تلافيها، ومنح الوزارة أو المحكمة المختصة سلطة وقف ممارسة النشاط، وذلك في الحالات غير المنصوص عليها في التشريع على سبيل الحصر. كما نصّ التشريع على أن يكون تأسيس الجمعية الأهلية بموجب إخطار، يُقدَّم إلى الجهة الإدارية المختصة، مع ثبوت الشخصية الاعتبارية لها بمجرد الإخطار، ومنح الحق لكل شخص طبيعي أو معنوي في الانضمام إليها، أو الانسحاب منها، على أن يكون إنشاء الجمعية نظاماً أساسياً مكتوباً، يتفق مع نموذج النظام الأساسي الذي تحدّده اللائحة التنفيذية للقانون المرافق. وخفض التشريع الحدّ الأدنى للغرامات من 500 ألف جنيه إلى 100 ألف جنيه، مع الاحتفاظ بالحدّ الأقصى بقيمة مليون جنيه، لكلّ من تلقى أو أرسل، بصفته رئيساً أو عضواً أو عاملاً في جمعية أو مؤسسة أهلية، أو أي كيان يمارس العمل الأهلي، أموالاً من جهة أجنبية أو محلية، أو جمع التبرعات من الغير بالمخالفة لأحكام القانون. وخفّض أيضاً الغرامة من 200 ألف جنيه إلى 50 ألف جنيه، مع الاحتفاظ بالحدّ الأقصى بقيمة 500 ألف جنيه، لكلّ شخص طبيعي أو اعتباري منح تراخيص لأي كيان لمزاولة أي نشاط يدخل في أغراض مؤسسات المجتمع الأهلي، أو امتنع عمداً عن تمكين الجهة الإدارية من متابعة وفحص أعمال الجمعية، أو نقل المقر من دون إخطار الجهة الإدارية خلال ثلاثة أشهر.   وأعفى مشروع القانون الجمعيات الأهلية من رسوم التسجيل والقيد، ومن ضرائب ورسوم الدمغة المفروضة على العقارات المملوكة لها، وكذلك الضرائب الجمركية والرسوم الأخرى المفروضة على ما تستورده من عدد وآلات وأجهزة ولوازم إنتاج وسيارات، وما تتلقاه من هدايا ومعونات من الخارج.   الغاءالحبس ومن ضمن المكاسب التي قد تكون منزوعة الدسم، أن القانون الجديد يلغي جريمة الحبس، على عكس القانون الحالي الذي يعج بعقوبات الحبس والحل والتصفية والمصادرة".   ويتضمن القانون الحالي رقم 70 لسنة 2017 فرض عقوبة الحبس التي تصل إلى 5 سنوات لكل من أنشأ جمعية لممارسة أنشطة محظورة، ولكل من تلقى أو أرسل أموالاً من أو إلى جهة أجنبية…

تابع القراءة

اتفاق تقاسم السلطة بالسودان قد يعيد انتاج التجربة المصرية في الانقلاب العسكري.

 اتفاق تقاسم السلطة بالسودان قد يعيد انتاج التجربة المصرية في الانقلاب العسكري قراءة في فرص السلام والتحديات     يبدو أن السودان يتجه لسيناريو الانقلاب المصري في ظل تمسك العسكر بالحكم ورفضهم التنازل عن السلطة لصالح حكومة ورئيس مدني، والسعي لفترة انتقالية يضمن فيها العسكريون عودة الهدوء للبلاد وتوقف الاحتجاجات كمقدمة للانقلاب على شركاء الحكم المدنيين في الفترة الانتقالية.   فهذا السيناريو الذي وافق عليه العسكر، وقبلته قوى الحرية والتغيير المدنية المشكلة أساساً من تيارات يسارية وليبرالية، لعدم وجود خيار آخر، هو سيناريو مؤقت ومبدئي وليس نهائياً، وكل طرف يتمني أن يأتي المستقبل بما يعزز قوته ويطيح بالطرف الآخر. وعلى الرغم من الاتفاق السياسي بالسودان حول اقتسام السلطة بين العسكر والقوى الثورية، إلا أن الخرطوم تحولت الى ساحة صراعات بين الارادات الاقليمية، في ظل أدوار ومصالح إقليمية متقاطعة، أسهمت في تحويل الخرطوم إلى ميدان تنافس بين عدد من القوى الإقليمية. حيث تتصاعد المحاولات من جانب أطراف خليجية داعمة للمجلس العسكري السوداني، لتكرار ما حدث في مصر في أعقاب ثورة 25 يناير ، وإعادة إنتاجه مع قوى "إعلان الحرية والتغيير" في السودان، من خلال تصديرها للشارع وكأنها المسؤولة عن الأزمة السياسية الراهنة، عبر وضع العراقيل أمام أي اتفاقات سياسية جادّة تحمل مكاسب مدنية، ظهر بشكل واضح بعدما أشيع عن التوصل لاتفاق سياسي برعاية الوسيط الإثيوبي، يحمل مكاسب للثوار وتحريكاً للمياه الراكدة في الشارع السوداني، الا ان الاطراف العسكرية الموالية للاطراف الاقليمية، تستهدف  الانقلاب على الاتفاق السياسي المقرر توقيعه، من خلال رفضه مجموعة من البنود والنصوص التي كانت محل اتفاق خلال الوساطة الإثيوبية. ومن المقر أن تقوم لجنة قانونية بانجاز مهمة صياغة الاتفاق في صورته النهائية، تمهيداً للتوقيع عليه الأسبوع المقبل بحضور عدد من الزعماء الأفارقة والعرب. إلا أن "الحرية والتغيير" فوجئت بطلب قادة المجلس العسكري بأن يكون لهم الكلمة العليا في المجلس السيادي بشأن تعيينات القضاء والنائب العام، بعد أن كان دور المجلس يقتصر في هذه الجزئية على توقيع التعيينات وإقرارها فقط.. بند آخر من البنود التي شهدت انقلاباً من العسكريين، وهو البند المتعلق بإقرار المجلس السيادي للتشكيل الحكومي، المقرر أن يكون الحق فيه لقوى "الحرية والتغيير"، حيث  فوجئ ممثلو قوى "إعلان الحرية والتغيير" باعتراض العسكريين على ذلك البند، مشترطين أن يكون لهم حق الاعتراض على الأسماء المطروحة وتغييرها إذا لم تحظَ بموافقتهم.. كما طالب القادة في المجلس العسكري باستمرار الولاة العسكريين الذين تم تعيينهم عقب إطاحة عمر البشير، بدعوى أن المرحلة الحالية تحتاج إلى وجود عسكريين على رأس الولايات لضبط الإيقاع وحفظ الأمن والاستقرار، وهو ما ترفضه القوى المدنية، التي تتمسك بضرورة تعيين ولاة مدنيين. كما تجلى سعي المجلس العسكري للتنصل من البند الخاص بحصول قوى "إعلان الحرية والتغيير" على نسبة 67% من المجلس التشريعي، المقرر تشكيله عقب ثلاثة أشهر من توقيع الاتفاق السياسي. كما أن خلافاً إضافياً انضم إلى تلك البنود، تمثل في تمسك المجلس العسكري بأن تكون الشخصية العامة المقترح انضمامها لتشكيل المجلس السيادي ذات خلفية عسكرية، فيما تمسكت قوى الحرية والتغيير بأن تكون شخصية مدنية. فيما ترفض قوى "إعلان الحرية والتغيير" البند الخاص بمبدأ الحصانة المتعلق بقيادات المجلس السيادي، الذي ينصّ على تمتع أعضاء المجلس بحصانة وعدم الملاحقة القضائية أو الجنائية أو اتخاذ أي تدابير بشأن ممتلكاتهم. في غضون ذلك، يواصل قادة المجلس العسكري ترويج فزاعات الانقلابات العسكرية، من خلال الإعلان عن إحباط محاولات انقلاب، من وقت إلى آخر، لإرهاب الشارع، وخلق ذريعة لتكريس السلطات والصلاحيات في أيديهم خلال تلك المرحلة، حتى يتمكنوا من تفويت الفرصة على قوى المعارضة المدنية من التوصل لمكاسب حقيقية. تفاعلات الشارع وعقب التقلبات السياسية والاعلامية المعلنة من قبل العسكريين، تظاهر مئات الآلاف من السودانيين السبت الماضي، واستمرت التظاهرات حتى مساء الاثنين في مدن السوكي والخرطوم احتجاجا على تصاعج العنف العسمري ضد المتظاهرين السلميين، في مواكب "العدالة أولاً" بالعاصمة الخرطوم وعدد من المدن السودانية لمطالبة المجلس العسكري بتسليم السلطة لحكومة مدنية، في وقت تأجلت فيه جلسة معلنة مساء السبت بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير بعد بروز خلافات عميقة بين الطرفين تتعلق بتحويل الاتفاق السياسي الذي تم التوافق عليه إلى إطار قانوني، إذا فشلت لجنة فنية شكلها الطرفان في الوصول إليه على مدار الأسبوع الماضي.   بنود الاتفاق ونصت وثيقة الاتفاق السياسي التي تم الانتهاء منها فجر الجمعة 5 يوليو ، على تشكيل مجلس السيادة من 5 عسكريين يقوم باختيارهم المجلس العسكري و5 مدنيين تختارهم قوى إعلان الحرية والتغيير بالإضافة لشخص آخر مدني يتفق عليه الطرفان.   وحددت الوثيقة مدة الفترة الانتقالية بـ39 شهراً من تاريخ توقيع الاتفاق منها 21 شهراً تكون فيها رئاسة مجلس السيادة للعسكريين و18 شهراً لمدني تختاره قوى إعلان الحرية والتغيير.   كما نصت على تشكيل مجلس وزراء تختار رئيسه قوى إعلان الحرية والتغيير ويقوم رئيس الوزراء باختيار وزراء لا يتجاوز عددهم العشرين بالتشاور مع قوى إعلان الحرية والتغيير.   ولم يتمكن الطرفان من الاتفاق على صيغة تشكيل المجلس التشريعي، لذا تأجل تشكيله لفترة أقصاها 3 أشهر مع تمسك قوى إعلان الحرية والتغيير بنسبة 67 % تم التوافق عليها سابقاً فيما طالب المجلس العسكري بمراجعة تلك النسبة، وذلك طبقا لما جاء في الوثيقة نفسها  التي أقرت تشكيل لجنة تحقيق مستقلة في مجزرة القيادة العامة في الثالث من يونيو الماضي، وغيرها من الجرائم التي ارتكبت منذ 11 إبريل الماضي، تاريخ سقوط نظام الرئيس  عمر البشير وبداية حكم المجلس العسكري.   وتلا التوافق على وثيقة الإعلان السياسي تسليم الوساطة الأفريقية الإثيوبية للأطراف وثيقة الإعلان الدستوري التي تخضع حسب بيان لقوى الحرية والتغيير للدراسة من جانبها ومن الكتل والأحزاب التي تشكل تحالف الحرية والتغيير…   وكان الحزب الشيوعي استبق جميع الأحزاب بموقف رافض تماما لمسودة الاتفاق السياسي ومسودة الإعلان الدستوري أيضا بحجة أنها لا تلبي تطلعات الجماهير في تحقيق أهداف الثورة والتحول الديمقراطي. وذكر بيان صادر عن الحزب أن أول تحفظاته على بنود الاتفاق تتمثل في الإبقاء على كل القوانين المقيدة للحريات، وعلى دولة التمكين، وعلى كل المؤسسات القمعية، ذاكراً منها مليشيات الدعم السريع، وجهاز الأمن بدلاً من إعادة هيكلته لجمع المعلومات وتحليلها ورفعها، وكتائب الظل، ومليشيات الدفاع الشعبي، والوحدات الجهادية والتي اتهمها جميعها بلعب دور في فض الاعتصام.   علاوة على الإبقاء على اتفاقات وقعها نظام الرئيس عمر البشير، أبرزها بقاء القوات المسلحة السودانية ضمن الحلف العربي الذي يخوض حربا في اليمن، باعتبارها تمس سيادة البلاد. وأوضح أن الاتفاقية بشكلها الحالي لا تساعد في الحل الشامل والعادل لقضايا المناطق الثلاث، وربما تؤدي لتعميق الحرب وإثارة النزعات الانفصالية، كما شمل الرفض ما جاء في الاتفاق حول لجنة التحقيق المستقلة، وشدد على التحقيق الدولي في جريمة فض الاعتصام.   وبخصوص مجلس…

تابع القراءة

برلمان الانقلاب وقانون منح الجنسية.. حصان طروادة الصهيوني

 برلمان الانقلاب وقانون منح الجنسية.. حصان طروادة الصهيوني بقلم: حازم عبد الرحمن وافق برلمان الانقلاب على تعديل قانون خاص بمنح الجنسية، بزعم تشجيع استثمار الأموال العربية والأجنبية في المشروعات الاقتصادية، والتيسير على الأجانب ذوي الارتباط الطويل بمصر, والعمل على توفير الثقة والاستقرار، ليطمئن المستثمرون على أموالهم ومشروعاتهم!. وسواء كان المبلغ المدفوع للحصول على الجنسية عشرة آلاف دولار, أو حتى ملايين الدولارات؛ فإنه يمثل خطرا على الأمن القومي لمصر, في ظل الظروف التي تمر بها البلاد, وتربص العدو الصهيوني وأذرعه الأخطبوطية؛ من أجل الاختراق والهيمنة والسيطرة, كما أنه يأتي في وقت يجري فيه التحضير لتنفيذ خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي أشرف عليها صهره الصهيوني جاريد كوشنر, فيما أسموه "صفقة القرن", خاصة أن رئيس برلمان الانقلاب علي عبد العال نفى ارتباط منح الجنسية بخطة الصفقة المشبوهة, وقد اعتاد المراقبون للشأن المصري أن نفي السلطة يحمل في حقيقته معنى التأكيد, وتتضافر المؤشرات على ذلك, ومنها ما تردد حول أن الخطة الأمريكية تقوم على إجبار الفلسطينيين، بمساعدة دول عربية، على تقديم تنازلات لصالح الصهاينة، مقابل تعويضات واستثمارات ومشاريع تنموية. وفي سياق التبرير, ذهبت الأذرع الإعلامية للانقلاب إلى القول بأن الدول الأخرى مثل تركيا تمنح الجنسية مقابل الاستثمار, وهي حجة داحضة؛ لأن مناخ الحريات هناك كفيل بالكشف عن أي تجاوز, كما أن السلطات التركية تشترط الاحتفاظ بعقار بمليون دولار لمدة ثلاث سنوات، أو إيداع ثلاثة ملايين في بنك تركي، أو توظيف مائة عامل تركي في مشروع يملكه الأجنبي، أو الاستثمار في سندات حكومية بقيمة لا تقل عن ثلاثة ملايين. في حين أن برلمان الانقلاب وحكومته سوف يتواطآن؛ ليتم منح الجنسية المصرية للوافدين الذين يرغب عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب في أن يقيموا ويتملكوا داخل البلاد, وسوف يكون هدفهم ليس تنشيط الاستثمار, وإنما السيطرة على الاقتصاد, ومن بعده السياسة, ومنظومة الحكم, ما يمثل خطرا على الأمن القومي. *المستثمر المقصود بمنح الجنسية يبحث المستثمر عن البلدان الواعدة اقتصاديا, المستقرة سياسيا  حيث تزيد فرص النجاح, وتتعاظم الثقة في المستقبل, بينما الوضع خلاف ذلك تماما في مصر, التي تقف على حافة الإفلاس, وتعيش حالة غير مسبوقة من القمع, ويواصل قائد الانقلاب الحديث عن حروبه ضد الإرهاب! والسؤال: ما الفائدة التي تعود على المستثمر من حصوله على الجنسية؟, إنه إذا كان يريد جنسية أفضل من بلده التي جاء منها فأمامه دول في الاتحاد الأوربي, أو تركيا حيث مناخ الاقتصاد الحر الذي لا يهيمن عليه الجيش, وهناك أيضا الحريات لمن يفكر في ترك بلاده بسبب القمع والاضطهاد, كما أن المستثمر الجاد ليس في حاجة إلى الحصول على الجنسية إذا كانت الدولة تقدم كل التسهيلات أمام الاستثمار الأجنبي؛ ما يجعل الباحث عن الجنسية المصرية صاحب أهداف أخرى غير معلنة, مثل أن يكون الصهاينة قد خططوا لتوطين أعداد منهم في مصر, تحت ستار قانون منح الجنسية (أو بالأحرى بيعها لهم), بالإضافة إلى ارتباط ذلك بالاتفاقات السرية لقائد الانقلاب مع الصهاينة وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد وولي عهد السعودية محمد بن سلمان, وهما المتعهدان بتمويل إجراءات تصفية القضية الفلسطينية, على أن يجري التنازل عن أراض مصرية.    إن سوابق سلطة الانقلاب لا تقدم أي طمأنة على مقدرات مصر؛ حيث تنازل عبد الفتاح السيسي عن جزيرتي تيران وصنافير, وعن حقوق مصر في مياه النيل, والغاز والبترول في البحر المتوسط , ومن ثم يكون التشكيك في أهداف منح الجنسية موضوعيا, ومنطقيا تماما؛ فمصر تتعرض لمؤامرة كبرى لاختراقها, وليس أوضح دليلا على ذلك من دعم الانقلاب العسكري على حكم شرعي منتخب, وإذا سنحت الفرصة لزرع أقليات, خاصة من العدو الصهيوني؛ فإنها ستكون قاعدة للتخابر والتخريب, وتنفيذ مخططات خطيرة تقوض أمن البلاد وسلامتها. ومما يثير الشكوك أيضا أن القانون الذي عدله برلمان العسكر يضمن السرية للراغبين في الحصول على الجنسية المصرية, ويتجاهل ذكر من يجب منعهم من الحصول عليها, وهي تغطية مكشوفة على الأهداف الخفية للقانون المشبوه, الذي ليس جديدا, وإنما جرى تعديله فقط, من أجل تيسير الاختراق الصهيوني للبلاد. *ما الذي يكشفه القانون؟ يكشف إقرار القانون من قبل, ثم موافقة برلمان العسكر على تعديله عن الحالة التي سقطت فيها مصر منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013, وأن البرلمان المزعوم ليس إلا أداة في يد السيسي لاستمرار مخططه في تخريب البلاد وتسليم مقدراتها لدول وكيانات خارجية, طمعا في رضاهم عن بقائه مغتصبا لسلطة الحكم في مصر, كما يؤكد أيضا تهمة عمالته للعدو الصهيوني, والتي باتت لا تحتاج إلى دليل, وكذلك أكدت فشل حكم العسكر, وضحالة وعيهم بالمخاطر التي تترتب على استباحة الأجانب للبلاد, حيث تتحول الجنسية المصرية إلى سلعة يشتريها المتربص والعدو المتخفي، بما يشكل خطرا على الأمن القومي، خاصة في ظل التهديدات التي تحيط بالمنطقة، وتحاول فرض تصفية القضية الفلسطينية، وانهاء حق عودة الفلسطينيين, وتوطينهم في بلدان عربية بدلا من أراضيهم المحتلة, وقد كشفت أيضا عن حالة القمع غير المسبوقة التي جعلت الحياة السياسية في مصر تمر بحالة موات؛ فلا مظاهرات, ولا احتجاجات ضد القانون الكارثة  .  إن منح الجنسية المصرية للأجانب في هذه الظروف يمثل تجسيدا للأسطورة الإغريقية القديمة حول حصان طروادة, الذي كان حيلة جيش الإغريق لاحتلال المدينة, بعد خداع أهلها, لكن يقظة الشعب المصري تنتظر الفرصة لهدم كل ما يخطط له العدو وعملاؤه, وإن غدا لناظره قريب. 

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022