حدود التصعيد الأمريكي الايراني في ظل تراجع ترامب عن الضربة العسكرية
حدود التصعيد الأمريكي الايراني في ظل تراجع ترامب عن الضربة العسكرية في اتباع لسياسة "حافة الهاوية " المعروفة امريكيا والمطبقة في اوقات عدة، عاشت منطقة الشرق الأوسط حالة من التصعيد غير محسوب العواقب، عندما أسقط الحرس الثوري الايراني طائرة أمريكية بدون طيار مسيرة، قالت طهران أنها اخترقت مجالها الجوي، وهو ما قوبل بتصعيد من ادارة ترامب نحو توجيه ضربة عسكرية امريكية فجر الجمعة الماضية، تم التراجع عنها ، قبل 10 دقائق من بدئها بحسب الدوائر الأمنية الأمريكية… ثم تلى ذلك تغير جذري في الخطاب الامريكي بالدعوة لحوار مع ايران غير مشروط، ثم تلى ذلك العديد من التصريحات المتلاحقة بواشنطن لمعالجة الموقف الامريكي الذي بدا متضاربا الى حد كبير، بان الحوار يستهدف نزع قوة ايران والعمل على تحقيق اكثر مما كانت تحققه الضربة العسكرية التي كانت متوقعة.. فيما يذهب محللون إلى أن التراجع الأمريكي الذي جاء على عكس ما كانت تريده اطراف اقليمية كالسعودية والامارات، جاء لاسباب انتخابية، بعد ايام من اطلاق الحملة الانتخابية للرئيس الامريكي دونالد ترامب.. كما أن التسويغ الذي قدمّه بدا من الصعب تسويقه، ذلك أن حسابات الكلفة البشرية في عمليات من هذا النوع، تدخل في عناصر الخيار العسكري الذي يجري عرضه على الرئيس قبل اتخاذ قراره. هذه قاعدة معمولٌ بها في صياغة القرار. وبالتالي، عندما زعم الرئيس أنه فطن إلى مسألة الضحايا في الدقائق العشر الأخيرة التي سبقت تنفيذ الضربة، بدا وكأنه يتوسل هذه الذريعة التي تناسى أنها واهية، لحجب الداعي الفعلي الذي حمله على إحباط العملية، والذي ما زال حتى الآن أقرب إلى اللغز. ونال تراجع ترامب الكثير من الارتياح، ومن سائر الأطياف السياسية، لأنه "وفّر على الولايات المتحدة الدخول في مجازفة غير محسوبة ومرشحة للتحول إلى ورطة مديدة". أنصار الرئيس عملوا على تلميع الخطوة، ووضعوها في منزلة الحكمة وحسن التدبير. خصومه تنفّسوا الصعداء، مع الثناء على رجوعه عن قرار متسرّع. المحافظون أشادوا، لكن الصقور منهم، مثل النائبة ليز تشيني (ابنة نائب الرئيس السابق ديك تشيني)، فتحوا النار على ترامب من باب أنه تخاذل في التصدي لإيران. وثمة من نظر إلى القرار من زاوية موضوعية، ورأى أن الرئيس "تهيّب" الموقف في النهاية، وصرخ أولاً في لعبة العضّ على الأصابع مع إيران. كل هذه القراءات، لا تعدو كونها تكهنات وتقديرات. ربما يكون اتخذها ترامب كلها أو بعضها في الحسبان عندما انكفأ عن المواجهة. وربما فعل ذلك من باب التوجس بنوايا بعض المسؤولين في إدارته، الذين لعبوا دور محامي الدفاع عن سياسة التصادم مع إيران، وذلك بعد أن أخذ بتحذيرات العسكريين. يضاف إلى ذلك، أن حساباته الانتخابية قد تكون ساهمت في دفعه إلى الاستدراك قبل فوات الأوان، على أساس أن الشعب الأميركي لن يتهاون مع حرب جديدة في الشرق الأوسط، خاصة إذا كانت تهدد بكلفة خلال موسم الحملة الانتخابية الذي افتتحه الرئيس هذا الاسبوع. أو ربما همس أحد في إذنه في اللحظة الأخيرة، بأن هذا الخيار لا يجدي، وأن هناك خيارات أخرى، مثل مواجهة نفوذ وقوى إيران في المنطقة، بدلاً من الذهاب مباشرة إليها. ثم عاد ترامب من جديد إلى سياسة القفز وطرح ورقة الحوار "غير المشروط" مع إيران. كما قرر الذهاب إلى مجلس الأمن الدولي. لكن من غير المعروف على أي أساس يقوم البيت الأبيض بهذا التحرك. التباين داخل الإدارة حول الملف الإيراني، على حاله. التجربة الأخيرة لم تحسمه، وهو مرشح لإعادة إنتاج سيناريو مشابه للحالي، إلا إذا انفجر الخلاف وأطاح برؤوس من تركيبة الإدارة، كما سبق وحصل على إثر خلافات ومناكفات بين الأجنحة. ولعل أحطر ما في التصعيد الأخير، أن القرار "صار بيد المتشددين في واشنطن وطهران". في اليومين الأخيرين، ترددت في واشنطن وتكررت عبارة "نحن بدأنا" المشكلة ووضعنا إيران في الزاوية"، والبعض ذهب إلى حدّ القول إن طهران "هي التي تشعر بالتهديد"، كما يقول فرانك فيغليوزي، المسؤول السابق في مكتب التحقيقات الفدرالي. اسقاط الطائرة فعلتها إيران، وكانت رسالتها واضحة، إذ أسقطت طائرة استطلاع متطورة يقول الحرس الثوري الإيراني إنها اخترقت المجال الجوي الإيراني، وذاك خط أحمر بالنسبة لطهران تجاوزته الطائرة فأُسقطت. لم يكن الحدث عاديًا، فهذه المرة الأولى التي تسقط فيها طائرة أمريكية من هذا النوع في المنطقة وتحديدًا في مضيق هرمز وليس سواه، ومَنْ أسقطها هو إيران التي تهدد، الأمر الذي رشَّح الحادث ليصبح مفصليًا في وقائع ما يجرب أخيرًا في المنطقة. الطائرة بالغة التطور، وقادرة على التحليق بشكل متواصل لنحو 30 ساعة أو يزيد بحسب بعض التقديرات، وعلى ارتفاعات عالية نسبيًا، والأهم أن بمقدورها التقاط وجمع صور عالية الجودة لمناطق واسعة في الليل والنهار وفي مختلف حالات الطقس. رسائل ايرانية اسقاط الطائرة، كان رسالة واضحة ودقيقة للولايات المتحدة، وهذا ما هرع قائد الحرس الثوري إلى تأكيده، فالمستهدَف هي واشنطن التي عليها أن تعرف أن طهران سترد بطريقة شاملة وحاسمة على أي تدخل، فالعدو الذي ينتهك حدود إيران كما قال لن يعود وسيتم تدميره. وكشف قائد القوى الجوية في الحرس الثورى تفاصيل تتعلق بتحذير مكرر للطائرة التي قال إنها انطلقت من قاعدة الظفرة في الإمارات، مشيرًا إلى أن طائرة أخرى محملة بـ35 جنديًا أمريكيًا من طراز "B8" كانت ترافقها ولم يتم استهدافها بعد استجابتها للتحذيرات. حديث استندت إليه طهران في حراك دبلوماسي أبرزه استدعاء السفير السويسري الذي ترعى بلاده المصالح الأمريكية، وحملته رسائل لواشنطن بأن إيران لا تريد حربًا ما لم تُفرض عليها، كما أطلعته على ما لديها من أدلة على خرق أجوائها، وهي رسالة احتجاج لم تكن بعيدة عمَّا وجَّهه المبعوث الإيراني في الأمم المتحدة إلى أمينها العام، وقال فيها إن بلاده لا تسعى للحرب، لكنها تحتفظ بحق اتخاذ كل الإجراءات المناسبة ضد أي عمل عدائي ينتهك أراضيها. في مقابل الرواية الإيرانية، بث البنتاغون صورًا قال إنها تظهر لحظة استهداف الطائرة الأمريكية التي كانت تبعد 17 ميلاً عن أقرب نقطة يابسة على الساحل الإيراني، ويعني ذلك أن إسقاط الطائرة استفزازٌ غير مقبول على الإطلاق، وذاك في رأي البعض تكييف يضع الولايات المتحدة في وضع المعتدَى عليه، ويجعل من أي رد فعل لها دفاعًا عن النفس، وهو ما يقول كثيرون إنه يأتي في سياق أعرض تُختبر فيه تكتيكات ما قبل الحرب، وتُمتحن وربما تُكيّف وتُحوّر لتجعل من الحرب – في حال نشبت – ضرورة أُكرهت عليها واشنطن. ادارة الازمة في الدوائر الامريكية وفاجأ ترامب كثيرين بلغة عوَّمت الموقف فإذا هو مفتوح على احتمالات عدة. قال ترامب إن ما فعلته طهران خطأ فادح، وموقفه كان سيكون مختلفًا لو كانت الطائرة مأهولة، مؤكدًا أن لدى واشنطن أدلة تثبت أن الطائرة كانت تحلق فوق المياه الدولية، والأهم أنه أشار إلى احتمال أن يكون "شخص أحمق" وراء…