غزة.. المقاومة تؤلم العدو

     غزة.. المقاومة تؤلم العدو   بقلم: حازم عبد الرحمن   أسفر العدوان الصهيوني على غزة عن ارتقاء 31  شهيدا, بينهم رضيعان وجنينان وثلاث سيدات, وأصاب القصف الغاشم 320 هدفا تضم مباني سكنية ومساجد ومؤسسات إعلامية وأراضي زراعية ومواقع للمقاومة وغيرها. وردت المقاومة بـ 690 قذيفة صاروخية قتلت 4 صهاينة وجرحت 130 آخرين ودمرت مركبة عسكرية وناقلة جنود.   وقد كشفت هذه الجولة من المعارك عن استعداد  المقاومة لمواصلة المواجهة وتصعيدها عند اللزوم، وتوجيه ضربات متطورة تؤكد تقدمها الاستخباري والمعلوماتي, ما جعل العدو يرد باغتيال القيادي القسامي حامد الخضري، كما أسهمت الهجمات النوعية التي نفذتها الأجنحة المسلحة، للمقاومة واستهداف شخصيات عسكرية صهيونية بارزة في وقف إطلاق النار الذي كان من شروطه عدم مساس العدو بالمتظاهرين في مسيرات العودة مع التحذير من أن المساس بهم يعني إلغاء وقف إطلاق النار, وهو يعكس قوة موقف المقاومة وثقتها في قدراتها.   ويأتي بعد ذلك شعور الصهاينة بالإحباط وخيبة الأمل, فهذه المقاومة التي بدأت بالحجارة والسكاكين والفئوس أصبحت تمتلك الصواريخ التي تقصف وتقتل وتصيب وتؤلم, ولديها قوة عسكرية تخشى قوات الاحتلال مواجهتها بريا, ما يعني أن الخط البياني لقوة المقاومة في صعود برغم الحصار ومؤامرات الصهاينة العرب وتحالفهم المكشوف مع الاحتلال.     وقد كان امتلاك المقاومة السلاح حلما تحقق على أرض الواقع, ولم تقف محدودية الإمكانات المادية عائقا بسبب الغنى البشري الذي تسنده عقيدة راسخة بضرورة تحرير أرض فلسطين كلها من الاحتلال, وهو ما يقض مضاجع الصهاينة, ويعلن بوضوح أن إرهاصات نجاح المقاومة بدأت تلوح في الأفق حيث يمكنها فرض حصار جوي على الكيان الصهيوني لو أنها استهدفت المطارات, ويمكنها أن تطيل بقاء الصهاينة في المخابئ تحت الأرض, وأن تقذف في قلوبهم الرعب, وتوقف حياتهم اليومية بما يترتب على ذلك من خسائر في الجانب الصهيوني الذي فشلت قبته الحديدية في منع صواريخ المقاومة من إصابة أهدافها.         ولولا إدراك العدو عواقب المخاطرة باجتياح غزة بريا ما انتظر حتى اللحظة التي يتلقى فيها القصف الصاروخي من المقاومة, دون تجاوز التهديد بالاجتياح, فالصهاينة يعترفون بفقدانهم السيطرة على جولة التصعيد العاشرة مع المقاومة الفلسطينية، ويرون أنهم دخلوا في مرحلة من "الإحباط المركز".   ولذلك من الواضح حرص الصهاينة على التهدئة في هذه المرحلة، بسبب عدم القدرة على حسم المعركة على الأرض، واستحالة احتلال قطاع غزة, فالتهدئة في الوقت الراهن يستفيد منها  الاحتلال الذي يعلم أن "تل أبيب" تحت رحمة صواريخ المقاومة، ومن هنا فلا  بد من تراجع العدو مقابل التهدئة, وتحقيق مطالب المقاومة التي أولها رفع الحصار عن قطاع غزة, وليس الاكتفاء بالتهدئة .     فقطاع غزة تحت الحصار منذ 13 عاما , ويشارك في الحصار الكيان الصهيوني وقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس أبو مازن, بالإضافة إلى دور المتصهينين العرب خاصة الإمارات والسعودية وحربهما المعلنة على المقاومة الفلسطينية لتشويهها وتأييد حصارها حتى تستسلم.      وتسبب الحصار في أزمات إنسانية خطيرة نتيجة لتقييد حركة السكان ونقص الأدوية والمعدات الطبية وقلة الوقود، إضافة إلى القيود المفروضة على دخول مواد البناء الأساسية ويعاني أكثر من نسبة 60% من السكان انعدام الأمن الغذائي في قطاع غزة، وتراجع كفاءة المستشفيات إلى حد خطير .   وقد تزامن العدوان مع استقبال أهالي غزة شهر رمضان هذا العام في ظل أوضاع اقتصادية بالغة الصعوبة حيث تصل نسبة البطالة 52%، ويعتمد الكثير منهم على المساعدات المقدمة من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ومؤسسات خيرية أخرى, ويسهم في تفاقم تلك الأوضاع إغلاق قوات الاحتلال لجميع المعابر البرية المحيطة بقطاع غزة لا سيما معبر كرم أبو سالم التجاري، علاوة على إغلاق الشواطئ ومنع الصيادين من العمل ، والعقوبات التي يفرضها أبو مازن على غزة منذ أبريل العام 2017.   ورغم ذلك تظل غزة المحاصرة قادرة على أن تقذف الرعب في قلوب الصهاينة الذين لم يغادروها مختارين, بل تركوها منهزمين, لتواصل المقاومة الفلسطينية طريق التحرير حتى النهاية. ويستمر أيضا السقوط الأخلاقي والإنساني للأنظمة العربية العميلة للكيان الصهيوني, والتي تشارك في حصار الشعب الفلسطيني في غزة وتعمل على تشويه بطولات المقاومة الباسلة التي   ترفع الحرج عن الأمة كلها في مواجهة العدو الصهيوني. وقد باتت واضحة الآن القائمة السوداء للأنظمة العربية العميلة المتحالفة مع العدو ضد القضية المركزية للأمة, خاصة أولئك الذين طالبوا المقاومة بتسليم سلاحها لسلطة أبو مازن, وكذلك محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي الذي يرسل عملاءه إلى القدس المحتلة لشراء الأراضي من الفلسطينيين ومنحها للصهاينة, ومثله نظام الحكم السعودي الذي تعهد لجاريد كوشنار صهر الرئيس الأمريكي بوقف أي مساعدات للفلسطينيين, إمعانا في التزلف إلى الصهاينة, فكل خياناتهم باتت مكشوفة واضحة.    

تابع القراءة

تصنيف أمريكا “الاخوان” كجماعة ارهابية…التداعيات والمخاطر والفرص

   تصنيف أمريكا "الاخوان" كجماعة ارهابية…التداعيات والمخاطر والفرص     يثير اعلان الادارة الامريكية نيتها ادراج جماعة الاخوان المسلمين كجماعة ارهابية، مزيدا من التكهنات حول القرار المرتقب وخطورته على جماعة الاخوان المسلمين، وعلى الادارة الأمريكية والمنطقة العربية.. فيما يزيد الجدل حول توجه  الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن التوقيت والدوافع ورائه، وتأثيراته المستقبلية، وصعوبات قد تواجه الادارة الامريكية وتنعكس سلبا على استقرار الشرق الأوسط…   مؤخرا، أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعمل على تصنيف جماعة الإخوان المسلمين تنظيما إرهابيا. مضيفة أنه صدرت تعليمات للأمن القومي والدبلوماسيين لإيجاد طريقة لفرض عقوبات على الجماعة بعد زيارة عبد الفتاح السيسي في إبريل الماضي لواشنطن.   وهو ما وصفه الكاتب والصحفي البريطاني المعروف والمتخصص في قضايا الشرق الأوسط ديفيد هيرست بأن القرار إذا صدر بالفعل، فسوف يكون بمثابة "إبرة منشطة لتنظيم الدولة الاسلامية الذي ظهر زعيمه قبل أيام في تسجيل فيديو يُهدد العالم من جديد".   وقال هيرست في مقاله الذي نشره موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، وترجمته موقع "عربي21" الجمعة الماضية، إنه "من الممكن أن يصبح هذا أخطر قرار يتخذه ترامب حتى هذا التاريخ، قرار له ما بعده، وهو قرار يُثبت أن هذه الإدارة الأمريكية هي الأكثر تدميراً في تاريخ الولايات المتحدة المعاصر". وسبق للادارة الأمريكية أن أعلنت توجهها لتصنيف الجماعة كمنظمة ارهابية 5 مرات، إلا أن محاولة ترامب الأخيرة، تحتلف كثيرا عن المرات الخمس السابقة، حيث أنها أكثر خطورة من الذي سبقها ، مطلع عام 2017، عند تسلّم دونالد ترامب الرئاسة. ومكمن الخطورة الحقيقي أن ترامب شخصياً يقف وراء مشروع القرار . ففي المحاولات السابقة، كان أعضاء يمينيون في الكونغرس من يدفعون باتجاه تصنيف الإخوان إرهابيين، ثمَّ مع تولّي ترامب الرئاسة، حاولت أطراف إيديولوجية متطرّفة تحيط به إنفاذ هذا التوجه، حيث يطمع هؤلاء إلى توظيف ذلك مدخلاً إلى استهداف مؤسسات إسلامية أميركية كبيرة وفاعلة عبر ربطها، كذباً، بالإخوان المسلمين تنظيمياً. لكن تلك المحاولات فشلت سابقا، والسبب الرئيس للمعارضة القوية التي جوبهت بها مساعيهم من المؤسسات السيادية الأميركية، وتحديدا في وزارتي الخارجية والدفاع، ومجلس الأمن القومي، والمُجَمَّعِ الاستخباراتي الأميركي. حيث سبق وأن حذّر هؤلاء من التداعيات المحتملة لتصنيف مُسَيَّسٍ كهذا على السياسة الخارجية والأمن والمصالح القومية الأميركية. ومع أن تلك التحذيرات ما زالت قائمة، إلا أن تغييرات بنيوية عرفتها إدارة ترامب في الاثني عشر شهرا الأخيرة، أهمها إقالة أو استقالة الشخصيات "الناضجة" فيها، بدءا بوزير الخارجية السابق، ريكس تيلرسون، ومرورا بمستشار الأمن القومي السابق، أتش. آر. مكماستر، ثمَّ وزير الدفاع السابق، جيمس ماتيس. وقد حلَّ مكان الأول والثاني شخصيتان إيديولوجيتان متطرفتان، وهما: مايك بومبيو وجون بولتون، وما زالت وزارة الدفاع من دون وزير. كما أن اللافت في هذا السياق أنه في وقتٍ يعارض فيه الخبراء والمهنيون المحترفون في المؤسسات والوكالات الأميركية المختصة محاولات تصنيف الإخوان، يدفع بومبيو وبولتون باتجاهه. كما أن سوابق ترامب السياسية في العامين والنصف الماضيين، قد تشئ لخروج القرار، فهو رئيس، في الغالب، يعد وينجز، يهدّد وينفّذ، وهو لا يلقي بالاً للتداعيات، ولا يأبه بالتحذيرات، ويملك قدرة على تجاوز نصائح مستشاريه والأجهزة المختصة التي تعمل تحت إمرته. وهو ما يمكن اسستشرافه في توتيره العلاقات مع الحلفاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ومع الاتحاد الأوروبي، ومع كندا والمكسيك، وكذلك في إعلانه حرباً تجارية على الصين. وفي تجاوزه نصائح مستشاريه في موضوع مقاربة العلاقات مع روسيا وكوريا الشمالية. وأيضا انسحابه من الاتفاق النووي مع إيران، ثمَّ في الموضوع السوري، وفي قراره نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، ومؤخرا اعلان إدارته تأييد العدوان الصهيوني على غزة  بفجاجة ….. إلخ.   فترامب المتحرر، نسبياً، من سيف لجنة المحقق الخاص، روبرت مولر، ومن قيود "نادي الناضجين" من حوله، لن يتردد في إنفاذ وعده، إن استطاع، لعبد الفتاح السيسي، بتجريم الإخوان المسلمين، خصوصا وأن حلفاء آخرين له، وتحديدا في إسرائيل والسعودية والإمارات، يطالبونه بالأمر نفسه، كما أن الدائرة الضيقة من حوله تدفع في هذا الاتجاه. ومن ثم فان الرهان على وقف القرار المحتمل من داخل الإدارة نفسها، فقط، مفترضين تقديم حسابات المصالح الكبرى للولايات المتحدة، محض رهان غير مضمون العواقب..   اجراءات التقنين وحسب الإجراءات، فإن مكتب تنسيق مكافحة الإرهاب التابع لوزارة الخارجية يراجع أنشطة المنظمة محلَّ النظر، بناء على معايير محدّدة، وإذا خلص إلى أنها ترتقي إلى مستوى التصنيف بالإرهاب، يعد تقريرا بذلك، يضمّنه نتائج مراجعته وأدلة ذلك. بعد ذلك، يتشاور وزير الخارجية مع وزيري العدل والخزانة، بإرسال قرار التصنيف إلى الكونغرس الذي ستكون أمامه مهلة سبعة أيام لإدخال تعديلات على القرار، أو ردّه. وفي حال لم تكن هناك معارضة من الكونغرس، ينشر القرار في الجريدة الفدرالية الرسمية، وحينها يصبح قانونا. ولعل بدء الاجراءات يستوجب التحركات المتنوعة وعلى صعد مختلفة من قبل "الاخوان المسلمين".. إذ أن الرهان على رد الكونغرس القرار، قد لا يكون أمرا حكيما –بحسب مراقبين. ولا يقلل من ذلك، أن أغلب الديمقراطيين، وعددا من الجمهوريين، ليسوا مع تصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، وذلك اتساقا مع موقف الوكالات المختصة التي تعبّر عن المصالح الأميركية العليا، إلا أن الديمقراطيين قد يتردّدون في معارضة القرار، مخافة أن يستغله ترامب والجمهوريون ضدهم في انتخابات عام 2020. كما أنه حتى لو صوّت كل الديمقراطيين ضد قرار التصنيف، فإن هذا لا يعني تعطيله، فالديمقراطيون يسيطرون على مجلس النواب، في حين يسيطر الجمهوريون على مجلس الشيوخ. وبالتالي، من الصعب تصوّر توافق المجلسين على رد القرار، مع بقاء فرصة ضئيلة في هذا الصدد، وهذه الفرصة تحتاج إلى استثمار كبير فيها. إذا اجتاز قرار التصنيف العقبة المحتملة في الكونغرس، فلن يتبقّى أمام الإخوان المسلمين غير اللجوء إلى القضاء الأميركي، وتحديدا إلى محكمة الاستئناف في مقاطعة كولومبيا، حينها، سيكون أمامهم، كطرف متضرّر من قرار التصنيف، ثلاثون يوما للطعن عليه، وبعد ذلك لا يمكنهم الطعن عليه إلا بعد عامين على تاريخ صدوره..   موقف الاخوان وامام الاخوان الذين لم يواجهوا بقوة القرار السابق عام 2015، منذ أن قدم أول مشروع قانون في الكونغرس لتجريمهم. حيث أن الإخوان في وضع قانوني قوي يؤهلهم، على الأرجح، إلى كسب هذه المعركة القضائية، إن وقعت. وثمَّة ثلاثة معايير ينص عليها القانون لتصنيف أي منظمة إرهابية أميركيّاً. اثنان منها لا ينطبقان أصلا على الإخوان، أما الآخر الذي ينطبق عليهم، فإنه ينطبق من حيث التوصيف، لا من  حيث المضمون. وهذه المعايير: أن تكون المنظمة المراد تصنيفها أجنبية. وهذا ينطبق على "الإخوان" توصيفاً فقط. وأن تكون المنظمة منخرطة في أعمال إرهابية، أو تملك القدرة والإرادة على الانخراط في أعمال إرهابية. وهذا المعيار لا ينطبق على الإخوان، فالتقارير الاستخباراتية الأميركية تنفي تهمة الإرهاب عنهم. كما يصعب، قانونيا، تجريم كل…

تابع القراءة

ترامب وتصنيف الإخوان.. لماذا الآن؟

  ترامب وتصنيف الإخوان.. لماذا الآن؟ بقلم: حازم عبد الرحمن   بينما يجري إعداد المسرح لتصفية القضية الفلسطينية وتنفيذ ما يسمى "صفقة القرن", ومع بداية موجات جديدة من الربيع العربي تجلت طليعتها في الجزائر والسودان, أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعمل على تصنيف جماعة الإخوان المسلمين تنظيما إرهابيا.   وصدرت تعليمات للأمن القومي والدبلوماسيين لإيجاد طريقة لفرض عقوبات على الجماعة بعد زيارة قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي في إبريل الماضي.   والأمر ليس سهلا, فلن يستطيع ترامب أن يقدم أدلة على تورط جماعة الإخوان في أعمال إرهابية ضد الولايات المتحدة ومصالحها، ورغم أنه من حق وزير الخارجية الأمريكية سلطة تصنيف مجموعات على أنها تنظيمات أجنبية إرهابية وإنزال سلسلة من العقوبات والجزاءات عليها، إلا أن الآلية البيروقراطية لإقرار مثل هذه التصنيفات بالغة التعقيد, ولا بد أن تكتب المخابرات الامريكية تقريرا يوضح أدلة الاتهام، كما أن على وزير الخارجية التشاور مع النائب العام والمالية حول هذا التصنيف، ليتم بعد ذلك إعطاء الكونجرس سبعة أيام لوقفه، ويكون من حق الإخوان الطعن على القرار خلال 30 يوما أمام محكمة فيدرالية في واشنطن,  وفي حالة ما إذا صدر بيان واضح من المحكمة بأن الإخوان المسلمين ليست جماعة إرهابية سيكون هذا انتصارا تاريخيا للجماعة.   لذلك فإن الاحتمال كبير بعدم صدور تصنيف الإخوان كجماعة إرهابية, فهناك أيضا اعتراض مسئولين أمريكيين في الخارجية والبنتاجون وغيرهما, يرون أن جماعة الإخوان لا تنطبق عليها المعايير القانونية في تصنيف الجماعات، ويخشون أن يترك هذا التوجه آثارا سلبية في دول المنطقة الحليفة، التي للإخوان المسلمين فيها أحزاب سياسية، ويحتجون بأن جماعة الإخوان المسلمين نبذت العنف أكثر من مرة.   ورغم ذلك فإنه ليس مستبعدا أن يمضي ترامب المتغطرس في  طريق اتهام الجماعة بالإرهاب, فهو الذي غمر الصهاينة بهداياه بدءا من اعتبار القدس عاصمة لهم, ثم الاعتراف بالجولان ضمن سيطرتهم, وأخيرا تصفية القضية الفلسطينية فيما يسمى صفقة القرن. ولا يمكن التعويل على رفض المؤسسات الأمريكية التي سبق أن نجحت في ايقاف اندفاع ترامب وراء مخططات السعودية والامارات ضد قطر, لأن الأمر هنا مختلف, لذلك أثار الإعلان ردود أفعال قوية اعتبرت أن القرار الأمريكي المحتمل سيشكل ضربة كبيرة لمطالب التحول الديمقراطي في المنطقة, كما أنه يعزز معاداة الإسلام في الغرب .   وجاء تعليق الإخوان المسلمين على اعتزام ترامب إصدار القرار ليعلن أن الجماعة بصدد دراسة ومتابعة ما صرحت به المتحدثة باسم البيت الأبيض بهذا الخصوص, ويستنكر الانحياز الأمريكي لجرائم الانقلاب. وتعكس لغة بيان الإخوان خبرة ونجاحا سابقين في التعامل مع مثل هذه القضايا, وهو ما سبق أن حدث في بريطانيا بعد ضغوط سعودية وإماراتية كاسحة, وبالرغم من ذلك جاءت النتيجة في النهاية لتؤكد براءة الإخوان من الإرهاب, ما يعني أن الهدوء والنفس الطويل يؤديان إلى كسب هذه القضايا, خاصة أن مناخ الحرية في الغرب يتيح فرصة الدفاع عن الحقوق أفضل بكثير من الأنظمة التي تطارد مواطنيها وتلاحقهم خارج الحدود.   لماذا الآن؟   الحديث عن محاولات وصم الإخوان المسلمين في الولايات المتحدة بالإرهاب ليس جديدا, لكن هناك أسبابا جعلته يتخذ طريقه إلى الإعلان في البيت الأبيض من أهمها: ـ إرهاب رافضي صفقة القرن, ومحاولة إسكاتهم بتوجيه اتهامات إليهم إن عارضوا تصفية القضية الفلسطينية, ويقف وراء ذلك الكيان الصهيوني والسعودية والإمارات وقائد الانقلاب في مصر, وتتعرض الأنظمة الثلاثة الأخيرة لأكبر نقمة من الشعوب العربية التي ترفض جريمة بيع فلسطين.   ـ محاولات التصدي لعودة الربيع العربي الذي ظهرت بشائره في الجزائر والسودان وتخشى السعودية والإمارات وقائد الانقلاب في مصر ومن ورائهم الكيان الصهيوني نجاح الموجة الجديدة من ثورات الربيع, وذلك بتوجيه تهمة الإرهاب إلى الثوار لقطع الطريق عليهم وإحباطهم .   ـ محاولة ترامب التضييق على المسلمين في الولايات المتحدة باختلاق أسباب متعسفة, وهو سلوك معروف لدى الرئيس المتغطرس ويواجه غضبا كبيرا من المسلمين هناك .   ـ إرضاء الناخب الأمريكي المنحاز إلى اليمين المتطرف لكسب تأييده لترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة على اعتبار أن معاداة الإسلام تجلب تعاطف اليمين الأمريكي.   ـ إرضاء اللوبي الصهيوني الذي حقق مكاسب كبرى من خلال وجود رجلهم جاريد كوشنار في البيت الأبيض. .

تابع القراءة

العتبات الانتخابية وحزب الشاهد والمشروع الاماراتي… ارباك مبكر لمسار الانتخابات التونسية

   العتبات الانتخابية وحزب الشاهد والمشروع الاماراتي… ارباك مبكر لمسار  الانتخابات التونسية     تصاعدت التفاعلات السياسية على الساحة التونسية خلال الأيام القليلة الماضية، بشكل متسارع قبيل الولوج إلى  المشهد الانتخابي سواء التشريعية أو الرئاسية والبلدية المرتقبة في الخريف المقبل… حيث انعقد يومي  السبت والأحد الماضيين المؤتمر التأسيسي لحزب "تحيا تونس" الذي يتزعمه رئيس الوزراء يوسف الشاهد؛ وتتحدث قيادته عن عزمها على دخول الانتخابات المقبلة في أكتوبر ، بغرض تحقيق أغلبية نيابية تمكنها من الاستغناء عما تسميه "التحالفات المفروضة"، في إشارة إلى حركة "النهضة"، وتجميع ما يعرف بالعائلة الوسطية الحداثية.   ويأتي انعقاد هذا المؤتمر بأسلوب استعراضي جماهيري حاول أن يعكس مدى الانتشار الذي حققه هذا الحزب في ظرف زمني قصير، وليقدم انطباعا لدى التونسيين بأنه الحزب البديل لحزب السبسي "نداء تونس" الذي يمكن أن يكون المنافس الأول لحركة "النهضة" التي تقدمها أغلبية استبيانات الرأي متقدمة على غيرها في الانتخابات التشريعية المقبلة، في ضوء انقسامات حزب "نداء تونس".. وضمن التطورات السياسية بالساحة التونسية،  جاء ييان للمكتب التنفيذي لحركة "النهضة"، الذي انعقد بشكل استثنائي مساء الجمعة الماضية، متضمنا تهديدا واضحا بإمكانية الانسحاب من الحكومة، بسبب غلق قناة "نسمة"، والذي وصفته الحركة بانه "اعتداء على حرية الإعلام والتحريض على مؤسساته، يتنافيان ويتناقضان مع الأهداف التي تأسست عليها مشاركة حركة النهضة في الحكومة… وتتجه أصابع الاتهام في قرار وقف "نسمة"، إلى رئيس الحكومة يوسف الشاهد، الذي يبدو، عند بعض خصومه، قد أراد التخلص من قناةٍ تلفزيونية ناصبته العداء، وانحازت إلى خصمه حافظ السبسي (نجل الرئيس)، فضلاً عن أن مؤشراتٍ عديدة توحي بأن صاحب القناة قد يستعد بكل جدية أن يكون مرشحاً لرئاسة الجمهورية، ما جعله خصماً مباشراً لرئيس الحكومة. ووفق بيان النهضة،  الصادر السبت الماضي، اعتبرت الحركة التصرف الحكومي "صورة مسيئة لتونس ولثورتها ولسمعتها.."، وهو ما استجابت له الحكومة باعادة البث للقناة مجدد الأربعاء 1 مايو.. حراك النهضة وداخل أروقة النهضة يتصاعد امتعاض وغضب سياسي  بسبب ملفات متعددة من بينها انفراد رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، بالقرارات والتعيينات في المناصب الهامة وتضارب مواقف بعض المقربين من الشاهد من حركة "النهضة" وشكل التحالف. يُذكر أن شخصيات بارزة في "النهضة" سبق وأن طالبت في رسالة داخلية إلى رئيس الحركة، راشد الغنوشي، منذ أشهر، بعدم التحالف مع الشاهد واعترضت على قطع العلاقة مع الرئيس التونسي، باجي قائد السبسي. وكان الغنوشي قد التقى منذ أيام السبسي بعد جفاء دام أشهرا في قصر قرطاج، والتقى كذلك نجله حافظ قايد السبسي في بيته، ما اعتبره مراقبون خطوة لإذابة الجليد مع آل السبسي وإن جاءت قبيل أشهر قليلة من الانتخابات.   اضطرابات اجتماعية ولعل أبرز ما يربك المشهد السياسي التونسي، ويؤثر بشكل بارز على عناصر الحكم  "نداء تونس والشاهد والنهضة " في الانتخابات المقبلة، وبحسب الباحث التونسي، المهدي مبروك، "بدأت تحركات اجتماعية حادة، لم تخل من عنفٍ أحياناً بين هؤلاء المحتجين وقوات الأمن، على خلفية قضايا قديمة، عجزت عن حلها الحكومات المتعاقبة بعد الثورة، وهي نتيجة تركة أنظمة سابقة، وخطط تنمية عاجزة عن حل معضلات البطالة والتشغيل والتفاوت الجهوي، والبطالة المزمنة وغلاء الأسعار، والزيادة في أسعار المحروقات ونفاد بعض المواد الاستهلاكية، على غرار الحليب والزيت.. إلخ. بالموازاة مع ذلك، دخلت عدة قطاعات عمالية في سلسلة من الإضرابات، على غرار إضراب عمال السكك الحديدية والنقل البرّي وموزعي المحروقات والطيران، وغيرها من القطاعات …     تصعيد بالبلديات لارباك النهضة مؤخرا، صعد الفرقاء السياسيون المناوئون لحركة النهضة من تحركاتهم المضادة لاعضاء الحركة بالبلديات، مصدرين مشكلات عدة داخل المجالس البلدية، بسبب الاختلافات الحزبية والتعددية التمثيلية..   وهو ما شهدته تونس يوم الاثنين، 29 ابريل الماضي، باستقالة جماعية لـ20مستشارا ببلدية سكرة، وهي إحدى أكبر بلديات محافظة أريانة، شمال العاصمة، ما كشف عن تزايد صعوبات إجراء انتخابات جزئية قريباً لترميم عشرات البلديات بعد إسقاط 84 قائمة انتخابية في مختلف محافظات البلاد. وأرجع المستقيلون في سكّرة قرارهم بانفراد رئيسة البلدية المنتمي لحزب النهضة بالقرارات والتسيير، في سيناريو شبيه بما حصل في مدينة باردو.…بينما تثور كثير من الاتهامات بالفساد حول المستقيلين من البلديات، بحسب مصادر تونسية… إلى ذلك، قال نائب رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، فاروق بوعسكر، في تصريحات اعلامية، إن الهيئة وضعت ضمن استعداداتها روزنامة للانتخابات الجزئية البلدية، ما قد يربك عمل الهيئة ويشوش تركيزها على إنجاح تنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة. وكشف بوعسكر أنه على خلفية ما أعلنته محكمة المحاسبات في تقريرها الأخير الخاص بمراقبة تمويل الانتخابات البلدية العام الماضي، فإن 84 قائمة حاصلة على مقاعد في الانتخابات البلدية لم تقم بإيداع حساباتها المالية لدى دائرة المحاسبات. وأضاف نائب رئيس هيئة الانتخابات أن العقوبة تتمثل في خطايا مالية، وإسقاط عضوية 226 مستشاراً بلدياً تقريباً، ويمكن أن تؤدي هذه النتيجة إلى حلّ بعض المجالس البلدية، والتصريح بإسقاط عضوية 28 قائمة حزبية و12 قائمة ائتلافية و44 قائمة مستقلة.   وبيّن بوعسكر أنّه في إجراء أولي، أصدرت محكمة المحاسبات قراراً يقضي بتسليط الضوء على قضايا مالية، والتصريح بإسقاط عضوية القائمين عليها، ما سيؤدي بعد صدور القرار النهائي إلى حلّ بعض المجالس البلدية وتنظيم انتخابات جزئية…   من جانب آخر، أعلن محافظ ولاية تونس الشاذلي بوعلاق، حل المجلس البلدي في باردو إثر استقالة 17 عضواّ من 30 عضواً، ومرور أسبوعين على القرار دون تراجع، ما يجعل هذا المجلس محلولاً بحكم قانون الجماعات المحلية المنظم لعمل البلديات. وتستعد هيئة الانتخابات لإجراء انتخابات جزئية في صيف 2019 لانتخاب مجلس بلدي جديد في مدينة باردو، التي تعد عاصمة سياسية تحتضن مقر البرلمان والمحكمة الدستورية الوقتية ومؤسسات دستورية، كما تضع ضمن أولوياتها ترميم بلديتي سكرة والعين وبلديات صغرى في محافظات داخلية شهدت استقالات وصراعات سياسية، كي يتسنى لها الانطلاق في عملها.   العتبة الانتخابية كما يثير مشروع رفع العتبة الانتخابية المؤهلة لدخول البرلمان وصرف الاستحقاق المالي الانتخابي، أزمة بين قوى المعارضة والأحزاب الصغيرة والأحزاب الكبرى والمشاركين بالحكم، حيث تفاقم الجدل تحت قبة البرلمان التونسي حول رفع العتبة الانتخابية (نسبة الأصوات للحصول على مقعد بالبرلمان) إلى 5% بعد إقرار جلسة عامة لتعديل القانون الانتخابي الثلاثاء الماضي، لينقسم البرلمانيون إلى مساندين ومعارضين لهذا المسار الذي سيغير المشهد السياسي. واحتجت المعارضة لإقرار مكتب البرلمان عقد جلسة عامة يوم 30 إبريل الماضي  لمناقشة تنقيح وتعديل القانون الأساسي المتعلق بالانتخابات والاستفتاء، بتعديل مجموعة من الفصول بهدف الترفيع في نسبة العتبة الانتخابية الضرورية للحصول على التمويل الانتخابي ولاحتساب المقاعد في البرلمان المقبل خلال الانتخابات التشريعية في أكتوبر 2019. وهو ما تراه المعارضة توجه من الشاهد ومن ورائه الائتلاف الحاكم لإقصاء الصوت المعارض والرأي المختلف وضرب التنوع السياسي والتعددية البرلمانية، من خلال فرض عتبة لا تخدم إلا الأحزاب الكبرى.. ورغم امتلاك الأحزاب الكبرى المتفقة على تمرير القانون أغلبية مريحة لتمريره…

تابع القراءة

استشراف مستقبل “الحزام والطريق” الصينية بعد قمتها الثانية …فرص وتحديات

  استشراف مستقبل "الحزام والطريق" الصينية بعد قمتها الثانية …فرص وتحديات   اختتمت يوم السبت 27 ابريل أعمال الدورة الثانية من منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي، بالعاصمة الصينية بكين، والتي استمرت ثلاثة أيام بمشاركة روساء ومسئئولي 37 دولة… وأكد الرئيس الصينى شى جين بينج خلال المؤتمر الصحفي الختامي، ان مبادرة "الحزام والطريق" حققت نتائج ايجابية واكتسبت المزيد من الاعضاء الجدد خلال السنوات الأخيرة . مشيرا الى ان زعماء ورؤساء حكومات الدول المشاركة أكدوا أهمية تعزيز التعاون المستمر والمتعدد الاطراف لدعم المبادرة والنمو الاقتصادى والتنمية. لافتا إلى أهمية تطبيق آليات السوق على المشروعات وايجاد البيئة المواتية للاستثمار وتنويع مصادر التمويل لدعم المشروعات، وذلك ردا على كثير من المشككين حول جدوى المشروعات المقترحة التي يصطدم بعضها مع فكرة الحمائية التي تفرضها الصين على كثير من مشروعاتها، واعتمادها على شركاتها المحلية في تنفيذ معظم مشاريعها بالداخل والخارج . وأضاف بينج أن دورة المنتدى هذ العام ترسل رسالة واضحة خاصة مع انضمام المزيد من الاصدقاء والشركاء إلى المبادرة، موضحا أنه سيتم التركيز على تعزيز الجودة والكفاءة في المشروعات التي يتم تنفيذها في إطار المبادرة. مؤكدا أن مزيدا من الدول ستنضم إلى هذا المشروع الضخم لإنشاء بنى تحتية تربط بين آسيا وأوروبا وإفريقيا. وتهدف السياسة الخارجية لشي إلى إحياء طريق الحرير القديم للربط بين آسيا وأوروبا وإفريقيا عبر استثمارات كبيرة في مشاريع بحرية وطرق وسكك حديد بمئات المليارات من الدولارات بتمويلات من المصارف الصينية.   وبحسب وثيقة نشرت بعد الاجتماع، فإن آخر الدول التي انضمت إلى هذا النادي هي غينيا الاستوائية وليبيريا ولوكسمبورغ، بالإضافة إلى جامايكا والبيرو وإيطاليا وباربادوس وقبرص واليمن. وقال شي إن الشركات هي المحرك الأساسي لكل مشاريع "الحزام والطريق" التي ستطبق عليها كل مبادئ السوق، فيما تلعب الدول دوراً داعماً. وأوضح أن ذلك "سيجعل المشاريع أكثر استدامةً ويخلق جواً خالياً من التمييز تجاه المستثمرين الأجانب".   وأكد شي كذلك توقيع رجال أعمال في لقاء جانبي خلال القمة عقوداً بقيمة 64 مليار دولار، بدون أن يذكر مزيداً من التفاصيل.   6 سنوات من "الحزام والطريق"   مبادرة "حزام واحد – طريق واحد" هي خطة  طموحة أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013، تهدف لتطوير وإنشاء طرق تجارية وممرات اقتصادية تربط أكثر من 60 بلدا. ويشير "الحزام الواحد" إلى مكان يعرف تاريخيا بطريق الحرير القديم، وهو عبارة عن شبكة طرق تجارية تمر عبر جنوب آسيا لتربط الصين بدول جنوب وشرق آسيا والشرق الأوسط وصولا إلى تركيا. فيما يشير "الطريق الواحد" إلى الطريق البحري المستلهم من رحلة بحرية  قام بها الأدميرال "زينغ هه"، الذي أبحر بأسطول من السفن إلى أفريقيا في القرن الخامس عشر، ويعد رمزا لأصالة القوة البحرية الصينية. وتحاول بكين من خلال هذه المبادرة توثيق الروابط التجارية والاقتصادية بين آسيا وأوروبا وإفريقيا. وتتضمن المبادرة تشييد شبكات من السكك الحديدية وأنابيب نفط وغاز وخطوط طاقة كهربائية وإنترنت وبنى تحتية بحرية، ما يعزز اتصال الصين بالقارة الأوروبية والإفريقية. فمنذ أن أطلق الرئيس الصيني شي جينبينغ خلال زيارته إلى كازخستانعام 2013 مبادرته "البناء المشترك للحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين" المعروفة اختصارًا باسم "حزام واحد وطريق واحد"، باتت هذه المبادرة تشكِّل المحرك الأساس للسياسة الصينية داخليًّا وللدبلوماسية الصينية خارجيًّا. وأدرجت رسميًّا عام 2014 ضمن خطة أعمال الحكومة.   تجارب سابقة ولم يكن الرئيس شي جينبينغ أول من أطلق المبادرة، فقد سبقه رئيس الوزراء الصيني الأسبق لي بنغ بعشرة أعوام خلال جولة له في دول آسيا الوسطى عام 1994. وكانت الفكرة قد راودت أيضًا رئيس الوزراء الياباني هاشيموتو عام 1997 بهدف تعزيز التعاون بين بلاده ودول آسيا الوسطى وجنوب القوقاز. وكانت الهند من جهتها قد اقترحت فكرة مشابهة عام 2002 تحت اسم "ممر مواصلات شمال ـ جنوب" يربط الهند بروسيا عبر إيران والقوقاز. كما اقترح الاتحاد الأوروبي عام 2009 ما عرف باسم "برنامج طريق الحرير الجديد" لمد خط أنابيب ينقل الغاز الطبيعي من آسيا الوسطى إلى أوروبا بهدف تقليل الاعتماد على الغاز الروسي. ولم تكن الولايات المتحدة بعيدة عن مثل هذه المبادرات، فقد اقترحت عام 2011 استراتيجية طريق الحرير الجديدة أو ما عُرف في حينه باسم "طريق الحرير الحديدي"، الذي يهدف إلى بناء شبكة خطوط حديدية لتعزيز التعاون الاقتصادي بين أفغانستان وجمهوريات آسيا الوسطى ودول جنوب آسيا. لكن الرؤية الأكثر وضوحًا تولدت من بنات أفكار شو شن دا، نائب رئيس الهيئة الوطنية العامة للضرائب في الصين، الذي قدمها كمقترح لوزارة التجارة الصينية تحت عنوان "خطة مارشال الصينية" مقتسبًا الاسم من المبادرة المعروفة لوزير الخارجية الأميركي جورج مارشال لمساعدة الدول الأوروبية في إعادة إعمار ما دمرته الحرب العالمية الثانية وبناء اقتصاداتها من جديد. وجاءت مبادرة شو كرد صيني على الأزمة المالية والركود الاقتصادي العالمي عام 2008. وتقوم الفكرة على استخدام الاحتياطي الاستراتيجي الصيني من العملة لمنح قروض إلى الدول النامية، تستخدم لبناء مشاريع تنفذها شركات صينية في تلك الدول. وسرعان ما تلقف الرئيس الصيني شي جينبينغ الفكرة وجرى تطويرها بعد سلسلة من النقاشات وجلسات العصف الذهني في أروقة مراكز البحث وأوعية الفكر الحزبية والحكومية الصينية لتصبح بعد ذلك "مبادرة الحزام والطريق".   ومن الواضح أن جمهوريات آسيا الوسطى وما تمتلكه من الغاز الطبيعي والموارد الأولية والموقع الجغرافي كانت دائمًا العامل المشترك والمحرك الرئيس في كل تلك المبادرات، لكن العامل المشترك الآخر هو أن كل تلك المبادرات لم تبصر النور ولم تتحول إلى واقع ملموس …   أهداف المبادرة وتهدف مبادرة "الحزام والطريق" الصينية إلى محاولة إحياء طريقي الحرير البحري (الحزام) والبري (الطريق) اللذين كانا يربطان الصين بالعالم قبل ثلاثة آلاف عام، ويتم من خلالهما تبادل السلع والمنتجات كالحرير والعطور والبخور والتوابل والعاج والأحجار الكريمة وغيرها، وكذلك تبادل الثقافات والعلوم. وتقوم المبادرة على مبادئ وميثاق الأمم المتحدة والمبادئ الخمسة للتعايش السلمي كالاحترام المتبادل للسيادة الوطنية، وسلامة الأراضي وعدم الاعتداء، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والمنفعة المتبادلة، وفق الخارجية الصينية..   وترتكز المبادئ الحاكمة لتطبيق المبادرة على التنسيق السياسي بين الدول وتعزيز التواصل والحوار والتجارة دون عوائق لتهيئة الظروف اللازمة للتنمية الاقتصادية. وتتضمن المبادرة نحو ألف مشروع من المستهدف تنفيذها  تدريجيًّا، تسعى إلى ربط دول آسيا وإفريقيا وأوروبا عبر شبكة مواصلات معقدة من الجسور والطرقات والسكك الحديدية والطائرات والبواخر، وكذلك بناء موانئ ومطارات وإنشاء مناطق تجارة حرة. إلى جانب أنابيب النفط والغاز وخطوط الطاقة الكهربائية وشبكات الإنترنت والبنية التحتية. وقد لاقت المبادرة تجاوبًا ومشاركة نشطة من نحو سبعين دولة مطلة على هذا الخط بما فيها دول عربية وشرق أوسطية. ويغطي نطاق المبادرة نحو 70 دولة في القارات الثلاث آسيا وإفريقيا وأوروبا، وينقسم إلى ثلاث مستويات.. المناطق المركزية: تضم كلًّا من الصين وروسيا ودول آسيا…

تابع القراءة

الجزائر ما بعد رحيل بوتفليقة

  الجزائر ما بعد رحيل بوتفليقة قراءة في تحديات المرحلة الانتقالية   تستمر تفاعلات ما بعد رحيل بوتفليقة دائرة في الجزائر. فيما لم تسفر بعد عن ملامح واضحة للنظام السياسي الجديد بعد ناجح الاحتجاجات في إزاحة النظام السابق. لكن يبقى التنافس الأقرب للصراع وتراجع الثقة بين الدولة، ممثلة في أقوى مؤسساتها الجيش ورئاسة الاركان، وبين قوى الثورة والمعارضة، هما الملمحين –أي التنافس وغياب الثقة- الأبرز للمرحلة. في محاولة لاستكناه ملامح المرحلة واستشراف مآلاتها تتناول هذه الورقة بالدراسة محورين رئيسيين؛ الأول: القوى الفاعلة : قوى النظام ونخب المعارضة والمجموعات الثورية والشبابية (تعريفاتهم للفرص والتهديدات واستراتيجياتهم). الثاني: قضايا المرحلة الانتقالية وتحدياتها؛ سواء المتعلقة بالثقافة السياسية والهوية، أو المتعلقة بالدستور وبناء مؤسسات الدولة ما بعد رحيل بوتفليقة وتفكيك مراكز القوة المتحالفة معه، أو المرتبطة بالتحديات الاقتصادية الناجمة عن طول أمد التظاهرات وانعكاسات ذلك على الوضع الاقتصادي للجزائر. تنطلق الدراسة من مقولات نموذج العملية السياسية the political process model لتشارلز تيلي وماك آدم عن الفرص والتهديدات واستراتيجيات الفاعلين وعمليات التأطير الثقافي framing. وهو نموذج يركز علي تحليل العوامل والمتغيرات المؤثرة في العملية السياسية؛ مثل: هيكل الفرص السياسية، والقوى والأطراف الفاعلة، والأبعاد الثقافية والقيمية والرمزية، دون إهمال أو تجاهل البعد الخارجي والإقليمي في مسارات التحول والانتقال[1]. قبل الاشتباك مع هذه النقاط تستعرض الدراسة عدد من الملاحظات حول أدبيات التحول الديمقراطي ونظرياته ومناهجه في التعاطي مع مراحل التحول عقب التغيرات التي تطرأ على هيكل السلطة. هذا الاهتمام بأدبيات التحول مبعثه أن الجزائر في الفترة الراهنة، تمر بمرحلة تحول ديمقراطي؛ وبالتالي فهذه الجزئية تهتم بالتساؤل عن قدرة أدبيات التحول الديمقراطي على فهم الواقع الجزائري الراهن، وأيضاً قدرتها على تصويب مساره.   ملاحظات منهجية حول أدبيات التحول الديمقراطي:       ظهرت دراسات التحول الديمقراطي كتخصص ضمن حقل السياسة المقارنة في بداية ثمانينات القرن العشرين. ويتكون مركب "التحول الديمقراطي" من مكونين؛ التحول: هو  المرور من وضعية إلي أخرى، فيحمل معنى التغيير والحركة. الديمقراطي: تشير إلى عملية الانتقال من نظام سلطوي مهما كانت طبيعته (نظام الحزب الواحد، نظام عسكري، نظام شمولي، نظام أوليغارشي، نظام سلطوي..إلخ) إلى نظام يقوم على احترام المواطنة والحريات والمشاركة السياسية. أما مركب "التحول الديمقراطي" ككل، فيحيل إلى نهاية النظام السلطوي وإرساء نظام ديمقراطي ومنم ثم توطيد هذا النظام. يستهدف التحول الديمقراطي تحقيق التنمية السياسية من خلال التغلب علي أزمات التنمية، مثل: الهوية، الشرعية، المشاركة، التوزيع، والتغلغل، مع تحقيق التمايز الوظيفي بين المؤسسات بديلاً عن سيطرة رأس السلطة، وتعظيم قدرة المؤسسات علي أداء وظائفها بكفاءة واقتدار، بالإضافة إلي تأسيس ثقافة سياسية ديموقراطية تتضمن قيم العدل والحرية والاحتواء المساواة والمواطنة واحتواء جميع القوي الراغبة في المشاركة بديلاً من تهميشها، وعدم الاكتفاء بآليات الانتخابات الصورية. هذا إلي جانب توجيه وإدارة عملية التنمية بمفهومها الشامل. لكن يلاحظ أن عملية التحول الديمقراطي وفق هذه المضامين تثير جملة من الإشكاليات: الأول: أن عملية التحول الديمقراطي ترتبط ارتباط وثيق بالشكل الليبرالي (في المجالين الاقتصادي والسياسي وفي مجال الحريات المدنية) فهي تستبطن التجربة الليبرالية الغربية كهدف وغاية. كما أنها تضع نصب عينها نموذج الديموقراطية الليبرالية، خصوصا من جهة تطبيق السياسات النيوليبرالية، أو من جهة الارتباط بالعولمة والرأسمالية العالمية، أو من جهة الحريات المدنية وحقوق الانسان في سياقها الحضاري من جهة أخيرة. هذا النموذج القياسي الذي تتحرك في إطاره عملية التحول الديموقراطي أدي إلي بروز خلافات حول الغايات والوسائل المتوخاة من المرحلة الانتقالية. كما أنه خلق أزمة في تحليل العملية نفسها؛ لأن أطراف العملية الانتقالية لا تعتقد في نفس المفاهيم والمرجعيات والأفكار حول التحول الديموقراطي وغاياته النهائية. الثاني: مع غياب نماذج متعددة للتحول الديمقراطي تراعي الخصوصيات والظروف؛ يتم عادة التركيز علي الأبعاد الاجرائية والانتقالية في عملية التحول الديمقراطي؛ دون مناقشة الغايات والأهداف النهائية لعملية التحول الديموقراطي. هذا الاهتمام بالبعد الاجرائي يخلق حالة واسعة من التباين بين القوى الفاعلة في مرحلة التحول؛ فالفاعلون يستبطنون رؤى وتصورات ايديولوجية تؤثر في رؤيتهم للأوضاع وتحليلهم ولها وما يقدموه من تفسيرات وما يطرحوه من حلول للأزمات التى تواجه عملية التحول الديموقراطي. الثالث: هل هناك قيمة حقيقية للحديث عن غايات التحول أو أهدافه النهائية، كما يجادل المؤمنين بنظريات "أو قل ايديولوجيات" التحول الديمقراطي، أم أن الواقع هو سيد نفسه، وان نتاج المرحلة الانتقالية هو حصيلة تفاعلات القوى السياسية القائمة، بصرف النظر عن اخلاقية هذا النتاج.   أولاً: خرائط القوى الفاعلة: 1-    نظام الحكم ومؤسسات الدولة: نستخدم مفهوم النظام بمعنى شبكة التفاعلات والعلاقات والعمليات المرتبطة بظاهرة السلطة، تكون له جذوره وشبكات مصالحه الممتدة الي المجتمع، وبالتالي فإسقاط نظام سياسي يتبعه سقوط شبكة ولاءات علي مستويات مؤسساتية ومحلية ومجتمعة متنوعة. وعندما تلوح بوادر هذا السقوط تنزع هذه الولاءات والشبكات المحلية ذات الصلة الوثيقة بالنظام للتخلي عنه علي أمل بقاء مصالحها والحفاظ عليها بالتخلص من رأس النظام أو التضحية ببعض أجنحته. لكن السعي لإسقاط النظام فعلياً بكامله  يؤدي إلي صدام أوسع نطاقاً علي مستويات محلية ومركزية. يجب التمييز بين نظام الحكم والدولة؛ فالنظام مفهوم معنوي بالأساس وليس مادياً علي عكس مفهوم الدولة ذات السيادة داخلياً والشخصية القانونية خارجياً، النظام إذن "لا يعدو أن يكون مفهوماً تحليلياً يستخدم لفهم ظاهرة معينة ولا يعرف له وجود مادي في الواقع. بيد أن الدولة هي الوحدة  القانونية المستقلة ". وبالإضافة لذلك فإنه إذا كان  من الممكن تعيين حدود للدول فإنه لا يمكن تعيين حدوداً لنظمها السياسية. لكن مع هذا التمييز بين النظام والدولة؛ إلا أن تغلغل النظام في الدولة وأجهزتها ومؤسساتها، قد يؤدي لانهيار الدولة في حال سقوطه بشكل سريع ومفاجئ. بدأ خروج صراع الإرادات بين أجنحة النظام السياسي الجزائري –على تركة عبدالعزيز بوتفليقة- إلى العلن في صيف عام 2018، بسبب قضية الكوكايين الشهيرة، لقد كشفت هذه القضية لاحقاً تورّط العديد من القيادات السياسية والعسكرية وقيادات في سلك الشرطة، وكانت محصلتها استقواء المؤسّسة العسكرية بقيادة الجنرال القايد صالح، والذّي استغل القضية ليضرب بقوّة بعض الشخصيات النافذة في النظام صاحبة الطموح في الترشّح لخلافة بوتفليقة المريض فأبعدها عن اللعبة السياسية. كشفت هذه القضية، وما تلاها من تطورات، عن مكونات النظام السياسي في الجزائر، وهي: المكون الأول: متمثل في مؤسسة الرئاسة بصلاحياتها الكبيرة التي يكفلها لها الدستور، وزعيمها الرمزي المُقال "عبدالعزيز بوتفليقة، وزعيمها الفعلي السعيد بوتفليقة، والمدعومة بحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم وبعض الأحزاب الأخرى الموالية، بالإضافة إلى شبكةٍ من رجال الأعمال وأصحاب المال الجزائريين. هذا المكون جرى تفكيكه بعد إقالة بوتفليقة[2]؛ وكان من أبرز مؤشرات تفكيكه أيضاً: ما روج عن اعتقال السعيد بوتفليقة وعائلته، وهو ما نفاه مسئولين، مؤكدين أن "السعيد" جرى وضعه رهن الاقامة الجبرية. تفكيك شبكة رجال الأعمال المقربة من الرئيس المقال عبدالعزيز بوتفليقة؛ حيث القبض على الرئيس السابق لمنتدى رجال الأعمال الجزائريين، علي الحداد، أحد رؤوس "الأوليغارشية…

تابع القراءة

التنافس الإقليمى على ليبيا الجزائر والسودان

التنافس الإقليمى على ليبيا الجزائر والسودان المحور التركي- القطري مقابل السعودي- الإماراتى- المصري   يحاول هذا التقرير تتبع معركة النفوذ بين محورين؛ الأول: (تركيا – قطر). المحور الثاني: (مصر – الإمارات – السعودية). مع اتخاذ الجزائر، ليبيا، السودان كمسارح يمكن من خلالها تتبع هذا الصراع واستكشاف نتائجه.   1-   الصراع على ليبيا: تعتبر حملة حفتر العسكرية على طرابلس ذروة الصراع الإقليمي على ليبيا. وقد نجح حفتر في تأمين الدعم الإقليمي "المصري، الإماراتي، السعودي" لحملته، وبمباركة قوى عالمية "الولايات المتحدة، روسيا، فرنسا". (أ‌)    السعودية: أشار وزير الداخلية فى حكومة الوفاق الليبية، فتحي باشاغا، في تصريحات صحفية إلى "أن حكومة دولة عربية (لم يسمها) أعطت الضوء الأخضر لحفتر حتى يهاجم طرابلس، وأن هذه الدولة دخلت على خط الأزمة الليبية مؤخراً"[1]. بمرور الوقت بدأت الأمور تتضح أكثر حول الدولة المقصودة فى تصريحات باشاغا، فبعد أيام قليلة من هذه التصريحات، قام حفتر بزيارة  السعودية، فى 27 مارس الماضي 2019، والتى كان يسعى من خلالها إلى توسط السعودية لدى الولايات المتحدة (أو أى قوة دولية أخرى) لعدم عرقلة تحركاته العسكرية تجاه طرابلس. إلى جانب الحصول على دعم التيار السلفى المدخلى المدعوم من السعودية، ورفع الغطاء عن بعض المليشيات السلفية المدخلية التى تدعم حكومة الوفاق، بل وحثها على إعلان الولاء لحفتر. ولعل ذلك ما يفسر قيام الأجهزة الأمنية لحكومة الوفاق، خلال الأيام الأولى للهجوم، بضبط مجموعات ممن وصفتهم بـ "الخلايا النائمة" في مواقع متفرقة من العاصمة، والتحفّظ على عناصر قيادية في عدد من الكتائب المسلحة، أغلبها من ذوي التوجه السلفي المدخلي[2]. إلا أن الدور السعودي لم يتوقف عند هذا الحد، بل وصل الدور السعودى إلى تقديم الدعم المالى لحفتر فى حملته على طرابلس، وهو ما كشفه مسئولين سعوديين لصحيفة "وول ستريت جورنال"، الذين أشاروا إلى وعود سعودية بتغطية تكاليف الحملة العسكرية لحفتر على طرابلس أثناء زيارة حفتر للرياض[3].   (ب‌)مصر: يُثأر الحديث عن زيارة حفتر للقاهرة سراً قبل عدة أسابيع من حملته العسكرية على طرابلس، من أجل الإطلاع على مفاوضات سرية تجري بين الدول الأربع الكبرى المهتمة بالشأن الليبي، وهي إيطاليا وفرنسا وأميركا وبريطانيا، إضافة الدول العربية الحدودية مع ليبيا، وكذلك دولة الإمارات، حيث كانت المفاوضات تسير في اتجاه ضرورة إيجاد حل نهائي للأزمة، تحضيراً لمؤتمر الحوار الوطني الجامع[4]. كما يثأر الحديث عن تواجد  قيادات عسكرية مصرية رفيعة المستوى ضمن غرفة العمليات المركزية التي تدير تحركات حفتر العسكرية تجاه طرابلس[5]. ويتم الحديث أيضاً عن تقديم مصر مساعدات عسكرية لقوات حفتر، تضمّنت أنظمة رؤية ليلية، وذلك في ظل الخسائر التي تعرّضت لها قواته بسبب الهجمات المرتدة الليلية والتي أسفرت عن خسارته مواقع سبق أن تمكّن من السيطرة عليها، وتضمنت المساعدات أيضاً الدفع بسفن تشويش بالقرب من سواحل طرابلس للحد من الطلعات الجوية للطيران الموالي لحكومة الوفاق، خاصة بعد أن تمكنت القوات التابعة لحكومة الوفاق من إسقاط مقاتلة حربية تابعة لحفتر، أثناء تحليقها لتوجيه ضربات إلى أحياء العاصمة[6]. وسبق أن حسم سلاحا الطيران الإماراتي والمصري معركة الهلال النفطي لصالح حفتر، حسب موقع «ميدل إيست آي» البريطاني، وقالت صحيفة "نيويورك تايمز الأمريكية" في ذلك الوقت، إن أربعة مسؤولين أمريكيين بارزين أكدوا أن مصر والإمارات قامتا بغارتين جويتين سراً ضد الميليشيات المتحالفة مع الإسلاميين، الذين كانوا يقاتلون للسيطرة على طرابلس، أما مصر والإمارات فقد أنكرتا تدخل بلديهما في ليبيا[7]. إلا أن مصر ما تزال تحتفظ بقوات جوية في قاعدة الخروبة الليبية لتقديم الدعم لحفتر[8]. كما ظهرت فى مصر بعض الدعوات الدينية التى تؤيد حملة حفتر، فقد أكد دعاة سلفيون مصريون، وقوفهم بجانب حفتر، في عمليته العسكرية على طرابلس، ودعوا إلى ضرورة وقوف الليبيين إلى جانبه، ووجوب السمع والطاعة له، ووصفوا من يقاتل ضد حفتر بالخوارج والخونة والجماعات التكفيرية والعملاء للخارج[9]. وفى ظل استمرار المعارك بين قوات حفتر وقوات حكومة الوفاق على أطراف طرابلس، قام السيسى باستقبال حفتر فى القاهرة، 14 إبريل الجارى 2019، فى وقت يسعى حفتر إلى الحصول على الدعم السياسى لمواجهة الضغوط الدولية عليه من أجل وقف حملته العسكرية على طرابلس، والحصول على مزيد من الدعم العسكرى فى الوقت الذى تتصاعد فيه خسائر قواته على الأرض. وفي الإطار نفسه، كانت حكومة الوفاق قد طلبت فور انتهاء اجتماع جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، 21 إبريل الحالى 2019، للتباحث في تطورات القضية الفلسطينية، عقد اجتماع ثانٍ لمناقشة التطورات في ليبيا. وقد أيّدها في طلبها كل من تونس والجزائر وقطر. لكن مصر، وفق مصادر «الأخبار»، «قادت جبهة اعتراضية لإجهاض المشروع». وبما أن نظام «الجامعة» ينص على أن نصاب الجلسات يتأمن بحضور الثلثين، أي 14 دولة، لم تتحقق رغبة حكومة الوفاق، بعدما انضمت إلى مصر كلّ من السعودية والإمارات والبحرين وموريتانيا واليمن والأردن وجزر القمر. والحجة كانت أن «الدورة غير العادية مُخصّصة فقط لفلسطين، فضلاً عن أن الوضع في ليبيا هو عبارة عن نزاع داخلي»[10]. ويسعي النظام المصري إلى دعم حفتر نظراً لكونه يعتبر نفسه المحارب الرئيسى لجماعات الإسلام السياسى المتواجدة فى الغرب الليبى، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، وبحسب مصر والإمارات والسعودية، فهذه الجماعة من غير المقبول أن تكون لها مكان لا فى الحكومة ولا فى المعارضة ولا فى أى صورة. كما أن هناك احتياج مصري شديد للطاقة، وبالتالي فإن استقرار ليبيا تحت حكم شخص كحفتر قد يدعم كثيراً إمداد مصر بحاجتها من الوقود من مصدر قريب للغاية. فضلاً عن أن القاهرة تخشى من أن تتحول ليبيا إلى بؤرة للجماعات الإرهابية، خاصة مع مشاكل مصر في سيناء، وقلق القاهرة من تواجد عناصر من داعش في ليبيا، وهو ما استدعى تدخل مصر بشكل مباشر في عمليات عسكرية تمت في العمق الليبي للقضاء على هذه العناصر في عامي 2015 و2016[11]، وبالتالى فإن القاهرة تسعى إلى استنساخ تجربتها العسكرية فى ليبيا، والتى نجحت إلى حد بعيد فى القضاء على الإرهاب. إلا أن هناك انتقادات توجه لمصر فى مراهناتها على حفتر باعتباره هو من سيقوم بمحاربة الإرهاب، فحفتر بالتحديد لم يخض أي مواجهة عسكرية ذات قيمة ضدّ مسلحي هذا التنظيم الإرهابي، وإنّما كانت مواجهاته مع خصومه الذين تصدوا لـ"داعش"، حيث تمكّنت قوّات 17 فبراير، المدعومة من حكومة الوفاق الوطني من تطهير درنة ثمّ مصراتة من الوجود الداعشي في مايو 2016، كما تمكّنت تلك القوّات بعد ذلك بنحو شهر (على الرغم من قلّة الدعم الدولي لها، مقارنة بالدعم الكبير الذي يحظى به حفتر) من اقتحام مدينة سرت معقل "داعش" الرئيسي، وتطهيرها من الوجود الداعشي، في معركةٍ طاحنة، لم تحظَ بالتغطية الإعلامية التي تتناسب مع أهميتها[12]. (ج) الإمارات: تعتبر الإمارات أكبر الداعميين لحفتر، ومن أشد الدول المتحمسة لحملته العسكرية على طرابلس، ووصلت درجة الحماس تلك إلى حدوث خلاف مع الجانب المصرى، الذى كان يعترض على…

تابع القراءة

المشهد الأسبوعي 28 أبريل 2019

  المشهد الأسبوعي 28 أبريل 2019 أولاً المشهد الداخلي الاخوان واستفتاء تعديل الدستور: تحية إلى الشعب المصري وتأكيد علي بطلان "التعديلات"  أصدرت جماعة الإخوان المسلمين بياناً توجهت فيه بخالص "التحية والتقدير إلى الشعب المصري العظيم على دوره الوطني في فضح مسرحية العسكر الانتخابية، خلال مهزلة الاستفتاء على تعديل الدستور الانقلابي الباطل. فقد تأكد للكافة انصراف جماهير الناخبين عن المشاركة في هذا الاستفتاء؛ إيمانًا منهم ببطلان هذه العملية الانتخابية من الأساس، ناهيك عن افتقادها النزاهة والشفافية. وقد أثبت الشعب المصري – عبر هذا الدور – قدرته الواعية على إدراك وكشف الحيل الشيطانية التي مارستها الآلة الإعلامية لتزييف إرادته وأصواته، وهو ما شهد به العالم أجمع." وقد ثمنت الجماعة "كل الدعوات التي واجهت – وما زالت – هذه السلطة الانقلابية بكل الوسائل السلمية لفضحها شعبيًا ودوليًا." وأكدت أنه قد " حان الوقت ليتّحد الشعب المصري بكل قواه وفئاته على قلب رجل واحد ضد هذا الانقلابي الفاشل، حتى تسترد مصر حريتها وكرامتها واستقلالها".   –         الحشد القسري والرشاوي الانتخابية أبرز مشاهد الاستفتاء على التعديلات أكد مركز "تكامل مصر" لدراسات الرأي العام، قيام المصالح الحكومية والمصانع الخاصة بحشد بعض موظفيها قسريا للإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء. كما رصد المركز وجود سيارات يستقلها أفراد من الشرطة يأخذون البسطاء عنوة من مواقف السيارات والميادين العامة وأرصفة القطارات ويذهبون بهم للجان الاقتراع. كما رصد قلة الحشد المسيحي في عملية التصويت بخلاف ما كان سائدا في الفعاليات الانتخابية السابقة، ورغم إلحاح رجال الدين الأقباط على المجتمع المسيحي بضرورة النزول لتأييد التعديلات الدستورية[1]. كما تواترت الشهادات عن رشاوي انتخابية، تمثلت في الحصول على سلع تموينية مقابل التصويت في الاستفتاء[2]. كما انتشرت ظاهرة توزيع كوبونات سحب على أجهزة كهربائية ورحلات حج وعمرة مقدمة من عدد من رجال الأعمال الموالين للسلطة، وذلك في محافظات الغربية والبحيرة ودمياط والدقهلية. وانتشرت مقاطع فيديو من أمام اللجان توضح عملية السحب وتقديم الكوبونات. وكان "الوافدون" وهو التعبير القانوني الذي يطلق على الناخبين الذين يدلون بأصواتهم في لجان غير مقارهم الانتخابية الأصلية، من أبرز ملامح عملية التصويت، حيث لوحظ تنامي ظاهرة تجميع حراس العقارات والعاملين في المقاهي والعمال باليومية، خصوصاً في مجال البناء والمقاولات والحرفيين البسطاء، في الأحياء الراقية والمناطق البرجوازية، ونقلهم بواسطة حافلات مستأجرة من مدارس وشركات سياحة إلى اللجان الانتخابية الأقرب لمناطق تجمعهم وتمكينهم من التصويت مرة أو أكثر. في هذا السياق كشفت مصادر قضائية مطلعة على معلومات غرفة عمليات الهيئة الوطنية للانتخابات أن نسبة تصويت الناخبين الأصليين في اللجان العادية بعيداً عن الوافدين -حتى اليوم الثاني من انطلاق عملية التصويت- لا تزيد على 6%، واصفة إياها بـ"النسبة المخيبة للغاية"[3]. الاجبار على المشاركة في الاستفتاء على التعديلات، والرشاوى الانتخابية، وظاهرة الوافدين هي أبرز ملامح مشهد الاستفتاء على التعديلات الدستورية. هذا المشهد يؤكد أن النظام فقد الكثير من شعبيته، وهو في نفس الوقت يعلم أن شعبيته تراجعت، وأنه لم يعد يراهن على قبول الجماهير كمبرر لبقائه في السلطة. كما يثير هذا المشهد التساؤل عن غاية النظام من إجبار المواطنين على التصويت والمشاركة "بالترغيب أو بالترهيب" رغم علمه أن الناس رافضة للتعديلات وأن تمريرها بالضرورة سيكون عنوة وإكراهاً!! ويثير هذا المشهد قضية المقارنة بين نظام مبارك ونظام السيسي؛ فبينما اعتمد الأول على التزوير اعتمد الثاني على الإكراه في تمرير ما يرغب في تمريره. النظام يعلن نتيجة مزيفة للاستفتاء وشخصيات ومراكز بحثية تكشف التزوير أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات نتائج الاستفتاء على تعديل بعض مواد الدستور. بحسب الهيئة؛ فقد شارك في التصويت ٢٧.١٩٣.٥٩٣ شخص من أصل 61 مليون لهم حق التصويت. وأن ٢٣.٤١٦.٧٤١ شخصا صوتوا بـ" نعم"، بنسبة 88.83%، في حين صوت  ٢.٩٤٥.٦٨٠ مشاركا بـ"لا"، كما بلغ عدد الأصوات الباطلة ٨٣١.١٧٢ ألفا، بنسبة 3.06%[4]، فيما بلغ عدد الأصوات الصحيحة ٢٦.٣٦٢.٤٢١[5]. بينما يرى يرى المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام "تكامل مصر"[6]، أن حجم المشاركة الفعلية في الانتخابات حسب تقدير المركز 7 مليون 681 ألف 935 ناخب ، بنسبة مشاركة قدرها 12.52% من إجمالي المقيدين في الجداول الانتخابية والبالغ عددهم 61,344,503 ناخب. وأن نسب التصويت بالموافقة على التعديلات الدستورية 73.1% مقابل 19.6% قاموا برفض التعديلات، 7.3% قاموا بإبطال أصواتهم من إجمالي المشاركين في الاستفتاء. وأن نسبة التصويت بلجان الوافدين (المصوتين في غير اللجان المقيدين بها) 36% من إجمالي المشاركين بالاستفتاء. ويعكس ظهور هذه النتائج عن مؤسسات غير رسمية أن هناك طلباً على هذه النتائج غير الرسمية، وهذا الطلب يتناسب عكسياً مع ثقة الشارع في النظام، وبالتالي هو مؤشر آخر هام على تراجع شعبية النظام ومن ثم تآكل شرعيته.   –         تحت شعار "الحوار التأسيسي لإنقاذ مصر": أيمن نور يدعو 100 شخصية مصرية     لبدء حوار وطني وجه المرشح الرئاسي السابق، وزعيم حزب غد الثورة، أيمن نور، دعوة إلى 100 شخصية مصرية في الداخل والخارج بهدف "بدء حوار وطني حقيقي وجاد لإنقاذ مصر مما هي فيه، ومن أجل العمل على بلورة تصور شامل وواضح لكيفية إنهاء الأزمة الراهنة، وتشكيل بديل وطني مقبول داخليا وخارجيا".   وأشار إلى أن "الدعوة لا تعني مطلقا تشكيل تحالف سياسي أو كيان موحد للمعارضة، بل تنادي بضرورة سرعة أن تتداعى هذه الشخصيات والقامات الوطنية لحوار وطني في أقرب وقت، وفي أي مكان تراه مناسبا، ودون أي شروط مسبقة، ودون أي قيود أو فيتو على أي مقترح أو تصور يتوافق عليه الجميع".   ونوه إلى أنه سيسعى جاهدا إلى تفعيل دعوته للحوار الوطني على أرض الواقع خلال الفترة المقبلة، وسيبدأ التواصل مع الشخصيات التي ذكرها، مشيرا إلى أن دعوته ليس منغلقة على هذه الشخصيات فقط، بل منفتحة على جميع من لديهم أفكار وتصورات تساهم في إنقاذ الدولة المصرية من المصير المحتوم الذي تسير فيه وتتجه إليه.     وأكد أنه يتمنى أن يبدأ حوار الجماعة الوطنية المصرية، والذي أطلق عليه اسم (الحوار التأسيسي لإنقاذ مصر) قبل 30 يونيو المقبل، مؤكدا أن هناك اتصالات تحضيرية ستبدأ خلال الساعات المقبلة، مُعبّرا عن أمله في نجاح دعوته للحوار الوطني.  وفي حين عبرت شخصيات بارزة دعمها للمبادرة مثل الفنان عمرو واكد والسفيرين عبدالله الأشعل وإبراهيم يسري إلا أن شخصيات معارضة ومستقلة بارزة في الداخل انتقدت الدعوة مثل جورج اسحاق وعبدالعظيم حماد وآخرون من قيادات الحركة المدنية أو جبهة الانقاذ السابقة، وتركز النقد علي كونها ترتبط بالخارج وتشمل الاخوان المسلمين. –         المعارضة ومآلات الاستفتاء علي الدستور: احتفاء باعلان النظام عن وجود ثلاثة مليون صوت ضد التعديل والجدل حول المشاركة يرسخ انقسام رغم مؤشرات التقارب الأولية. دعت الحركة المدنية الديمقراطية المواطنين إلى المشاركة في الاستفتاء على التعديلات الدستورية، والتصويت برفضها، وذلك في مؤتمر صحفي نظمته الحركة، في مقر حزب تيار الكرامة. وفي تبرير المشاركة أعتبرت الحركة أن التصويت بالرفض يستهدف «تحريك الكتلة العازفة عن المشاركة…

تابع القراءة

المرحلة الأصعب فى السودان والجزائر

  المرحلة الأصعب في السودان والجزائر بقلم: حازم عبد الرحمن      دخل السودان والجزائر المرحلة الأصعب في طريق التحول الديمقراطي والانعتاق من حكم العسكر, بعد شهور من الحراك السلمي الذي نجح في عزل رئيسي الدولتين البشير وبوتفليقة , ومنعهما من تمديد حكميهما الذين أفقرا دولتين من أكثر الدول غنى وثراء, وهي فورة وعي جديرة بالتسجيل للشعبين اللذين لا تنقصهما مقومات النهضة الشاملة.    انت المحطات الأولى للنجاح مبشرة, إذ تغلب الحراك السلمي على الاستبداد, بالإصرار على رحيل رأس النظام في البلدين, لكن الأصعب من ذلك مواجهة الكتلة الصلبة في أنظمة الاستبداد وهي العسكر, الحاكم الفعلي برغم وجود قشرة مدنية, ذرا للرماد في العيون, فقد دأبت أنظمة الاستبداد العسكري في البلاد العربية على إيجاد قشرة مدنية للسلطة لتنفي عن نفسها صفة الحكم العسكري, ما يعني أيضا أن الجنرالات يتحرجون من إظهار قبضتهم على السلطة فيلجئون إلى "برافان" مدني .  بعد ظهور الثورات المضادة للربيع العربي, بات اللعب على المكشوف, وظهر واضحا أن العسكر لن يتنازلوا بسهولة إزاء المطالبة بالحرية والديمقراطية والحكم المدني, فكانت موجة الانقلاب على الربيع العربي في مصر وليبيا واليمن, دفاعا عن امتيازات الطبقة الحاكمة التي يمثل العسكر كتلتها الصلبة.   وما يجري الآن في السودان والجزائر يكشف عن جوهر مشكلات الشعوب العربية, وهو حكم العسكر, الذين يناورون للالتفاف على إرادة الجماهير وتفريغ مطلب الحرية من مضمونه, ففي السودان وبعد لغة التهديد مع اعتصام الثوار أعلن المجلس العسكري انحيازه إلى الثورة ضد البشير, الذي عين أعضاء المجلس وقادة الجيش المدينون له بالولاء, لكن الضرورة لها أحكام, وقد سبقهم نظراؤهم في مصر إلى هذا الطريق, حيث اجتمع المجلس الأعلى للقوات المسلحة بدون قائده الأعلى (المخلوع مبارك) ليعلن انحيازه لثورة 25 يناير, حتى يلتقط العسكر أنفاسهم من صدمة الثورة, ويعيدوا التخطيط من جديد لإحكام سيطرتهم على السلطة, وقد نجحوا في القيام بثورة مضادة, وتبخرت كلماتهم الرقيقة للشعب الذي لم يجد من يحنو عليه, على حد تعبيرهم.     وفي السودان تبدو ملامح سيناريو قريب من ذلك حتى الآن, حيث بدأ تراجع العسكر بخطاب منحاز إلى الثورة تغلفه عبارات الثناء على الشباب, وتهنئهم بالانتصار واقتلاع المستبد, وتدعوهم في النهاية إلى فض الاعتصام, وهي نسخة مما حدث في مصر إبان ثورة 25 يناير, لكن الفارق هنا أن السودانيين فطنوا مبكرا لخطة العسكر, واستوعبوا الدرس من التجربة المصرية في خطورة الانخداع بكلام العسكر المعسول, فكان الشد والجذب, والنقاش والمساومة, حتى الوصول إلى جوهر الأزمة, وهو ضرورة تسليم السلطة للمدنيين, إذ كيف يستقيم القول بنجاح الثورة وإسقاط النظام في حين أن من يحكم هم العسكر رجال النظام الذي سقط رأسه فقط ؟ ولماذا يبقي قادته ليعيدوا إنتاجه من جديد كما حدث في مصر؟.     لسيناريو نفسه يجري في الجزائر, فمن لغة التهديد ضد مطالب الحراك التي بدأ بها رئيس الأركان قايد صالح, محذرا ومتوعدا, إلى انحيازه لمطلب عزل بوتفليقة, بل توجيه اتهامات إلى عصابة الحكم ـ وكأنه ليس منها ـ متماهيا في ذلك مع شعارات المظاهرات الحاشدة, واستمرت المناورة ومحاولات الاستكشاف بين قيادة الجيش وجماهير الحراك إلى نفاد صبر رئيس الأركان, وعودته إلى لغة التهديد, ثم تراجعه عنها كما فعل من قبل, وهي لغة العسكر المتشابهة في مصر والسودان والجزائر.     قد تقدمت الثورة في السودان خطوة جديدة في المطلب الواضح بتسليم السلطة إلى حكومة مدنية والبدء في التحول الديمقراطي الحقيقي, بعيدا عن وصاية العسكر, بينما لم تصل الجزائر بعد إلى وقف وصاية الجنرالات على الدولة, وقد يكون إعلان رئيس الأركان قايد صالح استعداده قبول مقترحات لحل الأزمة بداية في هذا الطريق .   ما يزيد من صعوبة المرحلة المقبلة تربص محور الثورة المضادة الذي يقوده ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد وولي العهد السعودي محمد بن سلمان وقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي في القاهرة, بالإضافة إلى القوى الإقليمية والدولية التي يقلقها وجود حكومات منتخبة في الدول العربية, فهم من وقفوا وراء الانقلاب العسكري في مصر, وأشعلوا حربا في ليبيا بعد الاقتراب من اتفاق دولي على توحيد السلطة وإقرار السلام فيها, وكذلك فعلوا في اليمن الذي لم يعد سعيدا.       قد شكلت المشاهد المؤلمة من مآسي الثورة المضادة دروسا لن تنساها ذاكرة الشعوب العربية بسبب التآمر الخارجي لدعم العسكر في البقاء على رأس السلطة, مع ما يترتب على ذلك من خراب ودمار اقتصادي وسياسي واجتماعي, تتبدى صورته واضحة في مصر وليبيا.   وكان من أهم الدروس عدم الاستسلام لوعود الجنرالات الذين لا يرون في التحول الديمقراطي مكسبا أو إضافة إلى امتيازات طبقتهم التي ترى نفسها فوق الدولة.  ومنها كذلك الوعي بخطورة تدخل محور الثورة المضادة, فكانت الهتافات ضد الإمارات والسعودية وقائد الانقلاب في مصر.      ولا يتوقع أحد أن يرتدع محور الثورة المضادة عن محاولات إفساد الموجة الثانية من الربيع العربي في السودان والجزائر, لكن الشعوب هذه المرة زادت خبرة ومعرفة بما يجب أن يكون, فلا مغادرة للميادين إلا بترك العسكر الحكم, وعودتهم إلى ثكناتهم, ليحكم الشعب نفسه بنفسه, وهذه هي المرحلة الأكثر صعوبة من سابقتها التي شهدت إزاحة رأس النظام فقط, فالحرية والتحول الديمقراطي يحتاجان مزيدا من العمل والتضحية وتحقيق التوافق لترسيخ تجربة تعددية لم يسبق أن شهدتها البلاد العربية إلا في لمحات قصيرة من الزمن.                                                          .  

تابع القراءة

موجز المشهد السياسي الأسبوعي 21 أبريل 2019

 موجز المشهد السياسي الأسبوعي 21 أبريل 2019 أولاً : في السياق الوطني: –        بيان للإخوان المسلمين حول التعديلات الدستورية: أصدرت جماعة الإخوان المسلمين بياناً في السادس عشر من أبريل 2016 بياناً اعتبرت فيه ما يقوم به السيسى انقلابا جديدا و تضمن البيان دعوة للمقاطعة والاستمرار في المقاومة السلمية . ويخلص بيان الجماعة  علي التأكيد علي خياراتها الأساسية وهي: أولاً: استمرار رفض الانقلاب العسكري، وكل ما ترتب عليه من إجراءات باطلة، وتأكيد أن تلك التعديلات لا تمنح المُنْقلِبِينَ أية شرعية، فما بُنيَ على باطلٍ فهو باطلٌ، والشرعية فقط لاختيار الشعب. ثانياً ً: مواصلة المقاومة السلمية للانقلاب العسكري وطغمته الخائنة الفاسدة حتى إسقاط ذلك الانقلاب، وإعادة حقوق الشعب المختطفة وتحقيق أهداف ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011م، والتعاون في ذلك مع كل المخلصين من أبناء الوطن. ثالثًا: الثقة في وعي الشعب المصري، وقدرته على نزع أية شرعية يحاول الانقلابيون الحصول عليها، وذلك بمقاطعة هذه المسرحية. رابعًا: دعم كل الجهود المخلصة، التي يبذلها جميع المصريين في الداخل والخارج، من شتى الاتجاهات؛ لكسر الانقلاب وتحرير الوطن، وتجديد الدعوة للجميع بالتعاون والعمل المشترك – في المتفق عليه – من أجل الوطن.   –         التعديلات الدستورية والتشريع لبقاء الطاغية وموقف المعارضة: وافقت اللجنة التشريعية ببرلمان السلطة، وافق مجلس النواب على التعديلات الدستورية، ثم أجرى الاستفتاء عليها خارج البلاد أيام الجمعة 19، والسبت 20، والأحد 21 من أبريل 2019، وداخل البلاد أيام السبت 20، والأحد 21، والاثنين 22 أبريل، وستُعلن نتيجة الاستفتاء  فى 27 أبريل. وبحسب التعديلات التي أقرها البرلمان يصير بإمكان السيسي البقاء عامين إضافيين لفترته الحالية، ثم يحق له الترشح لست سنوات إضافية، ليكون موعد رحيله المفترض هو 2030، ومن الجدير بالذكر أن المعارضة  تباين موقفها بين التصويت بـ "لا" أو المقاطعة إلا أن انقسام المعارضة هو انقسام  محدود يدور حول شكل الرفض وليس خلاف حول جوهر القضية أو الموقف منها، إلى جانب ترحيب كل طرف بموقف الطرف الآخر والبعد على لغة أو خطاب التخوين. إضافة لذلك أطلق مصريون حملة تحت شعار "باطل" لجمع توقيعات لرفض تلك التعديلات إليكترونياً، وقد حصدت تلك الحملة  أكثر من 50 ألف توقيع، خلال الساعات الأولى من إطلاق الموقع، وقد تعرض الموقع  للحجب في داخل مصر أكثر من مرة وفق ما ذكر موقع "نيتبلوكس" فيما تبدو محاولة من السلطات للحيلولة دون تزايد التوقيعات.             –            على خطى مبارك.. السيسي يجند أبنائه للبقاء في السلطة نشرت التايمز البريطانية، تقرير لمراسلها في منطقة الشرق الأوسط، ريتشارد سبنسر، تحت عنوان "السيسي يجند أولاده لمساعدته على البقاء في السلطة حتى 2030"، كشف فيه عن المشاركة الكثيفة لأبناء الرئيس السيسي في إدارة البلاد خلال فترة الإعداد للتعديلات الدستورية التي يسعى الرئيس لتمريرها، وتخول له البقاء في السلطة حتى عام 2030. وعن موقع أبناء الرئيس في جهاز الدولة وأدوارهم، قال التقرير: أن "مصطفى" الابن الأكبر للرئيس، يشغل وظيفة عليا في هيئة الرقابة الإدارية. أما "محمود" وهو برتبة عميد في جهاز الاستخبارات، فيشرف على لجنة غير حكومية، تتولى مراقبة عملية تمرير التعديلات الدستورية. بينما "حسن" نجل السيسي الأصغر، فقد التحق مؤخراً بجهاز المخابرات العامة، بعد أن كان يعمل ي إحدى شركات البترول. المشهد الاقتصادي:           –            فى عهد الانقلاب : الاستمرار فى سياسات الاستدانة و إغراق مصر فى الديون بحسب ما أعلنه البرلماني المصري سعد بدراوي، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الحركة الوطنية، في المداخلة التي قام بها تحت قبة البرلمان المصري، وذلك في الجلسة التي عقدت بناءً عن طلب من الحكومة المصرية، قدمه وزير المالية، من أجل موافقة البرلمان على مبلغ 70 مليار من أجل استكمال فوائد الديون. فقد وصلت فوائد الدين هذا العام إلى 540 مليار في السنة، والتي تلتزم مصر بدفعها سنويا كفوائد فقط على المبلغ الإجمالي الذي استدانته مصر. وبذلك فقد زادت الفوائد على الديون من 200 مليار منذ ثلاثة أعوام لتصل إلى 540 مليار هذا العام، في مقابل 430 مليار في العام الماضي. إن استمرار سياسات الاقتراض من الخارج، والعجز التام عن توفير الإيرادات، وعدم القدرة على إيجاد حلول للمشاكل المتفاقمة، مع الزيادة المضطردة في العجز العام، واستمرارية إغراق مصر في الديون، وفقدانها القدرة على القيام بإصلاحات حقيقية، بجانب انعدام في الرؤى لوضع خطط تنموية. يمكن أن يقود اقتصاد البلاد إلى الانحدار من حالة الركود إلى حالة اكتئاب اقتصادي؛ وهو ما سيفتح الباب  لتبني مزيد من سياسات التقشف والافقار والخصخصة التي يمكن أن تطال بمرور الوقت أصول الدولة ذاتها. المشهد الأمني:           –            من يحاسب الداخلية.. الأمن يواصل تصفياته خارج إطار القانون. الداخلية تعلن قتل ستة مسلحين بمحافظة القليوبية تابعين لحركة "حسم" المصنفة إرهابية. وتعلن مصرع 11 إرهابياً في مداهمة خلية إرهابية في العريش بسيناء. كما أعلنت عن استهداف سيارة دفع رباعي كانت تقل أربعة مسلحين مسجلين جنائيا، هربوا من أحد الحواجز الأمنية بطريق البحر الأحمر – الأقصر، وجرى تبادل لإطلاق النيران، وفرت السيارة إلا أن رجال الأمن تعقبوها بعد دخولها إحدى القرى بمركز اسنا بصعيد مصر"، وأنه تم تبادل لإطلاق النيران مرة أخرى قتل على إثره أربعة عناصر إجرامية. هذه العمليات الأمنية التي وصل عدد ضحاياها إلى 21 شخص، تعتبر جميعها خارج إطار القانون؛ فلا يوجد ما يثبت صحة سردية وزارة الداخلية التي تبرر بها قتل هؤلاء الأفراد، خاصة مع حالة التعتيم التي تحيط بهذه العمليات، وخاصة مع حرص الجهاز الأمني على بقائه المصدر الوحيد للبيانات حولها. من جهة أخرى تغذي هذه العمليات مشاعر الثأر والانتقام؛ فيدخل المجتمع والدولة في دائرة من الانتقام والثأر لا تنتهي.   ثانياً المشهد الدولي والإقليمي : المعضلات الراهنة فى السودان و محددات مستقبل الثورة : هل تنجح الاحتجاجات في السودان في معالجة المشكلات التي انتفض المحتجون لوضع نهاية لها؟ أم تضيف الثورة فصل آخر لمأساة الانسان السوداني؟ ، للإجابة على هذا التساؤل نحاول الوقوف على أهم المعضلات الراهنة التي تمثل تحدي للثورة وبالتالي تمثل محدد رئيس لمستقبلها. أولاً: معضلات الداخل السوداني: أول تعقيدات المشهد السوداني يتمثل في فسيفساء قوى قيادة الحراك، أي قوى الحرية والتغيير التي تضم بداخلها قوى "نداء السودان" و"الإجماع الوطني" و"تجمع المهنيين" وغيرها، في مقابل المجلس العسكري الانتقالي الذي يتشكل من عشرة أشخاص، كلهم ينتمون للمؤسسة العسكرية باستثناء واحد أو اثنين من المؤسسة الأمنية. ثاني تعقيدات المشهد السوداني يتمثل في أزمة الثقة بين المجلس العسكري والثوار؛ فالثوار ينظرون للمجلس العسكري كامتداد لنظام البشير، خاصة مع مجهولية أليات عمل المجلس للثوار، حيث يغلفها الكثير الغموض. ثانياً: تحديات العلاقات الخارجية في مرحلة ما بعد البشير: إعادة رسم تحالفات السودان الخارجية: في الشهور التي سبقت رحيله، عمل الرئيس السوداني عمر البشير عمل على أن يبقي علاقته مع جميع دول المنطقة على مسافة واحد؛ فحاول…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022