من الاستغلال للصدام.. العلاقة بين السيسي والقوى العلمانية وسيناريوهات المسنقبل
من الاستغلال للصدام.. العلاقة بين السيسي والقوى العلمانية وسيناريوهات المسنقبل لم يكن انقلاب 03 يوليو 2013م كلاسيكيا بالمعنى المفهوم لانقلاب الجيوش خلال مرحلة الحرب الباردة في القرن العشرين؛ حيث يرسل الجيش ضابطا ترافقه قوة عسكرية صغيرة للسيطرة على مقر الإذاعة والتلفزيون لإعلان بيان الجيش الأول والذي عادة ما يطلقون عليه "بيان الثورة الأول" إمعانا في التضليل والخداع، بالتزامن مع استعراض قوة بالدبابات في الشوارع ومحاصرة مؤسسات الدولة وسفك الدماء إذا تطلب الأمر؛ هنالك الآن طريقة مختلفة وأكثر فاعلية، تتمثل في استعمال غطاء مدني، لتنفيذ انقلاب عسكري في القرن 21. إذ لم يعد كافيا أن يتحرك الجيش بمبادرة فردية منه ثم يتوقع الحصول على الدعم من المتفرجين المدنيين، فهؤلاء المدنيون وجب استعمالهم لإضفاء مسحة شعبية للتغطية على جريمة الانقلاب والتستر على ممارساته القمعية؛ ليكونوا جسرا يعبر من خلاله الجنرالات للسطو على الحكم من جديد وإعادة صياغة العلاقات المدنية العسكرية بما يحقق مصالح كبار القادة والجنرالات الذين تكون لهم عادة تشابكات مصالح مع قوى أجنبية ، ومنح القوى العلمانية التي شكلت غطاء مدنيا للانقلاب بعض الفتات ثم الرمي بها في أقرب سلة مهملات مع أول محطة خلاف بين الطرفين. وبالتدريج، انتهى المقام بمعظم الأحزاب العلمانية لأن تتخذ أحد ثلاثة مواقف[1] منذ انقلاب 2013: (1) الدعم الأعمى للدولة وللترتيبات السلطوية الجديدة التي وضعها الجيش قيد العمل. (2) التأييد العام للدولة مترافقاً مع محاولات للحفاظ على قدر من الاستقلال أو حيّز لانتقاد سياسات حكومية بعينها. (3) إدانة السيطرة العسكرية على العمل السياسي ومعارضة سياسات الحكومة. بيد أن أياً من هذه المواقف لم يمنع انهيار الدور السياسي للأحزاب العلمانية. ومرت العلاقة بين الجيش والقوى العلمانية بمراحل ثلاثة: أولا التحالف الوثيق الأولى هي التحالف الوثيق من أجل إسقاط المسار الديمقراطي والإطاحة بالرئيس المدني المنتخب وذلك في أعقاب فشل الدولة العميقة في فوز مرشحها أحمد شفيق في انتخابات الرئاسة 2012م وكذلك عدم قدرتها أو عدم رغبتها في احتواء الرئيس والمؤسسات المنتخبة عبر صيغة سياسية تقوم على المصالح المشتركة، وكذلك فشل القوى العلمانية في منافسة الإسلاميين منافسة سياسية شريفة تقوم على إقناع الناخبين ببرامجهم وأفكارهم فعملوا على التشكيك المتواصل والتشويه المستمر لنظام الرئيس محمد مرسي واختلاق الأكاذيب والافتراءات والمبالغة في تضخيم جوانب القصور والخطأ التي تعد أمرا طبيعيا في مرحلة سبقتها عقود من التجريف السياسي التي مرت بها البلاد منذ انقلاب 23 يوليو 1952م وعدم اكتساب أي قوة سياسية أو حزب سياسي أي خبرات تتعلق بالحكم وإدارة دواليب العمل الحكومي في ظل إصرار أركان الدولة العميقة على إعاقة التجربة وإفشال الرئيس ووأد المسار الثوري كله؛ فوجدت القوى العلمانية في ذلك فرصة للتحالف مع الدولة العميقة وتحريض المؤسسة العسكرية من أجل تنفيذ انقلاب عسكري ظنا منهم أن ذلك سوف يخلي الجو لهم للاستفراد بحكم البلاد حتى لو كان ذلك فوق ظهور الدبابات وليس بإرادة الناخبين وهو ما يمثل أكبر طعنة وجهتها هذه القوى لنفسها قبل أن توجهها لمصر أو الإسلاميين أو ثورة يناير. وفي انقلاب 03 يوليو، استخدم الجيش ما تسمى بالقوى المدنية "العلمانية" كما وظَّف المؤسسة الدينية في البلاد بشقيها الإسلامي والمسيحي من أجل اكتساب هذه المسحة الشعبية المفتعلة التي جاءت مدعومة بشكل واسع عبر تدخلات خارجية سافرة وتمويل واسع من الإمارات والسعودية وتدبير ورعاية من جانب الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية. وفي أعقاب نجاح الانقلاب في الإطاحة بالرئيس المدني المنتخب محمد مرسي واعتقال قادة الحكومة المنتخبة والحزب الحاكم، وإجهاض المسار الديمقراطي الوليد بعد ثورة 25يناير 2011م، وإمعانا في التضليل والخداع ألح الخطاب السياسي للجيش وأبواقه الإعلامية على أنهم فقط يستجيبون لما أسموها " مطالب الشعب" في انحياز صارخ وتوظيف للأقلية السياسية، وأنهم لا مطمع لهم في السلطة أو الحكم وأن بيان 30 يوليو هو تصحيح لمسار الثورة؛ وهو بالطبع ما ثبت كذبه، لكن الجيش كافأ القوى العلمانية التي مثلت غطاء مدنيا للانقلاب بأمرين مهمين: الأول هو تشكيل حكومة "علمانية" يقودها قيادات ما تسمى بجبهة الإنقاذ برئاسة الدكتور حازم الببلاوي القيادي بالجبهة والحزب المصري الديمقراطي كما تم تعيين الدكتور محمد البرادعي الواجهة المدنية الأكثر شهرة نائبا للمؤقت عدلي منصور ومستشارا لرئيس الوزراء للشئون الخارجية، إضافة إلى عدد من الوزراء والمستشارين منهم أحمد البرعي وكمال أبو عيطة ومنير فخري عبدالنور، وحسام عيسى وزياد بهاء الدين ومصطفى حجازي وسكينة فؤاد وأحمد المسلماني وغيرهم. وهي الحكومة التي تولت في 16 يوليو 2013م واتخذت قرارات وتشريعات ومواقف سيئة السمعة منها: 1) بعكس الإسلاميين الذين جاءوا إلى الحكم عبر انتخابات نزيهة وبأصوات الناخبين تولى العلمانيون الحكم على ظهر دبابات الجيش دون أن يمنحهم الشعب ثقته وهم الذين فشلوا في الفوز بثقة الشعب في ستة استحقاقات ديمقراطية نزيهة في المرحلة ما بين 11 فبراير 2011 حتى 30 يونيو 2013م. 2) وبعكس الدستور الذي تم الموافقة عليها شعبيا في عهد الإسلاميين والذي شارك فيه الجميع صياغة وتصويتا ووافق عليه الشعب بنسبة "64%" جاء دستور العسكر والعلمانيين في أجلى صور الإقصاء حيث استفرد به العلمانيون والموالون للجيش ولم يشارك فيه الإسلاميون؛ ولذلك تم تمريره في استفتاء صوري قاطعه أكبر الفصائل السياسية في البلاد بنسبة "98%". 3) تم في عهد هذه الحكومة ارتكاب أبشع المذابح الدموية في تاريخ مصر الحديث والمعاصر التي أفضت إلى مقتل آلاف الضحايا والأبرياء، كما حدث في ميدان رابعة العدوية[2] والنهضة ومصطفى محمود ومذبحة 6 أكتوبر بشارع التحرير بالدقي وغيرها، وتماديا في الإقصاء والعنصرية من جانب حكومة القوى العلمانية تم اعتبار جماعة الإخوان المسلمين وهي القوة الشعبية الأولى في البلاد التي فازت بثقة الشعب كيانا إرهابيا، كما تم تلفيق التهم للرئيس المنتخب وأركان حكومته وقادة حزب الحرية والعدالة الذي فاز بثقة الشعب لأنهم رفضوا الانصياع لهذا الانقلاب العسكري. 4) سن قانون منع التظاهر حيث وافق المؤقت عدلي منصور في 24 نوفمبر 2013 علي قانون قدمته له حكومة القوى (المدنيةالديمقراطية!) بخصوص "تنظيم حق التظاهر"، حيث يحتم القانون على من يريد التظاهر الحصول على ترخيص من وزارة الداخلية وإلا يتعرض لعقوبات من بينها الحبس، وهو القانون الذي أثار غضب مؤيدين ومعارضين للسلطات الحالية والذين تظاهروا ضد القانون ما أدى إلى حبس عدد منهم، من بينهم الناشطون أحمد ماهر وعلاء عبد الفتاح وأحمد دومة. 5) تحويل الحبس الاحتياطي[3] إلى عقوبة في حد ذاته وذلك بالموافقة على تعديل تشريعي على بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية بما يسمح بمد فترات الحبس الاحتياطي دون التقيد بالمدد المنصوص عليها في المادة 143 إذا كانت التهمة التي يحاكم بها عقوبتها الإعدام أو السجن المؤبد وهو القرار الذي أصدره عدلي منصور رقم 83 لسنة 2013م. 6) أصدر الببلاوي في 31 أكتوبر 2013، قرارا بعودة الشرطة للجامعات والتي كان قد تم منعها في أعقاب تنفيذ حكم المحكمة الإدارية العليا في 2011…