مظاهرات السترات الصفراء في لبنان .. ربيع عربي مصغر لكل الغاضبين!
مظاهرات السترات الصفراء في لبنان .. ربيع عربي مصغر لكل الغاضبين! بدأت مظاهرات فرنسا بعريضة توقيعات كتبتها "بيرسيليا لودوسكي" على شبكة الانترنت تطالب فيها بتخفيض أسعار الوقود، فكانت هذه العريضة هي شرارة لحركة الاحتجاجات التي اجتاحت فرنسا، بعدما وقع عليها مليون مواطن! "برسيليا لودوسكي" التي تبلغ من العمر 33 عاما، وتعمل في أحد البنوك، حددت بهذه العريضة هدف المتظاهرين الذين خرجوا بالآلاف، وهو رفضهم رفع أسعار الوقود، بعدما اشتكت هي من تدهور حياتها بعد رفع الحكومة أسعار المواصلات العامة عقب رفع سعر البنزين وتضرر ميزانيتها، ولكن مئات اللبنانيين الذين خرجوا يوم الاحد 23 ديسمبر 2018 للتظاهر مرتدين نفس سترات الفرنسيين الصفراء، كان لكل منهم هدف منفصل عن الاخرين، ولكنهم خرجوا معا لساحة الشهداء وسط بيروت تنفيسا لغضبهم جميعا. فالمتظاهرون منهم من خرج للاحتجاج علي تدهور المعيشة، ومنهم من خرج للاحتجاج على تأخر تشكيل الحكومة اللبنانية ما أثر على تدهور الخدمات، ومنهم خرج يطالب بخفض الضرائب على أسعار المحروقات، ومن يطالب بخطة صحية شاملة تشمل البطاقة الصحية، ومن يطالب بإعادة الفائدة على سندات الخزينة إلى ما كانت عليه بنسبة 7,5% بعدما صارت 10%!!. لهذا كان أفضل تعبير قاله أحد الشبان لوكالة "سبوتنيك" عن أهداف هذه المظاهرة هو قوله: "الكل حضر للتعبير عن وجعه". ورفع المتظاهرون، الذين ارتدى بعضهم سترات صفراء، تيمّنا بحركات "السترات الصفراء" في فرنسا، لافتات تفاوتت في شعاراتها بين "إسقاط النظام" و"مكافحة الفساد" و"إقرار قانون استرداد الأموال المنهوبة"، فيما رفع أحد المتظاهرين لافتة تطالب بـ "الإسراع في تشكيل الحكومة" وأخرى تدعو إلى "إسقاط الحكومة". وأحرقوا عدد من مستودعات النفايات، في علامة على احتجاجهم على عدم حل أزمة القمامة، التي اندلعت بسببها تظاهرات قبل عامين تقريبا كانت تهتف: "طلعت ريحتكم"!. وعلى وقع الهتافات الاحتجاجية، سار المتظاهرون من ساحة الشهداء، ينشدون المحتجون أغنية قديمة للفنان الراحل حسن علاء الدين، المعروف بلقب "شوشو"، تقول كلماتها "شحاين يا بلدنا، قالوا عنا شحادين… جوعانين يا بلدنا وما عنا رز ولا طحين"، للتعبير عن الهدف الاوسع للتظاهر وهو تدهور الحياة المعيشية. وتصاعدت حالة الغضب لدى الكثير من المتظاهرين عند وصولهم إلى ساحة رياض الصلح، حيث ردد بعضهم هتاف "ثورة… ثورة". وهذه المظاهرة اللبنانية من المظاهرات النادرة التي اتسمت بطابع عفوي، ولم تكن هناك جهة معينة دعت إليها، "فالكل حضر للتعبير عن وجعه، ولم يحركه أحد"، حسبما قال هذا الشاب، فالشعب موجوع، لذلك استجاب لدعوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعيدا عن التسييس الذي ألحق الضرر في السابق بالحراك المدني. لذلك لم يتبن أي طرف سياسي الدعوة إلى هذه التظاهرة، وقال المشاركون فيها إنهم تحركوا من تلقاء أنفسهم. والطريف أنه لم يصدر عن المنظمين أي بيان، أو كلمة مشتركة، بل اكتفى المتظاهرون برفع شعارات بمطالب معيشية، ثم قرر من نزلوا للشارع تأجيل التظاهر لحين انتهاء أعياد الميلاد ورأس السنة، على أن يُستأنف التحرك عقب الاحتفالات! وبدأت الدعوات للتظاهر منذ أسبوع على مواقع التواصل الاجتماعي عبر هاشتاج "#أنا_نازل_عالشارع"، وأقتبس بعض المشاركين فكرة "السترات الصفراء" الفرنسية، ليرفعوا شعارات تتعلق بالحقوق ومقومات العيش الكريم. وجاء اصطدام بعض المتظاهرين بالقوى الأمنية والجيش، بعد محاولات بعضهم تجاوز الحواجز الحديدية التي تفصل المتظاهرين عن مقر الحكومة، وقطع طرق أساسية في العاصمة، ثم انتقلت عدوى التظاهر من بيروت إلى باقي المناطق اللبنانية، مثل صور وصيدا والنبطية جنوب لبنان، وطرابلس في الشمال لكن بأعداد أقل. بلا حكومة منذ 7 أشهر! يشهد لبنان أزمة سياسية حادة تحول دون تشكيل حكومة جديدة منذ 7 أشهر كاملة، بعد تحول الحكومة الحالية إلى تصريف الأعمال على أثر إجراء الانتخابات البرلمانية في البلاد في مايو 2018. وكُلف سعد الحريري في 24 مايو الماضي بإعادة تشكيل الحكومة الجديدة في أعقاب إجراء الانتخابات النيابية، غير أن الخلافات بين الفرقاء السياسيين حول الحصص الوزارية وحجم ونوعية الحقائب تعرقل الانتهاء من التأليف الحكومي، وأرجع الرئيس اللبناني ميشيل عون، في اخر تصريح خلال عيد الميلاد، سبب عدم تشكيل الحكومة حتى الآن إلى ما اسماه "معركة سياسية"، و"تغييرًا في التقاليد والأعراف". وجاءت المظاهرات لتدق ناقوس الخطر من تدهور احوال البلاد في ظل تأخر تشكيل الحكومة بسبب الخلاف بين الاطياف المختلفة علي حصص مقعد الوزارة، وتحذر من ثورة في الشارع يقودها الحزب الشيوعي غير الممثل في الحكومة ولكنه لعب دورا في حشد المئات من اللبنانيين في المظاهرات الاخيرة. وبسبب هذا "الخطر الشيوعي" الذي أوقظ بعض السياسيين، كما تقول صحف لبنانية، جرت محاولة لحلحلة تشكيل الحكومة بعد المظاهرات ولكنها سرعان ما فشلت في تحريك ملف تشكيل الحكومة المعقد. ولبى الآلاف من المواطنين اللبنانيين دعوة الحزب الشيوعي اللبناني إلى النزول إلى الشارع ضمن الداعين للخروج في مظاهرات الاحد الماضي رفضاً لسياسات الحكومة ولمواجهة الانهيار الاقتصادي في لبنان، واستقطب بذلك اعداد من اللبنانيين ما اقلق السياسيين اللبنانيين. وساعده علي ذلك أن لبنان يعاني وطأة الديون وانخفاض معدل النمو الاقتصادي، وهناك حاجة لتشكيل حكومة لتنفيذ إصلاحات مطلوبة منذ فترة طويلة، بهدف وضع الدين العام على مسار مستدام. ولاقت مشاركة الحزب (الشيوعي) الذي لم يدخل السلطة يوما أو بالأحرى أسقط في العديد من المرات في الانتخابات مباشرة أو من خلال قوانين انتخابية، في مظاهرة الاحد صداها في لبنان وخصوصا من السياسيين لهذا تحرك المعسكر السني وطرح حلا لتشكيل الحكومة ولكنه حل سرعان ما رفضه الاخرون من المعسكر الماروني ليستمر عرقلة تشكيل الحكومة للعام المقبل 2019. ويري سياسيون لبنانيون أن أحد أبرز مزايا هذه المظاهرات هو تخويف الاطياف اللبنانية من أن الحل لعدم تشكيل الحكومة هو "ربيع لبناني" يستغله ايضا الحزب الشيوعي وينضم له كل الغاضبين يدفع لبنان نحو أزمة أعمق، خاصة أن تشكيل الحكومة يتم بتدخل عواصم عربية وغربية مختلفة تلعب دورا هاما في ذلك، ما دفع اللبنانيين للتحرك داخليا والاحتجاج علي رهن شئون بلادهم ومشاكلها للخارج. وظل لبنان، بأوضاعه الامنية وتشكيلة حكوماته، وصراعاته الداخلية، اشبه بميزان سياسي حساس يمكن من خلاله معرفة حجم التوازنات الإقليمية والدولية، باعتبار أن بيروت تشكل ارض "وكلاء" عديدون، عرب وأجانب، يمارسون معاركهم وصراعاتهم هناك. وجاءت خسارة "سعد الحريري"، أكثر من ثلث مقاعده التي راح معظمها إلى حلفاء حزب الله السنة، في الانتخابات الاخيرة بمثابة هزيمة لكفيله السعودي أيضا، وللنفوذ السعودي في لبنان، متأثرا بالحصار الذي تعاني المملكة منذ أزمة قتل الصحفي خاشقجي والضغوط الهائلة على الرياض التي اضعفت نفوذها الاقليمي واضعفته بشدة، وبالمقابل شكلت انتصار لوكلاء حزب الله (إيران وسوريا). وأثر ذلك على التشكيل المعتاد للحكومة، بسبب تفتت الاصوات السنية بين حلفاء حزب الله السنة وحلفاء الحريري والسعودية. فتراجع حصة تيار المستقبل وزعيمه رئيس الوزراء سعد الحريري، رغم احتفاظه بزعامة الطائفية السنية على مستوى البلاد، أثر على تقلص عدد كتلته البرلمانية التي كانت حوالي 32 نائبا الي 21 نائبا، وبالمقابل، رفع "التيار الوطني الحر"…