مظاهرات السترات الصفراء في لبنان .. ربيع عربي مصغر لكل الغاضبين!

مظاهرات السترات الصفراء في لبنان .. ربيع عربي مصغر لكل الغاضبين!   بدأت مظاهرات فرنسا بعريضة توقيعات كتبتها "بيرسيليا لودوسكي" على شبكة الانترنت تطالب فيها بتخفيض أسعار الوقود، فكانت هذه العريضة هي شرارة لحركة الاحتجاجات التي اجتاحت فرنسا، بعدما وقع عليها مليون مواطن! "برسيليا لودوسكي" التي تبلغ من العمر 33 عاما، وتعمل في أحد البنوك، حددت بهذه العريضة هدف المتظاهرين الذين خرجوا بالآلاف، وهو رفضهم رفع أسعار الوقود، بعدما اشتكت هي من تدهور حياتها بعد رفع الحكومة أسعار المواصلات العامة عقب رفع سعر البنزين وتضرر ميزانيتها، ولكن مئات اللبنانيين الذين خرجوا يوم الاحد 23 ديسمبر 2018 للتظاهر مرتدين نفس سترات الفرنسيين الصفراء، كان لكل منهم هدف منفصل عن الاخرين، ولكنهم خرجوا معا لساحة الشهداء وسط بيروت تنفيسا لغضبهم جميعا. فالمتظاهرون منهم من خرج للاحتجاج علي تدهور المعيشة، ومنهم من خرج للاحتجاج على تأخر تشكيل الحكومة اللبنانية ما أثر على تدهور الخدمات، ومنهم خرج يطالب بخفض الضرائب على أسعار المحروقات، ومن يطالب بخطة صحية شاملة تشمل البطاقة الصحية، ومن يطالب بإعادة الفائدة على سندات الخزينة إلى ما كانت عليه بنسبة 7,5% بعدما صارت 10%!!. لهذا كان أفضل تعبير قاله أحد الشبان لوكالة "سبوتنيك" عن أهداف هذه المظاهرة هو قوله: "الكل حضر للتعبير عن وجعه". ورفع المتظاهرون، الذين ارتدى بعضهم سترات صفراء، تيمّنا بحركات "السترات الصفراء" في فرنسا، لافتات تفاوتت في شعاراتها بين "إسقاط النظام" و"مكافحة الفساد" و"إقرار قانون استرداد الأموال المنهوبة"، فيما رفع أحد المتظاهرين لافتة تطالب بـ "الإسراع في تشكيل الحكومة" وأخرى تدعو إلى "إسقاط الحكومة". وأحرقوا عدد من مستودعات النفايات، في علامة على احتجاجهم على عدم حل أزمة القمامة، التي اندلعت بسببها تظاهرات قبل عامين تقريبا كانت تهتف: "طلعت ريحتكم"!. وعلى وقع الهتافات الاحتجاجية، سار المتظاهرون من ساحة الشهداء، ينشدون المحتجون أغنية قديمة للفنان الراحل حسن علاء الدين، المعروف بلقب "شوشو"، تقول كلماتها "شحاين يا بلدنا، قالوا عنا شحادين… جوعانين يا بلدنا وما عنا رز ولا طحين"، للتعبير عن الهدف الاوسع للتظاهر وهو تدهور الحياة المعيشية. وتصاعدت حالة الغضب لدى الكثير من المتظاهرين عند وصولهم إلى ساحة رياض الصلح، حيث ردد بعضهم هتاف "ثورة… ثورة". وهذه المظاهرة اللبنانية من المظاهرات النادرة التي اتسمت بطابع عفوي، ولم تكن هناك جهة معينة دعت إليها، "فالكل حضر للتعبير عن وجعه، ولم يحركه أحد"، حسبما قال هذا الشاب، فالشعب موجوع، لذلك استجاب لدعوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعيدا عن التسييس الذي ألحق الضرر في السابق بالحراك المدني. لذلك لم يتبن أي طرف سياسي الدعوة إلى هذه التظاهرة، وقال المشاركون فيها إنهم تحركوا من تلقاء أنفسهم. والطريف أنه لم يصدر عن المنظمين أي بيان، أو كلمة مشتركة، بل اكتفى المتظاهرون برفع شعارات بمطالب معيشية، ثم قرر من نزلوا للشارع تأجيل التظاهر لحين انتهاء أعياد الميلاد ورأس السنة، على أن يُستأنف التحرك عقب الاحتفالات! وبدأت الدعوات للتظاهر منذ أسبوع على مواقع التواصل الاجتماعي عبر هاشتاج "#أنا_نازل_عالشارع"، وأقتبس بعض المشاركين فكرة "السترات الصفراء" الفرنسية، ليرفعوا شعارات تتعلق بالحقوق ومقومات العيش الكريم. وجاء اصطدام بعض المتظاهرين بالقوى الأمنية والجيش، بعد محاولات بعضهم تجاوز الحواجز الحديدية التي تفصل المتظاهرين عن مقر الحكومة، وقطع طرق أساسية في العاصمة، ثم انتقلت عدوى التظاهر من بيروت إلى باقي المناطق اللبنانية، مثل صور وصيدا والنبطية جنوب لبنان، وطرابلس في الشمال لكن بأعداد أقل. بلا حكومة منذ 7 أشهر! يشهد لبنان أزمة سياسية حادة تحول دون تشكيل حكومة جديدة منذ 7 أشهر كاملة، بعد تحول الحكومة الحالية إلى تصريف الأعمال على أثر إجراء الانتخابات البرلمانية في البلاد في مايو 2018. وكُلف سعد الحريري في 24 مايو الماضي بإعادة تشكيل الحكومة الجديدة في أعقاب إجراء الانتخابات النيابية، غير أن الخلافات بين الفرقاء السياسيين حول الحصص الوزارية وحجم ونوعية الحقائب تعرقل الانتهاء من التأليف الحكومي، وأرجع الرئيس اللبناني ميشيل عون، في اخر تصريح خلال عيد الميلاد، سبب عدم تشكيل الحكومة حتى الآن إلى ما اسماه "معركة سياسية"، و"تغييرًا في التقاليد والأعراف". وجاءت المظاهرات لتدق ناقوس الخطر من تدهور احوال البلاد في ظل تأخر تشكيل الحكومة بسبب الخلاف بين الاطياف المختلفة علي حصص مقعد الوزارة، وتحذر من ثورة في الشارع يقودها الحزب الشيوعي غير الممثل في الحكومة ولكنه لعب دورا في حشد المئات من اللبنانيين في المظاهرات الاخيرة. وبسبب هذا "الخطر الشيوعي" الذي أوقظ بعض السياسيين، كما تقول صحف لبنانية، جرت محاولة لحلحلة تشكيل الحكومة بعد المظاهرات ولكنها سرعان ما فشلت في تحريك ملف تشكيل الحكومة المعقد. ولبى الآلاف من المواطنين اللبنانيين دعوة الحزب الشيوعي اللبناني إلى النزول إلى الشارع ضمن الداعين للخروج في مظاهرات الاحد الماضي رفضاً لسياسات الحكومة ولمواجهة الانهيار الاقتصادي في لبنان، واستقطب بذلك اعداد من اللبنانيين ما اقلق السياسيين اللبنانيين. وساعده علي ذلك أن لبنان يعاني وطأة الديون وانخفاض معدل النمو الاقتصادي، وهناك حاجة لتشكيل حكومة لتنفيذ إصلاحات مطلوبة منذ فترة طويلة، بهدف وضع الدين العام على مسار مستدام. ولاقت مشاركة الحزب (الشيوعي) الذي لم يدخل السلطة يوما أو بالأحرى أسقط في العديد من المرات في الانتخابات مباشرة أو من خلال قوانين انتخابية، في مظاهرة الاحد صداها في لبنان وخصوصا من السياسيين لهذا تحرك المعسكر السني وطرح حلا لتشكيل الحكومة ولكنه حل سرعان ما رفضه الاخرون من المعسكر الماروني ليستمر عرقلة تشكيل الحكومة للعام المقبل 2019. ويري سياسيون لبنانيون أن أحد أبرز مزايا هذه المظاهرات هو تخويف الاطياف اللبنانية من أن الحل لعدم تشكيل الحكومة هو "ربيع لبناني" يستغله ايضا الحزب الشيوعي وينضم له كل الغاضبين يدفع لبنان نحو أزمة أعمق، خاصة أن تشكيل الحكومة يتم بتدخل عواصم عربية وغربية مختلفة تلعب دورا هاما في ذلك، ما دفع اللبنانيين للتحرك داخليا والاحتجاج علي رهن شئون بلادهم ومشاكلها للخارج. وظل لبنان، بأوضاعه الامنية وتشكيلة حكوماته، وصراعاته الداخلية، اشبه بميزان سياسي حساس يمكن من خلاله معرفة حجم التوازنات الإقليمية والدولية، باعتبار أن بيروت تشكل ارض "وكلاء" عديدون، عرب وأجانب، يمارسون معاركهم وصراعاتهم هناك. وجاءت خسارة "سعد الحريري"، أكثر من ثلث مقاعده التي راح معظمها إلى حلفاء حزب الله السنة، في الانتخابات الاخيرة بمثابة هزيمة لكفيله السعودي أيضا، وللنفوذ السعودي في لبنان، متأثرا بالحصار الذي تعاني المملكة منذ أزمة قتل الصحفي خاشقجي والضغوط الهائلة على الرياض التي اضعفت نفوذها الاقليمي واضعفته بشدة، وبالمقابل شكلت انتصار لوكلاء حزب الله (إيران وسوريا). وأثر ذلك على التشكيل المعتاد للحكومة، بسبب تفتت الاصوات السنية بين حلفاء حزب الله السنة وحلفاء الحريري والسعودية. فتراجع حصة تيار المستقبل وزعيمه رئيس الوزراء سعد الحريري، رغم احتفاظه بزعامة الطائفية السنية على مستوى البلاد، أثر على تقلص عدد كتلته البرلمانية التي كانت حوالي 32 نائبا الي 21 نائبا، وبالمقابل، رفع "التيار الوطني الحر"…

تابع القراءة

صناعة القرار السياسي في عهد السيسي .. محاولة للفهم

 صناعة  القرار السياسي في عهد السيسي .. محاولة للفهم   في أعقاب انقلاب 03 يوليو 2013م الذي قاده الجنرال عبدالفتاح السيسي على المسار الديمقراطي في مصر ، باتت صناعة القرار السياسي المصري مرهونة بعاملين مهمين: الأول يتعلق بماكينة وآليات صناعة القرار التي تأسست في ظل نظام دولة "23"يوليو، والذي يقوم على توسع نفوذ المؤسسة العسكرية والبيروقراطية المصرية العتيقة المصبوغة بالنكهة العسكرية عبر العقود الست الماضية. والثاني يتعلق بالنفوذ الأمريكي وعمق الاختراق الذي أحدثته اتفاقية السلام مع الكيان الصهيوني برعاية أمريكية سنة 1979م، وتوغل النفوذ الأمريكي ببطء وتدرج للسيطرة على صناعة القرار  داخل المؤسسة العسكرية المصرية والتي تمثل اللاعب الرئيس في تشكيل  وصناعة توجهات السياسة العامة المصرية. بل خلق ركائز جديدة تضاف إلى الركائز التي صنعها نظام 23 يوليو وباتت وظيفة النظام المصري هي ضمان المصالح الأمريكية وحماية أمن الكيان الصهيوني. كلا العاملين صنع عدة ركائز  أساسية في التوجهات العليا للسياسة المصرية ودور ووظيفة النظام السياسي الحاكم وملامحه وسماته المطلوبة حتى يكون قادرا على تنفيذ هذه السياسات وحماية تلك الركائز. لكن ثورة 25 يناير 2011م،  أحدثت تهديدا مباشرا لهذه الإستراتجيات العليا التي صنعتها دولة العسكر  واتفاقية السلام التي تسلل منها الأمريكان إلى عمق صناعة القرار المصري؛  حيث أدخلت الشعب كعامل رئيس في صناعة القرار وهو التهديد الذي قوبل بمناورات ومؤامرات محلية وخارجية عديدة لإجهاض هذا التوجه الجديد نحو الديمقراطية ومشاركة الشعب في صناعة القرار واختيار حكامه؛ وهو ما تم تتويجه بانقلاب 03 يوليو 2013م، الذي أعاد للمؤسسة العسكرية احتكارها المطلق للمشهد المصري بكل أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية كما أفضى كذلك إلى بروز الدور الإماراتي وتأثيراته على صناعة القرار المصري من خلال المشاركة الفعالة في صناعة الانقلاب لإعادة الحالة المصرية على ماكانت عليه قبل يناير 2011م. وأمام فشل نظام 30 يونيو في تحقيق أي  نجاحات في ملفات السياسة والاقتصاد وغيرها واعتماده بشكل كامل على القروض والمنخ؛ باتت للدول والمؤسسات الدولية المانحة إسهاما بشكل مباشر أو غير مباشر في صناعة توجهات السياسة المصرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية أيضا.   دولة الضباط والموظفين تشكلت عناصر صناعة القرار في دولة "23"يوليو من الضباط والتكنوقراط المدنيين والموظفين ثم دخل على الخط رجال الأمن والأعمال في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك ؛ وأدى التفاعل بين هذه المكونات إلى تشكيل شبكة مصالح أو بالأدق "مافيا" هي ما نطلق عليه "الدولة العميقة"؛ وصاحب ذلك عبر العقود الست الماضية إصرارٌ على إبعاد السياسيين عن دائرة المشاركة في صناعة القرار؛ ما أسهم في تجريف الحالة السياسية وعدم إنتاج قيادات سياسية قادرة على التعامل مع الأزمات بشكل علمي صحيح؛ وهو ما تجلي بوضوح بعد الأطاحة بمبارك فلم تجد الثورة ساسة قادرين على إدارة المرحلة بشكل سياسي محنك؛ لذلك جاءت معظم اختيارات الحكومات في هذه المرحلة من دولاب البيرقراطية العتيقة في امتداد واضح لنفس السياسات التي كانت قائمة قبل الثورة. لقد كانت السمة الرئيسية في دولة يوليو هي إبعاد السياسيين عن الحكم والإدارة خلال العهود الثلاثة: عبدالناصر والسادات ومبارك، وسواء كان الحكم يتم من خلال نخبة رجال الجيش والبيروقراطية فقط أم كان يضاف إليهم رجال الأعمال ورجال الأمن في بعض الأحيان، فإن السياسيين الذين يجب أن يكون دورهم بالأساس الحكم أو محاولة الوصول إليه لإدارة جهاز الدولة تم اقصائهم نهائيا عن هذا الدور، لـقد فشل نظام يوليو فى تحقيق التنمية «الاشتراكية» والتنمية «الرأسمالية» على السواء لأنه أصر على إحالة السياسيين إلى التقاعد وعلى خلق طبقة سياسية جديدة تتشكل أساسا من الضباط والموظفين. وإزاء هذه المعطيات تأصل في الأهداف العليا للسياسة المصرية عدة ركائز: أولا، ضرورة أن يكون الرئيس عسكريا، كما في الأسر المالكة التي تقوم على توريث الملك. ولا يقبل النظام مطلقا وجود رئيس من خارج الأسرة الحاكمة "الجيش في الحالة المصرية". ثانيا، ضرورة توزيع المناصب الحساسة في البلاد على أبناء هذه الأسرة "الجيش في الحالة المصرية وكذلك مؤسسة الأمن والتكنوقراط الموالين لهذه الأجهزة". ثالثا، كما تركزت صناعة القرار  في الديكتاتور "عبدالناصر/ السادات/ مبارك…) وباتت مؤسسات القوة من الجيش والمخابرات وأجهزة الأمن هي المشارك الرئيس في صناعة القرار والتي تقدم المعلومات والتوصيات والمقترحات للديكتاتور وهم غالبا شخصيات خافية ليست معروفة للمواطنين. رابعا، يختفي تماما أي دور أو إسهام للحكومة الرسمية من رئيس للحكومة والوزراء والمحافظين في صناعة القرار إلأ القرارات الدنيا التي لا تؤثر في السياسات العامة للدولة وتحدد إستراتيجيتها وتوجهاتها فهؤلاء "الحكومة الرسمية" مجرد سكرتارية لا دور ولا إسهام لهم في صناعة  القرار  إلا تنفيذ "توجيهات  الرئيس". خامسا، استقلالية المؤسسة العسكرية في إدارة شئونها بعيدا عن رقابة الشعب وفق معادلة تقوم على حماية رأس النظام الذي يكون بالضرورة من أبناء المؤسسة مقابل بسط المؤسسة نفوذها وعدم التدخل في شئونها ما دامت تؤدي  الأدوار المنوطة بها في حماية رأس النظام ودعم توجهاته وسياساته.   الاختراق الأمريكي أحدثت اتفاقية السلام التي أبرمها الرئيس الأسبق أنور السادات سنة 1979م، مع الكيان الصهيوني برعاية أمريكية اختراقا عميقا تمكن الأمريكان من خلاله وعبر العقود الثلاث الماضية من التسلل وصولا إلى التحكم في مفاصل صناعة القرار المصري ورسم السياسات العليا للبلاد بما يجعل من البوصلة المصرية متجة باستمرار نحو قبلة واشنطن ترعى مصالحها وتحمي امتيازاتها وتمثل عرابا لسياساتها في المنطقة مع ضمان حماية أمن الكيان الصهيوني. من البداية أدركت واشنطن أن الهيمنة على المؤسسة العسكرية المصرية هو الضمان للسيطرة على مفاصل النظام المصري، وهو ما تحقق عبر آلتين: الأولى من خلال المعونة الأمريكية والمساعدات العسكرية التي تصل إلى "1,3" مليار دولار سنويا ففي حين تراجعت قيمة المساعدات الاقتصادية المقدمة للشعب من "800" مليون دولار إلى "250" مليونا فقط.. بقيت المساعدات العسكرية المقدمة للجيش كما هي "1.3" مليار دولار سنويا ما يؤكد الاهتمام الواسع من جانب الإدارة الأمريكية بالجيش باعتباره المهيمن على صناعة القرار السياسي بينما بقي الشعب خارج الممعادلة تماما. أما الآلية الثانية، فتتعلق باعتماد تسليح الجيش المصري كليا على منظومة السلاح الأمريكي؛ حتى باتت واشنطن قادرة على إصابة منظومة السلاح المصري بالشلل من خلال التحكم الإلكتروني من جهة وقطع الغيار من جهة ثانية. ونجحت أمريكا بذلك في تحقيق السيطرة شبه المطلقة على أهم مؤسسات القوة في مصر ، كما نجحت في إخضاع السياسات المصرية العامة لتوجهات ومصالح السياسات الأمريكية على المستويين المحلي والإقليمي؛ بل في تحديد وظيفة النظام المصري بما يخدم مصالح الولايات المتحدة الأمريكية القائمة على عدة ركائز: أولا، ضمان حماية أمن "إسرائيل"، واستمرار تفوقها على جميع بلدان المنطقة، كأهم الأولويات. ثانيا، ضمان استمرار ضخ الوقود العربي للولايات  المتحدة الأمريكية والغرب عموما وبأسعار مناسبة كأولوية ثانية. ثالثا، العمل على بقاء المنطقة رهينة للسياسات الأمريكية التي تملك مفاتيح القرار  في المنطقة و99% من أوراق اللعبة السياسية بحسب تصريحات الرئيس الأسبق محمد أنور السادات. وهو ما يفسر …

تابع القراءة

يراءة المتهمين في “التمويل الإجنبي”.. الأبعاد والدلالات السياسية

 يراءة المتهمين في "التمويل الإجنبي"..  الأبعاد والدلالات السياسية   أخيرا .. أُسْدِلَ الستار على قضية "التمويل الأجنبي" التي فجرها المجلس العسكري في يوليو 2011م، بعد الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك بشهور قليلة؛ وأصدرت الدائرة 15 بمحكمة جنايات جنوب القاهرة يوم الخميس 20 ديسمبر 2018م، حكمها في إعادة المحاكمة في القضية رقم 173 لسنة 2011، المعروفة بـ «منظمات المجتمع المدني»، ببراءة جميع المتهمين الـ 43 الذين سبق وصدر بحقهم أحكام في يونيو 2013م. وكانت محكمة النقض قد قضت بإعادة محاكمة 16 متهما أمام دائرة أخرى بمحكمة الجنايات لكن الأخيرة قررت إعادة محاكمة جميع المتهمين وبحسب تصريحات المستشار محمد علي مصطفى الفقي  فإن حكم البراءة صدر لصالح جميع المتهمين الـ43 بما فيهم من كانوا يحاكمون غيابيًا. القضية من الألف إلى الياء سياسية بامتياز؛ فجرها المجلس العسكري لتوظيفيها سياسيا خلال الفترة الانتقالية التي تلت ثورة 25 يناير، لكنها تحولت إلى فضيحة من العيار الثقيل للعسكر في أعقاب تهريب المتهمين الأجانب في مارس 2012م، ثم الحكم في يونيو 2013م؛  وتجميدالقضية  بعد ذلك عدة سنوات وتوظيفها سياسيا لابتزاز  وتهديد معارضين للنظام من التيارين الليبرالي واليساري بضمهم للقضية أو التهديد بضمهم ، ثم إعادة المحاكمة بعد ضغوط خارجية من الولايات المتحدة الأمريكية والمانيا وصولا إلى محطة البراءة التي تمثل في حقيقة الأمر صفعة للجنرال عبدالفتاح السيسي زعيم الانقلاب العسكري باعتباره من تولى تفجير القضية منذ البداية ثم الانصياع للضغوط الخارجية في النهاية. ويبقى القضاء الشامخ في هذه المسرحية الهزلية يقوم بدور "الكومبارس"  منصاعا في كل محطاتها لتوجهات السلطة السياسية الممثلة في الجيش سواء كان المشير محمد حسين طنطاوي في عهد المجلس العسكري أو الجنرال السيسي في مرحلة ما بعد انقلاب 03 يوليو 2013م. من جانبها اعتبرت  صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية "قرار تبرئة متهمي قضية التمويل الأجنبي يضع نهاية لقضية دامت 7 سنوات وكان بمثابة شوكة في العلاقات المصرية مع الولايات المتحدة" مشيرة إلى أن من بين المنظمات التي تأثرت بذلك "المعهد الديمقراطي الوطني" ، :المعهد الجمهوري الدولي" و"مؤسسة كونراد أديناور" ، وهي منظمة ألمانية. موضحة أن القضية طفت على السطح مجددا في أغسطس 2017م في أعقاب قرار وزير الخارجية الأمريكي السابق ريكس تيلرسون بتجميد 290 مليون دولار من مساعدات الولايات المتحدة لمصر احتجاجا على الانتهاكات الحقوقية وقمع المجتمع المدني. إضافة إلى الضغوط التي مارستها المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل لرفع الحظر المفروض على مؤسسة كونراد إديناور في مصر.[1] بدورها أشادت منظمة العفو الدولية بالحكم، ووصفت القضية من الأساس بالوهمية التي استهدفت المدافعين عن حقوق الإنسان لمجرد قيامهم بعملهم المشروع، وما كان يجب أن تحدث في المقام الأول". مشيرة إلى أن هذا الحكم يتعلق فقط بالمرحلة الأولى من القضية التي حققت في تمويل المنظمات الدولية، ولا يزال التحقيق جاريا مع المنظمات غير الحكومية المصرية المحلية، وما زال العشرات من الموظفين عرضة للخطر"[2].   "6" محطات فاصلة أولا، تفجرت القضية في يوليو 2011، حيث طلب المجلس العسكري والأجهزة الأمنية  من وراء ستار من الحكومة وزارة العدل تشكيل لجنة تقصي حقائق مختصة بالتمويلات اﻷجنبية التي تتلقاها منظمات مجتمع مدني، وهي اللجنة التي طلبت معاونة من وزارة التخطيط والتعاون الدولي، ووزارة التضامن الاجتماعي، وجهاز اﻷمن الوطني، والمخابرات العامة، ووزارة الخارجية. وقتها، صرحت وزيرة التخطيط والتعاون الدولي، فايزة أبو النجا، والتي كان لها دور مهم في تحريك القضية بأن قرار الحكومة بتشكيل تلك اللجنة «يأتي استجابة للرأي العام المصري الرافض لمثل هذا التمويل واعتباره تدخلًا في الشأن الداخلي المصري». وانقسمت القضية إلى شقّين، خُصص أولهما للمنظمات الأجنبية العاملة في مصر، وهو الذي أصدرت جنايات القاهرة حكمًا فيه. أما الشق الثاني فيخص المنظمات المحلية، والذي لا يزال قيد التحقيق. من جانبها، حددت لجنة تقصي الحقائق أسماء أكثر من 30 منظمة محلية ودولية زعمت أنهم كانوا يقومون بأنشطة: سياسية، واجتماعية، واقتصادية، وخيرية، دون الحصول على ترخيص بذلك. ثانيا، في ديسمبر 2011 اقتحمت أجهزة المخابرات والأجهزة الأمنية مقرات 17 من منظمات المجتمع المدني الدولية العاملة في مصر، واحتجزت عددًا من العاملين فيها وصادرت متعلقاتهم. قبل أن تحيل النيابة 43 من العاملين في تلك المنظمات للمحاكمة أمام محكمة الجنايات في فبراير 2012، بتهم: تلقي الأموال من الخارج «بقصد ارتكاب عمل ضار بمصلحة قومية أو المساس باستقلال البلاد أو وحدتها» وإدارة جمعيات بدون ترخيص. ثالثا، مورست ضغوط أمريكية شديدة على المجلس العسكري من جانب الإدارة الأمريكية، ورغم القرار القضائي بمنع المتهمين من السفر  إلا أنه تم تهريب 17 متهما أجنبيا في فضيحة من العيار الثقيل كان بطلها المجلس العسكري والمستشار عبدالمعز إبراهيم رئيس استئناف القاهرة الذي اتخذ قرار  إخلاء سبيلهم بكفالة مليوني جنيه؛ في مخالفة صارخة للقانون الذي ينص على ضرورة أن يكون القرار من القاضي الذي أصدر قرار المنع ويمارس التحقيقات في القضية. رابعا، في 4 يونيو 2013، أصدرت جنايات القاهرة حكمها اﻷول في القضية، بالسجن خمس سنوات لـ 27 متهمًا غيابيًا، وسنتين لخمس متهمين حضوريًا، وسنة مع إيقاف التنفيذ لـ 11 آخرين. وقضت المحكمة كذلك بحَلّ فروع المنظمات الأجنبية المتهمة في القضية وهي: المعهد الجمهوري الأمريكي، والمعهد الديمقراطي الأمريكي، ومنظمة فريدوم هاوس، ومنظمة المركز الدولي الأمريكي للصحفيين، ومنظمة كونراد الألمانية، وإغلاق جميع فروعها في مصر، ومصادرة أموالها وأوراقها بالكامل وجميع ما تمّ ضبطه بهذه الفروع.  وهو الحكم الذي يمثل التوقيت فيه بعدا سياسيا لا تخفى دلالته حيث كان يستهدف تشويه صورة نظام الرئيس محمد مرسي وتحريض الأجواء الدولية ضده قبل الانقلاب بأسابيع قليلة والذي جرى بعد شهر واحد فقط من الحكم. خامسا، في اﻷول من فبراير 2018 بدأت محكمة النقض في نظر طعن المتهمين على الحكم السابق، لتقرر، في 5 أبريل الماضي، قبول طعن 11 متهمًا وإلغاء حكم الجنايات بحقهم، وإعادة إجراءات محاكمة باقي المتهمين. وفي 8 يوليو الماضي بدأت الدائرة العاشرة بمحكمة جنايات جنوب القاهرة أولى جلسات إعادة المحاكمة. سادسا، انقسمت القضية إلى شقّين، خُصص أولهما للمنظمات الأجنبية العاملة في مصر، وهو الذي أصدرت جنايات القاهرة حكمًا فيه بالبراءة لجميع المتهمين في 20 ديسمبر 2018م. أما الشق الثاني فيخص المنظمات المحلية، والذي لا يزال قيد التحقيق!.[3]   الأبعاد السياسية أولا، حكم البراءة يعكس عمق التأثير الأمريكي في القرار المصري، منذ البداية وحتى النهاية، مرورا بجميع محطات القضية المهزلة، فبعد شهرين فقط من انتداب قاضيي التحقيق، أمرا بإحالة 43 متهماً للمحاكمة، لكن وقبل بدء المحاكمة رسمياً تدخّل رئيس محكمة استئناف القاهرة الأسبق، عبد المعز إبراهيم، وأحال الأوراق إلى دائرة غير مختصة واستصدر منها حكماً عاجلا وقتها بإخلاء سبيل المتهمين الأجانب فقط والسماح لهم بالسفر، فغادروا القاهرة على متن طائرة أميركية خاصة، في أول مارس 2012. وظلّ المتهمون المصريون وحدهم في القضية التي استمرت جلساتها حتى صدر حكم إدانة جميع المتهمين فيها في يونيو 2013….

تابع القراءة

مع الحدث: خلاف تركيا وأمريكا بشأن الأكراد

 مع الحدث: خلاف تركيا وأمريكا بشأن الأكراد   على الرغم من الهدوء النسبي الذي ساد العلاقات التركية الأمريكية بعد الإفراج عن القس الأمريكي المتهم بالمشاركة في الانقلاب على النظام التركي، إلا أن تطورات الأوضاع على الحدود التركية السورية، قد يعيد إلي الأجواء من جديد، خاصة بعد إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده ستنفذ في غضون أيام عملية جديدة في سوريا ضد المقاتلين الأكراد، المدعومين من الولايات المتحدة، وتحذير البنتاغون، تركيا من أن أي هجوم قد تشنه ضد الأكراد في شمال سوريا سيكون "غير مقبول". إذ قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، الكابتن شون روبرتسون، إن "إقدام أي طرف على عمل عسكري من جانب واحد شمال شرقي سوريا وبالأخص في منطقة يحتمل وجود طواقم أميركية فيها، هو أمر مقلق للغاية". وقد سبق هذا التحذير تصريحات امريكية لطمأنة تركيا ومطالبتها بإبلاغ الولايات المتحدة بأي خروقات علي حدوده من قبل المقاتلين الأكرد. وتعكس التصريحات الأمريكية رغبة واشنطن في تهدئة الأجواء مع تركيا، وفي نفس الوقت منعها من تهديد حلفائها الأكراد في الشمال السوري، ولكن يبدو من تصريحات الرئيس أردوغان أن هناك تهديد للحدود التركية، وخوف من تزايد النفوذ الكردي في تلك المنطقة، مما قد يؤثر على المصالح التركية في تلك المنطقة. كما تعكس التصريحات الأمريكية كذلك رغبتها في حماية نفوذها وحلفائها الأكراد في تلك المنطقة حتى ولو كان ذلك على حساب الأتراك، إلا أنها في نفس الوقت لا تريد استفزازهم بالشكل الذي يمثل خطورة على مصالحهم في سورية، ولذلك حرصوا على تحذير الرئيس التركي من مغبة القيام بأي عمل عسكري من جانب واحد. وهناك سيناريو عن الرؤية الأمريكية يروج له البعض يعتقد أن هناك انتظار الوقت المناسب لإخراج تركيا من كامل الأراضي السورية، واستعادة السيطرة من خلال الأكراد علي منطقة إدلب، حتى تصبح سورية مقسمة ما بين الشمال السورى الموالي لأمريكا والجنوب الموالي لروسيا، إلا أن ما يعوق ذلك حتى الآن هو استمرار الوجود الإيراني المؤثر في الشمال السوري، والخوف من ترك الساحة خالية للإيرانيين المتعاونين مع الروس في سورية، لذلك فإن من مصلحة الولايات المتحدة الحفاظ علي شراكتها مع الأتراك باعتبار أنها تمثل حتى الآن رمانة الميزان في مواجهة الحلف الروسي الإيراني في سورية. لذلك يتوقع البعض ألا يصعد الرئيس أردوغان وأن يكتفي بالتهديد باجتياح منبج حتى يطمأن على عدم قيام المقاتلين الأكراد بأي عمليات عسكرية تضر بالأمن التركي وبالوجود العسكري التركي في سورية.

تابع القراءة

الجدل حول الهوية على ضوء مشروع قانون حذف خانة الديانة

 الجدل حول الهوية على ضوء مشروع قانون حذف خانة الديانة   للمرة الثانية في أقل من عامين يتقدم أحد نواب ائتلاف دعم مصر الداعم للسيسي، النائب إسماعيل نصر الدين، بمشروع قانون لمجلس النواب، يطالب فيه بحذف خانة الديانة من المحررات الرسمية وبطاقات الرقم القومي. وذلك بعد اعتراض لجنة الشؤون الدينية بالبرلمان على مشروع مماثل قدمه عضو الائتلاف أيضاً علاء عبد المنعم عام 2016، وسبق لنفس اللجنة رفض قرار جامعة القاهرة بإلغاء خانة الديانة من محرراتها الرسمية[1]. وبالتالي فمشروع القانون، والمرجح رفضه من ذات اللجنة، هو محطة أخرى في مسلسل الصراع بين الدولة ومؤسسة الأزهر ومؤيديها. ويظهر لدينا هنا سؤال الدافع وراء إعادة طرح مشروع القانون إن كان المتقدم به على علم برفض اللجنة الدينية في البرلمان. فهل هي رسالة من نواب للنظام تجدد إعلان تبعية البرلمان للنظام وتوجهاته –حتى لو كانت للاستهلاك الإعلامي- في مسألة تجديد الخطاب، أم أن مشروع القانون نوع من المزايدة، أم كان محاولة من النظام لاستدراج الأزهر ورجاله لجولة صراعية جديدة، قد خطط النظام نهايتها مقدماً، أو أن مشروع القانون محاولة "للصيد في الماء العكر" قام بها أحد علمانيو المجلس مستغلاً السخونة التي لم تهدأ بعد، والناجمة عن حالة التصعيد التي كانت بين الأزهر والرئيس في احتفالية المولد النبوي. أم أن مشروع القانون استمرار لسياسات الإلهاء التي يستخدمها النظام في صرف أنظار المجتمع عن مشكلاته الحقيقية، وفي نفس اوقت رسالة للخارج بأن النظام ومؤسساته مصممان على السير في طريق تجديد الخطاب الديني. سنحاول في هذه السطور، الوقوف على تعاطي الأزهر، والمؤسسة الدينية المسيحية، مع مشروع القانون المقدم، ثم نعرج على الدوافع الحقيقية للمشروع المقدم. موقف الأزهر من القانون: نص تقرير هيئة كبار العلماء بشأن الرأى الشرعي وعواقب إلغاء خانة الديانة، وهو التقرير المقرر إرساله للجنة الدينية، والتى كانت قد خاطبت شيخ الأزهر؛ للمساندة في موقفها الرافض لإلغاء خانة الديانة فى عام 2016، إلى أنه لا يوجد نص صريح من القرآن والسنة المحمدية يحرم أو يبيح وضع خانة الديانة من عدمه. إلا أن التقرير أشار إلى دعم الأزهر لرفض إلغاء خانة الديانة، من خلال تأكيده على أن وضع الديانة في البطاقة الشخصية سيساعد على كشف الديانات الأخرى غير السماوية، وحماية المجتمع من علاقة المصاهرات المخالفة، مؤكدًا على أنها منفذ لنشر العقائد الشاذة الهدامة المخالفة للديانات القومية مثل البهائية والقرآنية والشيعة، وبالتالي سيصعب رصد معتنقي هذه العقيدة قبل الزواج مما سيساعد على زيادة معدلات الطلاق داخل المجتمع، كما أن ذلك سوف يصب في صالح معتنقي تلك المذاهب. وأضاف الأزهر أن وجود خانة الديانة أمر مهم عند الزواج، والطلاق، كذلك عند الوفاة حتى يتم دفنه وفقا للدين الذي يعتنقه كل شخص، كما تترتّب عليها أوضاع قانونيّة عدّة مثل الشهادة في المحاكم، والّتي لا تقبل بشهادة غير المسلم في المسائل الشرعيّة والأحوال الشخصيّة للمسلمين مثل إثبات جريمة الزنا أو الطلاق[2]. يبدو تقرير هيئة كبار العلماء أقل حدة من حيث اللغة المستخدمة، بما يعكس رغبة الهيئة في التهدئة، والنأي عن العودة لمربع الصراع، ويظهر ذلك في تأكيده أن خانة الديانة في بطاقات الهوية، لم يتطرق إليها النص الديني الصريح؛ وبالتالي فهي خاضعة لميزان المصلحة والمفسدة. وهي قاعدة تفتح المجال لدخول أطراف غير المؤسسة الدينية في الوصول لقرار. بعد ذلك عاد بيان الهيئة يؤكد أن كبار العلماء يرجحون الإبقاء على خانة الديانة، لما في إلغائها من مفاسد، ذكر البيان منها "أن وجود خانة الديانة أمر مهم عند الزواج، والطلاق، كذلك عند الوفاة حتى يتم دفنه وفقا للدين الذي يعتنقه كل شخص، كما تترتّب عليها أوضاع قانونيّة عدّة مثل الشهادة في المحاكم". كما ألمح البيان إلى أن المستندات التى تثبت الشخصية والهوية للإنسان أمور دنيوية تنظمها الدولة وفقا للقانون والدستور، وأن الشرع مع تطبيق القانون والدستور طالما هناك ضرورة ملزمة لوجوده ويصب في صالح تماسك المجتمع، والبعد عن إثارة الفتنة بين الناس، ومن هنا فإن الشرع يبيح الإجراءات التى يتخذها ولى الأمر لضبط أمور الرعية، والخروج على تلك الإجراءات بقرارات استثنائية أمر لا يجوز شرعا. وهو ما يمكن اعتباره محاولة لخطب ود النظام، وتوجيه رسالة مفادها أن الأزهر لا ينازع النظام هيمنته، ما دام النظام يحفظ للناس دينهم الذي يرعاه الأزهر.  وقد استخدم التقرير مفهوم ولي الأمر الذي يعني الباس لباس الشرعية الدينية للسيسي. موقف المسيحيين من القانون: على الرغم من أن المسيحيين كانوا أكثر حرصاً من غيرهم على إظهار هويتهم برسم الصلبان على أيدهم بشكل واضح، وارتداء السلاسل التي تحوي صلبان بارزة، بالإضافة لإظهار الصور الخاصة بالرموز القبطية في منازلهم وأماكن عملهم[3]. إلا أن الكنيسة لم تعلق بالسلب أو بالإيجاب على مشروع القانون وكأنها تعلم أن الأزهر والمجتمع سيخوضون نيابة عنها معركة الحيلولة دون تمرير القانون؛ فتتحقق غايتها وفي نفس الوقت تظل بعيداً عن التجاذبات بين النظام والقوى الدينية. الأغرب أن رغم الجدالات التي أثارها مشروع القانون، والتي مثلت وجبة دسمة للنوافذ الإعلامية "قنوات وصحف"، إلا أن أحد هذه النوافذ لم يحاول استبيان موقف الكنيسة من الجدل الدائر، وكأن هناك اتفاق عام على إبعاد الكنيسة، وعدم توريطها في جدالات، يجب أن تكون المؤسسات الدينية الإسلامية، هي حاملة لواء المحافظة فيها، لتكال لها منفردة اتهامات الرجعية وتغذية التطرف.    أسباب إثارة مشروع القانون حالياً: تجديد البيعة للنظام: الدورة الحالية هي الأخيرة في عمر البرلمان، ما يدفع كثير من النواب لتجديد بيعتهم للنظام الحاكم الذي لم يعد خافياً موقفه السلبي من الثوابت الدينية، ما يجعل النواب يزايدون على كل ما هو متعلق بالشأن الإسلامي، مثل أزمة النقاب والآن أزمة خانة الديانة[4]. إلهاء الرأى العام: حيث يهدف النظام إلى إثارة القضايا الدينية، التى تثير اهتمام الرأى العام، ما يشغل الناس عن الظروف المعيشية الصعبة بفضل سياسات النظام. خاصة أن مشروع القانون جاء بعد وقت قصير من مشروع قانون النائبة غادة عجمي بحظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة والمصالح الحكومية. كسب ود الخارج: يهدف السيسى إلى خطب ود الدول الغربية، والظهور أمامها بأنه راعى العلمانية فى مصر، ولديه القدرة على إصدار وإلغاء قوانين راسخة منذ سنوات لم يكن لأحد القدرة على الاقتراب منها. ويستهدف السيسي التقارب مع الحركات الحقوقية والاتجاهات العلمانية التي تدعم منع التمييز الديني فمثل تلك التشريعات المرتبطة بحذف خانة الديانة ستجر دعماً من بعض القوي الحقوقية الدولية المعنية بقضية التمميز الديني، وهو ما يصرف  أنظار هذه الدول عن الانتهاكات البشعة لحقوق الإنسان السياسية والاجتماعية والاقتصادية. خاصة أن البرلمان الأوروبي قد تبنى قرارًا يدين ما أسماه «الانتهاكات المستمرة للحقوق الديمقراطية الأساسية في مصر»، مطالبًا الحكومة المصرية بإنهاء حملتها ضد المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والنشطاء والأقليات والمجتمع المدني[5]. صفحة جديدة في ملف الخلاف بين الأزهر والسيسى: خاصة أن مشروع القانون يأتى فى ظل حالة…

تابع القراءة

بعدإفشال الموجة الأولى .. هل تتنصر «يناير» في الجولة المقبلة ضد العسكر؟

 بعدإفشال  الموجة الأولى .. هل تتنصر  «يناير»  في الجولة المقبلة ضد العسكر؟   واقع الأمر أن ما حدث منذ يونيو ويوليو 2013 ليس نهاية الطريق. فلكل ثورة ثورتها المضادة. وما حدث يمثل مرحلة واحدة في طريق طويل، ونتيجة منطقية لما زرعته النخب من أخطاء.  لقد كانت مقدمات الانهيار واضحة وتم التحذير منها، والأهم أنه كان من الممكن تفاديها لو قرأت القوى السياسية الواقع جيدا واستوعبت دروس التغيير الأخرى.   فلا فراغ في السياسة وكل ما نشهده من أحداث وظواهر ليس أمرا حتميا أبدا.  وبرغم عودة القبضة الأمنية بشكل شرس، إلا أن الثورة زرعت في نفوس الناس قيمتين أساسيتين، لا يمكن إزالتهما بسهولة، الأولى هي أن بإمكان الجماهير إسقاط النظام متى تكتلوا ضده، والثانية أن الثورة أظهرت للناس قيمة الحرية، ومن ذاق الحرية يوما يكون مستعدا للتضحية بكل شيء لاستردادها والحفاظ عليها. والمقدمات التي أدت إلي ثورة يناير لا زالت موجودة بل صارت أكثر  سوءا.   يعزز اندلاع موجة ثانية للثورة أن معدلات وعي المصريين تجاه خطورة بقاء واستمرار نظام الانقلاب الذي قاده الجنرال عبدالفتاح السيسي ضد المسار الديمقراطي منتصف 2013م،  تزايدت بمستويات قياسية تفوق الوصف والتوقع، وتآكلت شعبية النظام على وقع القمع الأمني والتدهور الاقتصادي والانفراد بالسلطة واحتكار السياسة والاقتصاد والإعلام، بصورة لا تحتاج إلى برهان؛ ونظرا لكثرة الأخطاء والانتهاكات التي ارتكبت منذ 30 يونيو، فإن أعداد الغاضبين اليوم والواعين بأهمية التغيير تتزايد، وهي بشكل عام تتجاوز بكثير أعداد الغاضبين قبل 25 يناير 2011، وما التغيير إلا مسألة وقت. والقمع يؤخر الانفجار ويرفع تكلفة الثورة فقط لا غير، لأننا في زمن صار فيه الشباب أكثر وعيا وأكثر مهارة في استخدام أدوات السماوات المفتوحة. كما أن إخفاق المرحلة الأولي لثورة يناير، يشير إلى أننا على موعد مع موجة ثورية جديدة ستكون أكثر راديكالية في وسائلها وأهدافها، وستسهم في تخليص مصر والمنطقة العربية كلها من الإستبداد والفساد داخليا ومن التبعية والهيمنة خارجيا.[1] في كل الأحوال، الثورة  ليست نزهة يمكن أن نحدد نقطة انطلاق ومسار محدد لها مسبقا ، وليست مسارًا خطيًا له بداية ونهاية بقدر كونها عملية تفاعلية معقدة قد تتناوبها متتالية من الإنجازات والإخفاقات ويبقى التاريخ وتبقى المعرفة لتخبرنا دومًا أننا لسنا أول من يخوض الطريق ولن نكون آخر من يصل. «فالإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الدولة في الفترة الأخيرة هي الأعنف منذ قرارات السادات بتحرير الأسعار في يناير 1977، والتي أدت بشكل مباشر لانتفاضة الخبز، بينما لم تُنتج ردود أفعال جماهيرية تتناسب مع طبيعة القرارات الأخيرة. والملاحظ أنه في الآونة الأخيرة بدأ يتردد سؤال “لماذا لا تتحرك الجماهير؟” مع كل موجة ارتفاع للأسعار أو أي قرار بزيادة قيمة أي من الخدمات أو السلع. حتى أصبح ترديد هذا السؤال يذَّكرنا بسؤال شبيه قبل ثورة يناير وهو “لماذا لا يثور المصريون؟”، حيث لم تتأخر الإجابة عليه كثيرًا»[2].   مشاهد العنف والدماء والاستبداد بعد انقلاب 03 يوليو 2013م؛ دفعت الإذاعة الألمانية "دويتشه فيله"[3] إلى التنبؤ  في نهاية 2014وليس 2018 بالثورة المقبلة في تقرير لها تؤكد فيه أنه «قد يسير الوضع على ماهو عليه لبعض الوقت، فمصر تحولت منذ مدة إلى دولة بوليسية. بيد أن الوضع المزري للاقتصاد ولحقوق الإنسان وتراجع قطاع السياحة واعتماد البلاد على أموال الخليج، بالإضافة إلى التضامن الأخير بين الإسلاميين واليساريين والليبراليين، من شأنها أن تترجم حالات الاستياء المتراكمة عاجلا أم آجلا إلى احتجاجات واسعة: الانتفاضة المقبلة إنما هي مسألة وقت فقط».   نفس الأمر توقعته صحيفة "الجارديان" البريطانية، في أبريل 2018م، بعد مسرحية الرئاسة الماضية، حيث اعتبرت افتتاحية الصحيفة فوز السيسي بفترة ولاية ثانية تدميرا لما تبقى من الديمقراطية، وأن السيسي الذي يرفع شعار "الاستقرار" لا يدفع مصر إلا نحو الأسوأ؛ وأن سوء الإدارة الاقتصادية والفساد والإذعان لشروط صندوق النقد بتخفيض الدعم وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب وسوء التعليم هي ضمانات فعلية لاستمرار  الفوضى مستقبلا؛  وأنه ـــ بحسب  الجارديان ـــ عندما يضاف إلى هذا المزيج ولع «السيسي» بعمليات الإعدام الجماعي، وعمليات الاعتقال، والاعتداءات الجارفة على الحريات المدنية، فلا عجب أن يتوقع المحللون أن تتجه مصر إلى ثورة أخرى[4].   يناير  ليست بدعا من الثورات تجارب الشعوب تؤكد أن طريق الثورات ليس مفروشا بالورود، بل مخضب بالضحايا والآلام وصولا إلى الحرية المنشودة والعدالة  المأمولة والاستقرار  الحقيقي. وهذه عدة نماذج من تجارب ثورات الشعوب التي تتبوأ حاليا  مكانة فريدة بين شعوب الأرض وحازت على حريتها واستقلالها ومشاركة شعوبها في صناعة القرار  واختيار حكامها وفق أدوات الديمقراطية وآلياتها.[5]   في  ألمانيا، مثلاً، احتاجت بعد ثورة الإصلاح الديني، التي اندلعت في القرن السادس عشر، إلى ثورة ثانية في العام 1848، بغرض التخلّص من الحكم الملكي، بعد التخلص من الاستبداد الكنسي، وإقامة الدولة القومية، وتعزيز الحريات السياسية. مع ذلك فإن هذه الثورة لم يكتب لها النجاح، بسبب تدخّل الدول المجاورة وعدم التوافق الداخلي، مما أدى إلى عودة القوى الأرستقراطية إلى الحكم، وهو الوضع الذي مهّد لمجيء بسمارك وإقامة الدولة القومية الألمانية.   وبالنسبة للثورة الأميركية، ومع أنها كانت موجهة لتحقيق الاستقلال عن “التاج البريطاني” (وهو ما حصل في 1783) إلا أنها كانت أكبر  وأخطر من ذلك بكثير، إذ نتج عنها إقامة الولايات المتحدة الأميركية، كدولة ديمقراطية على أساس فيدرالي وعلى قاعدة فصل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية (كما جاء في دستور 1787). لكن الولايات المتحدة احتاجت بدورها إلى حرب أهلية (بين الشمال والجنوب) لإلغاء نظام الرقّ، وهي حرب استمرت عدة أعوام (1860-1865)، وتكلّفت مقتل 620 ألف جندي ومدني، نصفهم هلكوا بسبب ما جرّته الأحداث من خراب ومجاعات. كما احتاجت إلى ثورة أخرى تمثلت هذه المرّة بثورة مواطنيها السود ضد التمييز العنصري (1954 و1968) من أجل الحقوق المدنية والمساواة، وهي الثورة السلمية التي قادها بشجاعة مارتن لوثر كينغ، مدعوما بعشرات الملايين من الأميركيين السود.   وتعتبر الثورة الفرنسية، وشعاراتها “الحرية والإخاء والمساواة”، والتي استمرت وقائعها عشرة أعوام (1789-1799) أيقونة الثورات الأوروبية، كون تأثيراتها عمّت القارة وشمل إشعاعها العالم. وقد ابتدأت هذه الثورة بإلغاء الملكية المطلقة، والامتيازات الإقطاعية للطبقة الأرستقراطية، والنفوذ الديني الكاثوليكي، وتوحيد السوق الوطنية، ووضعت أسس الديمقراطية السياسية وأعلنت حقوق الإنسان، وأقرّت الزواج المدني. لكن هذه الثورة شهدت اضطرابات شديدة، إذ عرفت ثلاثة أنواع من الحكم في سنوات معدودات، أولها الملكية الدستورية (حيث تم تقييد سلطة الملك)، وثانيها إقامة نظام جمهوري متشدّد بعد أن تم تنفيذ حكم الإعدام بالمقصلة بالملك لويس السادس عشر (1893)، وثالثها، سيطرة البرجوازية على الحكم، حيث استعانت بعدها بالضابط نابليون بونابرت الذي قام بدوره بتتويج نفسه إمبراطوراً فيما بعد. وعموماً، فقد احتاجت فرنسا إلى عديد من الثورات (1848 و1870) كي تنصّب نفسها كدولة ديمقراطية ليبرالية، فضلا عن العديد من الحروب التي خاضتها خارج أراضيها للدفاع عن ثورتها.   أما الثورة الاشتراكية…

تابع القراءة

مظاهرات “الخبز” ضد البشير…تداعيات سودانية ومخاوف مصرية

 مظاهرات "الخبز" ضد البشير…تداعيات سودانية ومخاوف مصرية   يباع رغيف "الخبز المدعم" في السودان بجنية سوداني أي قرابة 38 قرشا مصريا، وبجواره يباع "خبر تجاري" بـ 3 و5 و7 جنية سوداني في المحال التجارية للقادرين، وبسبب الازمة الاقتصادية التي تداهم البلاد منذ استقلال جنوب السودان وسيطرته على حقول النفط في البلاد، سعت الحكومة – مثلما تفعل مصر – لتخفيض الدعم على الخبز تدريجيا عبر السماح للأفران ببيع الخبز غير المدعم بـ 3 جنيهات.   وحين بدأت السلطات بتسعير الخبز بالسعر التجاري الجديد في مدينتين فقط هما عطبرة وبورتسودان وفوجئ أهالي المدينتين باختفاء الخبز المدعم وعدم توافر سوي الخبز التجاري بدأت احتجاجات السودان التي امتدت تدريجيا لمدن اخري منها الخرطوم ووصلت الي مسافة كيلو متر من القصر الرئاسي وسط هتافات "الشعب يريد اسقاط النظام" و"ارحل"، وقتلت قوات الامن 8 سودانيين خلال تصديها لجحافل المحتجين، حتى صباح الجمعة.   ومنذ صباح الخميس 20 ديسمبر 2018م انتفضت عدة مدن سودانية في مظاهرات غضب هادرة ضد النظام بعد عطبرة وبورتسودان وانتقلت لبربر ودنقلا والدامر والمتمة والقضارف وسنار والحصاحيصا والأبيض كما شهدت بعض أحياء العاصمة في الخرطوم وام درمان وبحري مظاهرات.   شعارات المظاهرات السودانية التي استنسخت شعارات الثورة المصرية، والمطالبة بإسقاط النظام وليس فقط الغاء قرارات رفع الدعم عن الخبز، وتزامنها مع عودة الصادق المهدي الي السودان بعد فترة غياب وإقامة في الخارج، دفعت للتساؤل عما إذا كان السودان دخل مرحلة الربيع العربي؟ وما مستقبل الرئيس السوداني عمر البشير الذي تنتهي فترة رئاسته عام 2020 ويسعي لتعديل الدستور –مثل السيسي – ليبقي في السلطة فترات اخري؟   اما التساؤل الاخطر فهو: هل تؤثر مظاهرات الخبز في السودان على مصر خاصة أن سلطة الانقلاب تمهد بدورها لرفع الدعم عن الخبز العام المقبل 2019 او 2020 على أقصى تقدير؟ ولماذا لا تخرج الشعوب العربية لتحتج على القمع الامني والظلم والفساد بينما حين يُمس رغيف خبزها تبادر الي الثورة وتحطيم كل شيء؟   "الخبز التجاري" سر الثورة   جاءت الاحتجاجات والمواجهات مع الشرطة وأعمال العنف في مدينة عطبرة السودانية احتجاجا على اختفاء الخبز المدعم وعدم توافر سوي "الخبز التجاري" ما يعني ارتفاع سعر الرغيف 300%، ولكن الاحتجاجات العنيفة جاءت ايضا بسبب الفقر الشديد المنتشر بين السودانيين (نسبة الفقر 31.6% بحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء في السودان)، وتدهور احوال معيشة الكثير من أهل السودان.   وتمثل مدينة "عطبرة" تاريخيا إحدى معاقل الحزب الشيوعي السوداني حيث عرف الحزب هناك بنشاطه العميق وسط النقابات خاصة في السكة الحديد، التي للمفارقة لم يخرج عمالها للتظاهر حين مرت بها المظاهرة الشعبية الاولي.   وجاء تطور هذه الاحتجاجات ليصل إلى إحراق مقر حزب المؤتمر الوطني الحاكم في مدينة عطبرة ومطاردة سيارات الشرطة بالحجارة، ومخاطبة رجال الشرطة علي طريقة ثورة يناير المصرية بالحسني احيانا بالهتاف في مواجهتهم: "خرجنا لأجلكم أنتم .. كم راتبك يا جندي؟"، وبالمقابل الترحيب بنزول قوات الجيش ودعوتهم للانقلاب علي البشير، وظهور ما يسمي "لجان المقاومة السودانية" لتظهر الاحتجاجات وكأنها تسير على نهج ثورة يناير المصرية!   وجاء الغضب الشعبي بسبب معاناة السودانيون من أوضاع معيشية صعبة حيث شهدت العاصمة الخرطوم ومدن سودانية أخرى شحا في الخبز وارتفاع أسعاره إن وُجد، وبالتزامن مع تقديم الحكومة موازنة 2019 التي تتضمن رفع الدعم عن بعض السلع لوقف تدهور الجنية السوداني.   وانطلقت شرارة المظاهرات الساخطة من مدينة عطبرة التي خرجت في تجمع غير مسبوق، بعد ارتفاع قيمة وجبة الفطور في المدراس لأكثر من الضعف واعلان المخابز عن رفع سعر قطعة الخبز لثلاثة جنيهات للخبز التجاري بدلا من المدعم الذي كان يباع بجنية سوداني واحد.   حيث لجأ السودان للطريقة المصرية في رفع اسعار الخبز ورفع الدعم جزئيا عن الدقيق خبز مدعوم واخر غير مدعوم في المخابز وتسليم حصص دقيق للمخابز بالسعر المدعوم واخر بالسعر التجاري، ولم يجد اهالي غالبية المدن الخبز المدعم بوفره وأنهم مضطرون لشراء الخبز التجاري بـ 3 جنية فانفجروا وخرجوا في مظاهرات عفوية تطورات للمطالبة بإسقاط النظام ورحيل الرئيس البشير، وعمد المحتجون الى إحراق مقر حزب المؤتمر الوطني الحاكم كما أشعلوا النار في مباني المحليات وسيارات شرطة، وطالبوا الجيش بتسلم الحكم.   علاقة المظاهرات بوصول الصادق المهدي   طرح تزامن انطلاق المظاهرات مع وصول زعيم حزب الأمة القومي "الصادق المهدي"، تساؤلا حول علاقة المهدي بالمظاهرات، بيد أن "المهدي" أشاع حالة من الإحباط الشديد وسط المئات من مؤيديه الذين تجمعوا لاستقباله بأم درمان بعد وقت وجيز من وصوله البلاد آملين في سماع كلمات تعبئ الحراك الجماهير.   حيث فوجئ انصاره بخطاب من المهدي يحذر من "الاحتباس الحراري" ويدعو أنصاره لزراعة ملايين الأشجار لمقاومة الاحتباس الحراري وتدهور البيئة، وعلى المستوي السياسي يدعو لحكومة برئاسة وفاقيه بين سلطة البشير الحالية وقوي المعارضة، ما دفع عدد من كوادر الحزب الشباب لإعلان استقالتهم من الحزب!   فقد تفاءل مؤيدو حزب الأمة بترافق عودة المهدي الى البلاد مع احتجاجات عمت عدة مدن سودانية تندد بالغلاء وتردي الأحوال المعيشية، خاصة وأن المهدي يتزعم تحالف (نداء السودان) الذي يضم قوى معارضة وحركات مسلحة معروفة بعدائها الشديد للنظام.   وبدلا من أن تجد الجماهير السودانية الراغبة في التغيير قيادة مجمع عليها توجههم وترشد المحتجين الى السبل الكفيلة بإنجاح التحركات المقاومة للسلطة، فوجئوا باكتفاء المهدي في خطابه بتقديم مقترح فضفاض يدعو لصيغة "عقد اجتماعي جديد للخلاص الوطني" يوقع عليه من أسماهم بأبناء الوطن ويتم تقديمه بصورة جماعية سلمية لرئاسة الجمهورية الذي خرجت المظاهرات ضده!   وأوضح المهدي أن الصيغة التي يقترحها تشمل التزام الجميع (يقصد القوي السياسية المعارضة التي يمثلها وبعضها يرفع السلاح) بوقف إطلاق النار ووقف العدائيات، وتسهيل مهمة الإغاثات الإنسانية، وإطلاق سراح المعتقلين والأسرى، وكفالة الحريات العامة بضوابط لتنظيم ممارستها، وتكوين حكومة قومية برئاسة وفاقيه، ودون أن يتطرق الي مظاهرات الخبز!   وقال رئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي مخاطبا مستقبليه لدى عودته إلى الخرطوم بلهجة سودانية: "الانقلاب على الحكومة ليس حلا، فلنتفق على مكتوب ونوقع عليهو كلنا ونمشي جماعيا نسلمو للقصر (الرئاسي)، مكتوب فيهو مطالب اولها حكومة قومية برئاسة توافقية".   ودفع موقف المهدي بعشرات الكوادر لإعلان الاستقالة وتجميد العضوية في الحزب، معلنين خلال تغريدات على مواقع التواصل أن موقف المهدي الجديد لا يمثلهم وأنهم يؤيدون الحراك الشعبي والاحتجاجات التي بدأت في الشارع.   ومع هذا لم يمنع الصادق المهدي انصاره من المشاركة في المظاهرات والتعبير عن مشاعرهم بدون عنف وظهر فيديو يوضح خروج اعضاء حزب الامة في المظاهرات وهم يهتفون للحرية.   الاخوان المسلمون مع الشعب بدون تخريب   وعلى عكس موقف المهدي الذي لم يدع انصاره بوضوح للمشاركة في المظاهرات او يدلي برأيه بشأنها، كانت جماعة الاخوان المسلمين في السودان أكثر دعما ومساندة للسودانيين…

تابع القراءة

هل يطيح الكونجرس الأمريكي بابن سلمان

 هل يطيح الكونجرس الأمريكي بابن سلمان أدت قضية مقتل الصحفي السعودى، جمال خاشقجى، إلى إثارة حالة من الجدل داخل المجتمع الأمريكى، فى ظل ما يبدو أنه خلاف بين إدارة ترغب فى الحفاظ على المصالح الأمريكية، وبين كونجرس يسعى إلى الحفاظ على المبادئ الأمريكية، وتصاعد هذا الجدل مع اتخاذ الكونجرس لخطوات فعلية لإدانة ولى العهد السعودى، محمد بن سلمان، مباشرة فى مقتل خاشقجى. وهو ما اثار العديد من التساؤلات حول أسباب تصعيد الكونجرس ضد ابن سلمان؟ وهل سيؤدى ذلك التصعيد إلى الإطاحة به؟   مجلس الشيوخ يصعد ضد ابن سلمان   مرر مجلس الشيوخ الأمريكي في 13 ديسمبر الحالي قرارين أحدهما يتهم محمد بن سلمان بالتورط في اغتيال خاشقجي والآخر يدعو لوقف الحرب في اليمن، وكانت صحيفة واشنطن بوست عن رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأمريكي أنه يسعى لإجراء تصويت على إجراء يحمّل ولي العهد السعودي المسؤولية في قتل خاشقجي. وأدان مجلس الشيوخ الأمريكي رسمياً ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في قتل خاشقجي ما.  ويدعو مشروع القرار ولي العهد السعودي إلى وقف سياسات سعودية عدوانية أخرى في الخليج كالحملة العسكرية في اليمن وحصار قطر واعتقال نشطاء حقوق الإنسان في المملكة.   وأشارت الصحيفة إلى أن مشروع القرار غير ملزم لكنه يمثل توبيخاً للرئيس ترمب الذي رفض إلقاء اللوم على الأمير محمد بن سلمان رغم استنتاجات وكالة المخابرات المركزية التي أشارت إلى ضلوعه في اغتيال خاشقجي.   وكانت الصحيفة أكدت أن لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأمريكي ستجري مراجعة شاملة لسياسة إدارة الرئيس دونالد ترمب تجاه السعودية، والتي ستشمل طريقة تعامل إدارة ترمب مع مقتل الصحفي جمال خاشقجي، إلى جانب مصالح غاريد كوشنر المالية مع السعودية، إضافة إلى مسألة استمراره في القيام بدور رئيسي في السياسة الخارجية الأمريكية رغم الأدلة التي تؤكد تعرضه لتأثير حكومات أجنبية[1]. ويقوم كلاً من وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، ووزير الدفاع جيمس ماتيس بتقديم إفادتيهما فى جلسة مغلقة أمام مجلس النواب الأميركي، بشأن قضية خاشقجى، كما حدث أمام مجلس الشيوخ من قبل[2].   هل تتجه الأمور إلى الإطاحة بابن سلمان؟   ترجع أهمية قرار المجلس أنه جاء بعد الجلسة المغلقة التي عقدتها مديرة وكالة الاستخبارات المركزية جينا هاسبل، مع عدد من أعضاء مجلس الشيوخ، لتقديم إحاطة بخصوص قضية خاشقجي، والتأكيد بأن تقرير وكالة الاستخبارات قد حمّل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مسؤولية الجريمة، هذا إلى جانب اللقاء الغير تقليدي الذي جمع أعضاء من الكونغرس مع مدير المخابرات التركية هاكان فيدان، وهو ما يعنى امتلاك مجلس الشيوخ لأدلة تثبت تورط ابن سلمان، وعليه فإن الضغط التشريعي سيستمر على إدارة ترامب، لتعديل سياسته حيال السعودية، كما ستزداد الضغوط على ترامب أيضاً في بداية العام المقبل، حيث ستصبح الأغلبية في مجلس النواب من الديموقراطيين[3].   ويأتى هذا القرار بعد أن أيّد 14 جمهورياً، فى الشهر الماضى، اقتراحاً إجرائياً يقضي بتقليص الدعم الأمريكي للحملة العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن، وهو ما اعتبره العديد من المراقبين رسالة واضحة لترامب مفادها أن عليه أن يدين ولي العهد السعودي قبل أن يأخذ المشرّعون زمام المبادرة[4].   لكن في المقابل، يجب الإشارة إلى أن الزامية القرار تستلزم موافقة مجلس الشيوخ ومجلس النواب، وينبغي تقديمه لرئيس الولايات المتحدة، وقبل أن يصبح نافذاً يجب أن ينال موافقته، وإذا لم يوافق عليه في هذه الحالة، يجب أن يصوت عليه ثلثا مجلس الشيوخ والنواب، وبالتالي من الصعب جداً إقراره. كما أن مشروع القرار في صيغته الحالية لا يشير إلى عقوبات محددة بل يضع مسؤولية اغتيال خاشقجي على ابن سلمان. وحتى في حال اقرار عقوبات على ابن سلمان نفسه، وهذا أمر مستبعد حتى الآن، فإن الاجراءات المعتمدة عادة هي منعه من السفر إلى الولايات المتحدة والحجز على أمواله في المصارف الأمريكية، ومنع أي مواطن أمريكي من التعامل التجاري معه[5].   كما أن هناك عنصر مهم للغاية يتمثل فى الدعم الإسرائيلي الصريح لمحمد بن سلمان، فإسرائيل تعتبر ابن سلمان كنزاً استراتيجياً لتحقيق تطلعاتها في المنطقة وتمرير ما يسمى بصفقة القرن ونشر التطبيع العلني مع إسرائيل. لكن السؤال الجوهري هنا: هل يقف الكونغرس فعلاً ضد رغبة إسرائيل فى دعم ابن سلمان؟   من المؤكد أن الكونجرس الداعم بقوة لإسرائيل لن يقف ضد رغبتها ومصلحتها فى استمرار ابن سلمان إلا عندما تقرر اسرائيل استنفاد بن سلمان لدوره في خدمة مخططاتها بحيث يصبح قليل الفائدة لها، وهناك احتمالين لسلوك الكونجرس:   الأول: إما أن اللوبي الإسرائيلي في واشنطن لم يمارس نفوذه على أعضاء الكونغرس لتبنى الموقف الإسرائيلي الداعم لبن سلمان. فالجماعات الموالية لإسرائيل قد تقرر عدم إقحام نفسها وراء هذه القضية التي قد تبدو خاسرة خاصة لجهة امتلاك دولة أخرى وهي تركيا للأدلة الجنائية التي قد يؤدي نشرها رسمياً إلى إثارة الرأي العام العالمي. إلا أن المصلحة الاستراتيجية لإسرائيل في بقاء محمد بن سلمان تضعف من هذا الاحتمال وتقود إلى الاحتمال الثاني التالي. ثانياً: قد تكون إيباك، باعتبارها صاحبة نفوذ هائل على الرئيس وعلى الكونغرس في الوقت عينه، قد اختارت شراء الوقت وإيجاد حالة من التوازن بين هاتين الجهتين. فبينما يلعب الرئيس الأمريكي دور المحامي يقوم الكونغرس بلعب دور الفزاعة. بذلك تضمن إيباك بأن هذه المعركة بين الإدارة والكونغرس ستأخذ وقتاً. هذا الوقت سيمثل بالنسبة لإسرائيل فرصة ذهبية لاستغلال الموقف الضعيف للأمير محمد بن سلمان المحصور بين المطرقة والسندان من أجل دفعه للتنفيذ السريع لكل ما يطلب منه بخصوص ملفات المنطقة، وهذا ما بتنا نشهده اليوم من تسارع غير مسبوق في خطى التقارب بين العديد من الأنظمة العربية والإسلامية مع إسرائيل مع وجود بصمات واضحة للرياض في هذه التقاربات[6]. [1] "واشنطن بوست: مجلس الشيوخ قد يدين رسميا ابن سلمان في مقتل خاشقجي"، الجزيرة مباشر، 11/12/2018، الرابط التالي: [2] " بومبيو وماتيس يقدّمان اليوم إفادة لمجلس النواب الأميركي بشأن خاشقجي"، العربي الجديد، 13/12/2018، الرابط التالي: [3]قدامة خالد، " هل ينجح مشروع قرار ضد ابن سلمان بمجلس الشيوخ الأمريكي؟"، عربى21، 7/12/2018، الرابط التالي: [4] منال حميد (مترجم)، "الكونغرس يسعى لتحميل بن سلمان مسؤولية قتل خاشقجي"، الخليج أونلاين، 11/12/2018، الرابط التالي: [5] قدامة خالد، " هل ينجح مشروع قرار ضد ابن سلمان بمجلس الشيوخ الأمريكي؟"، عربى21، مرجع سابق. [6] محمد العمر، " لماذا يسعى الكونغرس للإطاحة بـ"بن سلمان"؟ … إليك الأسباب"، مدونات الجزيرة، 11/12/2018، الرابط التالي:

تابع القراءة

تداعيات اعلان امريكا الانسحاب من سوريا

 تداعيات اعلان امريكا الانسحاب من سوريا تطورات غريبة شهدها الوجود العسكري الامريكي في سوريا، فبعد سلسلة من التصريحات الغاضبة من الرئيس الامريكي ومعاونيه ضد تركيا لاعتزامها القيام بحملة عسكرية ضد الجماعات الكردية المسلحة (حليفة واشنطن) التي تنفذ هجمات دورية داخل تركيا وعبر الحدود وقتلت العشرات من المدنيين والجنود، أعلن الرئيس الامريكي ترامب نيته سحب القوات الامريكية (2000 جندي) من سوريا، مبررا ذلك بأنه أنتصر في الحرب على الارهاب (داعش) ولا ينوي ان يكون "شرطي منطقة الشرق الاوسط" يخسر جنود وتريليونات الدولارات! التغيير الأمريكي المفاجئ في الموقف من البقاء في سوريا أم لا ، يثير تساؤلات عدة حول اسباب وتداعيات القرار وهل هو تغيير في الاستراتيجية الامريكية أم تغيير في التكتيك، أم ستترك الحرب للأصلاء بدل الوكلاء أو لوكلاء عرب اخرين بدلا منها؟. صحيح أن الانسحاب الأمريكي من سوريا، ضوء أخضر لعملية تركيا شرق الفرات، ولكن هذا الانسحاب يبدو تحولا خطيرا جدا ينبئ باندلاع حرب إقليمية تتغير بها قواعد اللعبة من خلال تغير الدول المشاركة التي ستدخل في المعركة. وكان من الملفت قول ترامب في نهاية إحدي تغريداته حول هذا الانسحاب على تويتر: "آن الأوان لآخرين لأن يقاتلوا في الشرق الأوسط!"، كأنه يقول بوضوح أن حروب ستقع بالفعل بعد انسحابه! ففي ابريل 2018 قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن ترامب يسعى إلى نشر قوات عربية في سوريا بتمويل خليجي وسحب القوات الامريكية، وأن إدارة ترامب قامت بالاتصال بمدير المخابرات المصرية عباس كامل لمعرفة موقف القاهرة من هذا الامر، أي حلول قوات عربية ستحل مكان القوات الاميركية في سوريا (سعودية وإماراتية ومصرية)، وتخوف خبراء عرب من أن يكون هذا "أكبر فخ استنزافي للدول المعنية مع سوريا والعراق وتركيا". الان تصف صحيفة "وول ستريت جورنال" خبر انسحاب القوات الامريكية "من شمال شرق سوريا" بالتحول المفاجئ والتحرك الذي سيلقي بالاستراتيجية الامريكية في الشرق الاوسط الى حالة من الاضطراب، وتؤكد الصحيفة إن القرار من شأنه أن يمثل تغييرا مفاجئا في استراتيجية الولايات المتحدة في سوريا والشرق الأوسط. الاكثر تساؤلا هو قول صحيفة وول ستريت جورنال أن قرار الانسحاب الامريكي جاء بعد مكالمة هاتفية بين ترامب وأردوغان الذي هدد بشن هجوم على حلفاء واشنطن الأكراد، فهل تخلي الامريكان ببساطة عن حلفاؤهم الاكراد وتركوهم لتركيا؟ أم أن الهدف الامريكي أعمق وهو توريط تركيا في حرب سوريا واستنزفها، خاصة أن قوات الاسد وإيران وروسيا سوف تستغل ذلك وتحاول السيطرة على هذه المنطقة؟ وتتناقض الخطوة الأمريكية مع ما سبق وأعلنه التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بشأن الإبقاء على الوجود الأمريكي بسوريا، وقال التحالف في بيان صدر في وقت سابق من هذا الشهر إن "أي تقارير تشير إلى تغيير في موقف الولايات المتحدة فيما يتعلق بالوجود العسكري في سوريا "باطلة ومصممة لزرع الارتباك والفوضى"!!. كما تتناقض الخطوة مع قرار صدر مؤخراً من قبل وزير الدفاع جيمس ماتيس بتوجيه القوات الأمريكية لإنشاء مراكز مراقبة على طول الحدود السورية التركية كجزء من الجهود الرامية إلى الحد من التوترات بين تركيا والحلفاء الأكراد في الحرب ضد داعش. هل الهدف إيران؟ مراقبون للوضع في سوريا يشككون في النوايا الامريكية الحقيقية من الانسحاب ويرون أن الهدف من الانسحاب ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد وهي: ·       توفير النفقات، حيث تسعي ادارة ترامب للتعامل مع التواجد الاجنبي الخارجي كرجل اعمال لا يريد إنفاق اموال على لا شيء. ·       اعطاء الفرصة لتركيا لحماية امنها بضرب المتمردين الاكراد، واحتلال اجزاء من سوريا وإظهار أن أمريكا تلبي طلبات حليفتها، ولكن بهدف توريط تركيا مستقبلا في المستنقع السوري واضعافها كما يرغب الغرب واسرائيل. ·       الاستعداد لتوجيه ضربات الي إيران ومن ثم سحب القوات الامريكية في سوريا لأنها ستكون اول هدف تضربه إيران في الخارج لو ضربتها الطائرات الامريكية والصهيونية كما هو مخطط ومتصور. ·       سعي ترامب لخلط الاوراق في العالم واختلاق أزمة وربما حرب مع إيران للتغطية على التحقيقات الجارية معه حاليا والتي يؤكد المراقبون وكبار كُتاب الاعمدة الامريكان أنها ستنتهي بمحاكمة ترامب وعزله من منصبه عام 2019. ·       المساهمة في خلط الاوراق في الشرق الاوسط لتهيئة الاجواء، بما يُمكن تل ابيب من تحقيق اهدافها ضد إيران في سوريا ويُمكن واشنطن من تنفيذ صفقة القرن، بعد حرب اقليمية متوقعة وفق سيناريوهات متعددة تشارك فيها تل ابيب وحماس وحزب الله وإيران وسوريا على جبهات مختلفة. وكان هذان التصوران الأخيران (بشأن استهداف إيران) هو محور مناقشات مواقع التواصل، فالمغرد السعودي الشهير "مجتهد" تساءل: هل يعتبر قرار ترامب المفاجئ بالانسحاب من سوريا والذي لم يستشر فيه البنتاجون دليلا على توجه بضرب إيران وذلك بإبعاد القوات الأمريكية عن مرمى انتقام القوات الإيرانية في سوريا؟ أيضا تقرير المحقق الامريكي "مولر" يقترب من نهايته وتشير التسريبات الأخيرة عنه على أنه مليء بالأدلة على إدانة ترامب ويبدو أن ترامب متأكد أنه سيؤدي لعزله ثم المحاكمة بالخيانة، لهذا يعتبر قرار ضرب إيران طوق النجاة الوحيد لترامب، فهو يريد أن يُدخل أمريكا في حرب كبيرة يستطيع خلالها إلغاء التحقيق وطرد مولر بمبرر الحرب. وقد رجحت هذا وكالة "سبوتنيك" الروسية، حيث نقلت عن " خبراء" قولهم إن "الولايات المتحدة بصدد إعادة نشر قواتها في منطقة الشرق الأوسط توطئة لتوجيه الضربة العسكرية لدولة أخرى" دون تحديد إيران. ونقلت عن الإعلامي القطري "جابر الحرمى" أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "ربما قرر إخراج القوات الأمريكية من سوريا لتوجيه الضربة العسكرية إلى إيران"، وأن ترامب "يريد التهرب من مشاكل تواجهه في بلاده وإغراق منطقة الشرق الأوسط في مواجهة حربية جديدة". دلالات وتداعيات الانسحاب الأمريكي؟ وأيا كانت الاسباب وراء قرار ترامب، فالانسحاب الأمريكي من شمال سوريا سيكون له دلالات وتداعيات عديدة أبرزها: ·       الانسحاب المفاجئ والتخلي عن الحلفاء الأكراد يؤكد المقولة الشهيرة: "المتغطي بالأمريكان عريان"، وهو تأكيد على ما يتسم به السلوك الأمريكي من "قصر النفس" في الحروب خصوصا، وعدم الاصرار على البقاء وفرض النفوذ لفترات طويلة كما يفعل الروس، لهذا وصفت "قوات سوريا الديمقراطية المعارضة" الكردية، الانسحاب بانه "خيانة وطعنة في الظهر"، وهذا ايضا ما دعا السيناتور ليندسي جراهام للقول أن "الخطوة الأمريكية ستزيد من صعوبة الاستعانة بشركاء في المستقبل للتصدي للإسلام الراديكالي، وستعتبر إيران وغيرها من الأطراف الشريرة ذلك دلالة على الضعف الأمريكي في الجهود الرامية لاحتواء النفوذ الإيراني". ·       الانسحاب قد يكون فرصة لتنظيم داعش ليعيد تنظيم وجوده والعودة للنشاط، وهو ما قاله ضمنا السيناتور "ليندسي جراهام" الذي قال إن الانسحاب لا يعني هزيمة داعش، بل على العكس اعتبر حدوثه في هذا التوقيت "انتصاراً كبيراً لتنظيم داعش وإيران وبشار الأسد وروسيا"، وهذا أيضا هو ما دعا وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي لنفي أن يكون متشددي تنظيم الدولة الإسلامية تم محوهم من على الخريطة في سوريا كما يدعي ترامب، وقولها إن كل…

تابع القراءة

المشهد السياسي

 المشهد السياسي المشهد الداخلي ودور مصر الخارجي: ×      قلق السيسي من تداعيات الاحتجاجات الفرنسية: عبر السيسي عن خشيته من أثر تلك الاحتجاجات علي الشارع المصري منتقداً تغطية الإعلام الموالي له وعدم قدرته علي توضيح الفرق بين الحالة في فرنسا ومصر مدعياً أن اسعار المواد البترولية في فرنسا أعلي من مصر دون الاشارة إلي الاختلاف الشاسع بين دخول متدنية للغاية في مصر ومستوي الدخل الأعلى بكثير في فرنسا،  فبينما يصل سعر لتر البنزين في فرنسا الي نحو 30 جنيهاً فإن متوسط دخل المواطن الفرنسي يصل الي نحو 40 ألف جنيه شهرياً، ولا شك أن اهتمام السيسي بالظهور الاعلامي يعكس حجم القلق لديه من دعوات استلهام النموذج الفرنسي في مصر، وعلى الرغم من حرص الأنظمة العربية في البداية علي عدم اعطاء الموضوع اهتمام إعلامي كبير خوفاً من تأثر الشعوب العربية بما يحدث في فرنسا، إلا أن ظهور السيسي بنفسه داعياً لحملة اعلامية ضد مخاطر امتداد الأحداث إلي مصر يظهر الخوف من تكرار الاحتجاجات خاصة علي مصر التي يئن شعبها منذ فترة تحت وطأة الغلاء والقهر والاستبداد، وينتظر الفرصة لإعلان رفضه هذه السياسات التقشفية التي أضرت بحاضره ومستقبله، ولهذا فإن النظام قد يعمد إلي تأجيل أي زيادة أخرى في الأسعار الفترة المقبلة، خاصة وأننا مقبلون علي الخامس والعشرين من يناير، والتي يخشى النظام أن تكون فرصة مناسبة لاندلاع التظاهر مرة أخرى ضد النظام، ولكن ونظراً لحالة السخط العام التي يعيشها الشعب المصري فإن الامور تبقى علي صفيح ساخن، وقد تندلع شرارة التظاهر في أي لحظه في حال زادت حدة الضغوط الاجتماعية علي الشعب. وقد يصب تواصل عمليات التظاهر في فرنسا على الأوضاع في مصر والمنطقة، خاصة مع اقتراب يناير، وحاجته لمن يساعده في كسر حاجز الخوف الذي نجح النظام في بنائه الفترة الماضية. ×      هل يلجأ النظام للقضاء للاستمرار في الحكم رغم عدم الدستورية، ذكرت وكالة "أسوشيتيد برس" الأمريكية، أن قيام محام مصري برفع دعوى قضائية – أمام محكمة القاهرة للأمور المستعجلة التابعة للنظام – مع آخرين لإجبار البرلمان على مناقشة تعديل مادة دستورية تمنع السيسي من الترشح لفترة رئاسية ثالثة في عام 2022، قد تكون الخطوة الأولى في حملة تهدف لتهيئة مناخ يتقبل لفكرة تعديل الدستور، كما أنها قد تساعد في قياس الرأي العام بالنسبة لهذه المسألة[1]، والحقيقة أن لجوء بعض أطراف النظام لهذا المسار القضائي يثير الكثير من علامات الاستفهام الحائرة، فهل تكون هذه الحادثة تهدف فقط لجس النبض وخلق حالة من الاهتمام الإعلامى بهذا المسار الذي لا يشغل الرأي العام، أم أنها تشير إلى بدء اتخاذ الإجراءات الفعلية فى هذا المسار؟ وفي أياً من الاحتمالين، ما الموقف المتوقع من المحكمة الصورية والقضاء بشكل عام، وهل من المتوقع أن تاخذ هذه القضية نفس المسار القضائى لقضية تيران وصنافير، عندما قررت الغاء حكم الادارية العليا بمصرية الجزيرتين، أم يكون محاولات تعديل الدستور بداية نهاية فصل التوافق بين النظام والقضاء، وعلامة بداية شتاء طويل من الصراع بين الجانبين. وكيف ستتعاطى قوى المعارضة مع مساعي التجديد للسيسي، هل تقود هذه التطورات للتقارب بين الجانبين. كل هذه المتغيرات تدخل في تشكيل مستقبل النظام السياسي في مصر، ومع تعدد هذه المتغيرات وتنوعها، تصبح السيولة واللايقين هي السمة الأبرز للوضع السياسي الراهن في البلاد، وأيضاً في المستقبل القريب على الاقل. ×      تواصل الاخوان المسلمين مع البرلمان البريطاني يصبح مادة للصراع بين النظام والإخوان، صرح نائب مرشد جماعة الإخوان المسلمين، إبراهيم منير، أن الدفاع عن فكر الإخوان في مراكز القرار الدولي، هو واحد من أولويات الجماعة في مواجهة ما وصفه بـ "حملات التشويه" التي قال بأن النظام المصري يقودها ضد الجماعة وفكرها. وأن البرلمان البريطاني استضاف في هذا الإطار ندوة حوارية مغلقة، نظمتها مؤسسة "Forward Thinking" البريطانية حول فكر جماعة الاخوان المسلمين ومواقفها، وأنه قد جرى حوار معمق عن فكر الجماعة ومواقفها، تمت الاجابة فيه على اسئلة الحضور، التي دارت حول شمولية نشاط الجماعة وحرصها على التزام المنهج السلمي في العمل السياسي الوطني قبل وبعد تجربة حكم الرئيس مرسي في مصر. وأن "موقف من حضر من البرلمانيين البريطانيين كان واضحا ومقتنعا من أن فكر الإخوان وسلوكهم لا علاقة له بالإرهاب، وأن الحملة التي يقودها النظام الانقلابي في مصر بهذا الصدد، لم تقنع أحدا"[2]. وفي المقابل قال سامح شكري، وزير الخارجية، أن استمرار بريطانيا في استضافة قيادات من جماعة الإخوان، رغم كل ما قدمته القاهرة من أدلة وشواهد تثبت إضرارهم بمصر وشعبها، يمثل علامة استفهام. وأن موقف مصر من قطر لم يتغير، فيما لاتزال الدوحة تحتضن القيادات المتطرفة. يكشف هذا عن أمرين؛ الأول مفاده أن النظام لا يزال يصعد ضد الجماعة في الخارج ويسعي لعزلها عن التواصل مع القوي الفاعلة في الغرب. الثاني: استمرار التنافس بين الطرفين على التأثير السياسي في القوي الدولية والخارج. وهو ما يعني أن النظام لا يزال يخشى تحركات الجماعة في الخارج، رغم سيطرته الكاملة على مقاليد الحكم، وكأن النظام يعي أن أية احتجاجات قوية قد تعيد الجماعة لقلب الأحداث، مع نجاحها في الاحتفاظ بقنوات اتصال مع القوى الدولية الكبرى خاصة في واشنطن ولندن وهي القوي التي تدعم بقاء النظام تحت قيادة السيسي منذ البداية. ×      استطلاع رأي أمريكي: الاخوان يحتفظون بدعم ثلث المصريين رغم القمع والتخويف، كشفت نتائج جديدة لاستطلاع  رأي أمريكي عن مواقف شديدة  التباين سواء حيال توجه البلاد المحلّي أو حيال شركائه الخارجيين وتشير نقطة البيانات التي تسترعي الاهتمام الأكبر في هذا الاستطلاع إلى أن 33 في المائة من المصريين المسلمين لا يزالون يعربون عن رأي "إيجابي نوعًا ما" حيال "الإخوان المسلمين" (بمن فيهم 6 في المائة لديهم "رأي إيجابي جدًّا" حيالها) وتبقى هذه هي الحال حتى رغم حظر الجماعة باعتبارها منظمة "إرهابية" وخضعت للذم المستمرّ من وسائل الإعلام خلال السنوات الخمس الماضية[3]، وتكشف هذه البيانات أن احتجاجات الشارع مستمرة، وهناك قابلية للزيادة، رغم سياسات القمع الأمني، وتكشف من جهة أخرى، أن للإخوان مؤيدين كثر في الشارع رغم حملات التشويه وسياسات الإقصاء، وبالتالي فالنظام في خطر حقيقي، رغم ظهوره في مظهر المسيطر على مجريات الأمور، وتزيد هذه الخطورة في ظل المرحلة الاستثنائية والخطيرة للنظام مع رغبته تعديل الدستور لتأبيد بقاء نخبة الحكم القائمة، ما يهدد بتفجر الوضع، خاصة مع سبق الإشارة إليه، خاصة إذا أضيف إليه التردي الكبير في الأحوال المعيشية للمصريين، ما خلق من سخط متنامي بين الجماهير. كل هذه العوامل تؤكد دقة وضع النظام في الوقت الراهن، وتبرهن على أن احتمالات انقلاب الوضع بصورة تامة، تبقى قائمة، واحتمالات تحققها كبيرة. ×      الأزهر بين تقدير الخارج وهجوم الداخل، بالتزامن مع الحملة الإعلامية الشرسة التي يتعرض لها الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر من وسائل الإعلام المصرية، زار الشيخ عبدالله بن زايد…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022