دلالات التغييرات العسكرية بالمخابرت الحربية والجيش المصري قبل أيام من ذكرى ثورة يناير
دلالات التغييرات العسكرية بالمخابرت الحربية والجيش المصري قبل أيام من ذكرى ثورة يناير يوم السبت 22 ديسمبر نشرت الصحف والمتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية خبرا يقول: "اجتمع عبد الفتاح السيسي بعد ظهر اليوم مع الفريق أول محمد زكي القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي"، دون ذكر أي تفاصيل عما دار في الاجتماع، وكان عقد هذا الاجتماع في حد ذاته غريبا لأن وزير الدفاع يلازم السيسي في كل تحركاته وسفرياته فلماذا اجتمع به وحده الان ولماذا ابرزت الصحف والرئاسة هذا الاجتماع؟ وبعد مرور 24 ساعة فقط، ظهرت نتائج مباحثات السيسي ووزير دفاعه، حين جري الإعلان أن وزير الدفاع اجري حركة تغييرات وتنقلات في قيادات القوات المسلحة المصرية، شملت تعيين مدير جديد للمخابرات الحربية، وقائدا جديدا للمنطقة الغربية العسكرية التي تتولى تأمين الصحراء المتاخمة للحدود مع ليبيا، هو اللواء صلاح سرايا. وقالت مصادر مطلعة لبي بي سي إن نشرة تنقلات كبار قادة الجيش، التي أصدرها وزير الدفاع الفريق أول محمد زكي، شملت تعيين اللواء خالد مجاور، مديراً لإدارة المخابرات الحربية والاستطلاع، خلفا للواء محمد الشحات، الذي شغل المنصب لنحو ثلاث سنوات. ولم تذكر المصادر التي تحدثت إليها بي بي سي أسبابا لإبعاد بعض القادة، غير أنها أوضحت أن نشرة التنقلات والتغييرات في قادة الجيش تصدر بشكل دوري مع نهاية شهر ديسمبر من كل عام، وهو أمر غير صحيح. وهكذا تكشف أن لقاء السيسي وزير الدفاع محمد زكي، السبت، جاء لوضع هذه التغييرات العسكرية لأن زكي ليس سوي منفذ أوامر، وهو الذي شارك السيسي في انقلابه ضد الرئيس مرسي واحتجز الرئيس في القصر الرئاسي. قرار قديم منذ شهرين! المفارقة في قرار عزل مدير المخابرات الحربية اللواء "محمد الشحات" رسميا، وتعيين اللواء "خالد مجاور" بديلا له أن أحد أساتذة الجامعة المقربين من وزير الدفاع السابق (صدقي صبحي)، كشف عن حدوثه في سبتمبر الماضي 2018 ولم ينتبه له أحدا، أو يؤكده الجيش حينئذ. ففي سبتمبر 2018 نشر "عادل العدوى" أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، ومدير المنتدى الاقتصادي الدولي في مصر تغريدة على حسابه على تويتر يقول فيها إنه "حصل على معلومات عن إقالة السيسي (لاحظ قوله السيسي وليس وزير الدفاع) لمدير المخابرات الحربية، اللواء محمد الشحات، وتعيين قائد الجيش الميداني الثاني، اللواء أركان حرب خالد مجاور"، ولم يصدر المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة المصرية أي أنباء حول هذا الخبر حينئذ. والملفت أن "عادل العدوي" الذي اذاع الخبر حينئذ، هو صديق للفريق صدقي صبحي ونشر على حسابه صورة له مع "صدقي صبحي"، ما قد يشير لأن صبحي مصدر معلومة إقالة مدير المخابرات الحربية وأن الامر أغضبه أو يمسه. ويُعتقد أن قرار إقالة "الشحات" صدر في سبتمبر بالفعل كما كشف صديق وزير الدفاع السابق، وأن سلطة الانقلاب أجلت إعلانه رسميا بعد كشف وحتى ينسي الناس ما كتبه "العدوي"، لأن معني هذا تسريب صبحي صدقي أنباء عزل صديقه "الشحات" ما قد يُفهم منه أن هناك خلافات داخل الجيش. ولذلك عقب صدور القرار رسميا عاد الدكتور "عادل العدوي" ليذُكر الجميع على حسابه على تويتر بأنه كان صاحب السبق في هذا الصدد. https://twitter.com/adeladawy/status/1076769877757702144 دلالات التغييرات العسكرية منذ انقلابه في يوليه 2013، وقائد الانقلاب يحرص على تغيير القيادات العسكرية على فترات قصيرة لتأمين نفسه من أي تفكير في الانقلاب المضاد عليه، وبدأ ذلك بالتخلص من كافة أعضاء المجلس العسكري الذي شاركه الانقلاب بما فيهم صديقه وزير الدفاع السابق صدقي صبحي، وتوالت التغييرات على فترات قصيرة خاصة مع تصاعد الغضب الشعبي وظهور انتعاشه في الربيع العربي في دول الجوار. ويعني خبر اقالة مدير المخابرات الحربية، ربما أن السيسي مرعوب من شيء ما مجهول حتى الان، أو قد تكون هذه خطوة استباقية، أو دفاعية محضة ليس لها ما يبررها الا خوف قائد الانقلاب من ترتيبات محتملة للإطاحة به وهو يحاول قطع الطريق على هذه الإجراءات، أو اعتبار وصف ترامب له بـ "القاتل المنكوح" مقدمات للتخلص منه وعدم رضاء أمريكي عنه، وهو مفتاح أمان بقاء أي قائد لمصر. بيد أن هناك مراقبون يرون أن تخلص قادة الانقلابات العسكرية من المحيطين بهم أمرا روتينيا بسبب الخوف من منافسة قادة اخرين لقائد الانقلاب، او سعيهم للانقلاب المضاد للحصول على امتيازات اعلي بعدما يتبين لهم حجم المكاسب التي يحصل عليها قائد الانقلاب سواء في صورة عمولات السلاح أو صفقات بيزنس الجيش أو غيرها من المزايا. أما التخلص من مدير المخابرات الحربية تحديدا – وهو منصب تولاه السيسي ويعلم مخاطرة – وتخلص السيسي عموما من كافة المحيطين به باستمرار وتعيين أخرين وعدم إبقاء أحد في منصبه فترة طويلة، فيرجع لأنه يعلم جيداً أن اي ترتيبات للتخلص منه لن تمر الا عبر المخابرات الحربية، فهي بوابة المؤامرات كما فعل هو في انقلابه العسكري علي الرئيس الشرعي محمد مرسي 3 يوليه 2013. ولأن الفريق أول صدقي صبحي وزير الدفاع الذي اقاله السيسي مؤخرا، هو الذي عين الفريق "الشحات" في منصب مدير المخابرات الحربية، ابريل 2015، فيبدو أن عزل السيسي لـ "صبحي" استلزم عزل أنصاره أيضا وأبرزهم "الشحات". والمؤكد أن قائد الانقلاب سيظل دوما مرعوب من أي محاولة للانقلاب عليه كما فعل هو، لأنه يفتقد للشرعية. لماذا يغير السيسي القيادات العسكرية باستمرار؟ مثلما يحرص السيسي بصورة دائمة على إشراك الجيش في كل المواقف السياسية أو العسكرية التي يمكن أن تسبب له أزمة مستقبلا، مثل إشراكه في قضية التنازل عن "تيران وصنافير" بادعائه أن هذا تم بوثائق (أي برضا) المؤسسة العسكرية والخارجية والمخابرات العامة وعلمهم، وأيضا في طريقة التعامل مع سامي عنان عند ترشحه للرئاسية، بصدور بيان رسمي من "المجلس العسكري" ثم اعتقاله، فهو أيضا يحرص علي القيام بتغييرات داخل قيادة الجيش لعدم الإبقاء علي أي منافسين أو معارضين محتملين. إذ أن بقاء أي قيادة في مكانها لسنوات طويلة يمنحها قوة معنوية ويسمح لها بتعيين وتشكيل مركز قوة لها يصعب معها إقالتها، بينما الإبقاء على سنوات قليلة (3-4 سنوات) يسمح لقائد الانقلاب بالحصول على دعم ونفاق هذه القيادات لفترة من الوقت قبل أن تبدأ في تشكيل موقف مخالف او منفصل. أيضا السيسي يضع امام عينيه تجربة ثورة 25 يناير حين اضطر الجيش والمشير طنطاوي للرضوخ الي مطالب المتظاهرين بعد محاولات السيسي – كمدير للمخابرات الحربية – إنجاح موقعه الجمل، ونشر الفرقة بين الثوار، لذلك يخشى من عدم تماسك المؤسسة العسكرية أمام الاحتجاجات الشعبية ويرغب في ضمان استجابتها لأوامر قمع المتظاهرين عبر تعيين قيادات جديدة موالية مضمون طاعتها. فالسيسي يعمل باستمرار على تغيير قيادات الجيش بما يضمن الولاء الكامل له، لذلك تخلص من كافة قيادات المجلس العسكري ومن بقي منهم عينه في مناصب تنفيذية يسهل اقالتهم منها بسهولة، ولكي يضمن أيضا السيطرة على المجلس العسكري، وأن…