التنافس السعودي التركي .. هل اصبحت أنقرة العاصمة الجديدة للعالم الإسلامي؟
التنافس السعودي التركي .. هل اصبحت أنقرة العاصمة الجديدة للعالم الإسلامي؟ في كلمة له 15 اكتوبر الماضي 2018، خلال لقائه مفتي تركيا في المجمع الرئاسي بالعاصمة أنقرة، أكد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن بلاده "هي الوحيدة القادرة على ريادة العالم الإسلامي بأسره، بإرثها التاريخي وموقعها الجغرافي وثرائها الثقافي". وكان من الملفت أن الكلمة جاءت بعد يومين من نقل وكالة الأنباء السعودية عن مصدر سعودي مسؤول قوله إن "السعودية ومن موقعها الرائد في العالمين العربي والإسلامي، لعبت دوراً بارزاً عبر التاريخ في تحقيق أمن واستقرار ورخاء المنطقة والعالم، مستندة في كل ذلك إلى مكانتها الخاصة، بوصفها مهبط الوحي، وقبلة المسلمين". تصريح أردوغان والمسئول السعودي جاءا على خلفية أزمة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وهي الفضيحة التي كشفت عن تعاظم التنافس والصراع التاريخي بين تركيا والسعودية على قيادة العالم الاسلامي السني. إذ تعاني السعودية تدريجيا من فقدان مكانتها الدينية بين الشعوب العربية، خاصة منذ اعتلى ولي العهد الحالي الأمير محمد بن سلمان مقاليد الحكم، وهزّ صورة المملكة الدينية باعتقالاته ضد العلماء، وتحجيمه سلطات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المعروف، ومخالفته فتاوى العلماء، وتراجع شعبية هيئة كبار العلماء التي كانت لعقود طويلة عبارة عن عصا تستند عليها السعودية في تحركاتها الاسلامية. وبالمقابل تقفز تركيا أردوغان خطوات تلو الأخرى باتجاه تنصيب نفسها قائدة للعالم الاسلامي، عبر دفاعها عن قضايا المسلمين في القدس وميانمار وأسيا، ومسلمي الغرب، وتسويق نفسها كممثل للإسلام المعتدل الحديث، فضلا عن تعزيز التعليم الديني كركيزة أساسية لتحريك عجلة النفوذ وذلك من خلال عروض لمنح دراسية في الجامعات التركية وبرامج تبادل طلابي، وهو دور تقوم به السعودية عبر مؤسساتها المختلفة، وأيضا الازهر مع اختلاف الاهداف الكبرى. بل لقد نافس اردوغان السعودية في بناء مساجد في بلدان اجنبية مثل واقعة قصة بناء مسجد في كوبا عام 2015، والتي علقت عليها "صحيفة ميليِّت" التركية بقولها: "يهتم إردوغان كثيرا بتراثه التاريخي وإرثه العالمي وهو أمر مرتبط في ذهنه بجهده من أجل المساعدة على نمو الإسلام". وتضيف: "يرغب إردوغان في أن ينظر إلى تركيا وإلى نفسه على المستوى العالمي، كشخص يعمل على مصالح الإسلام والمسلمين، لذا فهو يهتم كثيرا بمشروع بناء مسجد في كوبا والعديد من الأماكن الأخرى حول العالم". ولعبت وكالة التنسيق والتعاون الدولي التركية (تيكا) دورا مشابها في العالم الإسلامي إذ زادت ميزانيتها بشكل كبير للغاية في ظل حكم إردوغان لتصبح رابع أكثر جهة تقدم المساعدات في العالم حاليا. وتأكيدا على أهمية الوكالة، تم اختيار رئيسها السابق هاكان فيدان لرئاسة جهاز الاستخبارات، وهو ما جعل تركيا تجد نفسها في منافسة مع دول إسلامية أخرى، خاصة السعودية التي ظلت لعقود تضخ أموال النفط في أرجاء العالم الإسلامي وسط غياب شبه تام للمنافسين الحقيقين، وجاء العرض التركي الاخير لبناء مسجد في كوبا بعد عرض مشابه من السعودية. وزاد من كفة تركيا في مواجهة السعودية، أنها دوله كبيرة اقتصاديا وعسكريا وتاريخيا واقليميا، وذات تأثير قوي في العالم وتعتمد على نفسها في انتاج اغلب متطلباتها، ولا ترتهن في قرارها لأمريكا والغرب بعكس السعودية التي تبدو كأنها تتحرك بموجب أوامر امريكية، ظهرت في ابتزاز ترامب المتكرر لها (أربع مرات) خلال مؤتمرات حزبه الجمهوري بأن عليها أن تدفع كي تحميها أمريكا. وما دعم من موقف تركيا ومن حجتها لقيادة العالم الاسلامي، أن الرئيس أردوغان أقام نموذجًا يَراه الكثير من الإسلاميين قُدوة تُحتذى لأنه يرتكِز على أربعة أُسس هي: الإسلام المُعتدل المُتسامح، والديمقراطية، والنمو الاقتصادي، والاستقلال الذاتي عن الهيمنة الغربية أو الروسية. كما دعم موقفها التحول الواضح في تركيا، حرص اردوغان على الصبغة الاسلامية لبلاده، سواء عبر افتتاح المشروعات الكبرى بقراءة القران وأخرها مطار اسطنبول، وصلاة الرئيس وقادة الجيش (العلماني) سويا داخل الثكنات، ودعمه للمضطهدين في بلادهم خاصة أنصار جماعة الإخوان المسلمين في مصر وسوريا وغيرها، ما قلق السعوديّة ومصر والإمارات، التي تتبنى سياسات مُعادية لهذه الحركة التي يمتد تاريخها لأكثر من ثمانين عامًا، ولها قاعده شعبية عريضة. وينشغل الرئيس التركي في الوقت الحالي بحشد التأييد لفكرة حصول دولة مسلمة على مقعد دائم في مجلس الأمن، ولذلك يطالب بإصلاح الامم المتحدة ويبدي عدم رضاؤه عن اداءها الحالي، وفي الوقت نفسه يسعي لمحاربة قضية مكافحة "الإسلاموفوبيا" (رهاب الإسلام). إعادة تجديد "العثمانية" الاسلامية ارتبط السعي التركي نحو قيادة العالم الاسلامي بتوجه التركيا نحو استعادة أمجاد الماضي العثماني، وهذه كانت نقطة مشتركة في خطاب إردوغان طوال فترة حكمة في تركيا كرئيس وزراء أولا ثم كرئيس حاليا، حيث سعي لاستعادة الارث العثماني الذي حكم العالم منذ عام 1453 بواسطة الخليفة (السلطان) العثماني حتى تم حل الخلافة عام 1924 على يد مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الدولة العلمانية في تركيا. وقد قال في خطاب اخير له: "إن تركيا تمثل امتدادا للإمبراطورية العثمانية" ، بما يعنيه ذلك من أن الإمبراطورية العثمانية رمز للنفوذ السياسي، واحتمال قيادة العالم الإسلامي مرة أخرى. بيد أن عثمانية أردوغان تتميز بالسعي لتجديد هذه العثمانية لتتناسب مع معطيات القرن الـ 21 بالتخلص من الشوائب التي واكبت انهيار الدولة العثمانية، واستبعاد اسباب تخلفها. وتعتمد فكرة اردوغان ومخططيه الاستراتيجيين خاصة داوود اغلو وزير الخارجية السابق، هنا، على أن تقوم هذه الجمهورية الثانية التي بدأها اردوغان كرئيس للجمهورية، على إعادة عظمة الدولة العثمانية من جديد، ليس بمعني بعث السياسات التوسعية للدولة العثمانية، ولا العودة للماضي الغابر، وإنما التصالح مع ذاتها الحضارية الإسلامية والاعتزاز بماضيها العثماني متعدد الثقافات والأعراق، واستبطان حس العظمة والكبرياء العثماني والاستمرار في الانفتاح على الغرب، مع إقامة علاقات متينة مع الشرق الإسلامي الذي تنتمي إليه. إذ يرى أنصار هذا التيار العثماني ومنهم أحمد داود أن السبب في تراجع تركيا خلال الحقبة الماضية يعود إلى سياسة (القطيعة) مع ماضي تركيا العثمانية وعمقها الاستراتيجي عن حاضر الجمهورية الكمالية ومحيطها الإقليمي، والتي عمقت أيضًا الانقسام بين العلمانية والإسلامية، وغلبت الأمن على الحرية، وأحدثت أزمة هوية في أوساط النخب التركية، لهذا يتوقع انهاء هذه القطيعة. والاهم أن الأتراك يرون أن ما اضاع وأضعف قيادة دولة الخلافة الاسلامية هو نفس ما تسير عليه السعودية حاليا، ويرون ان هذا مبرر أخر لانتقال القيادة للعالم الاسلامي من السعودية لتركيا. صراع يعود للقرن الـ 19 يعود الصراع والتنافس بين تركيا والسعودية على قيادة العالم الاسلامي الي الحرب العثمانية السعودية التي نشبت بين الدولة العثمانية والدولة السعودية الأولى ما بين عامي 1811 و1818، وانتهت بانتصار العثمانيين ونهاية الدولة السعودية الأولى وتدمير عاصمتها "الدرعية" وأسر الإمام عبد الله بن سعود. وبعد سقوط الدولة السعودية الأولى على يد القوات العثمانية بقيادة إبراهيم باشا، أنشأ تركي بن عبد الله بن محمد آل سعود في سنة 1818م الدولة السعودية الثانية، وخلال سنوات هذه الدولة تغيرت العاصمة من الدرعية إلى الرياض وتوسعت بشكل محدود…