سياسات تخريب الزراعة المصرية .. المخاطر والانعكاسات
سياسات تخريب الزراعة المصرية .. المخاطر والانعكاسات تمارس بحق الزراعة المصرية منذ عقود سياسات عقيمة وفاشلة يمكن أن تصل أحيانا إلى حد التآمر والذي حول مصر من دولة مصدرة للغذاء إلى دولة تستورد أكثر من 60% من غذائها، وبعد ثورة 25 يناير2011م، تطلع الشعب عبر انتخاب برلمان ممثل للشعب ثم رئيس مدني لأول مرة في تاريخ البلاد، إلى سياسات جديدة تنهض بقطاع الزراعة وتسهم في تحسين مستوى معيشة الفلاح، وتدفع البلاد نحو الاكتفاء الذاتي من الغذاء وعلى رأسه القمح الذي شهد طفرة في عام الرئيس المنتخب محمد مرسي، لكن هذه الأحلام تم وأدها بعنف بانقلاب 03 يوليو 2013م، يماثل العنف الذي استخدمه الجيش والشرطة بحق المعتصمين السلميين في ميدان رابعة العدوية والنهضة. هذا الانقلاب العسكري الدموي، أفضى إلى مزيد من الأزمات والكوارث التي أسهمت في مزيد من تخريب الزراعة ومحاصرة الفلاح بالديون من جهة وانعدام الدعم من جهة ثانية ومنعه من زراعة محاصيل اقتصادية شديدة الأهمية بذريعة ندرة مياه الري وسد النهضة مثل الأرز وقصب السكر وغيرها من جهة ثالثة، وارتفاع أسعار مستلزمات وأدوات الزراعة ما أسهم في رفع تكاليف الإنتاج من جهة رابعة؛ بعد موجات الغلاء التي ترتبت على قرارات التعويم في نوفمبر 2016م، ثم خامسا أزمة التسويق والتسعير الحكومي المجحف للفلاح في أسعار المحاصيل ما يدفعه إلى الوقوع فريسة سهلة في أيدي كبار التجار والشركات النافذة. وسادسا قرارات الحكومة التي تحاصر الفلاح وتسهم في تعزيز مافيا الاستيراد عبر شركات كبرى تعود ملكيتها إما إلى أجهزة نافذة بالدولة أو لجنرالات كبار لهم نفوذ واسع وسطوة كبيرة، ولهم صلات قوية بشبكة مصالح الدولة العميقة التي تهميمن على مفاصل الدولة لحساب المؤسستين العسكرية والأمنية. وتعاني مصر من رقعة زراعية محدودة وزيادة سكانية مضطردة؛ ما أفضى إلى زيادة الفجوة إلى "60%" من احتياجاتنا من الغذاء، فمن إجمالي مساحة مصر البالغة 238 مليون فدان، لا تزيد رقعتنا الزراعية الحالية علي 8,6 مليون فدان بنسبة 3,6% فقط، ونبني منازلنا علي مساحة مماثلة في وضع غريب لشعب يعيش علي أقل من 7% من مساحة بلده ويعاني أيضاً من محدودية المياه مثلما هو الحال في محدودية الأراضي الزراعية.[1] مستقبل الأمن الغذائي في خطر وأمام هذه السياسيات التي تدور بين الفشل والتآمر، لا تتوقف صرخات العلماء وخبراء الزراعة والري المخلصون مطالبين بإعادة هيكلة القطاع الزراعي لإنتاج مزيد من الغذاء؛ لمواجهة انخفاض نسبة الأمن الغذائى، وضرورة استغلال التربة والماء للاقتراب من مستويات الاكتفاء الذاتي من الغذاء. فهناك فجوة غذائية فى مصر تقدر بحوالى 60% من حجم الانتاج، وللقضاء عليها يتطلب هذا الأمر زراعة 10 ملايين فدان إضافية تحتاج لـ60 مليار متر مكعب مياه.[2] فمصر حاليا تنخفض بها نسبة الاكتفاء الذاتى من القمح إلى 30% (نستورد 12 مليون طن) بسبب زيادة ربح المزارع من زراعة البرسيم عن القمح، وتنخفض فى الفول إلى 30%، وفى العدس تنعدم زراعته حتى بعد ارتفاع أسعاره، كما نستورد 100% من احتياجاتنا من زيوت الطعام و70% من الذرة الصفراء (نستورد 8.6 مليون طن) وكلتاهما زراعات صيفية، بينما المساحات المحصولية تقتصر على زراعة الأرز فى حدود 1.5 مليون فدان، انخفضت بقرار حكومي إلى حوالي 725 ألف فدان، والقطن فى مساحة ربع مليون فدان وهو عالى استهلاك المياه ويفوق الأرز فى استهلاكه لها، ثم نزرع الباقى بالذرة البيضاء التى لا سوق ولا حاجة لها سوى البيع فى البلاجات والكورنيش كذرة مشوى واستبدالها بالذرة الصفراء وعباد الشمس وفول الصويا حتمى ويحقق الاكتفاء الذاتى منهما بزراعة 2.5 مليون فدان ذرة صفراء و1.5 مليون فدان صويا وعباد شمس خاصة أن كسبة الصويا تباع لمصانع مصنعات اللحوم والتى تستوردها بالكامل من الخارج وبسعر لا يقل عن ثمانية آلاف جنيه للطن، بالإضافة إلى أهمية كسبة الصويا والعباد ومعهما كسبة القطن فى تصنيع الأعلاف الحيوانية والداجنة والسمكية، بينما وزارة الزراعة تعلن عن بوار 3 ملايين فدان من الأرض الزراعية فى العروة الصيفية الماضية و4 ملايين فدان فى العام السابق له بما يمثل علامة استفهام كبيرة.[3] أما عن العدس فالأمر لا يحتاج سوى لزراعة 100 ألف فدان منه شتاء لتحقيق الاكتفاء الذاتى الكامل منه وكانت مصر واحدة من أكبر الدول المصدرة له منذ ثلاثين عاما فقط، وهى مساحة يسهل تدبيرها، وتدبير نصف مليون فدان للاكتفاء الذاتى من الفول البلدى وسط منافسة شرسة شتاء مع البرسيم بشكل أساسى ثم البنجر والقمح لأن الفلاح- وهذا من حقه- يزرع لخيواناته قبل أن يزرع لنفسه لما تدره عليه من دخل يومى من بيع اللبن وتصنيع الجبن والزبدة، وبالتالى فالأمل فى الأراضى الجديدة الأقل استهلاكا للمياه فى التوسع الشتوى فى هذه الزراعات. اكتفاء من الفواكهة وخسائر بالجملة أما تجاهل النظام السعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الأساسية كالقمح والذرة الصفراء ، بخلاف أزمات القطن والأرز وقصب السكر، فإن مصر لا تحقق اكتفاء ذاتيا في غذائها سوى في الخضروات والفاكهة بل بإنتاج أعلى كثيرا من متطلبات السوق بما يؤدى إلى انهيار الأسعار وخسارة المزارعين، وبالتالى ينبغى ضمان حد أدنى لأسعار مختلف صنوف الخضروات والفاكهة لتحديد حد أدنى لربح المزارعين ليحافظوا معه على الأراضى الزراعية كرأس مالهم ولا يفكرون فى التخلص منها بسبب انخفاض ربحية العمل فى القطاع الزراعى وتحوله إلى قطاع غير مربح يؤدى بصغار العاملين فيه إلى السجن بسبب تراكم المديونيات وخسارات الزراعة السنوية، بسبب انخفاض الأسعار أو السياسات الخاطئة من بعض الوزراء، أو لحاجة القطاع إلى إعادة الهيكلة وتنشيط الصادرات والالتزام بالقواعد العالمية فى مواصفات سلامة الغذاء ونسب متبقيات المبيدات والأسمدة. الغريب أن بعض قرارات الحكومة تؤدي إلى خسائر فادحة للفلاحين وقطاع الزراعة عموما؛ فعلى سبيل المثال أدت سياسة وزارة التموين بحكومة الانقلاب بعدم الإعلان عن أسعار استلام القمح من المزارعين الشتاء الماضي قبل موسم الزراعة بمدة كافية ليطمئن المزارع على سعر المحصول ودخله المتوقع، كما يحدث من عشرات السنين، وبالتالى تسبب تأجيل إعلان السعر إلى إبريل قبيل حصاد المحصول إلى تخوف المزارعين من تربص الوزارة بهم وفرضها لسعر إذعان منخفض للقمح لا فرار للفلاح من قبوله. أدى هذه القرار العشوائي إلى هروب مزارعى القمح إلى زراعات الخضروات خاصة البطاطس والطماطم والبسلة والخيار والفلفل فانهارت أسعارها محليا لأنهم دخلوا إلى سوق مشبعة دون إرشاد زراعى يوجههم وتحملوا خسارات فادحة، وأعلنت وزارة الزراعة أن مساحة القمح المزروعة حتى الأسبوع الأخير من ديسمبر2017م انخفضت إلى 2.1 مليون فدان بدلا من 3.3 مليون فدان فى العام السابق؛ وبالتالى تخسر الدولة نحو 3 ملايين طن من القمح بما سيحمل الخزانة العامة للدولة أعباء استيراد كميات مماثلة، بالإضافة إلى الخسائر الكبيرة التى تكبدها الجميع من جراء انخفاض أسعار الطماطم والبطاطس محليا وعدم تنشيط صادراتها، رغم أن مصر هى خامس أكبر منتج عالمى للطماطم ومن الدول الكبرى المنتجة للبطاطس، ويبقى…