بعد أيام من الترقب، شن حزب الله، هجوما على هدف إسرائيلي في الأراضي المحتلة، كرد على استهداف مركز حزب الله اللبناني في منطقة عقربة على طريق دمشق الدولي، قبل أسبوع، وأدى لمصرع عنصرين من حزب الله…
وبالتزامن مع ذلك، يشهد لبنان توترات أمنية متصاعدة مع سقوط طائرتين مسيرتين في الضاحية الجنوبية معقل حزب الله فجر الأحد الماضي، وانفجار إحداهما.
وفي ردود محسوبة وغير منزلقة كما كان الوضع في يوليو 2006، قصفت اسرائيل بنحو 100 قذيفة مناطق -قيل انها خالية- بالأراضي اللبنانية، وحشود عسكرية على مناطق التماس بالجنوب اللبناني، في عملية استهدفت خلط الأوراق في المنطقة، لتسريع المواجهة الأمريكية ضد ايران بالمنطقة، في اختراق لقواعد اللعبة الاسرائيلية مع حزب الله المطبقة واقعيا منذ العام 2006…
وأعلن حزب الله اللبناني الأحد، عن تدمير آلية عسكرية إسرائيلية عند طريق ثكنة أفيفيم، وقتل وجرح من فيها، بحسب بيان له، منهم رتبة عقيد وثمانية جنود..، بحسب بيانات متداولة في وسائل الاعلام الأمريكية.
وعقب الهجوم، أطلقت قوات الاحتلال ما يقارب 100 قذيفة نحو الأراضي اللبنانية، وأعلن الجيش الإسرائيلي أن “اندلاع القتال مع حزب الله على الحدود انتهى على ما يبدو، بعد أن أطلق الحزب صواريخ مضادة للدبابات، وردت إسرائيل بضربات جوية ونيران مدفعية”…
حزب الله وقواعد الاشتباك
التعاطي السياسي لحزب الله حقق انتصارا، استطاع مكانيا وزمانيا، أن يثبت قواعد الاشتباك مع اسرائئيل، “قصف بقصف”..وهو ما يراه مراقبون بأن نجاح حزب الله في اعادة بث الخوف والهلع ، انعكست على المستوطنين قبالة الحدود اللبنانية على مدار أكثر من أسبوع، عنصر ايجابي قد يخفف من تأثيرات التصعيد الاسرائيلي…
وعلى الصعيد السياسي، تحقق بعض النجاح في افشال أهداف رئيس الوزراء الصهيوني نتانياهو، الذي استهدف استعراض القوة العسكرية ليقول للناخب الاسرائيلي، أني الرجل الأقوى في إسرائيل، وعليه أن يعتمد على الأقوياء لحفظ أمنه…فيما لا يزال حزب الله محتفظا لنفسه بأنه سيكون هناك رد على هجوم الضاحية الجنوبية..
أهداف اسرائيلية
ولعل التصعيد الاسرائيلي الشامل في مناطق التمدد الايراني، كان له حسابات اسرائيلية، أرادت تل أبيب ارساءها، حيث استهدفت الطائرات الإسرائيلية، ليلة 24أغسطس 2019، موقعًا قرب بلدة عقربا، جنوب شرقي دمشق، ادّعت إسرائيل أنها دمرت خلاله مجموعة من الطائرات المسيرة الإيرانية، كانت تستعد لشن هجمات ضدها، ردًّا على قصف أهداف إيرانية في العراق، خلال الأسابيع القليلة الماضية. وبعد ذلك بنحو ساعتين، أي فجر 25 أغسطس، هاجمت طائرتان مسيّرتان أهدافًا في الضاحية الجنوبية في بيروت، ادّعت وسائل إعلام إسرائيلية أن لها علاقة بعملية تحسين دقة الصواريخ البعيدة المدى التي يملكها حزب الله. وفي حين كان الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، يلقي خطابًا يتوعّد فيه بالرد، هاجمت طائرات إسرائيلية مواقع لصواريخ إيرانية حديثة على الجانب العراقي من الحدود العراقية – السورية؛ ما أسفر عن تدميرها. وبعد ذلك بعدة ساعات، هاجمت طائرات إسرائيلية موقعًا عسكريًا في منطقة قوسايا، في البقاع اللبناني، تتبع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، وتدّعي إسرائيل أنها تُستخدم ممرًّا لتهريب السلاح من سورية إلى حزب الله في لبنان.
توقيت الضربات الإسرائيلية، جاء بالتزامن مع محاولة من نتنياهو لتحريض الولايات المتحدة على القيام بمواجهة ضد إيران. إلا أن الأمريكان وحلفاءهم، لم يتجهوا لهذا الاتجاه الذي ترغبه إسرائيل، والوساطة الفرنسية تقدمت كثيرا، ما أثار مخاوف نتنياهو الذي لا يريد أي تقارب أمريكي إيراني أو أي اتفاق يعيد الأمور إلى نصابها.
وكذلك أراد نتنياهو تحريض اللبنانيين، على حزب الله، إلا أنه لم يستطع تحقيق هدفه في ذلك، وهذا ما أظهره الاصطفاف في المواقف السياسية والإجماع الوطني في البلاد مع حزب الله.
وضمن أهداف الضربة الإسرائيلية،، تغيير منطوق القرار الدولي 1701، وتغيير مضمونه، بما يشمل قوات الطوارئ الدولية الموجودة، لكي تكون قوة رادعة تمنع أي تحرك لحزب الله على الحدود.
لا رغبة بالتصعيد
ومن حانب اخر، يمكن قراءة هجوم حزب الله في الشمال، من ناحيتين؛ الأولى، رغبة الحزب بإبقاء قواعد الاشتباك ضمن معادلات الردع، وهذا الأمر بات واضحا لجهة رده في المكان والزمان ونوعية الهدف.
بجانب إيصال رسالة لإسرائيل بأن أي اعتداء على حزب الله سواء في سوريا، أو لبنان سيكون هناك ردا مباشرا دونما تأخير.
إلا أن الواضح بأن حزب الله وكذلك إسرائيل لا يريدان التصعيد، وأخذ التطورات إلى حرب مفتوحة، وهذا الأمر مرتبط لدى الجانبين بالعديد من الاعتبارات.
بينما يرى مراقبون أن إسرائيل تحاول وضع قواعد اشتباك جديدة رغبة منها في رسم خطوط عريضة للمسارات العسكرية في المنطقة، وحزب الله لن يصمت عن أي اعتداء إسرائيلي لكن ضمن الظروف الإقليمية. فظروف الحرب الشاملة لم تنضج بعد، وهذا ما يدل عليه طبيعة الرد من حزب الله، والرد المضاد من إسرائيل، والتي لن تؤدي إلى تصعيد، وخاصة أن إسرائيل مقبلة على انتخابات، ونتنياهو لا يريد سوى الحصول على مكاسب سياسية، تنجح في نقله وحزبه إلى الضفة الأخرى..
ويمكن القول بأن هجوم حزب الله ورده بهذه الطريقة الاستراتيجية، والصور التي تم تسريبها لجهة نقل الجنود المصابين وعطفا على المؤتمر لصحفي لنتنياهو، والقول بأن لا إصابات، سيجعل نتنياهو يفقد الكثير من النقاط السياسية في الانتخابات.
سيناريوهات التوتر
وتبرز العديد من السيناريوهات ، إزاء التصعيد العسكري الصهيوني بالجبهة الشمالية مع لبنان وسوريا، بحسب عمير ربابورت، في تقريره المطول بصحيفة مكور ريشون اليمينية الإسرائيلية…
أولها، تنفيذ حزب الله عملية انتقامية ضد إسرائيل، ردا على مهاجمتها قواعده العسكرية وقوافله من الأسلحة داخل لبنان وسوريا، في حين تلتزم إسرائيل الصمت، وهذا هو السيناريو الأكثر ترجيحا؛ لأن الحزب ملزم بالانتقام من إسرائيل بسبب ضرباتها الأخيرة في لبنان، وهو ما جرى بالفعل، بسبب توقيت العملية الانتخابية والانصراف الأمريكي عن التصعيد العسكري مع ايران..
وذلك، لأن الحزب حريص على التمسك بالردع الذي حققه أمام إسرائيل منذ حرب لبنان الثانية 2006، ولا يريد التفريط به..
ثانيها، الانزلاق إلى حرب مفتوحة واسعة، تشمل كلا من إسرائيل وسوريا وإيران وحزب الله، وقد سبق لبنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية أن هدد هذه الدول مجتمعة بأنها ستدفع ثمنا باهظا في حال هاجمت إسرائيل، وهذا يعني تحذيرا واضحا جدا بأن إسرائيل قادرة وعازمة على تنفيذ هجمات داخل الأراضي اللبنانية، وربما الإيرانية..إلا أن القرار مرتبط بالحليف الأمريكي الذي يرى تأجيل التصعيد الشامل…
ثالثها، فرضية انضمام غزة إلى حرب في الشمال بين إسرائيل وحزب الله، وهو سيناريو يبدو منخفضا، على الأقل حتى الآن، رغم أنه سيضع صعوبات أمام القبة الحديدية في التصدي لصواريخ من جبهتين في آن واحد..
مصالح مريبة!!
ومن زاوية ثانية، لا تخفى على المراقب، تشيء القراءة التحليلية لمعادلة الصراع المعلن بين جزب الله واسرائيل، إلى انه لا حزب الله ولا نتنياهو يرغبان في الحرب الان، فالأول لا يزال مشغولا في قتل الثوار السوريين وخدمة بشار الاسد، والثاني مشغول في اعادة الانتخابات ولا يرغب في تصعيد يعلم جيدا انه سيستمر عاما على الاقل وسيطال هذه المرة اعداد أكبر من القتلى الصهاينة وتدمير عدة مناطق. بل أن لنتنياهو مصلحة في ان ينجح حزب الله في دعم بشار الاسد في فرض سيطرته على كل انحاء سوريا، لأن الاسد من نوعية الحكام العرب المدجنين الذين يسهل قيادتهم والسيطرة عليهم ولن يحارب اسرائيل، كما ان انتصار الاسد ووصوله لحدود تركيا سيشغل تركيا التي تعتبرها الدولة الصهيونية عدوا.
ويرى مراقبون أن رد حزب الله الاخير على تل ابيب محاولة لاستعادة دوره السياسي والعسكري في لبنان في وقت بدأت أطراف لبنانية تطالب بتحجيم دوره بعدما شارك في قمع ثورة سوريا واظهر وجها عدوانيا في مواجهة تطلعات الشعوب يختلف عن الدور الذي رسمه لنفسه كحامي للعروبة ضد دولة الاحتلال عام 2006.
كوابح الحرب والتصعيد العسكري
حيث تفرض المعادلة السياسية والميدانية شكلا غير تصعيديا بين الجانبين، حيث تبرز العديد من الكوابح والعراقيل، التي باتت بمثابة معادلة لتقليل حجم التصعيد، مع بقاءهه عند خدوده المرسومة واقعيا مذ العام 2006..ومنها:
-اللجوء السوري: حيث لا يمكن لأحد، تحديداً الأوروبيين، تحمّل أي خضّةٍ أمنيةٍ في لبنان. أي لجوء جديد للسوريين واللبنانيين والفلسطينيين من لبنان، يعني حتماً الترحال إلى أوروبا، لا سوريا، على غرار ما حصل عام 2006.
-المصالح الروسية الأمريكية،
أيضاً، تفيد الحسابات بأن ما أرساه الأميركيون والروس في سورية، وخصوصاً في الجولان المحتلّ بين السوريين والإسرائيليين، وإعادة إحياء اتفاق فك الاشتباك الموقّع عام 1974، وحالياً ما يجري ترتيبه بين السوريين والأتراك في الشمال السوري، وإعادة إحياء اتفاق أضنة 1998 معدّلاً، تفيد بأن هذا كله سيفتح مجالاً لخطوة مماثلة في لبنان بين اللبنانيين والإسرائيليين، وإعادة إحياء اتفاقية الهدنة 1949 معدّلة أيضاً..
-أولويات الأطراف: ويُمكن أيضاً قراءة مؤشرات احتمال نشوب حربٍ من عدمها، وفقاً لأولويات كل طرف. ماذا يريد الإسرائيلي مثلاً؟ يريد انتخابات كنيست تؤدّي إلى تشكيل حكومة، ويريد التجهيز لتمرير الشق السياسي من “صفقة القرن” (خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية)، وتحقيق أمن التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط وتصديره. وفي العناوين السياسية، لا يريد أن تصبح إيران نووية ولا على حدوده، ولا أن يتشارك القدس المحتلة مع الفلسطينيين، ولا التخلّي عن بناء المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، وتمتين علاقاته أكثر بالدول العربية.
في المقابل، ما هي أولويات حزب الله؟ حالياً، لا يريد سوى الداخل اللبناني الذي دائماً ما كان نقطة انطلاقٍ له، وأي خللٍ في القاعدة الأساسية يستدعي خللاً في باقي المواقع. لا يستعجل الحزب الردّ على الإسرائيليين، لا بل سيحاول تحقيق ردٍّ يسمح بإبقاء الأمور على ما هي عليه، من دون الوقوع في حربٍ شاملة. لا يريد أكثر من تمتين قوته في المنظومة الدولتية، مساراً اعتمده منذ نحو عامين، عبر المشاركة في النظام اللبناني، مثل باقي الأحزاب، ووفقاً لمفهوم الحصص المعروف في البلاد، غير أنه، في الوقت نفسه، يدرك أن العقوبات الأميركية ليست تفصيلاً، وأنها مستمرّة بزخمٍ، حسبما ظهر في العقوبات الأخيرة على أحد المصارف اللبنانية..
بالإضافة إلى ذلك، تجاوز الاشتباك الأميركي ـ الإيراني احتمال الصدام العسكري بينهما في انتظار تبلور صيغة التفاوض السياسي، وهو ما سينعكس حتماً على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، كما سينعكس على ترسيم الحدود بين اللبنانيين والإسرائيليين، والمفترض أن يحصل قريباً.
ما بعد التصعيد
العمطيات السابقة تبقى المخاطر متعاظمة ، فبحسب دراسة للمركز العربي لدراسة السياسات، يعد التصعيد الصهيوني المتنوع ضد ايران وحلياءها الاقليميين في لبنان والعراق وسوريا، بمثابة محاولة إسرائيلية لتدشين مرحلة جديدة من التعامل مع حزب الله، بحيث تستبيح إسرائيل الأراضي اللبنانية كما تستبيح الأراضي السورية (وأخيرا العراقية) بذريعة منع تكريس الوجود العسكري الإيراني فيهما.
وعلى الرغم من رفع مستوى التصعيد، والمجازفة بفتح مواجهة مع إيران وحلفائها في المنطقة، فإن إسرائيل لا تسعى، على ما يبدو، إلى مواجهة عسكرية شاملة مع حزب الله في هذه المرحلة بالذات. ويبدو أن إسرائيل أدركت، عندما أقدمت على هذه الخطوة، أن حزب الله وإيران أيضًا لا يريدان هذه المواجهة، خصوصًا في هذه المرحلة التي يخضعان فيها لضغوط أميركية شديدة..
ويسعى نتنياهو من خلال هذا التصعيد، على ما يبدو، إلى الضغط على حزب الله عسكريًا، إضافة إلى الضغط السياسي والاقتصادي والدبلوماسي الذي تمارسه واشنطن عليه، لعرقلة أو وقف تعزيز ترسانته الصاروخية، وتحسين قدراتها على إصابة الهدف. ويستند نتنياهو، في تصعيده المحسوب، إلى فائض القوة الذي تملكه إسرائيل، وإلى الضعف الذي أبداه ما يسمى “محور المقاومة” في مواجهة استباحة إسرائيل الأراضي السورية والعراقية، وإلى الدعم الأميركي الكبير لإسرائيل، في مرحلةٍ تضغط فيها واشنطن بشدّة على إيران لدفعها إلى التفاوض والتخلي عن برنامجها الصاروخي. ومن الواضح أن إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تتصرف في هذا السياق، وكأنها تتبع أجندة إسرائيلية.
إلى جانب ذلك، بات نتنياهو الذي يشغل، إضافة إلى رئاسة الحكومة، منصب وزير الأمن يتمتع بسلطات واسعة بخصوص قرار شن عمليات عسكرية كبرى، بل حتى اتخاذ قرار بالحرب، سيما بعد التغييرات التي حصلت في تركيبة مجلس الوزراء المصغر (الكابينت الأمني السياسي)؛ إذ لا توجد فيه معارضة تُذكر لنتنياهو، وكذلك في رئاسة هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، فمنذ بداية هذا العام (2019) تبوأ هذا المنصب أفيف كوخافي، والذي يحسب على الصقور في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، ويتخذ مواقف تصعيدية في ما يخص إيران وحلفاءها. ومع ذلك، يضم مطبخ نتنياهو الأمني – العسكري رؤساء الشاباك والموساد وهيئة الأمن القومي، وجميعهم مقرّبون من نتنياهو. ومن الواضح أيضًا أن نتنياهو، لأسباب انتخابية بيّنة، يتعمد توضيح أنه هو صاحب القرار في شن هذه الهجمات ضد أهداف إيرانية على امتداد المنطقة، والظهور بمظهر رجل إسرائيل القوي الذي لا يتردّد في اتخاذ قرارات كبرى لحماية أمن إسرائيل.
ويبدو أن إسرائيل بذلت، في الشهور الأخيرة، جهودًا لدى ترامب وأركان إدارته؛ من أجل السماح لها بضرب الصواريخ الإيرانية المتطوّرة التي تم نقلها إلى العراق، وكذلك استهداف المصانع التي (وفق زعمها) تنتج أو تعيد تركيب الصواريخ بعيدة المدى الخاضعة للمليشيات العراقية الموالية لإيران. ففي زيارته بغداد في مايو 2019، عرض وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، على رئيس الحكومة العراقية، عادل عبد المهدي، صور التقطت من الجو لمخازن صواريخ إيرانية، ومصانع أسلحة تعمل لصالح إيران، موجودة في العراق تحت سيطرة الحشد الشعبي. وطلب منه إزالتها من العراق، وأوضح له أنه إذا لم تُزَل، فربما تُقصَف. كما دعا بومبيو رئيس الحكومة العراقية إلى حل المليشيات الموالية لإيران في العراق، وإلى دمجها في الجيش والمؤسسة الأمنية العراقية، بما يضعها تحت سيطرة الدولة العراقية.
ويرجَّح أن إسرائيل حصلت، قبل نحو شهرين، على موافقةٍ أميركية بقصف مخازن الصواريخ الإيرانية، وبعض مصانع الصواريخ التي تعمل لصالح المليشيات الموالية لإيران في العراق؛ إذ من المستبعد منطقيًا أن تقوم إسرائيل بهذه الهجمات من دون موافقة أميركية، في ضوء خضوع العراق المطلق للهيمنة الجوية الأميركية.
وقد شنت إسرائيل في الشهرين الماضيين خمس هجمات، على الأقل، على أهداف إيرانية في
العراق، في 19 و28 يوليو، وفي 12 و20 و25 أغسطس 2019. وعلى الرغم من أن إسرائيل لم تعلن رسميًا مسؤوليتها عن هذه الهجمات، فإنها لم تنف، في المقابل، ذلك (فهذا أسلوب إسرائيل؛ أي إن عدم النفي يعني الإيجاب)، بل ألمح نتنياهو، في أكثر من مناسبة، ومسؤولون إسرائيليون آخرون، ووسائل الإعلام الإسرائيلية، إلى مسؤولية إسرائيل عن هذه الهجمات، وأنها ستستمر في شنّها ما دامت هناك ضرورة للقيام بها. كذلك أكد مسؤولون أميركيون لصحيفة نيويورك تايمز أن إسرائيل هي التي قامت بهذه الهجمات في العراق.
خاتمة
وتبقى المآلات المستقبلية هي الأخطر، فعقب نتيجة الانتخابات الاسرائيلية المقبلة، ستسعى اسرائيل للاستفادة من الظروف الإقليمية والدولية المواتية (دعم أميركي مطلق، تواطؤ روسي، تطبيع بعض الدول العربية) لتحقيق أهداف بعيدة المدى لإضعاف النفوذ الإيراني على امتداد المنطقة، وكذلك الاستفادة من ضعف قدرة ايران وحلفائها على الرد، بعد أن بدّدوا رصيدهم وطاقاتهم في مواجهاتٍ طائفية، حولت بعض الثورات العربية إلى حروبٍ أهلية صبت في مصلحة إسرائيل.
بناء عليه، لا يتوقع أن تؤدي الاعتداءات الإسرائيلية أخيرا في ثلاث دول عربية إلى مواجهة كبرى، لعدم رغبة الطرفين فيها في هذا الوقت على الأقل، فحزب الله يعد نفسه قوّة احتياط لردع إسرائيل عن القيام بضرب إيران، إلى جانب حماية نفسه ولبنان. كما أنه، وكذلك إيران، غير معنيين بحرب مع إسرائيل في هذه المرحلة. ومن ثم جاء رد فعل حزب الله محدودا، غايته منع إسرائيل من تغيير قواعد الاشتباك، واستباحة لبنان كما تفعل في سورية والعراق.
وقد كان التغيير الأولي في التعامل الإسرائيلي، بمعزل عن “معادلة الرعب” أو قواعد الاشتباك التي سادت منذ عدوان 2006، مع دخول الحزب في الحكومة اللبنانية الحالية.