مع ظهور ورقة الموازنة اللبنانية للعام المالي الجديد 2020، وما تضمنته من اجراءات اقتصادية تقشفية وضرائب جديدة، ختى انفجر اللبنانيون في كل المدن اللبنانية، في النبطية وبيروت وصور والعديد من المدن اللبنانية …
وبمجرد الإعلان عن مشروع قرار بفرض ضرائب على اتصالات الواتساب، وزيادة القيمة المضافة من 11 إلى 14% وتظاهر آلاف اللبنانيين الغاضبين، ووصلت الاحتجاجات لقلب العاصمة بيروت، وسط مطالبات حزبية وشعبية صريحة باستقالة حكومة الحريري والتي ألغت قرار ضرائب الواتس أب خلال ساعات.
وأهم ما ميز انتفاضة الشعب اللبناني، تجاوزها الموزاييك الطائفي والتقسيمة الطائفية ، بل إن القوى السياسية بأطيافها المختلفة تحاول ركوب الموجة الشعبية، بتحميل الأطراف الأخرى أسباب التظاهرات المتفجرة بلبنان…
وسط حياد من الأجهزة الأمنية والجيش، الذين يسعون فقط لفتح الطرق وضمان سلامة المعتصمين، والبقاء في أماكن محددة وبعيدا عن الطرقات العامة، لضمان عودة الحياة المتوقفة بللبنان…
فيما يسعى البعض من الطبقة السياسية ليُخرج نفسه من هذه الورطة بالقول إنه مع هذا الحراك، وذلك بالرغم من أنه شريك في السلطة وشريك بالفساد وبالصفقات، شركاء السلطة بدءًا من رئيس الجمهورية وصولاً إلى شركاء السلطة من القوى السياسية مسؤولون عن الوضع المتردي الآن…
أسباب اقتصادية
ويعاني لبنان من تراجع معدل النمو من 10% في 2010 إلى 1% في 2018، كما تراجع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي معادلًا بالقوة الشرائية من حوالي 14400 دولار في 2010 إلى 11600 دولار في 2018 …
وسجل الاقتصاد اللبناني في العام 2018 نموًا بالكاد بلغ 0.2%، وقد فشلت الحكومات المتعاقبة بإجراء إصلاحات بنيوية في البلد الصغير الذي يعاني من الديون والفساد.
كما يعاني لبنان من نقص في تأمين الخدمات الرئيسية، وترهل بنيته التحتية. ويُقدّر الدين العام اليوم بأكثر من 86 مليار دولار، أي أكثر من 150% من إجمالي الناتج المحلي.
بجانب ارتباك سوق الصرف المحلية، وتذبذب وفرة الدولار، وارتفاع سعر الصرف في السوق السوداء فوق 1650 ليرة/دولار، مقابل 1507 رسميًا.
وبجانب ازمات تراجع النمو، التي أثرت على المواطنين، تراجعت التدفقات الخليجية مغاضبةً حينًا من نفوذ حزب الله الإيراني، ومنشغلةً حينًا بمعارك أخرى في سوريا واليمن ومصر وليبيا، وقاصرةً أخيرًا عن مواصلة الدفع بلا حساب في ظل تراجع أسعار النفط. فجأة، صار لبنان، مصرف العرب الكبير وبوابة أموالهم التي لم تنغلق حتى في أيام الحرب، خاضعًا لعقوبات الخزانة الأمريكية بسبب حزب الله، ولم يعد في باريس صديقًا للحريري الابن كما كان شيراك للأب. والجارة الكبرى ظلت، بعد اندلاع الثورة فيها، معضلة للداخل اللبناني رغم انسحاب جيشها منه.
الطبقة الوسطى العابرة للطائفة
ولعل ما بعطي الحراك اللبناني فعاليته، ألطبقة الوسطى العابرة للطوائف، تنشغل بالتعليم والعمل والإثراء والمهنة والسفر عن سلاح الطائفة وحربها، وهي تريد إنصاف الدولة، لا دفء الطائفة، وكفاءة البيروقراطي لا نزاهة شيخ الملة. لم يعد الماروني أفندي لبنان الوحيد، فاليوم ثمّ أفندية سنة، ولم يعد كثير من الشيعة «محرومين» كآبائهم، ولم تعد «الفينيئية» حصرية على السيد باسيل وأتباعه. لا تدعو تلك الصورة إلى التفاؤل وإنما إلى فهم أن مياها كثيرة جرت تحت الجسر، وأنك لا تنظر إلى النهر الواحد مرتين.
الأزمة الطائفية
ولعل من ابرز المعضلات أمام لبنان، البناء الطائفي، فقبل عدة أعوام، تغيرت خريطة القوى السياسية/الطائفية في لبنان. عاد العماد ميشيل عون ليكون رجل المارون الأقوياء، وليكون صهره جبران باسيل رجل الحكومة القوي. وجد حزب الله في التيار الوطني الحر (عون) حليفًا مارونيًا يوفر غطاء دوليًا ودعمًا رسميًا ضروريًا للحزب، ووجد عون في الحزب ظهيرا محليا لا يمكن اللعب بدونه. الحريري نزل على موازين القوى القائمة التي يفرضها سلاح الحزب وتحالفاته المتماسكة. أدى ذلك إلى الاتفاق الرئاسي الشهير في أكتوبر 2016، لعون الرئاسة وللحريري الحكومة، وللحزب التحكم دون الحكم.
ما حدث في الانتخابات البرلمانية الأخيرة أظهر أن القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع نجحت في منافسة التيار الحر على ثقة الطائفة، فتقلص الفارق جدا بين الحزبين. حزب الله بدا اللاعب الأعقل وفرس الرهان الرابح دوما، فتقدم كثيرا برفقة حلفائه من السنة. أما الحريري، فقد حصد ثمار ضعفه وتردده بهزيمة انتخابية ساحقة. لكن ما بدا خسارة آنذاك، قد يكون فرصة تاريخية للحريري اليوم.
وشكل الحريري حكومته في يناير الماضي بعد ابتزاز شديد من حزب الله والتيار الوطني الحر (الذي أصبح اسمه البرلماني كتلة «لبنان القوي» واشتهر باسم «العهد») أدى إلى أن يكون ضمن الحكومة الثلاثينية العدد نحو 11 وزيرا من التيار الوطني الحر وحده، فضلا عن الوزراء الشيعة الذي يؤمّنون لقوى 8 آذار (حزب الله وحلفائه أمل والتيار الحر) أغلبية حكومية مريحة على غرار أغلبيتهم البرلمانية وهيمنتهم الفعلية؛ حيث يبدو جبران باسيل رئيس الوزراء الفعلي لا الحريري.
وجاء الحراك مطالبا بازاحة الجميع من المشهد السياسي، تحت شعار المظاهرات «كلّن يعني كلّن»، ورغم أن هجوم أبناء الطوائف الحاسم على رؤسائهم التاريخيين كما حدث مع الرئيس بري في صور، ومع الرئيس ميقاتي في طرابلس، ومع عون نفسه في بعبدا، وضد قيادات حزب الله في الجنوب اللبناني، يعني أن ثمة إرادة شعبية فعلية لتجاوز لعبة الكراسي الموسيقية بين زعماء الطوائف وأحزابها وصولا إلى حزب الله الذي حاول أن يتخفى كثيرا وراء شعار المقاومة؛ إلا أن الواقع لا يسمح بتحقّق هذا الشعار قبل انتخابات برلمانية جديدة، وقبل أن تنشأ قوى سياسية جديدة عابرة للطوائف، وهو حلم بعيد المنال.
موازنات القوى السياسية
ويبدو «العهد» الخاسر الأكبر الذي ستنصب عليه وعلى رجله في الحكومة جبران باسيل، لعنات الجميع. يحاول خصما العهد، القوات اللبنانية ورئيسها سمير جعجع من المارون، والتقدمي الاشتراكي ورئيسه وليد جنبلاط من الدروز، استغلال الأزمة لإسقاطه. جعجع يسعى لحصد أراضٍ جديدة داخل طائفته يكسر بها أغلبية التيار الوطني النسبية.
أمام الحريري في المقابل فرصة تاريخية لاستعادة هيمنة أبيه وفرض نفسه على الطاولة، خاصة إذا صدقت الوعود السعودية بقروض ومساعدات جديدة لحكومته. يمكن للحريري أن يقدم نفسه ضحية لابتزاز العهد وتحالف 8 آذار بين نصر الله وعون وبري، وهو التحالف الذي لم يقدم شيئًا للجماهير إلى اليوم رغم قوته، بينما تبدو بقايا قوى 14 آذار (القوات اللبنانية والتقدمي الاشتراكي) بانتظار فرصة لاستعادة ذكريات الحريري الأب.
وهو ما يبدو أن الحريري يلعب عليه باعلانه الاقتصادي، الذي تضمن 10 وعود اقتصادية، قلل من شأنه اللبنانيون الذين ينتظرون الكثير، سواء بانتخابات مبكرة، او اجتثاث لقواعد اللعبة الطائفية من حذورها..وهو ما استجاب له الحريري يوم الاثنين 21 اكتوبر، باعلانه استعداده الذهاب لانتخابات برلمانية مبكرة ، وهو على ما يبدو لا يروق لتحالف حزب الله، في الآونة الأحيرة، وسط ضغوط دولية على ايران في الخليج العربي وفي سوريا…بجانب أن رحيل الحريري عن الحكومة يعني تولي حزب الله الحكومة، وو ما سيتواجه مع تحديات دولية بوضع الحزب ضمن ما يعرف بقوائم الإرهاب، وهو ما يستحيل معه ولوج أية استثمارات اجنبية إلى لبنان…ما يفاقم الزمة الاقتصادية اللبنانية…
التعاطي الحكومي
حاول سعد الحريري التعاطي السريع مع المظاهرات، داعيا الأطراف السياسية اللبنانية لتقديم حلول، مؤكدا أن لبنان يواجه عجزا كبيرا بسبب الديون ونفقات الكهرباء وسلسلة الرتب والرواتب والهدر، وأن الحل هو في زيادة النمو، وضخ أموال ودماء جديدة في الاقتصاد، داعيا إلى “تعديل القوانين القديمة التي تجاوزها التاريخ…
وقام رؤساء وزراء سابقين محسوبين على المسلمين السنة، إلى التضامن مع الحريري، وأبدى ثلاثة رؤساء حكومة سابقون في لبنان وهم فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمام سلام تفهمهم للاحتجاجات التي تشهدها البلاد، غير أنهم أكدوا رفضهم لأي تصعيد وأبدوا دعمهم لرئيس الوزراء سعد الحريري في ما اعتبروها “محنة”، في حين حذرت دول عربية مواطنيها من السفر إلى لبنان.
وأطلقوا ثلاثة بنود؛ أولها “التفهم المطلق للتحرك الشعبي والدعوة للحفاظ على سلمية التحرك”، والثاني “مناشدة جميع القيادة السياسية وعدم إطلاق مواقف تصعيدية وانفعالية لا طائل منها“.
وأقر الرؤساء السابقون الثلاثة للحكومة بأن “لبنان دخل منعطفا دقيقا في ظل أزمة سياسية تلوح في الأفق”، وأكدوا أن هناك “غضبا شعبيا نتفهمه نتيجة الأزمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة التي يعيشها الوطن واللبنانيون“.
وتحدث البيان المشترك عن تفتيت المسئولية عن الحريري فقط وقال “ما يجري سبقته مواقف تصعيدية لفرقاء كانوا ولا يزالون مشاركين أساسيين في السلطة منذ وقت طويل“.
ومع استمرار التظاهرات، أعلن سعد الحرير عن ورقة اصلاحية –وصفها مراقبون أنها بلا ضمانات- ومنح الحريري شركاءه في الحكومة، في إشارة إلى حزب الله والتيار الوطني الحر الذي يتزعمه الرئيس اللبناني ميشال عون، مهلة 72 ساعة، حتى يؤكدوا التزامهم المضي في إصلاحات تعهدت حكومته القيام بها العام الماضي أمام المجتمع الدولي، مقابل حصولها على هبات وقروض بقيمة 11.6 مليار دولار.
بينما أعلن الرئيس ميشال عون، السبت أنه “سيكون هناك حل مطمئن للأزمة”، فيما دعا حوب القوات اللبنانية وسمير جعجع استقالة الحكومى والدعوة لانتخابات مبطرة…
اما وليد حنبلاط، فقدم ورقة اصلاحية خاصة بحزبه ، ثم انسحب لما لم يلتفت اليها..
بينما دعا حسن نصر الله صاحب الاغلبية النيابية لحلول سياسية بعيدا عن الدعوة لانتخابات مبكرة، بةصفها مكلفة سياسيا واقتصاديا، اذ قد يتأخر تشكيل حكومة جديدة وفق نظام المحاصصة المتعارف عليه بلبنان، ما يفاقم الازمة السياسية بلبنان…وهو على ما يبدو انه سيكون مستقبل التظاهرات، اذ انه ليس بملك احد من اللبنانيين اعادة تشكيل دستور جديد او نظام جديد بعيدا عن نظام المحاصصة، وهو ما يجعل سقوط الحكومة ممنوع، حتى لا تخدث مشكلة اكبر، وعقبات أكبر، في ظل وضع اقتصادي مضطرب، وسط تلاعب اقتصادي بالدولار والليرة اللبنانية، وتصنيف كثير من الدول للبنان بأنها غير مستقرة..
ودعا رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع -المشارك في الحكومة بـأربعة وزراء -حكومة الحريري للاستقالة نظرا “لفشلها الذريع في وقف تدهور الأوضاع الاقتصادية ، معلنا ، مساء السبت، استقالة وزرائه الأربعة من الحكومة..
كما دعا رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط مناصري حزبه إلى التظاهر السلمي ضد ما سماه العهد، في إشارة منه إلى رئيس الجمهورية ميشال عون.
وقال “جنبلاط” إن العهد يحاول من خلال من وصفه برجله القوي، وزير الخارجية جبران باسيل أن يلقي المسؤولية على الغير، وهو الذي يعطل كل المبادرات الإصلاحية.
ومن جهته، دعا رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل إلى إجراء انتخابات نيابية مبكرة لمحاسبة الطبقة السياسية على ما وصفه بالغش والمتاجرة بأصوات المواطنين من أجل مصالحها الشخصية.
قيما يطالب المتظاهرون برحيل كل النظام السياسي “كلكن يعني كلكن”، وسط اعلان الجيش اللبناني فض اعتصام المتظاهرين في وسط بيروت..
تداعيات الانتفاضة
وسلّطت التظاهرات الضوء على الانقسام بين فريقين داخل الحكومة، تتباين وجهات نظرهما حول إجراء الإصلاحات من جهة، وملف العلاقة مع سوريا المجاورة من جهة ثانية.
وتعد الاحتجاجات هي الأكبر منذ عام 2015 خلال حملة ” طلعت ريحتكم”، وهي أكبر تحد لحكومة الوحدة الوطنية التي يتزعمها سعد الحريري والتي وصلت إلى السلطة قبل أقل من عام.
وبحسب مراقبين، يبدو أن السلطة اللبنانية ربما تعوّل الآن على تعب المعتصمين واستسلامهم، وربما تستثمر في ذلك لكسب المزيد من الوقت، بعدما فشلت الدعوات الحزبية في إعادة الناس إلى منازلهم، إلا أن، غالبية اللبنانيين، بدأوا الاثنين ، عصياناً مدنياً، استكمالاً لما أصبح يُعرف بـ “انتفاضة لبنان”، التي بدأت منذ يوم الخميس الماضي. وأقفل، الإثنين، عدد كبير من المحال التجارية والشركات بغالبية المناطق اللبنانية، وامتنع المواطنون عن الذهاب إلى أعمالهم، على الرغم من انتشار الكثير من الشكاوى من ضغوطات تعرضوا إليها من أصحاب العمل. كذلك، أغلقت كل المؤسسات العامة والمصارف أبوابها، وتم قطع الطرقات في غالبية المنافذ الرئيسية حيث تم تنفيذ اعتصامات متفرقة.
والأحد، نزل حوالي مليوني مواطن إلى الشارع، تركز العدد الأكبر منهم في بيروت وطرابلس والنبطية. وكان الشعار المشترك هو إسقاط النظام، إضافة إلى المطالب التي هتف بها المتظاهرون المرتبطة بوقف الفساد ومحاسبة السارقين للأموال العامة وتكثيف المشاركة بالتحركات… وطاولت الهتافات كافة المسؤولين والزعماء اللبنانيين، في اتهامات بالسرقة والفساد وتشارك المسؤولية في الأزمة المعيشية والمالية والنقدية التي يمر بها لبنان.
فيما هوت السندات الحكومية للبنان بمقدار سنت واحد أو أكثر يوم الاثنين21 أكتوبر. وتراجع إصدار 2025 بمقدار 1.34 سنت في الدولار ليجري تداوله عند 65.5 سنتاً، لتصل خسائر السندات في يومين إلى حوالي أربعة سنتات.
مطالب ثورية شاملة ترسم المستقبل
ووزع عدد من المشاركين بالتحرك ورقة تتضمن 10 مطالب أوليّة للخروج من الشارع، وتقوم على “استقالة الحكومة أولاً وفوراً وتعطيل مهام رئاسة الجمهورية ومجلس النواب فوراً، وتشكيل حكومة انتقالية (مجلس انتقالي) يتشكل من القضاة المشهود لهم بالمناقبية والنزاهة والمهنية وغير المرتبطين بالسلطة السياسية“.
ودعت المطالب إلى “رفع السرية المصرفية فوراً، والحجز على كل الأموال التي تفوق 100 مليون دولار في المصارف، إلى حين تشكيل لجنة قضائية للنظر فيها وتطبيق قانون الإثراء غير المشروع، وصولاً إلى مصادرة كل الأموال المنهوبة من الناس الموجودة في المصارف اللبنانية والخارجية“.
وأيضاً “مصادرة أموال كل زعماء الأحزاب والرؤساء والوزراء والنواب الذين تعاقبوا على الحكم منذ 10 سنوات حتى اليوم، الموجودة في لبنان والخارج. وإخلاء كل الأملاك البحرية والنهرية والبرية المنهوبة من قبل السياسيين فوراً، ومصادرتها“.
ودعت المطالب إلى “وقف دفع أي فوائد عن الدين العام للمصارف فوراً، وإعلان اقتطاع 75% من أرباح المصارف استثنائياً لمدة 3 سنوات لصالح خزينة الدولة وللخروج من الأزمة النقدية. واسترداد كل الأرباح التي حققتها المصارف من الهندسات المالية فوراً.
ووقف رواتب النواب والوزراء والرؤساء الحاليين والسابقين فورا“.
كذا، طالب المعتصمون بـ “إسقاط الأحكام عن كل الملاحقين، بسبب مشاركتهم بالتحركات في الشارع اللبناني منذ العام 2015 حتى اليوم. محاسبة الذين اعتدوا على المتظاهرين. وقف صلاحيات مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية في ملاحقة الناس بسبب انتقاد أو شتم الرؤساء والنواب والوزراء. واستيراد القمح والمحروقات والأدوية من خلال الدولة اللبنانية مباشرة وفوراً“.
وتضمنت الورقة “تشكيلاً فورياً للهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية من قبل خبراء وقانونيين ودستوريين معروفين بنزاهتهم. وإجراء انتخابات نيابية مبكرة وفق قانون انتخابي نسبي قائم على دائرة واحدة ومن دون قيد طائفي (تعده وتشرف على تطبيقه المنظمات المتخصصة مثل جمعية مراقبة الانتخابات – لادي)“.
كذلك طالب المعتصمون بتشكيل “لجنة اقتصادية من المتخصصين غير التابعين للسلطة، مهمتها: الاطلاع على كل المعطيات النقدية والمالية وإعلانها لكل المواطنين. وإعداد خطة إنفاقية خلال مرحلة تصريف الأعمال. ووضع رؤية اقتصادية ومالية جديدة للعمل بها، جزء من بنودها: تفعيل الإسكان، ضمان شامل، خفض أسعار الإنترنت والاتصالات، تأمين الكهرباء والمياه خلال ٦ أشهر“.
أيضاً طالبت الورقة بـ “دعم التعليم الرسمي، تفعيل دور المؤسسة الوطنية للاستخدام لتأمين الوظائف، تشكيل صندوق للبطالة، ضرائب تصاعدية، ضريبة لا تقل عن ٢٠% على الودائع التي تزيد عن مليون دولار، خطة للنقل العام، العمل على سياسة نقدية عادلة وشفافة، والتحضير لإعادة هيكلة الدين العام وخفض حصة المصارف منه“.
تحركات الحريري دون طموح اللبنانيين
وأمام هذه المطالب الكبرى للمتظاهرين تبدو ورقة الحريري الاصلاحية دون المستوى وطموح اللبنانيين..
ركز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في تحركاته الأخيرة على ورقة الاقتصاد من أجل امتصاص الغضب الجماهيري ، مقدما ورقة اقتصادية لمجلس الوزراء، وهي عبارة عن خطة تقشفية في مجملها لا تشمل ضرائب جديدة، وتكافح الفساد، وتحوي على 24 بنداً..
ويبدو أن الحريري سيجد نفسه بين مطرقة ضغوط المطالب الشعبية التي تتطلب تقديم تنازلات معيشية كبيرة، وسندان الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي تعاني منها البلاد وتتطلب تمويلات ضخمة وإجراءات تقشفية صعبة، إضافة إلى تلبية مطالب المؤسسات المانحة.
ومن أبرز بنود ورقة الحريري خفض رواتب الوزراء وكبار المسؤولين في الدولة والنواب الحاليين والسابقين إلى النصف، وتحديد رواتب القضاة بعشرة آلاف دولار كحد أقصى، وإلغاء مجالس ووزارات مثل وزارة الإعلام، وإلغاء جميع ما تم خفضه من معاشات التقاعد للجيش والقوى الأمنية.
وتشمل الخطة تحويل معامل الكهرباء إلى غاز خلال شهر واحد، وخصخصة قطاع الاتصالات المحمول، وإلغاء كل أنواع زيادات في الضرائب على القيمة المضافة والهاتف والخدمات العامة، وإعادة العمل بالقروض السكنية.
وتتضمن الورقة أيضا، اقتراح قوانين لرفع السرية المصرفية الإلزامي على جميع الوزراء والنواب والمسؤولين في الدولة، وإقرار قانون استعادة الأموال المنهوبة، ومواجهة الفساد.
وتتضمن ورقة الحريري كذلك فرض ضرائب على المصارف وشركات التأمين 25%. وتحديد سقف رواتب المديرين ومخصصات اللجان الحكومية.
وحسب مراقبين تواجه الإصلاحات الاقتصادية التي يتجه إليها الحريري، مصاعب عديد في ظل تدهور مؤشرات الاقتصاد، ومواجهة الحكومة أزمة كبيرة في الحصول على دعم ومساعدات مالية خارجية. ويقول مصرفيون واقتصاديون إن لبنان يحتاج إلى 10 مليارات دولار على الأقل لإنقاذ الوضع المالي.
وفي وقت سابق من أكتوبر الجاري، قررت مؤسسة موديز للتصنيفات الائتمانية العالمية، وضع تصنيف لبنان (سي.ايه.ايه1) قيد المراجعة تمهيداً لتخفيضه، وقدرت أن مصرف لبنان المركزي الذي تدخل لتغطية مدفوعات الديون الحكومية بقيت لديه احتياطيات قابلة للاستخدام تتراوح بين 6 و10 مليارات دولار فقط للحفاظ على الاستقرار.
وتبلغ قيمة الديون التي يحين أجل سدادها بنهاية العام المقبل نحو 6.5 مليارات دولار، فيما قال المصرف المركزي إن الاحتياطي النقدي في 15 أكتوبر بلغ 38.1 مليار دولار. ,,,,
وعلى ما يبدو تبقى الأزمة اللبنانية متصاعدة في الأفق القريب ، وسط الغضب الشعب يالماصاعد نت أداء الأحزاب السياسية وتوازنات الطوائف التي فرقت اللبنانيين وحزبتهم، وسط انفتاح شبابي علة وسائل الميديا والسوشيال، فيما يعرف بجيل ما بعد 8 و 14 آذار …
وهو جيل عابر للطائفية، بل والحدود بهتافاته ضد قائد الانقلاب العسكري بمصر عبد الفتاح السيسي، في دلالة على معارضة تحركات الثورة المضادة التي لا تتوقف عن معارضة الحراك الشبابي العربي، وهو على ما يبدو يبقى دافعا للانتفاضة اللبنانية، التي قد تحقق اقالة الحكومة واللجوء لانتخابات مبكرة، قد تفاقم ازمة اللبنانيين في حال فاز بأغلبيتها حزب الله، والذي قد يدحخل لبنان في أزمة دولية، ومشكلات اقتصادية اكبر، في حال مقاطعة المنظمات الدولية للحكومة الجديدة، إن شكلها حزب الله ، المصنف في قوائم غربية عدة، كمنظمة إرهابية…وهو ما يضع اللبنانيين بين سندان الفشل الاقتصادي والسياسي الحالي وبين أزمات دولية تلوح بالأفق..