أولاً: قضية الأسبوع :
- – مؤشرات إيجابية تجاه المصالحة الخليجية وخلاف حول الموقف المصرى:
بعد مرور سنتين من إعلان دول الحصار (مصر والإمارات والسعودية والبحرين) فرض الحصار على قطر، ظهرت مؤخراً مؤشرات قوية فى اتجاه المصالحة بين هذه الدول، وذلك على خلفية إعلان هذه الدول الثلاثة (السعودية والإمارات والبحرين) مشاركتها فى النسخة الرابعة والعشرين من كأس الخليج لكرة القدم المقامة فى الدوحة، التى تنظمها قطر فى شهر نوفمبر الجارى. ومما يزيد من أهمية القرار، وينقله من حيز الرياضة إلى نظاق السياسة، أن الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” لا يعترف بالبطولة الخليجية، وبالتالي فلا واجبات كروية تترتب على أي دولة جراء عدم المشاركة فيها. لذلك فقرار السعودية والإمارات والبحرين هو قرار سياسي بالأساس.
وفى تقرير لموقع دويتشه فيلة الألمانى[1]، فقد أشار إلى العديد من المؤشرات الإيجابية لنجاح المصالحة منها، تغريدة الأكاديمي الإماراتي، عبد الخالق عبد الله، الذي عمل سابقاً مستشاراً لمحمد بن زايد، إذ كتب أن هناك تطورات مهمة ستحدث قريباً لإنهاء الخلاف الخليجي.
إلى جانب حضور اجتماع استثنائي عُقد في الرياض بداية شهر أكتوبر الماضى، وأكدت إدانتها في الاجتماع لـ”الهجمات والتهديدات المتزايدة مؤخراً على المنشآت النفطية وسلامة وأمن الملاحة البحرية”، في ردِ مباشر على الحوثيين وإيران.
كما أن وزارة الخارجية السعودية، ومنذ إعفاء عادل الجبير من منصبه، وتعيين إبراهيم العساف محله، ثم فيصل بن فرحان آل سعود، لم تعد تصدر تعليقات هجومية على قطر، عكس فترة عادل الجبير الذي لم يكن يفوّت أي فرصة، سواء في حواراته مع وسائل الإعلام أو تغريداته على توتير، لانتقاد الدوحة.
وما يؤكد وجود توجه سعودي نحو التهدئة، أن مسؤولاً سعودياً رفيعاً تحدث لشبكة بلومبيرغ عن أن الدوحة اتخذت “خطوات لخفض التوتر مع جيرانها، ومن ذلك سنها لقانون ضد تمويل الإرهاب”.
وفيما يتعلق بالموقف المصرى من المصالحة، فهناك من يرى أن المصالحة تتم بعيداً عن مصر، حيث ذكرت عدة مصادر خليجية غياب القاهرة عن مشهد المصالحة الخليجية، وأن المفاوضات تجرى بمعزل عنها. يضاف إلى ذلك، طبيعة النظرة الخليجية للدور المصرى، والتى ترى أن هناك تراجع للدور المصرى على المستوى الإقليمى، وهو قد يدفع الدول الخليجية إلى ترميم بيتها الداخلى بالتصالح مع قطر بعيداً عن المطالب المصرية.
وقد ظهرت تلك النظرة الخليجية بتراجع الدور المصرى فى حديث الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله، في أبوظبي، خلال جلسة بعنوان”منطقة الخليج.. القدرات والاحتمالات”، ضمن ملتقى أبوظبي الاستراتيجي السادس. فقد أشار عبدالخالق إلى أن “القوة المؤهلة لقيادة المنطقة هى دول الخليج، وأنها تتحمل مسئولية الأمن القومى العربى بعد التراجع المصرى والعراقى والسورى”. وهى التصريحات التى أثارت غضب الأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى، ليرد عليه قائلاً: “هناك مبالغات كبيرة للدكتور عبد الخالق وبعيدة عن التحليل الواقعي، وتصل إلى حد الخطورة لأن مثل هذه التحليلات قد تؤدي إلى قرارات خاطئة واضطرابات كبيرة. وأريد أن اسأل عبد الخالق عبد الله.. ماذا تقصد بأن منطقة الخليج هي الأساس في الحفاظ على الأمن العربي؟ وما هو الدور الخليجي بالضبط فيما عدا شراء الأسلحة؟. وأنه لو كانت مصر موجودة في السنوات السابقة ما استطاعت إيران ولا تركيا أن تتغول بهذا الشكل الذي نراه”[2].
وفى المقابل، يرى البعض أن هذه المصالحة تأتى بالتنسيق مع مصر من خلال محاولة ترضية السيسي بالأموال وبعض التنازلات القطرية، فالإعلان عن المشاركة فى البطولة الخليجية يأتى بالتزامن مع زيارة السيسي إلى الإمارات التي جرى خلالها الإتفاق على تأسيس منصة استثمارية مشتركة بين البلدين، بقيمة 20 مليار دولار، اعتبرها مراقبون تعويضًا لمصر عن الوعود الخليجية بمنحها 100 مليار دولار تعويضات من قطر[3].
ومن الجدير بالذكر هنا أيضاً، ما يتردد فى الأونة الأخيرة من أحاديث من قبل صحفيين محسوبين على النظام المصرى أشارت إلى وساطة الوزير السعودي المستشار تركي آل الشيخ رئيس هيئة الترفيه في المملكة العربية السعودية، من أجل عودة نجم الأهلي ومنتخب مصر السابق (والمتهم بالانضمام لجماعة الإخوان) والمقيم فى قطر محمد أبو تريكة إلى مصر[4].
بل أن هناك شركات قطرية تعمل فى الأسواق المصرية، حيث تقوم شركة “قطر للبترول” بتشغيل مصفاة الشركة المصرية للتكرير في مسطرد شمال القاهرة. وتمتلك “قطر للبترول” 38% من أسهم المشروع الذي زادت كلفته على أربعة مليارات دولار[5]، ويعتبر هذا المشروع هو أكبر مشروع للشركة فى دولة عربية، وعلى الرغم من أنه تم عقده فى عهد الرئيس السابق محمد مرسى، إلا أن تشغيله لم يكن ليأتي لولا ضوء أخضر من الحكومة المصرية[6].
ثانياً: المشهد الداخلي
- مصر و حقوق الإنسان
- 372 انتقاد للقاهرة في الاستعراض الدوري الشامل لحالة حقوق الإنسان.
خلال الاستعراض الدوري الشامل لحالة حقوق الانسان في مجلس «حقوق الإنسان» التابع للأمم المتحدة بجنيف، وجهت لمصر 372 توصية بشأن حالة حقوق الانسان، أغلب الانتقادات متعلقة بأوضاع السجون، والانتهاكات التي يتعرّض لها المدافعين عن حقوق الإنسان، فضلًا عن التمييز السلبي ضد المرأة، كما تركز عدد منها على ضمان الحق في حرية التعبير على الإنترنت وخارجه، وضمان الحق في التجمع السلمي، والتظاهر تقدّمت بهذه التوصيات 133 دولة من بين أعضاء المجلس الـ 193. أما عن موقف القاهرة من هذه التوصيات؛ فقد صرح رئيس الوفد الحكومي المصري في «الاستعراض الدوري»، وزير شؤون مجلس النواب عمر مروان، أن «استعراض تقرير مصر» شهد تفاعلًا إيجابيًا من قِبل الدول الأعضاء بالمجلس الأممي، مما دل على «الإلمام بما تمّ من جهود وإنجازات في سبيل دعم وتعزيز وحماية حقوق الإنسان في مصر، خلال السنوات الخمس الماضية». وأشار مروان إلى أن هذه التوصيات ستكون محل عناية ودراسة دقيقة مع جهات الاختصاص في مصر، على ضوء «المحددات الوطنية والإمكانات المُتاحة والظروف المحيطة»[7]. أما الحقوقيين المصريين الذين حضروا جلسة الاستعراض فقد وصفوا الموقف الرسمي بأن الدولة رفضت الاعتراف بوجود مشاكل واستعداد من جانبها لحلها، وأن الوفد المصري تعامل مع جلسة الاستعراض بمنطق «تأدية الواجب» فحضر ليتحدث عن مزايا الدستور والقوانين المصرية دون التفات للممارسات الحقيقية على أرض الواقع[8].
تلتزم مصر بالمثول للمراجعة الدورية كل خمس سنوات، كجزء من الآلية الدورية الشاملة لمراجعة أوضاع حقوق الإنسان في العالم، والتي تتيح لحكومة كل دولة تقديم تقرير رسمي عمّا تم في الملف الحقوقي لديها. كما يُستعرض تقرير آخر من المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة مُعتمد على تقارير المنظمات الحقوقية المحلية والإقليمية والدولية، ويُتاح للدول المختلفة توجيه أسئلة أو تعليقات أو توصيات لأي دولة تخضع للمراجعة الدورية[9].
يذكر مراقبون أن القاهرة حشدت الدول الصديقة لها للتعليق بشكل إيجابي على سجل مصر الحقوقي، وهو ما يعني أن مصر تهتم بصورتها دولياً فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان، ومع ذلك فشلت في إسكات الأصوات المتعددة المنددة بالأوضاع المتردية لحالة حقوق الإنسان في مصر. قد تكون الجدوى السياسية المباشرة لحدث التوصيات الـ 372 لمصر في الاستعراض الدوري لحقوق الانسان قليلة ومحدودة الجدوى على المدى القريب، لكن على المدى البعيد تبدو أكثر أهمية؛ لأنها تضعف من الشرعية الدولية للنظام مع استمرار التصنيف المتردي لحقوق الانسان في مصر، وتعطي للحراك المناهض للنظام شرعية دولية يمكن توظيفها في تضييق الخناق أكثر على النظام في ظل سياساته القمعية والاقصائية.
- ملف المعتقلين
-“خالد على” يطلق مبادرة لإخلاء سجون مصر…هل ستتحقق؟
أطلق المحامى والمرشح الرئاسى السابق، خالد على، مبادرة من عشرة نقاط دعا فيها السلطات المصرية للإفراج عن المعتقلين السياسيين داخل سجون النظام، وطالب السلطات المصرية، في تدوينه على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، بالكف عن اصطناع أفلام، ونشر بيانات لتجميل الأوضاع في السجون.
ونصت المبادرة على إخلاء سبيل المعتقلين على ذمة القضية 1338 لسنة 2019 حصر أمن دولة، وتضم متظاهري انتفاضة سبتمبر الماضي، وإخلاء سبيل كل المحبوسين احتياطيا على ذمة قضايا رأي، وكذلك إنهاء التدابير الاحترازية، وإطلاق سراح كل من تجاوزت مدة حبسه الاحتياطي أو تدابيره الاحترازية سنتين، والإفراج الصحي عن المحكوم عليهم الذين تستدعي حالتهم المرضية ذلك، وأيضا الإفراج الشرطي عن كل من تجاوز في قضاء عقوبته نصف المدة، فضلاً عن فتح الزيارات في جميع السجون ومقرات الاحتجاز، وتمكين الأسر والمحامين من حق زيارة المتهمين والتواصل معهم، وإطلاق سراح المحامي إبراهيم متولي، وإجلاء مصير نجله، ومصير كل من تم تبليغ النيابة أو الداخلية أو المجلس القومي لحقوق الإنسان بإخفائهم القسري[10] .
وتأتى تلك المبادرة فى ظل إدانة البرلمان الأوروبى للانتهاكات التى قام بها نظام السيسى ضد معارضيه بعد أحداث سبتمبر الأخيرة، وفى ظل تصريح الأمم المتحدة بإن ظروف سجن الرئيس الراحل محمد مرسي يمكن وصفها بأنها وحشية، وإن موت مرسي يمكن اعتباره وفق هذه الظروف قتلا عقابيا تعسفيا من قبل الدولة .
- في إطار تأميم الخطاب الديني:
– الأوقاف تعين واعظات للرقابة على مصليات النساء.
قررت وزارة الأوقاف تكليف عددًا من الواعظات بالوزارة بالعمل مفتشات على مصليات السيدات بالمساجد، وخاصة الكبرى منها، وذلك في إطار ضبط العمل الدعوي بمصليات السيدات وعدم السماح لغير الواعظات المعتمدات من الوزارة بالعمل الدعوي[11].
- السياسات العامة:
- البرلمان يناقش زيادة معاشات النواب الضباط..
في رسالة تطمينية للبرلمانيين الضباط، قال رئيس المجلس علي عبد العال، أنه سيتم النص على احتساب مدة الخمس سنوات التي يستغرقها دور الانعقاد للبرلمان، ضمن مدة النائب ضابط الشرطة عند استحقاق المعاش، وفقًا لقانون مجلس النواب الجديد. وقد أثير الأمر خلال مناقشة مشروع قانون مُقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام القانون رقم 109 لسنة 1971 في شأن هيئة الشرطة[12]. كما أكد “عبدالعال”، أنه سيتم إقرار أحقية نواب البرلمان من ضباط الشرطة في معاشات الشرطة[13].
زيادة معاشات الشرطة، الذي يأتي في توقيت يعاني فيها أغلبية الممجتمع من أوضاع اقتصادية ومعيشية صعبة، يؤكد أن رغم تردي الاقتصاد المصري إلا أن هناك فئات مستفيدة من الوضع الراهن؛ وجراء هذه الاستفادة ستبذل كل جهد في الإبقاء عليه بدون تغيير. وهو من جهة أخرى يعني أن النظام مهما بدا عنيفاً وإقصائياً، إلا أنه حتماً سيحافظ على ولاءات شرائح اجتماعية معينة “جيش، شرطة، كبار البيروقراطيين وموظفي الدولة”، ليوازن بهم أعداد الساخطين الذي يتنامي ى بمرور الوقت.
- العدادات مسبقة الدفع مزيد من الإفقار وتكريس هيمنة العسكر.
أفادت وزارة البترول والثروة المعدنية، أنها بدأت تطبيق مشروع تجريبي لتركيب عدادات غاز مسبقة الدفع، بواقع 20 ألف عداد بمشروعي بشاير الخير في محافظة الإسكندرية وحي الأسمرات بمحافظة القاهرة، على أن ينتهي المشروع التجريبي بنهاية ديسمبر المقبل، تمهيدًا لتعميم تطبيق آلية عدادات الغاز مسبقة الدفع[14]. حديث الوزارة عن العدادات مسبقة الدفع جاء بعد أيام من توقيع وزارة الإنتاج الحربي، مطلع الشهر الجاري، نوفمبر 2019، عقد تأسيس شركة مساهمة في إنتاج عدادات الغاز، مع شركتي «جاز مترو للصناعات»، و«السويدي إليكتروميتر»، والذي يتوقع أن يبدأ إنتاجه في يناير المقبل، بطاقة إنتاجية متوقعة حوالي 500 ألف عداد خلال الفترة من يناير وحتى يونيو 2020[15].
الخبر ذات طرفين؛ الأول: أن تطبيق المشروع سيتم تطبيقه مبدئياً على منطقتي بشاير الخير (اسكندرية) والأسمرات (القاهرة)، وهي مناطق شديدة الفقر والعوز، إحداهما –الأسمرات- شيد ليقطنه السكان المهجرين من منطقة مثلث ماسبيرو. الثاني: أن هذه العدادات ستنتجها وزارة الإنتاج الحربي، وستمثل مصدر إضافي لمراكمة الثورة وتحقيق الربح للعسكريين. يعكس الخبر السياسات الاقتصادية للنظام؛ مزيد من الإفقار لمن لا يملك ومزيد من الثروة للعسكريين.
- ارتفاع جديد في معدلات البطالة.
وفقاً للأرقام الحكومية فقد ارتفعت معدلات البطالة، في الربع الثالث من 2019، إلى 7.8%، مقابل 7.5% في الربع الثاني، وأتت الزيادة نتيجة زيادة حجم قوة العمل بنحو 342 ألف شخص خلال الفترة المرصودة. فبحسب بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وصل إجمالي قوة العمل إلى 28.4 مليون فرد. بينما كان عدد العاطلين عن العمل 2.2 مليون فرد[16].
هذه البطالة السافرة الواضحة، ونسب أخرى تقع في حيز البطالة المقنعة التي تتجاهلها الحكومة، تكشف حجم المعاناة التي يحياها المجتمع، وتنعكس في ارتفاع معدلات الانتحار.
- قناة السويس تخفض رسومها لأكثر من النصف.. ما دلالة ذلك [17]؟
أعلنت هيئة قناة السويس تخفيض رسوم مرور سفن الحاويات لأكثر من النصف، بما فتح المجال أمام تساؤلات واسعة حول دلالة هذه التخفيضات وتأثيرها على الإيرادات التي تعد أحد أبرز روافد النقد الأجنبي للاقتصاد المصري.
حيث أشارت الهيئة في بيان نشرته على موقعها الإلكتروني، إن الهدف من هذه التخفيضات، هو تحفيز الخطوط الملاحية، وجذب السفن التي تسلك طرقا بديلة، بناء على دراسة تكاليف تشغيل رحلة عبور السفينة بقناة السويس مقارنة مع غيرها من القنوات البديلة.
ويأتي قرار الهيئة بعد توقعات أعلنتها شركة قناة السويس للحاويات المصرية، عن خسائرها المقدرة لعام 2019 والتي تصل إلى 12 مليون دولار، بسبب ضعف التنافسية وارتفاع الأسعار، ورحيل 16 خطا ملاحيا عن ميناء شرق بورسعيد إلى ميناء بيريوس اليوناني منذ 2017، بسبب ارتفاع الرسوم.
ورأى محللون أن التخفيضات التي أعلنتها هيئة قناة السويس، للسفن القادمة والذاهبة للسواحل الأمريكية بنسبة تصل لـ 65 بالمئة، ليست الأولى في سلسلة التخفيضات التي تقدمها الهيئة، لمختلف الخطوط الملاحية والسفن القادمة من جميع أرجاء العالم منذ افتتاح التفريعة الثانية عام2016. حيث أشار وكيل لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان المصري السابق “أشرف بدر الدين”، أن التخفيض الأخير الذي أعلنته هيئة قناة السويس، ليس الأول من نوعه، ولن يكون الأخير كذلك، وهو ما يشير لأزمة كبيرة تشهدها قناة السويس بعد وجود طرق بديلة مثل رأس الرجاء الصالح، وقناة بنما، وطريق القطب الشمالي الجديد، الذي بدأت روسيا في تشغيله، بالإضافة للطرق الأخرى التي أنشأتها الصين للتخديم على تجارتها في طريق الحرير. فضلاً عن ذلك فإن الجانب الآخر الذي تظهره هذه التخفيضات المتتالية، هو فشل مشروع التفريعة الجديدة، التي كانت سببا في أزمة السيولة التي شهدتها مصر، وبسببها لجأت حكومة السيسى لصندوق النقد الدولي، للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار، كان من أهم كوارثه، تحرير سعر الصرف، دون وجود مشروعات اجتماعية واقتصادية تقلل من مخاطره على المجتمع المصري.
ثالثاً: المشهد الدولي والإقليمي
- العلاقات الإسرائلية مع مصر و الأردن
- نتنياهو: نحن نحمي النظم الصديقة الحاكمة في مصر والأردن.
خلال مؤتمر إحياء الذكرى الـ25 لتوقيع معاهدة السلام مع الأردن بالكنيست، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على أهمية معاهدتي السلام التي وقعتهما إسرائيل مع كل من الأردن ومصر، وأن الاستقرار في هاتين الدولتين يعتبر “مصلحة واضحة”، واستقرار اتفاقيتي السلام معهما أو عدم استيلاء جهات إسلامية متطرفة، كل هذا هو مصلحة واضحة بالنسبة لنا وبالنسبة للنظامين المصري والأردني. وأضاف: “لا جدوى من الاعتداء علينا لأننا أقوياء. هذا هو الأساس. ومن الجهة الأخرى نحن أقوياء لدرجة أننا قادرون على منع الاستيلاء عليهما[18]. تابع: “أقول للأسف إن في المقدمة هذا هو الشرط الأساسي. هذه هي طبيعة العلاقات بيننا التي تنبع من اعتبارات تصب في مصلحة الطرفين بما يخص الاستقرار والأمن”[19]. قد تبدو تصريحات نتنياهو عن العلاقات الاسرائيلية مع مصر والأردن أكثر سفوراً بل يمكن القول تبجحاً، لكنها في الواقع هي تعكس حقيقة هذه العلاقات؛ القائمة على حماية النظم الحاكمة في هذه الدول للمصالح الإسرائيلية، مقابل حماية تل أبيب لهذا النظم من شعوبها ومن الخطر الذي يمثله التحول الديمقراطي والحفاظ على بقاء المنظومة السلطوية التي تسمح لنخب الحكم بهذه الدول بالبقاء رغم الفشل وسيادة منطق القمع ووجود السخط الشعبي.
- ملف سد النهضة
- صمت في القاهرة رغم إعلان الخرطوم الاتفاق على سنوات ملء السد…فهل هي مجرد حيلة لتهدئة الأجواء؟
قالت الخارجية السودانية في بيان لها، أن اجتماعات سد النهضة التي انعقدت في أديس أبابا بين مصر وإثيوبيا والسودان في الخرطوم، بحضور خبراء أمريكان ومراقبين من البنك الدولي، انتهت إلى أن تتم عملية ملء خزان السد خلال فترة زمنية قد تصل إلى سبع سنوات وفق هيدرولوجية نهر النيل الأزرق»، (قد تصل إلى 7 سنوات تعني أنها قد تكون أقل). جدير بالذكر أن فترة ملء الخزان كانت أكبر النقاط الخلافية بين إثيوبيا ومصر، وكانت أديس أبابا تصر على أن تتم في ثلاث سنوات، بينما تريد القاهرة زيادتها إلى سبع سنوات. علقت وزارة الري المصرية، على لسان متحدثها، بالقول “ما أقدرش أنفي وما أقدرش أكد”[20]، أما بيان الخارجية عن نتائج هذا الاجتماع الأول فقد جاء فيه: أن الاجتماعات «اختُتمت بالاتفاق على استمرار المشاورات والمناقشات الفنية حول المسائل الخلافية كافة خلال الاجتماع الثاني، المقرر عقده في القاهرة في 2 و3 ديسمبر، طبقاً لما تم الاتفاق عليه في اجتماعات واشنطن»[21].
اجتماع أديس أبابا هو الأول ضمن أربعة اجتماعات فنية تم الاتفاق عليها أثناء الاجتماع الذي استضافه وزير الخزانة الأمريكي ستيفين مونتشين في واشنطن، 6 نوفمبر 2019، بحضور وزراء خارجية مصر وإثيوبيا والسودان، والهدف من تلك الاجتماعات هو حسم النقاط الخلافية، وأبرزها عدد سنوات ملء بحيرة السد، والمدى الزمني لتشغيله، وآلية مواجهة نقص إمدادات المياه لدولتي المصبّ مصر والسودان، في أثناء سنوات الجفاف[22].
التفسير: محاولة إبقاء مخرجات الاجتماع الأول طي الكتمان، رغم بيان الخارجية السودانية عن إحراز تقدم؛ قد يكون محاولة للتخفيف من حدة التناول الاعلامي للازمة، ومحاولة لتخفيف حدة الضغط الشعبي عن النظام المصري الحاكم، من خلال الادعاء أن هناك تقدم في مسألة ملء الخزان. التفسير الثاني: قد يكون هناك تقدم حقيقي في هذه المسألة، لكن لا تزال هناك قضايا أخرى عالقة ستؤثر بشكل سلبي على حصة مصر من المياه وبالتالي من غير المجدي الاحتفاء بالاتفاق على فترة ملء الخزان في حين تؤثر قضايا أخرى على حصة مصر من المياه لم تصل لحل نهائي مرضي للطرفين بعد. لكن بصفة عامة يبدو أن إتفاق المبادئ الذي وقعه السيسي مع أثيوبيا قلص إلى حد بعيد فرص مصر في الحفاظ على حقوقها التاريخية في مياه النيل، وأن دخول مصر في حالة فقر مائي باتت مسألة وقت لا أكثر.
- الملف الفلسطينى
- – التصعيد فى غزة… بين الحسابات الإسرائيلية وردود فعل المقاومة الفلسطينية:
شهد قطاع غزة حالة من التصعيد الكبير بين المقاومة (حركة الجهاد الإسلامى) وإسرائيل على إثر اغتيال القائد العسكرى فى حركة الجهاد بهاء أبو العطا فى غزة، والذى تزامن مع محاولة استهداف القيادي في حركة الجهاد أكرم العجوري (ولكنها لم تصبه، وأدت لمقتل ابنه)، ما دفع حركة الجهاد إلى إطلاق عشرات الصواريخ بإتجاه المدن الإسرائيلية.
أولاً: الحسابات الإسرائيلية:
يسعى رئيس الوزراء الحالى بنيامين نتنياهو إلى حل مازق تشكيل الحكومة الإسرائيلية، وذلك عقب فشله فى تشكيل الحكومة، واقتراب انقضاء المهلة الممنوحة لبينى غانتس من أجل تشكيل الحكومة. ويسعى نتنياهو إلى تحقيق ذلك عبر محاولة جذب غانتس (المنافس الرئيسى على رئاسة الحكومة، والعائق الأساسى أمام تشكيلها) عبر استهداف قيادات المقاومة فى غزة، وهى السياسة التى يطالب بها غانتس منذ فترة، وكان يرفضها نتنياهو.
ولكن يبدو أن نتنياهو قد وافق على هذه السياسة (اغتيال القيادات) بشرط أن تقتصر في هذه المرحلة الأولي على استهداف قيادات الجهاد دون حماس، لاعتقاده بأن حماس قد تضغط على الجهاد لمنع التصعيد، وبالتالى لا تتطور الأمور نحو حرب شاملة فى غزة، كما أن ذلك قد يؤدى إلى حدوث خلاف بين الجهاد التى سترغب فى الإنتقام وحماس التى سترغب فى التهدئة.
وهناك أيضاً سبب أخر يأخذه نتنياهو فى الحسبان، يتمثل فى الحديث عن تشكيل محور إقليمي تقوده إيران، ويتكون من المليشيات العسكرية فى سوريا ولبنان والعراق واليمن، إضافة لحركة الجهاد الفلسطينية، وقد توافقت هذه الأطراف مجتمعة على ما عرف بـ”توحيد الجبهات”. هذه الاستراتيجية التي باتت معلنة تفيد بأنه في حال تعرض أي من هذه الجهات لعدوان إسرائيلي، فإن باقي الحلفاء سينهضون للدفاع عنه، وصد هذا العدوان، ولعل اغتيال أبو العطا في هذا التوقيت بالذات يأتي اختباراً إسرائيلياً لمدى نضج هذا التحالف، وحقيقة هذه الاستراتيجية[23]. وربما يأتى تفضيل التصعيد فى قطاع غزة بخلاف الجبهات الأخرى؛باعتبارها الجبهة التى تستطيع فيها إسرائيل منع تدهور الأمور نحو حرب شاملة فى ظل تواجد وسطاء مثل مصر.
وعليه، يمكن القول أن قيادات الجهاد تمثل الهدف الأمثل لنتنياهو، والتى تتمثل فى تليين موقف غانتس بالاستجابة لمطالبه باستهداف قيادات المقاومة، إلى جانب القضاء على أذرع إيران فى المنطقة والتى منها حركة الجهاد فى غزة.
ثانياً: ردود فعل المقاومة:
1- حركة الجهاد: على الرغم من إطلاق حركة الجهاد الإسلامى العديد من الصواريخ تجاه المستوطنات الإسرائيلية، إلا أنه يبدو أن هناك عدم رغبة من الحركة على الدخول فى حرب شاملة دون مشاركة فاعلة من حماس، وهو ما ظهر فى إطلاق الحركة لصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، وامتناعها عن استخدام صواريخ تمتلكها ذات دقة أكبر ومدى أبعد. إضافة إلى إصرار الحركة على أن اغتيال إسرائيل لرجالها لم يأت في إطار تغيير قواعد الاشتباك، ولكن لأسباب إنتخابية تتعلق بتشكيل الحكومة المقبلة. كما أن تصريحات بعض مسئولى حركة الجهاد بأنها ستقوم فقط بمعاقبة إسرائيل بشدة في حال كررت عمليات اغتيال أخرى[24].
2– حركة حماس: نعت حماس أبو العطا، ونددت بـ”سياسة الاغتيالات” الإسرائيلية ودعمت حق الجهاد في الرد من خلال التنسيق من خلال غرفة التنسيق المشتركة. وقد حاولت جهات عربية ودولية واسرائيلة الوقيعة بين الحركتين بتفسير موقف حماس بأنه تخلي عن حركة الجهاد بالتخلى.
والحقيقة أن حماس تقبل التهدئة خشية التورط في صراع مع اسرائيل في توقيت سيء في ظل عداء من النظم العربية لحركة حماس وتقاربها مع اسرائيل. كما تخشى حماس من أن أي تصعيد عسكري مع إسرائيل، يجعل هذه الأخيرة تكثف ضغوطها على الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، لمنع أي إتفاق بينه وبين حماس حول الإنتخابات[25]. وربما تدرك حماس وفقاً لقراءاتها الخاصة أو عبر معلومات وصلتها من الوسطاء أن نتنياهو لن يتردد هذه المرة فى الدخول إلى حرب شاملة إذا وقفت حماس إلى جانب الجهاد.
- القمة بين أردوغان و ترامب
- – أردوغان وترامب: العلاقة بين أنقرة وموسكو، في وجه التحالف بين واشنطن والأكراد:
توجهت الأنظار بقوة نحو القمة التي جمعت بين الرئيسين التركي والأمريكي في البيت الأبيض، في ظل ظروف هي الأسوء مذ عقود، وخلافات معقدة أضحى من الصعب معالجتها.
تركزت محادثات ترامب وأردوغان على أكثر القضايا تأزمًا، وهما أولًا تزايد التعاون بين أنقرة وموسكو في الجانب العسكري، وتحديدًا صفقة صواريخ إس 400، التي تعارضها واشنطن جملة وتفصيلًا، وفي المقابل تعارض أنقرة، الدعم الأمريكي العلني، لوحدات كردية، تهدد الأمن القومي التركي.
ظهرت إرهاصات تعقد اللقاء، بانتشار رسالة أرسلها دونالد ترامب للرئيس التركي، وقد اتصفت هذه الرسالة بغير اللائقة، ومتجاوزة للأعراف الدبلوماسية، في طريقة الخطاب بين الرؤساء، حيث طلب ترامب من أردوغان، ألا يكون أحمقًا، ويقبل الجلوس مع قائد الوحدات الكردية، في ظل إصرار أردوغان على الرفض[26].
وقد تم قراءة مضمون خطاب ترامب في الرسالة، بأنه محاولة لاستمالة الأجهزة والجهات التي عارضت بقوة دعم ترامب لعملية نبع السلام في الشمال السوري، فقد حاول ترامب التقليل من أردوغان، للتأكيد على عدم وجود أي علاقة من التفاهم الكامل، كما نشرت وسائل الإعلام العالمية.
سافر أردوغان إلى واشنطن، وهو متأهب للقاء ترامب، وبالفعل أخذ يفرد مساحة كبيرة للنقاش حول، ضرورة تفعيل الإنسحاب الكردي، من منطقة الشمال السوري، بحسب اتفاق الطرفين الأمريكي والتركي من قبل، فقد أكد أردوغان في كلمته قبل السفر، أن الوعود الأمريكية التي أخذتها على نفسها، لم تنفذها، وكذلك الجانب الروسي، هو الأخر قد خلف بوعوده[27].
على الجهة الأخرى، هدد الرئيس الأمريكي أردوغان، بتطبيق قانون العقوبات على أنقرة، في حالة استكملت تفعيل منظومة الصواريخ الروسية، وتحتج واشنطن في هذا الأمر، بأن وجود الصواريخ بجانب منظومة التسليح الغربي_الأمريكي للجيش التركي، سيسمح لروسيا بالتجسس على منظومة التسليح الغربية، والحصول على معلومات عنها، وهو ما يرفضه الغرب جملة وتفصيلًا.
في المقابل، يصر أردوغان على أن تفعيل منظومة الصواريخ الروسية لن يؤثر على المصالح الأمريكية والغربية، ولن يضر بمنظومتهم العسكرية، بل على العكس، فقد لبت موسكو، حاجة أنقرة لتأمين دفاعاتها الجوية، في ظل رفض الغرب، تدعيم الجيش التركي، بمنظومة صواريخ الباتريوت.
حاول الرئيس الأمريكي الحصول على موافقة الجانب التركي، من خلال العرض عليه بإعادته إلى برنامج تصنيع طائرات إف 35، وكذلك منظومة الباتريوت، ولكن شريطة عدم تفعيل أنقرة، للصواريخ الروسية، وعدم عقد أي صفقات مستقبلية مع موسكو، وهو ما ترفضه تركيا، وترى عدم وجود تعارض بين الأمرين[28].
رغم أن الزيارة بين الزعيمين، قد تذيب جزء من ثلج البرود في العلاقات بين البلدين، إلا أن الأزمات بين أنقرة وواشنطن قد وصلت لطريق اللاعودة، في ظل اعتماد واشنطن على الأكراد، وتزايد التقارب التركي الروسي.
لذا يبدو أن واشنطن ستحاول الضغط أكثر بورقة العقوبات لإضعاف الاقتصاد التركي، في حين ستضغط أنقرة بملفي اللاجئين، وبحماية الأمن الأوروبي من التواجد الروسي في أنقرة، التي تعد حائط الصد الأول والأهم أمام التمدد الروسي، لذا يبدو أن السيناريو الأقرب للحدوث، هو استمرار الجفاء والبرود في العلاقات بين البلدين، إلا أنه لن تصل لمرحلة اسقاط تركيا اقتصاديًا، فهي في كل الأحوال مازالت حليف استراتيجي قوي للغرب، ومن مصلحتها بقاءه قويًا. ويبدو أن الغرب ليس أمامه العمل، إلا على خطة مرحلة ما بعد أردوغان، لاسيما ان الأخير قد أتعبهم، وفقدوا معه معظم حيلهم.
- – الملف العراقي:
اشتعال الأوضاع في العراق: والأمم المتحدة تطالب باصلاحات جذرية والأكراد قلقون على مستقبل الحكم الفيدرالي:
مازال الحراك الشعبي العراقي مشتعلًا، ويتخذ خطوات أوسع في التصعيد، لاسيما بعد استمرار الاحتجاجات رغم التدخل الإيراني المباشر بإرسال قاسم سليماني، الذي حاول إنهاء الوضع بالعنف.
فقد لاقت دعوات النشطاء السياسيين، بإستمرار التظاهرات ترحاب شعبي كبير ومشاركة كثيفة، أدت إلى تزايد القمع الأمني. ومع تزايد دعوات تغيير الدستور، تزايد التوتر الكردي، على تعرضهم لخسائر اكتسبوها بفضل النظام الفيدرالي.
يبحث هذا الخبر، تغطية الملف العراقي، بصورة أوسع استكمالًا للحلقات الماضية، في محاولة لمتابعة الأحداث، وإمكانية رسم صورة أوضح للسيناريوهات الممكنة الحدوث، وأصداء ذلك على الموجة الثانية للربيع العربي.
العراقيين بقيادة السيستاني يردون على تدخلات قاسم سليماني:
يتظاهر آلاف العراقيين بصورة شبه يومية تقريبًا، في مختلف مناطق البلاد، وهو ما أسفر عن إصابة العشرات من المتظاهرين بالرصاص الحي وقنابل الغاز، فضلا عن وقوع عمليات حرق لمبانٍ اتهم المتظاهرون قوات الأمن بافتعالها[29].
عادت الاحتجاجات بقوة بعد العنف الأمني الكبير الذي حدث عقب قدوم قاسم سليماني، فقد كانت التظاهرات مباشرة ضد ما أسموه صفقة ايرانية لابقاء حكومة عبد المهدي، بهدف توصيل “الرسالة المراد إيصالها وهي أن الشعوب الحرة ترفض الوصاية من أحد وهي التي تصنع طريقها وحياتها”.
وحاول المتظاهرون الوصول إلى الساحة المغلقة من قبل قوات مكافحة الشغب، لاسيما بعد دعوة المرجع الديني الشيعي الأعلى في العراق السيد علي السيستاني، إلى احترام حقوق المواطنين في التظاهر، وتلبية طلباتهم بدلًا من قتلهم، فقد تعامل المتظاهرين مع الدعوة كداعم لهم في وجه ألة القمع الأمنية.
وقد حذر السيستاني من أن التدخل الخارجي في الشأن العراقي قد يحول البلاد لـساحة لتصفية الحسابات. مضيفًا، أنه “إذا كان من بيدهم السلطة يظنون أن بإمكانهم التهرب من استحقاقات الإصلاح الحقيقي بالتسويف والمماطلة فإنهم واهمون؛ إذ لن يكون ما بعد هذه الاحتجاجات كما كان قبلها في كل الأحوال، فليتنبهوا إلى ذلك. مؤكدًا أن المواطنين لم يخرجوا إلى المظاهرات المطالبة بالإصلاح بهذه الصورة غير المسبوقة ولم يستمروا عليها طوال هذه المدة بكل ما تطلّب ذلك من ثمن فادح وتضحيات جسيمة، إلا لأنهم لم يجدوا غيرها طريقاً للخلاص من الفساد[30].
من جهته، صرح وزير الدفاع العراقي، بتصريحات خطيرة، تشير لوجود طرف ثالث غير حكومي متورط بقتل المتظاهرين، مؤكدا خلال تسجيل تداولته وسائل إعلام محلية خلال زيارته إلى باريس أن قنابل الغاز المسيل للدموع المستخدمة ضد المحتجين دخلت إلى البلاد من دون علم السلطات العراقية.
وبيّن أن مدى قنابل الغاز المسيل للدموع الموجود لدى العراقيين هو 75 مترا، في حين أن مدى القنابل التي استخدمت في التظاهرات وصل إلى 300 متر، بالإضافة إلى أن وزنها يفوق بثلاثة أضعاف وزن القنابل الموجودة لدى قوات الأمن العراقي.
وأوضح أن استخدام هذا النوع تسبب بسقوط ضحايا بحسب المعلومات التي تم الحصول عليها من دائرة الطب العدلي، بعد إخراج القنابل المسيلة للدموع من رؤوس وأجساد الضحايا.
ولم يفصح الوزير العراقي عن الجهة التي قامت بإدخال هذا النوع من القنابل إلى العراق واستخدامه في التظاهرات. وتتجه أصابع الإتهام نحو المليشيات الإيرانية في العراق، والتي تدعمها طهران بكل شىء، حيث نظرت لتلك التصريحات باعتبارها اتهام مباشر لإيران بقتل المتظاهرين، في وقت يتجه الغضب كله نحو طهران، وهو ما يضح مستقبل التواجد الإيراني في العراق على شفا حفرة، تحوطها الحرب الأهلية من كل إتجاه، إذا لم تفطن طهران لذلك.
وما زاد من قيمة تصريحات وزير الدفاع، هو زيادة حجم عمليات الخطف والاعتقال ناشطي الاحتجاجات في العاصمة بغداد ومدن الجنوب، في ظل اكتفاء الحكومة بالاحتجاج ومناشدة الخاطفين، حيث صرحت الحكومة أنها لم تقم بعملية الخطف، بل وتناشد الجهات الخاطفة بضرورة إطلاق صراحهم.
فقد تداولت مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو، يظهر قيام رتل من السيارات رباعية الدفع باختطاف عبد الجبار في منطقة الجادرية وسط بغداد. وفي بيان حكومي، قال رئيس الوزراء العراقي إن بعض الجهات، التي تمارس الخطف، تحاول الإيحاء بأنها تابعة للدولة، مكتفيا بدعوة هذه الجهات للإفراج عن المخطوفين[31].
الأكراد قلقون من خريطة طريق مقترحة:
ومع تزايد الأقاويل حول تغيير النظام السياسي في بغداد، لمحاولة التغلب على التمييز الطائفي، الذي حول المجتمع لكانتونات عنصرية، وهو ما حرك الأكراد للمطالبهم بضرورة الإبقاء على الأوضاع كما هي، وعدم تغييرها، فقد بحث بارزاني مع رئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس الوزراء عادل عبد المهدي ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، قضايا بين المركز والإقليم، إضافة إلى الحراك الجماهيري. ولم تخرج البيانات الثلاثة التي صدرت عن مكاتب صالح وعبد المهدي والحلبوسي بعد لقاءاتهم مع بارزاني عن التأكيد على الثوابت المعروفة في لقاءات من هذا النوع، وقوامها بحث الأوضاع الأمنية والسياسية، والعلاقة بين الحكومة الاتحادية والإقليم، فضلاً عن أهمية تعزيز الاستقرار في البلاد.
وتأتي زيارة بارزاني إلى بغداد بعد زيارة قام بها الأسبوع الماضي رئيس الجمهورية برهم صالح إلى أربيل عاصمة إقليم كردستان، حيث عقد لقاءات مع القيادات الكردية هناك. وطبقاً للمصادر، فإن القيادة الكردية شددت خلال اجتماعها مع صالح على أن أي تعديل للدستور يجب أن يحافظ على النظام الفيديرالي وحقوق وحريات جميع مكونات العراق، وحقوق وخصوصيات إقليم كردستان وكيانه الدستوري.
وقد استبق الأكراد هذه الزيارات الرسمية، بتصريحات هامة، تؤكد على رفضها تغيير الاوضاع جذريًا، ففي رسالة لزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني اعتبرت أن التعديلات يجب ألا تمس حقوق الشعب الكردي، وهو ما طغى على الخلافات التقليدية بين بغداد وأربيل بشأن الكثير من مواد الدستور.
وقد دخلت المخاوف الكردية حيز حقيقي، بعد لقاء السيستاني برئيسة بعثة الأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت، التي طرحت عليه خريطة طريق حظيت بموافقته، مقسمة على مراحل، تدعو إلى وضع حد فوري للعنف، والقيام بإصلاحات ذات طابع انتخابي، واتخاذ تدابير لمكافحة الفساد في غضون أسبوعين، تتبعها تعديلات دستورية وتشريعات بنيوية في غضون ثلاثة أشهر. فقد أكد، أن هذا القانون الجديد «يجب أن يمنح فرصة حقيقية لتغيير القوى التي حكمت البلد خلال السنوات الماضية»، وأن إقرار قانون لا يمنح مثل هذه الفرصة للناخبين “لن يكون مقبولا ولا جدوى منه”[32].
فهذه المرة الأولى مذ اندلاع الاحتجاجات في العراق، أن يكون هناك خريطة طريق لتغيير الأوضاع، بصورة يبدو أنها ستكون بداية لدعم إقليمي ودولي أوسع، لاسيما إذا دخلت بغداد على خط النار بين واشنطن وطهران، فحينها، قد تذهب الاحتجاجات لما ابعد من ذلك بكثير، وحينها قد تنقلب الموازين رأسًا على عقب.
وختامًا، يبدو أن أبرز السيناريوهات المحتملة الوقوع، تدور حول إثنين رئيسين وثالث ضعيف:
أولهما هو عودة سيطرة النظام على الأوضاع، معتمدًا على الدعم الإيراني الكبير، وبرغبة أجهزة الدولة عدم تغيير معادلات القوى في بغداد.
ثانيهما: هو خروج الأوضاع عن السيطرة، وفي تلك اللحظة قد يتعرض الوجود الإيراني، لخطر حقيقي بطرده من بغداد.
هناك سيناريو ثالث، ولكنه ضعيف، وهو حدوث حرب أهلية شاملة، إلا أن ما يضعف هذا السيناريو، هو أن العراق، بلد أنهكته الحروب، مذ ثمانينيات القرن الماضي، مرورًا بحرب الكويت، والغزو الأمريكي، نهاية بالحرب على داعش، وتدمير المجتمع السني بها، فالشعب نفسه مثقل بالألم، وغارق في الدماء وهذا ما يضعف هذا السيناريو، إلا أنه يظل قائمًا.
[1] إسماعيل عزام، ” هل يُنهي “خليجي 24” الخصومة بين السعودية وقطر؟”، دويتشه فيلة، 13/11/2019، الرابط:
[2] ” شاهد: عمرو موسى يرد على أكاديمي إماراتي قال إن الخليج يحمي العرب”، الجزيرة مباشر، 11/11/2019، الرابط:
[3] سامر أبو عرب، ” بعد حل الأزمة مع قطر.. تعليمات بوقف الهجوم وتعويضات إماراتية لمصر”، الشبكة العربية، 15/11/2019، الرابط:
[4] ” فيديو| بدأها تركي ويتابعها الخطيب.. تفاصيل أنباء عودة أبوتريكة لمصر”، مصر العربية، 13/11/2019، الرابط:
[5] ياسر أبو هلالة، ” الأزمة الخليجية.. الرياضة “سياسة مكثفة””، العربى الجديد، 14/11/2019، الرابط:
[6] إسماعيل عزام، مرجع سابق.
[7] مدى مصر، السبت 16 نوفمبر: «مراجعة حقوق الإنسان»: 372 توصية لمصر.. وحقوقي: «بؤس»| صحيفة: واشنطن تهدد القاهرة بـ «عقوبات» بسبب «صفقة أسلحة روسية»، الرابط:
[8] المرجع السابق.
[9] مدى مصر، «مراجعة حقوق الإنسان»: تفاصيل الحشد المصري لمواجهة «هجمة» متوقعة في جنيف، 11 نوفمبر 2019، الرابط:
[10] عربى21، هل مبادرة خالد علي لإخلاء سجون مصر من المظاليم قابلة للتحقق؟، بتاريخ: 12/11/2019، الرابط:
[11] بوابة الشروق، الأوقاف: تكليف واعظات الوزارة بالعمل مشرفات بالمساجد الكبرى، 11 نوفمبر 2019، الرابط: http://bit.ly/35bPiwd
[12] المصري اليوم، «النواب» يوافق مبدئيًا على تعديلات «معاشات الشرطة».. وعبدالعال: «ذُهِلت من الموقف»، 17 نوفمبر 2019، الرابط: http://bit.ly/2Om0TC9
[13] بوابة الأهرام، عبد العال: إقرار أحقية نواب البرلمان من الضباط في معاشات الشرطة ضمن تعديلات قانون مجلس النواب، 17 نوفمبر 2019، الرابط: http://bit.ly/2NXz5VN
[14] بوابة الوطن، “البترول”: توصيل الغاز الطبيعي لأول مرة إلى 86 منطقة خلال 2019/2020، 12 نوفمبر 2019، الرابط: http://bit.ly/2Ky7F6S
[15] بوابة الشروق، «الإنتاج الحربي» تؤسس شركة مساهمة لإنتاج عدادات الغاز مسبقة الدفع، 6 نوفمبر 2019، الرابط: http://bit.ly/2Qq4P7I
[16] الخميس 14 نوفمبر: ارتفاع معدلات البطالة في الربع الثالث من 2019 | «حريق خط البنزين» يقتل 7 في البحيرة، 14 نوفمبر 2019، الرابط: http://bit.ly/2QsuInd
[17] عبد لله المصرى، قناة السويس تخفض رسومها لأكثر من النصف.. ما دلالة ذلك؟، عربى21، بتاريخ:12/11/2019، الرابط: https://bit.ly/333mchq
[18] روسيا اليوم، نتنياهو: نحن أقوياء لدرجة قدرتنا على منع الاستيلاء على الأردن ومصر، 11 نوفمبر 2019، الرابط: http://bit.ly/2KvCNUk
[19] CNN بالعربية، نتنياهو: إسرائيل تساعد في منع الاستيلاء على أراضي مصر والأردن، 12 نوفمبر 2019، الرابط: https://cnn.it/2r1pYdG
[20] المصريون، وزير الري السوداني: الاتفاق على ملء خزان سد النهضة في 7 سنوات، 17 نوفمبر 2019، الرابط: http://bit.ly/35hgY33
[21] وزارة الري المصرية (فيس بوك)، 16 نوفمبر 2019، الرابط: http://bit.ly/35gIL3F
[22] عربي بوست، هل وافقت إثيوبيا على طلب مصر ملء خزان سد النهضة في 7 سنوات، وهل يكفي هذا لحل الأزمة؟، 17 نوفمبر 2019، الرابط: http://bit.ly/33Z1PmL
[23] عدنان أبو عامر، ” العدوان الإسرائيلي الحالي ضد غزة: ما المُختلف؟”، تى أر تى عربى، 14/11/2019، الرابط: https://bit.ly/32Wa8OH
[24] سعيد عكاشة، ” إسرائيل وحركة “الجهاد” أمام خيارات صعبة”، المعهد المصرى للدراسات الاستراتيجية، 13/11/2019، الرابط: https://www.ecsstudies.com/research-programs/international-relations/arab-and-regional-studies-unit/7498/
[25] ” تصعيد جديد بين إسرائيل وغزة.. من المستفيد من مواجهة جديدة؟”، دويتشه فيلة، 12/11/2019، الرابط: https://bit.ly/33SwkdX
[26] أردوغان يزور واشنطن اليوم ويرد على رسالة “غير لائقة” لترامب، الجزيرة، 12/11/2019، الرابط: https://bit.ly/35aOXtV
[27] علاء عبدالحميد، MEE: رسالة تحذير جديدة من ترامب لأردوغان.. ماذا فيها؟، عربي 21، 11/11/2019، الرابط: https://bit.ly/2Qx7dtg
[28] عماد أبو الروس، محللون أتراك: قمة أردوغان- ترامب حققت نتائج مهمة.. ولكن، عربي 21، 15/11/2019، الرابط: https://bit.ly/2Qx7dtg
[29] زيد سالم، احتجاجات العراق: اشتداد القمع ومليونية منتظرة اليوم، العربي الجديد، 15/11/2019، الرابط: https://bit.ly/2Ky4a0a
[30] السيستاني: العراق لن يعود إلى ما كان عليه قبل الاحتجاجات، الشرق الأوسط، 15/11/2019، الرابط: https://bit.ly/37riscW
[31] براء الشمري، الأف يتوافدون على ساحات بغداد والجنوب، العربي الجديد، 15/11/2019، الرابط:
[32] مرجع سابق.