الشهادات الجديدة ضد الانقلاب.. إدانة وارتباك

بقلم: حازم عبد الرحمن

منذ وقوع الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013  ضد الرئيس الشهيد محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر, اعتمد السيسي وعصابته على أذرعهم المتمثلة في الجيش والشرطة والقضاء والإعلام ورجال الأعمال الموالين للمخلوع مبارك, وصاروا جميعا طوع الحكم العسكري الجديد؛ ولذلك كانت قوات الجيش والشرطة تتعامل بقسوة مع كل من يعترض على الانقلاب, وأصبح استخدام الرصاص الحي في مواجهة المتظاهرين, وسقوط الشهداء  منهم أمرا معتادا في المسيرات السلمية التي تندد بالانقلاب, في حين يتكفل القضاء البائس بمعاقبة من يقع في قبضة الشرطة بالحبس الاحتياطي سنوات, ليصدر ضده بعد ذلك حكم جائر بالسجن أو الإعدام, وساءت سمعة مصر بين دول العالم في مجال حقوق الإنسان, كما حدث في جنيف خلال مناقشة ملف حقوق الإنسان في مصر, حيث شهد انتقادات دولية واسعة لسلطة الانقلاب, ورافق ذلك ارتكاب السيسي عددا من الجرائم التي تفرض محاكمته بتهمة الخيانة العظمى مثل بيعه جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية, وتنازله عن حصة مصر التاريخية في مياه نهر النيل لصالح إثيوبيا, وكذلك تنازله عن حقوق مصر في الغاز والبترول لصالح العدو الصهيوني, كما أنه طوال ست سنوات منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013 وحالة الاقتصاد تتردى أكثر؛ بسبب قراره برفع الدعم,  وما ترتب عليه من غلاء الأسعار, وقد اعترف السيسي نفسه بإهدار المال العام في حفر ترعة قناة السويس بحجة رفع معنويات الشعب, وبناء القصور الفارهة على نفقة المواطنين الفقراء, وبلغت الديون الخارجية 112 مليار دولار, وتجاوز الدين الداخلي أربعة تريليونات.

وتجري جرائم عبد الفتاح السيسي وعصابة الانقلاب تحت حماية القوة الغاشمة للجيش والشرطة وتواطؤ القضاء التابع للعسكر, ودفاع الأذرع الإعلامية للانقلاب, ورغم ذلك توالت الأخبار عن فساد السيسي وعصابة الانقلاب, ثم جاء الفنان والمقاول محمد علي من داخل دائرة العاملين مع الجيش ليؤكد تفشي الفساد والرشوة في قيادات الهيئة الهندسية للقوات المسلحة, ويكشف عن عمليات النهب المنظم التي يقوم بها جنرالات الهيئة, بما فيهم اللواء كامل الوزير وزير النقل الحالي بحكومة الانقلاب, وتبين أن هذه القيادات داخلة في  شراكات كبرى مع رجال أعمال للتغطية على فساد العسكر في نهب المال العام, ولم يستطع السيسي أن ينكر ما كشف عنه محمد علي؛ فاعترف بأنه يبني القصور الفارهة وأنه مستمر في بناء قصور جديدة؛ فاستفز الجماهير الناقمة على سوء أوضاعها المعيشية؛ لتندفع إلى ميدان التحرير للهتاف “ارحل يا سيسي”.

وقد شغل محمد علي  الرأي العام المصري ووسائل الإعلام العالمية, بعد أن نشر سلسلة من الفيديوهات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، اتهم فيها قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي وكبار قادة الجيش بالفساد وإهدار مليارات الجنيهات على منشآت لا تعود بأي نفع على المواطن المصري العادي، مثل بناء فنادق وقصور فاخرة للسيسي وأسرته في عمليات بعيدة عن الشفافية والرقابة, وهي شهادة  “شاهد من أهلها” عمل على مدى 15 عاما، مقاول إنشاءات في مشروعات يمولها الجيش. واضطر لترك البلاد والإقامة في إسبانيا لأن الجيش لم يسدد له مستحقات مالية بأكثر من مائتي مليون جنيه, وهي وقائع فساد تتم بمعرفة قيادات في الجيش تكشف عن سيطرتها على مشروعات متنوعة تشمل الطرق والبنى التحتية, وكذلك المباني السكنية والفنادق وقاعات الاحتفالات بل وحتى محطات الوقود والصناعات الغذائية, وسبق أن قال العقيد تامر الرفاعي المتحدث باسم القوات المسلحة في تصريحات صحفية سابقة إن الجيش يشرف على تنفيذ حوالي 2300 مشروع، يعمل فيها ما يقارب خمسة ملايين مدني. وأضاف أن القوات المسلحة تشرف على تنفيذ تلك المشروعات “مراعاة لدقة المعايير وتسلمها بعد ذلك للجهات المدنية التي تديرها”(!).

*وثائق غاز المتوسط

والشهادة الثانية كشفت عنها وثائق مسربة نشرتها قناة “الجزيرة مباشر” عن تجاهل السيسي تحذيرات وزارة الخارجية حول حقوق مصر بغاز المتوسط , وعرضت جانبا من خفايا التفاوض بين مصر واليونان بشأن ترسيم الحدود البحرية بين البلدين, حيث نشبت خلافات عديدة بين الجانبين المصري واليوناني، وكانت هناك توصية من الخارجية المصرية للسيسي برفض الطرح اليوناني لتعيين الحدود البحرية, وتضمنت الوثائق مذكرة من الخارجية بتوقيع سامح شكري للعرض على قائد الانقلاب تقر بوجود خلافات في رؤية الجانبين المصري واليوناني لتعيين الحدود بينهما، وأن تمسك اليونان برؤيتها يؤدي لخسارة مصر 7 آلاف كيلو متر مربع من مياهها الاقتصادية، واقترحت التوصية رفض المقترح اليوناني, كما تؤكد الوثيقة أن الطرح اليوناني يفضي إلى إقرار القاهرة بأحقية أثينا في المطالبة بمياه مقابلة لمصر أمام السواحل التركية مساحتها نحو 3 آلاف كلم مربع.

كما نشرت “الجزيرة مباشر” وثيقة ثانية قدمها المستشار القانوني في وزارة الخارجية عمرو الحمامي, اتهم فيها الجانب اليوناني باللجوء إلى “المغالطات والادعاءات الواهية والأساليب الملتوية” في المفاوضات, واتهمت الوثيقة الجانب اليوناني بتعمد استغلال التوافق السياسي بين البلدين لإحراج فريق التفاوض المصري رغم استناده إلى حجج قانونية قوية.

أما الوثيقة الثالثة – وهي موقعة باسم اللواء عباس كامل المدير السابق لمكتب السيسي فتكشف عن تجاهل قائد الانقلاب توصيات وزارة الخارجية فيما يتعلق بتعيين الحدود البحرية مع اليونان, وطالب بتكثيف التحركات الدبلوماسية لتوطيد العلاقات مع اليونان وقبرص.

وتعني هذه الوثائق المسربة أن السيسي لا تعنيه المصالح العليا للبلاد في سبيل مكايدة تركيا مجانا؛ بالتعاون مع اليونان خصمها اللدود, ومما يؤكد خيانة السيسي لمصالح مصر رفضه اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي وقعتها تركيا مؤخرا مع ليبيا, برغم أنها تعيد إلى مصر حوالي ٤٠ ألف كيلو متر مربع كانت قد منحتها لليونان بعد اتفاقية وقعها السيسي ، لذلك ترفض اليونان الاتفاقية, لكن لا مبرر لرفض السيسي سوى مزيد من التفريط في حقوق البلاد كما سبق في تيران وصنافير للسعودية, ومياه النيل لإثيوبيا, والغاز للصهاينة.

   *مفيد فوزي وبسمة وهبة

يعمل مفيد فوزي في الصحافة والتلفزيون منذ سنة 1957 وظل في خدمة السلطة حتى اليوم, وما زال ولاؤه خالصا لحكم العسكر, ولا مانع لديه أن يتلقى تعليمات من ضابط بأحد الأجهزة الأمنية في سن أحفاده, لكنه فاجأ الجميع بمقال في المصري اليوم” بعنوان “شيء من الخوف”, وهو شهادة منه تؤكد سيطرة الأجهزة الأمنية على وسائل الإعلام, وهو كلام صحيح, الغريب فيه أن يصدر من مفيد فوزي, الذي يدعو كثيرا في مقالاته إلى الاستعانة بالخبرات في مجال الإعلام, وكأنه ينظر بعين الحسد إلى مكرم محمد أحمد رئيس المجلس الأعلى للإعلام, وكرم جبر رئيس الهيئة الوطنية للصحافة, ويقدم نفسه منافسا, ومرشحا محتملا, إلى أي من المنصبين, لكن أيادي الأجهزة التي انتقدها مفيد ما لبثت أن استدعته إلى ندوة نظمتها “صوت الأمة” و” اليوم السابع” لمحاولة تعديل معنى ما ورد في المقال, وتفسير المقصود؛ فاستجاب مفيد (وهو لا يملك غير ذلك), وقدم ما يرضي سيده الذي في المخابرات, لكن يبقى مقال مفيد فوزي شاهدا من أهلها على استبداد العسكر, وحالة الفشل الإعلامي منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013 , بعد أن عاشت مصر بعد ثورة 25 يناير حرية غير مسبوقة في مجال الإعلام, بات يتحسر عليها اليوم من كانوا يؤيدون الانقلاب من الصحفيين والإعلاميين, الذين ينتظرون ساعة الخلاص من حكم العسكر, بسبب ما طالهم من كوارث بعد اغتصاب الجنرالات للسلطة.

ومن الأدلة على صدق مقال مفيد فوزي ما جرى مع الإعلامية بسمة وهبة, زوجة الضابط علاء عابد الشهير بالتعذيب وعضو برلمان الانقلاب ويترأس فيه لجنة حقوق الإنسان.. بعد نشرها مقطعا تطالب فيه بحرية الإعلام, والسماح بانتقاد السيسي؛ وأنه ليس فوق النقد, وتساءلت : هل سيتم اعتقالي فور وصولي المطار؟ لكنها بعد التأنيب والتهديد وإجبارها على التراجع؛ عادت تقول إن ما بثته كان “برومو” برنامجها الجديد, وأنها فعلت ذلك لتعمل مقلبا في الإخوان(!), ولم تتعلم مما جرى للضابط صاحب قرار استضافة شخص اسمه محمود السيسي في برنامج عمرو أديب؛ حيث تم استبعاده هو ومحمود السيسي نفسه من منصبيهما, ولم يشفع لمحمود أن والده هو قائد الانقلاب, عندما أصبح بقاؤه في منصبه خطرا؛ فالحكم عقيم.

 * الارتباك

وقد بدت شواهد الارتباك في قرارات السيسي الأخيرة بإجراء تغييرات في قيادات الحرس الجمهوري وديوان عام الرئاسة، والمخابرات العامة، والقيادات الأمنية التي تدير ملف الإعلام، وتؤكد هذه التغييرات  عدم اطمئنان السيسي لبقاء قيادات عسكرية في موقعها فترة طويلة, يمكنها أن تشكل تحالفات فيما بينها, وتطيح بقائد الانقلاب, وتحافظ على هيمنة العسكر حال اندلاع ثورة شعبية تطالب بإسقاطه, على النحو الذي جرى في 25 يناير 2011 , وكذلك محاولة استرضاء عدد من القيادات العسكرية التي تزمرت من تهميشها وعزلها من عضوية المجلس الأعلى للقوات المسلحة مثل اللواء محمد رأفت الدش الذي أعاده السيسي إلى عضوية المجلس بتعيينه قائدا لقوات شرق القناة لمكافحة الإرهاب, بعد أن كان قد تم عزله من المجلس بنقله إلى هيئة التفتيش بالقوات المسلحة, وبالمثل تمت زيادة معاشات رجال الشرطة, وهي زيادة جديدة في الرشاوى لشراء الولاءات للنظام العسكري, وكذلك استخدامهم كعصا غليظة في خدمته.

ولا شك أن شهادة محمد علي الموثوق عند العسكر على الفساد داخل القوات المسلحة برعاية السيسي قد أربكت قيادة الانقلاب, وجعلتها تفقد السيطرة لفترة من الزمن عند التعامل مع الدعوة إلى التظاهر في 20 سبتمبر الماضي, وظهر أحمد موسى متوترا ليقول: “نحن بالفعل في أزمة”, ثم جاءت الوثائق المسربة عن تعيين الحدود البحرية مع اليونان لتكشف خيانة السيسي وإصراره على تضييع حقوق مصر في ثرواتها البحرية والتنازل عنها لصالح اليونان؛ بما يمثل جريمة خيانة عظمى, كما جاءت شهادة مفيد فوزي اعترافا صريحا لأحد خدام السلطة العسكرية بالفشل الكامل للأذرع الإعلامية للانقلاب, ووصم الحكم العسكري الحالي لمصر بالاستبداد, وبالمثل ما حدث بعده مع بسمة وهبة, وقبله ما ترتب على استضافة عمرو أديب شخصا يحمل اسم محمود السيسي من استبعاد نجل قائد الانقلاب نفسه إلى خارج البلاد, وهو ما يفسر ارتباك المشهد الانقلابي, برغم توحشه الأمني, ما يعني أن سقوطه بات مسلما به حتى داخل دائرته القريبة, فأعضاؤها جاهزون للهروب مع أولى بشائر انهيار النظام.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022