عزل ترامب  وتأثيراته المستقبلية على السياسات الأمريكية الداخلية والخارجية

تكهنات عدة تحيط بمستقبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بعد طلب النواب بالكونجرس عزله، اثر الكشف عن اتصالات مريبة جرت بينه وبين الرئيس الأوكراني، للتأثير على شعبية منافسه في الانتخابات الرئاسية ، بايدن، المقررة 2020..

ونذهب التقديرات الاستراتيجية إلى أن عملية العزل لن تكون سهلة، بسبب غالبية الجمهوريين بمجلس الشيوخ، الذي يفصل في قرار العزل، إلا أن التأثيير الأكبر سيكون في الانتخابات الرئاسية المقبلة، والتي يتوقع عدم تجاوزه إلى الولاية الثانية، على الرغم من استغلال معسكر ترامب لمحاولة الديمقراطيين بأنها ضد مصالح الأمريكيين لتعطيل انجازات ترامب في مجالات الصحة والعمل…

 

ومن المنطقي أن  تنعكس معركة العزل على السياسات الأمريكية الخارجية، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، حيث قضايا فلسطين، والتصعيد الخليجي- الإيراني، وقضايا الديمقراطية في مصر وليبيا وغيرها من المناطق…

 

جريمة ترامب

 

وأعلنت رئيسة مجلس النواب، الديموقراطية نانسي بيلوسي، الثلاثاء الماضي، فتح تحقيق رسمي في هذا الصدد، قائلة إن ترامب نكث بقسم اليمين بسعيه للحصول على مساعدة دولة أجنبية لتقويض ترشح بايدن.

 

 

وجاء قرار الديمقراطيين بعد اعتراف ترامب بأنه قام فعلا بالحديث مع الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي في يوليو الماضي طالبا التحقيق مع جو بايدن وابنه، الذي كان يعمل في أوكرانيا، على أن تقوم الولايات المتحدة في المقابل بتقديم دعم عسكري لأوكرانيا.

وهو أمر يعني أن الرئيس قام باستخدام منصبه لطلب تدخل دولة أجنبية ضد خصمه الرئيسي الذي يمكن أن يقف في وجهه في انتخابات الرئاسة عام 2020.

وألأدهى من ذلك، أن البيت الأبيض حاول أيضاً أن “يتستر” على أدلة هذا السلوك.

 

ومؤخرا، كشفت لجنة المخابرات بمجلس النواب الأميركي الذي يقوده الديمقراطيون النقاب عن نسخة رفعت عنها صفة السرية من تقرير التسريب الذي أثار جدلاً استمر أسابيع ودفع رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي إلى بدء إجراء رسمي لمساءلة الرئيس الجمهوري.

وذكر التقرير أن ترامب تحرك بهدف النهوض بمصالحه السياسية الشخصية، معرضاً الأمن القومي للخطر وأن مسؤولين بالبيت الأبيض تدخلوا لتحويل الأدلة إلى نظام إلكتروني منفصل.

وخلال جلسة استغرقت ثلاث ساعات في اللجنة بعد نشر التقرير، قال جوزيف ماغواير القائم بأعمال مدير المخابرات الوطنية إن المُبلغ تصرف بحسن نية واتبع القانون في تقديم الشكوى.

واتهم الديمقراطيون ترامب بالتماس العون من قوة خارجية لتشويه سمعة منافس سياسي في الداخل. وتأتي قضية أوكرانيا بعد أن خلصت المخابرات الأميركية إلى أن روسيا تدخلت في الانتخابات الأميركية عام 2016 بحملة تسلل إلكتروني ودعاية لتعزيز حملة ترشيح ترامب.

 

وجاء في التقرير الذي أعده مُبلغ عن الواقعة ويحمل تاريخ 12 أغسطس “أشعر بقلق بالغ من أن تكون الأفعال المذكورة أدناه تنطوي على مشكلة خطيرة أو فاضحة أو انتهاك لقانون أو لأمر تنفيذي تتجاوز الخلاف في وجهات النظر بشأن أمور السياسة العامة وتتسق مع تعريف “الأمر الملح“”.

 

وجرى الاتصال بعد أن أمر ترامب بتجميد مساعدات أميركية لأوكرانيا بنحو 400 مليون دولار. وأفرجت الإدارة في وقت لاحق عن هذه المساعدات. وقبل المكالمة، تم إبلاغ حكومة أوكرانيا بأن التعامل بين زيلينسكي وترامب يعتمد على ما إذا كان الزعيم الأوكراني “سيتعاون”، وفقاً لتقرير التسريب.

وتابع التقرير إنه في اليوم التالي اجتمع المبعوث الخاص لمفاوضات أوكرانيا، كورت فولكر، والسفير إلى الاتحاد الأوروبي، جوردون سوندلاند مع زيلينسكي، ومسؤولين أوكرانيين آخرين ونصحوهم بكيفية التعامل مع المطالب التي قدمها ترامب لزيلينسكي.

 

ولمح ترامب مراراً إلى أن بايدن وابنه هانتر ارتكبا مخالفات دون أن يقدم أدلة على ذلك. ولا توجد أدلة على أن بايدن استغل منصبه لمساعدة ابنه في مسألة أوكرانيا. حيث عمل “هانتر بايدن” لدى شركة تنقب عن الغاز في أوكرانيا.

وتقدم الولايات المتحدة مساعدات عسكرية لأوكرانيا منذ أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم في 2014. والمساعدات التي تبلغ قيمتها 391.5 مليون دولار تتعلق بالجدل الدائر وأقرها الكونغرس لمساعدة أوكرانيا في التعامل مع تمرد انفصاليين مدعومين من روسيا في شرق البلاد.

 

المسوغ الدستوري للعزل

 

 

وبحسب دوائر أكاديمية، لم يسجل التاريخ الأميركي عزل اي من الرؤساء الاميركيين السابقين، وكان نظام العزل فى الدستور الأميركى تم فى ميثاق فيلادليفيا العام 1787، عندما اقترحه بنجامين فرانكلين كطريقة جيدة للإطاحة بالرؤساء “المكروهين”. وقال “يمكن عزل الرؤساء الأميركيين بشكل قانونى من منصبهم ان تمت إدانتهم بالخيانة أو الرشوة أو جرائم كبرى أخرى أو جنح”.

لكن العزل الناجح  يتطلب تصويتا بالأغلبية في مجلس النواب، وبعد تصويت أغلبية الثلثين فى مجلس الشيوخ.

 

الرئيس الأميركي الديمقراطي بيل كلنتون كان خضع العام 1998 لإجراءات العزل على خلفية كذبه بفضيحة مونيكا لوينسكي، لكن وبعد ان صوت مجلس النواب لصالح عزل الرئيس حينها فان الديمقراطيين نجحوا بتبرئته فى مجلس الشيوخ.

تنص الفقرة الثانية من المادة الثانية في الدستور الأميركي: “في حال عزل الرئيس من منصبه، أو وفاته، أو استقالته، أو عجزه عن القيام بسلطات ومهام المنصب المذكور، يؤول المنصب لنائب الرئيس، ويمكن للكونغرس أن يحدد بقانون أحكام حالات عزل أو وفاة أو استقالة أو عجز الرئيس ونائب الرئيس كليهما، معلناً من هو المسؤول الذي يتولى عند ذلك مهام الرئاسة ويبقى مثل ذلك المسؤول إلى أن تزول حالة العجز أو يتم انتخاب رئيس”. بينما تنص الفقرة الرابعة :”يعزل الرئيس ونائب الرئيس وجميع موظفي الولايات المتحدة الرسميين المدنيين من مناصبهم إذا وجه لهم اتهام نيابي بالخيانة أو الرشوة أو أية جرائم أو جنح خطيرة أخرى، وأدينوا بمثل هذه التهم”.

 


إجراءت المحاكمة

وبدأت الأسبوع الجاري، جلسات الكونغرس الأمريكي للتحقيق في ممارسات ترامب، ومن المحتمل أن  يقضي الكونغرس بمجلسيه، النواب والشيوخ، لصالح الدعوى وينهي رئاسة ترامب وقد يردها مجلس الشيوخ ويسقطها.

وتبقى حيثية الدعوى قوية وقد تلحق بها حيثيات أخرى أقوى، تبعاً لما قد تكشفه التحقيقات؛ فهي تنضوي تحت تعريف “المخالفة الجرمية” التي نص عليها الدستور كسبب للعزل. لكنها ليست حاسمة قاطعة في اندراجها في هذه الخانة من المنظار القانوني القابل لتعدد التفسيرات. أو بالأحرى للتحايل القانوني الذي يضعها في إطار بريء يزعم فريق البيت الأبيض أن الرئيس أراد من مفاتحة القيادة الأوكرانية بالموضوع (من باب) محاربة الفساد في أوكرانيا وليس مطالبتها بالقيام بإجراءات تحقيق في قضية مشبوهة تطاول ابن بايدن وبالتالي والده المرشح الرئاسي”. الأمر الذي يترك الدعوى، كما كانت في محاولات العزل السابقة الثلاث، مرهونة في آخر المطاف لقرار سياسي أكثر منه قانونيا.

وسبق ان رفعت قضايا عزل ضد ترامب في 2016 بسبب سماحه بالتدخل الروسي في مجرى الانتخابات الرئاسية ، ولم تفلح بسبب تحقيق مولر الذي لم يقدم إدانة قوية لترامب، وقبل ذلك ضد الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون في قضية تحرشه بالمتدربة بالبيت الأبيض مونيكا ليونسكي..

 

تطورات القضية

 

-تشفير المحادثات الفاضحة: وكانت شبكة “سي أن أن” الأمريكية كشفت مؤخرا،  أن البيت الأبيض قيّد الوصول إلى نصّ المكالمات الهاتفية التي أجراها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب مع كل من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وهي من بين المحادثات الرئاسية التي اتخذ مساعدو ترامب خطوات مهمة للحفاظ على سرّيتها.

 

وأوضح المصدر أنه لم يُسمح للمسؤولين، الذين لهم صلاحيات الاطلاع على نصوص المكالمات التي تجري مع القادة الأجانب بصورة طبيعية، بالاطلاع على مكالمات ترامب مع بن سلمان، وبأنّهم فوجئوا بحجب نصوص المكالمات، مشيرين إلى أنها لم تنشر نهائيا، واصفين عملية الحجب بأنّها أمر “غير عادي“.

وكان ترامب أخبر شخصيات روسية كبيرة في اجتماع بالمكتب البيضاوي عام 2017 أنه غير مهتم بتدخل موسكو في الانتخابات الرئاسية في 2016

وقال المصدر إنّ مكالمة، لم تحو أسراراً حساسة بالنسبة للأمن القومي، حصلت حينما كانت تواجه الإدارة الأميركية تبعات اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، والذي تشير تقييمات الاستخبارات الأميركية إلى تورط الحكومة السعودية في القضية.


وليس من الواضح ما إذا كان مساعدو ترامب وضعوا مكالمات السعودية وروسيا في نفس النظام الإلكتروني “الآمن للغاية” الذي يحوي مكالمة هاتفية “سيئة السمعة” أجريت مؤخرا مع رئيس أوكرانيا وتم الإفصاح عنها
.

 

وطبقا لـ”سي أن أن”، فإن محاولات إخفاء المعلومات حول محادثات ترامب مع بن سلمان وبوتين توضح الجهود غير العادية التي يبذلها مساعدو ترامب من أجل تقليص عدد الأشخاص الذين يمكنهم الاطلاع على محادثاته مع القادة الأجانب. ولم يعلق البيت الأبيض على تقييد الوصول إلى المكالمات مع الزعماء الروس والسعوديين.

وأوضح مسؤولون لـ”سي أن أن” أنه تم اتخاذ هذه القيود قبل أكثر من عام، بعد أن تم تسريب معلومات محرجة حول محادثات ترامب الهاتفية مع زعماء أستراليا والمكسيك.

وتم الكشف عن هذه الإجراءات بعد أن أفصح مسؤولون في الاستخبارات عن أن مساعدي ترامب اتخذوا خطوات غير عادية لإخفاء مكالمة ترامب الهاتفية مع رئيس أوكرانيا الجديد فولوديمير زيلينسكي.

 

-دفاع ترامب بالشعبوية: وتتوالى ردود الأفعال من قبل ترامب، في محاولة للنحاة من الإدانة، فتارة يطالب بالكشف عن اسم الضابط المخبر الذي أبلغ مجلس النواب بالشكوى من حديث ترامب مع رئيس أوكرانيا، وتارة يلجأ للتهييج الشعبي، حيث حذر مؤخرا  من تعرض أميركا لخطر لم يسبق له، وذلك ردا على اتخاذ الديموقراطيين في واشنطن الخطوة الأولى في إجراءات عزله …

وقال ترامب، يوم الأحد الماضي، مخاطبا مؤيديه في فيديو نُشر على “تويتر” في إطار هجماته شبه اليومية ضد الديموقراطيين، “بلادنا معرضة لخطر لم يسبق له مثيل”، موضحا “الديموقراطيّون يريدون أخذ أسلحتكم، ويريدون أخذ تغطيتكم الصحّية، ويريدون أخذ أصواتكم، ويريدون أخذ حرّيتكم“.

وأضاف “لن ندع ذلك يحدث أبداً، لأنّ (مصير) بلدنا على المحكّ بشكل لم يسبق له مثيل. الأمر بمنتهى البساطة، هم يحاولون إيقافي لأنّني أكافح من أجلكم. ولن أدع ذلك يحدث أبداً“.

 

وفي تغريدات أخرى، كرّر ترامب القول إنّ التّحقيق الهادف إلى عزله هو عبارة عن “حملة مطاردة” سياسيّة. واعتبر ترامب أنّ النائب الديموقراطي، آدم شيف، الذي يترأس لجنة داخل مجلس النواب تحقق في تصرفات الرئيس، قد شوَّه سمعته، قائلاً إنّ عليه أن يستقيل من الكونغرس.

 

 

 

-تحركات الديمقراطيين تتسارع: وفي أولى الخطوات، طالب ديموقراطيّون يرأسون لجاناً نافذة في مجلس النوّاب، الجمعة الماضية، وزير الخارجيّة الأميركي، مايك بومبيو، المقرّب من ترامب بتزويدهم بوثائق حول قضيّة أوكرانيا، بغية “تسريع” التحقيق الرامي إلى عزل الرئيس.

وجاء في بيان لرؤساء لجان الخارجيّة والاستخبارات والإشراف على السلطة التنفيذية، توجّهوا فيه إلى بومبيو، أنّ “رفضكم الامتثال لهذه المطالبة سيُشكّل دليلاً على عرقلة تحقيق مجلس” النوّاب في هذا الإجراء النادر ضدّ رئيس أميركي.


فيما قدّم المبعوث الأميركي إلى أوكرانيا، كورت فولكر، الجمعة الماضية استقالته إثر تلقّيه استدعاءً من الكونغرس لاستجوابه في إطار التحقيق الرامي إلى عزل ترامب
.

إلى ذلك، قال رئيس الوزراء الأوكراني السابق، ميكولا أزاروف، في مقابلة مع “رويترز” إن على أوكرانيا التحقيق في أنشطة نجل بايدن، لتحديد ما إذا كان دوره في شركة غاز أوكرانية يتماشى مع قوانين البلاد.

ورفض متحدث باسم حملة جو بايدن التعليق على دعوة أزاروف للتحقيق، ولم يقدم أي من منتقدي هنتر بايدن أي دليل على أنه انتهك القانون الأوكراني.

موازين القوى بين الديمقراطيين والجمهوريين

يشار إلى أنه  لكلا الفريقين نقاط قوته وضعفه، وإن بدت الكفة راجحة للديمقراطيين، إلا انها غير حاسمة..

 

فقد فتح الديمقراطيون الدعوى واستدعوا الشهود من وزن وزير الخارجية، وربما وزير العدل وغيرهما من كبار المسؤولين في الإدارة ووكالات الاستخبارات للإدلاء بإفاداتهم تحت اليمين..

وبدت أوراق الديمقراطيين الآن أقوى مما كانت عليه أثناء التحقيق بالتدخل الروسي في انتخابات 2016. فواقعة الاتصال بالجهة الأجنبية واضحة وبإقرار الرئيس ومحاميه الخاص رودي جولياني..

 

فعندما يخاطب الرئيس الأميركي نظيره الأوكراني بلغة “نريد خدمة من جانبكم”، في رده على طلب الرئيس الأوكراني بتزويد بلاده بصواريخ أميركية مضادة للمدرعات، عندئذ تكون نية المقايضة واضحة. هذا ولم يتكشف بعد كامل نص المكالمة بين الرئيسين والذي تبيّن أنه جرى نقله من كمبيوتر حفظ المكالمات الخارجية إلى كمبيوتر “الأسرار الأمنية العالية” الذي لا يجوز خزن معلومات من هذا النوع فيه.

 

وهو الأمر الذي ضاعف الشكوك حول ما إذا كان الحديث قد احتوى على ما هو أبعد من التلميح بالمقايضة. وهو ما يعزز من حيثيات عملية العزل.

 

حيرة بين “الجمهوريين”

 

يصبّ في هذا المجرى أن القياديين الوازنين في الحزب الجمهوري في الكونغرس، بدوا في الأيام الأخيرة وكأنهم ينفضون أيديهم من الموضوع؛ فزعيم الأغلبية السناتور ميتش ماكونيل الذي لطالما لعب دور الدرع الواقية للرئيس في مجلس الشيوخ، غاب عن المشهد. وستة أو أكثر من أقطاب المجلس رفضوا حتى الآن التعليق على قضية أوكرانيا، بزعم أنهم “لم يقرأوا بعد” خلاصة المكالمة بين الرئيسين.

 

وحده السناتور لاندسي غراهام تولى الدفاع، وإن بشكل باهت، عن سردية البيت الأبيض. وكأن هناك نوعا من وضع الفاصل بينهم وبين الرئيس لئلا تكون سفينته مهددة بالغرق، إلا إذا كان وراء ذلك خطة لهجوم مضاد يأتي به الجمهوريون في حينها. فهناك كلام كثير ومتزايد في وضوحه عن تململ وضيق في صفوفهم، من ممارسات الرئيس وسلوكياته المحرجة “وغير القابلة للتصحيح“.

 

وفي هذا الصدد، إذا تفاقم ما يستحضر انفضاض الجمهوريين من حول نيكسون عندما بدأت فضيحة ووترغيت فستصبح عصية على الدفاع عنها. وزاد من الامتعاض في صفوفهم أن الرئيس كلف محاميه الخاص رودي جولياني الاتصال بالمسؤولين الأوكرانيين بخصوص هذا الموضوع، بدلاً من وزارة الخارجية التي بدت على تنافر في اليومين الأخيرين مع جولياني الذي زعم أنه قام بتحركاته الأوكرانية “بطلب منها” وهو زعم لم تؤكده الوزارة.

ثم تفاقمت البلبلة والتناقضات عندما قدم المبعوث الخاص للملف الأوكراني، كورت فولكر استقالته من منصبه. وقد استدعته لجنة الاستخبارات في مجلس النواب للمثول أمامها في الأيام القليلة القادمة. وهو على علم ودراية بمهمة جولياني وأغراضها.

 

وتأخذ “أوكرانيا غيت” بعض قوتها ضد الرئيس، من كونها تأتي على خلفية التحقيقات الروسية التي كادت أن تؤدي إلى محاكمة لو جاء تقرير مولر أقل التباساً في “عدم تبرئة الرئيس ترامب“.

وعلى عكس ذلك، يرى مراقبون، أن محاولة العزل قد تكون غير خالية من المجازفة المكلفة انتخابياً للحزب الديمقراطي، الذي تبدو قيادته حتى الآن وكأنها تسير في العملية بخطى ثابتة، لكن ليست مضمونة؛ فدون الحسم معركة قاسية ومفتوحة على المفاجآت.

 

 

سيناريوهات المستقبل

وتشير التقديرات الاستراتيجية، إلى أنه من غير المتوقع أن ينجح الديمقراطيون بالإطاحة بالرئيس ترامب، وبما يؤدي إلى تعزيز فرص زميلها الديمقراطي السناتور بايدن، حتى لو أُدين ترامب ، لأنّ العزل يتطلّب موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ الـ100 الذي يتمتّع فيه الجمهوريّون بالأغلبية“.

  • سيناريو أخر يتوقع خروج ترامب ضعيفا في جميع الأحوال، خاصة أن هذه الفضيحة تأتي قبل 14 شهرا من انتخابات الرئاسة الأمريكية التي يأمل الفوز، وهو ما قد يعرقل نجاحه في الانتخابات الرئاسية المقبلة..

 

السيناريو الثالث، خروج ترامب أكثر قوة: وهو أمر متروك للمفاجآت التي قد يطلقها ترامب والجمهوريين خلال الأيام المقبلة، وتشوية الديمقراطيين ، نشر اتهامات عدة حول هدفهم الانتخابي ومصالحهم الضيقة، وليس مصلحة الأمريكيين كشعب، وذلك في ظل توجهات الشعب الأمريكي التي يحققها ترامب لهم، في اعتزازهم بأكريكيتهم وانعزالهم وتمايزهم عن مشاكل العالم، التي كلفت موازناتهم تريليونات الدولار، وهو ما ينتهجه ترامب من تعميق الانكفاء الأمريكي على الذات، وعدم تقديم خدمات الحماية إلا بثمنها الكالي، كما في العراق والخليج العربي وأفغانستان…

بجانب سياسات تعميم التامين الصحي وتوفير فرص عمل، عبر جذب الاستمارات الخليجية إلى أمريكا..

تأثيرات القضية على الشرق الأوسط

وسواء عزل ترامب أم بقي، فإنه وفق مراقبون،  لن نحتفل بوصول خصمه الديمقراطي بايدن إلى البيت الأبيض، فكلاهما لا يكنان الكثير من الود للعرب والمسلمين، ويقفان في الخندق الإسرائيلي…

 

فيما يبقى التريث سيد الموقف، فانعكاسات عزل ترامب على السياسة الخارجية الأميركية، وتحديدا تجاه منطقة الشرق الاوسط، غير واضحة، في ظل المؤسسية التي تدار بها سياسات أمريكا الخارجية، وتأثير اليمين المتطرف في مفاصل الإدارة الأمريكية خلال السنوات الأخيرة..

حيث شهدت منطقة الشرق الأوسط بعهد ترامب تطورات دراماتيكية، خاصة على صعيد الموقف من القضية الفلسطينية والقدس، ومن الملف الإيراني.

إلا أن التأثير الخارجي  اقل نسبيا مقارنة بتأثيرات العزل  على السياسة الأميركية الداخلية..

وكانت ادارة ترامب وبعد قرارها حول القدس اصدرت قرارات سلبية وخطيرة تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين وتقليص دعم وكالة الأمم المتحدة لاغاثة اللاجئين “الاونروا”.

وتبقى رهانات غير مضمونة بتحسن الموقف الأمريكي إزاء القضايا العربية، بحسب

استاذ العلاقات  الدولية والعلوم السياسية في الجامعة الأردنية د. محمد مصالحة، الذي أكد أن الرئيس دونالد ترامب بات يعرف بشخصيته التي “لا تعترف بالمؤسسات والاتفاقات الدولية”، وذلك عقب إخراج بلاده من اتفاقيات دولية تحمل توقيع الولايات المتحدة، كاتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا)، واتفاق باريس للمناخ، واتفاقية الشراكة بالتجارة والاستثمار عبر المحيط الأطلسي، وأخيرا من الاتفاق النووي الإيراني، منذ قدومه إلى البيت الأبيض.

وأضاف مصالحة أن ترامب لا يريد للولايات المتحدة أن تعمل جنبا إلى جنب مع حلفائها، وكان يمكن رؤية ذلك في قرارته بشأن القدس وإيران، حيث يرى ترامب ان القوة الاقتصادية الأميركية سلاح يمكن استخدامه حتى ضد الدول الحليفة، وهو أسلوب فظ، يدفع الولايات المتحدة للعزلة في المحافل الدولية”.

وقال مصالحة ان ترامب الذي وصل إلى رئاسة الولايات المتحدة، بعد إدارة سيئة في الفترة الرئاسية الثانية للرئيس السابق باراك أوباما “اعتمد نهجا بالسياسة الخارجية، يعتبر إسرائيل الصديق الأول، وإيران العدو الأول”. لافتا الى ان جميع بلدان العالم تقريبا – ما عدا القليل منها، توحدت ضد قرار ترامب عندما أعلن القدس عاصمة مزعومة لإسرائيل، ضاربا عرض الحائط بعملية السلام في الشرق الأوسط وجميع المفاوضات، ومتجاهلا الجانب الفلسطيني.

ويؤكد مصالحة انه بقرار ترامب تجاه القدس “لم يقف العالم الإسلامي وحده ضد واشنطن فحسب، بل العالم كله باستثناء إسرائيل وبعض الدول الأخرى، حيث اخرج القرار الولايات المتحدة من توازنات السلام بالشرق الأوسط، واوصلها لخسارة دورها بالوساطة بعملية السلام وإلى عتبة حرجة بشرعيتها الدبلوماسية بالمنطقة”.

 

ومن ثم فإن اي ضغوط داخلية على ترامب تصب في صالح القضايا العربية والعالمية..

ومع عزل ترامب –إن حصل- أو خسارته الانتخابات المقبلة في نوفمبر 2020، قد تتراجع الديكتاتوريات والنظم القمعية التي يساندها ترامب، كنظام عبد الفتاح السيسي في مصر، وتسلط محمد بن سلمان في السعودية، وقتل اللواء المتقاعد خليفة حفتر لليبيين بدعم من الامارات ومصر، من أجل منع الليبيين من الاستقرار وجني ثمار ثورة 2011 حتى الآن..وهة مرتبط بتمسك الشعوب بحقوقها في الديمقراطية والأمن والتنمية ، مع  عرض قضاياها بوضوح في المحافل الدولية…

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022