دراسة: بيع الشركات العامة المصرية ..الدوافع والآليات والمخاطر

على مدى الأيام القليلة الماضية، شهدت العديد من الشركات والقطاعات الاقتصادية الاستراتيجية بمصر موجة خصخصة وتخارج حكومي وبيع لأصول الدولة المصرية، في أكبر موجة تنازل من الدولة عن مسئولياتها الوطنية، تجاه القطاعات الحيوية والإنتاجية، والتي يعد التخلي عنها أكبر خطر يتهدد الأمن القومي المصري..

الشركة المصرية للملاحة

حيث قررت الجمعية العمومية للشركة المصرية للملاحة البحرية، التابعة لقطاع الأعمال العام، الاثنين 2 فبراير الجاري، تصفية الشركة، وتذرعت الجمعية العمومية بعدم وجود فرصة لتطوير الشركة.

وبحسب البيان، راكمت الشركة ديونًا تجاوزت 800 مليون جنيه في السنوات الماضية، وكانت خسائرها عام 2018، نحو 115 مليون جنيه، بحسب تقرير مراقب الحسابات الذي ذكره النائب هيثم الحريري في تساؤل قدّمه في البرلمان، في ديسمبر الماضي، حول عدم تنفيذ قرارات الجمعية العمومية للشركة، وأكّد فيه أن مجلس إدارة الشركة تقاعس عن تنفيذ قرارات الجمعية العمومية بتبنّي خطة لإعادة هيكلة الشركة وضمان استمراريتها.

وفي سياق استهداف النظام تخسير الشركة تمهيدا لبيعها، بالرغم من أنها آخر شركة عامة مصرية متخصصة في خدمات الملاحة البحرية، أكّد حسن غنيم، عضو مجلس إدارة «المصرية للملاحة»، لـ”جريدة المال” أن وزارة الاستثمار لم تستجب لطلب الشركة بإدراجها ضمن الشركات الخاسرة التي كانت تنوى الوزارة ضخ أموال جديدة بها.

وأوضح غنيم أن أسطول الشركة انخفض من 60 سفينة تشمل عبارات وناقلات بترول وسفن صب، إلى 8 فقط، وعزا التدهور إلى عدم الإحلال والتجديد وغياب الدعم الحكومي للشركة.

تصفية الشركة القومية للأسمنت

وكان العام 2018، شاهدا على تصفية شركة القومية للأسمنت، إحدى الشركات التابعة للوزارة.

ووافقت الجمعية العامة غير العادية في أكتوبر 2018، على تصفية الشركة القومية للأسمنت بعدما تخطت خسائرها نحو 1.5 مليار جنيه خلال السنوات الأربعة الماضية، بحسب بيان سابق لوزارة قطاع الأعمال، والذي أشار إلى أن الشركة هي الأعلى تحقيقا للخسائر بين شركات القطاع.

وأرجعت الوزارة هذه الخسائر إلى النشاط الرئيسي من العملية الإنتاجية، “إذ تزيد تكلفة إنتاج طن الأسمنت في الشركة بنسبة تتجاوز 60% عن متوسط تكلفته في الشركات المنافسة”.

وفي الوقت الذي جرى فيه تصفية أكبر قلعة لإنتاج الأسمنت بالشرق الأوسط، افتتح السيسي مجمع للأسمنت تابع للجيش ببني سويف، في تناقض غريب، يكشف مخطط إزاحة الشركات المنافسة من أمام الاقتصاد العسكري، ما تسبب في وجود إنتاج كبير لم يستوعبه السوق المصري، وفشلت إدارة السيسي في تصديره أيضا للخارج، في عشوائية غير مسبوقة في تخطيط الإنتاج والصناعات.

شركات الأقطان

وفي 1 فبراير الجاري، كشف هشام توفيق، وزير قطاع الأعمال العام، أنه سيتم دمج 9 شركات، تابعة للشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج، وتعمل في مجال حليج وتجارة وتصدير الأقطان لتصبح شركة واحدة، وذلك بحلول 30 يونيو المقبل.

وأشار في تقرير مرسل لرئاسة مجلس الوزراء، إلى أنه تم البدء في تنفيذ خطة متكاملة لتطوير وتحديث محالج الأقطان، وصولاً لتحسين قدراتها وكفاءتها إلى جانب الاهتمام بجودة القطن المحلوج (الشعر)، وذلك بقيمة تقديرية تصل إلى نحو مليار جنيه.

وأوضح أنه تم تنفيذ المرحلة الأولى من هذا الدمج والوصول بعدد الشركات إلى 4 شركات تمهيداً لدمجها في شركة واحدة، بالإضافة إلى تخفيض عدد المحالج الحالية من 25 محلجاً، لتصبح 11 محلجاً بطاقة إنتاجية تقدر بـ 4.4 ملايين قنطار/ سنة بدلاً من 1.5 مليون قنطار/سنة للمحالج القديمة القائمة حالياً.

وكانت وزارة قطاع الأعمال قد أعلنت في وقت سابق عن خطتها لتصفية 13 شركة نسيج، تحت مسمى إعادة الهيكلة عن طريق دمج 23 شركة حكومية في 10 شركات والاستفادة من بيع أصولها في عمليات التطوير، بحسب الخطة المعلنة، والتي يستغرق تنفيذها 30 شهرًا بتكلفة تقدر بـ 21 مليار جنيه.

وكشف أحمد مصطفي، رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للغزل والنسيج، أنه بعد الانتهاء من تحديث المصانع، فإن القطاع لن يحتاج سوى إلى 7 آلاف عامل، من أصل 54 ألفاً، قوة العمالة الحالية.

تصفية مصنع الحديد والصلب مسألة وقت

بعد 66 عاما من العطاء والعمل ودوران الآلات والمعدات قررت الحكومة المصرية التخلي عن شركة الحديد والصلب وتصفية أحد أعرق الشركات التي تأسست في الشرق الأوسط منتصف القرن الماضي بعد اختيار بديل لها رغم قلة إنتاجه مقارنة بالشركة الأكبر، إلا أن عدد العمالة الموجودة، التي وصفت بأحد أسباب الخسائر، وراء تأجيل الإعلان الرسمي حتى تدبير تعويضاتهم، بالإضافة إلى توفير البديل الاستراتيجي لها والمتمثل في شركة الدلتا للصلب.

وحول موعد الإعلان الرسمي قال المصدر: “إن مجلس الوزراء يدبر حاليا التعويضات التي سيحصل عليها العمال نتيجة إنهاء مسيرتهم ومكافآت نهاية الخدمة التي تقدر بالمليارات سيتم الإعلان رسميا من خلال مجلس الوزراء المصري لصعوبة وحساسية القرار أمام الرأي العام وحساسية الشركة ووضعها التاريخي، وتهيئة الرأي العام باعتبارها شركة وطنية كان لها باع طويل مؤثر في تاريخ مصر إلى جانب ارتفاع عدد العمال بالشركة”.

إفلاس مصنع الألومنيوم

وفي إطار الصناعات الاستراتيجية التي تنهار بفعل النظام، ما كشفت عنه المؤشرات المالية لشركة مصر للألومنيوم، المحتكر الوحيد لصناعة الألومنيوم في مصر، والتي تتكبد ‏خسائر قدرها ‏‏596 مليون جنيه (38 مليون دولار)، خلال النصف الأول من العام ‏المالي ‏الجاري، في مقابل ‏تحقيق أرباح عن الفترة ‏نفسها من العام المالي السابق تقدر بـ‏‏758 مليون جنيه (48 مليون ‏دولار).‏

‏وأشارت البيانات إلى تراجع إيرادات الشركة إلى 3.5 مليارات جنيه ‏خلال ‏النصف الأول من العام المالي الجاري، مقابل 7 مليارات ‏جنيه في الفترة ‏المقارنة من العام المالي السابق.

وأرجعت الشركة، في بيان مرسل للبورصة المصرية، أسباب تحولها من ‏الأرباح للخسائر، إلى ارتفاع كلفة ‏الطاقة الكهربائية ومستلزمات الإنتاج ‏الأخرى، وانخفاض السعر ‏الأساسي للمعدن ببورصة المعادن العالمية، ‏مع تراجع سعر ‏الدولار مقابل الجنيه، بالإضافة لاستغناء الشركة عن ‏نسبة كبيرة ‏من استثماراتها المالية للوفاء بالتزاماتها المالية، ما أدى ‏لانخفاض ‏العائد من الاستثمارات.‏

خصخصة البنوك

ومطلع فبراير الجاري، قال رئيس بنك مصر، محمد الإتربي: إن مصرفه المالك لبنك القاهرة، ثالث أكبر بنك حكومي في مصر، يسعى لطرح ما يصل إلى 45% من أسهم البنك في بورصة مصر خلال النصف الأول من هذا العام، مع إمكانية حصول مستثمر أجنبي على حصة من أسهم البنك خلال الطرح.

وأضاف في جلسة نقاشية مع الجمعية المصرية لمخاطر الائتمان، أن يجري القيام بجولة ترويجية لطرح أسهم بنك القاهرة في الولايات المتحدة. وكانت صفقة لبيع البنك المملوك للدولة أُلغيت في 2008، وتكرر تأجيل طرح عام أولي مزمع على مدى الأعوام الأربعة الأخيرة.

وقال الإتربي: “تقرر بيع 45% من أسهم بنك القاهرة. البيع سيكون داخل مصر وليس هناك شهادات إيداع دولية. ومن الممكن أن يأخذ مستثمر أجنبي حصة. الجولة الترويجية هي التي تحكم”.

بيع الأراضي

ويوم 17 سبتمبر صرّح هشام توفيق بأن حكومة عبدالفتاح السيسي ستبيع أراضي 11 محلجاً تصل قيمتها إلى 27 مليار جنيه (تعادل 1.51 مليار دولار)، بعد تغيير نشاطها، وذلك لتطوير بقية شركات الغزل والنسيج. وقال الوزير: إن بيع أراضي محالج القطن سيكون “بعد تغيير نشاطها من صناعي إلى عقاري”.
وأضاف توفيق أن مصر ستعمل على دمج بعض شركات الأدوية في إطار خطة الدولة لاستهداف الأسواق الخارجية، مضيفاً: “نحتاج إلى 750 مليون جنيه لتطوير قطاع الأدوية… وسندمج بعض الشركات”.

دوافع الاتجاة للبيع والتصفية
وتقف وراء سياسات البيع والخصخصة العديد من الأسباب، ومنها:

– برنامج الطروحات الحكومية:

ومؤخرا، بدأت الحكومة في برنامج طرح الشركات التابعة لها في البورصة المصرية، تنفيذا لشروط صندوق النقد الدولي بشأن بيع الشركات المملوكة للدولة.

وتم اعتماد 5 شركات كدفعة أولى في برنامج الطروحات الحكومية بالبورصة المصرية وهم شركة الإسكندرية للزيوت المعدنية، والشركة الشرقية للدخان “ايسترن كومباني”، وشركة الإسكندرية لتداول الحاويات، وشركة أبو قير للأسمدة، وشركة مصر الجديدة للإسكان والتعمير. لتصل إلى 23 شركة.

ويستغرق تنفيذ البرنامج بالكامل فترة بين 24 و30 شهرا، وأن يحقق حصيلة تصل إلى نحو 80 مليار جنيه، وتتراوح نسب الشركات المطروحة في المرحلة الأولى بين 5 و30%، وسيتم توجيه حصيلة الطرح إلى الجهة المالكة أولاً، ومن المقرر أن يتم طرح الدفعة الثانية من الشركات المقرر طرحها خلال العام 2020..

– تنشيط البورصة
مؤخرا، أوصت لجنة الشئون الاقتصادية بمجلس النواب في تقريرها بشأن خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للسنة المالية 19/2020، بزيادة مشاركة القطاع الخاص للحكومة في تنفيذ السياسات والبرامج الداعمة لكل المشروعات والاستثمارات الموجهة لتنفيذ مختلف المشروعات.

وأشارت اللجنة إلى ضرورة أن تعمل الحكومة على تذليل العقبات التي تحول دون تنمية سوق الأوراق المالية والهيئات العاملة بها، لدفع العمل وتحقيق استقرار السوق ورفع معدلات التداول بوصفها داعماً لخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأهمية الإسراع ببرنامج توسيع قاعدة ملكية الشركات الحكومية عبر البورصة” برنامج الطروحات الحكومية”.

وهو ما سبق أن حذر منه اقتصاديون، إذ إنه يعني التفريط في أفضل الشركات الرابحة والمملوكة للقطاع العام، وهو مخطط بديل للخصخصة الفجة للقطاع العام والتي ثبت فشلها منذ منتصف التسعينيات، وتسببت في إهدار مليارات الجنيهات على الشعب المصري وتسببت في وصول البطالة بمصر لأكثر من 18%..وفق تقارير حكومية.

– خصخصة متجددة:
ويعتبرخبراء أن طرح الشركات الحكومية للاكتتاب في البورصة، خصخصة كاملة سواء كان الطرح كليا أو جزئيا أو كانت عملية البيع طرح للجمهور أو للشركات، المشتريين محليا أو الأجانب.
وقد ارتبطت تجارب الخصخصة بالفساد والرشوة في عهود عاطف عبيد وأحمد نظيف حيث كان يتم بيع الشركات ليقوم المالك الجديد بالتصرف فورا في أراضي الشركات وتحويلها إلى الاستثمار العقاري.
ومؤخرا، قال وزير قطاع الأعمال العام هشام توفيق: إنَّ اللجنة المشرفة على برنامج الطروحات الحكومية بدأت مراجعة قائمة الشركات الـ23 المقرر طرحها في البورصة، لإضافة شركات جديدة.
وأشار إلى أن الوزارة تملك النصيب الأكبر من الشركات التي يتضمنها البرنامج، وفرز جميع شركات قطاع الأعمال أظهر جاهزية 10 شركات للانضمام لبرنامج الطروحات قريبًا.

– إملاءات المؤسسات الدولية المانحة

ويأتي بيع الشركات استجابة لإملاءات صندوق النقد الدولي خاصة أن هذه الشركات رابحة وليست خاسرة..
والأخطر من البيع أن حصيلة بيع هذه الشركات لن تدخل خزانة الدولة وإنما سيتم بها تسديد الديون الخارجية.

– الفشل الإداري والاقتصادي للشركات الحكومية:

وتمتلك الحكومة 125 شركة تابعة لوزارة قطاع الأعمال العام، بالإضافة إلى شركات غذائية تابعة لوزارة التموين، وشركات كهربائية وشركات بترول وبتروكيماويات، وبنوك وشركات طيران وشركات طرق، وشركة للمصايد وأخرى للصوت والضوء.

لذا، يتوقع الخبراء العودة بقوة للخصخصة، لحاجة قطاع البترول والقابضة الغذائية للسيولة وغيرهم، مع العجز المتزايد بالموازنة الحكومية، ولارتفاع تكلفة منتجات شركات قطاع الأعمال العام، وانخفاض جودتها، ووجود طاقات عاطلة بها، وخسارة 68 شركة منها بالعام المالي السابق أي أكثر من نصف عدد الشركات، وفق تقديرات العام 2016.

آليات حكومية للوصول للبيع
واتبعت الحكومة العديد من الآليات نحو الوصول إلى مرحلة البيع والخصخصة، وسائل وآليات عدة، منها:

– التخسير المستهدف
وبلغت خسائر 44 شركة من شركات قطاع الأعمال العام نحو 7 مليارات جنيه خلال العام المالي «2016-2017»، من بين 124 شركة، حيث تلاحظ أن أغلب الشركات الخاسرة تتبع «القابضة للقطن والغزل والنسيج» وعددها 24 شركة خاسرة، بينما بلغ عدد الشركات الخاسرة بـ«القابضة الكيماوية» 10 شركات، ومن «القابضة المعدنية» 9 شركات، فيما تم تقليل الشركات الخاسرة العام الجاري إلى 38 شركة، وفقا للإحصائيات الرسمية.

وحسب الخطة، التي أعدتها وزارة قطاع الأعمال العام، والمؤرخة بتاريخ «سبتمبر 2018»، فإن هناك 5 خيارات لوقف خسائر هذه الشركات، وشملت هذه الخيارات تحديثا كاملا لمصانع الشركات الخاسرة، أو تحديثا كاملا لكن عبر دخول «شريك فنى»، والخيار الثالث هو إجراء «عمرات جسيمة» لخطوط الإنتاج في الشركات الخاسرة، أما الخيار الرابع فهو إغلاق جزئى لبعض هذه المنشآت لوقف الخسائر، ويأتي الإغلاق الكامل كخيار خامس وأخير للشركات الخاسرة.

– السيطرة العسكرية على مجالس إدارات الشركات:

وهي آلية متبعة منذ عهد السادات للسيطرة على مفاصل الاقتصاد المصري، وهو ما تجلى بوضوح في الفساد الكبير الذي أصيب به قطاع النقل، كمثال على الذبح المتعمد لشركاته في الآونة الأخيرة.

حيث حذر اتحاد عمال مصر من محاولات نظام السيسي الرامية إلى نسف قطاع الأعمال العام، وتصفية شركاته وخصخصتها تحت مسمى التطوير وطالبوا بالحفاظ على هذا القطاع لما له من دور كبير في إحداث التوازن في السوق مع القطاع الخاص.

وفي قطاع النقل يحصل 10 لواءات على نحو 80 مليون جنيه رواتب فيما يحصل العاملون عل نحو 5 مليون سنويا.

– تعديلات قانون قطاع الأعمال:

وكانت تعديلات قانون قطاع الأعمال العام التي ناقشها مجلس النواب أثارت الكثير من الجدل، وأشعلت الغضب لدى قطاع واسع من النقابات العمالية، وأكد العمال أن هذه التعديلات تخالف الدستور وتهدر حقوق العمال التاريخية وتهدف إلى تصفية الشركات وبيعها للقطاع الخاص.

يشار إلى أن وزارة قطاع الأعمال العام بحكومة الانقلاب كانت قد انتهت من إجراء تعديلات القانون رقم 203 لسنة 1991، وتضمنت التعديلات استبدال عدد من مواد القانون بمواد جديدة، وأبرز ما تضمنته تعيين رئيس مجلس إدارة غير تنفيذي للشركة، وألا يقل عدد مجلس الإدارة عن 5 ولا يزيد عن 9 أعضاء.

كما تضمنت التعديلات المادة 5 في الفقرة الأولى؛ حيث يكون للجمعية العامة العادية في أي وقت تغيير رئيس وأعضاء مجلس الإدارة، بالإضافة إلى تعديل المادة 38 لتنص على: “وفي جميع الأحوال إذا بلغت قيمة خسائر نشاط الشركة كامل حقوق المساهمين بالشركة، وجب على الجمعية العامة غير العادية حل وتصفية الشركة أو دمجها في شركة أخرى بمراعاة الحفاظ على حقوق العاملين بها، بما لا يقل عما تضمنه قانون العمل وذلك كله وفقا للقواعد التي تحددها اللائحة التنفيذية وعلى الشركات القائمة توفيق أوضاعها طبقًا لحكم المادة السابقة خلال مدة أقصاها ثلاث سنوات من تاريخ العمل بهذا القانون”.

– الحرائق المجهولة

ومن ضمن آليات الوصول للخصخصة الحرائق بمخازن الشركات العامة ومقارها.
وبحسب إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فإن مصر سجّلت الرقم القياسي في معدلات الحرائق لعام 2016، ويُعدّ هذا العام من الأعوام القاسية التي مرَّت بها مصر، وكانت دراسة قد أوضحت أن متوسط نشوب الحرائق يتركّز في نحو 24 ألف حريق سنويًا، وتشير الإحصاءات إلى أن حجم الخسائر الناجمة عن هذه الحرائق تصل لـ 400 مليون جنيه في العام الواحد، بإجمالي 37 ألفاً و583 حريقاً، مقابل 34 ألفاً و828 عام 2014 بنسبة زيادة قدرها 7.9%.

وبحسب خبراء يعد فصل الصيف موسما مناسبا لإخفاء وقائع الفساد المتورط بها الكبار والمسئولون، وطريقا سهلا لتبرير اللجوء للخصخصة بدعوى وقف الخسائر..

– مخالفات جمة

وطبقا لدراسة أعدها يحيى حسين عبد الهادي، المتحدث باسم الحركة المدنية الديمقراطية، وصاحب الحكم الشهير بوقف بيع شركة عمر أفندي لمستثمريين سعوديين، فإن الخصخصة تتطلب شرطين أساسيين؛ الشرط الأول هو أن تتم بموافقة صاحب هذه الأصول، وهو الشعب، والشرط الثاني بأن تتم الخصخصة في مناخ كامل من الشفافية، بما يضمن ألا يتسلل لها فساد، وهو ما لم يحدث على الإطلاق في فترة حكم مبارك، التي شهدت ثاني أسوأ برنامج خصخصة علي مستوى العالم، بعد تجربة الخصخصة التي شهدتها روسيا في عهد الرئيس الروسي السابق، بوريس يلتسين.

وتمثل التجربة المصرية في الخصخصة علامة سوداء في تاريخ الاقصاد المصري، حيث بدأ قطار الخصخصة عام 1991 في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، ووصل عدد شركات القطاع العام التي بيع بعضها أو بالكامل خلال الفترة من عام 1991 وحتى عام 2009 قرابة 407 شركات، وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للمحاسبات، بحصيلة بيع بلغت 50 مليار جنيه، لم يدخل الخزانة العامة للدولة منها سوى 18 مليار جنيه فقط، وجهت لسداد عجز الموازنة، فيما أكدت بعض التقديرات الرسمية بأن قيمة الأصول والشركات التي تم بيعها كانت تصل لنحو 500 مليار جنيه.

على جانب آخر مثلت الخصخصة أبشع أشكال الفساد لصالح رجال الأعمال والمستثمرين، الذين سيطروا علي شركات رابحة بأسعار زهيدة، كما قامت حكومات العسكر بتدمير شركات رابحة من أجل بيعها بالأمر المباشر لرجال أعمال، مقابل عمولات لكبار المسئولين، وهو ما أدى لزيادة المستثمرين الأجانب بمصر، والذين وجدوا في الشركات التي يتم طرحها للبيع فرصة لا تقدر، خاصة وأن ما يتم دفعه فيها يقل بكثير عن قيمتها السوقية وقيمة أصولها وممتلكاتها، وقد أثر هذا التوسع في الخصخصة لزيادة أعداد البطالة نتيجة تخلي أصحاب الشركات الجدد عن 70% من معظم العمالة بالشركات المبيعة، وهو ما مثل بعد ذلك سببا هاما في شرارة ثورة 25 يناير 2011.

ووفقا للمتابعين لسياسة السيسي الاقتصادية فإن “الجنرال” كان واضحا منذ البداية بأنه سيقوم ببيع كل شيء، حتى لو وصل لحد بيع المواطنين لأنفسهم ولكن بشرط أن يكون ذلك علي يديه، وطبقا لذلك فقد اتخذ السيسي عدة خطوات لضمان سيطرته علي عمليات البيع، وهو ما تمثل في إقرار تشريع يُمَكِن السيسي من تشكيل صندوق سيادي يكون أهم اختصاصاته بيع وإدارة الأصول المملوكة للدولة، وهو الصندوق الذي من خلاله يستطيع السيسي التحكم في أموال 136 شركة ما زالت تابعة للقطاع العام، وهي الشركات التي سيتم بيعها لعدة أسباب، الأول فيها هو الاستفادة من العائد المالي الذي ينتج عن بيعها في إنعاش موازنة الدولة التي تعاني من عجز متواصل.

أما الهدف الثاني فهو إفساح المجال لشركات القوات المسلحة التي باتت تحتل الرقم واحد في مختلف الصناعات والقطاعات، ومجالات الاقتصاد المختلفة وخاصة كل ما يحيط بالاستثمار العقاري، أما الهدف الثالث فهو التخلص من العمالة الموجود بهذه الشركات في إطار خطة نظام السيسي بالتخلص من 6 ملايين موظف بالدولة طبقا لما تم الاتفاق عليه مع صندوق النقد الدولي.

– مخاطر اقتصادية واجتماعية

وبحسب اقتصاديين، خطورة هذا الاتجاه تكمن في تخلي الدولة عن مسئوليتها تجاه المواطنين، مشيرين إلى الآثار السلبية علي الاقتصاد المصري من سياسة خصخصة عدد من شركات القطاع العام خلال فترة حكم مبارك، وإلى تفشي الفساد في عمليات الخصخصة وبيع الشركات بأقل كثيرا من سعرها الحقيقي.

كما تكمن خطورة هذه التوجه في تزامنه مع مخطط الاستغناء عن ملايين الموظفين في القطاع الحكومي خلال الفترة المقبلة، مشيرين إلى أن احتمال فقدان العمال في تلك الشركات لوظائفهم أو إجبارهم على الخروج المبكر علي المعاش.
ويحمل محطط البيع لشركات القطاع العام، مخاطر تهدد الأمن القومي، حيث تقدم تلك الشركات الخدمات الاستراتيجية للمواطنين ولعصب الصناعات المحلية، وهو ما تظهر آثاره السلبية في وقت الحروب أو الأزمات،أو حتى في الظروف العادية، من تحكم بالاسعار ورفعها وفق حسابات الربح والخسارة البحتة، التي تنزل الكثير من الأزمات المعيشية على المواطنين، في ظل انسحاب الدولة من مهام ومسئوليات أساسية في المجتمع.

خاتمة:
تسببت السياسات الحكومية في خسارة مالية كبيرة في معظم الشركات العامة، التي غابت عنها سياسات الشفافية والنزاهة، وسادت قيم المجاملات، وتحويلها لباب خلفي لقيادات الجيش والشرطة لترضيتهم وشراء صمتهم وولائهم بعد خروجهم من الخدمة، ما أدى لانتشار الفساد والسرقات وإهدار المال العام، وغابت الإرادة السياسية في معالجة أزماتها حتى وصلت لحالة يرثى لها من الضعف في عهود عبد الناصر والسادات ومبارك حتى جاء الرئيس محمد مرسي، الذي أوقف تماما حركة الخصخصة وحاول جاهدا إعادة الروح لشركات الحديد والصلب والمؤسسات القومية لتضطلع بدورها الاستراتيجي، وللحفاظ على حقوق العمال والخبرات المتراكمة لدى العمال وتطوير الشركات والمصانع وأدوات الإنتاج التي اعتبرها هدفا استراتيجيا له، لم يرق لمصاصي دماء الشعب من قبل فئة الطفيليين الذين يتواجدون دائما كالظل لبارونات الفساد والاستبداد، ثم جاء السيسي فحول كل القطاعات الحيوية والإنتاجية التي تحقق أرباحا مضمونة للجيش ونظامه العسكري..

تلك السياسات الباخسة لتاريخ المصريين مع الإنتاج القومي والمحلي، يحول مصر لمستورد لكل السلع الاستراتيجية من غذاء وملابس وأدوية وغيرها، ما يجعل البلاد تدور في دائرة المانحين. والأدهى من ذلك أن يعود السيسي للخصخصة التي ثبت فسادها، ولكنه هذه المرة متحصنا ببرلمان يعمل وفق أوامر، لا بل وفق أحلام السيسي بقوانين موجهة لتحقيق الاستفراد العسكري بمقدرات مصر، وهو ما يعود على أهلها بالغلاء والبطالة والعوز، والارتماء في أحضان أعدائها…حيث لا توجد دولة في العالم تتخلي عن أسطولها البحري التجاري، لصالح شركات متعددة الجنسيات، قد تكون سلاحا موجها ضد المصريين أساسا في وقت الأزمات، وهو ما يحدث ببيع آخر شركات النقل البحري الحكومية.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022