‫الرئيسية‬ العالم العربي المغرب دراسة مسار العلاقات المغربية الإماراتية من التحالف إلى الأزمة
المغرب - أبريل 22, 2020

دراسة مسار العلاقات المغربية الإماراتية من التحالف إلى الأزمة

العلاقات الدبلوماسية بين المملكة المغربية ودولة الإمارات تعود لسنة 1972 في عهدي الراحلَيْن الملك الحسن الثاني والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حيث كان المغرب من أوائل الدول التي دعَّمت قيام اتحاد دولة الإمارات العربية، ومنذ ذلك الحين شهدت العلاقات تطورًا متزايدًا في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والإعلامية والقضائية والعلمية والسياحية والثقافية.

وفي سنة 1985 تمَّ استحداث لجنة مغربية-إماراتية مشتركة، عقدت أولى دوراتها في عام 1988 و2001 ثم في 2004 و2006 وصولًا لتوقيع حزمة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في سنة 2015، بحضور الملك محمد السادس وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، حيث بلغ عددها حوالي إحدى وعشرين اتفاقية ومذكرة، شملت مجالات الأمن والسياسة والطاقة والتعليم والرياضة والثقافة والجمارك والشؤون الإسلامية والصحة والاتصالات والسياحة والبنية التحتية وغيرها، وقد تميزت تلك الحميمية بتقليد الشيخ محمد بن زايد بالوسام المحمدي من الدرجة الأولى؛ تقديرًا لإسهاماته في تدعيم العلاقات الأخوية التي تجمع المملكة المغربية ودولة الإمارات، وهو الذي تربطه علاقات حميمية بالمغرب حيث درس بالمدرسة المولوية في المغرب في سبعينات القرن الماضي، وفي عام 2011 وصلت موجات الربيع العربي إلى المغرب، حيث خرج المواطنون إلى الشوارع للمطالبة بتغييرات سياسية واسعة النطاق، وكانت هذه لحظة حاسمة في التاريخ الحديث للبلد، حيث بادر الملك محمد السادس بالقيام بإصلاحات دستورية غير مسبوقة انتهت بإدماج الإسلاميين لأول مرة في الحكم، بالإضافة إلى ذلك، حاول الملك تنويع شركائه على الساحة الدولية، والبحث عن حلفاء جدد.

في ذلك الوقت، سعت دول الخليج العربي إلى دمج المغرب من خلال تشكيل حلف يضم الملكيات العربية، وقد تلقى المغرب على إثر ذلك دعمًا سياسيًّا واقتصاديًّا مهمًّا من الإمارات وباقي الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، على إثر ذلك أصبحت دولة الإمارات تحتل المرتبة الأولى عربيًّا من حيث الاستثمارات بالمغرب، وكأول مستثمر في بورصة الدار البيضاء، حيث استثمرت في عدة قطاعات استراتيجية بمليارات الدولارات، مثل شركة الجرف الأصفر للطاقة التي تلبي أكثر من نصف حاجيات المغرب من الكهرباء، كما تمتلك شركة اتصالات الإمارات 53% من شركة اتصالات المغرب، إضافة إلى استثماراتها في الموانئ واللوجستيك والنقل الجوي والمطارات إلى جانب القطاعات السياحية والعقارية والخدماتية.

كما أن دولة الإمارات في تلك الفترة تعهدت بتقديم هبة بقيمة 1.25 مليار دولار للمغرب في إطار المنحة الخليجية التي تناهز قيمتها 5 مليار دولار من أجل المساهمة في تمويل مشاريع تنموية في المملكة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بمبلغ يصل إلى 100 مليون دولار، إضافة لتمويلها عدة مشاريع خيرية مثل مستشفى الشيخ زايد بالرباط، ومستشفى الشيخ خليفة بالدار البيضاء، ومستشفى محاربة داء السرطان بالرباط، والوحدة الطبية المتنقلة لجراحة العيون، ومستشفيات أخرى، إلى جانب بناء الطرق السيارة والسدود.

كما شهدت العلاقات الاقتصادية نموًّا متصاعدًا، حيث ارتفعت المبادلات التجارية بين البلدين من 464 مليون دولار في عام 2013 إلى 524 مليون دولار في عام 2017 بمعدل نمو سنوي بلغ 3% لآخر 5 سنوات، فيما بلغ معدل النمو السنوي في إجمالي التجارة بين البلدين للعامين 2016 و2017 نحو 9%، أي ما يعادل 3 أضعاف معدل النمو للسنوات الخمس الماضية.

ومن الجانب الآخر تمكنت دولة الإمارات إلى جانب باقي دول الخليج من الاستفادة من “الحليف” المغربي على ثلاثة مستويات أساسية:

 أولًا المستوى الاقتصادي: حيث يُعدُّ المغرب بوابة مجلس التعاون الخليجي تجاه إفريقيا وأوروبا نظرًا لموقعه الجيوستراتيجي، الأمر الذي سيمكن مستقبلًا دول الخليج على التوسع اقتصاديًّا في هذه المناطق من خلال الاستفادة من خبرة المغرب وعلاقاته مع الدول الأفريقية .

 ثانيًا المستوى الجيوسياسي والدبلوماسي:  سياسيًّا من خلال استثمار تجربة المغرب داخليًّا وخارجيًّا كنظام ملكي حليف خاض تجربة الإصلاح في ظل الاستقرار، على اعتبار أن الأنظمة الملكية العربية هي الأكثر استقرارًا في المنطقة، وهي وحدها القادرة على إصلاح نفسها في سياق تميز بانهيار وتراجع الجمهوريات العربية في المنطقة، ودبلوماسيًّا عن طريق دعم المغرب المتواصل لاستعادة سيادة الإمارات على الجزر الثلاث المحتلة من طرف إيران، ومساندة المغرب للترشيحات التي تقدمها الإمارات على صعيد المنظمات الإقليمية والدولية، مثل: استضافة مقر منظمة “إيرينا”، واستضافة المعرض العالمي “إكسبو 2020″، وتصويت المغرب لصالح الإمارات من أجل الحصول على العضوية في مجلس حقوق الإنسان، بالإضافة إلى التنسيق دبلوماسيًّا مع المغرب من أجل استثمار علاقاته القوية مع الاتحاد الأوروبي خاصة فرنسا، فيما يخص بعض ملفات وقضايا الشرق الأوسط، وجيوسياسيًّا من خلال حصول الإمارات على وجود أكبر في شمال إفريقيا؛ ومساهمتها في وقف زحف الربيع العربي وتقويض حركات الإسلام السياسي، وإدخال دولة عربية أخرى ضمن دائرة نفوذها واستمالة مواقفها الخارجية.

ثالثًا المستوى الاستراتيجي: المرتبط بالتعاون العسكري والأمني والاستخباراتي، حيث صادق البلدان منذ مارس 2015، على اتفاقية للتعاون العسكري تنص على تشكيل لجنة مشتركة وتوسيع التعاون في مجالات السياسات الأمنية والدفاع وإقامة دراسات وأبحاث في الصناعات العسكرية، بالإضافة إلى تبادل الخبرات العسكرية وإقامة الدورات العسكرية والتدريبات والتمارين المشتركة(6)، حيث تعول دول الخليج على المغرب بشكل كبير فيما يخص التصدي للتمدد الشيعي في المنطقة، بالإضافة لحاجتها الملحة للجيش المغربي بخبرته الطويلة وتمرسه للدفاع عن سيادتها وأمنها القومي، سواء من خلال مشاركته في “التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات” ضد الحوثيين في اليمن، علاوة على مشاركته في الحرب على تنظيم “الدولة الإسلامية” إلى جانب أميركا ودول الخليج، ودعم يشمل كذلك التنسيق الأمني، وتبادل المعلومات الاستخباراتية والدعم الميداني، هذا المستوى بالتحديد من التحالف يعكس انخراط المغرب بشكل قوي في الحفاظ على أمن واستقرار دول المجلس.

إذا كانت علاقة المغرب مع دولة الإمارات تندرج أساسًا ضمن دعم حلقات الانتماء العربي الإسلامي والعلاقات الودية -بل والعائلية- التي تربط العائلتين الحاكمتين في كل من المغرب والإمارات وفي إطار المصالح المشتركة، فقد أصبحت في الوقت الراهن ملزمة بالتأقلم مع التحولات الداخلية التي أفرزتها موجة الثورات العربية منذ 2011، في هذا الإطار فإن موضوع الاستقلالية في القرار الخارجي إلى جانب الوحدة الترابية باتا يشكِّلان من المنظور الاستراتيجي أهم محددات السياسة الخارجية المغربية، إلى جانب رهان تحقيق التنمية وبناء دولة ديمقراطية.

 

رفض سياسات الهيمنة وبداية الانقلاب

لقد كان التحالف بين المغرب ودولة الإمارات تاريخيًّا قويًّا، غير أن الفترة التي شهدت تقاربًا أكبر كان ذلك نتيجة لنظرة واقعية وبراغماتية لدول عربية ذات أنظمة ملكية انزعجت بشكل أو بآخر من موجات الاحتجاجات التي انطلقت مع الثورات العربية، والتي كانت مدعومة بالمخاوف المشتركة بشأن الاضطرابات السياسية والأمنية التي شهدتها دول مجاورة في المنطقة.

ومع استقرار الأوضاع في المغرب وتراجع خطر تحوُّل الوضع إلى ثورة واسعة النطاق على غرار بعض الدول العربية، ارتفع هاجس الرباط إزاء سياسات الإمارات المتشددة والعدائية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بقيادة ولي عهد الإمارات، محمد بن زايد، التي تبيَّن أنها تسعى للهيمنة وممارسة الوصاية على علاقاتها مع المغرب، في الوقت الذي أصبح المغرب يولي اهتمامًا أكبر لاستقلالية قراره الدولي عن التأثيرات الخارجية، وتجلى ذلك من خلال محاولاته المتعددة التي كانت ترمي للحفاظ على علاقات مع أكبر قدر ممكن من الأصدقاء وإلى تجنب مزيد من الخصوم والنأي بنفسه عن الصراعات والانقسامات العربية والدولية، الشيء الذي أفضى لعدة توترات تمثل انقلابا دراماتيكيا.

ومن خلال تتبع مسار العلاقات بين البلدين في السنوات الأخيرة يمكن اعتبار ذلك نتيجة مباشرة لتعطيل أهم الأسس التي ترتكز عليها الرؤية المغربية في علاقتها مع الإمارات المتمثلة في التنسيق والتشاور الثنائي المسبق قبل اتخاذ مواقف وقرارات على المستوى الإقليمي والعربي وبعض القضايا الدولية، ونتيجة لتراكم العديد من الأحداث والمواقف المتضاربة.

 

استراتيجية الإمارات لتوتير الداخل المغربي

وعلى الطريقة المصرية لتنفيذ انقلاب 3 يوليو على الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، قامت الامارات ببدء تفعيل استراتيجية مضادة للاستقرار الهش بالمغرب.

2015 البداية

سنة 2015 تحديدا، وضعت الإمارات خطة الدخول لـ”السوق السياسي” في المغرب من خلال الإعلام، وتوظيف “القوة الناعمة” للتأثير في الرأي العام وتوجيهه ضد الإسلاميين، وتحديدا حزب “العدالة والتنمية” بحسب الصحيفة.

وبدأ توجه الإمارات واضحا في مناوئتها لحكومة ابن كيران، حيث نزل التصور الذي أعدته أبوظبي إلى مستوى تصريحات “خشنة” لشخصيات إماراتية فاعلة، مع تصدير محتوى موجه لِملايين المغاربة الذين يستهلكون ما تنتجه المنصات الرقمية، هذا في الوقت الذي كان تأثيرها في الصحافة الورقية المغربية، موجودا، لكنه محدود وغير مؤثر.

سنة 2015، كانت فاصلة في وضع المغرب على خريطة الدول التي ترغب الإمارات في الدخول إليها وصنع محتوى موجه للمغاربة، يطابق تصور أبو ظبي السياسي للمنطقة، في هذا السياق، خرج ضاحي خلفان، قائد شرطة دبي، حينها، في ذات السنة (أي 2015) بتدوينة على حسابه على موقع التواصل الإجتماعي تويتر توقع من خلالها سقوطا مدويا لحكومة بنكيران، مؤكدا أن “إخوان المغرب سيسقطون خلال عام“.

تدوينة قائد شرطة دبي، وأحد رموز الحكم في الإمارات، تفادى رئيس الحكومة، حينها، عبد الإله ابن كيران التعليق عليها، بشكل حاد، لكنه عاد إليها عندما غادر الحكومة، حينما أكد في تجمع حزبي أن “الإمارات تتحرش بالمغرب”، منتقدا إعلام أبوظبي الذي كان يناوىء حكومته، قبل أن يوجه سهام نقده، لمحمد دحلان، مستشار ولي عهد أبوظي، الحاكم الفعلي للإمارات.

أدركت الإمارات، متأخرة أن “الإعلام البديل” من خلال المواقع الالكترونية، ومواقع التواصل الاجتماعي، كانت الأساس والشرارة الكبرى والمؤثرة في الشعوب لإفراز ثورات “الربيع العربي”، التي أسقطت العديد من الأنظمة في المنطقة، كما استوعبت، ولو بمنطق “كسول” أن كل المنصات والقنوات والجرائد التي صرفت عليها ملايين الدولارات لـ”تدجين” شعوب المنطقة، لم تكن مؤثرة بالشكل الكافي لـ”قمع الحقيقة”، وإعادة انتاج الواقع برؤيتها، لذا، اعتمدت تصورا جديدا يعتمد على شراء جزء من رأسمال مواقع الكترونية في العديد من الدول العربية، أو دفع الملايين للتحكم في المحتوى الذي تنشره هذه المواقع التي تعتبر مؤثرة في بلدانها.

لهذا الغرض، كلف ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، مستشاره للأمن الوطني، طحنون بن زايد وعقل جهاز المخابرات في هذه الإمارة الخليجية، بصياغة رؤية صناعة “قوة ناعمة” للدولة، في الخارج، حيث بدأ جهاز طحنون يستقطب الصحافيين ويرسم معالم التوجه الإعلامي الموجه للإمارات تحت غطاء وزارة الإعلام، التي كان يديرها فعليا جهاز طحنون المخابراتي.

كانت الخطة ببساطة، هي إعادة “صناعة الفوضى” و”الاستثمار في بؤس الناس” من خلال تسطيح عقولها بمحتوى يبعدهم عن السياسة، ويقدم لهم إعلاما موجها برؤية واحدة لتفادي أي “قنبلة زمنية” لموجة ربيع عربي ثان، فكان الأساس الذي رفعه جهاز طحنون، لتنفيذ هذه الخطة هو: “إجعل الدرهم الإماراتي يَصرخ.”!

ولهذا الغرض، وضعت ميزانية ضخمة تحت تصرف جهاز طحنون لشراء أسهم وجزء من رأسمال العديد من المواقع في كل من مصر وتونس وبدأ التفاوض داخل المغرب على ذلك أيضا، لتكون هذه المواقع صوت الإمارات الخارجي ولتمارس “القوة الناعمة” في تجميل صورة أبوظبي، وتوجيه سهام النقد للإسلاميين، من الخليج إلى المحيط.

وليبدأ العمل فعليا، نظمت الإمارات، شهر مارس سنة 2015 في دبي، تجمعا لـ”رواد التواصل الاجتماعي العرب” حضره 1500 إعلامي ومؤثر في الإعلام البديل، حيث استقبلهم، شخصيا الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الامارات رئيس مجلس الوزراء، وحاكم دبي.

كل الحاضرين في هذا التجمع دُفعت تكاليف حضورهم، بالكامل، من تذاكر الطائرة إلى الإقامة في فندق من خمس نجوم، إلى غلاف مالي وجده كل مشارك عند دخوله لغرفته، حيث عمدت الإمارات لشرح رؤيتها المستقبلية، ومحاولة استقطاب أغلب المؤثرين في “الديجيتال” في العالم العربي، من الحاضرين لهذا التجمع كان هناك العديد من المدونين، وكذا الصحافين وبعض مدراء المواقع الإلكترونية المغربية.

في هذا اليوم بالذات، وضعت خطة للتفاوض من أجل الدخول إلى سوق الإعلام المغربي، بحيازة جزء من رأسمال مواقع إلكترونية معينة، ومحاولة التأثير في بعض الصحافيين من خلال عوائد مالية، أو تدبير إقامات في دبي، وكذا تنظيم سفريات منتظمة، ومدفوع تكاليفها مسبقا إلى الإمارات، نظير تصريف العديد من المحتوى الإماراتي للقارئ في المغرب، وهو المحتوى الذي يكتب أغلبه في أبوظبي، ويصل للمعنيين جاهزا من أجل نشره!

ومع نهاية 2015، وبداية 2016، كانت الإمارات حاضرة، فعليا، في المواقع الإلكترونية المؤثرة في المملكة، وتطورت هذه العلاقة، إلى حدود 2017 حيث بدأ النقاش فعليا يتطور لشراء جزء من الأسهم، في بعض المواقع الإلكترونية، في حين بقي التعامل مع بعضها الآخر مناسباتيا.

وبعد نفخ في لغة الأرقام، تم رسو الإماراتيين على التفاوض مع موقع مغربي واحد ، حيث فتحت معه حكومة دبي، ثم أبوظبي، المفاوضات لشهور طويلة، كان طيلتها يقوم بصرف مواقف الإمارات بكل زخم، ويتبع سياستها الخارجية، كـ”عربون حسن نية“.

الأكثر من ذلك، تم توظيف العديد من المصطلحات السياسية لتصريفها للمتلقى المغربي، مع التركيز على إسقاط المفاهيم السياسية لخلطها، كما هو حال وصف أعضاء حزب “العدالة والتنمية” بـ”إخوان بنكيران وإخوان العثماني أو إغراق حزب pjd بوصف لإخوان” وكلها إسقاطات أريد لها أن تلتصق في الوعي الجماعي المغربي، ليتناغم وصف “إخوان المغرب” مع “إخوان مصر”، وتصبح صورتهما واحدة، في عملية “تطبيع” ممنهجة يصعب الفصل معها بين الإسلام السياسي المغربي، والإسلام السياسي المشرقي.

منذ 2017، بدأت الإمارات في الإعداد لرؤية إعلامية جديدة، من خلال إعادة هيكلة مؤسسة “أبوظبي للإعلام” التابعة لشركة أبوظبي التنموية القابضة، وهو صندوق سيادي إماراتي، حيث بنت استراتيجتها على جعل هذا الصندوق السيادي من خلال مؤسسة “أبوظبي للإعلام” جزءا من رأس مال بعض المواقع، العربية، ومنهم موقع مغربي.

الاتفاق أفضى إلى دخول الإماراتيين بجزء مهم في رأسمال الموقع المغربي، ولهذا الغرض كان هناك لقاء مع سلطان الجابر العقل الإعلامي الذي أشرف على الاستراتيجية الجديدة للإعلام في الإمارات، والمنصات التابعة لها، وهو وزير دولة، ورئيس مجلس إدارة أبوظبي للإعلام، مع ملاك أحد المواقع، أواخر سنة 2018، في الرباط، حيث تم نقاش الكثير من تفاصيل دخول الصندوق السيادي كمساهم في الموقع المغربي، قبل أن يستكمل اللقاء في رأس سنة 2018 في الإمارات، حيث أبرم الاتفاق .

قصّة التوغل الإماراتي، في الإعلام المغربي، لا تقتصر على الدخول في رأسمال الإعلام المغربي، بل تتعداه لبناء شبكة علاقات مع صحافيين ومؤثرين في الإعلام، من أجل خدمة أجندتها الداخلية والخارجية، بمنطق “هاجم، ثم هاجم، ثم هاجم، ولا تتوقف، وهو ما رأيناه في العديد من الأحداث التي همّت العلاقات المغربية الإماراتية، حيث تعاملت العديد من المواقع مع التوتر بين الرباط وأبوظبي بـ”برودة”، وتجاوزوا عملية تسليط الضوء عليها قدر المستطاع!

هي إذن، “حرب” طويلة على المملكة المغربية، تُلعب بأيادي شركات مصرية مهمتها صناعة “الذباب” الموجه للمغرب، في مواقع التواصل الاجتماعي، كما أصبحت تلعب بأياد مغربية، بصيغة تقترب من “العمالة لدولة أجنية“.

ويكفي العودة لأرشيف بعض المواقع لمعرفة مدى توغل “الدرهم الإماراتي” في قواعد تحرير المحتوى الموجه للمغاربة، لتحويل إيمانهم لشخصيات أو أحزاب أو مؤسسات إلى كفر، وهو ما يفضي في الأخير لـ”صناعة الفوضى”، الثروة الحقيقية للإمارات بعد النفط!.

 

محطات الأزمات

التصعيد الإعلامي الإماراتي ضد المغرب على خلفية العالقين الإسرائيليين ، أخر التطورات، تمثلت في الأزمة الاعلامية التي انطلقت خلال الساعات الماضية، على خلفية ترحيل العالقين الاسرائيليين بالمغرب عبر طيران الامارات.

فبعد أن وافقت المغرب على إجلاء المواطنين الإسرائيليين العالقين على أراضيها منذ بداية أزمة تفشي فيروس كورونا الجديد، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية ان المملكة اتخذت قرار تعليق هذه العملية إثر خلاف اندلع بينها وبين دولة الإمارات.

وذكرت صحيفة “جيروزاليم بوست”الإسرائيلية، أن المملكة تراجعت عن قرارها بعد أن اتفقت إسرائيل والإمارات على إجلاء مواطنيهما من المغرب في رحلة مشتركة دون استشارة الرباط.

وكان من المتوقع أن يعود الإسرائيليون العالقون حاليًا في المغرب إلى إسرائيل في عطلة عيد الفصح، بحسب الإذاعة الإسرائيلية، واشارت الصحيفة إلى أن الإسرائيليين بعضهم محاصر في فنادق في مراكش وآخر ينتظر بين الجالية اليهودية في الدار البيضاء، وكانت الإمارات قد أجلت 180 من مواطنيها، ولا يزال 74 آخرون ينتظرون في المغرب.

وفاجأت الإمارات إسرائيل بعرض مجاني ، في اطار التقارب الصهيوني الإماراتي، إخلاء مواطنيها والإسرائيليين في رحلة إجلاء مشتركة، حيث يحظر دخول طائرات شركة “إل عال” الإسرائيلية المجال الجوي المغربي، وحظي هذا الاقتراح بموافقة الجانب الإسرائيلي، إلا أنه أثار غضب الحكومة المغربية التي لم يكن لديها أي علم ولم يتم التشاور معها حول هذا القرار.

 

تصعيد إعلامي إماراتي بطعم الصهيونية

وقد تسبب القرار المغربي، بهجوم واسع من منصات اعلامية إماراتية، عبر قناة العربية السعودية التي تبث من الامارات، وحسابات الذباب الالكتروني، على فضاء التواصل الاجتماعي دارت الانتقادات والهجوم الإماراتي على المغرب، حول أداء لحكومة المغربية ورئيسها سعد الدين العثماني.

قناة العربية، قالت خلال تغطيتها لحصيلة إصابات “كورونا” بالمغرب، إن الفيروس تسبب في مئات الوفيات وآلاف الإصابات بالمملكة، في حين أن الحصيلة الرسمية لوزارة الصحة المغربية لم تتجاوز بعد 2700 إصابة، فيما وصل عدد الوفيات إلى 137 إلى حدود الساعة السادسة من مساء يوم السبت 18 ابريل.

 

غضب مغربي

المعطيات التي قدمتها “العربية” أثارت غضبا واستياءً واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبرها مدونون ومغردون مغاربة، من بينهم سياسيون وحقوقيون، استمرارا لسياسية التهويل والتضخيم وتقديم معطيات مغلوطة، مشيرين إلى أن هذه الحملات الإعلامية تؤشر إلى وجود توجه رسمي للإمارات لاستهداف المغرب، يأتي ذلك بعدما شنت حسابات إماراتية على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، هجوما على الحكومة المغربية ورئيسها سعد الدين العثماني، متهمين إياه بالتسبب في “إهمال الشعب المغربي وعدم توفير المؤن والغذاء له وتركه عرضة لوباء كورونا”، فيما رد نشطاء مغاربة بالتضامن مع العثماني عبر هاشتاغ “شكرا العثماني”، ما جعله يحتل الرتبة الأولى في “الترند” على “تويتر”. حملة الهجوم على العثماني وحكومته شنتها عشرات الحسابات الإماراتية في وقت متزامن، حيث استُعملت في التغريدات مصطلحات متشابهة مع اختلاف في الصياغة، واجتمعت كلها على اتهام حكومة العثماني بأنها “تمول الجماعات الإخوانية وتهمل شعبها في ظل الأزمة الكبيرة التي يمر بها بالمغرب”، مصدر مقرب من العثماني أوضح لجريدة “العمق” المغربية،  أن هناك حملة مدبرة من طرف ما يُعرف بالذباب الإلكتروني في الإمارات، من أجل النيل وشيطنة العثماني ومعه المغرب ككل”، وهو ما دفع بمئات المغاربة إلى التغريد على “تويتر”، تضامنا مع الحكومة ورئيسها العثماني تحت هاشتاغ “شكرا العثماني”، معتبرين أنه بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع العثماني، إلا أن ما يتعرض له يتطلب التضامن معه.

وكان الباحث المتخصص في مواقع التواصل الاجتماعي غسان بن الشيهب، قد كشف أن عددا من الحسابات بموقع تويتر استهدفوا المغرب وحكومته، 80 % منها انطلقت في يوم وتاريخ واحد، مشيرا إلى أنه وبعد بحث قام به حول الموضوع، “تبين أن هذه الحسابات سبق أن هاجمت قطر وتركيا، في حين تشيد بالإمارات”.

 

أزمة دبلوماسية صامتة

ويأتي الهجوم الإماراتي، في ضوء أزمة صامتة  بين المغرب والإمارات منذ  أكثر من عام، عندما غادر السفير الإماراتي لدى الرباط علي سالم الكعبي المغرب في أبريل من العام الماضي، بناء على طلب مستعجل من بلاده، قبل أن يسحب المغرب سفيره لدى أبوظبي، فيما تصر الإمارات على عدم تعيين سفير جديد لها. وكان موقع “مغرب أنتلجينس” المقرب من المخابرات الفرنسية، قد قال إن الرباط خفضت تمثيليتها الدبلوماسية بالإمارات، من خلال استدعاء قناصل بكل من دبي وأبوظبي، بالإضافة إلى إفراغ سفارتها من المستشارين والقائمين بالأعمال هناك. وتابع المصدر ذاته، أن عدم تعيين الإمارات لسفير لها بالرباط لمدة سنة، أزعج المغرب، حيث تظهر تغريدات نشرها حساب السفارة الإماراتية بالمغرب أن القائم بأعمال السفارة بالنيابة سيف خليفة الطنيجي هو الذي يتولى مهام السفير علي سالم الكعبي.

 

أسباب الأزمة

-تحرش إماراتي

وفي اطار التصعيد الإماراتي ضد المغرب، والتي تلت قرار إعلان المغرب الانسحاب من التحالف الدولي الذي يحارب باليمن، حيث وصف تقرير لقناة العربية جبهة “البوليساريو” (الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب المعروفة)، في تغيير واضح للمصطلحات الإعلامية التي دأب الإعلام  السعودي والاماراتي على استعمالها للحديث عن قضية الصحراء شديدة الحساسية بالنسبة إلى المملكة المغربية.

بينما كشف  موقع “المغرب انتجلنس” عن مساعي الإمارات لإطلاق قناة تليفزيونية جديدة، موجهة للجمهور المغاربي، وتنطق بلسانها، في محاولة لتكون امتداد لأذرع أبوظبي المتسللة نحو شمال إفريقيا.

كما سبق أن نشر موقع “مغرب إنتليجانس” خبراً حصرياً، بتاريخ 8 أبريل الماضي، أكد فيه أن أبوظبي طلبت من ضابط مخابرات إماراتي سابق يُدعى أحمد آل ربيعة، الإشراف على إطلاق قناة “سكاي نيوز المغرب” لتكون فرعاً لقناة “سكاي نيوز” الرسمية التي تمولها أبوظبي.

وأضاف الموقع أن هدف القناة “تضخيم خطورة الحركات الاجتماعية في المغرب”، مشيراً إلى أن السعودية انخرطت هي أيضاً في الحرب الإعلامية على المغرب، حيث من المنتظر أن تطلق “شبكة MBC” محطة تلفزيونية جديدة موجهة للمغرب، تحمل اسم “MBC Morocco”، وأوضح أن تركي آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه بالمملكة، كلّف شركة إنتاج لبنانية “بإطلاق النار على المغرب”؛ عبر إنتاج مسلسلات وبرامج تركز على “مواضيع الدعارة والمخدرات والسحر الأسود.

وأكدت صحف ومواقع إخبارية تونسية عديدة، في الرابع من أبريل الجاري، قرب افتتاح القناة الموجهة إلى المغرب العربي، والتي تبث من تونس، مشيرة إلى أنها ستنتج برامج ضخمة موجهة إلى جمهور دول المغرب، وتملك إمكانيات ضخمة بمقاييس عالمية وميزانية إنتاج كبرى ، كما نشر الموقع خبراً قال فيه إن موقع “هسبريس”، الأول والأكثر متابعة في المغرب، “أصبح تحت حماية الإمارات، وإن الموقع سُجّل تحت اسم نطاق “a.e” المدرج ضمن النطاق الوطني لأبوظبي.

وكان موقع “هسبريس” شهد أزمة غير مسبوقة، في يناير من العام الحالي؛ بعد استقالة خالد البرحيلي، أحد الصحفيين المؤسسين للموقع، والذي شن هجوماً عنيفاً على الشركة المصدرة للموقع ومدير التحرير المقيم في دبي.

البرحيلي كان قد وصف على صفحته في “فيسبوك” المسؤولين عن الموقع بـ”حراس الإمارات”، واتهمهم بمنع نشر أي مقال أو خبر أو تحقيق يتحدث بسوء عن الدولة الخليجية ذاتها.

وليست هذه المرة الأولى التي يُتحدث فيها عن تدخل إماراتي في الإعلام المكتوب في المغرب، فقد نشر موقع “كود” المغربي الناطق بالدارجة المغربية، في 27 فبراير الماضي، خبراً عن زيارة مريبة لعدد من مديري نشر صحف مغربية إلى الإمارات، في أواخر سنة 2017، بالتنسيق بين سفارة الإمارات في الرباط ووزارة الاتصال المغربية.

وبحسب موقع “كود” فإن الصحفيين المغاربة خضعوا للاستنطاق كلاً على حدة، في حين وُبّخ أحد مديري الصحف المغربية بسبب تدوينة دافع فيها عن رئيس الحكومة المغربي السابق، عبد الإله بن كيران، وأيضا كشفت مصادر مغربية أن موظفة تحمل صفة سكرتير ثالث بسفارة أبوظبي بالرباط، قامت بـ”تحركات مشبوهة”، تسببت في أزمة دبلوماسية بين البلدين.

ونقلت صحيفة “الأيام” المغربية، أن هذه الموظفة (لم يذكر اسمها) قامت بإجراء اتصالات وعقدت مجموعة من اللقاءات والمشاورات مع فعاليات من المجتمع المدني، وبعض الناشطين السياسيين والإعلاميين، دون المرور عبر وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المغربية، وهو ما أزعج الرباط.

من جانبها، اعتبرت السلطات المغربية مثل هذه التحركات بمثابة خرق صريح لأعراف وتقاليد العمل الدبلوماسي المعمول بها في المغرب ،وقامت السلطات المغربية بفتح تحقيقات حول عدة شبكات ممولة من المملكة العربية السعودية والإمارات، مبرزة “أن هذه التحقيقات قد تتسع لتشمل عدداً من وسائل الإعلام المحلية وكتاباً، بل وشخصيات سياسية أيضاً“.

 

الخلافات المغربية الإماراتية حول ليبيا

أيضا، تحركات الإمارات في دول شمال إفريقيا، ومن بينها ليبيا، أغضبت المغرب، حيث تعمل الإمارات على عرقلة اتفاق “الصخيرات” وإفساد جميع مجهودات المغرب الدبلوماسية، وفقاً لما سبق أن قاله خالد يايموت، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس في الرباط،  لـ”عربي بوست، وأشار إلى أن المغرب أسهم في إيجاد حل أممي، من خلال عمله على إدارة الحل الأمني والتقسيم السياسي بليبيا عبر اتفاق الصخيرات، إلا أن الإمارات أدت دوراً كبيراً في إفشال هذا المخطط المتفق عليه دولياً.

وينظر المغرب كغيره من دول المغرب العربي بريبة شديدة إلى الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر، لأسباب كثيرة، منها أنهم يرونه على أنه تابع أو في أفضل الأحوال جزء من تحالف مصري إماراتي سعودي، يريد مد نفوذه في المغرب العربي، والأسوأ أن هذا التحالف، ومن ضمنه حفتر، يريد إفساد التوازن الهش القائم في المغرب وكل دول شمال إفريقيا بين الأنظمة والإسلاميين.

وبحسب خبراء، يعتبر الدعم المباشر والمعلن لحفتر في هجومه على طرابلس، وإلغاء المسار التوافقي المدعوم بشرعية دولية، يعتبر طعنة في الظهر لجهود المغرب لدعم الاستقرار في المنطقة.

 

العداء الإماراتي لإسلامي المغرب

ولعل التوتر الأبرز، هو الموقف المبدئي والعدائي من قبل حكام الامارات للمشروع الاسلامي، وصعود حزب العدالة والتنمية المغربي لسدة الحكم في المغرب.

ورغم بعد المسافة بين الامارات والمغرب، إلا أنهما كانا يرتبطان بعلاقات وثيقة، باعتبارهما من أبرز أعضاء ما يمكن أن يوصف بالنادي الملكي العربي، الذي كان يتوجس دوماً من أفكار الوحدة العربية والاشتراكية والجمهورية، وكان كلاهما حليفاً موثوقاً به للغرب.

ولكن البلدين اختلفا في طريقة التعامل مع الربيع العربي والديمقراطية والإسلاميين بشكل كبير، فنصَّبت الإمارات نفسها قائدة للمحور المعادي للديمقراطية وللإسلاميين، في حين اتخذ العاهل المغربي الملك محمد السادس طريقاً مختلفاً تضمَّن فتح المجال لإجراء إصلاحات دستورية وعقد انتخابات ديمقراطية، أفضت إلى فوز الإسلاميين وتشكيل حكومة بقيادتهم، في حين مازال الملك هو الممسك الأساسي بقواعد اللعبة، إذ يريد التحالف الإماراتي المصري السعودي نقل المعركة التي يشنها على إسلاميي المشرق إلى المغرب.

وعلى الرغم من التوجهات العالمية والإقليمية ضد التيار الإسلامي، الا أن الملك المغربي لم يسلك طريق الإقصاء والاستئصال؛ بل اختار تحميله مسؤولية السلطة بصلاحيات محددة.

 

-العلاقات المغربية القطرية

وتبرز توترات العلاقات بين البلدين، وفق د.خالد شيات أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، إثر الخلاف الاستراتيجي في عدد من الملفات، ومنها الموقف المغربي من  الأزمة الخليجية القطرية، وكانت القوات المسلحة المغربية شاركت في مارس الماضي، في المناورات العسكرية “الحارس المنيع” التي تنظمها قطر في إطار استعداداتها للمساهمة في تأمين كأس العالم لكرة القدم 2022، واستمرت هذه المناورات حتى 27 من مارس الماضي.

وتأتي مشاركة المغرب في المناورات بعد أيام قليلة من إعلان وزارة الداخلية المغربية عقدها جلسات عمل مع مسؤولين قطريين، خصصت لتدارس سُبل التعاون وتبادل الخبرات بين البلدين في ميدان تأمين التظاهرات الرياضية الكبرى، في أفق تنظيم كأس العالم 2022.

وقالت الداخلية المغربية في بيان لها، إن عقد تلك الجلسات أتى “تجسيدا للعلاقات الإستراتيجية والمتميزة التي تربط المملكة المغربية ودولة قطر بفضل الأواصر القوية” التي تجمع الملك محمد السادس بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وفقاً للوزارة.

واختار المغرب التزام الحياد، خلال الأزمة الخليجية المستمرة حتى اليوم، وعرض القيام بوساطة بين الأطراف المتنازعة، كما أرسل طائرة محمَّلة بالمواد الغذائية إلى قطر، وزار العاهل المغربي الدوحة لاحقاً، في نوفمبر 2017، والتقى أميرها.

 

رؤية مغربية مستقلة لعلاقاتها الخارجية

وفي 27 مارس الماضي، تحدَّث وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الأردني أيمن الصفدي بالعاصمة الرباط، عما فُهم بأنها أربعة ضوابط لاستمرار التنسيق مع الإمارات والسعودية، بحسب مراقبين.

وتتمثل أول هذه الضوابط في أن السياسة الخارجية مسألة سيادة بالنسبة للمغرب، وثانيها أن التنسيق مع دول الخليج، خاصةً السعودية والإمارات، يجب أن يكون وفق رغبة من الجانبين، وثالثها أن التنسيق بين الطرفين يجب ألا يكون حسب الطلب، ورابعها أن التنسيق يجب أن يشمل جميع القضايا المهمة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مثل الأزمة الليبية.

وكان وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، بدأ في 8 أبريل 2019، جولة شملت كل دول الخليج، ما عدا الإمارات.

وخلال جولته، سلم بوريطة رسائل من العاهل المغربي، الملك محمد السادس، إلى كل من: أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، والعاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد محمد بن سلمان، وأمير الكويت، صباح الأحمد الجابر الصباح، وملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، وسلطان عمان قابوس بن سعيد.

كذلك من المؤشرات على الأزمة، ما تردد، في فبراير 2019 ، عن استدعاء المغرب سفيريه لدى أبو ظبي والرياض، حينها اكتفى وزير الخارجية بوريطة بالقول: “السفيران كانا في الرباط لحضور اجتماعات، والحديث عن استدعائهما غير دقيق”.

 

اختلافات حول صفقة القرن والقضية الفلسطينية

بجانب اختلاف الرؤى بخصوص عدد من القضايا الاستراتيجية، مثل القضية الفلسطينية، وخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المعروفة بـ”صفقة القرن”، التي عبر عن عدم رضاه عما يروج بشأنها، على عكس الإمارات والسعودية.

فرؤية الإمارات للقضية الفلسطينية شكَّلت بدورها جزءاً من الخلاف بين البلدين، إذ باتت الإمارات المبادِرَ الفعلي ورأس المنظومة العاملة على السير قدماً بما يسمى “صفقة القرن” أو “صفقة ترامب”، وأخذت على عاتقها إعادة تموقع إسرائيل بالمنطقة، وهو ما أسهم في تهميش دور المغرب بالقضية الفلسطينية.

 

توتر مع السعودية

واذا كان التوتر قد يكون أكثر وضوحاً مع الإمارات، ولكنه موجود مع السعودية أيضاً.

وبدا ذلك جلياً حين صوتت السعودية ضد استضافة المغرب مونديال 2026، إلا أن العلاقات المضطربة اشتدت وطأتها بعد ما أشيع عن رفض الملك محمد السادس استقبال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان خلال جولته بدول إفريقية، أعقبت مقتل الصحفي جمال خاشقجي، قبل أن يعلن المغرب أخيراً انسحابه من التحالف العسكري في الحرب على اليمن.

وكان لافتاً أيضاً هجوم قناة “العربية” على المغرب وإظهار خريطة البلاد مبتورة عن الصحراء، وهما النقطة التي أفاضت بكيل المغرب ودفعته إلى استدعاء سفيره في الرياض للتشاور

 

اللعب في الخلفية الموريتانية

وبحسب موقع “لوبي لوك” الأمريكي، ففي مارس 2019 أعلنت كل من الرياض وأبوظبي عن خطط لزيادة الاستثمارات في الموانئ والمنشآت العسكرية في موريتانيا، التي اعتبرتها الرباط محاولة لتجاوز المغرب، والأسوأ من ذلك، بناء منشآت في نواذيبو بموريتانيا؛ لتنافس الداخلة المغربية وطنجة، بحسب الموقع الأمريكي.

وأشار إلى أن “الحصول على موطئ قدم في موريتانيا من شأنه أن يعزز بشكل كبير من الاستراتيجية البحرية لدولة الإمارات؛ لإنشاء طريق مستمر من سواحلها إلى البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، تتخللها اتفاقيات الموانئ في القرن الأفريقي وشمال أفريقيا”.

كما أن سلطات نواكشوط زادت ضغطها على المنظمات والروابط الإسلامية المقربة من جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما كان آخر تجلياته إغلاق السلطات الأمنية الموريتانية لجمعية “يداً بيد” الخيرية غير الحكومية، “كل هذا يؤكد استمرار نظام نواكشوط في ترسيخ اصطفافه إلى جانب أبو ظبي والرياض“.

 

الانسحاب من الحرب في اليمن:

وقد حاول المغرب خلال الأزمة الخليجية ألا ينجذب لجهة معينة وأن يبقى محايدًا قدر المستطاع والاستمرار في علاقاته المتوازنة مع جميع الأطراف، لكنه اتخذ مؤخرًا موقفًا أكثر حزمًا إزاء السياسات الإقليمية الأخرى للإمارات، والتي تتسم بالدفع نحو التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وترجم المغرب ذلك من خلال انسحابه من التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات في الحرب على اليمن.

لقد كان المغرب عضوًا في التحالف العربي في اليمن، لكنه أنهى مشاركته العسكرية فيه في وقت لاحق؛ حيث تزايد شعور الرباط بالقلق إزاء صورة الحرب الدولية فضلًا عن التكاليف الأخلاقية لتلك الحرب، لاسيما بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، وأيضًا بسبب التطور في الجوانب السياسية والإنسانية.

ومن الناحية العملية، لم يكن لانسحاب المغرب تأثير كبير على الأرض، لأنه لم يلعب دورًا عسكريًّا بالغًا، لكنه يسلط الضوء على التداعيات السياسية والإنسانية الكارثية الناجمة عن حرب المملكة العربية السعودية والإمارات في اليمن، الأمر الذي شكَّل مناسبة لابتعاد المغرب شيئًا فشيئًا عن سياستهما الخارجية.

 لقد أظهر انسحاب المغرب من تحالف السعودية والإمارات في اليمن استعداد الرباط في أي لحظة للانفصال عن محور الرياض وأبوظبي.

 

الاصطدام المباشر مع “الإسلام المغربي”

كما لم يعد الأمر مرتبطًا بخلاف حول المواقف فيما يخص صفقة القرن أو الأزمة الليبية أو الحرب في اليمن أو الأزمة مع دولة قطر أو حتى موضوع الإسلام السياسي، بل إن الأمر تحوَّل لصراع ديني دخلت فيه الإمارات مع المغرب حول المساجد والمراكز الدينية للمهاجرين المغاربة بالخارج في أوروبا، وكذلك حول نموذج التدين المغربي في غرب إفريقيا.

فقام المغرب حسب موقع “موند أفريك” (Mondafrique.com)  بالتصدي للمحاولات الإماراتية للسيطرة على المساجد المغربية في فرنسا، وذلك من خلال إقالة رئيس مسجد “إيفري” الكبير في باريس، بعد ثبوت تورطه في التعاون مع الإمارات وسعيه لضم شخصيات تابعة للإمارات في مجلس إدارة المسجد المغربي، وأدى ذلك التحرك المغربي لإفشال خطة أمين عام المؤتمر الإسلامي الأوروبي ذي الأصول المغربية التابع للإمارات، والذي يقود مشروعًا للسيطرة على مساجد المسلمين بالغرب وفرنسا تحديدًا.

وما زال الإماراتيون يحاولون التبشير بمقاربتهم “الدينية” وحملتهم ضد الإخوان المسلمين إلى أوروبا، بل الأكثر من ذلك سعيهم لمنافسة النموذج الديني المغربي القائم على المذهب المالكي، وهو كذلك المذهب الرسمي للإمارات.

من ناحية أخرى، فإن الأمر بات أخطر لكونه يتعلق بحرب يقودها رجال المخابرات الإماراتيين في أوروبا ضد نموذج التدين المالكي المغربي والأمن الروحي لمغاربة الخارج، حيث انتقلت الإمارات من محاربة جماعة الإخوان المسلمين إلى محاربة المذهب المالكي الأكثر انتشارًا في المنطقة المغاربية ولدى الجالية المغاربية بأوروبا، وذلك عن طريق أشخاص مغاربة، متهمين هذا النموذج بكونه السبب في صعود الفكر المتطرف.

وتشير بعض الأرقام إلى صرف الإمارات مبلغًا يفوق 470 مليون دولار في محاولة اختراق الشأن الديني للجاليات المسلمة، ومنها المغربية في أوروبا لكن دون الوصول إلى نتيجة.

 

التقارب الصهيوني الإماراتي

ولعل ما يلعب دورا اكبر في مطامع الامارات ومخططاتها لفرض السطرة والاستحواذ في عموم المنطقة العربية وفي المغرب ، هو علاقاتها الممتدة والقوية مع اسرائيل، والتي تاتي غالبا على حساب الجانب العربي.

فرغم غياب العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين الإمارات وإسرائيل، لكن العلاقات بين الطرفين قطعت في السنوات القليلة الماضية شوطا طويلا، تجاوز العلاقات الدبلوماسية إلى علاقات أهم، هي العلاقات الأمنية التي يحصل بن زايد بموجبها على أجهزة تجسس على مواطنيه، والمقيمين، وطبعا هناك الشركات الأمنية الإسرائيلية التي تحرس المنشآت والمصالح الحساسة في الدولة.

ومثال على قوة النفوذ الأمني الإسرائيلي اغتيال محمود المبحوح أحد قادة حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في عملية للموساد، في أحد الفنادق المعروفة في قلب دبي، قبل نحو عشر سنوات.

وقد عرف أمن دبي عملاء الموساد بالاسم والصورة، من خلال الكاميرات الأمنية المنتشرة؛ في أنحاء دبي وغيرها من الإمارات لا سيما أبو ظبي، ولكنه اختار ألا يفعل شيئا، وربما تمت العملية بالتنسيق.

هذه العلاقات انعكست أيضا في زيارات عديدة قام بها مسؤولون إسرائيليون كبار للعاصمة أبو ظبي ودبي، وشاركوا فيها بمؤتمرات ولقاءات كثيرة، وفي مقدمة هؤلاء ميري ريغيف وزيرة الرياضة والثقافة في حكومة نتنياهو، المعروفة بعنصريتها ضد العرب. وهي الوزيرة التي قامت بحركة غير أخلاقية بيدها، ضد دولة الإمارات، عندما رفضت قبل نحو عامين عزف النشيد الوطني في مناسبة رياضية، وتلقنت الإمارات درسا لم تنسه في مناسبات رياضية أخرى.

وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فإن إمارة دبي، تجاوزت كل الخطوط وكسرت كل القيود، وبدأت التطبيع والسلام الاقتصادي والتكنولوجي، مع دولة الاحتلال، كما أراد رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو، خلافا للمبادرة العربية، واتخذت خطوة متقدمة بدعوتها، ولأول مرة، إسرائيل للمشاركة في أكسبو دبي 2020 للاختراعات التكنولوجية والإلكترونية، في اكتوبر المقبل، بجناح خاص بها.

ليس هذا فحسب، بل سمحت دبي مع هذا المعرض للإسرائيليين بدخول أراضيها ومطاراتها بجوزات سفرهم الاسرائيلية، ومن دون حاجة إلى تأشيرات، وبهذه المعاملة الخاصة من يحتاج إلى سفارات.

 

 

خاتمة

إن التوترات التي برزت مؤخرًا بين المملكة المغربية ودولة الإمارات كانت نتيجة مباشرة لتعطيل أهم الأسس التي ترتكز عليها الرؤية المغربية في علاقتها مع الإمارات المتمثلة في التنسيق والتشاور الثنائي المسبق قبل اتخاذ مواقف وقرارات على المستوى الإقليمي والعربي وبعض القضايا الدولية، ورغبة الطرف الإماراتي في فرض وصايته ومواقفه والهيمنة على العلاقات الثنائية.

كما ارتبطت بتراكم عدة متغيرات داخلية وخارجية خاصة محاولات الإمارات المتكررة التدخل في الشأن الداخلي المغربي من جهة، لاسيما في ملف الإسلام السياسي وحربها الأخيرة على نموذج التدين المغربي في أوروبا وغرب إفريقيا، أو فيما يخص الموقف من صفقة القرن والأزمة الليبية وحصار قطر والحرب في اليمن من جهة ثانية.

ولعل تصعيد المغرب الدبلوماسي والسياسي ضد مخططات الإمارات، السبيل الأنجح مع سياسات الإمارات للاستحواذ السياسي والاعلامي والاستراتيجي عل الدول العربية، لإنفاذ مخطط “صهيو أمريكي” لتفتييت دول المنطقة والهائها في أزمات غير منقطعة من عدم الاستقرار والاحتراب الاجتماعي والسياسي، للوصول لسيطرة الامارات الاقتصادية والسياسية على الدولة، كما يحدث حاليا بمصر، إذ أن الأموال التي دفعتها الإمارات والبالغة نحو 7 مليارات دولار وجهت لمصر لضرب مشروع التيار الإسلامي بحكم مصر وإفشال تحربتها الديمقراطية الأولى بعد ثورة الربيع العربي، يجري سدادها حاليا من جيوب المصريين، عبر الاستحواذ على الموانئ والأراضي المصرية ومشروعات إقليم قناة السويس والعاصمة الإدارية وأراضي الاستزراع في الواحات وغرب الاسكندرية ومطارات سيدي براني وقواعد عسكري في البحر الأحمر وغيرها، وهو ما قد يتكرر في ليبيا وتونس والمغرب ، وما يجري في السودان وموريتانيا.

‫شاهد أيضًا‬

انتخابات المغرب وأزمة العدالة والتنمية

  أُجريت الانتخابات التشريعية المغربية يوم الأربعاء 8 سبتمبر، وهي الانتخابات الثالثة …