تدور نقاشات معمقة داخل مراكز البحث بالكيان الصهيوني حول مستوى اللايقين العالي عند صنّاع القرار، والفجوات الكبيرة في المعرفة والمعلومات حول طبيعة فيروس كورونا “كوفيد ــ19” وطرق انتشاره وآليّات السيطرة عليه، والتحديّات الناجمة عن وضع يسهّل انتشار الشائعات والأخبار الكاذبة والاضطرابات ونظريّات المؤامرة، وترتفع مستويات القلق وصولا إلى الخوف على مستقبل “إسرائيل” استنادا إلى أن تفشي الوباء أفضى فعليا إلى تعزيز عوامل التفكك والفوضى في مرحلة تتسم أساسا بالسيولة في ظل الصراع السياسي الملتهب بين الأحزاب والكتل الحزبية والأيديولوجية بعد عام عصيب شهد 3 انتخابات لم تسفر عن فوز أي حزب بثقة الجماهير التي تمكنه من تشكيل الحكومة؛ وهو ما وضع الكيان الصهيوني أمام سيناريو إجراء انتخابات مبكرة رابعة لولا التحالف الهش الذي تشكل بين بنيامين نتنياهو إيني غانتس بعد تفكك تحالف “أزرق أبيض”.
إزاء هذه المخاوف، وضع معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي عدة مسارات أمام حكومة الاحتلال للخروج من أزمة تفشي وباء كورونا “كوفيد ــ19″، وذلك خلال حلقة نقاشية عقدها في 12 مارس 2020م، تحت عنوان «كورونا.. الأمن القومي .. الديمقراطية»، مع التأكيد على أن أداء الحكومة هو أحد العوامل الأساسية التي ترجح أحد هذه المسارات على الآخر.([1])
الأول، هو المسار المتفائل(دولة مسيطرة)، والذي يتوقع نجاح الحكومة على احتواء العدوى وحصار الوباء عند مستوى من الإصابات يقدر بالمئات والوفيات بالعشرات، مع دخول الربيع والصيف وارتفاع درجات الحرارة باعتبارهما كفيلان بكبح الانتشار والأعراض، واستعادة العلاقات التجاريّة العالميّة في الربعين الثاني والثالث لهذا العام، واستعادة السياحة، مع انخفاض طفيف في الناتج المحلي الإجمالي.
الثاني، هو المسار المتشائم(دولة مريضة)، وتوقع استمرار الجائحة لأكثر من ستة شهور ما يؤدي إلى عدم قدرة معظم الدول على احتواء العدوى، مع تباطؤ النمو في الاقتصاد الأميركي أو نمو سنوي سالب، واعتبر المعهد العبري هذا أكبر تهديد لإسرائيل، لأنه سيفضي إلى آثار مدمّرة على الناتج القومي الإسرائيلي ونمو سنوي سالب.
الثالث، هو المسار الكارثي (دولة غير فعّالة)، وفيه يتوقع خروج المرض عن السيطرة، وانهيار الخدمات العامة، مع تلاشي الثقة بالحكومة والسلطات؛ ما يؤدي إلى انهيار قدرات صمود الأمن القومي أمام التحديّات الاستراتيجيّة.
الآن وبعد مرور شهر ونصف على هذه التقديرات، تأكد استبعاد السيناريو الأول؛ ذلك أن عدد الإصابات ارتفع ــ حتى كتابة هذه السطور ـــ إلى 15,466 بينهم 129 حالة حرجة، والوفيات إلى 202 حالة، والأعداد مرشحة للزيادة خلال الأيام والأسابيع القادمة في ظل فقدان الأمل في توفير لقاح فعال يوقف العدوى ويمنح الأجسام مناعة ضد الإصابة، وبالتالي فإن الكيان الصهيوني محاصر بين سيناريوهين: المتشائم إذا امتد الوباء لأكثر من ستة شهور، والكارثي إذا خرجت الوباء عن السيطرة وفقدت الحكومة قدرتها على احتواء العدوى ومنع انتشارها.
يزيد من أجواء الإحباط واليأس، تقديرات مخابراتية تفيد وفقا لصحيفة “معاريف” العبرية في تقرير لها نشرته الجمعة 24 إبريل 2020م، أن شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي ترجح أن تستمر أزمة كورونا في الدولة العبرية حتى نهاية 2021م، وهي التقديرات التي شارك فيها فريق مكون من 400 محلل وخبير في الاستخبارات العسكرية يعمل على مسح وتحليل كل المعلومات المنشورة حول تفشي كورونا في العالم. وسبق لرئيس هذا الفريق وهو ضابط برتبة عقيد أن حذر قيادته من مغبة أن تتحول (إسرائيل) إلى إيطاليا ثانية” وذلك في وقت لم تكن تتجاوز فيه حصيلة الوفيات الناجمة عن كورونا في إسرائيل بضع حالات. ([2])
مستهدفات حكومة الاحتلال
ويرصد تقدير إستراتيجي أعده كل من أودي ديكل ولينا موران جلعاد لمركز بحوث الأمن القومي التابع لجامعة “تل أبيب” مستهدفات حكومة الاحتلال الأمنية والسياسية في ظل تفشي وباء كورونا، لافتا إلى أن العالم يركز في هذا الوقت على مواجهة تفشي الفيروس والآثار السلبية الخطيرة الناشئة عن ذلك، في ثلاثة أبعاد، هي الصحة والاقتصاد والمجتمع”، مشيرا إلى أن الأهداف الأمنية والسياسية الإسرائيلية تركز على العمل من أجل تحقيق الانتعاش الصحي والاقتصادي والاجتماعي، بشكل سريع”،([3]) ومنها منع دفع أثمان لا تحتملها إسرائيل جراء الوباء مثل؛ وفيات جماعية، وانهيار الجهاز الصحي، وانهيار الاقتصاد، إضافة إلى الاستقرار السلطوي والحفاظ على أنظمة الحكم والديمقراطية وعلى صيغة الارتباط والتداخل بين الجماعات المختلفة للجمهور في إسرائيل”.
وثانيها الاستعداد لفترة طويلة للتعايش في ظل حضور فيروس كورونا، بما في ذلك امكانية اندلاع متجدد للوباء”، مؤكدا أن أحد الأهداف، هو الحرص على “الاستقرار الأمني في ساحات المواجهة المختلفة، ومنع استغلال الوضع من الخصوم والأعداء في محاولة لضعضعة وضع إسرائيل الأمني والسياسي”، مشددا على أهمية “استنفاد الفرص الكامنة في أزمة كورونا لتحقيق الأهداف السياسية – الأمنية والاقتصادية لإسرائيل”.
وثالثها، التأكيد على انعدام وجود قيادة عالمية برغم الخطر الذي يواجه العالم، وأن على الحكومة الجديدة القيام بدور الصد والاحتواء، وإعادة بناء الاقتصاد والمجتمع في إسرائيل وتعزيز جهاز الصحة بل وربما جهاز الرفاه اللذين أهملا لسنوات طويلة، وذلك على حساب استثمار مالي في الأمن، رغم أن المشاكل الأمنية لإسرائيل لم تختفِ”.
بروز عوامل التفكك والفوضى
على الجانب المقابل، أسهم تفشي الوباء في بروز عوامل التفكك والفوضى داخل الكيان الصهيوني، على عدة مستويات اقتصادية وسياسية واجتماعية.
المستوى الاقتصادي
أولا، قدر خبراء اقتصاد حجم خسائر (إسرائيل) المباشرة وغير المباشرة نتيجة تفشي الوباء بــ45 مليار شيكل (13 مليار دولار) وهي حوالي 3.5% من الناتج القومي الإجمالي على أساس انتهاء القيود المفروضة على النشاط الاقتصادي بنهاية إبريل، ونقلت القناة 12 العبرية هذه التقديرات عشية إعلان حالة الطوارئ ضمن الإجراءات الحكومية للحد من تفشي العدوى في منتصف مارس الماضي، مؤكدين أن الإجراءات الأخيرة المتبعة -التي أعلنتها حكومة تل أبيب بشأن خفض عمل القطاع الخاص بنسبة 70% وإعلان الطوارئ في القطاع العام- ستفاقم من الخسائر،([4]) ويتوقع مدير قسم البحوث في بنك إسرائيل البروفيسور ميشيل سترابتينسكي أنه إذا استمر الإغلاق وتعطيل سوق العمل حتى نهاية مايو2020م؛ فإن تكلفة الخطوات الحكومية لدعم الاقتصاد ومنع انهياره ستقفز إلى 36 مليار دولار، والتي تشكل 9% من الناتج المحلي الإجمالي،([5]) فماذا يحدث إذا تحققت تنبؤات وحدة المخابرات العسكرية بالجيش الإسرائيلي بأن الوباء سيستمر حتى نهاية 2021م؟ إن ذلك كفيل بتدمير الاقتصاد الإسرائيلي وإعلان حالة الإفلاس؛ ولهذه الأسباب وتلك التوقعات المحبطة بدأت حكومة الاحتلال في تخفيف قيود الحركة والإغلاق الشامل وشرعت في إعادة النشاط الاقتصادي بالتدريج رغم ارتفاع الإصابات فوق الــ15 ألفا.
ثانيا، إجراءات الغلق والعزل وتقليص أعمال وخدمات قطاعات عديدة، في إطار إجراءات حكومية للحد من تفشي كورونا، كالسياحة والفنادق والطيران والمطاعم والمقاهي وتسريح العاملين بها أو منحهم إجازات بدون مرتب، أدت إلى زيادة معدلات البطالة بصوروة كبيرة؛ وبحسب مكتب التشغيل الإسرائيلي “حكومي” فإن نسبة البطالة ارتفعت حتى 13 إبريل إلى نحو 26,1% ليصل إجمال العاطلين إلى مليون و85 ألفا، وفقد نحو 100 ألف إسرائيلي وظائفهم في إبريل فقط، وكشف أيضا أن 88.7 % من العاطلين بسبب كورونا، تم منحهم إجازات بدون مرتب من وظائفهم، فيما تم فصل 6.9 % نهائياً، وقبل مارس الماضي، كان معدل البطالة في إسرائيل 4 بالمئة، ما يعني أنه قفز أكثر من 6 أضعاف متجاوزا الـ 26 %،([6]) وارتفعت هذه النسبة في 27 إبريل إلى 27,4% وبلغ عدد العاطلين مليون و141 ألفا.
ثالثا، هناك تخوفاً من أن تعود الأزمة الاقتصادية التي خلقها وباء كورونا بالوبال على النمو الاقتصادي الإسرائيلي، حيث إن هذا الوباء شطب كل الإنجازات الاقتصادية التي حققتها إسرائيل في العقد الأخير، فعلى سبيل المثال نجحت إسرائيل في خفض الدين العام خلال العقد الأخير من العلاقة بين الدين العام والناتج المحلي إلى حوالي 60% في العام 2019، بعد أن كان حوالي 70% في العام 2010، أما بعد هذه الأزمة فمن المتوقع أن تصل العلاقة بين الدين العام والناتج المحلي، أي نسبة الدين العام من الناتج المحلي إلى 75%، فضلاً عن أن التضخم المالي سوف يرتفع إلى معدل 10%، وهو معدل مرتفع وغير مسبوق في العقود الأخيرة، ويزداد الوقع قتامة إذا علمنا أن للإغلاق الشامل الذي فرضته حكومة الاحتلال للشهر الثاني على التوالي ترسبات سلبية على الاقتصاد العام، والمجتمع العربي خصوصا، بحيث إن عودة مختلف قطاعات العمل والتجارة للنشاط مجددا ستكون بشكل متدرج وقد تستغرق أشهرا طويلة وبالتالي سيطول أمد الآثار والتداعيات الاقتصادية بسبب كورونا، حيث من المتوقع أن تستغل الحكومة الإسرائيلية انقشاع الوباء لفرض ضرائب لتعويض خسائر الأزمة، وهو ما سيطيل أمد التعافي الاقتصادي والانتعاش من جديد، وكانت دراسة إسرائيلية إستراتيجية تابعت الأرقام الخاصة بتفشي وباء كورونا في 29 دولة موبوءة وقامت بتحليل ومعالجة هذه الأرقام وانتهت إلى وجوب إغلاق الدولة وحظر التجول كاملا لمدة 3 أشهر، تتبعها 3 أشهر تتم فيها العودة بالتدرج.
المستوى السياسي
أولا، بدأت تظهر ارتدادات عكسية لتأثيرات تفشي الوباء على المجتمع الإسرائيلي، وبدأت مؤشرات على حالة من الفوضى والارتباك؛ إذا اندلعت يوم الأحد 26 إبريل مواجهات عنيفة بين تجار إسرائيليين في سوق محانية يهودا القائم في شارع يافا بالشطر الغربي من القدس المحتلة وبين عناصر من شرطة الاحتلال، التي اعتقلت أحد التجار، وجاءت هذه المواجهات بعد أن منعت الشرطة فتح محال السوق المسقوف، فيما سمحت بفتح محال شركة الأثاث العالمية “إيكيا”، وهو ما كشفت عن الصحف بأن له علاقة بيزنس ومصالح على مستوى قيادات كبرى بحكومة الاحتلال؛ ففتح شركة “إيكيا” مرتبط بتقديم الشركة تبرعات سخية لجميعات وقادة حزب “أغودات يسرائيل” الذي ينتمي إليه وزير الصحة الإسرائيي يعقوف ليتسمان الذي يحظى بسمعة سيئة في الأوساط الإسرائيلية لكنه في ذات الوقت يحظى بدعم واسع من نتنياهو لحماية التحالف اليميني الحاكم. كما تظاهر العشرات في تل أبيب ضد سياسة الحكومة في إدارة أزمة فيروس كورونا الجديد، فيما نصب محتجّون خياماً في جادة روتشيلد في تل أبيب، ضد سياسة الحكومة في إدارة الأزمة.([7])
ثانيا، تظاهر آلاف الإسرائيليين مساء الأحد 20 إبريل ضد ما يعتبرون أنها تهديدات تلقي بثقلها على الديمقراطية، رافضين المفاوضات التي كانت تتم يومها بين رئيس الوزراء المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو ومنافسه السابق بيني غانتس لتشكيل حكومة، رغم القيود المفروضة بسبب فيروس كورونا، وولبى نحو ألفي متظاهر بحسب الأرقام التي قدمتها وسائل إعلام إسرائيلية، النداء الذي وجهته حركة “الاعلام السوداء” عبر فيسبوك، فتجمعوا في ساحة إسحاق رابين “من أجل إنقاذ الديمقراطية”، وفي لافتة حملت شعار “أنقذوا الديمقراطية”، طالب المحتجون غانتس الذي يتزعم حزب أزرق أبيض بألا ينضم إلى حكومة ائتلافية يرأسها رئيس وزراء متهم بالفساد، وخلال حملته الانتخابية وعد غانتس بحكومة نظيفة، لكنه قال إن أزمة فيروس كورونا اضطرته للرجوع عن وعده.([8])
ثالثا، يعزز من عومل التفكك والفوضى، تزايد مستويات الضغينة السياسية بين الكتل والأحزاب المختلفة، إضافة إلى تآكل معدلات الثقة بين المواطنين وحكومة نتنياهو المتهم في قضايا فساد ويمارس نفوذه الهائل في منع هذه المحاكمة، ونشرت صحف عبرية في أكثر من مناسبة، انتقادات من داخل وزارة الصحة وكبار المسؤولين فيها للسياسة التي يتّبعها مدير عام وزارة الصحة، موشيه بار سيمان طوف، بتنسيقٍ تام مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، واحتكار المعلومات المتعلقة بالمرض وسبل مواجهته وعدم اتباع الشفافية، من جهة، مقابل تحجيم ومحاصرة كل من يعارضون الخطّ الرسمي الذي يقوده نتنياهو وبار سيمان طوف، من جهة أخرى. علاوة إلى ذلك، فإن ملامح الحكومة المقبلة، وكونها أوسع حكومة في تاريخ إسرائيل، إذ يفترض أن تتكون من 36 وزيراً مع نحو 16 نائب وزير، في وقت يزداد فيه تفاقم الأزمة الاقتصادية، تزيد من حالة النقمة العامة، في حال لم تتجه هذه الحكومة إلى منح دعم اقتصادي كبير، ووضع خطة للخروج من أزمة كورونا، وإعادة عجلة الاقتصاد إلى ما كانت عليه قبل تفشي الجائحة.
رابعا، كشف تقريرٌ خاص لصحيفة “هآرتس”، نُشر الجمعة 24 إبريل، أن جهات مختلفة في أذرع الاستخبارات الإسرائيلية العسكرية والعامة، بحثت وتداولت سبل مواجهة ومنع اندلاع عصيانٍ مدني على خلفية جائحة كورونا. وبحسب التقرير، فإن ضباطاً وجنوداً من إحدى الوحدات السرّية في جمع المعلومات، التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية “أمان”، شاركوا في مداولات الطاقم الخاص الذي أسسّه مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، بهدف منع تطور عصيان مدني في إسرائيل، رداً على تفاقم الأوضاع الاقتصادية والنفسية والصحية للإسرائيليين. وبحث كيفية “استباق ومنع مثل هذا العصيان، من خلال تفادي مخاطر هيجان اجتماعي واسع النطاق قد يسبب احتجاجات واسعة ضد الحكومة ومؤسسات الدولة”.([9]) وتصدّر العامل الاقتصادي، خصوصاً في ضوء تجاوز عدد العاطلين من العمل نسبة 25 في المائة في إسرائيل، العوامل التي يمكن أن تدفع إلى حالة من العصيان المدني، ولا سيما العجز عن دفع إيجارات المنازل، وقروض الإسكان والفواتير المختلفة، أو فقدان القدرة على شراء الغذاء، أو في المقابل بفعل الخوف من نقص في المواد الغذائية.
التفكك المجتمعي
يعزز من عوامل التفكك والفوضى أن المجتمع الصهيوني منذ نشوئه في عام 1948 بعد احتلال فلسطين، لم يقم على أسس ومعايير سليمة كبقية المجتمعات الإنسانية في مختلف أنحاء العالم، فهو مجتمع استيطاني إحلالي تشكل من مهاجرين من أكثر من 100 دولة في العالم، ومنذ اليوم الأول من تأسيسه، حمل هذا المجتمع في داخله بذور الانقسام والصراع المجتمعي، تعود إلى الاختلاف في الهويات، والانتماءات الثقافية، والفكرية، والجغرافية، والمجتمعية بتعدد الدول التي انتقل أو ينتقل منها اليهود إلى الأراضي الفلسطينية، وهذا ما ظهر جليا في ظهور تباينات مجتمعية تحت مسميات مختلفة في مختلف مراحل حياة الكيان الصهيوني، فحسب الأصول ينقسم المجتمع الصهيوني بين “الإشكنازي”، و”السفارديم” و”الفلاشا”، وكذلك سياسيا منقسم بين اليمين واليسار والوسط، وفكريا ودينيا هناك متدينون (حريديم) وعلمانيون، وقوميا وعرقيا هناك مسميا اليهود والعرب.
إلى جانب اليهود المتفرقين بين تلك التسميات، والذين يشكلون 80 بالمائة من المجتمع الإسرائيلي، يعيش داخل ما تعرف بـ “إسرائيل” (فلسطين المحتلة 1948) أكثر من مليون و500 ألف فلسطيني، يشكلون 20 بالمائة من عدد سكانها، يُنظر إلى هؤلاء الفلسطينيين كأعداء، رغم أنهم يُعدون حسب القوانين الإسرائيلية مواطنين إسرائيليين.
يعزز من عوامل التفكك أيضا تزايد أعداد المتدينين المتطرفين وتراجع اليسار، هذا التراجع الذي بدأ في سبعينات القرن الماضي حينما فاز حزب الليكود اليميني، وأنهى بذلك تفرد حزب العمل بالحياة السياسية تقريبا، استمرت وتيرته بشكل سريع ومتواصل، حيث أكدت نتائج استطلاع نشره معهد “داحاف” الإسرائيلي في آذار 2011، ارتفاع نسبة اليهود الذين يعدون أنفسهم يمينيين، من 48% في 1998 إلى 62% في 2010. ولعل ظهور حركات سياسية يمينية متطرفة، مثل “إسرائيل بيتنا” بقيادة أفيغدور ليبرمان، و”البيت اليهودي” بقيادة نفتالي بينيت، ودخول هذه الأحزاب الكنيست الإسرائيلي، يؤكد صحة ما ذهبنا إليه ونتائج هذه الاستطلاعات في توجه المجتمع الصهيوني نحو اليمين العنصري المتطرف.
هذه الحالة من التصدع في كافة المستويات في المجتمع الإسرائيلي، تصفها الكاتبة اليهودية ياعيل دايان ابنة موشي دايان في كتابها المعنون بـ”وجه المرأة” بشكل أدق، حيث تقول: “ما بين التصدع القومي والتصدع الديني والطائفي والطبقي، تتشكل عوامل انهيار دولة “إسرائيل” في المستقبل، أو على أقل تقدير دخولها في دوامات الصراع الداخلي… نحن نعيش فوضى مطلقة في مجتمعنا”.
وإلى جانب هذا الصراع المجتمعي بين مختلف التوجهات الفكرية، والسياسية، والدينية في “إسرائيل”، يعاني المجتمع الصهيوني ثمة مشاكل اجتماعية، تقول عنها “ياعيل دايان”: “من يقرأ ويتقصى الحقائق ويتعمق في الداخل الإسرائيلي ويطلع على التناقضات والمشاكل الداخلية يدرك ضعف هذا المجتمع وفراغه من الداخل، بل وكما كبيرا من الصراعات والمشكلات والفساد والشذوذ.
مصدر الخطورة ــ كما تراها ياعيل دايان ــ أن هذه الصراعات المجتمعية باتت تقود المجتمع الصهيوني نحو التفكك أكثر من قبل. وبحسب استطلاعات رأي متعددة فإن القاسم المشترك الوحيد بين مكونات المجتمع اليهودي هو الخوف من التهديد الخارجي والأخطار التي تواجه الكيان الصهيوني. وقادة الكيان الصهيوني منذ تأسيسه يعرفون موطن الضعف هذا، لذلك حاولوا دائما إيجاد حالة تماسك مجتمعي عبر التخويف من الأعداء، ومن هذا المنطلق وقبل خمسة عقود تقريبا، قال وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق “موشي دايان”: “نحن جيل من المستوطنين، لا نستطيع غرس شجرة أو بناء بيت من دون الخوذة الفولاذية والمدفع. علينا ألا نغمض عيوننا عن الحقد المشتعل في افئدة مئات الألوف من العرب حولنا. علينا ألا ندير رؤوسنا حتى لا ترتعش أيدينا، إنه قدر جيلنا، إنه خيار جيلنا أن نكون مستعدين مسلحين، أن نكون أقوياء وقساة حتى لا يقع السيف من قبضتنا وتنتهي الحياة”.
الخلاصة، إزاء هذه المعطيات، وتفشي حالة اليأس والإحباط داخل المجتمع الإسرائيلي بوتيرة أكبر من تفشي وباء كورونا، توقع دان بن ديفيد أستاذ الاقتصاد بجامعة تل أبيب([10])، مستقبلا قاتما لإسرائيل وأن سوء الأوضاع ربما تجبر ملايين اليهود على التخلي عنها ومغادرتها؛ استنادا إلى تراجع مستويات التعليم بما يجعلها من دول العالم الثالث، بخلاف هروب الأكاديميين واستنفار قادتها السياسية من أجل سحق الديمقراطية؛ متهما قادة الحكومة بتعريض مستقبل الوطن اليهودي للخطر.
تم الانتهاء منه فجر الأربعاء 29 إبريل 2020م
[1] علي عامر/تأثير كورونا في الأمن القومي الإسرائيلي.. عرض عام لأبرز النقاشات والاستنتاجات/ مدار 7 إبريل 2020
[2] الاستخبارات الإسرائيلية تكشف عن توقعاتها لموعد انتهاء أزمة كورونا/ روسيا اليوم 24 إبريل 2020
[3] أحمد صقر/هذه أهداف الاحتلال الإسرائيلي الأمنية والسياسية بعصر كورونا/ “عربي 21” الإثنين، 27 أبريل 2020
[4] تقديرات.. كورونا يكبد إسرائيل خسائر بـ13 مليار دولار/ الجزيرة نت 17 مارس 2020
[5] محمد محسن وتد/بسبب كورونا.. إسرائيل قد تعاني من أسوأ ركود اقتصادي منذ النكبة/ الجزيرة نت 18 إبريل 2020
[6] زين خليل/”كورونا” يقفز بالبطالة في إسرائيل إلى 26 بالمئة/ وكالة الأناضول 13 إبريل 2020
[7] نضال محمد وتد/مواجهات بين الشرطة الإسرائيلية وتجار في أحد أسواق القدس/ العربي الجديد 26 أبريل 2020
[8] آلاف الإسرائيليين يتظاهرون ضد نتنياهو “لإنقاذ الديمقراطية” رغم قيود كورونا/ العربي الجديد 20 أبريل 2020
[9] نضال محمد وتد/ مخاوف إسرائيلية من عصيان مدني بسبب كورونا/ العربي الجديد 25 أبريل 2020// أحمد صقر/هآرتس: وحدة سرية بالجيش منعت عصيانا مدنيا بسبب كورونا/ “عربي 21” الأحد، 26 أبريل 2020
[10] عدنان أبو عامر /يديعوت: “إسرائيل” ليست على ما يرام.. وقد نتخلى عنها مستقبلا/ “عربي 21” الأربعاء، 01 أبريل 2020