النظام الإقليمي الجديد من المنظور الإماراتي المنطلقات وآفاق المستقبل

بعيدا عن مجلس التعاون الخليجي، وجامعة الدول العربية، وآية مؤسسات ومنظمات إقليمية، تسعى الإمارات العربية نحو إنفاذ إستراتيجية صهيو_أمريكية لتفكيك النظم العربية وإعادة هيكلة سياساتها ونظمها وفق منظور تغريبي، يتماشى مع السياسات الغربية ويتصادم مع القيم المجتمعية العربية والإسلامية، رافعة شعارات براقة تسوق بها سياساتها وتدخلاتها غير القانونية والأخلاقية بدول المنطقة.

 

خلفيات الدور الإماراتي

عندما تأسست دولة الإمارات في عام 1971، أراد الشيخ “زايد بن سلطان آل نهيان” الذي كان رئيسها الأول وحاكم إمارة أبو ظبي الأكثر أهمية والأكثر ثراءً، تبني سياسة خارجية محايدة غير لافتة للأنظار، ومدافعة عن الوحدة العربية و الوحدة الإسلامية، لكن هذه الطريقة لم تنجح، حيث إن مجرد وجود الإمارات أغضب السعودية، التي تعتبر نفسها الزعيمة الفعلية للعرب السنة في الشرق الأوسط، ولهذا حاولت منعها من التأسيس، كما أحبطت أيضًا جهود أبو ظبي لضم قطر والبحرين، ظل الحكام الإماراتيون دائمًا يشكون في النوايا السعودية، حتى بعد إنشاء مجلس التعاون الخليجي، الذي يضم السعودية والإمارات والكويت وقطر والبحرين وسلطنة عمان، لذلك؛ فقد سعى ولي عهد أبو ظبي “محمد بن زايد”، منذ منتصف العقد الأول من الألفيات، لتحرير بلاده من السيطرة السعودية.

لقد أصلح جيش بلاده دونما تقيد بتشدد الوهابية أو القومية، وسعى إلى تعزيز علاقة إستراتيجية وثيقة مع الولايات المتحدة، ونجح نهجه جيدًا، مما أكسبه ثقة الولايات المتحدة كحليف موثوق به في الشرق الأوسط، وفي عام 2009 اتخذ “بن زايد” قرارا من شأنه أن يزيد من قدرته على إبراز السلطة خارج حدوده إلى حد كبير، ودعا اللواء “مايكل هندم ارش”، الرئيس السابق لقيادة العمليات الخاصة الأسترالية، للمساعدة في إعادة تنظيم الجيش الإماراتي، وانتهى به الأمر لاختياره قائدا للجيش، إلى أنه لا يمكن تصور وضع غير عربي ليكون مسؤولاً عن جوهرة التاج العسكرية في أي دولة أخرى في الشرق الأوسط.

وكانت الإطاحة بـ “مرسي” أول نجاح كبير لحملة “بن زايد” المضادة للربيع العربي، وزادت من ثقته فيما يمكن القيام به دون قيود أمريكية، وسرعان ما تحول انتباهه بعدها إلى ليبيا، إذ بدأ بتقديم الدعم العسكري لـ “حفتر”، باعتباره “المستبد الذي يشاركه مشاعره تجاه الإسلاميين، وبحلول نهاية عام 2016، كانت الإمارات قد أقامت قاعدة جوية سرية شرقي ليبيا، قصفت منها طائرات مقاتلة وطائرات دون طيار منافسي “حفتر” في بنغازي.

 

أولا: محددات الدور الإماراتي بالمنطقة

تراجع الدور السعودي بموازاة الصعود الإماراتي، وتزامن صعود الإمارات تحت قيادة “بن زايد” مع انحسار النفوذ السعودي في واشنطن، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر، حتى أن ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” استعان بـ”بن زايد” للضغط على واشنطن للحصول على الدعم، في خضم صراع على خلافة العرش السعودي، ويشاع أنه لم يتخذ خطوة سياسية دون استشارة “بن زايد” أولاً.

وفي هذا الطريق، وجد ولي عهد أبو ظبي في نظيره السعودي “محمد بن سلمان” حليفا قويا، رغم اختلاف النظرة التاريخية للإسلاميين، باعتبار أن السعودية هي “أبو الإسلام السياسي” بحسب تعبير الكاتب الصحفي “جمال خاشقجي”، الذي اغتاله عملاء حكوميون سعوديون داخل قنصلية بلاده بإسطنبول في 2 أكتوبر 2018، لكن كيف انتقلت الدولة السعودية المتجذرة تاريخيا في اتفاق في القرن الثامن عشر بين حكامها والوهابية إلى التحالف مع رؤية “بن زايد”؟

ويجيب تقرير “لنيويورك تايمز” في مطلع يناير 2020 بسرد تفاصيل برقية أرسلها “بن زايد” عام 2005 إلى سفير الولايات المتحدة  “جيمس جيفري” وسربها موقع ويكيليكس، أخبر ولي عهد أبو ظبي “جيفري” بأن قلقه الأكبر هو الوهابية، وأنه يرى أن العائلة المالكة السعودية “عقيمة”، وعبر عن خشيته من أن يكون البديل المحتمل في مثل هذا المجتمع المحافظ بشدة هو “ثيوقراطية” على غرار تنظيم الدولة الإسلامية، وينقل التقرير عن “جيفري” أن “بن زايد” قال له: “أي شخص يحل محل آل سعود سيكون كابوسا.. علينا أن نساعدهم على مساعدة أنفسهم“.

من هنا جاء صعود “بن سلمان” في السعودية وتأييد “بن زايد” له، ومشاركته إياه، بدءا من مارس/ آذار 2015، في حرب اليمن ضج الحوثيين (حلفاء إيران)، التي توقع الكثيرون أن تستمر بضعة أشهر على الأكثر، وبدلاً من ذلك، استمرت ما يقرب من 5 سنوات، وباتت كارثة صدمت ضمير العالم.

 

التباس العلاقة بين الإمارات وإيران

وفي يناير الماضي، كشفت صحيفة أمريكية أن ولي عهد أبو ظبي “محمد بن زايد”  يشعر بالقلق من احتمال انزلاق الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” إلى الحرب أو مواجهة مع إيران بعد اغتيال قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني “قاسم سليماني” في غارة أمريكية قرب مطار بغداد، ويخشى من أن تكون بلاده واحدة من الأهداف الأولى في هذه الحرب، وذكرت “نيويورك تايمز”، في تقرير لها أن “بن زايد”، الحاكم الفعلي للإمارات، كان قد بدأ في رسم مسار دبلوماسي أكثر مع إيران عندما أعلن “بن زايد” انسحابه من اليمن في يونيو، ووضع حدودا لشراكته مع السعودية هناك.

وأضافت أن خشية “بن زايد” رغم ذلك تعود إلى عملية التحول التي قادها ولي عهد أبو ظبي في إدارة دولته منذ عام 2013، عندما تبنى نهجا مناهضا لكل تيارات الإسلام السياسي في المنطقة دون استثناء، ودعم الجيش المصري في خلعه لأول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلاد (محمد مرسي)، كما  تحدى الحظر الأممي لدعم الجنرال الليبي المتقاعد “خليفة حفتر” .

 

سياسة مزدوجة

لكن السياسات الخارجية السعودية والإماراتية بالكاد تعد موحدة، بل إن الإمارات تعد ثنائية القطب للغاية؛ فهي عدوانية في الشرق الأوسط لكنها خاضعة أمام الولايات المتحدة و(إسرائيل)، اشتبكت أبو ظبي مع سلطنة عمان بسبب علاقاتها مع إيران، وأفسدت علاقاتها مع الكويت، كما أطلقت حملة إعلامية شرسة ضد تركيا، وحثت “بن سلمان” على حصار قطر، التي تراها الإمارات منافسًا طبيعيًا لها، في الواقع يرفض “بن زايد” قبول المنافسين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والقرن الأفريقي، لكنه لا يفوت فرصة أبدًا لإطلاع المسؤولين الأمريكيين على مدى تقديره للعمل معهم، وهنا تكمن المشكلة.

 

انصياع لأمريكا والغرب: إسبرطة الصغيرة

وتنظر أبو ظبي إلى شخصية مثل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، على أنه يشكل فرصة يجب اغتنامها على نطاق عالمي، حيث تمارس أنشطة ضغط، بمساعدة واشنطن، وتواصل في الوقت نفسه تعزيز تعاونها مع قوى كبرى، كالصين وروسيا، وقد غير الغزو العراقي للكويت في عام 1990 التفكير الاستراتيجي لأبو ظبي أكثر من أي شيء آخر، ففي تلك السنة علمت أن عليها أن تخشى الدول العربية بقدر ما تخشى إيران، فأجبرت مخاوف هيمنة السعودية “بن زايد” على تحديث القوات المسلحة الإماراتية، ولا سيما القوات الجوية، فور تعيينه كنائب القائد الأعلى للقوات المسلحة عام 2005.

كان لدى أبو ظبي إذن 3 أهداف للسياسة الخارجية: نشر نفوذها في جميع أنحاء الشرق الأوسط، إما بشكل مباشر أو من خلال التحالفات؛ وتدمير الإسلاميين الذين تهدد أيديولوجيتهم الملكية، أو على الأقل استبعادهم من الحياة العامة؛ وتشكيل تحالف دائم مع الولايات المتحدة و(إسرائيل)، وضعت هذه الأهداف دولة الإمارات في خلاف مباشر مع قطر وتركيا وجماعة “الإخوان المسلمين،  وفي أعقاب اندلاع الثورات العربية، أعادت أبو ظبي هيكلة جهاز الأمن القومي لديها، داعيةً إلى اعتماد سياسة خارجية عدوانية وقائية تستخدم مزيجًا من القوة الناعمة والقاسية.

ودعمت أبو ظبي بشكل علني القوى المعادية للثورة في مصر وليبيا واليمن وتونس وتعاطفت مع النظام السوري. وعلى الرغم من تحالف الإمارات مع السعودية في اليمن، قتلت قواتها الجوية أكثر من 4 آلاف جندي من الحكومة التي تدعمها السعودية. (لعب بن زايد أيضًا دورًا مهمًا في الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا في يوليو 2016)، وأدت إستراتيجية الإمارات إلى التوسع في القرن الأفريقي وما حوله؛ فقد أنشأت قواعد عسكرية في اليمن، وواحدة في إريتريا وأخرى في صومال لاند، كما تدير قاعدتين جويتين في ليبيا.

لكن من المثير للاهتمام أن دولة الإمارات تعتمد على القواعد العسكرية الأمريكية والفرنسية والبريطانية والإيطالية، بالإضافة إلى الوحدات الكورية الجنوبية، لحمايتها، جعلت العسكرة والتدخل في ظل حكم “بن زايد” الإمارات وكيلًا طبيعيًا للولايات المتحدة (وصف وزير الدفاع الأمريكي السابق “جيمس ماتيس” الإمارات بأنها “إسبرطة الصغيرة”)، في إطار هذا الدور، عملت أبو ظبي كقوة شرطة أمريكية في المنطقة، وأيدت بحماس صفقة القرن المشئومة بين (إسرائيل) والسلطة الفلسطينية.

ولكن على الرغم من فائدتها، فإن المفارقة أن دولة الإمارات ليست مفيدة للولايات المتحدة لمواجهة لإيران، فعلى الرغم من بعض النزاعات السابقة، خاصة حول الجزر المتنازع عليها، فقد وجدت إيران والإمارات طرقًا للعمل معًا، بل تعتبر دبي من الأمور الحيوية للتجارة الإيرانية، خاصة في وقت مثل هذه العقوبات الأمريكية المشددة، وهناك الكثير من المستثمرين الإيرانيين من القطاع الخاص في دبي. حوالي 8% من السكان من أصل إيراني، وحوالي نصف مليون إيراني يعيشون في البلاد. قد يكره المسؤولون الإماراتيون إيران، لكن القرب الجغرافي والديموغرافي يجبرهم على استيعاب جارتهم التي تفوقهم حجمًا.

 

ثانيا: إستراتيجية توسيع النفوذ الإماراتي

التحولات الإماراتية

مؤخرا، انتهجت الإمارات سياسة خارجية مختلفة تماما عما كانت عليه طوال عهد مؤسسها ورئيسها السابق، الشيخ زايد آل نهيان، فالإمارات اليوم تحتل جزءا كبيرا من اليمن، وتهيمن على أغلب موانئ القرن الإفريقي، وتسعى لامتلاك تكنولوجيا نووية، وتهدد دولا مجاورة تعتبر نظريا حليفتها ضمن منظومة مجلس التعاون الخليجي.

كما أدّت دورا في التصدي لظاهرة الربيع العربي؛ فقد تدخلت عسكريا لقمع ثورة البحرين، إلى جانب السعودية، ودعمت الانقلاب العسكري في مصر ضد «الإخوان المسلمين» ورئاسة محمد مرسي. وكانت طرفا أساسيا في الحرب على اليمن، واحتلت مناطق شاسعة من أراضي ذلك البلد بما فيها ميناء عدن الاستراتيجي. كما أنها طرف أساسي في استهداف دولة قطر وتوجيه التهديدات المتواصلة لها، وكان لها دور في دعم اللواء الليبي خليفة حفتر، وكذلك في دعم رئيس جمهورية أوكرانيا في مواجهة المعارضة المدعومة من روسيا.

 

 

 

استغلال التغيرات العربية المواتية

من المهم قراءة هذه الحقائق في ظل الوضع العربي الراهن، الذي تغير كثيرا على صعديني:

أولا: غياب عقيدة سياسية لدى أنظمة الحكم وكذلك غالبية الشعوب، مقارنة بما كان الوضع عليه منتصف القرن الماضي عندما كانت القومية العربية شعارا مشتركا بين أغلب الشعوب وأغلب النشطاء والمفكرين قبل نصف قرن، وعندما كان الشعار الإسلامي شائعا في المنطقة إلى ما قبل عشرين عاما.

ثانيا: عدم وجود قيادة عربية مرموقة تستقطب الجماهير، وتعمق لديها مشاعر الحرية والكرامة والتحرر من الاستعمار والاحتلال.

ثالثا: إن الربيع العربي كان نقطة تحول جوهرية في توازن القوى؛ فبينما كان واعدا بإعادة رسم الخريطة السياسية لصالح الشعوب، كان تحالف قوى الثورة المضادة يقظا ومستعدا لمنع ذلك، وهذا ما حصل.

رابعا: إن القوى العربية الكبرى التي كانت فاعلة في العمل العربي المشترك، تعرضت لأزمات ساهمت في تهميشها لاحقا، فأين مصر اليوم من صناعة القرار العربي والنفوذ السياسي؟ وأين الجزائر؟ وأين العراق؟ وأين سوريا؟ لقد عملت قوى الثورة المضادة لإعادة رسم الخريطة لإضعاف تلك الدول وترك المجال مفتوحا للدول غير ذات الشأن لممارسة نفوذ يفوق حجمها الحقيقي كثيرا. تم ذلك بتوافق إقليمي ودولي، وساهمت أوضاع الغرب وتداعي نفوذه في تسهيل تلك المهمة.

ويمكن القول إن التدخل العسكري في العراق مرتين، رسخ لدى هذه الدول ضرورة تفادي التدخل المباشر والعودة إلى نظام الوكلاء لضمان مصالح الغرب، وفجأة تحرك التحالف السعودي ـ الإماراتي بحماس غير مسبوق، ابتداء باجتياح البحرين قبل 10أعوام وصولا إلى استهداف قطر. فمن كان يعتقد أن الإمارات ستتحول إلى دولة توسعية بالشكل الحالي؟ من كان يعتقد أنها ستمد نفوذها لتستولي على نصف اليمن والتحكم بميناء عدن؟ كان الرئيس السابق علي عبد الله صالح قد منح «شركة موانئ دبي العالمية» في عام 2008 حق إدارة ميناء عدن، وموانئ أخرى، لمائة عام قادمة.

لكن بعد الثورة اليمنية وخلع صالح، قرر مجلس إدارة «مؤسسة خليج عدن» إلغاء اتفاقية تأجير ميناء عدن لـ «شركة موانئ دبي العالمية». وكان وزير النقل اليمني قد طلب، عقب توليه الوزارة، من الشركة الإماراتية تعديل اتفاقية تأجير الميناء أو إلغاء الاتفاقية، التي وصفها بأنها «مجحفة بحق اليمن»، وأنها “أُبرمت في ظروف راعت المصالح السياسية أكثر من الاقتصادية“..

 

السيطرة على المرافئ الإستراتيجية

النفوذ الإماراتي لم يتوقف هنا، بل ازداد تمددا، ففي عام 2005 وقع سلطان أحمد بن سلّيم، الرئيس التنفيذي لـ «مؤسسة الموانئ والجمارك والمنطقة الحرة» في دبي مع ياسين علمي بوح وزير المالية في جمهورية جيبوتي اتفاقية تعاون تتولى بموجبها شركة جمارك دبي، التي كان يفترض أن تستمر 21 عاما، إدارة وتطوير الأنظمة والإجراءات الإدارية والمالية لجمارك جيبوتي وتطوير العمليات الجمركية ونظام وإجراءات التفتيش.

كما كان يفترض أن توفر جمارك دبي نظاما متطورا لتقنية المعلومات، إضافة إلى إقامة البرامج التدريبية لمختلف فئات الكادر الوظيفي في جمارك جيبوتي. كما وقعت الإمارات اتفاقا مع إريتريا تستخدم بموجبه ميناء ومطار عصب على البحر الأحمر لمدة 30 عاما. وفي مايو من عام 2017، تسلمت موانئ دبي العالمية إدارة ميناء «بربره» في جمهورية أرض الصومال، وتسيطر كذلك على جزيرة سقطرة اليمنية عند مدخل القرن الإفريقي، وكذلك ميناء مخا، وميناء المكلا.

 

 

 

تفتيت اليمن

جاء العدوان “السعودي ـ الإماراتي” ليفتح المجال لتوسيع ذلك النفوذ، وتوسيعه ليشمل تشكيل «جيش» خاص بالإمارات والاستحواذ على القرار السياسي خصوصا في ما يتعلق بالجنوب، والتأسيس لتفتيت اليمن مجددا، وقد أصبح واضحا وجود منافسة شديدة بين السعودية والإمارات على النفوذ داخل اليمن؛ فبينما تقوم السعودية بإحداث الأزمات الإنسانية وارتكاب جرائم حرب ورفض وقف إطلاق النار، تحصد الإمارات الثمار، ولذلك حدثت نزاعات غير معلنة بين الطرفين، الأمر الذي دفع السعودية للبحث عن مخرج من هذه الحرب التي أصبحت عبئا ماليا وبشريا وأخلاقيا على المملكة، التي يسعى ملكها الشاب لإقناع العالم بأنه «ملك إصلاحي». وقد رشحت في الفترة الأخيرة معلومات عن مفاوضات بين السعودية وجماعة أنصار الله (الحوثيين)، للتوصل إلى حل سياسي بعد أن أصبح واضحا أن السعودية تواجه هزيمة منكرة برغم تفوقها العسكري على اليمن، وأصبح واضحا أن إستراتيجية الحرب فشلت، فتم التخلي عن مقولة «دعم الشرعية» التي انطلقت الحرب على أساسها، ولم يعد عبد ربه منصور هادي خيارا عمليا ضمن السياسة السعودية للحوار من أجل وقف الحرب.

وقد تعرضت السعودية لضغوط شديدة من قبل التحالف الإنجلو ـ أمريكي لوقف تلك الحرب، وأمام هذه الضغوط والتفوق الإماراتي في تحقيق مكتسبات على الأرض اليمنية، لم يجد محمد بن سلمان أمامه سوى الإذعان وإعداد الرأي العام الذي انفق المليارات للتأثير عليه بأن الوقت قد حان لـ «شرب كأس السم»، والاستعداد لوقف العدوان، وستخرج السعودية من هذه الحرب منهكة بشرية ومالية وإعلامية، وأيا كانت الاتفاقات التي سيتم وقف النار على أساسها، فستكون سمعة السعودية قد تراجعت كثيرا، ولن تستطيع التلويح بالخيار العسكري في مواجهة مع إيران، كما كانت تفعل. وسيظل محمد بن سلمان ومستشاروه يعضون الأصابع أسفا للخسارة العسكرية في اليمن، بينما ستخرج الإمارات دون تلك الأعباء بالإضافة لتكريس نفوذها في مناطق واسعة في الجنوب، كما هو حاصل الآن.

 

الفوضى الخلاقة بشمال إفريقيا

ومنذ سنوات، تبذل دولة الإمارات جهودا مكثفة لتوجيه السياسات الداخلية والخارجية لبعض الدول، وبينها تونس، بهدف بناء “نظام إقليمي جديد” ينسجم مع تصوراتها، وتشن لتحقيق ذلك هجمات تستهدف منع تعزيز الديمقراطية، ونشر الفوضى في بلدان عديدة، وبالنظر إلى الأنشطة الإقليمية الأخيرة، يتضح أن سياسات الإمارات تتسبب بفوضى وعدم استقرار في المنطقة، كما أن الإمارات، وعلى عكس السعودية، وهي الشريك الأكثر أهمية للتحالف العسكري العربي في اليمن، تقدم دعماً للقوى الانفصالية جنوبي اليمن، وكذلك دعماً مالياً ودبلوماسياً لدكتاتورية الأسد في سوريا، وتساهم في تفكيك وحدة سوريا، في الواقع، ورغم تداعيات جائحة فيروس “كورونا المستجد” على الاقتصاد الإماراتي، إلا أن أبو ظبي تواصل أنشطتها خارج حدوها، ولعل خير مثال على تلك السياسات، أنشطتها في بلدان شمال أفريقيا، وتعمل الإمارات على إظهار الحكومة المغربية وكأنها فاشلة في مواجهة كورونا، وتعمل بالطريقة نفسها على استهداف تونس، عبر حملات موجهة في وسائل التواصل الاجتماعي.

ومؤخرا، زعمت قناة “العربية” التي تعمل بتمويل سعودي ومقرها الإمارات، أن راشد الغنوشي، رئيس البرلمان التونسي، رئيس حركة “النهضة”، الذي عاد من المنفى عام 2011 مع “ثورة الياسمين”، تمكن من امتلاك ثروة مالية بوسائل غير مشروعة، ويعمل تلفزيون “الغد”، ومقره مصر وهو امتداد للمحور الإماراتي السعودي، على الإسهاب في الترويج لهذه القضية، وتحاول القناة، التي تأسست على يد دحلان بتمويل إماراتي، إيجاد تصور بأن الشعب التونسي لا يثق بحكومته ولا بالتحقيقات الجارية في هذا الصدد، وتزامنت هذه الإدعاءات مع نقاشات يشهدها الشارع التونسي حول العواقب الاقتصادية الناجمة عن الإجراءات المتخذة لمكافحة الفيروس.

ويمكن القول إن الإمارات تعمل على التأثير في الشؤون الداخلية التونسية من خلال أذرعها هناك، ودعمت أبو ظبي الاحتجاجات المناهضة لحركة النهضة، عام 2013، كما دعمت حزب “نداء تونس” (ليبرالي) ضد “النهضة” في الانتخابات الرئاسية، عام 2014، وعملت على استمالة الرئيس التونسي الراحل، الباجي قايد السبسي، لكسر تحالف النهضة- نداء تونس، الذي بزغ عقب انتخابات 2014، وبالمثل، مولت أبو ظبي الاحتجاجات المناهضة للحكومة، عام 2018، لإيجاد أزمة مصطنعة باتخاذ قرار لا يتناسب مع الأعراف الدبلوماسية، عبر منع التونسيات من دخول الإمارات.

كما عملت أبو ظبي على توجيه السياسات الداخلية التونسية، بدعم وزراء مثل لطفي براهم، ونبيل القروي، زعيم حزب “قلب تونس”، إلا أن جميع خطواتها باءت بالفشل، ومن خلال الأزمة المفتعلة ضد الغنوشي، دعت مجموعات الذباب الإلكتروني، التابعة للمحور الإماراتي السعودي، البرلمان التونسي إلى سحب الثقة من الحكومة الائتلافية (تشارك فيها النهضة)، دعت مجموعات الذباب الإلكتروني، التابعة للمحور الإماراتي السعودي، البرلمان التونسي إلى سحب الثقة من الحكومة الائتلافي، وعبر وسائل إعلام تابعة لهذا المحور، مثل “العربية” و”سكاي نيوز”، وجهت شخصيات تونسية تابعة لذلك المحور، مثل عبير موسى، انتقادات لاذعة للغنوشي، معتبرة أن احتجاجات تونس، بداية من ديسمبر 2010، لم تكن ثورة. لينتقل بعدها النشاط الإماراتي من تونس إلى التدخل في الشؤون الداخلية الليبية.

 

محاربة التجربة الديمقراطية بليبيا

ويمكن القول إن هناك سببين أساسيين لوضع المغرب وتونس والجزائر على قائمة الأهداف الإماراتية.

الأول هو أن هؤلاء الفاعلين لا يخدمون النظام الإقليمي المطلوب تأسيسه تحت قيادة الإمارات، وبعبارة أخرى لم يتم احتواء هذه الدول ضمن محور الوضع الراهن، الذي تقوده الإمارات والسعودية، بسبب انتهاج تلك الدول سياسات مستقلة نسبيا، لذلك بقي الشغل الشاغل للإمارات هو تحويل تونس والجهات الفاعلة الأخرى، كالمغرب والجزائر، إلى بيادق في النظام الإقليمي الجديد، الذي تحاول أبو ظبي تأسيسه.

والسبب الثاني هو وجود حركات إسلامية أقلية أو أغلبية في دول شمال أفريقيا (تونس والمغرب والجزائر)، وعملت أبو ظبي على استهداف الدول التي لا تقع تحت هيمنتها وتتسامح مع الحركات الإسلامية، ولا يمكن الفصل بين عملية استهداف تونس والتوازنات في ليبيا، حيث تعمل الإمارات على توجيه السياسة التونسية لضرب الحركات الإسلامية أو الديمقراطية، ولعب دور نشط في الحرب الأهلية بليبيا، والحد من نشاط تركيا في المنطقة، ولعل بقاء ليبيا محايدة رغم جميع الإغراءات السياسية للإمارات خلال الأزمة، شكل في الواقع مصدر انزعاج لأبو ظبي.ورغم أن الحكومة الشرعية في ليبيا تؤكد دعمها لكل من الجزائر وتونس، إلا أن الأخيرة رفضت مرور الدعم العسكري التركي لحكومة فائز السراج الشرعية في طرابلس عبر أراضيها.

لذلك، يمكننا القول إن الحكومة التونسية تعمل وفق مصالحها الوطنية، ولا تتمسك بطرف محدد، سواء كان تركياً أو إماراتياً، غير أن الإمارات لا يروق لها حياد تونس، فتعمل على استهداف هذا البلد، لكن بطريقة ترتبط إلى حد كبير بالتغيرات في الموازين بمنطقة شرق البحر المتوسط، كما أن الاتفاقيات التي وقعتها تركيا والحكومة الليبية، المعترف بها من المجتمع الدولي، وكذلك الدعم التركي المقدم للحكومة الليبية، مكّن حكومة السراج من تغيير التوازنات على الأرض، ووضع حد لهجمات الجنرال حفتر ضد قوات الحكومة الشرعية.

كل ما سبق جاء رغم الدعم الذي توفره الإمارات لحفتر، بتمويل المرتزقة الروس وإرسال الإمدادات العسكرية له جواً، كما أدت الاتفاقية الموقعة بين الحكومتين التركية والليبية في ديسمبر الماضي، والتدخل العسكري التركي في ليبيا، والدعم العسكري التركي المقدم لحكومة السراج، إلى خلط أوراق الخطط الإماراتية تجاه شرق المتوسط، تحاول الإمارات من خلال تعزيز قوة حفتر وإقحام تونس في المعادلة الليبية، تغطية هذه الخسارة، لهذا تعمل على استخدام المساعدات الإنسانية كسلاح، تماما كما تفعل في الساحة السورية، في الواقع،أرادت الإمارات مساعدة تونس في مكافحة تفشي كورونا، وأثارت المحادثة الهاتفية بين “بن زايد” والرئيس التونسي، قيس سعيد، في 14 أبريل الماضي، خلافات سياسية في الداخل التونسي.

كثير من المراقبين فسروا هذا الحدث، الذي جاء بعد فتور في العلاقات بين البلدين لسنوات عديدة، بأنه محاولة من “بن زايد” لسحب تونس إلى ليبيا، تحت ذريعة المساعدات، وقد جاء اتصال “بن زايد” بالرئيس التونسي بعد خسائر متتالية مُني بها حفتر في ليبيا وفقدانه السيطرة على مناطق على الحدود التونسية الليبية.وقد يُطلب من المليشيا المدعومة من الإمارات دخول الحدود التونسية عند الضرورة، لكن ما تريده أبو ظبي من تونس، القريبة جغرافيا من حفتر المهزوم ميدانيا، هو لعب دور عسكري وسياسي في ليبيا.وتسعى الإمارات إلى توفير مزيد من الدعم لحفتر شرقي ليبيا، وإناطة مسؤولية دعم حفتر في الغرب بتونس، وهو ما يؤكد أن أبو ظبي تبذل جهودا محمومة لتوجيه السياسة التونسية الداخلية والخارجية لبناء النظام الإقليمي الذي تتصوره، والذي يتم فيه القضاء على الحركات الإسلامية، وتوجيه السياسة الداخلية والخارجية للبلاد بأدوات اقتصادية، والحد من نشاط بعض البلدان الفاعلة في المنطقة، مثل تركيا.

إن الهجمات التي تقودها الإمارات ضد دول شمال أفريقيا، بما فيها تونس، تخدم هذه الفكرة أيضا، ومن ثم فإن جهود أبوظبي لمنع تعزيز وترسيخ الديمقراطية في تونس، عبر استهداف الغنوشي، ليست بمنأى عن جهود تبذلها بعض النخب السياسية ضد الحركات الديمقراطية في المنطقة.

 

تلاعب بافريقيا وفلسطين

وفي دول أخرى، مثل الصومال، توفر الإمارات دعماً مادياً لمنظمات إرهابية، وتعمل على إيجاد بيئة غير آمنة لتحصل على نفوذ في المنطقة.وتدعم انقلابات في الصومال في صومال لاند وغيرها، كما دعمت الإمارات العسكر في السودان لتقويض التحول الديمقراطي، وامتصاص الثورة الشعبية السودانية عبر دعم المجلس العسكري، مقابل الحصول على الامتيازات الاقتصادية وتأجير موانئ سودانية لعشرين عاما، وأيضا في موريتانيا حيث يجري تأليب الحكومة على الإسلاميين ودعم الحركات التغريبية في البلد المتمسك بعروبته،في إطار سياسات شد الأطراف بجنوب المغرب، لإخضاعها، كما تدعم أبو ظبي وولي عهدها، محمد بن زايد مشاريع خيانة قومية ، تهدف إلى بيع فلسطين لإسرائيل، على يد مهندس هذه المشاريع، محمد دحلان.

 

 

أهداف المشروع الإماراتي

 

بناء نظام إقليمي جديد

بشكل أساسي، تهدف الإمارات من مشاريعها، إلى تطوير علاقات منسقة ومستقلة مع القوى العالمية، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين، وإيجاد نفوذ لها في المنطقة، ويمكن اعتبار هذه المشاريع، وفق مراقبين، بأنها تستهدف بناء نظام إقليمي جديد، وبهذا المعنى يُلاحظ أن الإمارات تقيم تعاون ملحوظا مع الروس في ليبيا، عبر تمويل مرتزقة تابعين لشركة “فاغنر”، لدعم الجنرال خليفة حفتر، ضد الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا، ومن خلال التعاون مع نظام الأسد في سوريا، تحاول أبو ظبي موازنة علاقاتها مع الولايات المتحدة والصين بهدوء، وذلك على المستويات الاقتصادية والثقافية والدبلوماسية.

الإمارات، وهي تمتلك قدرة عسكرية محدودة للغاية، تحتاج إلى حلفاء إقليميين لبناء هذا النظام الإقليمي المأمول، لكنها في الوقت نفسه تجد نفسها في كل جولة مهزومة أمام تركيا وأمام إيران، ولهذا تسعى أبو ظبي إلى بذل جهود نشطة في المناطق التي تشهد نشاطاً تركياً، ويمكن قراءة أنشطة أبو ظبي في ليبيا والأزمات ذات الصلة بهذه الطريقة، كما تركز أبو  ظبي على استهداف الجهات الفاعلة، التي لا ترغب في أن تكون جزءاً من مشاريعها في اليمن وليبيا وغيرهما، أو حتى الجهات الفاعلة التي تعمل على تطوير سياسات محايدة وعلاقات وثيقة مع أنقرة، كما هو الحال في الهجمات الإماراتية، التي تستهدف جهات فاعلة في المغرب وتونس.

 

مطاردة الإسلاميين

إن أحد العناصر الفرعية للإمارات في إقامة نظام إقليمي جديد، هو تدمير أي حركة إسلامية قد تشكل تهديدا لأمن نظامها، ويتم تنفيذ هذه السياسة داخل الدولة، وعلى مستوى دول الخليج وبلدان الشرق الأوسط والصعيد الدولي، وفي وقت يتم فيه الضرب بقبضة من حديد على أيدي جميع الإصلاحيين، وخاصة الصحفيين الناقدين مثل أحمد منصور، فإن الحظر المفروض من السعودية والإمارات والبحرين ومصر منذ 2017 على قطر، التي تستضيف أسماء مهمة في جماعة الإخوان المسلمين، يتم تنفيذه على صعيد منطقة الخليج.

وتحتل جماعة الإخوان المسلمين موقع الصدارة في عداء “بن زايد” للإسلام السياسي، رغم أن والد الشيخ “زايد آل نهيان” وضعه في صغره تحت إشراف معلم مصري يدعى “عز الدين إبراهيم”، كان يعرف بانتمائه للإخوان، غير أن حكام الإمارات لم يكونوا قد صنفوا الجماعة باعتبارها تهديدا بعد، وبحسب التقرير فإن هجمات 11 سبتمبر 2001 كانت لحظة تغير في حياة “بن زايد”، بعدما عرف أن اثنين من الإماراتيين كانا من بين الخاطفين الـ 19، وفي ذلك الخريف، اعتقلت الأجهزة الأمنية الإماراتية حوالي 200 إماراتي و1600 أجنبي كانوا يخططون للذهاب إلى أفغانستان والانضمام إلى تنظيم القاعدة، بما في ذلك 3 أو 4 كانوا ملتزمين بأن يصبحوا انتحاريين، وفي الوقت نفسه شن “بن زايد” هجوما على جمعية الإصلاح، التي تأسست في سبعينيات القرن الماضي، وكانت المعادل المحلي للإخوان المسلمين، وكان من بين مستهدفي “الإصلاح” الآلاف من الأجانب (معظمهم من مصر) الذين تم الترحيب بهم قبل عقود لسد حاجة جامعة الإمارات للمهنيين المتعلمين والبيروقراطيين، حيث قام “بن زايد” بطرد المعلمين المشكوك بإسلاميتهم وإعادة كتابة الكتب المدرسية في البلاد.

 

مواجهة التمدد التركي

وعلى الصعيد الإقليمي أيضا، تشن الإمارات حربا على دول إقليمية، مثل تركيا، حيث تدعي وجود تحالف بين أنقرة وحركة الإخوان، فبالنسبة لـ “بن زايد” لا يوجد تمييز كبير بين الجماعات الإسلامية،  التي صعدت بقوة عقب ثورات الربيع العربي في 2011، حيث يصر على أنها تشترك جميعا في نفس الهدف: نسخة من الخلافة مع القرآن بدلاً من الدستور، ولهذا يبدو أنه يعتقد أن الخيارات الوحيدة في الشرق الأوسط هي نظام أكثر قمعا أو كارثة كاملة.

 

ثالثا:عراقيل ومخاطر تواجه الإمارات

ورغم أن هذه السياسة الخارجية العدوانية والطموحة للإمارات تتجاوز قدراتها، إلا أن الطموحات السياسية تمنع التفكير العقلاني للنخبة السياسية في أبوظبي، ورغم تسريع الإمارات لتحركاتها الإقليمية، إلا أنه وبحسب خبراء ومراقبين، فإن الإمارات تسير باتجاه الفشل الداخلي والإقليمي، فبدأت جهود “بن زايد” في السياسة الخارجية تلطخ صورة دولة الإمارات واقتصادها كواحة من الاستقرار والحداثة في الشرق الأوسط المضطرب، كما أحدثت توترات بين الإمارات وبعضها، وخاصة دبي، التي ستدمرها أي أعمال انتقامية من هذا الموقف العدواني، بما أنها معتمدة على الخدمات والاستثمارات الأجنبية، وبحسب مراقبين، وعلى سبيل المثال؛ إذا أطلقت إيران صاروخًا على دبي، فقد تؤدي إلى ركود تام لاقتصادها، وإخراج العمال الآسيويين الذين تعد في أمس الحاجة إليهم.

وهو ما تجلى في تصريحات حاكم دبي، الشيخ “محمد بن راشد آل مكتوم”، مؤخرا، والذي أعرب عن قلقه من أن المغامرة العسكرية الطويلة يمكن أن تلحق الضرر بالنشاط التجاري في نهاية المطاف – وهو ما حصل بالفعل، حيث ألغت جيبوتي وصومال لاند اتفاقات مع موانئ دبي العالمي لإدارة محطة حاويات دوراله وميناء بربره، حيث تدير شركة “موانئ دبي العالمية” أكثر من 70 ميناء بحريًا حول العالم، في دول مثل باكستان وفرنسا وكندا والسنغال وأستراليا والأرجنتين والمملكة المتحدة ومصر وموزنبيق، وأيضا اجتمع الحكام السبعة في الإمارات في اجتماع طارئ بعد أن أسقطت إيران طائرة أمريكية مسيرة وقرر “دونالد ترامب” التراجع عن شن ضربات انتقامية، وخلال الاجتماع، قال “بن راشد” لـ “بن زايد” إن الوقت قد حان بالنسبة للإمارات لإعادة النظر في سياستها الخارجية، معتبرا أن تدخلهم يكلفهم الكثير من دون الحصول على أي مكسب من التدخل في شؤون البلدان الأخرى.

ويعتبر “بن راشد” أن الاستثمار في دعم “خليفة حفتر” في ليبيا ضد الحكومة المعترف بها دوليًا هو مسعى فاشل، وأن تغيير النظام في ليبيا والسودان لن يضر أو يفيد الإمارات، كما أن معظم القتلى الإماراتيين في اليمن، الذين يتجاوز عددهم 100 جندي، هم من الإمارات الفقيرة الخمسة، وخاصة الفجيرة. لعبت شكاوى حكامها دورًا حاسمًا في قرار “بن زايد” بسحب معظم الجنود من اليمن وإعادة نشر الباقين، وكذلك، فحكام الإمارات الفقيرة غير راضين عن الفارق الكبير بين نوعية الحياة بين أبو ظبي ودبي من جهة والإمارات الشمالية الخمس من جهة أخرى، وعلى سبيل المثال، فإن دخل الفرد في أبو ظبي أعلى بستة أضعاف من دخل عجمان. ويختلف جميع حكام الإمارات مع سياسة “بن زايد” في المنطقة العربية، كما أن العقد الاجتماعي الذي يضمن نوعية حياة جيدة في مقابل الولاء غير المشروط لم يعد يرضي غالبية الإماراتيين، الذين يرغبون في تمثيل سياسي أكبر.

إن إعلان أبو ظبي لمتحف اللوفر الخاص بها كنافذة على الإنسانية في ضوء جديد ينسجم بشكل جيد مع طرح الحكومة لمشروع عام التسامح. وبالتالي، من السهل خلق انطباع بأن دولة الإمارات في ظل حكم “بن زايد” هي دولة عربية رائدة، في ظل كون ثلث مجلسها الوطني مكونًا من النساء، لكن حقيقة أن أبو ظبي تدير 18 سجنا سريا في اليمن، حيث يعد التعذيب أمرًا معتادًا، يعتّم على الظاهر الليبرالي لها. ويبدو “بن زايد” آمنًا في المستقبل القريب، لكنه يخاطر بتآكل قوته ما لم يعدل سياساته الإقليمية لجعلها متوافقة مع تطلعات شعب الإمارات،  وذلك بحسب “جيوبولوتيكال فيوتشرز”..

 

تحديات اقتصادية

وعلى الرغم من  أن ولي عهد أبو ظبي يشرف على أكثر من 1.3 تريليون دولار في صناديق الثروة السيادية، ويدير جيشا مجهزا وتدريبا أفضل من أي شخص آخر في المنطقة باستثناء (إسرائيل)، على الرغم من صغر حجم بلده، إذ هناك أقل من مليون مواطن إماراتي، وأمام تلك الأدوار الملتبسة ، يعتقد “بن زايد” أنه أوجد دورًا فريدًا لنفسه في النظام العالمي الدولي، وبينما يتعامل مع الزعماء المؤثرين في البلدان القوية، ينسى أن اقتصاد بلده يعتمد على السلام والاستقرار العالميين. لذلك فإن الخطأ الرئيسي للسياسة الخارجية لأبو ظبي هو التسلق إلى الصدارة الإقليمية.

 

خاتمة

وأمام تلك المعطيات، فإن مستقبل الدور الإماراتي المتصاعد في المنطقة العربية لن يتراجع عن سياساته العدوانية والتدخلية في الشئون الإقليمية في المدى القريب، إلا أنه قد يتضعضع بعض الشيء في ضوء الأزمات الاقتصادية التي تواجهه، بهروب الاستثمارات ، وتأثيرات كورونا على النشاط الاقتصادي على دبي، كما أن الدور الوازن لبعض القوى الإقليمية الأخرى كالجزائر وتركيا وقطر قد تكون إحدى العراقيل التي تحول دون تمدد الدور الإماراتي، ومن ثم مشروعها الإقليمي الجديد.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022