“قانون قيصر” عقاب أمريكي للأسد يدفع ثمنه السوريون على الطريقة العراقية بعهد صدام  

بجانب التظاهرات العارمة التي تشهدها معظم المدن السورية، سواء الخاضعة لنظام بشار الأسد أو غير الخاضعة حاليا، إثر انهيار شبه كامل للاقتصاد السوري، وانهيار قيمة الليرة السورية بصورة كبيرة جدا، فاقمت الأزمات المعيشية، دخل قانون “قيصر” المتضمن عقوبات أميركية جديدة على النظام السوري حيز التنفيذ يوم الأربعاء 17 يونيو الجاري.

وتعرض “قانون قيصر لحماية المدنيين في سورية لعام 2019″، لعدد من التعديلات قبل التصويت عليه من قبل الكونغرس، كان آخرها في يونيو من العام الماضي، قبل تمريره في مجلسي الكونغرس والشيوخ، وتوقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عليه نهايته العام الماضي.

 

بنود القانون

وينص على فرض عقوبات على الأجانب المتورطين ببعض المعاملات المالية، أو التقنية، مع مؤسسات “الحكومة السورية”، والمتعاقدين العسكريين والمرتزقة الذين يحاربون بالنيابة عن النظام السوري أو روسيا أو إيران، أو أي شخص فُرضت عليه العقوبات الخاصة بسورية قبلاً، وكل من يقدّم الدعم المالي أو التقني أو المعلومات التي تساعد على إصلاح أو توسعة الإنتاج المحلي لسورية من الغاز والنفط أو مشتقاته، ومن يقدّم الطائرات أو قطعها، أو الخدمات المرتبطة بالطيران لأهداف عسكرية في سورية.

كما يفرض عقوبات على المسؤولين لجهة انتهاكات حقوق الإنسان ضد المدنيين أو أفراد عائلاتهم، وحدد مجموعة من الشخصيات المُقترح أن تشملهم العقوبات، بينهم رئيس النظام السوري، ورئيس الوزراء ونائبه، وقادة القوات المسلحة، البرية والبحرية والاستخبارات، والمسؤولون في وزارة الداخلية من إدارة الأمن السياسي والمخابرات والشرطة، فضلاً عن قادة الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري، والمسؤولين عن السجون التي يسيطر عليها النظام، ورؤساء الفروع الأمنية، ويستثني القانون المنظمات غير الحكومية التي تقدّم المساعدات في سورية. وعلى الرغم من اللهجة القاسية للمشروع، فإنه يترك الباب مفتوحاً للحل الدبلوماسي، فهو يسمح للرئيس الأميركي برفع هذه العقوبات في حال لمس جدية في التفاوض من قبل نظام الأسد، بشرط وقف الدعم العسكري الروسي والإيراني له. كما يمكّن الرئيس الأميركي من رفع العقوبات لأسباب تتعلق بالأمن القومي الأميركي.

 

قصة قيصر

وجاء القانون، بعد توثيق العديد من جرائم الحرب التي وثّقتها صور الضابط السوري المنشق المكنّى بـ”قيصر” والقابعة في الكونغرس منذ 2014.

ففي عام 2014 جلس “قيصر”، وهو الاسم الرمزي لمصور عسكري سابق عمل مع الشرطة العسكرية للنظام السوري، أمام أعضاء من الكونغرس الأمريكي وشرح لهم مضامين 55 ألف صورة تكشف عن جرائم قتل وعمليات تعذيب منظمة أقدمت عليها حكومة نظام الأسد.

الصور التي يقول قيصر إنه قد هرّبها خارج البلاد تظهر ألوف الجثث التي جرى اقتلاع أعينها، وجثث أخرى بترت أطرافها وفظاعات أخرى مورست في مراكز الاعتقال السورية، المحققون تأكدوا من حقيقة الصور رغم إعلان وزارة العدل السورية أنها صور مزورة، وقد صور قيصر بتكليف من النظام السوري 6786 سجينًا مقتولاً.

والقانون هو  حزمة عقوبات أريد لها أن تعزل كل من يتعامل مع حكومة بشار الأسد، لكن وفي ضوء سنوات الحرب الطويلة التي يرزح تحتها الشعب السوري، يحذر المعارضون لهذه العقوبات من أن تطبيقها سيلحق بالسوريين مزيداً من الضرر، إذ أن العقوبات الأمريكية والأوروبية القائمة حالياً تطال رموز نظام الأسد وقطاع النفط السوري، أما العقوبات الجديدة فيراد لها أن تحقق مستوى أعلى من الشدة، بحسب المراقبين.

 

رهانات أمريكية

وتستهدف عقوبات “قانون قيصر” سد الثغرات الموجودة في العقوبات الحالية، من خلال معاقبة كل من يتعامل مع البنك المركزي السوري والقوى الجوية وقطاع النفط، والمجموعات الأجنبية التي تقاتل إلى جانب بشار الأسد، علاوة على دول مثل الصين، دولة الإمارات وروسيا التي قد تسعى إلى تمويل وتنفيذ عمليات إعادة الإعمار في سوريا.

وتراهن واشنطن على القانون الجديد لضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، وتؤكد الإدارة الأميركية عزمها على تطبيق القانون بصورة صارمة لتسديد ضربة إضافية قاسية للاقتصاد السوري الذي ينهار، ولبعث رسالة مفادها أن إعادة إعمار سورية يجب أن تكون برضا الولايات المتحدة.

وتستهدف العقوبات أيضاً “حزب الله” اللبناني بهدف تقليص دوره باعتباره الذراع الإيرانية الأهم في المنطقة وأحد الأنابيب الرئيسية لمد الاقتصاد السوري بالأوكسجين اللازم لاستمراره.

وفي الحسابات والتقديرات الأميركية فإن مردود القانون من هذه الناحية الجيوسياسية قد يكون الأفعل، فالساحة اللبنانية في حالة اختناق مالي وسياسي يهدد بانفجار كبير، وثمة من يتوقع “انهيار الدولة اللبنانية”. ومن شأن عقوبات قيصر صبّ الزيت على النار ووضع المزيد من الضغوط على “حزب الله” لإجباره على الانكفاء من سورية.

فالحزب حسب المعلومات الأميركية، يقوم من خلال شبكة أعماله بعمليات تجارية مع النظام السوري عبر المعابر الحدودية غير الرسمية التي تبلغ نحو 120 معبراً لتهريب البضائع بين البلدين. وهو ما يكبد المصرف المركزي في لبنان سنوياً خسائر بنحو 4 مليارات دولار بسبب تهريب المحروقات المدعومة من الدولة إلى سورية.

 

توقيت مستهدف أمريكيا ودوليا

ويأتي تشديد العقوبات الأمريكية بموجب قانون قيصر، بعد أيام من تمديد العقوبات الأوروبية على سوريا لمدة عام آخر، وأيضا، يأتي ذلك في وقت دعا فيه الأمين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش إلى رفع العقوبات التي تعرقل مكافحة تبعات فيروس كورونا، ولكن الاتحاد الأوروبي مدد العقوبات رغم دعوته أوائل أبريل إلى تخفيفها عن سوريا وفنزويلا وإيران ودول أخرى بهدف مساعدتها على مواجهة فيروس كورونا.

وفي تحليل لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى المقرب من الإدارة الأمريكية تحت عنوان “قانون قيصر يدخل حيز التنفيذ: زيادة عزل نظام الأسد” تم التأكيد على أن “العقوبات لم تفلح حتى الآن في ثني الرئيس الرئيس الأسد عن تغيير سياساته.”

 

عقوبات شاملة النظام والشعب!

ويرى عدد من الخبراء الألمان بينهم الكاتب والصحفي ماتياس فون هاين أن “المفارقة في أن العقوبات الأوروبية التي تستند إلى المخاوف على حقوق الإنسان تشمل 14 قطاعا مثل محطات توليد الطاقة ومضخات المياه ومعدات صناعة الطاقة وقطع التبديل والتحويلات المالية، ما يشمل عقوبة جماعية للسوريين ويعيق حصولهم على الكهرباء والأدوية والطعام إلخ.”

وهذا يعني أن عقوبات قانون قيصر ستكون أشد وطأة خلال الأيام والأسابيع القادمة، إلا إذا حصل تطورات مفاجئة تدفع الولايات المتحدة إلى التخفيف منها أو تأجيل تنفيذها. وقد يحصل بعض الانفراج أيضا في حال أقدمت الصين مثلا على تقديم المزيد من الدعم لسوريا، لأن روسيا وإيران حليفتا دمشق تعانيان من عقوبات غربية أيضا وليستا في وضع اقتصادي يسمح لهما بمساعدة سوريا على تجاوز المحنة التي تمر بها حاليا.

ولا يقتصر قانون “قيصر” على استهداف الجانب التجاري للحزب، بل يشمل أيضاً قطاع الخدمات والبنى التحتية ومجالات الاستثمار والمصارف، وإن كانت هذه الأخيرة منضبطة إلى حد بعيد بحدود العقوبات الأميركية.

ويشمل القانون أيضاً الاتفاقات العسكرية وهيئات التنسيق بين سورية ولبنان ومنها “المجلس الأعلى اللبناني السوري” المشكل منذ عام 1991 و”اتفاق الدفاع الأمني” الموقع في 2019.

 

تداعيات اقتصادية

وبحسب مراقبين، يريد الداعمون لحزمة العقوبات الجديدة إعاقة عمليات إعادة الإعمار لسببين: الأول، أن نظام الأسد قد صادر أملاك اللاجئين السورين الذين هربوا من بطشه، للاستفادة من إعادة إعمارها، وهو جزء من “مشروع ديموغرافي يصفه البعض بأنه تطهير عرقي” على حد وصف معتز مصطفى، رئيس منظمة” سيرين إيميرجنسي تاسك فورس” وهي من منظمات المجتمع المدني التي دعمت إصدار حزمة العقوبات الجديدة.

ويمضي مصطفى إلى القول “إن بشار الأسد يقدم عروضاً مغرية للدول التي قد تشارك في إعادة تأهيل نظامه على المستوى الدولي، وهذه العقوبات تحرم نظام الأسد من نصره العسكري، فيما لو أتيح له تحقيق هذا النصر“.

 

تداعيات سياسية

وتستخدم العقوبات مدخلاً مشروعاً لتحقيق أهداف سياسية أكثر من كونها معاقبة على ممارسات جرت قبل ست سنوات، وإلا لكان من المفترض فرض العقوبات في حينه.

وتركت العقوبات للحظة المواتية كلحظة الضيق الراهن في سورية ولبنان لجني أقصى الفوائد منها، ولو أن هناك من يحذر من أن الإفراط في استخدام العقوبات قد يؤدي إلى نتيجة سلبية، فمزيد من العقوبات على النظام السوري يعني فاتورة أكبر في لبنان.

 

إضعاف النظام

لكن مدى قدرة حزمة العقوبات الجديدة على إضعاف بشار الأسد أو اجباره على التنحي عن منصبه، أو إلزامه بتحقيق اصلاح وتغيير ممارساته لا يبدو مؤكداً بعد، حيث يواجه النظام نقداً غير مسبوق يصدر عن قاعدته الوفية له لأنَ الاقتصاد ينحدر إلى مستوى العدم، والناس يواجهون واقعاً قاسياً مفاده أن الأسد لا يضمن لهم الخبز ولا الحرية.

ويتزامن “قانون قيصر” مع تخلي الأسد علناً عن ابن خاله رامي مخلوف، وهو ما قد يقلق الأوفياء للنظام ويدفعهم إلى سحب أموالهم من البلد ما يضعضع تماسك النظام، على حد وصف خضر خضور وهو محلل سياسي يعمل في مجلة “ديوان” التي تصدر عن مركز الشرق الأوسط التابع لمعهد كارنيغي الأمريكي، وكتب خضور بهذا الصدد يقول: “الانهيار المرتقب قد يأتي بأثر مدمر“.

أما منتقدو العقوبات فيذهبون إلى أن الأسد، الذي لم يغير مواقفه رغم خروج ثلاثة أرباع البلد عن سلطته، ورغم معاناة ألوف من داعميه بسبب الخسائر التي حلت بهم، لا يؤمل أن يبدي مرونة أكبر ليضمن حصول بلاده على رؤوس أموال بشكل استثمارات، على حد وصف آرون لوند، وهو زميل في مؤسسة “ذا سنيتشري” البحثية الأمريكية.

 

السوريون يدفعون الثمن

ويعاني نحو 80% من السوريين حالياً من الفقر بسبب تدني القوة الشرائية لليرة السورية وسقوطها إلى الحضيض.

هذه العقوبات إلى جانب العقوبات الأمريكية والغربية الأخرى السارية منذ عام 2011 والتي ينبغي أن تطال الرئيس السوري بشار الأسد وحكومته وعشرات الكيانات السياسية والاقتصادية التابعة لها، لا تطال في الواقع هذه الحكومة بقدر ما تطال الناس العاديين. وفي الحقيقة لا يكاد يوجد سوري ما يزال يعيش في وطنه لا يعاني من هذه العقوبات بشكل أو بآخر، ولا يغير من حقيقة ذلك الجدل الدائر حول مدى جدوى هذه العقوبات بين المؤيدين والمعارضين لها.

بينما يقول المدافعون عن حزمة العقوبات الجديدة أنها تحتوي إعفاءات مهمة يراد منها تخفيف أثرها على السكان المدنيين، وفي المقابل تشديد الأثر على من تسببوا في دمار سوريا. وفي هذا السياق يقول الناشط معتز مصطفى: “في نفس الوقت، لا أظن أنّ هذه الحزمة هي الرصاصة التي ستقضي على النظام أو أنها ستوقف الحرب وتنهي عمليات القتل، بل لا أظن أنها ستقود إلى عملية سياسية من نوع ما”، على حد تعبير الناشط المدني السوري الذي عمل ضمن مشروع قيصر، ويمضي مصطفى إلى القول “ومع ذلك، تبقى حزمة العقوبات الجديدة أداة فاعلة تفتح للشعب السوري باب أمل جديد، ولو جرى تطبيقها بحزم، وبتزامن مع سياسات أخرى ذات صلة، فإنها قد تؤدي إلى حلول سياسية للأزمة، لكنّ غياب سياسة أمريكية ملموسة على أرض سوريا يجعل منتقدي المشروع أكثر تشككاً في جدواه.

وفي هذا السياق يبدو أن الجانبين يتحركان وفق شعار (الأسد أو نحرق البلد)، فقد كشف أحد طرفي النزاع عن إصراره على قصف وتجويع وتدمير المدن السورية لإيقاف مشروع إزالة نظام الأسد، فيما يبدو الجانب الآخر عازماً على تدمير اقتصاد سوريا في مسعى للإبقاء على لهيب الحرب مشتعلاً إلى الأبد لحرمان الأسد من فرصة إعلانه النصر.

ويأتي “قانون قيصر” الأمريكي ليوسع العقوبات الاقتصادية، بحيث لا تقتصر على الأشخاص والكيانات التابعة للحكومة السورية وحسب، بل أيضا حميع الجهات التي تتعامل معها من مختلف أنحاد العالم وفي مقدمتها الشركات الروسية والإيرانية. ومع دخول هذا القانون حيز التنفيذ نكون أمام حالة فريدة من عقوبات شاملة، ربما لم يعرف العالم مثيلا لها منذ نهاية الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي في ثمانينات القرن الماضي.

غير أن الواقع والوقائع تقول بأن عقوبات قانون قيصر لا تعاقب الحكومة بقدر ما تعاقب السوريين المقيمين في وطنهم، لأنها تدفع بحياتهم إلى مزيد من الفقر والمعاناة. وتطال هذه المعاناة الجميع بغض النظر عن الجهة المسيطرة على المناطق التي يعيشون فيها سواء أكانت الحكومة السورية أم المناوئين لها حسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية في 10 يونيو 2020 تحت عنوان “شبح الجوع يلاحق سوريين أضناهم انهيار الليرة.”

ويعد السبب الأساسي في ذلك إلى أن العقوبات والمقاطعة تطال المؤسسات السورية الحيوية التي لا يمكن بدونها تأمين مستلزمات الحياة الضرورية من طعام وأدوية ولباس لأكثر من 20 مليون سوري. ومن هذه المؤسسات على سبيل المثال لا الحصر مصرف سوريا المركزي والمصارف السورية الأخرى وقطاعات النفط والغاز والبريد والخطوط الجوية السورية وشركات تصدير واستيراد السلع والخدمات.

وبما أن الولايات المتحدة  والاتحاد الأروبي تتحكم بنظام التحويلات المالية عبر العالم، فإن مقاطعتها للنظام المصرفي بما ذلك البنك المركزي وفرض عقوبات عليه في بلد مثل سوريا تعني شل التجارة والصناعة والخدمات فيه، لأن نحو ثلثي تجارته وعلاقاته الاقتصادية كانت قائمة مع الدول الغربية وعلى رأسها إيطاليا وفرنسا وألمانيا حتى اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سوريا عام 2011.

كما تعني أن القسم الأكبر من الدولار والعملات الصعبة الأخرى اللازمة لاستيراد الأغذية والأدوية ومستلزمات الإنتاج لايمكن توفيرها. ومن شأن هذا الحرمان أن يقود إلى انهيار العملة الوطنية وارتفاع جنوني في الأسعار وزيادة نسبة الفقر التي يعاني منها حاليا 90 % من السوريين، بينما يعاني أكثر من الثلثين من الفقر الشديد حسب منظمة الأمم المتحدة.

 

تأرجح الموقف الروسي ومستقبل الحسم الامريكي

وتتنوع الضغوط الدولية على سوريا، أيضا من قبل حلفائه الروس، عبر تلويح وسائل إعلام مقربة من دائرة صنع القرار بعدم صلاحية بشار الأسد كرئيس خلال المرحلة المقبلة، والتلميح إلى إمكانية توصل موسكو وواشنطن إلى صيغة تفضي لتنحية الأسد، ربما للبدء بالتسوية السياسية والدخول في مرحلة انتقالية تنهي الحرب المستمرة.

من جهة أخرى، أصدر “المجلس الروسي للشؤون الدولية” تحليلاً، أخيراً، عن السيناريو المستقبلي للأوضاع في سورية، توقع فيه توافقاً تركياً أميركياً روسياً إيرانياً على تنحية بشار الأسد ووقف إطلاق النار، مقابل تشكيل حكومة انتقالية تشمل المعارضة والنظام و”قوات سورية الديمقراطية” (قسد). وجاء في التحليل، الذي نقلته وكالة “الأناضول”، أن “منظمة روسية، تطلق على نفسها اسم صندوق حماية القيم الوطنية، وهي مقربة من الأجهزة الأمنية ومكتب الرئيس فلاديمير بوتين، تجري استطلاعاً للرأي العام في سورية. وبغض النظر عن مطابقة الاستطلاع للمعايير المهنية من عدمه، فإن الرسالة السياسية من إعلانه، والتي تضمنتها نتائجه، كانت غاية في الوضوح: الشعب السوري لا يريد الأسد”.

وأضاف التحليل أن موسكو حرصت منذ بداية تدخلها العسكري في سورية، على الابتعاد عن تصوير نفسها مدافعة عن مصير الأسد. وخلص إلى أن “روسيا تبدو في الآونة الأخيرة أكثر جدية في إحداث تغيير في رأس النظام السوري، لأسباب عديدة، ليس أولها أن الاحتفاظ بورقة الأسد بات يثقل كاهل موسكو”، مشيراً إلى أن من بين الأسباب “تحول النظام من مؤسسات دولة تتبع لجهاز مركزي، إلى مؤسسات مرتبطة بمليشيات تديرها دول وقوى خارجية، ولا تتلقى أوامرها حتى من بشار الأسد نفسه، الذي بات خاضعاً في قراراته لابتزاز تلك المليشيات“.

وهو ما يتوقع معه بأن الروس سيتخلون عن الأسد، لكن المسألة في اختيار التوقيت. إلا أن “الروس لا يستطيعون التخلي عن الأسد في المرحلة الانتقالية، وهي مرحلة حرجة، لأنهم يخشون خسارة كل مصالحهم في سورية. والروس غير متمسكين بأشخاص، فالأهمية بالنسبة إليهم في هذا الإطار أن يأتي إلى الحكم من يعتبرونه حليفاً لهم، ولذلك تمسكوا بالأسد خلال الفترة الماضية والحالية، كون مصالحهم مرتبطة به، لكن في المستقبل فإن من الواضح أن الأسد سيشكل خطراً على المصالح الروسية، لإن بقاءه يعني عدم الاستقرار في سورية، ويشير العديد من المراقبين، إلى أن “الروس والأميركيين يحضّرون البدائل، وسيكشف عام 2021 ذلك، فمن المتوقع أن تخرج واشنطن بمبادرة في هذا الإطار“.

وايضا ، يتوافق قانون قيصر الامريكي، مع الضغوط الإعلامية الروسية على الأسد، والتي  تأتي ضمن الضغط على الأسد لجهة النيل من مقربيه، مثل رامي مخلوف وشقيقه ماهر، بالإضافة للإشارة إلى فساد بشار الأسد ونظامه. ويمكن القول إن الحملة الإعلامية فتحت النار على كافة مفاصل النظام، وهذا لم يحدث صدفة، وإنما بضوء أخضر من السلطة في موسكو، ولو كان بغطاء غير رسمي. لكن حجم الحملة الواسع يُظهر أنها ممنهجة ومقصودة وتحمل رسائل، منها التبرؤ من فساد هذا النظام، وأيضاً الإيحاء بإمكانية التخلي عنه مقابل ثمن سيتم التفاوض عليه.

 

مستقبل سوريا

ويلفت قانون قيصر والتصريحات الأميركية نحو اقتراب ساعة الصفر بمرحلة جديدة آتية، فالقانون عامل ضغط كبير على النظام وحلفائه، وبالذات روسيا وإيران، وبالتالي يجب الإدراك أن الأمور أخذت حيزاً جدياً، ولا شك أن القانون سيدفع باتجاه حل سياسي معين، طبعاً هو وغيره من الأوراق، كتقرير منظمة الأسلحة الكيميائية، بالإضافة للعقوبات على موسكو، وتردي الوضع الاقتصادي الروسي بعد تدهور أسعار النفط، والعديد من العوامل الداخلية الروسية، في مقدمتها تدهور الروبل، وكلها تدفع بهذا الاتجاه

كما أن الروس لم يعد من مصلحتهم الدخول في معارك وأعمال عسكرية، ويرون الآن أن من المجدي الاتجاه نحو الخيارات السياسية، التي تجني لهم الأرباح، فهم بحاجة للمال، ولا شك أن لديهم تفاهمات بهذا الخصوص ستظهر إلى العلن في الأشهر المقبلة، فلن تستطيع روسيا الالتفاف على قانون قيصر،  فالقانون أقره الكونغرس ووقّعه الرئيس الأميركي، والعقوبات الأميركية تلاحق روسيا وستلاحق النظام بعد دخول القانون حيز التنفيذ، ولن يستطيع أحد التحايل عليه.

وتصب تلك التطورات في استبدال بشار الاسد، بعد انهاك سوريا من قبل الاطراف الغربية، كما فعلت مع صدام حسين بالعراق، والذي جرى التحلص منه عبر 13 عاما، من عدوانه على الكويت، بالرغم من أن كافة التقديرات الاستراتيجية الامريكية والغربية، كانت تؤكد امكانية التخلص من صدام حسين منذ العام 1990، ولكن توافقت الارادات الدولية على انهاك العراق، شعبا ونظاما وقوى مجتمعية واقتصاد وغيرها من مصادر القوى بالعراق.

فبعد الغزو العراقي للكويت عام 1990، جندت أمريكا عشرات الدول لطرد القوات العراقية من الكويت، وقد تم ذلك بنجاح، فخرج صدام حسين رغماً عنه من الكويت بعد سبعة أشهر، وبعد أن تعرض جيشه إلى ضربة قاصمة وهو عائد إلى قواعده في العراق، وانتهى به الأمر إلى توقيع اتفاق الإذعان في خيمة صفوان الشهيرة، وانكفأ صدام إلى بغداد بعد أن فقد السيطرة على الشمال والجنوب بفعل حظر الطيران شمال العراق وجنوبه. لكنه فوجئ بالانتفاضة الشعبانية بعد شهرين فقط على خروجه من الكويت، حيث تمكن العراقيون وقتها من السيطرة على أربع عشرة محافظة عراقية من أصل ثمان عشرة محافظة. وقد ظن المنتفضون العراقيون وقتها أن أمريكا التي طردت قوات صدام حسين من الكويت ستقف إلى جانبها لإسقاط النظام، لكن الطيران الأمريكي الذي كان يراقب الشمال والجنوب، لم يتدخل مطلقاً في الانتفاضة العراقية، لا بل إنه ساعد صدام حسين بطريقة غير مباشرة لسحق الانتفاضة واستعادة كل المحافظات الساقطة بأيدي المنتفضين.

فالأمريكي الذي كان يمكن أن يستغل الانتفاضة لإسقاط نظام صدام لم يتدخل، لا بل وقف ضد الانتفاضة بطريقة ما، لكن ليس دفاعاً عن نظام صدام ولا خذلاناً للانتفاضة الشعبية، بل خدمة للمخطط الأمريكي الذي سينضج لاحقاً بعد حوالي ثلاثة عشر عاماً. وقد قال الجنرال الأمريكي نورمان شوارتسكوف الذي قاد معركة تحرير الكويت عام 1991 إن واشنطن كانت قادرة بسهولة على إسقاط نظام صدام وقتها، لكنها لم تفعل خدمة لمصالحها القادمة. وبدلاً من ذلك أحكمت أمريكا الحصار على العراق وفرضت قيوداً صارمة حتى على أبسط الحاجيات اليومية التي كان يحتاجها الشعب العراقي كأقلام الرصاص. وكلنا يذكر اتفاق النفط مقابل الغذاء، بحيث لم يسمح للعراق أن يبيع نفطه إلا من أجل الحصول على الغذاء فقط.

وعاش العراق بعد غزو الكويت حوالي ثلاثة عشر عاماً من العذاب والتنكيل المنظم على أيدي الأمريكيين وحلفائهم. وظل صدام حسين حاكماً كل ذلك الوقت بينما كان الشعب العراقي يموت من الجوع والفقر والفاقه. وقد كان بإمكان أمريكا أن تسقطه في أي لحظة لو أرادت بعد أن فقد السيطرة على مناطق كثيرة وصار محصوراً في بغداد. لكن ساعة الصفر لم تحن إلا عام 2003 عندما غزت أمريكا العراق وأسقطت النظام، ثم لاحقت صدام نفسه وألقت القبض عليه ثم حاكمته وأعدمته بواسطة عملائها العراقيين التابعين لحليفها الإيراني.

وقد كان بإمكان أمريكا وإسرائيل إسقاط النظام السوري على مدى التسع سنوات الماضية بعد أن فقد السيطرة في أوقات معينة على 80% من الأراضي السورية، وبعد أن وصل الثوار إلى مشارف القصر الجمهوري؟  ولكن الارادة الامريكية والدولية ما زالت ترجئ القرار، لاقتسام الكعكة السورية، وفق المخططات الامريكية والدولية..فما أشبه «قانون قيصر» الأمريكي بخصوص سوريا بالقوانين الأمريكية التي سنتها واشنطن لخنق العراق وحصاره وتجويع شعبه والتنكيل به ثم الانقضاض عليه عندما أصبح يتمنى الموت ولا يجده، وذلك وفق ما وثقه الكتاب الأمريكي الشهير بعنوان «التنكيل بالعراق» للكاتب جيف سيمونز، وهو على ما يبدو أنه السيناريو الأقرب لسوريا في اللحظة الراهنة.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022