الوجود العسكري المصري في جنوب السودان.. هل تقف المنطقة على أعتاب حرب مياه إقليمية؟

النفي الصادر من وزارة الخارجية بجنوب السودان للتقارير التي كشفت عن موافقة الحكومة الجنوب سودانية على منح مصر قطعة أرض لإقامة قاعدة عسكرية في منطقة «باجاك» التي كانت معقل المعارضة في السابق والتي تقع في  منطقة «مايوت» بولاية أعالي النيل، والتي تبتعد ــ وفقا لصور الاقمار الصناعية ــ  عن سد النهضة مسافة أكثر من 350 كم، وهي منطقة تمتزج فيها الغابات بالجبال ودرجة الحرارة فيها مرتفعة؛ أثار جدلا واسعا في ظل التطورات الراهنة في ملف سد النهضة والخلافات الكبيرة بين مصر من جهة وأثيوبيا من جهة ثانية؛ ذلك أن التأكيد كان رسميا والنفي أيضا كان رسميا.

وكانت خارجية جنوب السودان قد أصدرت بيانا بتاريخ 4 يونيو 2020م نفت فيه التقارير التي أكدت منح مصر أرضا بجنوب السودان لإقامة قاعدة عسكرية، ووصفت هذه التقارير بالادعاءات التي يطلقها أعداء السلام الذين يقفون وراء هذه البروباجندا مؤكدة أن لجنوب السلام علاقات تعاون وثيقة مع كل من مصر وأثيوبيا في سبيل تنفيذ اتفاق السلام بعد سنوات من الحرب الأهلية. وتحدث البيان عن جنوب السودان المحبة للسلام والتي ستظل دائما تدعم التعايش السلمي مع دول الجوار والمنطقة والعالم باسره. ([1]) كما نقلت صحيفة “ذا ناشونال كارير” الأمريكية عن مصدر عسكري آخر له رتبة رفيعة نافيا ما بثه تلفزيون “جوبا” بشأن موافقة جنوب السودان على طلب مصري ببناء قاعدة عسكرية في بلاده، قائلا «لدينا اتفاقية دفاع مع إثيوبيا، لا يمكن انتهاكها، لا سيّما وأن إثيوبيا أسهمت في بناء بلدنا».([2])

ورغم النفي الجنوب سوداني إلا أن قراءة التفاصيل وما بين السطور يؤكد أن الهدف من بيان الخارجية هو التغطية على الموقف الحقيقي لجنوب السودان وليس تبيان الحقيقة؛ للأسباب الآتية:

أولا، مصدر التقارير التي كشفت عن منح مصر أرضا لإقامة قاعدة عسكرية ليست صحفا أو فضائيات معادية لجنوب السودان بل هو التلفزيون الرسمي بجنوب السودان. ووفقا للتقرير الذي بثه تلفزيون “جوبا”، فإن مسئولا عسكريا رفيع المستوى أوضح أن القاعدة ستضم نحو 250 ضابطا وجنديا مصريا؛ الأمر الذي اعتبر جنوحا من النظام المصري نحو الاستعداد لكافة السيناريوهات المحتملة وعلى رأسها سيناريو شن حرب على السد الذي يهدد الأمن القومي المصري ويحرم القاهرة من حصتها التاريخية في مياه النيل. واعتبر المسئول الجنوب سوداني أن إقامة قاعدة عسكرية مصرية يسهم في تنمية بلاده. كما نشرته “صحيفة أخبار جنوب السودان” الرسمية على لسان مسئول رفيع بالخارجية الجنوب سودانية الذي شدد على أن منح مصر قطعة الأرض في شرق  جنوب السودان، لن يستخدم إلا في  أغراض التنمية التي تعهدت مصر بتوفيرها”.

ثانيا، المصدر الذي اعتمد عليه تقرير التلفزيون الجنوب سوداني هو جنرال رفيع بالجيش ومصدر عسكري لم يتم الكشف عن اسمه. ومعلوم أن  الأمور العسكرية في يد كبار الجنرالات الذين يتحكمون تقريبا في كل شيء هناك في البلد الهش الذي يعاني من حرب أهلية تم وقفها منذ شهور قليلة بعد تدخل بابا الفاتيكان.

ثالثا،  يعزز من أنباء التواجد العسكري المصري في جنوب السودان أن ضابطا بالمخابرات الجنوب سودانية يبدو أنه على علاقة وثيقة بأثيوبيا، قد سرب مقطع فيديو لقناة محلية يكشف عن ضباط مصريين يدربون جنوداً من بلاده في موقع جبل مابان، على بُعد ثلاثين كيلومتراً من محافظة مايوت القريبة من الحدود مع إثيوبيا. وبثت قناة “رامسيل برودكاستينغ” التسريب، وقالت إنه وصلها عن طريق ضابط مخابرات من جنوب السودان، ذكر أنه قلق للغاية من تورط بلاده في الأزمة بين مصر وإثيوبيا بشأن سد النهضة ومياه النيل التي تعتبرها القاهرة خطاً أحمر وأمناً قومياً بالنسبة لها. وبحسب القناة المحلية فإن ما ظهر في الفيديو هو كتيبة مسلحة من جنوب السودان تُردد صيحات عسكرية باللغة العربية، ونقلت عنها قناة الجزيرة. ([3]) هذه التسريبات تؤكد التواجد العسكري المصري في جنوب السودان، لكنها لا تثبت ولا تنفي الأخبار المتداولة حول منح “جوبا” للقاهرة أرضا لإقامة قاعدة عسكرية بالقرب من الحدود الإثيوبية القريبة من سد النهضة.

رابعا، موضوع نشر قوات عسكرية مصرية في جنوب السودان ليس جديدا؛ إذ أشار إلى ذلك موقع «الاستخبارات الأفريقية» في تقرير له منتصف نوفمبر 2019م، وهو موقع يصدر من باريس يهتم بنشر أخبار متخصصة عن قارة أفريقيا. والذي ذكر فيه أن رئيس جنوب السودان سيلفا كير يساعد القاهرة في نشر قوات لها على الأرض في بلاده على الحدود مع إثيوبيا.([4])

خامسا، تأتي هذه التطورات في ظل توثيق القاهرة علاقتها مع جوبا عاصمة جنوب السودان؛ والشهر الماضي أرسل الجيش المصري إلى جوبا طائرتين عسكريتين محملتين بالمساعدات الطبية، لتعزيز قدرة حكومة جوبا على مواجهة انتشار عدوى فيروس “كوفيد ــ19” المعروف بكورونا. وفي مارس  الماضي،  أعلن وزير الري بحكومة السيسي، محمد عبد العاطي، عزم النظام في مصر على إنشاء سد “واو” في جنوب السودان، بالإضافة إلى 12 محطة لمياه الشرب. كما عقد السفير المصري بجنوب السودان محمد قدح يوم الخميس 11 يونيو لقاء بوزيرة الخارجية الجنوب سودانية بياتريسا خميسا؛ حيث تناول اللقاء سبل تعزيز التعاون المشترك بين الجانبين وأهمها الدور المصري في دعم حكومة جنوب  السودان في جهود مكافحة كورونا ، وكذا ملف الترتيبات الأمنية في إطار اتفاق السلام المنشط فى جنوب السودان، فضلاً عن القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك. وأصدرت الخارجية السودانية بيانا تؤكد فيه تثمين العلاقات الممتازة مع القاهرة ونفي الشائعات التي تتحدث عن توتر بين جوبا وأديس أبابا.([5])

 

تحليل موقف جنوب السودان

يمكن تفسير هذا الموقف من جنوب السودان بأحد احتمالين:

  • الأول، أن منح القاهرة قطعة أرض لإقامة قاعدة عسكرية هي أنباء صحيحة، صدرت من جنرال مقرب من القاهرة بهدف تعزيز موقفها الهش للغاية في ملف سد النهضة أمام إثيوبيا التي باتت تفرض شروطها على كل من القاهرة والخرطوم من موقف قوة الأمر الواقع. ويرجح من فرص هذا الاحتمال أن تصريحات المسئول العسكري في جنوب السودان تعززت بتصريحات أخرى لمصدر بوزارة الخارجية الجنوب سودانية قبل البيان، أكد فيها لصحيفة ” جنوب السودان نيوز ناو”(SSNN) أن الأرض لن تستخدم إلا لأغراض التنمية التي تعهدت مصر بتوفيرها لأصغر دولة في العالم. مشددا على أن المصريين سيستخدمون هذه الأرض لتوفير التنمية التي تحتاجها بشدة جمهورية جنوب السودان”. مثمنا الدور المصري  الذي كان دائما إلى جوار جنوب السودان منذ استقلالها عن السودان مشيدا بالمساعدات المصرية التي تزود الحكومة المحلية بجنوب السودان حتى اليوم.([6]) وبالتالي فإن بيان الخارجية السودانية استهدف تدارك الموقف؛ لأن هذا من شأنه أن يضع جنوب السودان التي تعيش حاليا مرحلة انتقالية بعد سنوات من الحرب الأهلية في موقف عدائي مع أثيوبيا التي تمثل حاليا ثقلا في القارة الإفريقية ويتعزز نفوذها بشكل واسع منذ تولي آبي أحمد رئاسة الوزراء وحصوله على جائزة نوبل للسلام بعد اتفاق السلام مع إريتريا.
  • الاحتمال الثاني أن هذه الأنباء ربما كانت غير حقيقة، لكن الهدف من ورائها هو اللعب على جميع الحبال؛ فمن شأن تسريب مثل الخبر أن يلفت نظر أثيوبيا إلى ضرورة تقديم مزيد من الدعم للحكومة الجنوب سودانية من أجل شراء ولائها ومواقفها ولكي لا تتحول إلى خنجر في ظهر أديس أبابا التي تسعى إلى نجاح مشروع السد باعتباره مشروعا تنمويا من جهة. وتعزيزا لنفوذها الإقليمي والقاري من جهة ثانية. وأمام هذا الاحتمال فيمكن للقاهرة أن تقدم هي أيضا مزيدا من الدعم لجنوب السودان من أجل أن تمثل محطة تهديد لأديس أبابا يجبرها على إبداء المرونة حيال المفاوضات الجارية بشأن سد النهضة وما يتعلق بالخلافات الفنية حول عدد سنوات ملء الخزان التي تريدها القاهرة من 7 إلى 10 سنوات بينما تريد أديس أبابا الانهاء من ملء الخزان الذي يبلغ 75 مليار م مكعب في 3 سنوات فقط وهو ما يهدد مصر بمجاعة كبرى. وبالتالي يمكن لجنوب السودان أن تلعب على حبال القاهرة وأديس أبابا في ذات الوقت لتحقيق مكاسب للنظام ؛ لكنها سياسة شديدة الخطورة ويمكن أن تفضي إلى صراع بالوكالة بين مصر وأثيوبيا على أرض جنوب السودان؛ خصوصا وأن المؤشرات تؤكد أن لكلا البلدين (مصر وأثيوبيا) رجالها بين كبار الجنرالات والضباط في جنوب السودان.

 

هل يمكن القيام بعمل عسكري؟

التسريبات الأخيرة بشأن إقامة قاعدة عسكرية مصرية بجنوب السودان بالقرب من الحدود الإثيوبية، ترتب عليها تصعيد إثيوبي؛ حيث هدد نائب رئيس هيئة الأركان الإثيوبي الجنرال برهانو جولا  الجانب المصري بتصريحات في صحيفة “أديس زمان” الأمهرية مؤكدا أن «بلاده ستدافع عن مصالحها حتى النهاية في سد النهضة». وأضاف العسكري الإثيوبي أن الحرب والانتصار في مشكلة سد النهضة ليس بامتلاك السلاح، وإنما “بمن يمتلك خبرة الحروب وفنياتها”. مشددا على أن “جميع مفاتيح النصر في أيدي الإثيوبيين، وأن على المصريين أن يعرفوا أنه لا يمكن تخويف إثيوبيا، وأنه مهما حدث لن تستطيع القوات المصرية أن تدخل الأراضي الإثيوبية وتتحكم في مياه النيل»، على حد تعبيره.([7])

ويرى عضو مفاوضات دول حوض النيل سابقا، وخبير القانون الدولي للمياه السوداني، الدكتور أحمد المفتي، أن “بدء ملء سد النهضة الإثيوبي يعني تصعيد الأزمة بنسبة 100%، حيث إن أديس أبابا بتلك الخطوة لا تترك أي خيار للسودان ومصر، إلا المواجهة أو الاستسلام، ولا توجد أي خيارات أخرى”. وبشأن فرص اللجوء للخيار العسكري، أضاف أن الخيار العسكري لم يكن سهلا منذ البداية، لكن عندما يمتلئ السد بالفعل سيصبح الأمر أكثر صعوبة، وأكثر خطورة، وأنه “بعد الملء الكامل للسد سوف تكون هناك خطورة كبيرة على السودان، وبالطبع ستأخذ مصر تلك الخطورة في الاعتبار حال لجوئها للخيار العسكري”.([8])

 

سيناريوهات العمل العسكري

إزاء ذلك، فإن مصر لا تملك خيارا  آخر إلا اللجوء لعمل عسكري لتدمير سد النهضة إذا ما بدأت أديس أبابا في حجز المياه؛ لأن ذلك يمثل عدوانا صارخا وتهديدا مباشرا للأمن القومي المصري. وبالتالي فإن سيناريوهات العمل العسكري يمكن أن تدور حول المسارات الآتية([9]):

الأول: دعم الجماعات الانفصالية المسلحة لشن هجمات بالوكالة على الحكومة و«سد النهضة». ولن يكون إيجاد مثل هذه الجماعات أمرًا صعبًا، فهناك أكثر من 12 جماعة مسلحة في إثيوبيا. بعضهم يعمل على قلب نظام الحكم، والآخر يهدف إلى إقامة دولة مستقلة. يبدو أن المخابرات المصرية قد حاولت استخدام هذا الخيار، إذ أعلنت إثيوبيا، في مارس الماضي، عن تصديها لهجوم مسلح استهدف «سد النهضة»، وقالت إن المسلحين ينتمون إلى «حركة 7 مايو» المعارضة والمحظورة. كما أعلنت أديس أبابا أيضًا، في أواخر يوليو الماضي، عن نجاح السودان في توقيف مجموعة مسلحة قالت إنها تحركت من إريتريا لاستهداف «سد النهضة». ورغم أن القاهرة لم تتهم مباشرة بالوقوف وراء هذه التحركات، إلا أن اتهامات غير رسمية وجهت إليها.

الثاني: التدخل العسكري المباشر. إما عبر توجيه ضربة عسكرية بالطائرات أو بصواريخ موجهة أو بعل كوماندوز وقوت خاصة. مع الوضع في الاعتبار التفوق الكاسح للقوات المسلحة المصرية التي تحتل المرتبة الـ9 عالميا في تصنيف الجيوش وفق تصنيف “جلوبال باور فاير”، بينما يحتل الجيش الأثيوبي المرتبة الــ41. والقوات العاملة بالجيش المصري تبلغ 454 ألفا وفي أثيوبيا 162 ألفا فقط. وميزانية الجيش المصري 4.4 مليار دولار والجيش الأثيوبي 340 مليون دولار فقط. لكن ثمة عقبات تحد من قدرة الجيش المصري على شن هجوم على أثيوبيا.

 

«6» عقبات أمام الخيار العسكري

عند اللجوء إلى الخيار العسكري، هناك معطيات وحقائق ستؤثر بشكل كبير على أي قرار مصري بهذا الشأن، منها ما يتعلق بالجغرافيا والسياسة، وما يتعلق أيضا بالقدرات العسكرية وتشابك العلاقات الإقليمية والمشاكل الداخلية لدى كل من مصر وإثيوبيا.([10])

أولا، من أبرز هذه المعوقات بُعد المسافة بين مصر وإثيوبيا التي تتجاوز 2500 كلم، وهو ما ينعكس بالتالي على اختيار الطريقة التي ستتم بها مهاجمة السد، فرغم تفوق مصر على إثيوبيا عسكريا كما ونوعا، فإن الطائرات المقاتلة التي تمتلكها مصر لا يمكنها الطيران كل هذه المسافة دون التزود بالوقود.

ثانيا، إذا تم حل مشكلة التزود بالوقود بتوفير طائرات لهذا الخصوص، فإن الطيران المصري عليه أن يجتاز الأجواء السودانية، وهي مشكلة ثانية، إذ لم يبلور السودان  حتى اليوم موقفا واضحا من الأزمة، فضلا عن أن الظروف السياسية الحالية في السودان ربما تجعل الخرطوم تفضل عدم التورط في مشكلة من هذا النوع مع جارتها إثيوبيا. كما أن القاهرة إذا خططت  لمهاجمة السد عبر قوات خاصة، فإنها أيضا ستحتاج إلى السودان. إضافة إلى ذلك فإن هناك عائقا آخر يتعلق بالحمولة المطلوبة لهدم السد. فنحن أمام مبنى خرساني عرضه 1800 متر، وارتفاعه 170 مترًا، وحجمه 10 مليارات متر مكعب من الخرسانة، لذا تحتاج مصر لاستخدام عشرات الأطنان من المتفجرات في حال أرادت التخلص من السد. وهو ما لا يتوافر لسلاح الجو المصري حاليا.

ثالثا، إذا اختارت مصر أن تمر مقاتلاتها المهاجمة للسد عبر دول أخرى من دول جوار إثيوبيا مثل إريتريا وجيبوتي والصومال، فإن ذلك أيضا سيواجه عوائق، أبرزها أن هذه الدول ربما تخشى رد الفعل الإثيوبي، فضلا عن أن أديس أبابا حسنت في الفترة الأخيرة علاقاتها بجيرانها سياسيا واقتصاديا.

رابعا، يبقى أن تستخدم مصر قواتها البحرية التي تعتبر الأكبر في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تمتلك غواصات ألمانية، وحاملتي طائرات مروحية فرنسية، وفرقاطة فرنسية، و4 فرقاطات أميركية. لكن بالنظر إلى أن إثيوبيا دولة حبيسة لا تطل على بحار أو محيطات، فلن تستطيع مصر مهاجمتها عبر البحر، غير أنه يمكنها استخدام هذا الأسطول لإرسال قوات ومعدات إلى إريتريا، وهو ما سبقت الإشارة إلى العوائق التي تصعّب حدوثه. أما استهداف مصر لـ«سد النهضة» بصواريخ من البحر، فهو أمر مستبعد، إذ لا تمتلك القاهرة – بحسب المعلومات المتاحة – أي طراز مُتقدم من صورايخ «كروز» بمقدرته الوصول إلى السد. فضلًا عن تدمير 10 مليارات متر مكعب من الخرسانة.

خامسا، عامل آخر سيحدد طبيعة الرد المصري، يتمثل في التوقيت الأنسب لضرب السد، وبحسب خبراء فإن ضربه بعد ملء خزانه ستكون له آثار كارثية على دول جوار إثيوبيا ومن بينها السودان الذي قد يتعرض للفيضان الناجم عن انهيار السد، الذي قد يصل إلى مصر، لذلك فإن الأنسب هو ضرب السد في مراحل بنائه الأخيرة وقبل ملء الخزان، بحيث تصبح إعادة بنائه شبه مستحيلة.

سادسا، يحد من قدرات مصر على توجيه ضربة عسكرية لأثيوبيا أن للأخيرة علاقات وتحالفات دولية وثيقة وهناك قوى كبرى مثل الصين وفرنسا تربطها علاقات وطيدة باديس أبابا، وربما يشكل توجيه مصر ضربة عسكرية لسد النهضة رد فعل غاضبا من هذه الدول. أضف إلى ذلك مشكلات مصر الداخلية، إذ تعاني من وضع اقتصادي بالغ البؤس، فضلا عن الوضع السياسي المأزوم  لنظام السيسي الذي ربما يستبعد فكرة الدخول في حرب قد تشكل تهديدا لبقائه، لا سيما إذا فشلت العملية أو لم تسفر عن حل للأزمة.

خلاصة الأمر، أن مصر مع بدء أثيوبيا حجز المياه من يوليو المقبل سوف تكون أمام عدة سيناريوهات:

الأول هو الاستسلام التام والإذعان للموقف الإثيوبي مع بعض المناوشات الإعلامية ومحاولات  تدويل القضية أمام مجلس الأمن وغيره من المؤسسات الدولية وهو ما أشار إليه سامح شكري مؤخرا، وهو عين ما تريد أثيوبيا لأن ذلك من شأن أن يفضي إلى تكريس السد والانتهاء منه ومن تخزين المياه حتى تتخذ هذه المؤسسات الدولية قرارا بهذا الشأن.

الثاني، هو القيام بعمل عسكري وقد ناقشنا صعوبات القيام بشن حرب مصرية على أثيوبيا وما يحد من قدرات القاهرة بهذا الشأن. إضافة إلى أن هذا السيناريو من شأنه أن يفاقم الأزمة على المدى المتوسط والطويل حتى وإن أفضي إلى حلها على الدى القصير، إما إذا فشل الخيار العسكري فإن ذلك سيعزز من الموقف الأثيوبي ويضعف كثيرا من الموقف المصري.

الثالث، هو التهديد الجدي بعمل عسكري والتحرك بهذا الشأن مع إعلام المؤسسات الدولية والحكومات الغربية بهذا الشأن بأن القاهرة لن تسكت على هذا العدوان الأثيوبي؛ وهذا من شأنه أن يدفع الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي نحو بلورة الطرح الأروبي الذي كان يهدف إلى تعويض أديس أبابا دوليا على أن تقبل بالشروط المصرية وعلى رأسها ملء بحيرة السد خلال 7 سنوات على أقل تقدير وليس 3 كما ترغب أديس أبابا. وهذا سيكون أفضل المتاح في ظل المعطيات الراهنة، بعد أن تسبب رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي في شرعنة بناء السد بالتوقيع على اتفاق المبادئ بالخرطوم في مارس 2015م،  وهو ما ألغى بمقتضاه اتفاقية 1993 بين مصر والقاهرة والتي تمنع إقامة سدود والمودعة بالأمم المتحدة والتي كانت تعزز الموقف المصري الذي أضعفه السيسي من أجل تأمين شرعيته بعد الانقلاب.

[1] جوبا تنفي مزاعم بسماحها بإنشاء قاعدة عسكرية مصرية على أراضيها/ الجزيرة نت 4 يونيو 2020// جنوب السودان تنفي إدعاءات سماحها بإنشاء قاعدة مصرية/ وكالة الأناضول 4 يونيو 2020

[2] جنوب السودان تنفي منح مصر قاعدة عسكرية قرب إثيوبيا/ الجزيرة مباشر  الأربعاء 3 يونيو 2020

 

[3] شاهد.. ضباط مصريون يدربون جنودا من جنوب السودان على حدود إثيوبيا/ الجزيرة نت 11 يونيو 2020// سرَّبه عنصر مخابرات.. بث فيديو لضباط مصريين يدربون جنوداً من جنوب السودان عند حدود إثيوبيا/ عربي بوست 12 يونيو 2020

[4] دولة جنوب السودان تنفي رسميا منح مصر قاعدة عسكرية/ عربي “21” الأربعاء، 03 يونيو 2020

[5] مصر تتفق مع جنوب السودان على تطوير العلاقات… سدّ النهضة في الخلفية؟/العربي الجديد 12 يونيو 2020

 

[6] نور الدين/جنوب السودان تمنح مصر قاعدة عسكرية بالقرب من سد النهضة/ موقع الدفاع العربي 2 يونيو، 2020// تلفزيون جوبا: مصر تبني قاعدة عسكرية في جنوب السودان/ شبكة رصد الأربعاء، 3 يونيو 2020

[7] الجيش الإثيوبي لمصر: نملك خبرة الحروب وجميع مفاتيح النصر في أيدينا/ الجزيرة نت الجمعة 12 يونيو 2020

[8] طه العيسوي/ “سد النهضة”.. خبير سوداني: الخيار العسكري بات أكثر خطورة/ “عربي 21” الأربعاء، 03 يونيو 2020

[9] سيناريوهات التدخل العسكري لحل أزمة سد النهضة/ إضاءات 2 يونيو 2020

[10] بعد التحذير الإثيوبي.. هل تستخدم مصر القوة للدفاع عن “شريان الحياة”؟/ الجزيرة نت 23 أكتوبر 2019

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022