أعلن السيسي في 6 يونيه الجاري، عن مبادرة جديدة تحت اسم “إعلان القاهرة” لحل الأزمة الليبية، وذلك بحضور كل من المنقلب خليفة حفتر ورئيس مجلس النواب في طبرق عقيلة صالح، وقد أثارت تلك المبادرة العديد من التساؤلات حول: دوافعها وإمكانات نجاحها، وإمكانية أن تكون تلك المبادرة مقدمة للتدخل العسكري المصري في ليبيا.
أولًا: بنود المبادرة:
تتمثل أبرز بنود المبادرة في:
– وقف إطلاق النار اعتبارًا من يوم 8/6/2020.
– الارتكاز على مخرجات قمة “برلين”، واستكمال أعمال مسار اللجنة العسكرية (5 + 5) بـ “جنيف” برعاية الأمم المتحدة، وبما يترتب عليه إنجاح باقي المسارات (السياسية، والأمنية، والاقتصادية).
– إخراج المرتزقة الأجانب من كافة الأراضي الليبية، وتفكيك المليشيات وتسليم أسلحتها للجيش الوطني الليبي.
– قيام كل من الأقاليم الليبية الثلاثة (المنطقة الشرقية – المنطقة الغربية – المنطقة الجنوبية) باختيار أعضائها لمجلسي النواب والدولة، سواء بالتوافق أو الانتخاب، على أن يتم ذلك تحت رعاية الأمم المتحدة، وخلال مدة لا تتجاوز 90 يومًا.
– اختيار كل إقليم ممثله للمجلس الرئاسي؛ بهدف تشكيل مجلس رئاسة من رئيس ونائبين، بجانب حصول كل إقليم على عدد متناسب من الحقائب الوزارية، على ألا يجمع أي إقليم أكثر من رئاسة للسلطات الثلاث (المجلس الرئاسي – مجلس النواب – مجلس الوزراء)؛ بحيث يحصل إقليم طرابلس على 9 وزارات، وإقليم برقة على 7 وزارات، وإقليم فزان على 5 وزارات، على أن يتم تقسيم الـ 6 وزارات السيادية على الأقاليم الثلاثة بشكل متساو (وزارتين لكل إقليم)، مع تعيين نائبين لكل وزير من الإقليمين الآخرين.
– قيام مجلس النواب الليبي برئاسة عقيلة صالح بالعمل على تعديل الإعلان الدستوري، وذلك عقب تشكيل لجنة تضم ممثلي أعضاء مجلسي النواب والدولة، وبعد الاتفاق على النقاط الواجب تعديلها في الإعلان الدستوري في مدة لا تتجاوز 30 يومًا، بدءًا من تاريخ انعقاد أول جلسة.
– تحديد المدة الزمنية للفترة الانتقالية بـ 18 شهرًا قابلة للزيادة، بحد أقصى 6 أشهر، يتم خلالها إعادة تنظيم كافة مؤسسات الدولة الليبية، خاصة المؤسسات الاقتصادية الرئيسة (المصرف المركزي – المؤسسة الوطنية للنفط – المؤسسة الليبية للاستثمار)، وتنتهي المرحلة الانتقالية بتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية[1].
ثانيًا: دوافع المبادرة:
يمكن الإشارة إلى مجموعة من الدوافع التي تقف خلف إطلاق تلك المبادرة، منها:
1- وقف انتصارات حكومة الوفاق: فقد نجحت حكومة الوفاق في بسط سيطرتها على جميع المعسكرات في جنوب طرابلس التي كانت بحوزة قوات المشير خليفة حفتر، وذلك بعد سيطرتها على مطار طرابلس الدولي، ثم مدينة ترهونة، وأخيرًا مطار بني وليد في 5 يونيه الحالي. هذه الانتصارات لصالح الوفاق ليست إلا حلقة مكملة في سلسلة المكاسب التي حققتها على مدى الشهرين الأخيرين، بداية من سيطرتها على الشريط الساحلي الممتد إلى الحدود مع تونس، ثم قاعدة الوِطْيَة الجوية، وما تبعها من بلدات.
ويبدو أن حكومة الوفاق لا ترغب في التوقف عند هذا الحد، فيبدو أنها تسعى إلى السيطرة على منطقة “سرت” وقاعدة “الجفرة”، وهو ما يمكن تلمسه في تصريحات رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فايز السراج، بعد لقاء مع الرئيس رجب طيب أردوغان في أنقرة، 4 يونيه الجاري، بأن قواته “عازمة على استعادة ليبيا كاملة”.
ويمكن تلمس ذلك أيضًا، في الزيارة التي قام بها نائب رئيس المجلس الرئاسي أحمد معيتيق إلى موسكو، حيث التقى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ورغم عدم تسرب تفاصيل كثيرة، إلا أنه من المحتمل أن تكون المباحثات شملت التفاوض على إطلاق الروسيين المعتقلين لدى حكومة الوفاق، والمتهمين بمحاولة التأثير على الحياة السياسية، وربما شمل التفاوض أيضًا رهائن من شركة فاغنر، لم تعلن الوفاق عنهم، ويبدو أنه ستحصل تطورات في الملف كما ألمح معيتيق، لكن ذلك لن يكون بلا مقابل[2]. وربما يكون هذا المقابل هو سماح روسيا لحكومة الوفاق بالسيطرة على منطقة سرت، وقاعدة الجفرة الجوية، التي تشهد تمركز المرتزقة والطائرات الروسية.
2- رأب الصدع بين حفتر وصالح: فالمبادرة عملت على المصالحة بين حفتر ورئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح، خاصة بعد الخلافات التي ظهرت بينهما مؤخرًا، عقب إعلان حفتر إلغاء اتفاق الصخيرات، وتنصيب نفسه رئيسًا للبلاد، وهي الخطوة التي تم تفسيرها على أنها تأتي لقطع الطريق على المبادرة السياسية التي أطلقها عقيلة صالح في نهاية أبريل الماضي؛ بل واعتبارها بمثابة انقلاب من قبل حفتر على مجلس النواب الذي يقوده صالح.
وبالتالي، فقد جاء إعلان السيسي للمبادرة بوجود الرجلين؛ للتأكيد على أن الخلافات بين حفتر وعقيلة صالح قد تم حلها، فضلًا عن محاولة إعادة تدوير مبادرة صالح الأخيرة (خاصة وأن المبادرة المصرية متطابقة تمامًا مع المبادرة التي أطلقها صالح)، وأخيرًا محاولة فرض وإعادة حفتر للمشهد السياسي[3].
3- الحفاظ على الدور المصري في الملف الليبي: حيث تسعى مصر من خلف مبادرتها إلى منع تركيا من تحقيق مزيد من المكاسب في الملف الليبي، وذلك عبر طريقتين؛ الأولى: جعل هذه المبادرة أساسًا لأي حل سياسي للأزمة الليبية، بما يتوافق مع الرؤية المصرية.
الطريقة الثانية: ربما تمهد مصر بهذه المبادرة للتدخل العسكري، ففي حالة رفض حكومة الوفاق وتركيا لهذه المبادرة، فإن مصر قد تجد في ذلك مبررًا لتدخلها العسكري في ليبيا؛ بدعوى أنها مضطرة للتدخل عسكريًّا للحفاظ على أمنها القومي، بعد أن فشلت الحلول السياسية في تحقيق ذلك[4].
ثالثًا: إمكانات نجاح المبادرة:
هناك مجموعة من المؤشرات على إمكانية نجاح تلك المبادرة، منها:
1- أنها تتوافق مع الدعوات الدولية التي ظهرت مؤخرًا لوقف القتال في ليبيا، ومن تلك الدعوات إعلان بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، في 2 يونيه الجاري، قبول حكومة الوفاق ومليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر استئناف مباحثات وقف إطلاق النار والترتيبات الأمنية المرتبطة بها.
وكذلك، تنديد المتحدث باسم أمين عام الأمم المتحدة، ستيفان دوغاريك، في 1 يونيه الجاري، باستمرار تدفق السلاح والمرتزقة على ليبيا “برًّا وبحرًا وجوًّا”، وتجديده الدعوة إلى الوقف الفوري للقتال، والتفرغ لمواجهة فيروس كورونا[5].
فضلًا عن التحركات الدبلوماسية من قبل طرفي الصراع الليبي؛ تمهيدًا لعودة المسار السياسي، والمتمثلة في زيارة رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج لأنقرة، وزيارة أحمد معيتيق، نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي رفقة وزير خارجيته محمد الطاهر سيالة، إلى العاصمة الروسية موسكو، ولقائهما بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. وأخيرًا، لقاء معيتيق مع السفير الأمريكي ريتشار نورلاند. وعلى الجانب الآخر، فقد زار كل من حفتر وعقيلة صالح القاهرة[6]، وهي الزيارة التي شهدت الإعلان عن “مبادرة القاهرة لحل الأزمة الليبية”.
2- رغم أن هناك من يعارض وقف إطلاق النار من قبل حكومة الوفاق؛ بحجة أن ذلك سيكسر سلسلة انتصارات الجيش الليبي على مليشيات حفتر بالمنطقة الغربية، ويسمح لها بإعادة تعزيز عناصرها على جبهات القتال، إلا أن حكومة الوفاق قد وضعت شرطًا ذكيًّا، يتمثل في عودة هذه المليشيات إلى النقاط التي انطلقت منها في 4 أبريل 2019.
وكان هذا الشرط مرفوضًا بشكل مطلق بالنسبة لمليشيات حفتر، قبل نحو شهرين؛ لكنه أصبح منطقيًّا الآن بعد أن استعادت القوات الحكومية معظم ما خسرته قبل 14 شهرًا. كما أن وقف إطلاق النار بالتزامن مع انتصارت القوات الحكومية خاصة بعد تحرير العاصمة، يجعلها تفاوض من موقع قوة، وبإمكانها أن تأخذ بالمفاوضات ما استعصى عليها بالحرب[7].
3- أن تلك المبادرة تأتي من قبل أحد أكبر داعمي حفتر وهي مصر، ما يعني تخليها عن تقديم مزيد من الدعم العسكري لحفتر؛ بل وإجباره على العودة للمسار السياسي، والتزامه بتنفيذ ما ستسفر عنه المفاوضات السياسية فيما بعد.
إلا أن هناك مجموعة من العوامل التي قد تتسبب في إفشال تلك المبادرة، منها:
1- تجاهل المبادرة لاتفاق الصخيرات، فالمبادرة لم تشر إلى اتفاق “الصخيرات” الموقع في ديسمبر 2015، رغم تطرقها إلى الاتفاقيات الدولية المنعقدة في برلين وروما وأبو ظبي. وربما يكون ذلك محاولة من قبل مصر لحفظ ماء وجه حفتر بعد انقلابه على الاتفاق نفسه نهاية شهر أبريل الماضي.
إلا أنه من غير المتوقع أن يوافق الطرف الآخر على إلغاء اتفاق الصخيرات، وهو ما ظهر في تعليق رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري على المبادرة المصرية، قائلا: “لا يمكن الاعتراف بأي مبادرة لا تستند إلى الاتفاق السياسي (اتفاق الصخيرات)”، معربًا عن رفضه للتدخل المصري بكل ما يهم الليبيين؛ “لأننا دولة ذات سيادة”، على حد قوله[8].
2- أن تلك المبادرة تأتي في ظل وجود طرف واحد (حفتر وعقيلة صالح)، في حين لم يحضر أي ممثل لحكومة الوفاق. فضلًا عن أنها مبادرة صادرة عن طرف غير محايد (مصر)، فالقاهرة أحد الأطراف المتهمة بتقديم الدعم العسكري لحفتر في حملته العسكرية على طرابلس.
3- أن المبادرة تأتي من جانب الطرف المهزوم، فالمبادرة تأتي من قبل حفتر وداعميه عقب هزيمتهم الكبيرة في المنطقة الغربية. وعليه، فمن غير المتوقع أن يستجيب الطرف المنتصر (حكومة الوفاق) لهذه المبادرة، خاصة وأن المبادرة تسعى إلى تحقيق ما فشلت في تحقيقه حروب حفتر العسكرية، مثل مطالبتها لحكومة الوفاق بتسليم سلاحها لحفتر.
وفي إشارة من قبل حكومة الوفاق لعدم الالتفات إلى المبادرة المصرية، فقد أطلقت الحكومة بالتزامن مع إعلان المبادرة عملية عسكرية تحت اسم “دروب النصر”؛ لتحرير مدن وبلدات شرق ووسط البلاد، وفي مقدمتها سرت والجفرة، من مليشيا اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
4- انقلاب حفتر على المبادرات السابقة، فتجربة خليفة حفتر مع المبادرات السياسية ليست مشجعة على الإطلاق؛ فقد أحبط في السابق أكثر من محاولة متقدمة من قبل الروس -حلفائه ظاهريًّا- لحل الأزمة الليبية يوم غادر اجتماعات موسكو للتسوية الليبية، وعاد إلى ليبيا، بعد جولة إقليمية؛ ليجدد مغامرته العسكرية، وهو ما كرره بعد مؤتمر برلين، الذي اعتبر المحاولة الدولية الأكثر جدية لتحقيق السلام في ليبيا[9].
5- الرفض الجزائري للمبادرة؛ فمنذ أول بيان صدر عن الخارجية الجزائرية حول المبادرة المصرية، بدا واضحًا أن الموقف الرسمي الجزائري ينظر بعين الريبة إلى هذه الخطوة. وورد التعليق الجزائري على ما أعلنته مصر، بصيغة “أخذنا علمًا” التي تعني في العرف الدبلوماسي التفاجؤ المغلف بالتجاهل.
ولاحقًا، كشف تعاطي الإعلام الحكومي الجزائري، الذي يعبر عن الموقف الرسمي خاصة في القضايا الخارجية، عن رفض شديد للمبادرة المصرية، بلغة اتهامية غير مسبوقة ضد الرئيس عبد الفتاح السيسي.
واعتبرت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، في تحليل نشرته على موقعها أن الرئيس عبد الفتاح السيسي يقوم بمناورة مفضوحة؛ لإنقاذ حليفه الجنرال المتقاعد خليفة حفتر بعد هزائمه الأخيرة في ليبيا. وأوضحت الوكالة -التي استندت لآراء عدد من أساتذة العلوم السياسية الجزائريين- أن المبادرة المصرية جاءت “مناقضة” للاتفاق السياسي الموقع بين الأطراف الليبية في 2015 برعاية الأمم المتحدة[10].
6- الرفض التركي للمبادرة، ففي تعليقه على المبادرة المصرية، أكد وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، على أنها “ولدت ميتة”، لافتًا إلى أن حفتر هرب من توقيع وقف إطلاق النار في موسكو وبرلين.
وأشار إلى أن الدعوة لوقف إطلاق النار، جاءت بعد الانتصارات التي حققتها حكومة الوفاق الليبية مؤخرًا، والخسائر التي تكبدها حفتر، مؤكدًا أنها دعوة غير صادقة، ولا يمكن الوثوق بها. وأضاف، أنه إذا توجب إبرام اتفاق وقف إطلاق النار، فمنصات ذلك في موسكو أو برلين؛ حيث اجتمع فيهما جميع الأطراف، وكان ينبغي التوصل لاتفاق دائم بين الجانبين، لكن حفتر رفض ذلك. وأوضح أن “مبادرة القاهرة”، غابت عنها حكومة الوفاق الليبية، والأطراف الدولية الأخرى، والغرض منها إنقاذ حفتر[11].
رابعًا: هل تتدخل مصر عسكريًّا في ليبيا؟:
ظهرت خلال الأيام الماضية مجموعة من المؤشرات على استعداد الجيش المصرى للتدخل عسكريًّا في ليبيا، منها:
– ما نشره موقع “ديفينس بلوغ” المعني بالشؤون الأمنية، بأن القوات المسلحة المصرية نشرت دبابات أبرامز القتالية على الحدود مع ليبيا. وقد نشر الصحفي ومحلل الطيران العسكري باباك تغافي على حسابه في تويتر مقطع فيديو، يظهر ما قال إنها قافلة عسكرية مصرية مع 18 دبابة قتال رئيسة من طراز M1A2 أبرامز، بالقرب من الحدود مع ليبيا، وأنها تستعد لدخول البلاد؛ لاستخدامها ضد المليشيات الإسلامية المدعومة من تركيا والمرتزقة السوريين.
– دعوة الأكاديمي والسياسي المقرب من الحكومة الإماراتية عبد الخالق عبد الله الجيش المصري للتدخل، والرد على التدخل العسكري التركي، “وردع أردوغان”. بعد أن أصبحت طرابلس أول عاصمة عربية تقع تحت “الاحتلال التركي”، والرهان على الجيش المصري الذي هو ضمن أقوى 10 جيوش في العالم[12].
– اجتماع مجلس الأمن القومي المصري برئاسة عبد الفتاح السيسي، في 9 يونيه الحالي؛ لمناقشة التطورات الخاصة بسد النهضة والوضع الليبي[13].
– زيارة الفريق محمد فريد رئيس أركان حرب القوات المسلحة للمنطقة الغربية العسكرية (المتأخمة مع الحدود الليبية)، في 10 يونيه الجاري. وتأكيده على “أن القوات المسلحة المصرية في أعلى درجات الجاهزية والاستعداد القتالي؛ لمواجهة كافة المخاطر والتحديات، وصون مقدساته، وتأمين حدوده على كافة الاتجاهات الإستراتيجية”. مشيرًا إلى أن “القوات المسلحة تزداد يومًا بعد يوم قوة في ظل ما تمتلكه من أحدث الأسلحة والمعدات البرية والبحرية والجوية”[14].
إلا أنه من غير المتوقع أن تتدخل القاهرة عسكريًّا في ليبيا خلال الفترة الراهنة، وذلك في ظل مجموعة من العوامل، منها:
1- أن القاهرة على يقين من أن جيشها غير مستعد للدخول في حرب عصابات؛ فإذا كانت حربها على الإرهابيين في سيناء استغرقت كل هذا الوقت، فكم يمكن أن تستغرق مواجهة هؤلاء في ليبيا، وخاصة أن هناك حدودًا برية وبحرية مفتوحة.
2- أن هناك شعورًا راسخًا لدى دوائر رسمية بالتآمر لجر مصر إلى مستنقع ليبيا، وقد يكون الدخول ممهدًا، غير أن الخروج غير مضمون.
3- يضاف إلى ذلك أن ليبيا منطقة نفوذ لقوى دولية تقليدية لن تسمح بأن يؤدي أي تدخل مصري إلى انتصار رؤية القاهرة السياسية التي تميل إلى دعم الجيوش النظامية ودحر القوى الإسلامية في شمال أفريقيا، ما يعني أن تدخلها مرجح أن تعقبه تحرشات واسعة، ربما تخلق لها موقفًا يصعب علاجه مع دول الجوار.
4- أن الطيران المصري لن يكون حاسمًا بمفرده، ما يتطلب الدفع بوحدات كبيرة من المشاة. ومن هنا تأتي الخطورة؛ حيث يسقط الكثير من الضحايا.
5- إدراك القاهرة أن ليبيا لها خصوصية في حسابات بعض القوى، التي من مصلحتها صد الطموحات التركية عند حد معين. وإذا كانوا قد سمحوا بالتوغل التركي وصمتوا على ذلك، فعليهم مواجهةُ طموحات أردوغان، الذي يهدد مصالحهم الاقتصادية، وتحمّلُ تكاليف رؤاهم وحدهم.
6- ترى دوائر عسكرية في مصر أن الوجود التركي في ليبيا هو تهديد للنظام الحاكم في مصر، بينما يتعلق التهديد المتوقع من إثيوبيا، بسبب بناء سد النهضة، بمصير الدولة المصرية، وهو أولى بالاستعداد للتعامل معه، وأي تدخل عسكري في ليبيا حاليًّا سيفتح الطريق لإثيوبيا لتنفيذ مشروعها دون اكتراث، وتشجيع دول حوض النيل على تكرار تجربتها[15].
وبناءً على ما سبق؛ يمكن الإشارة إلى ثلاثة سيناريوهات للتدخل العسكري المصري في ليبيا:
الأول: بقاء الوضع الميداني على ما هو عليه؛ بحيث تظل قوات الوفاق في مواقعها ما قبل مدينة سرت. في هذه الحالة فإن الجيش المصري لن يتدخل. ويتوقف هذا السيناريو على الموقف الدولي، ومدى رغبته في الدفع نحو تسكين الأوضاع، مع قدرة موسكو على الثبات بجانب حفتر.
الثاني: أن تسيطر قوات الوفاق على سرت وتتوقف عند هذا الحد، وهذا هو الحد الأقصى الذي ترغب الوفاق في الذهاب إليه حسب ما أعلنته مؤخرًا. أي أنه وفق ما هو معلن من قبلهم فإنهم لن يذهبوا بعيدا نحو الهلال النفطي. في هذه الحالة مرجح دخول الجيش المصري، ليس للمواجهة، وإنما للردع، استنادًا لفرضية بقاء الوفاق في سرت دون أن تنتقل نحو الهلال النفطي. وأن الخطوط الحمراء المصرية هي دخول الوفاق للهلال النفطي والشرق الليبي.
الثالث: أن تسيطر الوفاق على سرت، وتنتقل نحو الهلال النفطي، حينها فإن الجيش المصري لن يتدخل ليس لمجرد الردع وإنما للمواجهة. وهو السيناريو الوحيد الذي يمكن فيه لمصر أن تدخل بشكل مباشر في المعركة.
وهو أضعف السيناريوهات ترجيحًا، بمعنى أننا لن نشهد تدخلًا مصريًّا مباشرًا في المعارك. لكن هناك ثمنًا ستدفعه مصر، وهو أنه مع تعاظم الدور الروسي من خلال معارك سرت، سيصبح لها الكلمة العليا كداعم لحفتر في مواجهة تركيا كداعم للوفاق، وحينها تتكرر ثنائية الأزمة السورية. (أردوغان – بوتين) في أحد أهم مناطق العمق الإستراتيجي لمصر. أي أن الدور المصري حتى في عمقه الإستراتيجي سيتراجع لصالح روسيا[16].
[1] “أبرز بنود مبادرة “إعلان القاهرة” بشأن ليبيا”، المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية، 6/6/2020، الرابط:
[2] “ليبيا: «الوفاق» تُطبق على الغرب: رهانات الحرب والسلم”، الأخبار، 6/6/2020، الرابط:
[3] “مبادرة السيسي للحل بليبيا .. ما أهدافها وفرص قبولها؟”، عربي 21، 6/6/2020، الرابط:
[4] “هل سيكون “إعلان القاهرة” خريطة الطّريق التي ستُودّي إلى حل الأزمة الليبيّة؟ .. وماذا لو رفضها السراج بطلبٍ من أردوغان؟ وما هي خِيارات الرئيس السيسي في هذه الحالة؟ ولماذا غابت الإمارات عن اجتِماع قصر الاتحاديّة؟ وهل سيكون عقيلة صالح ملك ليبيا الجُمهوري القادم؟”، رأي اليوم، 7/6/2020، الرابط:
[5] “البعثة الأممية في ليبيا: قبول الأطراف استئناف مباحثات وقف إطلاق النار”، العربي الجديد، 2/6/2020، الرابط:
[6] “هل مازالت هناك فرص للسلام في ليبيا؟ (تحليل)”، الأناضول، 5/6/2020، الرابط:
[7] المرجع السابق.
[8] “لماذا تجاهلت مبادرة مصر اتفاق “الصخيرات” لحل أزمة ليبيا؟”، عربي 21، 6/6/2020، الرابط:
[9] “ليبيا .. “مبادرات” معلقة على صراع المصالح الكبرى”، 180 بوست، 7/6/2020، الرابط:
[10] “ما السرّ وراء تجاهل الجزائر لمبادرة السيسي في ليبيا؟”، عربي 21، 11/6/2020، الرابط: https://bit.ly/2B1xhH7
[11] “أنقرة: مبادرة مصر ولدت ميتة .. وتقارب مع واشنطن بشأن ليبيا”، عربي 21، 10/6/2020، الرابط: https://bit.ly/2BXo1Vj
[12] “بعد نقل الدبابات والمروحيات إلى الحدود .. هل تستعد مصر للتدخل عسكريًّا في ليبيا؟”، الحرة، 8/6/2020، الرابط: https://arbne.ws/2XQ4UVC
[13] “الرئيس السيسي يترأس اجتماع مجلس الأمن القومي لمناقشة الوضع الليبي وملف سد النهضة”، بوابة الأهرام، 9/6/2020، الرابط: https://bit.ly/3het8Ai
[14] “رئيس الأركان من المنطقة الغربية: القوات المسلحة في أعلى درجات الجاهزية والاستعداد القتالي”، اليوم السابع، 10/6/2020، الرابط: https://bit.ly/3dSnulh
[15] “مخاوف مصر الإقليمية تعرقل تدخلها العسكري في ليبيا”، العرب، 6/6/2020، الرابط: https://bit.ly/3f9ot0Y
[16] طارق دياب، “وضع المعارك في ليبيا الآن ومستقبلها”، الصفحة الشخصية على الفيسبوك، 8/6/2020، الرابط: https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=2682310342004188&id=100006757441657