المشهد السياسى عن الفترة من 27 يونيو إلى 3 يوليو 2020

أولا : المشهد المصري

  • على الصعيد الوطني:
  • 30 يونيو في مخيال السيسي: ثورة النظام في مواجهة الشعب:

احتفل النظام المصري منذ أيام بالذكرى السابعة لأحداث الثالث من يوليو 2013، والتي وصفها الخسيس المصري في كلمته بـ “ثورة 30 يونيو المجيدة”، مضيفًا أن “الموضوع ماعملوش حد لوحده، ده إحنا عملناه كلنا مع بعض، ومش هاينجح إلا لما نفضل كلنا مع بعض”، مؤكدًا أن ثورة يونيو كانت تستهدف “الحفاظ على هوية الوطن ضد محاولات البعض المستميتة لطمس الهوية الوطنية”. وعن دور المؤسسة العسكرية في مشهد يوليو 2013، قال السيسي: “كانت القوات المسلحة تتابع وتراقب مطالب جماهير هذا الشعب، حيث انحازت إلى الإرادة الوطنية الحرة، وباعتبارها ملاذ الشعب الآمن، واتخذت قرارها التاريخي بمشاركة مختلف القوى والتيارات السياسية بوضع خارطة مستقبل”. وعن القوى المناهضة لما حدث في الثالث من يوليو 2013، وفي القلب منهم جماعة الإخوان، يقول السيسي في كلمته: “كنا ندرك منذ اللحظة الأولى لثورة 30 يونيو المجيدة، أننا سنخوض مواجهات عنيفة مع تنظيم إرهابي دولي غادر، لا يعرف قدسية الأرواح وحرمة الدماء، ومن هنا كان خطر الإرهاب على رأس ما نواجهه من تحديات على مدار السنوات الماضية”. ويصف “السيسي” ما حدث خلال السنوات الماضية، بعد أحداث الثالث من يوليو، وسنوات حكمه، بأنه لم يكن مجرد انتفاضة شعبية ضد نظام حكم، وإنما كان تغييرًا لمسار أمة. أما ملامح هذا التغيير -كما جاءت في الكلمة- فهو الإصلاحات الاقتصادية؛ بهدف إعادة بناء الاقتصاد الوطني[1].

هناك ملامح أساسية لكلمة السيسي في ذكرى أحداث يوليو 2013، أبرزها: (1) الإشارة إلى تظاهرات اليوم الواحد في 30 يونيو بأنها الثورة المجيدة، مع تجاهل ما حدث في الثالث من يوليو  2013؛ حيث إعلان خارطة الطريق التي تم بموجبها عزل الرئيس مرسي، وتعطيل العمل بالدستور، وتعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيسًا انتقاليًّا للبلاد[2]، رغم أنه الأهم فيما جرى، وليست تظاهرات الـ 24 ساعة فقط، وهو مفهوم باعتبار تظاهرات 30 يونيو هي المشهد الوحيد الذي يشرعن ما حدث في الثالث من يوليو 2013، وإلا لكان ما حدث عاريًا تمامًا من أية شرعية، وبات انقلابًا عسكريًّا سافرًا. ولعل تظاهرات اليوم الواحد هي السبب وراء الخلاف غير المعتبر حول ما حدث؛ بين من يراه انقلابًا عسكريًّا مكتمل الاركان، في مقابل من يراه ثورة شعبية انقلب عليها العسكريون في وقت لاحق. (2) يصرح السيسي بأن ما حدث في 30 يونيو ثورة؛ بهدف الحفاظ على هوية الوطن ضد محاولات طمسها، وهو توصيف يدين ما حدث في الحقيقة، ويظهر الطبيعة المحافظة و”الماضوية” للقوى الداعمة لما حدث، فالثورة في حقيقتها محاولة شعبية لتغيير الواقع للأفضل، وليست أبدًا محاولة لعرقلة التغيير بدعوى الحفاظ  على الهوية، إلا إذا كانت ثورة مضادة. ولا ننسى بالطبع أن ما يطرحه السيسي هو تصور السلطة الحاكمة لما حدث، وليس معبرًا عن كثيرين شاركوا في الثلاثين من يونيو بدعوى حماية البلاد من الفاشية الدينية، وهي بالطبع بدورها تصورات ساذجة وغير ديمقراطية. (3) أشار السيسي في كلمته للدور الذي لعبته المؤسسة العسكرية في الأحداث باعتبارها “ملاذ الشعب الآمن”، واليد الحانية على المصريين البسطاء، وليست مجرد مؤسسة وظيفتها حماية البلاد من الأعداء الخارجيين. نشير هنا إلى أن هذا الوصف لموقف العسكريين مما حدث، يختلف عن موقف العسكريين الفعلي إبان وقوع الأحداث؛ حيث كان هناك حرص في المؤسسة العسكرية ولدى ممثليها، على إبداء الحياد بين أطراف الصراع السياسي في مصر في هذا التوقيت. (4) يصف السيسي في كلمته الإخوان المسلمين المناهضين لتظاهرات اليوم الواحد في 30 يونيو بأنهم تنظيم إرهابي دولي غادر، لا يعرف قدسية الأرواح وحرمة الدماء، في تشويه متعمد، ومحاولة لصنع عدو متوهم في معركة وهمية، تحمي النظام الحاكم من المساءلة أمام الشعب عن سنوات حكمه.

  • التطوير على طريقة الشرطة المصرية:

أعلنت وزارة الداخلية المصرية، خلال الأسبوع الماضي، عما سمّته خطة تطوير أقسام الشرطة، وحددت أربع محافظات، هي القاهرة والجيزة والإسكندرية وجنوب سيناء لهذه الخطة، مشيرة إلى أنّ التطوير سيشمل جميع أقسام الشرطة على مستوى الجمهورية في المستقبل، وأنه يأتي بالتزامن مع ذكرى 30 يونيو السابعة[3].

وقد رأى كثيرون أن هذا التطوير هو مجرد تزييف ظاهري للطبيعة البشعة وغير الإنسانية لجهاز الشرطة في مصر؛ فمن جهة انتهاك مستمر وممنهج لحقوق المواطنين، ومن جهة حماية للنظام مهما وصلت درجة استبداده وفساد المسؤولين فيه، وأخيرًا تكريس للعلاقة العدائية المتبادلة بين الشرطة والمواطنين.

وقد رصدت تقارير حقوقية الكثير من صور الانتهاك التي ترتكبها الشرطة في مصر بحق المواطنين؛ فقد أكد تقرير صادر عن “المجلس القومي لحقوق الإنسان” عام 2016، أن الانتهاكات التي تمارَس ضد المحتجزين في مراكز الاحتجاز، أدت إلى وفاة عشرات الموجودين رهن التحقيق في هذه المراكز وأقسام الشرطة، موضحًا أنّ وزارة الداخلية نفسها أعلنت في 24 نوفمبر عام 2014، أنّ عدد الضحايا هو 36، إلا أنّ أرقام جمعيات حقوق الإنسان رجّحت أنّ الرقم ما بين 80 و98. كما وثّقت “التنسيقية المصرية للحقوق والحريات” خلال عام 2016، 830 حالة تعذيب، من بينها 159 واقعة تعذيب في أقسام الشرطة، و101 حالة تعذيب في مقر جهاز أمن الدولة، الذي تديره وزارة الداخلية، إضافة إلى 35 واقعة بمعسكرات قوات الأمن، و6 وقائع في المؤسسات العقابية. بينما منظمة “العفو الدولية” قد وصفت في أغسطس 2019 التعذيب في مصر “بالكابوس”، الذي تتنوع وسائله ما بين التعذيب الجسدي بشكل مباشر، مثل: الضرب والصعق بالكهرباء والتعليق من اليدين أو القدمين، أو بشكل غير مباشر، مثل: الحرمان من تناول الطعام، أو من النوم، أو من الزيارة، أو الحبس الانفرادي لفترات طويلة، أو التهديد بخطف وتعذيب أفراد الأسرة[4].

جدير بالذكر أن توسع النشاط القمعي للشرطة المصرية يتواكب مع زيادة مضطردة في ميزانيتها؛ زادت ميزانيتها من أموال المصريين هذا العام حوالي 8 مليارات جنيه عن العام الماضي؛ إذ وافق البرلمان أخيرًا على موازنة وزارة الداخلية والقطاعات التابعة لها للعام المالي الجديد 2020/ 2021، والتي بلغت 59.8 مليار جنيه، مقابل 51.5 مليار جنيه في موازنة العام 2019/ 2020، بينما خصص للشرطة المصرية وفق موازنة “مصلحة الأمن والشرطة” مبلغ 36 مليار جنيه.

 

  • أخبار كورونا في مصر:

ألغت الحكومة المصرية -تقريبًا- الإجراءات الاحترازية الضعيفة التي كانت متخذة؛ بهدف الحيلولة دون تفشي وباء كورونا، وبات رهانها عمليًّا على التزام المواطنين بشكل ذاتي بمسألة التباعد الاجتماعي، وارتداء الكمامة في الأماكن العامة، وهي الإستراتيجية المعروفة بـ “مناعة القطيع”. خلال الفترة القادمة سيكون الرهان على تشافي الناس ذاتيًّا، مع عجز المنظومة الصحية عن استيعاب المزيد من الحالات المصابة.

أعلنت وزارة الصحة والسكان الجمعة 3 يوليو 2020، ارتفاع أعداد إجمالي المتعافين من الفيروس إلى 19690 حالة، وتسجيل 1412 حالات جديدة، ثبتت إيجابية تحاليلها معمليًّا للفيروس الجمعة 3 يوليو 2020، مع تسجيل 81 حالة وفاة جديدة بالفيروس. أما عن الأعداد الإجمالية في مصر، فهي: إجمالي عدد الإصابات الذي تم تسجيله في مصر بفيروس كورونا المستجد حتى اليوم الجمعة، هو 72711 حالة، من ضمنهم 19690 حالة تم شفاؤها، و 3201 حالة وفاة[5].

 

 

ثانيا : المشهد الخارجى

  • فرنسا
  • تغيير وزاري في فرنسا: ماذا يريد ماكرون؟:

مازالت أصداء تظاهرات السترات الصفراء تلوح في أفق السياسة في باريس، فقد استبدل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رئيس وزرائه إدوار فيليب، بشخصية جديدة على الوسط السياسي الأعلى، وهو اليميني جان كاستيكس.

تساؤلات عديدة دارت حول أسباب هذا التغيير الذي قام به ماكرون، وهل بالفعل هناك تأثير للسترات الصفراء أم أن هناك أسبابًا أخرى دفعت ماكرون لذلك؟

في البداية، عمل كاستيكس البالغ من العمر 55 عامًا مساعدًا سابقًا لنيكولا ساركوزي، وهو ينتمي لحزب الجمهوريين، وكان يرأس بلدية براد في جنوب غرب فرنسا. ولكنه منصب صغير، أو ربما متوسط في أفضل الأحوال، ولا يمكنه من الارتقاء إلى أعلى السلم المؤسسي، ليصل لمرحلة ما قبل القمة بدرجة.

جاءت النقلة النوعية في نظرة ماكرون لكاستيكس، بعدما عُين في أبريل مفوضًا مشتركًا بين الوزارات لشؤون رفع إجراءات العزل؛ حيث أشاد الجميع بدوره وأدائه في التنسيق بين الوزارات؛ للتخفيف من أعباء جائحة الكورونا، إلا أن ذلك لم يكن وحده سببًا كافيًا لاستبداله برئيس الوزراء السابق.

بدأت الأزمة عندما على نجم رئيس الوزراء فيليب بعد إدارته لأزمة الكورونا، والتي منحته إشادة الجميع؛ بل وجعلت البعض يتنبأ بضرورة وجوده على رأس السلطة مستقبليًّا، وهو ما أربك حسابات ماكرون، الذي يعاني فقدان جزء كبير من قاعدته الانتخابية، وفقًا لنتائج واستطلاعات الرأي[6].

وجاءت الانتخابات البلدية الأخيرة، لتكون القشة التي ستقصم ظهر البعير، وتعلن ضرورة إحداث قطيعة بين ماكرون وفيليب، وذلك بعدما فازت مجموعة فيليب في انتخابات البلدية الأخيرة بصورة ملحوظة، في حين خسر أعضاء كتلة الجمهورية إلى الأمام التي يقودها ماكرون بفداحة[7].

شعر ماكرون بالقلق على مستقبله السياسي، ورأى ضرورة التخلص من فيليب في الوقت الحالي، إلا أنه كان يخشى أيضًا أن يثير حفيظة اليمين العنصري المنتشر بقوة في فرنسا، فقرر الاستعانة بالرجل الثاني في أزمة الكورونا كاستيكس، لا سيما أنه ينتمي أيضًا لليمين المحافظ، وبالتالي سيضمن بذلك ماكرون ألا تثور الكتلة اليمينية ضده.

أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منذ أيام أنه ينوي رسم مسار جديد مع فريق جديد؛ حيث حاول ماكرون أن يحمل فيليب إرث فشله في عدد من الملفات السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية، معلنًا أن سعيه لرسم مسار جديد، يستهدف تجاوز الفشل السابق.

يدرك ماكرون جيدًا أن هدفه من هذه التصريحات التي انتهت بقراره بإقالة فيليب كان بهدف القتل المعنوي للرجل، وتفويت الفرصة عليه في الانتصار مستقبلًا في الانتخابات الرئاسية.

ويعد فيليب أحد رموز اليمين الذين يصرحون كل وقت وآخر ضد المسلمين، ويستبطن رؤية معرفية ترى أن الإرهاب جزء من عقيدة الإسلام والمسلمين عامة، والعرب خاصة، لذلك ففي حالة نجاحه في المستقبل سيكون من أشد المعادين للإسلام والمسلمين، على خطى قدوته مارين لوبان، زعيمة التيار اليميني العنصري في أوروبا كلها وليس فرنسا وحدها، وعليه فمن مصلحة العرب والمسلمين بقاء ونجاح ماكرون في السلطة، وليس هناك أدل من تجربة دونالد ترامب في السلطة، للتأكيد على أن اكتساح اليمين في الغرب، هو أحد أهم التحديات التي تواجه العرب والمسلمين في الوقت الحالي.

  • العراق

الحراك العراقي وحلم الانتخابات المبكرة:

لا يترك رئيس الوزراء العراقي الكاظمي ورئيس الجمهورية برهم صالح فرصة، إلا ويتحدثان عن ضرورة إقامة انتخابات مبكرة؛ حيث يعبران مرارًا وتكرارًا عن أهميتها لتهدئة الشارع العراقي الغاضب.

يراقب المحتجون هذا التصريحات بقلق بالغ من تحولها لوعود في الهواء، خاصة أن الوضع في العراق صعب بالفعل، وتمكنت طهران ومليشياتها من السيطرة على مفاصل الدولة، ناهيك أن الأحزاب الشيعية التابعة لإيران، تحاول إحداث أزمات معيشية حاليًّا لإثارة الرأي العام ضد حكومة الكاظمي.

إلا أن هناك مجموعة مؤشرات واقعية، يمكن من خلالها التنبؤ بمستقبل الأحداث في الوقت الحالي، أو على الأقل تحليل أبعادها.

أولًا: الحرب على المليشيات بدأت منذ لحظة عودة الجنرال عبد الوهاب الساعدي قائدًا لجهاز مكافحة الإرهاب، اليد الأمريكية الطولى، التي ضربت بها تنظيم داعش، وتعدها حاليًّا لضرب مليشيات طهران.

ثم قامت الأجهزة الأمنية بتوجيه عدد من الضربات ضد المليشيات الإيرانية، واعتقاال كثير من عناصرها؛ بتهمة التآمر والإعداد لأعمال عسكرية غير مشروعة ضد مؤسسات الدولة والبعثات الدبلوماسية.

يحاول الكاظمي من خلال تلك الاتهامات أن يشعل الرأي العام الإقليمي والعالمي ضد هذه المليشيات، وتعريتها من أي تعاطف، فضلًا عن شرعية؛، تمهيدًا للقضاء عليها.

تدرك المليشيات المسلحة جيدًا، أن تهاونها في البسيط، سيضطرها في المستقبل للقبول بتكاليف باهظة للبقاء؛ ولذلك تقوم بعمليات إرهابية ضد مقرات الأجهزة الأمنية.

إذا لم يدرك الكاظمي خطورة تحركاته ويحسنها، قد تدخل العراق في حرب أهلية دموية، إذا قررت المليشيات الإيرانية الدخول في حرب وجود ضد الدولة العراقية. ورغم احتمالية هذا السيناريو، إلا أنه يظل مستبعدًا؛ لأن تلك المليشيات لم تحرك ساكنًا عند اغتيال رمزها وقدوتها قاسم سليماني، فهل ستتحرك اليوم؟! لذلك لا يستبعد أن تقوم بالتفاهم مع الإدارة الأمريكية، إذا شعرت أن الأخيرة تريد القضاء على الوجود الإيراني في بغداد.

ولذلك يظل التحدي الأكبر أمام الانتخابات المبكرة، هو في قدرة الكاظمي على تطهير العراق من السلاح غير الشرعي؛ لضمان نزاهة العملية الانتخابية وسلامتها.

  • القضية الفلسطينية

– عملية الضم الإسرائيلية في الضفة الغربية .. بين ردود الأفعال والسيناريوهات المحتملة:

تتسارع الخطوات الإسرائيلية لتنفيذ عملية الضم في الضفة الغربية، فبعد نجاح نتنياهو في تشكيل الحكومة عبر التوافق مع رئيس تكتل أزرق – أبيض بيني غانتس في 17 مايو 2020، وتعهده بالقيام بعملية الضم في أول يوليو القادم، وذلك بعد طرح قضية الضم للتصويت أمام الكنيست، بشرط الحصول على موافقة تامة من الولايات المتحدة، وإجراء استشارات على الصعيد الدولي[8].

وفيما يتعلق بردود الأفعال حول عملية الضم، يشير المحلل العسكري روبن بن يشاي، في تقدير موقف له نشرته صحيفة “يديعوت أحرنوت”[9]، إلى أبرز توقعات ردود الأفعال المحلية والإقليمية والدولية بعد الضم، والتي تقوم على تقديرات الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، تتمثل في:

أبو مازن: لن يقوم بكسر القواعد، فهو غير معني بالعنف، وتشير التوقعات إلى أن التظاهرات بالضفة لن تكون أقوى من تلك التي حدثت بعد الإعلان عن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. وهناك توقعات في حال عدم مساس إسرائيل بمصادر رزق السكان بالضفة، فإن الاحتجاجات سرعان ما ستنتهي.

ولكن في حالة ما إذا تصاعدت حدة المواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين في الضفة، فإن الجيش الإسرائيلي سيرد بسرعة وقوة، حسب الخطة المجهزة التي تم التدرب عليها، والتي تهدف إلى منع حدوث عمليات أمنية ضد الإسرائيليين، على المحاور الرئيسة بالضفة الغربية، وسيتم التركيز على حماس بالضفة؛ لمنعها من النجاح في التسبب بتصعيد الأوضاع بها، أو تنفيذ العمليات، وتشير التقديرات أن التصعيد بالضفة سيستمر عدة أسابيع فقط.

غزة: ستقود حماس الاحتجاجات على الضم بغزة، وربما تحدث تظاهرات بالقرب من الجدار الحدودي، وهناك توقعات أن تقوم حركة الجهاد الإسلامي أو منظمات أخرى، بإطلاق صواريخ تجاه الغلاف. ولكن الجيش الإسرائيلي أعد خطة للرد السريع والرادع على أي صاروخ؛ لمنع حدوث التصعيد، وفي حال تدهور الأوضاع الأمنية، الجيش مستعد لتصعيد قد ينتهي بحرب كبيرة داخل قطاع غزة.

الأردن: يتوقع حدوث تظاهرات بعد تطبيق الضم، قد يقوم بها الفلسطينيون هناك بقيادة حركة الإخوان المسلمين، لكن الملك عبد الله وأجهزته الأمنية سوف يعملون على احتواء هذه التظاهرات؛ لعدم تعريض نظام الحكم للخطر. بينما رد الفعل الأردني الرسمي سيكون مرتبطًا بضم الأغوار، عندها متوقع أن يعلق الملك عبد الله العلاقات مع إسرائيل لفترة قصيرة، أو يقوم بسحب السفير الأردني من إسرائيل.

لبنان: يتوقع قيام اللاجئين الفلسطينين هناك بالتظاهرات احتجاجًا على الضم، وقد تقوم بعض الفصائل بإطلاق صواريخ من لبنان، لكن الجيش اللبناني سوف يمنع التظاهرات على الحدود مع إسرائيل، فحكومة لبنان التي ترتكز على حزب الله، ليست معنية -في هذه المرحلة- بمواجهة عسكرية مع إسرائيل.

مصر والدول العربية: يتوقع عقد اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية؛ للتحذير من تداعيات الضم، وقد تطالب الدول العربية مجلس الأمن بعقد جلسة خاصة لمناقشة الضم.

تركيا: من الصعب توقع ردة فعل تركيا على الضم. لكن المؤكد أن ردها على الضم سيتأثر بشكل كبير بموقف البيت الأبيض، وما إذا كان الضم سيتماشى مع “التفويض” الذي سيحصل عليه نتنياهو منه، خاصة إذا أصدر الرئيس ترامب بيان دعم نهائي.

إيران: ستحاول تحريض الفلسطينيين ضد الضم، وخلال ذلك قد تنجح حركة الجهاد الإسلامي بجر حركة حماس لمواجهة عسكرية مع إسرائيل بعد الضم.

الاتحاد الأوروبي: رغم التهديدات بفرض العقوبات، فليس من المتوقع أن يعمل الاتحاد الأوروبي كجسد واحد ضد إسرائيل بعد الضم؛ حيث إنه لا يوجد إجماع أوروبي حول مسألة الضم. وقد تكتفي الدول الأوروبية الكبرى -مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا- بالشجب، وقد تكتفي بعض الدول الأوروبية بفرض العقوبات الشكلية على إسرائيل.

الأمم المتحدة والمحكمة الدولية: وهذه هي المصادر الرئيسة التي تُقلق إسرائيل، خصوصًا اتخاذ قرار في المحكمة الدولية ضد إسرائيل بعد الضم، حول توقيف شخصيات سياسية وعسكرية إسرائيلية، والتحقيق معها في جرائم حرب ضد الفلسطينيين. ويتوقع أن تقوم بعض الدول بالأمم المتحدة، مثل روسيا والصين، بشجب الضم، لكن مع معارضة أمريكية واضحة، لن يتم  اتخاذ أي قرار بالأمم المتحدة ضد الضم.

 

وفيما يتعلق بالسيناريوهات المحتملة لعملية الضم، يرى وديع أبو نصار، الخبير في الشؤون الإسرائيلية، أن هناك أربعة سيناريوهات أمام نتنياهو لتنفيذ عملية الضم[10]، وتتباين السيناريوهات المتوقعة بين الضم على مراحل، أو التأجيل، أو تنفيذه اعتمادا على “صفقة القرن” الأمريكية (30% من مساحة الضفة)، أو ضم مساحات أكبر من المعلن؛ بهدف إرضاء المستوطنين. وهذه السيناريوهات مرتبة من الأكثر ترجيحًا إلى الأقل ترجيحًا.

السيناريو الأول: هو أن يلجأ نتنياهو -بالاتفاق مع الإدارة الأمريكية- إلى تنفيذ الضم “على مراحل، بحيث يبدأ بالكتل الاستيطانية الكبيرة القريبة من مدينة القدس، مثل معاليه أدوميم، شرق القدس، وغوش عتصيون، جنوب المدينة. ومن الممكن أن يشمل ذلك أيضًا كتلة أرئيل، شمالي الضفة الغربية، وهذا يعني أن الضم سيبدأ بخطوات صغيرة متراكمة، دون تنفيذه دفعة واحدة على 30% من مساحة الضفة الغربية”.

وما يدعم هذه السيناريو، هو عدم توصل لجنة ترسيم الخرائط الإسرائيلية – الأمريكية إلى مرحلة الخرائط النهائية. فضلًا عن أن عملية الضم الجزئي لا يلزم نتنياهو بقبول خطة ترامب بكاملها[11]، أي أن الضم الجزئي قد يكون الحل الوسط بين إسرائيل والولايات المتحدة، التي تشترط عدم شروع نتنياهو في عملية ضم الجزء المحدد من الضفة في خطة ترامب (30% من الضفة الغربية) إلا مقابل الموافقة الإسرائيلية بإقامة دولة فلسطينية على باقي أجزاء الضفة، وهو الشرط الذي يرفضه نتنياهو.

أما السيناريو الثاني -بحسب أبو نصار- فهو أن يستخدم نتنياهو المعارضة الفلسطينية والعربية والدولية، وعدم وجود اتفاق مع الإدارة الأمريكية على خرائط الضم، كغطاء ومبرر لتأجيل الخطوات التي كان من المقرر أن يعلن عنها في الأول من يوليو الى موعد لاحق. وفي هذه الحالة، سوف يلعب على عامل الوقت، وبالتالي سيبقي الضم على جدول الأعمال، ولكن دون أن يحدد موعدًا دقيقًا له، وقد يعمد إلى تنفيذه في أي وقت، مع ترجيح أن يتم ذلك قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر المقبل.

وما يرجح هذا السيناريو، ما نقلته صحيفة “جروزاليم بوست” الإسرائيلية، 29 يونيو 2020، عن مصادر أمريكية، قولها إن “إسرائيل لن تتخذ خطوات لتوسيع سيادتها بالضفة الغربية هذا الأسبوع”. كما قال البيت الأبيض، في 25 يونيو 2020، إن مشاورات داخلية (تضم كلًّا من السفير الأمريكي في تل أبيب، ديفيد فريدمان، والمبعوث الخاص للبيت الأبيض إلى الشرق الأوسط، آفي بيركوفيتش، ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، ومستشار وصهر ترامب، غاريد كوشنر، ومستشار الأمن القومي الأمريكي ريتشارد أوريان، بجانب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب) قد أجريت، وانتهت دون التوصل إلى قرار نهائي، بشأن الضم.

أضف إلى ذلك، أنه وبرغم اقتراب الموعد الذي حدده نتنياهو لإطلاق عملية الضم في الأول من يوليو 2020، إلا أنه لم يتم الإعلان عن أي جلسة للحكومة أو المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية “الكابينت” أو الكنيست (البرلمان)؛ لإقرار الشروع بهذه العملية. كما نقل الموقع الإلكتروني لصحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية عن غانتس قوله -في اللقاء مع الوفد الأمريكي (الذي يضم المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط، آفي بيركوفيتش، وعضو لجنة ترسيم الخرائط الإسرائيلية – الأمريكية سكوت لييث، والسفير الأمريكي في إسرائيل ديفيد فريدمان)، والذي وصل إلى إسرائيل في 26 يونيو 2020؛ لاستكمال المشاورات مع الجانب الإسرائيلي حول عملية الضم- إن: “الأول من يوليو ليس تاريخًا مقدسًا للضم، الأمر المقدس الوحيد الآن، هو التعامل مع جائحة كورونا والبطالة”[12].

السيناريو الثالث: يتمثل بأن يعلن نتنياهو أن خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (صفقة القرن المزعومة) تسمح لإسرائيل بضم 30% من الضفة الغربية، وأنه سينفذ هذا الضم كما ورد في الخطة، دون الالتفات إلى المعارضة الفلسطينية والعربية والدولية وخاصة الأوروبية.

وبخصوص السيناريو الرابع، الذي يتوقعه أبو نصار، فهو أن يذهب نتنياهو إلى ضم ما هو أكبر من 30% من الضفة؛ من أجل إرضاء المستوطنين الإسرائيليين، “وهو ما قد يفاجئ الكثيرين حول العالم”.

ويرى أبو نصار أن نتنياهو يتأرجح بين الخيارين الأول والثاني، ولكن إذا ما تعاظمت الضغوط الدولية عليه، فإنه قد يؤجل خطوة الضم (السيناريو الثاني)، أما إذا ما كانت المعارضة ضعيفة، فإن من المرجح له أن يعتمد الخيار الأول”.

  • ملف سد النهضة

– مصر تلجأ إلى مجلس الأمن والاتحاد الإفريقي لحل أزمة سد النهضة .. النجاحات والإخفاقات:

انعقد لقاء قمة إفريقي مصغر، في 26 يونيو 2020، جمع قادة مصر والسودان وإثيوبيا مع قادة دول هيئة المكتب التنفيذي لرئاسة الاتحاد الإفريقي (الكونغو الديمقراطية وكينيا ومالي)، بدعوةٍ من رئيس جنوب إفريقيا، سييل رامافوزا. وبالتزامن مع هذه القمة الإفريقية، فقد عقد مجلس الأمن، في 29 يونيو 2020، جلسة مفتوحة لمناقشة قضية سد النهضة، بناءً على خطاب بعثته مصر إلى المجلس قبل عشرة أيام، انتقدت فيه إدارة إثيوبيا ملف السد، وطالبت المجلس بالتدخل.

وعلى الرغم من توصل القمة الإفريقية التي انعقدت عن بعد (بتقنية الفيديو كونفرنس)، إلى اتفاق على تشكيل لجنة فنية قانونية، تمثل فيها الدول الثلاث والدول الأعضاء في هيئة مكتب رئاسة الاتحاد، إضافة إلى مراقبين دوليين (لم يُحدَّدوا)، وتتولى بحث النقاط الخلافية، والتوصل إلى اتفاق بشأنها. على أن يُنتهى من تلك المباحثات خلال أسبوعين، لتنتهي بعرض صيغةٍ للاتفاق المنتظر على قادة الدول الثلاث.

إلا أن تلك القمة الإفريقية واجهت العديد من الانتقادات، منها:

– اختلاف تفسيرات الأطراف للبيان الصادر عن هذه القمة. مثلًا، أعلنت الرئاسة المصرية أن هدف اللجنة المشكلة “بلورة اتفاق قانوني نهائي ملزم لجميع الأطراف بخصوص قواعد ملء وتشغيل سد النهضة”، وهو ما تجنبت الإشارة إليه إثيوبيا، وكذلك الاتحاد الإفريقي؛ حيث اكتفيا بالإشارة إلى “اتفاق” من دون وصفه بالنهائي أو القانوني أو الملزم. الأهم أن البيان المصري أضاف في الفقرة نفسها: “… مع الامتناع عن القيام بأية إجراءات أحادية، بما في ذلك ملء السد، قبل التوصل إلى هذا الاتفاق”، وهو ما معناه تعهد إثيوبي بعدم اتخاذ إجراءات أحادية بخصوص ملء السد، وهو ما لم يتضمنه بيانا رئاسة الوزراء الإثيوبية ورئاسة مفوضية الاتحاد الإفريقي؛ بل ونص بيان الحكومة الإثيوبية على أن الملء سيبدأ بعد أسبوعين.

– أن دخول الاتحاد الإفريقي على خط الأزمة، في هذا التوقيت بالذات، لا هدف له سوى حماية الموقف الإثيوبي؛ لتأمين مزيد من الوقت، ومجال للمناورة أمام أديس أبابا. خاصة أن إثيوبيا قد طلبت -في وقت سابق- إشراك الاتحاد الإفريقي وسيطًا، ورفضت مصر ذلك؛ خشيةً من انحياز الرئيس الحالي للاتحاد، وهو رئيس جنوب إفريقيا. لذا، سيركز الموقف الإثيوبي في جلسة مجلس الأمن على أن القضية يتولاها الآن الاتحاد الإفريقي بقبول مصر ورضاها، ولا حاجة لتدخل مجلس الأمن[13].

وفيما يتعلق بجلسة مجلس الأمن حول سد النهضة، في ٢٩ يونيو 2020، فقد أشار وزير الري الأسبق الدكتور محمد نصر علام إلى أن الجلسة أسفرت عن مجموعة من الخلاصات[14]، والتي يمكن تصنيفها إلى مجموعتين:

المجموعة الأولى: التي تصب في صالح الموقف المصري:

  1. 1. تأييد واضح لعدم التصرف الأحادي (ملء السد من قبل إثيوبيا) من أمريكا وإنجلترا وفرنسا وتونس والدومينكان وإندونيسيا، تضامنًا مع مصر والسودان.
  2. 2. صراحة مطلقة من مصر بالدفاع عن حقوقها المائية بكل الوسائل المتاحة.
  3. 3. ضعف واضح للمنطق والمطالبات الإثيوبية وقوة واضحة لمصر في الدفاع عن حقوقها.

المجموعة الثانية: والتى تصب في صالح إثيوبيا وضد الموقف المصري:

  1. 1. توافق واضح بين إثيوبيا وجنوب إفريقيا.
  2. 2. صراحة من إثيوبيا بالمطالبة بحصة من النيل الأزرق، والإصرار على ملء منفرد للسد.
  3. 3. موقف السودان مازال مطالبًا بحقوقه، ولكن على استحياء.
  4. 4. مؤشرات واضحة على فشل المفاوضات تحت مظلة الاتحاد الإفريقي.
  5. 5. تخاذل واضح من الصين وروسيا في كلمتيهما.

 

وإجمالًا لما سبق، يمكن الإشارة إلى مجموعة من النجاحات والإخفاقات المصرية في قضية سد النهضة كما يلي:

أولًا: بالنسبة للنجاحات:

– تدويل الأزمة؛ إذ لجأت مصر إلى وسيط دولي، كان الولايات المتحدة الأمريكية، ومع التراجع الإثيوبي عن التوقيع على اتفاق واشنطن في فبراير الماضي، لجأت مصر لتصعيد الملف إلى مجلس الأمن على خطوتين؛ الأولى خطاب، والثانية شكوى.

– نجاح مصر في جذب الموقف السوداني إليها، ما ظهر في عدم قدرة أديس أبابا على إنجاز تحالف إثيوبي سوداني، بالمعنى الذي جرى وقت نظام عمر البشير، رغم ممارستها ضغوطًا عسكرية على السودان على الحدود بين البلدين؛ إذ رفض السودان أولًا توقيع اتفاق ثنائي مع إثيوبيا بشأن الملء، ورفض أي أداء أحادي من جانبها في موضوع سد النهضة، وكذلك إقدامها على إرسال خطاب لمجلس الأمن؛ أسوة بمصر وإثيوبيا، وأخيرًا التلويح بوجود أضرار لسد النهضة بالغة، تصل لحد المهددات، طبقًا لتصريحات وزير الري السوداني.

– ما يتردد عن فقدان إثيوبيا للمصداقية على المستويين الدولي والإقليمي؛ بسبب سعيها إلى أن تكون مخرجات المباحثات الثلاثية مجرد توصيات غير ملزمة لها، ولا يقع عليها أي تداعيات إذا تراجعت عنها، بحيث لا يتمتع الاتفاق بأي مرجعية قانونية أو هيئات تحكيم دولية، يمكن اللجوء إليها في حالة تراجعها عن اتفاقاتها. كما تراجعت إثيوبيا في الجولة الأخيرة عن مسألة وجود مراقبين، رغم أنها من طلبت حضور جنوب إفريقيا مراقبًا، فطلبت مصر الاتحاد الأوروبي بالمقابل.

ثانيًا: الإخفاقات:

– لعل أهمها مدى أمان سد النهضة، وسلامة إنشاءاته الهندسية، وقابليتها للاستمرار، وهو ملف لم ينل اهتمامًا من المسؤولين في كل من مصر والسودان، الذين يركزون فقط على ضمان تدفق المياه.

ويتبنى خبير السدود بالأمم المتحدة أحمد الشناوي مقولات تفيد أن سد النهضة سوف ينهار عند وصول الملء أمام بحيرة السد حد الـ7 مليارات متر مكعب من المياه، استنادًا إلى أن منطقة السد فالق جيولوجي نشط. ويستند أيضًا في هذا التقدير إلى واقعة انهيار سد أومو الإثيوبي قبل عامين؛ بفعل نشاط هذا الفالق. وهو تقدير ربما يتفق مع أن رقم معامل سد النهضة ضعيف، وأن الدراسات الفنية لهذا السد غير موجودة بعد توقف عمل المكاتب الاستشارية العالمية عقب حدوث خلافات بشأن التقرير الاستهلالي لهذه المكاتب، ولم تكمل عملها[15].

– عدم قدرة كل من مصر والسودان إلى الآن على التوصل إلى اتفاق نهائي وملزم من قبل إثيوبيا حول قواعد ملء وتشغيل السد، وإمكانية أن يؤدي هذا الأمر إلى تحكم إثيوبيا في حصة المياه التي تصل إلى مصر، وتنفيذ المطالب الإثيوبية بإعادة تقسيم مياه النيل؛ لاعتقادها بأن مصر هي أكثر الدول المستفيدة من هذه المياه.

  • ليبيا

– تصاعد التنافس الروسي – الأمريكي على النفط الليبي .. ومخاوف من تقسيم ليبيا:

تزايد الوجود الروسي في سرت التي تمثل المنطقة الوسطى لليبيا الغنية بالنفط، سواء عبر مرتزقة “فاغنر”، أو من خلال إرسال أسراب من طائرات “ميغ 29″ و”سوخوي 24”. أكثر من ذلك، فقد دخلت عناصر الفاغنر إلى حقل الشرارة النفطي، الذي استأنف الإنتاج بعد توقف دام 6 أشهر، وفقًا لبيان المؤسسة الوطنية للنفط بطرابلس، وهذه الخطوة قد تلحقها خطوات مماثلة في حقول وموانئ النفط الأخرى.

وتسعى روسيا من خلال ذلك إلى تعزيز نفوذها الخارجي، من خلال منافسة الغرب الأمريكي الأوروبي في إمدادات النفط، خاصة في منطقة الشرق الأوسط. وظهر ذلك في استبدال ثلاث شركات أمريكية -التي تستكشف وتنتج النفط في العراق- بثلاث روسية. أضف إلى ذلك العلاقة الروسية مع إيران، والتهديد الذي تواجهه صناعة النفط السعودية. وأخيرًا، فإن وضع روسيا يدها على النفط الليبي، أو إدخاله في دائرة صراع، يعني أن المنطقة الأهم في إنتاج وتصدير النفط تواجه صعوبات كبيرة، لن تكون في صالح الأمريكيين والأوروبيين[16].

وقد دفعت تلك الخطوة الروسية (دخول فاغنر إلى حقل الشرارة) نحو التصعيد من قبل أمريكا وأوروبا، والذي ظهر في إعراب السفارة الأمريكية لدى ليبيا عن قلقها العميق، بشأن التدخل “المخجل” لمجموعة فاغنر والمرتزقة الأجانب الآخرين في مرافق المؤسسة الوطنية للنفط وموظفيها في حقل الشرارة، وجددت السفارة، دعمها الكامل للمؤسسة الوطنية للنفط[17]. كما أعربت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بالإنابة ستيفاني وليامز، عن انزعاجها الشديد بسبب التقارير التي تفيد بدخول مجموعات جديدة من المرتزقة من عدة جنسيات إلى حقل الشرارة ومنشآت نفطية أخرى[18].

كما سارع الاتحاد الأوروبي لإعلان دعمه للمؤسسة الوطنية للنفط الليبية، في كفاحها لإعادة إنتاج البترول بأقرب وقت ممكن. وجاء ذلك خلال لقاء جمع سفير الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا آلن بوجيا، مع مصطفى صنع الله، رئيس مؤسسة النفط الوطنية، في مقر المؤسسة بالعاصمة الليبية طرابلس، حسب بيان نشرته المؤسسة عبر صفحتها بموقع “فيسبوك”. وشدد البيان على رفض وجود المرتزقة الأجانب أو المجموعات المسلحة الليبية بمختلف أسمائها داخل حقول النفط[19].

وقد نجح التصعيد الأمريكي والأوروبي في الضغط على حفتر؛ من أجل رفع القوة القاهرة على إنتاج النفط، فقد أعلن المتحدث الرسمي باسم قيادة قوات حفتر، أحمد المسماري، أن قيادة حفتر  “تدرس حاليًّا إعلان الخطوات المقبلة فيما يتعلق بالتفويض الذي تلقته فيما يتعلق بإدارة المنشآت النفطية”، وهو البيان الذى يأتي بعد ظهور عدد من الأفراد من أمام بوابة أحد الموانئ النفطية، يعلنون باسم ما يعرف بـ “حراك المدن والقبائل الليبية” عن فتح حقول النفط و”تفويض القيادة العامة بالتواصل مع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لإيجاد حلول لعدم وقوع إيرادات النفط في أيدي المليشيات الإرهابية”[20].

إلا أنه على الرغم من نجاح واشنطن في استعادة إنتاج النفط الليبي، فإن ذلك قد يكون مرتبطًا بوجود تفاهمات دولية لتقسيم ليبيا، فبعد بروز مسمى “تقسيم موارد النفط بشكل عادل”، كأحد الحلول للأزمة الليبية، على لسان المبعوث الأممي السابق لدى ليبيا غسان سلامة، المعروف بقربه من السياسة الفرنسية، إبان انتهاء زيارة له إلى موسكو في يونيو 2019. بجانب مجاهرة الخسيس المصري عبد الفتاح السيسي بهذا المطلب صراحة، خلال خطابه في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، في سبتمبر 2019، عندما طالب بمعالجة خلل توزيع الثروة الليبية والسلطة كحل لأزمة البلاد.

فقد نشرت صحف ووسائل إعلام تسريبات من كواليس المفاوضات التي أعلنت عنها المؤسسة الوطنية للنفط، 29 يونيو 2019، بين كل من “حكومة الوفاق” والأمم المتحدة والولايات المتحدة ودول إقليمية، لم تسمها؛ لاستئناف إنتاج النفط. فقد قالت صحيفة “ذا غارديان” البريطانية، في 30 يونيو 2020، إن المفاوضات لفتح النفط تجري على أساس تقسيم العوائد على ثلاثة بنوك للأقاليم الليبية الثلاثة، بجانب تعيين شاغلين جدد في مراكز مهمة بالمؤسسة الوطنية للنفط، تمثل كل الأطراف الليبية. وهو ما اعتبره العديد من المراقبين خطوة كبيرة تجاه العودة لشكل البلاد الجغرافي القديم، القائم على أساس الاستقلال الذاتي بين الأقاليم الثلاثة (طرابلس، برقة، فزان)[21].

 

 

[1] المنصة، نص كلمة السيسي بمناسبة ذكرى 30 يونيو .. 29/6/2020، شوهد في: 1 يوليو 2020، الرابط: https://bit.ly/3itEKQE

[2] الجزيرة نت، خارطة السيسي في مصر، 7 يوليو 2013، الرابط: https://bit.ly/2ZDH3rS

[3] اليوم السابع، هدية الداخلية فى ذكرى 30 يونيو .. تطوير الأقسام الشرطية بشكل عصري .. صور، 28 يونيو 2020، الرابط: https://bit.ly/31NTzrl

[4] العربي الجديد، التطوير الشكلي لأقسام الشرطة المصرية: مناورة لتبييض السمعة، 2 يوليو 2020، الرابط: https://bit.ly/2D3BJWY

[5] جمهورية مصر العربية رئاسة مجلس الوزراء، الصحة: ارتفاع حالات الشفاء من مصابي فيروس كورونا إلى 19690 وخروجهم من المستشفيات، 3 يوليو 2020، الرابط: https://bit.ly/2ZByRbA

[6]  فرنسا: فوز فيليب في الانتخابات البلدية .. نعمة أم نقمة على ماكرون؟، القدس العربي، 30/6/2020

https://www.alquds.co.uk/%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D8%A7-%D9%81%D9%88%D8%B2-%D9%81%D9%8A%D9%84%D9%8A%D8%A8-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%AE%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%84%D8%AF%D9%8A%D8%A9/

 

[7]  فرنسا: بعد استقالة فيليب .. ماكرون يعين مساعدًا سابقًا لساركوزي رئيسًا للحكومة ويعد بـ”مسار جديد”، القدس العربي، 3/7/2020

https://www.alquds.co.uk/%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%83%d9%88%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%b1%d9%86%d8%b3%d9%8a%d8%a9-%d8%aa%d8%b9%d9%84%d9%86-%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d9%82%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%87%d8%a7-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d9%83/

 

[8] “ضمُّ الأغوار الفلسطينية طموح قديم متجدّد لإسرائيل (الدوافع والتداعيات)”، مركز برق للسياسات والاستشارات، 15/6/2020، الرابط: https://bit.ly/3ifRSsm

[9] روبن بن يشاي، “توقعات ردود الأفعال المحلية والإقليمية والدولية بعد الضم”، عكا للشؤون الإسرائيلية (مترجم)، 28/6/2020، الرابط: https://bit.ly/2ZrxJag

[10] “4 سيناريوهات محتملة للضم الإسرائيلي بالضفة الغربية”، القدس العربي، 29/6/2020، الرابط: https://bit.ly/3g4iBXc

[11] “يديعوت: خطة الضم “جزئية” والخرائط النهائية لم ترسم بعد”، عربي 21، 29/6/2020، الرابط: https://bit.ly/2VAshB0

[12] ” مصادر أمريكية: “الضم” الإسرائيلي لأراضٍ فلسطينية لن يبدأ في الأول من يوليو”، القدس العربي، 29/6/2020، الرابط: https://bit.ly/2NJNbZT

[13] سامح راشد، “سد النهضة بين مجلس الأمن والاتحاد الإفريقي”، 29/6/2020، الرابط: https://bit.ly/2ZoUjAh

[14] محمد نصر علام، “الصفحة الشخصية على الفيسبوك”، 30/6/2020، الرابط: https://www.facebook.com/mohamednasr.allam.3/posts/1176546482694102

[15] أماني الطويل، “ماذا ينقص الاتفاق النهائي لسد النهضة؟”، إندبندنت عربية، 28/6/2020، الرابط: https://bit.ly/2YKibPJ

[16] السنوسي بسيكري، “الفاغنر في حقل الشرارة .. خطوة لها ما بعدها”، عربي 21، 27/6/2020، الرابط: https://bit.ly/3in7RVF

[17] “ليبيا: السفارة الأمريكية قلقة من تدخل “فاغنر” بمرافق النفط”، العربي الجديد، 26/6/2020، الرابط: https://bit.ly/2VCpY09

[18] “وليامز تعبر للسراج عن «انزعاجها من دخول مرتزقة إلى منشآت نفطية»”، بوابة الوسط صوت ليبيا الدولي، 28/6/2020، الرابط: https://bit.ly/2VAMKp6

[19] “أوروبا تعلن دعمها “النفط الليبية” .. ومخاوف من انتقال القتال إلى الحقول”، العربي الجديد، 29/6/2020، الرابط: https://bit.ly/2Zu0h2O

[20] “حفتر يسعى للعودة إلى المشهد الليبي من بوابة النفط”، العربي الجديد، 30/6/2020، الرابط: https://bit.ly/31vnQLz

[21] “تقاسم “عائدات النفط” يهدّد ليبيا بالتقسيم”، العربي الجديد، 1/7/2020، الرابط: https://bit.ly/38gpzFM

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022