في إبريل 2010م، استخدم الجيش البريطاني أهدافا “افتراضية” جرى تصميمها على شكل مساجد في تدريب عسكري بميدان رماية داخل قاعدة عسكرية بمدينة برادفورد كانت هدفا للقصف في دلالة غير خافية أن الحكومة البريطانية تعتبر المساجد التي تمثل رمزا للإسلام والمسلمين هي العدو الذي تتدرب القوات البريطانية على قصفه واستهدافه، المشهد الذي تناولته بالنقد صحيفة “التلجراف” البريطانية في 8 إبريل 2010م[[1]]، كان مشينا وعنصريا وبالغ الإساءة؛ أفضى إلى ردود أفعال غاضبة من جانب المسلمين والمدافعين عن حقوق الإنسان واعتبره مجلس مساجد المدينة التي تقع في شمال إنجلترا “أمرا مهينا” وطالب بسحب هذه المساجد الافتراضية على الفور وتقديم اعتذار من جانب وزارة الدفاع البريطانية للمسلمين، وبالفعل جرى سحب هذه المساجد الافتراضية من الميدان وتقدمت وزارة الدفاع البريطانية باعتذار للمسلمين.
بعدها بست سنوات، أجرى الجيش المصري مناورات تدريبية يوم الأربعاء 20 يوليو 2016م خلال حفل تخرج دفعة جديدة من طلبة الكلية الجوية، وكانت الصدمة المدوية أن التدريب الأساسي لهؤلاء الطلاب المتخرجين حديثا من القوات الجوية هو استهداف مجسم لمسجد بكامل تفاصيله! وحين أبدى المسلمون استياءهم من هذه “الإهانة الصادمة” لم يكترث رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي وقادة الجيش الذين كانوا شهودا على الجريمة؛ ولم يقدم نظام الانقلاب ولا المؤسسة العسكرية المصرية اعتذارا عن هذه الإساءة وتلك الجريمة، وراحت ألآلة الإعلامية لنظام العسكر في مصر تبرر هذه الخطيئة بأنها جزء من تدريب الجنود على قصف المساجد التي يتحصن بها الإرهابيون حتى تزول الرهبة من نفوسهم، لكن الرسالة كانت قد وصلت في تأكيد على أن الانقلاب قد طال كل شيء في البلاد فهو انقلاب على الإسلام بدعوى الحرب على الإرهاب، بذات القدر الذي مثل فيه انقلابا على المسار السياسي الديمقراطي الذي أنتجته ثورة يناير 2011م. ومن دواعي الأسف أن الأزهر التزم الصمت أمام هذه الجريمة ولم ينطق أحدهم بكلمة حق أمام سلطان جائر.اعتذر البريطانيون عن هذه الإساءة المهينة واستكبر السيسي وجيشه أن يعتذروا لله وللمسلمين في العالم عن هذه الجريمة الصادمة.
إزاء هذه المقارنة يمكن رصد عدة ملاحظات جديرة بالتأمل:
أولا، عداء السيسي للمساجد بات لا يحتاج إلى دليل أو برهان؛ ويكفي آلاف المشاهد والصور ولقطات الفيديو التي جرى بثها ونشرها حاليا على مواقع التواصل الاجتماعي وفضائيات الثورة لعشرات المساجد والمآذن التي دمرها السيسي والتي أصابت ملايين المسلمين في مصر والعالم بصدمة وغضب لا يعلم مداه إلا الله. ويكفي أن رئيس الانقلاب قد اعترف بشكل سافر بهدم نحو 35 مسجدا على طريق محور ترعة المحمودية الذي يربط محافظة البحيرة بالإسكندرية. وبرر السيسي هذه الخطيئة بأن هذه المساجد مخالفة وأقيمت على أرض الدولة. فلماذا لم يسع إلى تقنينها كما يفعل مع الكنائس المخالفة؟ وتؤكد الشواهد أن رئيس الانقلاب ماض في هدم عشرات المساجد الأخرى فقد ذكر في تصريحاته التي هدد فيها المخالفين في البناء بالجيش صباح السبت 29 أغسطس 2020م، بأن هناك نحو 77 مسجدا مخالفا على محور المحمودية. ومن دواعي الأسف أن عناصر الهيئة الهندسية التابعة للجيش والتي تشرف على مشروع محور المحمودية هي التي تتولى هدم وتدمير بيوت الله بكل جرأة ووقاحة. وحتى يونيو/حزيران 2014 بلغ عدد المساجد والزوايا التي صدر قرارات بإغلاقها في الإسكندرية وحدها 909 مساجد وزاوية بدعوى مخالفتها الشروط والضوابط المنصوص عليها في القانون. وفي يوليو/تموز 2016 وافق وزير الأوقاف محمد مختار جمعة على هدم 64 مسجدا على مستوى الجمهورية، لوقوعها ضمن نطاق توسعات مزلقانات هيئة السكك الحديدية، بينها 12 مسجدا في مركزي طلخا وشربين بمحافظة الدقهلية. وبعيدا عن أعين الإعلام، وفي مايو/أيار 2015 تعرضت خمسة مساجد للهدم في محافظة شمال سيناء بإشراف مباشر من الجيش، هي مساجد “الوالدين”، و”الفتاح”، و”النصر”، و”قباء”، و”قمبز”. وسبق أن هدمت قوات الجيش مساجد أخرى في سيناء عبر قصفها بالطائرات المروحية -خصوصا في مدينتي رفح والشيخ زويد- بدعوى محاربة الإرهاب.[[2]]
ثانيا، لا يمكن الفصل بين هدم عشرات المساجد حاليا وجريمة العدوان السافر على مسجد رابعة العدوية إبان اعتصام أنصار الرئيس الشهيد محمد مرسي رفضا للانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب ونظامه الديمقراطي الذي اختاره الشعب في أنزه انتخابات شهدتها مصر عبر تاريخها كله في منتصف 2013م. فقد ارتكب السيسي ومليشياته مذبحة جماعية بحق الآلاف من أنصار الرئيس المنتخب كلهم من الإسلامين وزج بعشرات الآلاف في السجون بتهم سياسية ملفقة، ثم أحرق المسجد على ما فيه من المعتصمين في مشهد وحشي يفوق جرائم المغول والتتار قبل مئات السنين. وبثت الفضائيات جثامين الضحايا محروقة تجرفها جرافات الجيش في مشهد صادم أصاب كل من يملك ذرة من إحساس أو ضمير بالألم والغضب حتى اليوم. نفس المشهد تكرر مع مسجد الإيمان الذي كان يضم عشرات الشهداء بالقرب من مقر الاعتصام. وفي 16 أغسطس 2013م شاهد العالم كله بثا مباشرا لاقتحام مليشيات السيسي لمسجد الفتح برمسيس واعتقال المئات من الذين اعتصموا به خوفا من بطش مليشيات السيسي وبلطجيته بعد قتل نحو 200 من أنصار الرئيس مرسي، ولا يزال المئات من الذين اعتصموا بالمسجد يحاكمون في محاكم صورية حتى اليوم في قضية سياسية باسم “قضية مسجد الفتح” رغم أنهم الضحايا بينما أفلت البلطجية من العقاب. نفس الأمر تكرر مع عشرات المساجد في محافظات مصر المختلفة التى استباحتها مليشيات السيسي وعلى رأسها مسجد القائد إبراهيم أحد أهم مساجد مصر التي انطلقت منها ثورة 25 يناير2011م.
ثالثا، يتعامل السيسي ونظامه بازدواجية مشينة تجاه دور العبادة المختلفة؛ ولا برهان على ذلك أكبر من التعامل الهادئ مع ملف الكنائس المخالفة حيث جرى سن قانون رقم 80 لسنة 2016، وتشكيل لجنة رئيسية لتقنين أوضاع الكنائس والتي تم تشكيلها في يناير 2017، برئاسة رئيس مجلس الوزراء، وعضوية 6 وزراء، هم: الدفاع والإنتاج الحربي، الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، التنمية المحلية، الشؤون القانونية ومجلس النواب، العدل، والآثار، وممثل عن الطائفة المعنية، بالإضافة إلى ممثلين عن جهات سيادية، كل ذلك بهدف استرضاء الكنيسة والتظاهر أمام الغرب بأن مصر تشهد تسامحا دينيا غير مسبوق، وجرى بالفعل تقنين أكثر من 1600 كنيسة ومبنى مخالف تابع للكنائس. فلماذا لا يتم التعامل مع المساجد المخالفة كما يجري مع الكنائس المخالفة؟ لماذا تهدم المساجد وتقنن الكنائس؟ لماذا هذا الاضطهاد الديني ضد المسلمين في بلد يفترض أنه مسلم وينص دستوره على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع؟! هذه الازدواجية من النظام تجاه دور العبادة لا تتوقف عند تقنين الكنائس وهدم المساجد في مشهد عنصري بالغ الإساءة للإسلام والمسلمين بل يمتد إلى التعامل بشكل عام؛ فبينما يستبيح السيسي وأجهزته الأمنية المساجد ولا يرى لها ولا لأئمتها حرمة ويسمح لأجهزته الأمنية باقتحامها متى شاءت وكيف شاءت، فإنه شديد التبجيل والاحترام لدور العبادة الخاصة بالأقباط واليهود. وحتى اليوم لا تقدر أجهزة السيسي الأمنية على هدم كنيسة واحدة حتى لو كانت مخالفة أو اقتحامها ولا تستطيع أن تتدخل في شئونها ولا تفرض على القائمين عليها من الرهبان والقساوسة خطابا معينا أو تمنع نشاطا من أنشطتها بخلاف الحصار الصارم على المساجد، فقد جرى تأميم المساجد لحساب وزارة الأوقاف الحكومية التي يشرف الأمن الوطني عليها من الألف إلى الياء، وباقي المساجد الأهلية لا يتولى الإمامة فيها إلا أشخاص معرفون بولائهم للنظام، يسبحون بحمده مهما بلغ شذوذه أو انحرافه، ولا يسمح لهم بأي نشاط دون إذن من الأجهزة الأمنية، ولا يسمح لهم مطلقا بانتقاد أي أوضاع شاذة أو منحرفة تتعلق بنظام الحكم حتى لو كانت بالغة الفجور والإجرام. وفي إصرار على حصار التدين عموما في أعقاب انقلاب 3 يوليو 2013م منع وزير الأوقاف مختار جمعة الصلاة في قرابة 25 ألف مسجد وزاوية.[[3]] وخاطب الوزير المحافظين بحظر بناء المساجد والزوايا أسفل العمارات السكنية أو بينها دون إذن مسبق من الوزير “كي لا توظف لأغراض لا تتفق مع الخطاب الديني”، كما جرى غلق المساجد في أعقاب الصلاة مباشرة، وإقرار الخطبة المكتوبة، في تأكيد على احتكار الإسلام الذي جرى تفصيله على مقاس الحكام وأهوائهم. وتأكيدا على هذا الاضطهاد الديني ضد المسلمين فإن السيسي في الوقت الذي يهدم فيه عشرات المساجد، أنفق نحو 100 مليون جنيه على ترميم معبد يهودي بالإسكندرية (معبد إلياهو هانبي في شارع النبي دانيال بوسط الإسكندرية)، رغم أن المعبد لا تقام فيه الصلاة أساسا لعدم وجود نصاب قانوني من الجالية اليهودية يكفي لإقامة الصلاة فيه؛ فعدد الجالية اليهودية في مصر كلها ست نساء فقط! وهو ما دفع الكيان الصهيوني إلى تقديم كل معاني الشكر والعرفان لقائد الانقلاب في مصر.
رابعا، من دواعي الأسى والأسف أن المؤسسة الدينية الرسمية في مصر ممثلة في الأزهر والإفتاء والأوقاف، قابلت هذه الجريمة وهذا الاضطهاد الديني الذي يتعرض له المسلمون في بلدهم إما بالصمت كما يفعل الأزهر ومشيخته وإما بالتبرير والنفاق والانحياز السافر لمواقف السلطة كما تفعل الإفتاء والأوقاف. فقد أجازت الإفتاء والأوقاف جرائم السيسي بهدم عشرات المساجد وأفتت بحرمة بناء المساجد على أرض الدولة أو على أرص مغتصبة[[4]] وهو أمر مفهوم في حالة إقامة مساجد جديدة حاليا أو في قابل الأيام والسنوات، لكن المشكلة هنا أن هذه المساجد التي جرى هدمها على هذا النحو الصادم بنيت منذ سنوات أو عشرات السنوات بجهود الأهالي، وكان الأولى تقنين وجودها كما جرى بالضبط مع الكنائس المخالفة، وما كان هدمها ضرورة تتكفل الدولة ببناء بدائل لها في ذات الحي، على الأقل حتى لا يتهم النظام بالسعي في خراب المساجد ومنعا لذكر الله فيها؛ ثم توظيف المؤسسة الدينية سياسيا لتبرير هذه الجريمة الكبيرة على هذا النحو البائس.
خامسا، عداء السيسي للمساجد لم يتوقف على حصار مساجد مصر بل إنه طالب الدول الغربية بحصار المساجد في بلادها وذلك أثناء مشاركته في قمة ميونيخ للأمن التي انعقدت في ألمانيا في فبراير 2019م، حيث حرَّض الأوروبيين على مراقبة المساجد، وقال إنه دأب في لقاءاته مع المسؤولين الأوروبيين أو من أي دولة أخرى على حثهم على الانتباه لما ينشر في دور العبادة الخاصة بالمسلمين. وربط السيسي ذلك بالحرب على ما يسمى بالإرهاب[[5]] وهو ما يتسق مع تصورات السيسي المشوهة عن الإسلام والمساجد باعتبارها أوكار لتفريغ الإرهابيين وليست دور عبادة تسمو بالروح وتهذب السلوك.
لماذا يستهدف السيسي المساجد؟
أولا، الخوف من الهوية الإسلامية وتكريس نسخة من العلمانية المتطرفة في مصر؛ يدلل على ذلك أن السيسي في أول حوار صحفي له مع الواشنطن بوست، بعد مرور شهر واحد على انقلابه العسكري، أكد للصحفية (ليلي ويموث) أنه ما قدم إلى الحكم إلا لإجهاض المشروع الإسلامي الذي أراده الرئيس “محمد مرسي”، حيث قال نصا: “لو كان الانقلاب عليه لفشله، كنا صبرنا عليه لانتهاء مدته، ولكنه أراد إحياء المشروع الإسلامي والخلافة”. وبعد عام كامل من هذا الحوار، وفي لقاء له مع فضائية “العربية” ذات التوجه العلماني قال نصا: “لن يكون في مصر قيادات دينية ولن أسمح بذلك، فأنا المسئول عن الأخلاق والقيم والمبادئ”، ثم أكمل قائلا: “والدين أيضا”، وهنا قاطعته المذيعة متسائلة: “والدين أيضا؟!”، فأكد السيسي فكرته: “وعن الدين أيضا”. لكن السيسي عاد في 2017 م أكثر صراحة ووضوحا في تعامله مع الإسلام، حين صرح لشبكة “فوكس نيوز” الأمريكية (المعروفة بتوجهاتها المتطرفة): أنه لا مكان للدين في الحياة السياسية بعهده.[[6]] فالسيسي لا يؤمن بالعلمانية المحايدة التي تقف موقفا وسطا من جميع الأديان؛ بل يرى في الأديان تابعا للسلطة توظفه لخدمة أهدافها كيفما تشاء؛ ولعل هذا يفسر سياساته خلال السنوات الماضية فهو دائم الاتهام للإسلام بالتسبب في العنف والتطرف والإرهاب والعمل على تركيع رموزه ومؤسساته الدينية في الوقت الذي يبدي فيه توددا ملحوظا للكنيسة ورموزها ويعمل باستمرار على استرضائها، ويكون السيسي أكثر خنوعا وتوددا لكل ما هو يهودي وهو ما يبدو بوضوح شديد خلال لقاءته التي جمعته بوفود يهودية خلال السنوات الماضية، بخلاف ترميم المعبد اليهودي بمائة مليون جنيه رغم عدم إقامة الصلاة فيه. ولو أن المذابح التي ارتكبها السيسي بحق المسلمين جرت لغيرهم، أو عمليات الهدم الجارية طالت عشرات الكنائس بدلا من المساجد؛ لقامت الدنيا عليه ولتم الإطاحة به من وقتها؛ لكن الأمريكان والغرب ينظرون إلى سحق الإسلاميين باعتباره عاملا لاستقرار المنطقة باعتبارهم من أشد المعادين للمشروع الصهيوني والأجندة الأمريكية في مصر والمنطقة.
ثانيا، يمثل العدوان على المساجد ومن يعمرونها من جانب السيسي وأجهزته الأمنية برهانا على مدى التلاعب الذي يجري في تغيير ملامح الهوية الإسلامية لمصر، حيث يجري في هدوء أوسع انقلاب على تلك الهوية المصبوغة بالعروبة والإسلام داخل المجتمع المصري؛ ليكون متصالحا مع مفاهيم التطبيع والقبول بالتعايش مع الاحتلال تحت لافتة “السلام”؛ ولتشكيل أجيال جديدة لا تستمد قيمها من الإسلام ولا مبادئه وأفكاره، وهو ما يمثل مكسبا كبيرا للاحتلال في إطار تشكيل ما يسمى بالشرق الاوسط الكبير. وذلك بعد أن تمكن جنرالات العسكر من تغيير العقيدة القتالية للجيش ليكون العدو هو من يرفض دمج “إسرائيل” في التركيبة الإقليمية برعاية أمريكية. خطورة الموضوع دفعت «مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي» إلى إصدار دراسة في 28 يناير2019م، أعدها الباحثان عوفر فنتور وأساف شيلوح، بعنوان «هوية مصر في عهد السيسي: السمات المميزة للإنسان المصري الجديد»، يشيدان فيه بهذه الخطوات غير المسبوقة؛ حيث تناولت الدراسة مظاهر ومآلات الحملة الواسعة التي يشنها نظام السيسي من أجل إعادة صياغة الهوية الوطنية لمصر؛ من خلال السعي أولا لتقليص مركّبها الإسلامي والعربي، وثانيا احتواء سماتها الثورية، وثالثا العمل على بناء جيل مصري جديد يكون أكثر استعداداً للاصطفاف حول الأجندة التي يفرضها النظام، إلى جانب أنها ترمي رابعا إلى تحسين صورة النظام في الخارج. وتقول الدراسة، إن الخطاب الحاكم لجدل الهوية الذي فجره نظام السيسي، يقوم على مبدأين أساسيين: أولاً؛ الإنسان المصري يمثل النقيض للإسلامي. ثانياً؛ الهوية المصرية تمثل فسيفساء من 8 مركّبات: الفرعونية، اليونانية، الرومانية، القبطية، الشرق أوسطية، والأفريقية، إلى جانب المركّبين الإسلامي والعربي. وتلفت الدراسة إلى حقيقة أن النظم الشمولية هي التي عادة ما تنشغل في شنّ حملات، تهدف إلى التأثير على مركّبات الهوية الوطنية أو تسعى إلى بناء توازنات جديدة فيها؛ من أجل إيجاد متطلبات تضمن بقاء نظامه وضمان استمراره واستقراره، من خلال إثارة جدل الهوية أملا في أن يسهم ذلك في صياغة بيئة داخلية وبناء نخبة شبابية، تكون أكثر استعداداً لاستخدام كل الأدوات والوسائل التي تخدم النظام وتعمل على تحقيق أهدافه.([7]) وفي يوليو 2018 كلف زعيم الانقلاب القوات المسلحة بتنبي ما أسماه بمشروع “الهوية المصرية”[[8]] الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بالتحولات الكبرى في عقيدة الجيش القتالية.
الخلاصة أن السيسي بعدما اغتصب الحكم بانقلاب عسكري في 3 يوليو 2013م اعتمد في بناء سلطوية جديدة أكثر قمعا وطغيانا على الاستغراق في صناعة عدو داخلي أوخارجي وتوظيف الخطاب السياسي والإعلامي وجميع مؤسسات الدولة التنفيذية والقضائية والتشريعية والدينية لنسج الأكاذيب حول هذا العدو “الوهمي” الذي يمثل حاجة اجتماعية سياسية عليا يحقق كثيرا من الأهداف التي تتعلق بتماسك النظام وتحميل “العدو الوهمي” خطايا الفشل والإخفاق ونعته بأحط الصفات؛ ليلبي نوازع الإحساس الكاذب لدى الطغاة والمستبدين بالحسن والتظاهر بالصلاح الكاذب والتقوى المصطنعة. والهدف هو شيطنة الآخر “الإسلامي ــ المسجد” وتوظيف الآلة السياسية والإعلامية والعسكرية والأمنية من أجل تبرير إبادته وتدميره وتحويل قتله المجرم قانونا إلى فعل مشروع يستحق المتورطون فيه أنوط الشجاعة والتكريم! ويقدم الطاغية عبد الفتاح السيسي نظريته الخاصة بالعدو، فهو يرى أن الخطر على الدول العربية لم يعد خطرا خارجيا، بل هو خطر داخلي. يقول السيسي في أحد خطاباته: “الجديد في الصراع بين الدول ليس مبنيا على صدام مباشر بين الدولة ودولة أخرى، الجديد في الموضوع النهارده أنه يتم تفكيك الدول من الداخل، وهو أصعب إجراء؛ لأن من يقوم به هم شعوب تلك الدول”. «الشعوب» إذا هي العدو الجديد الذي يراه السيسي يستحق المواجهة. وما استهداف المساجد وتخريب بيوت الله على يد السيسي ومليشياته إلا لأنها كانت ملاذا لتحركات الجماهير في ثورة يناير 2011م وكانت منطلق الملايين ضد انقلاب 3 يوليو 2013م؛ وبالتالي فإن تدمير المسجد برمزيته وحرمته وتفريغه من مضمونه ورسالته ودوره وتأثيره في المجتمع هو حاجة أمنية وضرورة للنظام الذي لا يرى عدوا يستحق التربص سوى الجماهير إذا تحركت في ثورة جديدة تنتزع حقوقها المشروعة ضد نظام أدمن الفساد والطغيان.
————————————-
[1] محمد القدوسي/ عسكر مصر إذ يستبيحون مساجد الله/ الجزيرة نت 3 أغسطس 2016
[2] هدم العشرات.. ماذا بين السيسي والمساجد؟/ الجزيرة نت 20 مارس 2019
[3] عبد الرحمن محمد/يحدث في مصر.. منع الصلاة بـ25 ألف مسجد/ الجزيرة نت 16 إبريل 2018
[4] كريم أبو زيد/ هل يجوز هدم المساجد المخالفة؟.. الأوقاف والإفتاء تجيبان/ مصر العربية 30 أغسطس 2020
[5] بمؤتمر ميونيخ للأمن.. السيسي يدعو الغرب لمراقبة المساجد ويعرّض بتركيا/ الجزيرة نت 16 فبراير 2019
[6] شرين عرفة/ ماذا بينك وبين الإسلام يا سيسي؟!/ مدونات الجزيرة 28 نوفمبر 2018
[7] «هوية مصر في عهد السيسي: السمات المميزة للإنسان المصري الجديد».. قراءة في دراسة إسرائيلية / الشارع السياسي 24 فبراير 2019
[8] محمد البنهاوي/ مؤتمر الشباب 2018| السيسي يكلف القوات المسلحة بتبني «الهوية المصرية»/ بوابة أخبار اليوم السبت 28 يوليه 2018